عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2012- 4- 23
الصورة الرمزية هيبة وجودي
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 1982
المشاركـات: 6
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

المحاضرة التمهيدية
عناصر المحاضرة
• مدخل تعريفي بمقرر العقيدة .
• خطة المقرر ووصفه .
• إيجاز بتوزيع درجات تقويم الطالب واختباره .
أولا : مدخل تعريفي بمقرر العقيدة:
أهم العناصر :
ـــ تقديم .
ـــ التعريف بالعقيدة .
ـــ الحاجة إلى العقيدة وأهمية دراستها .
ـــ مصادر العقيدة الإسلامية .
تقـديــم :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...
فمما لا يختلف فيه المسلمون وتلتقي عنده أفئدة المؤمنين أن علم العقيدة هو أشرف العلوم ، إذ شرف العلم بشرف المعلوم ، سماه الأكابر الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع ، ويشهد له تسمية مكتوب أبي حنيفة لما جمعه في أوراق في أصول الدين ( الفقه الأكبر ) ، ولم لا وهو لباب ألباب المهتدين ، ومورد ورود القاصدين المفلحين ؟ ! ، به يجد الإنسان طلبته , وينجو من ويلات مخالفات فطرته .
ومن هذا المنطلق راحت ألباب علمائنا لتعرف بالعقيدة ، وفيما يأتي بيان ذلك ، إذ لا بد طلابنا الكرام الأفاضل قبل أن نشرع في فقه العقيدة ومضمونها ، من أن نعرف بمفهومها حتى نبدأ على دراية بمسمى العلم قبل درك مقاصده وموضوعه :
التعريف بالعقيدة :
العقيدة لغة : من عقد بمعنى الشد والوثوق والثبات والتأكيد والصلابة في الشيء .
وفي اصطلاح الشرع : يرجع مفهوم العقيدة إلى الأمور التي يجب أن يصدقها قلبك وتطمئن إليها نفسك ، وتكون يقينا لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك .
والعقيدة أيضا تعني : الإيمان الجازم بالله ، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره ، وما اسنبطه وأجمع عليه سلفنا الصالح .
الحاجة إلى العقيدة وأهمية دراستها :
ـ إن حاجة العباد إلى فهم العقيدة الصحيحة فوق كل حاجة ، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة ، لأنه لا حياة للقلوب ولا سعادة ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبدوها وفاطرها بأسمائه وصفاته و أفعاله ، و يكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواء ، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه ، وابتغاء وجهه واتباعا لمنهجه .
ومن هنا كانت مهمة الرسل تنطلق من بيان العقيدة الصحيحة ، فهي الحق الذي أرسلوا من أجله ، قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )
ـ وعلم العقيدة به ينعقد في الأفئدة معنى التوحيد ومفهوم الإيمان وحقيقته ، وبتنفيذ مطالبه يعبد المسلم ربه عبادة لا خلل فيها ولا دخل ، ويسلم وجهه لله وهو محسن وهو مطمئن لله بلا حيرة ولا وجل ، وتلك الغاية هي الغاية التي خلق الله من أجلها الجن والإنس ، قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
ـــ العقيدة الصحيحة هي طريق النجاة من النار ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) .
ـــ أن الله حرم مخالفتها ، قال تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) .
ـــ أن الالتزام بها شرط لصحة الأعمال وقبولها ، قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه إلى الله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
ـــ أنها تحفظ العقل وتحرره من الخرافات والأهواء ، قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) .
مصادر العقيدة الإسلامية :
العقيدة الإسلامية ليست فكرة عقل ، ولا محصلة هوى ، ولكنها تنبعث من مشكاة وحي الله تعالى ، ومن هنا فمصادرها ما يأتي :
أولا : القرآن الكريم : قال تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) ، وقال ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ، وقال ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .
ثانيا : السنة النبوية المطهرة : وهي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
قال تعالى في مصدريتها وأنها من وحي الله ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ، وقال في لزوم الأخذ بها ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) .
ثالثا : الإجماع : وهو اتفاق مجتهدي العصر من هذه الأمة على أمر من أمور الدين ، قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار ) .
وبعد هذا العرض التمهيدي لمقرر العقيدة ، يظهر لنا طلابنا الأكارم ، مدى حاجتنا إلى عقيدتنا الإسلامية العظيمة القائمة على الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة ، فهي عقيدة البناء والتربية والتعليم ،والتوجيه والانطلاق ، وهي عقيدة واضحة لا لبس فيه ولا غموض، ولا صعوبة ولا فلسفة مضلة ، بل كانت تعرض على البدوي فيفهمها ويقتنع بها ، ثم ينطلق بها إلى قومه وعشيرته فيؤمنون بها ، وينضوون تحت لوائها ، وليس هناك ما يوحد بين صفوف المسلمين ويجمع كلمتهم سوى هذه العقيدة المباركة ، لا قومية ولا إقليمية ولا وطنية ولا اشتراكية ولا رأسمالية ، ولا غيرها من المذاهب الأرضية .
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المحاضـرة الأولى
معنى الإيمــان ودرجــاته
عناصر المحـــاضرة :
1 ـ تعريف الإيمان لغة واصطلاحا .
2 ـ الأدـلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
3 ـ درجــــــــات الإيـمان.
معنى الإيمان : أولا: تعريف الإيمان لغة واصطلاحا :
الإيمان في اللغة : له استعمالان :
1ـ فتارة يتعدى بنفسه: فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز (وآمنهم من خوف)سورة قريش: آية :5 ، فالأمن ضد الخوف، ويأتي بمعنى الحافظ ، كقوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) سورة البقرة : أية 125 ، وتأتي من معنى الأمانة وهي نقيض الخيانة ، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود ، والترمذي وأحمد : ( والمؤذن مؤتمن ) .
2 ـ وتارة يتعدى بالباء: فيكون معناه التصديق: وفى التنزيل: (وما أنت بمؤمن لنا) سورة يوسف، آية 17 ، أي بمصدق، آمنت بكذا، أي : صدقت ، والمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر.
وقد ورد معني الإيمان في القرآن على معنى التصديق في مواضع عدة منها قوله عز وجل: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)يصدق الله ويصدق المؤمنين. ومنه قوله - عز وجل -: (قولوا آمنا بالله) ، وقوله (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) ، ويفهم منه ، أن التصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضاً .
والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه اللهعليها، وهو منافق .
الإيمان اصطلاحا :
ذهب عامة أهل السنة إلى أن الإيمان :( هو اعتقاد وقول وعمل ) ، يقول الإمام محمد بن إسماعيل الأصبهاني:
(والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان) ، وقال الإمام البغوي: (اتفق الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الإيمان قول وعمل وعقيدة) .
واتفق مالك والشافعي وأحمد وغيرهم على أن الإيمان يعني : ” تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ” .
وخالف كثير من أصحابنا ( أي الحنفية ) وأسقطوا العمل عن مفهوم الإيمان فقالوا هو ” الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان ”
ويثبت إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ، ما روى عن الإمام البخاري قوله: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل .
والنصوص عن الأئمة كثيرة جداً في قولهم: إن الإيمان قول وعمل، نقل كثيراً منها المصنفون في عقيدة أهل السنة من الأئمة المتقدمين ، ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أوقول وعمل واعتقاد. فكل ذلك من باب اختلاف التنوع .
ـ فمن قال من السلف: إن الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
ـ ومن زاد الاعتقاد رأى لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب.
ـ ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقادَ (قولَ القلب)، وقولَ اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية (عمل القلب)، فزاد ذلك .
وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان اصطلاحا : أنها (مركبة من قول وعمل، والقول قسمان:
1 ـ قول القلب، وهو الاعتقاد، 2 ـ وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان: 1 ـ عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، 2 ـعمل الجوارح.
الأدلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كمالــــــم ينفع إبليسَ وفرعونَ وقومَه واليهودَ والمشركينَ الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به .
الأدلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل :
1ـ الدليل على أن الإيمان اعتقاد بالقلب :
ـ قال عز وجل: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) . ـ وقال تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) .
ـ وقال أيضاً: (كتب في قلوبهم الإيمان) . ـ وقال أيضاً: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) .
ـ وقال - صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه".
إلى غير ذلك من الأدلة الصريحة في أن إيمان القلب شرط في الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه، وأنه إذا وجد سرى ذلك إلى الجوارح .
وإيمان القلب ليس مجرد العلم والمعرفة والتصديق بالله عز وجلوخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بل لابد مع ذلك من الانقياد والاستسلام، والخضوع والإخلاص، مما يدخل تحت عمل القلب.
يقول ابن تيمية رحمه الله : (الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولابد فيه من شيئين:
تصديق القلب وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا: قول القلب، واستدل بقول الجنيد بن محمد : " التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب " فلا بد فيه منقول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله، ولا بد فيه من عمل القلب : مثل حب الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها جزءاً من الإيمان ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن ضرورة ، ولا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صَلَحت صَلَح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب“ .
فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً ، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر، والعمل بالإيمان المطلق .
ـ يتضح لنا من النقل السابق أن العلم والمعرفة والتصديق (أي قول القلب)، إن لم يصحبها الانقياد والاستسلام والخضوع، (أي عمل القلب والجوارح) لم يكن المرء مؤمناً، بل تصديق هذا شر من عدمه لأنه ترك الانقياد مع علمه ومعرفته.
والدليل على أن التصديق والمعرفة فقط لا تنفع صاحبها : ما وصف الله به إبليس بقوله: (خلقتنى من نار) ، وقوله: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) ، فأخبر أنه قد عرف أن الله خلقه، ولم يخضع لأمره فيسجد لآدم كما أمره، فلم ينفعه معرفته .
والدليل على ذلك أيضاً : شهادة الله على قلوب بعض اليهود أنهم يعرفون النبي – صلى الله عليه وسلم – وما أنزل إليهم كما يعرفون أبناءهم، فلا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله، إذ يقول لنبيه: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) ، وقال: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ، وقال: (ليكتمون الحق وهم يعلمون) فشهد على قلوبهم بأنها عارفة عالمة بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له والطاعة .
2 ـ الدليل على أن الإيمان إقرار باللسان :
قول اللسان جزء من مسمى الإيمان، والمقصود بقول اللسان: الأعمال التي تُؤدَّى باللسان: كالشهادتين والذكر وتلاوة القرآن والصدق والنصيحة والدعاء وغير ذلك مما لا يؤدى إلا باللسان .
من النصوص الدالة على أن قول اللسان يدخل في مسمى الإيمان :
ـ قوله - عز وجل- (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) ، ثم قال - عز وجل - (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) .
ـ وقال - عز وجل - في آية أخرى:
(فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) هذا الإيمان منهم لما رأوا البأس لم ينقلهم من الكفر ولم ينفعهم فثبت أنه لو كان قبلها لنفعهم بأن ينقلهم من الكفر إلى الإيمان وبذلك يكون هذا القول منهم لو كان قبل رؤية البأس لكان إيمانا.
ـ ومن الأحاديث الشريفة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ".
ـ ومن الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ” .
ونكتفي بهذه الأدلة الصريحة على دخول قول اللسان في مسمى الإيمان ونأتي إلى مسألة مهمة وهي:
الشهادتان أصل قول اللسان وهما شرط في صحة الإيمان:
اتفق أهل السنة على أن النطق بالشهادتين شرط لصحة الإيمان قال الإمامالنووي تعليقاً على حديث أمرت أن أقاتل الناسحتى يقولوا لا إله إلا الله (وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم .
والمقصود بالشهادتين كما لا يخفى ليس مجرد النطق بهما، بل التصديق بمعانيهما وإخلاص العبادة لله، والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار ظاهراً وباطناً بما جاء به فهذه الشهادة هي التي تنفع صاحبها عند الله عز وجل، ولذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله (مخلصاً) من قلبه وفي رواية (صدقاً) وفي رواية (غير شاك) (مستيقناً) .
3 ـ الدليل على أن الإيمان عمل بالأركان :
ـ قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) .
ـ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” ، وفيه دليل على دخول العمل في مسمى الإيمان .
وسيأتي تفصيل دخول الأعمال في مسمى الإيمان في موضعه بإذن الله تعالى .

ثانيا : درجات الإيمان
درجات الإيمان ثلاث درجــات :
للإيمان درجات وللناس فيه طبقات ، فهناك حد أدنى من أخل به ذهب إيمانه، وحد أعلى يبلغ بصاحبه درجة الصديقين.
وفيما يأتي نبين لهذه الدرجات التي يعول عليها تصنيف طبقات الناس من حيث مقام إيمانهم واختلافهم بين الدنو والعلو.
الـدرجــة الأولى أصل الإيمان: أو ( الإيمان المجمل أو مطلق الإيمان ) .
والمقصود به الحد الأدنى من الإيمان الذي هو شرط صحة الإيمان والنجاة من الخلود في النار في الآخرة إن مات على ذلك، وبه تثبت الأحكام من فرائض ومواريث، وهذا الإيمان غير قابل للنقصان، لأن نقصانه يعني خروج الإنسان عن اسم الإيمان.
وهذه الدرجة يطلق على صاحبها الإسلام أو الإيمان المقيد (مؤمن ناقص الإيمان أو فاسق,فيدخل تحت هذه االدرجةأهل الكبائر عموماً, وكذلك من أسلم من أهل الطاعة ممن لم تدخل حقائق الإيمان في قلوبهم.
يقول ابن تيمية عن أهل هذه الدرجة :
فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم، إنما يحصل شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون إلى اليقين وإلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال .
الدرجة الثانية : الإيمان الواجب:أو ( الإيمان الكامل، أو الإيمان المفصل أو الإيمان المطلق أو حقيقة الإيمان ) .
ويكون صاحبه ممن يؤدون الواجبات وبجتنبون الكبائر وهو ممن وعد بالجنة بلا عذاب، ولهذا لا يوصف أهل الكبائر بالإيمان المطلق، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة بلا عذاب، وهؤلاءمعرضون للوعيد ودخول النار إلا أن يشاء الله.
يقول الشيخ ابن تيمية في كتابه الإيمان الأوسط :
(من أتى بالإيمان الواجب استحق الثواب، ومن كان فيه شعبة نفاق، وأتى بالكبائر فذاك من أهل الوعيد، وإيمانه ينفعه الله به ويخرجه به من النار (إن دخلها) ولو أنه مثقال حبة من خردل ) .
لكن يرد هنا سؤال، وهو:
ما حكم من أتى الواجبات، واجتنب الكبائر، ولكنه ارتكب بعض الصغائر، هل ينقص عن درجة الإيمان الواجب؟
وقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بجواب محكم في كتابه الإيمان ، فقال:
(والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينفه - أي الإيمان - إلا عن صاحب كبيرة ، فالمؤمن الذي يفعل الصغيرة هي مكَفَّرَة عنه بفعله للحسنات، واجتنابه الكبائر، لكنه ناقص الإيمان عمن اجتنب الصغائر ، فمن أتى بالإيمان الواجب ولكنه خلطه بسيئات كفرت عنه بغيرها، ونقص بذلك درجة عمن لم يأت بذلك).
إذن أهل هذه الدرجة متفاوتون على حسب تورعهم عن الصغائر، فمن كان منهم أحرص على اجتنابها كان إيمانه أكمل ممن يغشاها.
الدرجة الثالثة : الإيمان المستحب: أو ( الإيمان الكامل بالمستحبات ، ودرجة الإحسان ) :
وصاحب هذه المنزلة لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المحرمات، بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، وهذا حاله في عامة الأعمال كالصلاة والحج والصوم والغسل وغيره.
فمن أتى بالواجبات فقط فهو من أهل الإيمان الواجب، ومن زاد على ذلك المستحبات فهو من أهل الإيمان المستحب.
وقد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع الإشارة إلى هذه الدرجات والمراتب (أصل الإيمان، الإيمان الواجب، الإيمان المستحب ) قال - تعالى -: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) سورة فاطر : 32 .
يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله (فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه، والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وقد ذكر - سبحانه - تقسيم الناس في المعاد إلى هذه الثلاثة في سورة الواقعة والمطففين، وهل أتى، وذكر الكفار أيضاً ) .

المحاضرة الثانية
دخــول الأعمال في مسمى الإيمـــان
عناصر المحــــاضرة
1 ـ أدلة الحــنفية في إخراج العمل من مسمى الإيمان.
2 ـ مناقشــــة أدلة الحنـــفية .
أدلة الحنفية في إخراج العمل من مسمى الإيمان :
أجمع علماء السلف على أن المسلم لو صدق بقلبه وأقر بلسانه ، وامتنع عن العمل بجوارحه فهو عاص لله ورسوله ، مستحق للوعيد ، وعليه فهم يجمعون على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ، إلا أن الحنفية خالفوا بالقول بعدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، واختلاف الحنفية اختلاف صوري ، ولهم أدلة استندوا إليها نذكرها ثم نناقشها كما جاء في التهذيب :
أولا : أدلة الحنفية في إخراج العمل من مسمى الإيمان :
1 ـ أن الإيمان في اللغة التصديق ، ومنه قوله في سورة يوسف ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي : بمصدق .
2 ـ أن التصديق بالقلب هو الواجب على العبد حقا لله تعالى ، وهو تصديق رسول الله فيما جاء به من عند الله ، فمن صدقه فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى .
3 ـ أن التصديق ضدُ الكفر ، والكفر تكذيب وجحود ، وهما يكونان بالقلب ، ويدل على أن موضع الإيمان هو القلب لا اللسان ، قوله تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
4 ـ لو كان الإيمان مركب من قول وعمل لزال كله بزوال جزئه .
5 ـ أن العمل عطف على الإيمان في مواضع كثيرة في القرآن ، والعطف يقتضي المغايرة ، ومنه قوله تعالى : ( آمنوا وعملوا الصالحات ) .
ثــانيا : مناقشة أدلة الحنفية :
1 ـ مناقشة الدليل الأول :
أ ـ أن التصديق لا يرادف الإيمان ، فيقال للمخبَر ـ مثلا ـ إذا صدََق : صدََقه ، ولا يقال آمنه ، ولا آمن به ، بل يقال : آمن له ، ومنه قوله تعالى ( فآمن له لوط ) علما بأن فرق المعنى واضح وثابت ، فلا يقال صدقت إلا لمن أخبر عن مشاهدة أو غيب ،


مناقشة أدلة الحنفية:
كقولنا : ”صدقت“ لمن قال السماء فوقنا ( مثلا ) ، أما لفظ ( آمنت ) فلا يقال إلا في الإخبار عن غائب ، فيقال لمن قال : طلعت الشمس : صدقناه ، ولا يقال آمن له ، فالخبر الغائب هو محل ائتمان المخبِر ، ولهذا لم يرد هذا الإطلاق ( آمن له ) في القرآن إلا في هذا النوع .
ولو سلمنا جدلا بالترادف بين التصديق والإيمان ، لقلنا بأن التصديق يكون بالأفعال أيضا ، ومنه ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( العينان تزنيان وزناهما النظر ، والأذن تزني وزناها السمع ،، إلى قوله : والفرج يصدق ذلك ويكذبه ) .
2 ـ مناقشة الدليل الثاني :
أما قولهم بأن التصديق بالقلب هو الواجب على العبد حقا ، فمن صدَّق رسول الله فيما جاء به فهو مؤمن ، قلنا : أن من صدق ولم يتكلم بلسانه ، ولا صلى ولا صام ، ولا أحب الله ورسوله ، بل كان مبغضا لرسول الله ، معاديا له ، فهذا ليس بمؤمن ، لأن الفوز والفلاح مترتب على العمل بمقتضى الشهادتين .
3 ـ مناقشة الدليل الثالث :
أما قولهم بأن التصديق ضد الكفر ، والكفر تكذيب وجحود فمردود بأن لفظُ الإيمان لا يقابل بالتكذيب، وإنما يُقابَلُ بالكُفْر، والكفرُ لا يختصُّ بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلمُ أنكَ صادقٌ ولكن لا أتبعُكَ بل أعاديكَ وأبغضُكَ وأخالفُكَ، لكان كُفرهُ أعظمُ، فعُلِمَ أن الإيمانَ ليس هو التصديقَ فقط، ولا الكفرُ هو التكذيبَ فقط، بل إن الكفرُ يكونُ تكذيباً، ويكون مخالَفةً ومعاداةً بلا تكذيب، وكذلك الإيمانُ يكونُ تصديقاً وموافقةً وموالاةً وانقياداً، ولا يكفي مجَّردُ التصديق.
4 ـ مناقشة الدليل الرابع :
أما قولهم بأن الإيمان لو كان مركبا من قول وعمل لزال كله بزوال جزئه ، فلو أرادوا بأن هيئة الإيمان لن تكون كاملة فلا خلاف ، ولكن لا يلزم من زوال بعضها زوال سائر الإيمان ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "الإيمانُ بِضعٌ وسَبعون شُعبةً، أعلاها قولُ لا إله إلا اللـه، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ" فهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها ، كشعبة الشهادة ، ومنها ما لا يزول الإيمان بزوالها ، كشعبة إماطة الأذى عن الطريق ، وبينهما شعب متفاوتة بين ما يقرب من الشهادة ، وما يقرب من إماطة الأذى .
5 ـ مناقشة الدليل الخامس :
وأما استدلالهم بأن العطف يقتضي المغايرة ، فلا يكون العمل داخلا في مسمى الإيمان : فيرد عليه بأن عطف العمل الصالح على الإيمان يقتضي المغايرة مع الاشتراك في الحكم ، فالمغايرة على مراتب :
أعلاها : أن يكونا متباينين ، ليس أحدهما الآخر ولا جزء منه ، ولا بينهما تلازم ، كقوله تعالى في سورة الأنعام ( خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ) .
ثانيها : أن يكون بينهما تلازم ، كقوله في سورة البقرة ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) .
ثالثها : من باب عطف بعض الشيء عليه ، كقوله تعالى في سورة البقرة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .
رابعها : عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ، كقوله تعالى في سورة غافر ( غافر الذنب وقابل التوب ) .
وإذا نظرنا إلى ورود الإيمان وإطلاقه وجدناه يراد به ما يراد بلفظ البر والتقوى والدين ودين الإسلام ، وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : " آمركم بالإيمان بالله وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس " الحديث ، ومعلوم أن هذه الأعمال مع إيمان القلوب هي الإيمان ، ولا أدل أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان من ذلك ، فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق ، للعلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحــود .

المحاضرة الثالثة
الأدلة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان
الأدلة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان
من خلال ما سبق بان لنا أن أهل السنةإلا الحنفية قالوا بأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وهذا هو الراجح وله قام الدليل ، ومن أدلتهم على ذلك :
الدليل الأول :ورد في سورة البقرة قول الله - عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ” :
وقد ثبت في سبب نزول هذه الآية كما في حديث البراء الطويل وغيره وفي آخره " أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ووضع البخاري هذا الحديث في مواضع ومنها " باب الصلاة من الإيمان ” .
وقد أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك، فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً في هذه التسمية بين الصلاة وسائر العبادات .
الدليل الثاني : ورد في سورة الأنفال قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) ” ومثله جميع الآيات المشابهة كقوله عز وجل في سورة النور : (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) :
ففي هذه الآيات إشارة إلى أن جميع الأعمال المذكورة من واجبات الإيمان فلهذا نفي الإيمان عمن لم يأت بها، فإن حرف "إنما" يدل على إثبات المذكور ونفي غيره .
الدليل الثالث : ما جاء في حديث وفد عبد القيس الذي أخرجه البخاري ومسلم ، قوله صلى الله عليه وسلم :
" آمركم بالإيمان بالله وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس " الحديث .
ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد الإيمان هنا بقول اللسان، وأعمال الجوارح .
ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هي الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق مع العلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود .
الدليل الرابـــع : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث :
وقد وردت في معنى هذا الحديث أحاديث أخرى تبرهن على دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، ومنها ما ورد في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبائر وترك الواجبات كقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد من الحديث الصحيح " لا إيمان لمن لا أمانة له ”.
يقول ابن رجب تعليقاً على ذلك : ” فلولا أن ترك هذه الكبائر من مسمى الإيمان لما انتفى اسم الإيمان عن مرتكب شيء منها لأن الاسم لا ينتفي إلا بانتفاء بعض أركان المسمى أو واجباته ” .
ويقول ابن تيمية : ” ثم إن نفي الإيمان عند عدمها دال على أنها واجبة فالله ورسوله لا ينفيان اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : " لا صلاة إلا بأم القرآن ” .
الدليــل الخامس : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : " الطهور شطر الإيمان ” .
الدليل الســادس : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وهو حسن : " من أعطى لله ومنع لله، وأحب لله وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه " .
وهذا يدل على أن الأعمال جزء من مسمى الإيمان يكمل بوجودها وينقص بنقصها .
الدليل السابـــع : حديث شعب الإيمان الذي أخرجه مسلم ،من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ” .
وعدها أيضاً الحافظ ابن حجر فقال: ”هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه: المعتقدات والنيات ، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة ثم ذكرها ، وأعمال اللسان : وتشتمل على سبع خصال ثم ذكرها ، وأعمال البدن
: وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة ثم ذكرها، إلى أن قال: فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعاً وسبعين خصلة باعتبار إفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر. والله أعلم ” .
وخلاصة ما سبق:
أولاً: أن الطاعات جميعاً ومنها أعمال الجوارح تدخل في مسمى الإيمان.
ثانياً: أن الإخلال والتقصير بأداء الطاعات يضر في الإيمان.

المحاضرة الرابعة
زيادة الإيمان ونقصانه
عناصر المحاضرة :
1 ـ من مجالات الزيادة والنقصان .
2 ـ الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه .
3 ـ وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان .
زيادة الإيمان ونقصانه :
1 ـ من مجالات الزيادة والنقصان في الإيمان :
عرفنا أن الإيمان: قول وعمل، وأن القول يشمل قول القلب واللسان، وأن العمل يشمل عمل القلب والجوارح ، فهل التفاضل يكونبعمل الجوارح فقط؟ .
أم بعمل القلب فقط؟ ..أم أن التصديق والمعرفة يشملهما التفاضل أيضاً؟
وإذا كان كذلك فكيف تكون الزيادةوالنقصان في التصديق والمعرفة؟
وللجواب على ذلك نقول ابتداءا: إن الكلام عن زيادة الإيمان ونقصانه فرع عن القول فيالطاعات وأنها إيمان .
بداية..اتفق أهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص ، ومن مجالات زيادته ونقصانه :
ـ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
ـ ويزيد بذكر الله عز وجل وينقص بالغفلة ونسيان ذكر الله عز وجل .
من مجالات الزيادة والنقصان في الإيمان :
وفي الجواب عما سبق نقول :
قد يفهم البعض أن السلف يَقْصُرون مجال التفاضل على عمل الجوارح وقول اللسان .
والحقيقة :خلاف ذلك، فقول السلف :“إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية”، لا يقصدون بالطاعة عمل الجوارح وقول اللسان فقط ،بل عمل القلب من الطاعة، فالحب في الله والبغض في الله وحب الأنصار، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، والخوف، والرجاء، والتوكل.. الخ ، كل ذلك من الطاعات وهو من الإيمان كما سبق، ومن ثم يتفاوت الناس فيه، والأمر في هذا بين، فهل يمكن أن يقال إن الناس متساوون في حبهم وبغضهم وخوفهم ورجائهم؟ كذلك أيضاً يقولون : إن الإيمان ينقص بالحسد والكبر والعجب إلخ مما ينافي عمل القلب الواجب .
أيضاً التصديق والمعرفة والعلم (أي قول القلب) تشمله الزيادة والنقصان وهو من الطاعات ، والخلاصة : أن الزيادة والنقصان تشمل عمل القلب وقوله .
من مجالات الزيادة والنقصان في الإيمان :
وعليه نصل إلى قاعدة هي: أن ” إيمان الصديقين ليس كإيمان غيرهم ” .
يقول ابن رجب رحمه الله :” التصديق القائم بالقلوب يتفاضل، وهذا هو الصحيح.. فإن إيمان الصديقين الذين يتجلى الغيبُ لقلوبهم حتى يصير كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك والارتياب ، ليس كإيمان غيرهم ممن لا يبلغ هذه الدرجة بحيث لو شُكِّكَ لدخله الشك ” .
ويقول الإمام النووي: ” فالأظهر والله أعلم : أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشبهة ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يشك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق “رضي الله عنه لا يساويه آحاد الناس.
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
2 ـ الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
أولا : من القرآن الكريم :
ـ قال تعالى : (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) .
ـ وقال عز وجل : (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً) .
ـ وقال تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) ، وقال تعالى: (ويزداد الذين آمنوا إيماناً) .
ـ وقال تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون) ، وهذه أدلة صريحة تثبت زيادة الإيمان وبثبوت الزيادة يثبت النقصان .
وفي ذلك يقول ابن بطال : (فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص).
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
ثانيا : الأدلة من السنة النبوية ، وهي كثيرة ، ومنها :
ـ منها حديثُ الأمانة ".. وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.. الحديث "
ـ وحديث : ” يخرجُ مِنَ النارِ من في قلبهِ أدنى أدنى مثقالِ ذَرَّةٍ من إيمانٍ ” .
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً... إلى قوله وذلك أضعف الإيمان ” .
ـ ومنه أحاديث نفي الإيمان ومنها :
ـ قال e: "لا يؤمنُ أحدُكُم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولَدِهِ ووالِدهِ والناسِ أجمعين”، والمراد نفي الكمال ، ونظائرهُ كثيرةٌ.
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. الحديث " .
ـ وقوله " لا إيمان لمن لا أمانة له.. الخ " .
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
وفي بيان ذلك يقول الإمام النووي :
” فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله” .
ـ ومنها أحاديث كمال الإيمان :
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " .
فدل هذا القول على أن حسن الخلق إيمان، وأن عدمه نقصان إيمان، وأن المؤمنين متفاوتون في إيمانهم، فبعضهم أكمل إيماناً من بعض .
زيادة الإيمان ونقصانه :
ثالثا : من أقوال الصحابة في زيادة الإيمان ونقصانه :
ـ قول أبي الدرداء: : مِن فِقهِ العبدِ أن يتعاهدَ إيمانَهُ وما نَقَصَ منه، ومن فقه العبدِ أن يعلَمَ: أيزدادُ هو أم ينقصُ؟ .
ـ وكان عمر t يقول لأصحابه : هَلُمُّوا نَزدَدْ إيماناً، فيذكرونَ اللـهَ U.
ـ وكان ابن مسعود يقولُ في دعائه: اللهمَّ زِدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً .
ـ وكان معاذ بن جبل يقولُ لِرجُلٍ: اجلِسْ بنا نؤمن ساعَةً.
ـ وصحَّ عن عمار بن ياسرٍ أنه قال: ثلاثٌ من كُنَّ فيه فقد استكمل الإيمانَ : إنصافٌ من نفسِه، والإنفاقُ مِن إقتارٍ، وبذلُ السلام للعالَم.
وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
3 ـ وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
بين الإمام ابن تيمية أن التفاضل في الإيمان بدخول الزيادة والنقص فيه يكون من وجوه متعددة نذكر منها ما يأتي :
الوجه الأول : الأعمال الظاهرة :
فإن الناس يتفاضلون فيها ، وتزيد وتنقص ، وهذا مما اتفق الناس على دخول الزيادة فيه والنقصان .
الوجه الثاني : زيادة أعمال القلوب ونقصها :
فإنه من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتوكل عليه والإخلاص له وفي سلامة القلوب من الرياء والكبر والعجب ونحو ذلك والرحمة للخلق والنصح لهم ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية
وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) .
وقال تعالى: ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) إلى قولـه: ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده ) .
وقال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) .
( وقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك قال: فلأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر ).
وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) .
وقال تعالى: ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) إلى قولـه: ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده ) .
وقال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) .
( وقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك قال: فلأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر ).
وهذه الأحاديث ونحوها في الصحاح ، وفيها بيان تفاضل الحب والخشية وقد قال تعالى : ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) .
وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه ، فإنه قد يكون الشيء الواحد يحبه تارة أكثر مما يحبه تارة ، ويخافه تارة أكثر مما يخافه تارة ، ولهذا كان أهل المعرفة من أعظم الناس قولا بدخول الزيادة والنقصان فيه لما يجدون من ذلك في أنفسهم .
الوجه الثالث: تفاضل التصديق والعلم في القلب باعتبار الإجمال والتفصيل :
فليس تصديق من صدَّق الرسول مجملا من غير معرفة منه بتفاصيل أخباره ، كمن عرف ما أخبر به عن الله وأسمائه وصفاته والجنة والناروالأمم وصدَّقه في ذلك كله ، وليس من التزم طاعته مجملا ومات قبل أن يعرف تفصيل ما أمره به ، كمن عاش حتى عرف ذلك مفصلا وأطاعه فيه.
الوجه الرابع : أن التفاضل يحصل في هذه الأمور من جهة دوام ذلك وثباته وذكره واستحضاره : كما يحصل البغض من جهة الغفلة عنه والإعراض والعلم والتصديق والحب والتعظيم وغير ذلك فما في القلب هي صفات وأعراض وأحوال تدوم وتحصل بدوام أسبابها وحصول أسبابها. والعلم وإن كان في القلب فالغفلة تنافي تحققه والعالم بالشيء في حال غفلته عنه دون العالم بالشيء في ذكره له.
الوجه الخامس: أن التفاضل يحصل من هذه الأمور من جهة الأسباب المقتضية لها :
فمن كان مستند تصديقه ومحبته أدلة توجب اليقين وتبين فساد الشبهة العارضة لم يكن بمنزلة من كان تصديقه لأسباب دون ذلك .
الوجه السادس : أن يقال: ليس فيما يقوم بالإنسان من جميع الأمور أعظم تفاضلا وتفاوتا من الإيمان فكلما تقرر إثباته من الصفات والأفعال مع تفاضله فالإيمان أعظم تفاضلا من ذلك : أي أن الإنسان لا يستطيع أن يعبر بفعله أو صفته عن أعلى درجات
الإيمان ، مثال ذلك :
أن الإنسان يعلم من نفسه تفاضل الحب الذي يقوم بقلبه : سواء كان حبا لولده أو لامرأته أو لرياسته أو وطنه أو صديقه أو صورة من الصور أو خيله أو بستانه أو ذهبه أو فضته وغير ذلك من أمواله .
فكما أن الحب أوله علاقة لتعلق القلب بالمحبوب ،،، ثم صبابة لانصباب القلب نحوه ،،، ثم غرام للزومه القلب ،،،، ثم يصير عشقا إلى أن يصير تتيما - والتتيم : التعبد وتيم الله عبد الله - فيصير القلب عبدا للمحبوب مطيعا له لا يستطيع الخروج عن أمره .
وقد آل الأمر بكثير من عشاق الصور إلى ما هــو معروف عند الناس مثل من حمله ذلك على قتلنفسه وقتل معشوقه ،أو الكفر والردة عن الإسلام ، أو أفضى به إلى الجنون وزوال العقل ، أو أوجب خروجه عن المحبوبات العظيمة من الأهل والمال والرياسة أو إمراض جسمه وأسنانه.
فمن قال الحب لا يزيد ولا ينقص كان قولـه من أظهر الأقوال فسادا ، ومعلوم أن الناس يتفاضلون في حب الله أعظم من تفاضلهم في حب كل محبوب ، فهو سبحانه اتخذ إبراهيم خليلا واتخذ محمدا أيضا خليلا كما استفاض عنه أنه قال:
( لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا ؛ ولكن صاحبكم خليل الله ) يعني نفسه صلى الله عليه وسلم.
والخلة : أخص من مطلق المحبة ، فإن الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين يحبون الله ويحبهم الله كما قال:
( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) الآية ، وقال تعالى:
( والذين آمنوا أشد حبا لله ) ، وفي الصحيح ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) .
وفي الحديث الصحيح حديث الشفاعة : ( فأخر ساجدا فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحصيها الآن ) .
فإذا كان أفضل الخلق لا يحصي ثناء عليه ، ولا يعرف الآن محامده التي يحمده بها عند السجود للشفاعة ؛ فكيف يكون غيره عارفا بجميع محامد الله والثناء عليه ؟! .
ومن هنا نصل إلى قاعدة : أن الإيمان أعظم تفاضلا في القلب من الحب.


المحاضـرة الخامسة
العلاقة بين الإيمان والإسلام
عناصر المحـــاضرة :
1 ـ القول الأول لأهل السنة في العلاقة بين الإيمان والإسلام .
2 ـ أدلة القول الأول.
القول الأول: أن مسمى الإيمان والإسلام يختلف على حسب الإفراد والاقتران وأدلته:
اختلاف أهل السنة في العلاقة بين الإسلام والإيمان :
كثر نزاع أهل القبلة في مسمى الإيمان والإسلام هل مسماهما واحد؟ أم الإيمان أعم منالإسلام؟ أم الإسلام أعم من الإيمان؟.... الخ.
والذي يعنينا في هذا المبحث الإشارة إلى أقوال أهل السنة وأدلتهم، وإليك بيان ذلك.
اختلف أهل السنة في ذلك على قولين:
أحدهما: أن مسماهما يختلف على حسب الإفراد والاقتران.
والآخر: أن مسماهما واحد.
القول الأول: أن مسماهما يختلف على حسب الإفراد والاقتران :
وهو قول أكثر أهل السنة ،وممن قال بذلك: ابن عباس والحسن البصري، ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل، وأبو جعفر الباقر، وعبد الرحمن ابن مهدي، وابن معين، وأبو خيثمة، والخطابي، وابن تيمية، وابن رجب وغيرهم .
من أبرز أدلتهم:
أولا : قوله تعالى : (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا). الآية:
استدل أصحاب هذا القول بالآية على التفريق بين مسمى الإيمان والإسلام عند الاقتران، فقالوا إن هذه الآية أثبتت لهم الإسلام ونفت عنهم الإيمان مما يدل على أن مرتبة الإيمان أعلى واستدلوا بها على أن الإسلام المثبت يثابون عليه وهذا أحد القولين في تفسير هذه الآية ، يقول ابن تيمية :
(والدليل على أن الإسلام المذكور في الآية هو إسلام يثابون عليه وأنهم ليسوا منافقين، قوله: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) فدل على أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله مع هذا الإسلام، آجرهم الله على الطاعة، والمنافق عمله حابط في الآخرة).
فقوله: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) :
يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم، فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداءا، لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان ولكنه يحصل فيما بعد.. ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك، وقوله: (ولكن قولوا أسلمنا) أمر لهم بأن يقولوا ذلك، والمنافق لا يؤمر بشيء).
ـ أيضاً نَفْيُ الإيمان هنا عنهم من جنس قوله - صلى الله عليه وسلم -:
(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) .
وقوله (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ونحوه : أي أن المنفى هنا هو الإيمان الواجب وليس أصل الإيمان (فكذلك الأعراب) في هذه الآية لم يأتوا بالإيمان الواجب فنفى عنهم ذلك وإن كانوا مسلمين معهم من الإيمان ما يثابون عليه .
ويقول ابن كثير: (استفيد من هذه الآية أن الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة...) .
ثانيا : عن عامر بن سعد، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً فقلت يا رسول الله: أَعطيتَ فلاناً وتركتَ فلاناً لم تعطه، وهو مؤمن!! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(أو هو مسلم) قال: فأعدتها ثلاثاً وهو يقول: (أو مسلم).
ثم قال: (إني لأعطى رجالاً، وأمنع رجالاً أَحبَّ إلي منهم مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم) - أو قال (على مناخرهم).
يقول ابن أبي العز الحنفي تعليقاً على هذا الحديث:
(فأثبت له الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان، فمن قال: هما سواء كان مخالفاً).
ثالثا : ومن أدلتهم الكلية على التفريق بينهما قولهم: (إن الله جعل اسمَ المؤمنِ اسمَ ثناءٍ وتزكية وأوجب له الجنة، فقال:
(وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما) .
ـ وقال: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) . ـ
ـ وقال: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) .
ـ وقال: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) وقال: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) .
ـ وقال: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) .
ـثم أوجب الله النار على الكبائر، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن من أتى كبيرة، قالوا: ولم نجد الله أوجب الجنة باسم الإسلام، فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على . حاله، واسم الإيمان زائل عنه.
فإن قيل :
فالذين زعمتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أزال عنه اسم الإيمان، هل فيه من الإيمان شيء؟ قالوا: نعم، أصله ثابت ولولا ذلك لكفر) .
ـ ويزيد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر وضوحاً بقوله مختصرا :
(والوعد الذي في القرآن بالجنة وبالنجاة من العذاب إنما هو معلق باسم الإيمان، وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة، لكنه فرضهُ وأخبر أنه دينه، وبالإسلام بعث جميع النبيين ، قال تعالى:
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .
ـ ورد على من يطلق الإيمان على مرتكب الكبيرة في سياق الثناء والوعد بالجنة :
بأن ذلك (خلاف الكتاب والسنة، ولو كان كذلك لدخلوا في قوله:
(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) ، وأمثال ذلك مما وعدوا فيه الجنة بلا عذاب) .
ـ ومقصود الأئمة من الكلام السابق :
أن الإيمان أكمل من الإسلام حيث إن المؤمن المطلق موعود بالجنة أما المسلم المطلق فلم يرد أنه يدخل الجنة بلا عذاب، لأنه قد يكون مسلماً ولا يكون مؤمناً كاملاً، والله أعلم .
رابعا : ذكر من يفرقون بين مسمى الإيمان والإسلام قاعدة في الأسماء مفادها :
أن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالا على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على باقيها.
وهذا كاسم الفقير والمسكين:
فإذا أفرد الفقير عن المسكين دخل فيه كل من هو محتاج .
وإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها .
فهكذا اسم الإيمان والإسلام إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده .
وإذا قرن بينهما دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده ودل الآخر على الباقي .
وقد صرح بهذا المعنى جماعة من الأئمة.. ويدل على صحة ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الإيمان عند ذكره مفرداً في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام المقرون بالإيمان في حديث جبريل - عليه السلام - وفسر في حديث آخر الإسلام بما فسر به الإيمان، كما في مسند الإمام أحمد : جاء رجل إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
(يا ر سول الله ما الإسلام؟ قال: أن تُسلِم قلبك لله، وأن يَسلَم المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت).. الحديث فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان أفضل من الإسلام، وأدخل فيه الأعمال... وبهذا التفصيل الذي ذكرناه يزول الاختلاف فيقال: إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ، وإن قرن بين الاسمين كان بينهما فرق...) .
خامسا : وهو أهم دليل يعتمده من يفرقون بينهما:
وهو حديث جبريل المشهور وفيه :
( قال جبريل عليه السلام: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، فقال: صدقت، فتعجبنا من سؤاله وتصديقه. ثم قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره ، فقال: صدقت، ثم قال: فما الإحسان؟ إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم) .
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح تعليقاً على هذا الحديث: (هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد الظاهر) .
ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات :
لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، ومقويات ومتممات وحافظات له، ولهذا فسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان، وإعطاء الخمس من المغنم، ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة، لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) .
واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن، ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام .
القاعدة التي عليها القول الأول :
خرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان، ” وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً” قال: وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون، وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم .
يقول ابن تيمية في تعليقه على حديث الإيمان السابق:
فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين فجعل الدين ثلاث طبقات: أولها الإسلام، وأوسطها الإيمان، وأعلاها الإحسان، فالمحسن مؤمن، والمؤمن مسلم، وأما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمناً (أي الإيمان التام) .

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 02:11 PM