ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

العودة   ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام > .: سـاحـة التعليم عن بعد (الانتساب):. > ملتقى طلاب التعليم عن بعد جامعة الملك فيصل > كلية الأداب > الدراسات الإسلامية
التسجيل الكويزاتإضافة كويزمواعيد التسجيل التعليمـــات قائمة الأعضاء   أعتبر مشاركات المنتدى مقروءة

الدراسات الإسلامية طلاب وطالبات المستوى الثالث واعلى تخصص الدراسات الأسلامية التعليم عن بعد جامعة الملك فيصل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2017- 5- 5
aljamiluh
أكـاديـمـي
بيانات الطالب:
الكلية: اداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلاميه
المستوى: المستوى السادس
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 4121
المشاركـات: 7
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 288094
تاريخ التسجيل: Fri Apr 2017
المشاركات: 19
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 389
مؤشر المستوى: 0
aljamiluh will become famous soon enoughaljamiluh will become famous soon enoughaljamiluh will become famous soon enoughaljamiluh will become famous soon enough
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
aljamiluh غير متواجد حالياً
اصول فقه 3

السلام عليكم
المنهج متغير عن العام وه\ا هو المحتوي ما اعرف ارفعه كملف بس بنزله كتابه
بسم الله الدليل الخامس الاستحسان
تعريف الاستحسان
الاستحسان لغةً : عدُّ الشيء حسناً ، و يطلق على ما يهواه الإنسان و لو كان مستقبحاً عند غيره
الاستحسان اصطلاحاً :هو العدول عند مقتضى قياس جلي الى قياس خفي أو العدول عند قاعدة كليةٍ الى مسألةٍ جزئيه لدليل اقتضى هذا العدول
فاذا عرضت للمجتهد مسألة يتنازعها قياسان :
1- ظاهر جلي ، ظاهر العلة يقتضي حكماً معيناً
2- قياس خفي العلة يقتضي حكماً اخر
وقام في نفس المجتهد دليل يقتضي ترجيح القياس الثاني على القياس الأول
أو العدول عن مقتضى القياس الجلي إلى مقتضى القياس الخفي فهذا العدول أو ذلك الترجيح هو: الاستحسان ،والدليل الذي اقتضى هذا العدول يسمى بوجه الاستحسان
أي سنده ، و الحكم الثابت بالاستحسان هو الحكم المُستَحسَن .
وكذلك اذا عرضت للمجتهد مسائلة تندرج تحت قاعدةٍ عامةٍ ،أو يتناولها أصلٌ كليٌّ ووجد المجتهد دليلاً خاصاً يقتضي استثناءَ هذه الجزئية من الأصل الكلي والعدول بها عن الحكم الثابت لنظائرها الى حكم آخر للدليل الخاص الذي قام بنفسه ، فهذا العدول الاستثنائي هو الاستحسان .
- والدليل الذي اقتضاه هو وجه الاستحسان أي سنده .
- والحكم الثابت به هو الحكم المستحسن أي الثابت على خلاف القياس ، والقياس هنا هو الأصل الكلي أو القاعدة العامة
أمثلة فقهية على الاستحسان
أ‌- الحكم المقرر في الفقه الحنفي أن الحقوق الارتفاقية : كحق الشُّرب والمسيل والمرور للأرض الزراعية لا تدخل في عقد البيع دون النص عليها أو ذكرها في العقد ، فهل يثبت هذا الحكم نفسه عند وقفها دون نص عليها في العقد أو صك الوقف ، أم لا قال الحنفية القياس عدم دخولها والاستحسان دخولها .
وتوضيح ذلك :
أن وقف الارض الزراعية يتجاذبها قياسان :
الأول :قياسه على البيع و الثاني : قياسه على الإجارة
والقياس الأول هو الاظهر المتبادر إلى الذهن بجامع ما في البيع و الوقف من اخراج الملك من مالكه ،ومقتضى هذا القياس الجلي عدم دخول الحقوق الارتفاقية تبعاً لوقف الأرض دون ذكرها والنص عليها في العقد كما هو الحكم في البيع
ب‌- والقياس الثاني : أي قياسها على الإجارة مبناه أن كلا من الإجارة والوقف يفيد ملك الانتفاع بالعين ولا يفيد تملك رقبتها أو عينها وهذا قياس خفي لا يتبادر الى الذهن بل يحتاج الى شيء من التأمل ومقتضى هذا القياس دخول الحقوق الارتفاقية في الوقف تبعاً بلا حاجةٍ للنصِّ عليها كما هو الحكم في الإجارة فترجيح المجتهد للقياس الخفي على القياس الجلي هو الاستحسان ، ووجه ترجيح القياس الخفي و سنده أو سببه هو أن القياس الخفي أقوى تأثيراً من القياس الجلي ( الظاهر ) لأنَّ المقصودَ من الوقف الانتفاع من الموقوف لا تملك رقبتهِ و عينه ، وحيث إن الانتفاع لا يتأتّى و يحصل بدون حقوقها الارتفاقية فيلزم دخولها في الوقف تبعا كما هو الحكم في الإجارة.
ت‌- 2- ومن الأمثلة على استثناء مسألة جزئيه من أصل كلي : جواز وصية المحجور عليه لسفههٍ في وجوه الخير فقد جازت هذه الوصية استحسانا والقياس عدم الجواز وكذلك وقفه على نفسه جاز استحسانا والقياس عدم الجواز ...
وتوضيح هذا الاستحسان في هاتين المسألتين , أن القاعدة العامة تقضي عدمَ صحةِ تبرعات المحجور عليه لسفهٍ حفظاً لمالهِ , لكن استثنيت وصيتُهُ في وجوهٍ البِرِّ من هذه القاعدة العامة لأنَّ الوصية لا تفيد الملك إلاَّ بعد وفاة الموصي ، والوقف كالوصية يحفظ المال على السفيه فلا يؤثر هذا الاستثناء في الغرض من القاعدة العامة و هي حفظ مال المحجور عليه .
ث‌- الاستحسان قسمان هما :
1 - استثناء أمر جزئيٍ من أصلٍ كليٍّ .
2 - أو ترجيح قياس خفي على قياس جلي كما مثّلنا له وهذه قسمة الاستحسان بالنظر إلى ما عُدل عنه و عُدِلَ إليه .
وقد يُنظر الى الاستحسان من جهةِ مستنده أي : دليلهِ أو ما يُعبّر عنه في الكتب الفقهية بوجهِ الاستحسان فيتنوع إلى الأنواع الآتية :
ج‌- - الاستحسان بالنص ( أي ما كان مستنده النص من الكتاب أو السنة )
وهو أن يردَ من الشارع نصٌّ خاصٌّ في جزئية يقتضي حكماً لها على خلاف الحكم الثابت لنظائرها بمقتضى القواعد العامة ،فالنص يستثني هذه الجزئية من الحكم الثابت لنظائرها بمقتضى الأصل الكلي ، فالقاعدة العامة والأصل الكلي يقضيان بطلان بيع المعدوم ولكن استثني السَّلَم -( وهو بيع ما ليس عند الانسان وقت العقد، أو بيع موصوفٍ في الذمة ) - بنصٍّ خاصٍّ وهو: ما روي عن النبي ﷺ أنه قال (من أسلف منكم فليسلف في كيلٍ معلومٍ ، ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلومٍ ) ومثله أيضاً خيار الشرط فقد جاز استحسانا لورود النص في السنه بجوازهِ إلى ثلاثة أيام استثناءً من الأصل الكلي في العقود القاضي بلزومها ، و اشتراط الخيار يمنع لزوم العقد. ( و لزوم العقد ثبوته و عدم جواز فسخة ) .
ح‌- 2- الاستحسان بالإجماع
كعقد الاستصناع فهو جائزٌ استحساناً ، والقياس عدم جوازهِ لأنه عقدٌ على معدوم وإنما جاز استثناءً من القاعدةِ العامةِ ، ووجه الاستحسان جريان التعامل به بين الناس دون إنكارٍ من أحد فكان إجماعا ( و الاستصناع طلب الصنعة كأن يقول اصنع لي حذاءً أوصافه كذا ، أو اصنع لي ثوباً أوصافه كذا .. )
ومثله أيضا :دخول الحمامات ( الحمامات العامة ) بأجرٍ معلومٍ فالقاعدة العامة تقضي بفاسدهِ لجهالةِ ما يستهلكه الداخل من الماء و الصابون ، وجهالة المدة التي يمكثها في الحمام ولكنه جاز استثناءً من القاعدةِ العامّةِ استحساناً لجريان العرف به دون إنكار من أحدٍ دفعا للحرج عن الناس فكان إجماعا
خ‌- 3- استحسانٌ سنده العرف
كجواز وقف المنقول الذي جرى العرف بوقفه ( كالكتب والأواني ونحوها ) على رأي بعض الفقهاء استثناءً من الأصل العام في الوقف وهو أن يكون الوقف مؤبداً فلا يصح إلا في العقار لا في المنقول ، وإنما جاز وقف ما ذكرنا من المنقول لجريان العرف به
د‌- 4- استحسان بالضرورة
ومثاله العفو عن رشاش البولِ ، والغَبنِ اليسير في المعاملات لعدم إمكان التحرّز منه
أ‌- ومنه أيضا تطهير الآبار التي تقع فيها النجاسة بنزح قدر معين من الماء منها استحسانا للضرورة ودفعاً للحرج عن الناس . قال الحنفية : يُنزح من البئر الصغيرة عشرون دلواً بموت حيوانٍ صغير في البئر كعصفورٍ و فأر ، و يُنزح خمسون أو ستون دلواً بموت حيوانِ متوسط كدجاجة ، و ينزح الماء كله بموت حيوانٍ كبيرٍ كشاة ، أو بموت إنسان
ب‌- 5- استحسان بالمصلحة
ومثاله: تضمين الأجير المشترك (كالخياط و الصبّاغ و نحوه ) ما يهلك عنده من أمتعه الناس إلاَّ إذا كان الهلاك بقوةٍ قاهرةٍ لا يمكن دفعها أو التحرز منها ، مع أن الأصل العام يقضي بعدم تضمينه إلاّ بالتعدي أو التقصير في الحفظ لأن يده يد أمانة لكن أفتى كثيرٌ من الفقهاء بوجوب الضمان عليه استحساناً رعايةً لمصلحه الناس بالمحافظة على أموالهم نظراً لخراب الذمم و فساد الزمان وشيوع الخيانة وضعف الوازع الديني .
ت‌- 6- استحسان بالقياس الخفي
وقد مثلنا له بوقف الأرض الزراعية دون النص على حقوقها الارتفاقية ومثاله أيضاً : الحكم بطهارةِ سؤر سباع الطير ( و السؤر هي بقية الماء المتبقية في إناء صغير بعد شرب الطائر منه ، و سباع الطير هي الطيور التي تصطاد بمخالبها و مناقيرها و هي الجوارح كالنسر و الصقر...) فالقياس الجلي وهو قياسه على سؤر سباع البهائم ( و هي الحيوانات المفترسة التي تصطاد بمخالبها ) يقضي الحكم بنجاسته ولكن قالوا بطهارته استحساناً اعتباراً بقياسهِ على سؤر الآدمي لأنها تشرب بمناقيرها وهي عظامٌ طاهرة فلا يختلط لعابها النجس بالماء وهذا قياس خفي فكان الحكم به استحساناً .
ث‌- أخذ جمهور العلماء ( الحنفية و الحنابلة و المالكية ) بالاستحسان واعتبروه دليلاً من أدله الاحكام وأنكره بعض الفقهاء كالشافعية حتى نقل عن الإمام الشافعي – رحمه الله - أنه قال : ( الاستحسان تلذذٌ وقولٌ بالهوى ) وقال أيضاً : (من استحسنَ فقد شرَّع ) ، و التشريع لا يكون إلا لله تعالى ، و وهو غير جائز وقوعه من البشر .
والظاهر ان إطلاق لفظ الاستحسان أثار عند بعض العلماء معنى التشريع بالهوى و التشهي فانكروه .
و الحقيقة أن ما أخذ به جمهور العلماء هو الاستحسان المبني على الدليل و ليس المبني على الهوى و التشهي
ج‌- و هو خلاف ما أنكره الشافعية الذين لم يتبينوا حقيقته عند القائلين به ولم يدركوا مرادهم منه فظنّوه من التشريع بلا دليل فشنّوا عليه الغارة وقالو فيه ما قالو ، فالاستحسان بالهوى بلا دليلٍ ليس بدليلٍ أو أصلٍ معتبرٍ بلا خلاف بين العلماء ، وعلى هذا النوع من الاستحسان – إن أمكن تسميته استحساناً - يُحمل إنكار المنكرين للاستحسان لأن الاستحسان عند القائلين به لا يعدو أن يكون ترجيحاً لدليلٍ على دليل ومثل هذا لا ينبغي أن يكون محلَّ خلافٍ بين العلماء ( فلا يوجد للاستحسان ما يصلح محلا للنزاع)
و لا يوجد استحسانٌ مختلفٌ فيه في الحقيقة كما قال ابن الحاجب
ح‌- ومع هذا فنحن نؤثر أن نسمي الحكم الثابت استحساناً بالنص حكماً ثابتاً بالنص لا بالاستحسان ولكن الحنفية اصطلحوا على تسميتهٍ استحساناً ولا مُشاحةً في الاصطلاح . انتهى
خ‌- 1 – من التطبيقات المعاصرة للاستحسان إباحة نظر الطبيب المسلم إلى عورة المرأة لحاجة العلاج عند عدم وجود طبيبة مسلمة على يقد ذلك بقدر الضرورة فلا يجوز النظر إلى غير العضو المراد علاجه ، أو كشف عضو غيره .
د‌- و هذا الأمر يتنازعه قياسان الأول كون المرأة عورة لا يجوز لغير محارمها من الرجال النظر إليها .
ذ‌- و القياس الثاني حصول الحرج و المشقة إذا لم يتم علاجها مع الحاجة للنظر إلى جزء من عورتها لضرورة العلاج .
ر‌- فرجح هذا القياس ترجيحاً لجانب التيسير و رفع الحرج الذي جاءت به الشريعة الغرّاء .
ز‌- 2 – نقل و زراعة الأعضاء – عدا الاعضاء التناسلية – من إنسان لآخر فهو جائز استحساناً للضرورة ، فهو من باب استحسان الضرورة إذ الأصل تكريم ابن آدم ، و حرمته حياً و ميتاً ، و هذا يقتضي حرمة انتزاع أعضاءه حياً و ميتاً ، لكن أجيز التبرع بالأعضاء حال الحياة أو بعد الممات إذا كان الحي لا يتضرر من التبرع و إذا حكم الأطباء بنجاح العملية و كانت هناك ضرورة لها .
2222222222222المحاضره 222222222222222222222222222222222
المصالح المرسلة
تعريف المصلحة المرسلة :
تعريف المصلحة : يتجلى معنى المصلحة في جلب نفع أو دفع ضررٍ أو مفسدة .
أنواع المصالح و تعريفها :
تنقسم المصالح إلى ثلاثة أنواع :
1 – المصالح المعتبرة :
و هي ما شهد لها الشارع بالاعتبار بأن شرع لها أحكاماً موصلة إليها ، كحفظ الدين الذي شرع له الشارع الجهاد ، و حفظ النفس الذي شرع
له القصاص ، و حفظ العقل الذي شرع له حد الشرب ، و حفظ العرض الذي شرع له حدّي الزنا و القذف ، و حفظ المال الذي شرع له حد السرقة . و غيرها من الأحكام .
فكل واقعة لم يرد فيها نص يحكم عليها من خلال المصلحة الموجودة فيها فإن كانت من جنس المصالح المعتبرة شرعاً فإنها تأخذ نفس حكمها المنصوص عليه .
– المصالح الملغاة :
و هي مصالح متوَهَّمة غير حقيقية ، قد يتوهّم بعض الناس وجودها مع أن الشارع الحكيم أهدرها و لم يعتدَّ بها بما شرعه من أحكام ، أي أن الشارع لم يراعِها فيما شرعه من أحكام .
و من أمثلة ذلك توهم مساواة الأنثى لأخيها في الميراث بسبب استوائهما في قوة القرابة ، فهذه مصلحة أهدرها الشارع بقولهِ : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكرِ مثل حظ الأنثيين ) النساء 11 .
- و من أمثلة ذلك المصلحة الذي يتوهمها المرابي و غيره في زيادة مالهِ بسبب تعاملهِ بالربا ، فهي مصلحة أهدرها الشارع بتحريم الربا في قولهِ : ( و أحلَّ البيع و حرّمَ الربا ) فلا يصلح الربا طريقاً لاستثمار المال و أي زيادة يأخذها المرابي هي بالنسبة لأموال المجتمع زيادة متوهمة غير حقيقية لأنها لا تزيد في مال المجتمع شيئاً ، و القاعدة الاقتصادية تقول : ( المال لا يلد المال ) .
- و من أمثلة ذلك المصلحة التي يتوهمها الجبناء القاعدون عن الجهاد بأن قعودهم عن الجهاد يحمي نفوسهم و أموالهم من العطب و الهلاك ، فقد ألغى الشارع هذه المصلحة بتشريع الجهاد الذي فيه حفظ الدين و النفوس و الأعراض و الأموال و البلاد ، و هي فريضة ماضية إلى يوم القيامة لا يتركها قومٌ إلا ذلّوا و سلّط الله تعالى عليهم أعداءهم
- – 3 – المصالح المرسلة :
- و هي المصالح التي لم ينص الشارع على إلغائها و لا على اعتبارها ، ( أو لم يشهد لها نصٌّ بالاعتبار أو الإلغاء ) ، و يسميها بعض الأصوليين ( المناسب المرسل ) .
- فهي تصنف مع المصالح لأن فيها جلب نفع أو دفع ضرر
- و هي مرسلة عن الدليل ، أي لم يشهد لها دليلٌ خاصٌّ بالاعتبار و التشريع أو بالإلغاء ، فهي إذن تكون في الوقائع المسكوت عنها و ليس لها
- نظيرٌ مشابهٌ لها منصوص على حكمه حتى تقاس عليه ، و مع ذلك فإن فيها وصفاً مناسباً لتشريع حكمٍ معيّنٍ من شأنه أن يحقق منفعةً ، أو يدفع مفسدةً .
- و مثالها : المصلحة التي اقتضت : جمع القرآن في مصحفٍ واحد ، و تدوين الدواوين ، و تضمين الصُنَّاع ( الأجير المشترك ) ، و قتل الجماعة بالواحد .
- حجية المصالح المرسلة :
- أولاً ما تجري فيه المصالح المرسلة :
- لا خلاف بين الفقهاء أن المصالح المرسلة لا تجري في العبادات لأنها أمور توقيفية غير معقولة المعنى ، أي : غير معللة أو غير معرفة العلة فلا يمكن معرفة المصالح المتوخاة منها فلا مجال لثبوتها إلا بالنص و لا يمكن إثباتها بالاجتهاد و منه المصالح المرسلة .
- أما المعاملات فهي أمور معللة فيمكن إثباتها عن طريق الاجتهاد و أو المصادر الاجتهادية و منها المصالح المرسلة ، و مع ذلك فقد وقع الخلاف في اعتبار المصالح المرسلة فيها على ثلاثة مذاهب :
- المذهب الأول : مذهب الظاهرية الذين أنكروا تعليل الأحكام و اقتصروا على ظواهر النصوص و أنكروا الاحتجاج بالقياس و بقية المصادر الاجتهادية كالمصالح المرسلة و غيرها .
- المذهب الثاني : مذهب الحنفية و الشافعية : فعلى الرغم من أنهم يقولون بتعليل الأحكام الشرعية و يثبتون القياس إلا أنهم لا يقولون بالاحتجاج بالمصالح المرسلة بمعنى أنهم لا يعدونها من مصادر التشريع المستقلة و لا يذكرونها في كتب الأصول عندهم من جملة أصول المذهب ، و لكن بعض الشافعية أدخلوا المصالح في القياس و يسميها بعضهم بـ ( المناسب المرسل ) ، و يحتج الإمام الغزالي بالمصلحة
- بشرط أن تكون مصلحة ضرورية قطعية ، يعنى أن تكون من جملة المصالح الواقع في رتبة الضروريات و أن تكون كلية عامة ثبت اعتبارها بمجموعة أدلة حتى وصلت إلى درجة القطعية ، أما الحنفية فيتكلمون عن المصلحة ضمن حديثهم عن الاستحسان و قد مرَّ معنا أن من أقسام الاستحسان عندهم استحسان المصلحة .
- و على كل حال فعلى الرغم من أن الشافعية و الحنفية لا يعدّون
- المصالح المرسلة من الأدلة المستقلة فإن المتتبع لفروعهم الفقهية يجد أنهم راعوا المصالح في اجتهاداتهم بل إنهم بنوا كثيراً من الأحكام على المصالح المرسلة و ستأتي بعض الأمثلة و النماذج بعد قليل .
- - مذهب المالكية و الحنابلة :
- أخذوا بالمصالح المرسلة و عدّوها حجة شرعية و مصدراً من مصادر التشريع ، يذكرونه في أصول المذهب ، و أشهر من عرف عنه
- التوسع في الأخذ بالمصالح المرسلة هو الإمام مالك ، ثم يأتي بعده في المرتبة الثانية الإمام أحمد بن حنبل
- أدلة المذاهب في الاحتجاج بالمصالح المرسلة :
- أولاً : أدلة المنكرين للمصالح المرسلة مع المناقشة :
- 1 - قالوا إنَّ الشارع الحكيم شرع لعبادهِ ما يحقق مصالحهم و لم يغفل عن مصلحة و لم يتركها دون تشريع ، فالقول بالمصلحة المرسلة يعني أن الشارع ترك بعض مصالح
- العباد فلم يشرع من الأحكام ما يحققها ، و هذا لا يجوز لمناقضتهِ لقولهِ تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يُتركَ سُدى ) القيامة 36 ، و لقوله تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) .
- و الجواب عن ذلك أن الشريعة راعت كل مصالح العباد ، لكنها لم تنص على جميع جزئيات المصالح إلى يوم القيامة ، لأن هذه الجزئيات غير متناهية ، و النصوص الشرعية متناهية و المتناهي لا يمكن أن يحيط بغير المتناهي لذلك نصت الشريعة على بعض هذه المصالح ثم شرعت
- قواعد و مصادر اجتهادية عامة يستخدمها العلماء المجتهدون في كل عصر و زمان للتوصل إلى أحكام النوازل الجديدة و الكشف عن حكم الله تعالى فيها و من هذه الأصول الاجتهادية القياس و المصالح المرسلة و الاستحسان و غيرها . ومعنى ذلك أن الشريعة لم تنص على كل أمرٍ جزئي باسمه الخاص لكنها شرعت القواعد و الأصول التي تبين حكمه أو تمكن من التعرف على حكم الله تعالى فيه
- فجمعت بذلك بين الثبات في الأصول و المرونة في الفروع .
- 2 – قالوا إنَّ المصالح المرسلة مترددة بين المصالح المعتبرة و المصالح الملغاة ، أي يمكن إلحاقها بأيٍ منهما ، فإلحاقها بأحدهما ليس بأولى من إلحاقها بالآخر ، فيمتنع الاحتجاج بها دون شاهدٍ أو دليلٍ يدل على أنها من المصالح المعتبرة لا الملغية .
- و الجواب : ان هذه الحجة ضعيفة ، لأن الأصل الذي بُنيت عليهِ الشريعة هو المصلحة ، و إلغاء بعض المصالح
- أمر استثنائي ، فإلحاق المصالح المسكوت عنها ( المرسلة ) بالمصالح المعتبرة أولى من إلحاقها بالمصالح الملغاة .
- 3 – قالوا الأخذ بالمصالح المرسلة يُجرّئ الجُهّال على تشريع الأحكام بدون علم بحجة أنها من المصالح ، فيقع الخلط في تشريع الأحكام ، و هذا يفتح الباب لذوي الأهواء المنحرفة من الحكّام و القضاة و نحوهم من ذوي السلطان إلى ما يريدون فيبنون الأحكام على
- أهوائهم بعد أن يلبسوها ثوب المصلحة و يصبغوها بصبغةِ الدّين ، و في ذلك طعنٌ في الدين و اتهامٌ له بإسناد و دعم الظالمين المفسدين .
- و الجواب : أن الحكم بالمصالح و الإفتاء بها يستلزم الوقوف عند الأدلة و الشروط الشرعية للتأكد من اعتبارها أو إلغاءها و هذا غير ميسور إلا للعلماء الذين بلغوا رتبة الاجتهاد ، و قد وضع العلماء شروطاً دقيقةً لمعرفة المصالح المرسلة .
- أما الجهال الذين يفتون الناس بغير علم فإن من واجب العلماء أن يبيّنوا و يكشفوا جهلهم للناس حتى يأمنوا شرّهم و تلاعبهم بأحكام الدين ، و أما الحكّام المفسدون فإن ردعهم لا يكون بسدّ باب المصلحة و إنما يكون بقيام الأمة بواجبها الشرعي نحوهم بتقويمهم أو إقالتهم و عزلهم إن أصروا على ذلك .
- أدلة القائلين بالاحتجاج بالمصالح المرسلة :
- - 1 – قالوا إنَّ الشريعة ما وضعت إلا لتحقيق مصالح العباد ، و قد دلت على ذلك نصوص الشريعة و أحكامها المختلفة ، فالأخذ بالمصلحة المرسلة يتّفق مع طبيعة الشريعة و الأساس الذي قامت عليه ، و الغرض الذي جاءت من أجله ، و هذا هو القول الحق الذي صرّح به غير واحدٍ من العلماء و من ذلك :
- أ – قول الإمام أبي إسحق الشاطبي : ( و الشريعة ما وضِعت إلاَّ لتحقيق مصالح العباد في العاجل و الآجل ، و درءِ المفاسد عنهم ) .
- ب – قول الفقيه الشجاع ، سلطان العلماء ، العز بن عبد السلام : ( الشريعة كُلُّهَا مصالح ، إمّا درء مفاسد أو جلب مصالح ) .
- و قال العلامة ابن القيم الجوزية – رحمه الله - : ( إنَّ الشريعة مبناها على الحِكَم و مصالح العباد في المعاش و المعاد ، و هي عدلٌ كلُّها، و مصالح كلُّها ، و حكمةٌ كلُّها ، فكلُّ مسألةٍ خرجت عن العدلِ إلى الجَور ، و عن الرحمة إلى ضدها ، و عن الحكمة إلى العبث فليست من
- الشريعة و إن أُدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدلُ اللَّهِ ، و رحمته بين خلقهِ ) . و قال ابن القيم أيضاً : ( حيثما وجدتَ المصلحةَ فثَمَّ شرع الله ) أي حيث وجدت المصلحة فهناك تجد شرع الله .
- و باستقراء نصوص الشريعة و أحكامها يدل على صدق ما ذكره هؤلاء العلماء من أن الشريعة الإسلامية ما وضعت إلا لتحقيق مصالح العباد في الدنيا و الآخرة
- 2 – إن مصالح الناس و وسائلهم لتحقيق تلك المصالح قد تتغير باختلاف الظروف و الأحوال و الزمان ، و لا يمكن حصر هذه المصالح مقدماً ، و لا لزوم لحصرها بأدلةٍ خاصة ما دام أن ثبت أن الشارع أنزل هذه الشريعة لرعاية مصالح العباد ، فإذا لم نعتبر من المصالح إلاَّ ما جاء دليلٌ خاصٌّ باعتبارهِ ، فإننا نكون قد ضيّقنا واسعاً ، و فوّتنا على الخلق مصالح كثيرةً يحتاجون إليها في كل
- عصرٍ و زمان ، و هذا لا يتفق مع عموم الشريعة و بقائها و صلاحيتها للتطبيق في كل زمانٍ و مكان ، فالمصير إلى هذا القول غير صحيح فلابد من اعتبار المصالح المرسلة .
- 3 – إنَّ المجتهدين من الصحابة و من جاء بعدهم من العلماء جروا في اجتهاداتهم و فتاويهم على رعاية المصلحة و بناء تلك الأحكام و الفتاوى عليها من غير إنكارٍ على واحدٍ منهم فكان ذلك إجماعاً سكوتياً عل الاحتجاج بالمصالح المرسلة
- و من أمثلة ذلك
- - جمع سور القرآن في مصحف واحد في زمن الخليفة أبي بكر الصديق -0 رضي الله عنه
- - جمع المسلمين على مصحفٍ واحد في زمن الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه -
- - توريث مُطلّقة الفار( أي من طلقها زوجها فراراً من ميراثها ) بفتاوى من بعض الصحابة و منهم عثمان بن عفان – رضي الله عنه -
- - تضمين الصُنَّاع ما يتلف تحت أيديهم من أموال الناس و لو لم يقصّروا في الحفظ مع أن الأصل أن يدهم على المال يد أمانة لكن اقتضت المصلحة الافتاء بتضمينهم لئلا يتهاونوا في حفظ أموال الناس و خصوصاً عند فساد الزمان و ذهاب الأمانة ، و في ذلك يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - : ( لا يُصلحُ الناسَ إلاَّ ذلك ) .
- - قتل الجماعة بالواحد ، و فتوى عمر – رضي الله عنه – المشهورة في ذلك .
- أمر عمر – رضي الله عنه – بحرق بيت سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – لما احتجب فيهِ عن رعيته و كان سعد – رضي الله عنه - أميراً
- أمر عمر – رضي الله عنه – بحلق شعر نصر بن حجاج و نفيه من المدينة ، و قد كان شاباً جميلاً يعتني كثيراً بشعره حتى افتتنت النساء به ، فأمر عمر بذلك لمصلحة عامة و هي منع الفتنة عن النساء و تثبيت قلوبهن .
- - مصادرة عمر – رضي الله عنه – لأموال عُمَّاله ( أمرائهِ ) التي اكتسبوها بجاهِ السلطة و استغلال النفوذ .
- و غير ذلك من الأمثلة التي يصعب حصرها لكثرتها .
- القول الراجح :
- بعد عرض أدلة الطرفين المختلفين في الاحتجاج بالمصالح المرسلة رجّحَ المؤلف ( د عبد الكريم زيدان – رحمه الله - ) القولَ بحجية المصالح المرسلة و اعتبارها من أدلة ومصادرالتشريع التي تبنى عليها
- الأحكام و الفتاوي الشرعية ، و هو مصدرٌ خِصب يسعفنا بالأحكام اللازمة لمواجهة ظروف الحياة المتغيّرة دون الخروج عن مبادئ الشريعة و أحكامها القطعية .
- شروط العمل بالمصلحة المرسلة :
- ذكر المالكية ثلاثة شروطٍ للعمل أو الاحتجاج بالمصالح المرسلة و زاد المؤلف شرطين فصار عدد الشوط خمسة نذكر شروط المالكية ثم شرطي المؤلف :
- 1 – أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشريعة ، فلا تخالف دليلاً أو نصاً ، أو أصلاً شرعياً بأن من جنس المصالح التي اعتبرها الشارع الحكيم في أحكامهِ و ليست غريبة عنها ( فإن خالفت المصلحة أحد أدلة التشريع و مقاصدهِ كانت مصلحةً فاسدة أو ملغاة ) .
- 2 – أن تكون المصلحة معقولة المعنى بحيث لو عُرضت على العقول السَّليمة لتلقتها بالقَبول .
- 3 – أن يكون الأخذ بالمصلحة المرسلة لحفظ ضروري ، أو لرفع حرج ، أي أن يكون الأخذ بالمصلحة المرسل يصب في حفظ مصلحةٍ من المصالح الضرورية الخمسة ، أو لحفظ مصلحة من المصالح الحاجية التي يقصد بها رفع الحرج عن المكلفين ، لأن الله تعالى يقول : ( و ما جعلَ عليكم في الدّين من حرج ) الحج 78 .
- 4 – أن تكون المصلحة التي يترتب عليها الحكم الشرعي مصلحةً حقيقيةً لا وهمية .
- 5 – أن تكون مصلحةً عامة لا خاصة ، يعني أن الحكم الذي يُبنى عليها يحقق مصلحة عموم الناس لا فرداً معيناً أو فئة معيّنة .
- فاعتبار هذه الشروط و الضوابط يبعد المصلحة المرسلة عن مزالق الهوى و نزوات النفوس فلا تكون وسيلة للإفتاء بمقتضى الهوى و التشهي .
- أمثلة من فقه المذاهب و اجتهادات الفقهاء للأخذ بالمصالح المرسلة :
- نذكر فيما يأتي أمثلةً من اجتهادات أئمة المذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة عند أهل السنّة و الجماعة تدل على اعتبار المصالح المرسلة و بناء الحكام و الفتاوى عليها :
- أولاً في المذهب المالكي :
- أفتى المالكية بـ :
- 1 – جواز تنصيب الإمام أو الحاكم غير المجتهد عند عدم وجود المجتهد ، يُنصّب الأمثل فالأمثل .
- – جواز بيعة الإمام المفضول مع وجود الفاضل .
- 3 – جواز فرض الضرائب على الأغنياء إذا خلا بيت المال ( الخزينة العامة = البنك المركزي ) للدولة من المال اللازم لمواجهة النفقات الضرورية كنفقات الجهاد و الجند .
- 4 – جواز و قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض و دعاوى الجراحات للمصلحة لأنه لا يشهد لعبهم – عادةً – غيرُهم و لو لم يتوفر شرط البلوغ في الشاهد لأن عدم اعتبار شهادتهم يؤدي إلى
- ضياع الحقوق .
- ثانياً : أمثلة من فقه الشافعية :
- – قال الشافعية بجواز إتلاف الحيوانات التي يقاتل عليها الأعداء و إتلاف شجرهم إذا كانت حاجة القتال و الظَّفر بالأعداء و الغَلَبة عليهم تستدعي ذلك .
- ثالثاً : أمثلة من فقه الحنفية :
- قال الحنفية بجواز حرق ما يغنمه المسلمون من متاعٍ و ضأنٍ ( أي مواشي ) إذا عجزوا عن حملها ،
- فيذبح الضأن و تُحرق لحومُها ، و كذلك يُحرق المتاع لئلا ينتفع الأعداء بهِ
- - و من ضروب الاستحسان عند الحنفية الاستحسان بالمصلحة ، أي الاستحسان الذي دليلهُ و مستندهُ المصلحة ما سبق بيانهُ .
- رابعاً : أمثلة من فقه الحنابلة :
- 1 – أفتى الإمام أحمد بنفي أهل الفساد إلى بلدٍ يؤمن فيه شرُّهُم
- 2 – أفتى الإمام أحمد بجواز تخصيص بعض الأولاد بالهبة دون غيرهم من الأولاد إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك كأن كان أحد الأولاد مريضاً ، أو كان طالب علمٍ يحتاج إلى مزيدٍ من النفقة ، أو كان صاحب عيالٍ أكثر من إخوانه يحتاج أيضاً إلى مزيدٍ من النفقة ، و لا يُعدُّ ذلك إخلالاً بواجب العدل بين الأولاد في الهبة و العطاء .
- 3 – قال فقهاء الحنابلة إنَّ لولي الأمر أن يُجبرَ المحتكرين على بيعِ
- ما عندهم من السلع المحتَكَرة بثمن أو قيمة المثل رفعاً لضرر غلاء الأسعار عن الناس .
- 4 – و قال فقهاء الحنابلة : لولي الأمر أن يُجبرَ أصحاب الحِرَف و الصناعات التي يحتاجها الناس على العمل بأجرِ المثل إذا امتنعوا ( أو أضربوا ) عن العمل .
- 5 – أفتى الحنابلة أن من احتاج إلى إجراءِ الماء من أرض جارهِ ليسقي أرضه فله أن يمرَّهُ و يجريه من أرض جاره جبراً إذا لم يرضى أن يُمرَّهُ طوعاً
- ، و هذا هو المنقول عن عمر في قصة الخلاف الذي و قع بين الضحّاك و جاره محمد بن مسلمة الأنصاري – رضي الله عنه – كما رواه الإمام مالك في الموطأ ، و بقول عمر – رضي الله عنه –
- أخذ الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه . و به أخذ فريقٌ من فقهاء الحنابلة و هو الصحيح الذي يجب المصير إليه لأن التعسّف في استعمال الحقّ ممنوعٌ في الشريعة
- ، و معنى التعسف في استعمال الحق أن يتشدد الإنسان في استعمال الحق بطريقة تضرُّ بالآخرين ، كأن يطلق الرجل زوجته مثلاً لغير حاجةٍ أو مبرر مقبول شرعاً .
- 6 – من فتاوى الحنابلة أنَّ من اضطر إلى السكنى في بيتِ إنسانٍ لا يجد سواه ، و فيه مُتَّسعٌ له و لصاحب البيت ، و أن على صاحب الدار أن يبذلهُ للمحتاج إليه بأجرِ المثل على رأي بعض الحنابلة ، أو بذلهُ بالمجان على رأي البعض الآخر من فقهاء الحنابلة . و الله أعلم
- تعريف الذرائع :
- الذرائع جمع ذريعة ، و الذريعة في اللغة هي الوسيلة و الطريق الموصل إلى الشيء ، سواءٌ أكان هذا الشيء من المصالح أم من المفاسد ، قولاً أم فعلاً . فالذرائع هي الوسائل الموصلة للغايات و المقاصد .
- لكن غلب استخدام الذرائع على الوسائل المفضية ( أي : المؤدية ) إلى المفاسد ، لذلك يُقال هذا من باب سدّ الذرائع ، أي أنه من باب
- منع الوسائل المؤدية إلى المفاسد .
- أما إذا كانت هذه الذرائع تفضي أو تؤدي إلى المصالح فإنَّ هذا يسمى فتح الذرائع .
- الفعل (أو الذريعة ) المفضي إلى المفسدة إذا كان بنفسه مفسدة محرمة فإن هذا الفعل محرم باتفاق العلماء ، كشرب الخمر المفسد للعقول ، و القذف الملوث للأعراض ، و الزنى المفضي إلى اختلاط المياه و اختلاط الأنساب و ضياعها .
- أنواع الذرائع المختلف فيها :
- النوع الأول : ما كان إفضاؤه إلى المفسدة نادراً أو قليلاً : فتكون في هذه الحالة المصلحة راجحة ، و المفسدة مرجوحة ، مثل : النظر إلى المخطوبة مع احتمال حصول المفسدة .
- و هي الفتنة ، و كذلك رؤية وجه المرأة المشهود عليها أمام القضاء ، و كذلك زراعة العنب مع احتمال حصول المفسدة بان يصنع منه الخمر ، لكن لما كانت المفسدة في
- هذه الأشياء ضئيلة ضعيفة مغمورة مقابل المصلحة المرجوّة منها لم تمنع شرعاً باتفاق العلماء مع احتمال المفسدة المرجوحة فيها مقابل المصلحة الراجحة .
- و لهذا أمثلة كثيرة منها :
- 1 – أن الشارع قّبِلَ خبر المرأة في انقضاء أو انتهاء عدتها ، أو عدم انقضائها ، مع احتمال عدم صدقها أو كذبها فيما أخبرت به .
- 2 – أن الشارع شرع القضاء بشهادة الشهود مع احتمال كذبهم
- 3 – أن الشارع شرع قَبول خبر الواحد في رواية الحديث إذا كان ثقةً مع احتمال عدم ضبطهِ .
- فلمّا كانت المفسدة الموجودة في هذه الأمثلة و أشباهها ضعيفة مرجوحة لم يلتفت إليها الشارع و لم يعتدّ بها ، فلم يمنع هذه الأفعال مع احتمال المفسدة فيها مقابل المصلحة الراجحة المرجوّة منها .
- النوع الثاني : ما كان إفضاؤه إلى المفسدة كثيراً راجحاً ( أرجح من المصلحة المرجوّة منه ) .
- مثل : بيع السلاح في وقت الفتنة بين المسلمين ، و بيع العنب لمن عُرف عنه الاحتراف بعصر الخمر و صناعته ( و هو الخمّار ) ، و بيع النحاس لمن يصنع منه ناقوصاً ، و بيع الخشب لمن يصنع منه صليباً أو آلة لهوٍ كعودٍ و كمانٍ و نحوهما ، و بيع أرضٍ لمن يبني عليها كنيسةً أو مكان لهوٍ محرّمٍ كمرقص ، و سبّ آلهة المشركين في حضرة من يُعرف عنه أن يسب الله تعالى إذا سمع سب تلك الآلهة . فهذا النوع وقع خلاف في وجوب سدّهِ و منعهِ كما سيأتي بعد قليل .
- النوع الثالث : ما يؤدي للمفسدة بسبب استعمال المكلف له في غير ما وضِعّ أو شُرعَ له ، فتحصل المفسدة بسبب ذلك الاستعمال الخاطئ ، و المفسدة لا تكون إلاَّ راجحةً هنا .
- و مثاله : من يجعل عقد النكاح وسيلةً لتحليل المطلَّقة ثلاثاً لزوجها الأول ( و هو نكاح المُحلل أو التيس المستعار ) .
- و مثاله من يجعل عقد البيع وسيلةً للوصول إلى الربا ، كمن يبيع خرقةً أو سلعةً
- بألفٍ نسيئة ، ثم يشتريها من مشتريها بتسع مئة نقداً فيكون بذلك قد توصل إلى الربا بأن باع ألفاً بتسعمائة و جعل عقد البيع الصوري وسيلةً للوصول إلى هذا التعامل الرَّبوي .
- و هذا النوع أيضاً و قع الخلاف بين العلماء في وجوب سدّهِ أو منعه كما سيأتي في الفقرة التالية .
- حجية سدّ الذرائع : هل يعد أصل سدّ الذرائع حجةً أو مصدراً تشريعياً ؟
- - اتفق الفقهاء على عدم اعتباره حجةً في النوع الأول من الذرائع
- و هو ما كانت المفسدة فيه قليلة أو مرجوحةً بالمقارنة مع المصلحة الراجحة .
- ثم اختلف الفقهاء في النوعين الثاني و الثالث على مذهبين :
- * المذهب الأول : و هو مذهب المالكية و الحنابلة قالوا سد الذرائع حجة و أصل تشريعي فيُمنع و يحرم كل ما يؤدي إلى المفسدة الكثيرة الراجحة أو ما يؤدي إلى المفسدة بسبب الاستعمال الخاطئ من المكلف لذلك قالوا بتحريم بيع
- العنب للخمار و تحريم بيع النحاس لمن يصنع منه ناقوصاً و تحريم بيع الخشب لمن يصنع صليباً و آلة لهوٍ ، و تحريم بيع السلاح في زمن الفتنة بين المسلمين ......... و تحريم نكاح المحلل و النكاح بنية الطلاق و البيوع التي يتوصل بها إلى التعامل بالربا . و يسمى هذا المنهج الفقهي بالنزعة الذاتية .
- المذهب الثاني : وهو مذهب الحنفية و الشافعية و الظاهرية : قالوا إن سدّ الذرائع في النوعين الثاني و الثالث ليس حجةً و لا مصدراً تشريعياً
- ، فلا تمنع تلك الأشياء لاحتمال حصول المفسدة ، أو لاحتمال إفضائها للمفسدة لذلك قالوا بجواز بيع للعنب للخمار لاحتمال أن لا يصنع منه خمراً و لأن المفسدة في حال أنه عصره خمراً لم تتحقق بعين المبيع بل بما نتج عنه و هو العصير ، و صحة نكاح المحلل إذا لم يُذكر قصد التحليل في صيغة العقد صراحةً ......... . و يسمى هذا الاتجاه الفقهي بالنزعة الموضوعية
- و سبب الخلاف :أن المالكية و الحنابلة يعدّون سد الذرائع أصلاً و مصدراً تشريعياً لأنهم لا ينظرون إلى فعل و أو تصرف المكلف فقط بل ينظرون أيضاً إلى مآل هذا الفعل أي عاقبته و نتيجته و آثاره فإذا كان هذا الفعل يؤول أو يؤدي إلى مفسدةٍ أو معصية بأن آل أو أدى إلى مناقضة نصٍّ شرعي أو مناقضة مقصد الشارع من تشريع حكم هذا التصرف أو أدى إلى مناقضة أحد مقاصد الشريعة المعتبرة فإن هذا الفعل أو التصرف يُمنع و يحكم بتحريمه سداً لذرائع الفساد و منعاً لانتشارها
- أما الحنفية و الشافعية و الظاهرية فلا يعدّون سد الذرائع أصلاً أو مصدراً تشريعياً ، لأنهم ينظرون إلى ظواهر أفعال و تصرّفات المكلفين و لا ينظرون إلى مآلات أفعالهم ، فإن كان الفعل في ذاته مباحاً و ليس محرما أي : ليس فيه مفسدة ذاتيةً حُكم بإباحته و لو كان ثمة احتمالٌ لإفضائه للمفسدة أو المعصية ، فهم لا يعتدون بمآلات الأفعال مادامت الأفعال في أصلها مباحةً . و ذلك ترجيحاً للإذن الشرعي العام للفعل المباح على
- الضرر أو المفسدة المحتملة من هذا الفعل . فعلى سبيل المثال : فإن الشافعية و الحنفية ينظرون إلى عقد بيع العنب للخمار على أنه عقد استكمل أركانه و شروطه الشرعية و منها كون المبيع مباحاً و كمال أهلية العاقدين و خلوه عن الشروط المفسدة فيحكمون بصحتهِ و لا يعتبرون نية المتعاقد الخبيثة المخالفة لحكم الشرع مفسدة للعقد ما لم يُنصَّ عليها صراحةً في العقد ، و كذلك الأمر بالنسبة لمن نكح امرأةً
- بنية تحليلها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً ، و كذا لو نكح امرأةً و هو ينوي طلاقها فالعقد صحيح ما دام قد استكمل أركانه و شروطه الشرعية و لم يتم التصريح بنية التحليل أو التأقيت في صيغة العقد .
- الأدلة :
- أولاً : أدلة المالكية و الحنابلة المثبتين للاحتجاج بالذرائع :
- استدلوا بأدلة من القرآن و السنة :
- 1 – الأدلة من القرآن : استدلوا بقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا
- لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا و اسمعوا ) فقد نهي المسلمون أن يقولوا راعنا لأن اليهود كانوا يلون ألسنهم بها عند مخاطبتهم للنبي - ﷺ - ينطقونها بالتنوين ( راعناً ) يقصدون اسم الفاعل من الرعونة يقصدون بها سب النبي - ﷺ - فنهي الصحابة عن مخاطبة النبي ﷺ - بهذا اللفظ سداً للذريعة حتى لا يتخذه اليهود وسيلة لسب النبي ﷺ -
- 2 – الأدلة من السنة : الدلة كثيرة منها :
- 1 – حديث : ( من الكبائر شتم الرجل والديه ، قالوا : يا رسول الله ن و هل يشتم الرجل والديه ؟ قال : يسبُّ أبا الرجل فيسب أباه ، و يسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه . فقد حرم النبي التسبب بشتم الوالدين بسب آباء الناس و أمهاتهم و هذا من باب سد الذرائع الموصلة للفساد .
- 2 – حديث : ( لا يخلون رجل بامرأة ليست له بمحرم ، فإنَّ الشيطان ثالثهما ) أخرجه الترمذي
- فقد نهى النبي -ﷺ - عن الخلوة بالمرأة الأجنبية و لو في إقراءِ القرآن ، و السفر بها و لو في الحج و زيارة الوالدين سداً لذريعة ما يُحذر من الفتنة .
- و هناك أحاديث أخرى ، و أحكام أخرى تدل على اعتبار الشريعة لأصل سد الذرائع سيأتي تفصيل بعضها بعد قليل .
- ثانياً – أدلة الحنفية و الشافعية :
- أخذوا بالنوعين الأوليين من الذرائع لورود النصوص الشرعية فيها
- و لم يقولوا بالنوع الثالث من الذرائع لعدم ورود نصوص فيها ، و لأن الأصل أننا نحكم بما وردت به النصوص الشرعية ، و لذلك لم يتوسع الحنفية في أصل سد الذرائع ، و لم يعدوه أصلاً مستقلاً من أصول مذهبهم .
- الترجيح : مال المؤلف الدكتور عبد الكريم زيدان – رحمه الله – إلى ترجيح رأي المالكية و الحنابلة : لأن الوسائل معتبرة بمقاصدها ، أي بما يقصد منها فتأخذ حكم النتائج أو المقاصد التي تؤدي إليها ،
- فوسائل المحرمات تأخذ حكمها في التحريم ، كما أن وسائل الطاعات و القربات تأخذ حكمها من حيث الاستحباب أو الوجوب .
- ثم إن الذين لا يعدون ( سد الذرائع ) دليلاً مستقلاً يحتجون بأن الفعل ما دام مباحاً فلا يجوز منعهُ باحتمال إفضائه للمفسدة لأن هذه المفسدة مُحتَملة قد تحصل و قد لا تحصل ، و هذا الاحتمال لا يقوى على جعل هذا الفعل محرماً لأنه من قبيل الظن ، و الظن لا يغني من الحقّ شيئاً . يقول المؤلف و هذه الحجة ضعيفة لأن احتمال حصول المفسدة إذا
- كان ضعيفاً أو مرجوحاً فإنه لا يمنع الفعل و لا يعد دليلاً أو مبرراً لتحريم الفعل أو منعهِ ، لكننا نتكلّم عن أفعالٍ تفضي إلى المفسدة إفضاءً كثيراً ، بحيث يحصل عند الإنسان غلبة ظنٍ بوقوع المفسدة أو المعصية ، و من المعلوم أن غلبة الظن أو الظن الراجح معتبرٌ شرعاً فلا يشترط أن يكون الدليل يقينياً أو قطعياً حتى يثبت به الحكم الشرعي ، و يدل على ذلك قبول خبر الواحد و الاحتجاج به مع أنه دليلٌ ظني ، و كذلك الحكم بناءً على
- شهادة الشهود ، و قبول خبر المرأة في انقضاء عدتها ، كلها أدلة ظنية مقبولة شرعاً لأنها تحقق مصالح راجحة مع الاحتمال المرجوح للمفسدة ( و هي كذب الشهود أو كذب المُخبر ) ، بل يمكن القول إن أغلب الأدلة المعتبر في الأحكام هي أدلة ظنية كخبر الواحد و القياس و الاستحسان و المصالح ...... ، و أما الأدلة القطعية كالخبر المتواتر فهي قليلة جداً .
- ثم إنه من غير المقبول أن يُحرّم الشارع شيئاً ثم يسمح أو يبيح فعل الأشياء أو الوسائل الموصلة إليه أو يتركها على أصل الإباحة الأصلية ، فكون الشيء مباحاً مشروطٌ بأن لا يؤدي إلى مفسدةٍ راجحة فإن أدى إلى ذلك نظراً لظروفٍ خاصّة فينبغي أن يُمنع و يُحكم بتحريمهِ و حظره ، و أمثلة ذلك :
- 1 - أن البيع مباح لكنه إذا وقع في وقت النداء الثاني لصلاة الجمعة صار محظوراً محرّماً .
- 2 – سب الآلهة المزعومة للمشركين مباح ، لكنه إذا أدى إلى مفسدة سب الله تعالى من قِبل المشركين صار محرماً ممنوعاً .
- 3 – و قطع يد السارق فرضٌ ، لكن يجب تأجيله إذا حصل في الجهاد و الغزو لحديث : ( لا تُقطع الأيدي في الغزو ) و علة المنع حتى لا يتخذ إقامة الحد أو التهديد به ذريعةً للمحدود ( السارق ) للفرار إلى أرض العدو و الالتجاء إليهم خشية من عقوبة الحدّ .
- 4 – الهدية مستحبة ، لحديث : ( تهادوا تحابّوا ) ، لكنها تصبح محرمة إذا كانت ذريعة للوصول إلى الربا ، كما هو الحال في هدية المدين لدائنهِ إذا لم تكن بينهما عادة التهادي .
- 5 – إنكار المنكر للقادر على الإنكار واجب ، لكن إذا أدى إنكار المنكر إلى منكرٍ أعظم منه وجب ترك الإنكار .
- فهذه الأمثلة و أشباهها تدل على ترجيح الأخذ بأصل سد الذرائع و
- اعتبارهِ مصدراً من مصادر التشريع و سنبين فيما يأتي الأدلة و الأحكام التي تشهد لهذا الأصل بالاعتبار .
- 44444444444444 المحاضره 444444444444444444444444
- الأدلة و الأحكام التي تشهد لأصل سد الذرائع :
- لكن قبل عرض الأدلة و الأحكام أشير إلى أن الأمثلة الخمسة التي ساقها المؤلف في المحاضرة السابقة خارجة عن محل النزاع لأنَّ الأمثلة الأربعة الأولى ثبت منعها أو منع المفسدة المترتبة عليها بأدلةٍ خاصة من القرآن أو السنة ، و أما المثال الأخير فالمفسدة فيه متيقّنة و ليست محتملة ، و الخلاف إنما هو في المفاسد المحتملة .
- الأدلة و الأحكام التي تشهد لاعتبار أصل سدّ الذّرائع :
- ذكر المالكية و الحنابلة جملةً من الأدلة و الأحكام الشرعية التي تشهد لأصل سدّ الذرائع بالاعتبار إضافة لما ذكرناه سابقاً من الأدلة أذكر منها :
- 1 – تحريم شرب القطرة من الخمر ، لئلا تُتخذ ذريعةً إلى الحسوة ، و تتخذ الحسوة ذريعة لشرب الكثير المسكر منه فيقع بذلك المحذور ، و لهذا جاء في الحديث : ( ما أسكرَ كثيرُهُ فقليلهُ حرام ) .
- 2 – تحريم عقد النكاح في حال كون المرأة في العدة ( عدة الطلاق أو الوفاة ) و إن
- تأخر الوَطء أو الدخول ، و ذلك منعاً لذريعة الدخول قبل انقضاء العدة .
- 3 – نهي النبي ﷺ عن الجمع بين سلف و بيع لئلا يكون اقترانهما ذريعةً إلى الربا ، و معنى ذلك أن يقول أسلفك أو أقرضك كذا بشرط أن تبيعني كذا و القاعدة تقول : ( كلُّ قرضٍ جرَّ نفعاً فهو ربا ) .
- 4 – تحريم أخذ ولي الأمر أو القاضي هديةً ممن لم تجرِ العادة بمهاداتهِ لئلا يُتَّخذَ ذلك ذريعة لمحاباتهِ ،
- فتكون الهدية عندئذٍ نوعاً من أنواع الرِّشوة .
- 5 – توريث مُطلَّقةَ الفارّ ( أي من طلَّق زوجته فِراراً من ميراثها ) ، لئلا يكون الطلاق ذريعةً لحرمان المرأة من ميراثها من زوجها بعد موتهِ فإن طلّقها بهذا القصد فإنها ترث منه إن مات معاملةً له بنقيض قصدهِ السيئ ، و هذا ما ذهب إليه جمهور العلماء مع خلافهم في بعض التفصيلات ، و هذه الفتوى مبنيةٌ على ما أفتى به بعض فقهاء الصحابة معتمدين على أصل سد
- الذرائع . غير أن الحنفية قالوا بتوريثها إذا مات الزوج و المرأة لا تزال في عدة الطلاق ، و قال الحنابلة بتوريثها و لو مات بعد انقضاء عدتها ما لم تتزوج من غيره ، و قال المالكية بتوريثها مطلقاً و لو تزوّجت .
- 6 – أمرُ النبي ﷺ الملتقط أن يُشهدَ اللُّقَطَة مع أنه أمين سداً لذريعة كتمانها بدافع الطمع ، و اللقطة هي المال الضائع الذي يجده شخصٌ ما
- 7 – نهي الشارع أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ، أو يستام على سومه ، أو يبيع على بيعهِ ، سداً لذريعة التباغض و التباعد و التحاسد بين المسلمين .
- 8 – نهي الشارع عن الاحتكار ، و قد قال ﷺ : ( لا يحتكر إلاَّ خاطئ ) أي آثم ، لأن الاحتكار ذريعةٌ للتضييق على الناس في أقواتهم .
- 9 – منع الشارع المُتصدّقَ من شراء صدقتهِ ( أي : زكاتهِ ) و لو وجدها تُباعُ في السوق سداً لذريعة استردادها من الفقيرِ بثمنٍ بخسٍ
- 10 – نهي الشارع الدائنَ عن قبول الهدية من مدينهِ حتى يحسبها من دينه لئلا يتخذ ذلك ذريعةً إلى الربا .
- فهذه الأدلة و الأمثلة الفقهية الشرعية تنهض حجّةً كافيةً لاعتبار أصل ( سدّ الذَّرائع ) دليلاً من أدلة الأحكام ، و الذين لم يعتبروه أصلاً من أصول التشريع أخذوا بمقتضاه في بعض اجتهاداتهم ، باعتباره داخلاً في أصلٍ أو قاعدةٍ أخرى كأصل المصالح .
- أمثلة للأخذ بأصل سد الذرائع من فقه المذاهب :
- 1 – ذهب الظاهرية إلى :
- أ – بطلان بيع السلاح لمن يُتَيَّقنُ عداوتهُ للآمنين .
- ب – بطلان بيع العنب لمن يُتَيَّقنُ أنه يعصره خمراً .
- لكن الظاهرية لم يستدلوا لذلك بأصل سد الذرائع بل عدّوه من باب التعاون على الإثم و العدوان المحرمة بقولهِ تعالى : ( و تعاونوا على البِرِّ و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ) المائدة 2
- 2 – و الحنفية أيضاً قالوا بتوريث مُطلَّقةَ الفارّ ، إذا مات و هي لا تزال في عدة الطلاق ، و استدلوا بمذهب الصحابي الذي لا يعرف له مخالف ، أي أنهم لم يستدلوا بأصل الذرائع
- و مع ذلك فإن هذه الفتاوي تشابه ما ذهب إليه المالكية بالإضافة إلى موافقة الحنابلة لهم .
- في الأخذ بأصل سد الذرائع وما بُنيَ عليها من أحكامٍ و فتاوي ، و هذا دفع بعض الأصوليين للقول بأن المالكية لم ينفردوا في الأخذ بسدّ الذرائع ،
- لذلك نقل المؤلف عن الإمام القرافي - من فقهاء المالكية – في كتابه شرح تنقيح الفصول : ( أما الذرائع فقد أجمعَ العلماء على أنها ثلاثة أقسام :
- - أحدها معتبرٌ إجماعاً ، كحفر الآبار في طريق المسلمين ، و إلقاء السِّم في أطعمتهم ، و سبِّ الأصنام عند من يُعلم من حالهِ أنه يسُبُّ الله تعالى - ثانيها : مُلغى إجماعاً ، كزراعة العنب فإنه لا يُمنع خشيةَ الخمر .
- ثالثها : مختلفٌ فيه ، كبيوع الآجال ، اعتبرنا نحن الذريعةَ فيها ، خَالَفَنَا
- غيرُنا فحاصل القضية أننا قُلنا بسدِّ الذَّرائعِ أكثرَ من غيرِنا ، لا أنَّها خاصّةٌ بنا ) .
- و ما ذكره القرافي و بعض الأصوليين فيه نظر ، فصحيح أن بعض الفقهاء وافقوا المالكية في بعض الفتاوي التي بنوها على أصل سد الذرائع ، لكنهم لم يستدلوا لها بأصل سد الذرائع و إنما استدلوا لها بأدلة أخرى كما بيّنا ذلك سابقاً ، و لا يُعرف غير الحنابلة وافقوا المالكية في الأخذ بأصل سد الذرائع . و الله أعلم .
- سد الذرائع و المصالح المرسلة :
- اصل سدّ الذرائع يؤكد أصل المصالح و يوثقه و يشد أزرهُ ، لأنه يمنع الوسائل المفضية إلى المفاسد ، فهو مكملٌ متممٌ للمصلحة ، بل إنَّ بعض الأصوليين اعتبر بعض صور سد الذرائع من صور المصالح المرسلة ، و لذلك نجد أن الذين أخذوا بالمصالح المرسلة و حملوا لواءه هم أنفسهم الذين أخذوا بسد الذرائع ( و هم المالكية و الحنابلة ) ، لذلك قالوا : بسد الذرائع المفضية للمفاسد و لو كانت الذريعة في أصلها مباحة ،
- وقالوا : بفتح الذرائع المفضية إلى المصالح الراجحة ، و لو كانت الوسيلة أو الذريعة في أصلها محرّمة ، و لذلك أمثلة من فقه المالكية هي :
- 1 – أنهم أجازوا للدولة الإسلامية أن تدفع مالاً للعدو اتقاءً لشرّهِ إذا كانت الدولة الإسلامية ضعيفة .
- 2 – أنهم قالوا بجواز دفع الرِّشوة إذا تعينت طريقاً لدفعِ ظلمٍ أو معصية ضررها أشد من ضرر دفع المال .
- 3– قالوا بجواز دفع المال للدولةِ المُحاربة فداءً للأسرى من المسلمين مع أن دفع المال للدولة المحاربة لا يجوز ، لكنه جاز هنا لدفعِ ضَررٍ أكبر ، أو لجلب مصلحةٍ أكبر .
- ثانياً : سد الذرائع و الحيل :
- عرّف الإمام الشاطبي الحيل بأنها : ( تقديمُ عملٍ ظاهرِ الجواز لإبطال حكمٍ شرعي و تحويله في الظاهر إلى حكم آخر ) . و ضرب لذلك بمن يهب ماله لغيره قبل نهاية الحول أو السنة بقصد إسقاط الزكاة عنه لزوال سبب الزكاة و هو عدم ملكية النصاب
- في نهاية الحول او السنة .
- و معنى ذلك أن يستغل الإنسان تصرفاً مباحاً و يستغله بطريقة معينة ليغير به حكماً شرعياً ، و يسقطه ، أو يتخذ ذلك ذريعةً لإسقاط التكليف الشرعية و التفلت منها ، كما ظهر في المثال السابق .
- و لا شك أن التحايل أمر محرم لأنه ذريعة يتوصل بها إلى الحرام ، و كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام و لو كان في أصلهِ مباحاً ، و هذ من باب سد الذرائع الموصلة للمفاسد
- و المحرمات و بهذا يظهر علاقة أصل سدّ الذرائع بتحريم الحيل ، فسد الذرائع هو أساس تحريم الحيل .
- يقول العلامة ابن القيم الجوزية في كتابه إعلام الموقعين 3 / 171 في بيان العلاقة بين سد الذرائع و تحريم الحيل : ( و تجويز الحيل يناقض سدَّ الذّرائع مناقضةً ظاهرةً ، فإنَّ الشارع يسدُّ الطريق إلى المفاسد بكلِّ ممكنٍ ، و المُحتال – أي طالب الحيلة – يفتح الطريق إليها بحيلةٍ ، فأين من يُمنع من الجائز خشية الوقوع في محرم إلى من يعمل الحيلة في التوصل إليه ) .
- و لابد من التنبيه هنا إلى أن العلماء فرقوا بين نوعين من الحيل :
- النوع الأول : الحيل المحرمة و هي التي تم شرحها و الكلام عنها قبل قليل .
- النوع الثاني : الحيل الشرعية المباحة شرعاً : و هو أن يتوصل المسلم بأمر مباح إلى رفع الحرج عن المسلمين أو عن أحدهم .
- و عادةً ما يستخدم المفتون مثل هذه الحيل في فتاويهم في باب الأيمان و النذور ، و في باب الطلاق و نحوهما .
- و يمثلون لذلك بمن رأى زوجته تصعد على السلّم فلما وصلت إلى منتصفهِ قال لها إن صعدتِ درجة واحدة فأنتِ طالقٌ ثلاثاً و إن نزلتِ فأنت طالق ثلاثاً .
- قالوا الحيلة في ذلك أن تبقى الزوجة في مكانها حتى تنام فتُمل فيُصعد بها أو يُنزل بها .
- و مثاله أيضاً من حلف بالطلاق على زوجته أن لا تزور أهلها ، ثم ندم على ذلك ، فالحيلة أن تخالعه على مال ، و الخلع فسخ عند بعض الفقهاء و به يفسخ الطلاق و يسقط
- ما تعلق به و هو الطلاق الثلاث ، ثم يعود الزوج فيعقد عليها و يزوجها بعقدٍ جديد و مهرٍ جديد ، فيكون بهذه الحيلة قد تخلص من الطلاق الثلاث . و هذا أمر جائز لأنه لا يُتوصّل بهِ إلى حرام فلا يمكن القول بتحريمه بناءً على أصل سدّ الذرائع . و قد اشتهر بالقول بهذا النوع من الحيل الحنفية و كان بعضهم يسمّيهِ ( فقه المخالص ) أي الفقه الذي به يُخلّص المفتون الناس من الضيق و الحرج . و الله تعالى يقول : ( و ما جعل عليكم في الدين من حرج )
- العلاقة بين سد الذرائع و نظرية المآل :
- نظرية المآل : هي مقولة قال بها و أشار إليها الإمام أبو إسحق الشاطبي في كتابهِ الموافقات ، و ملخّصها أنه ينبغي الحكم على التصرفات الصادرة من الإنسان – من أقوال و أفعال – من خلال النظر في مآل هذه التصرفات أي عواقبها و نتائجها ، فإذا قصد المكلف بتصرفهِ التوصل إلى أمر يناقص قصد الشارع ، و حكمه فيُتَوصَّل بهذا التصرف إلى الحرام ، فيحكم على هذا
- التصرف بالتحريم مع أنه في أصله مباح بالنظر إلى مآلهِ و عاقبتهِ أو ثمرته و نتيجتهِ المناقضة لقصد الشارع ، ومثاله أن النكاح مستحب ، لكن لو قصد الناكح به تحليل الزوجة لزوجها الأول الذي طلقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى ( أي طلّقها ثلاثاً ) وظهر هذا القصد باتفاق أبرمه هذا الناكح مع الزوج الأول المطلّق ثلاثاً فإن هذا الزواج يُحكم بتحريمه و بطلانه ، و هو نكاح المحلل الذي نهى عنه النبي ﷺ
- و كذا لو قصد الناكح بالنكاح الحصول على المتعة المؤقتة لا بناء أسرة تدوم الحياة الزوجية ، و نص على التأقيت في العقد ، حُكم بتحريم العقد و بطلانه ، و نكاح المتعة الذي نهى عنه النبي ﷺ ، و يلحق به النكاح بنية الطلاق .
- و بهذا يظهر أن الحكم بتحريم هذه التصرفات إنما كان بناءً على أصل سد الذرائع بالنظر إلى أن المكلف قصد بتصرفه مناقضة قصد الشارع الحكيم و أحكامه فآل تصرفه المباح إلى تصرّفٍ محرمٍ و هذا هو عين
- القول بأصل سد الذرائع ، غير أن معرفة حكم التحريم هنا كان بملاحظة مآل التصرف و عاقبته المناقضة لمقصد من مقاصد الشريعة و الموجه لهذا الأمر هو قصد المتصرف الخبيث المناقض لقصد الشارع ، و لذلك ذكروا أن المفتي لا يكفي أن يكون ماهراً في فهم نصوص الشريعة و تفسيرها ، بل ينبغي أن يكون ماهراً في معرفة نفوس الناس و مقاصدهم من تصرفاتهم و هذا الذي وصفه الإمام
- الشاطبي بأنه العالم الرباني ، و الحكيم الراسخ في العلم ( ينظر الموافقات للشاطبي 4 / 458 – طبعة دار الحديث – القاهرة ) .
- بعض التطبيقات المعاصرة لأصل سدّ الذرائع :
- 1 – أفتى المعاصرون من فقهاء المملكة العربية السعودية بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة سداً لذرائع الفساد ككشف المرأة لوجهها ، و كثرة خروجها من بيتها و تمردها على أولياءها و تعرضها للاختلاط
- بالرجال و ما يلزم عن ذلك من تحرش و إيذاء .
- 2 – ذهب الحنابلة في المعتمد عندهم – خلافاً لقول الإمام ابن قدامة المقدسي – إلى عدم جواز النكاح بنيّة الطلاق سدا لذرائع الفساد لما يترتب على ذلك من مناقضة قصد الشارع في ديمومة و استمرار الحياة الزوجية ، و لما يترتب على ذلك من مفاسد كظلم الزوجة و الأولاد ، و زعزعة ثقة بلاد الغربة بأهل الاستقامة و الخُلُق من المسلمين
- تعريف العرف :
- العرف : ما ألفه المجتمع و اعتاده و سار عليه في حياته من قولٍ أو فعل .
- أو : هو عادةُ جمهور قومٍ في قولٍ أو فعل ,
- و عرفه بعضهم بأنه : ما استقرَّ في النفوس من جهة العقول و تلقته الطباع السليمة بالقبول .
- و العرف و العادة بمعنى واحد عند الفقهاء ، فإذا قالوا : هذا ثابت
- بالعرف و العادة فهذا لا يعني أن العرف غير العادة ، و إنما ذُكرت العادة بعد العرف للتأكيد لا لتأسيس معنى جديد .
- و العرف و العادة بمعنى واحد عند الفقهاء ، فإذا قالوا : هذا ثابت بالعرف و العادة فهذا لا يعني أن العرف غير العادة ، و إنما ذُكرت العادة بعد العرف للتأكيد لا لتأسيس معنى جديد .
- أنواع العرف :
- للعرف نوعان :
- 1 – العرف العملي : و هو ما اعتاده الناس من أعمال ، مثل : بيع التعاطي ، و تقسيم المهر إلى معجّل و مؤجّل ، و دخول الحمامات العامة دون تعيين مدة المكث و كمية الماء المستعمل ، و استصناع الأواني المنزلي و الأحذية و نحو ذلك ، و اعتبار تقديم الطعام للضيف و وضعه بين يديه إذناً بالتناول منه لا بالتملك و الأخذ منه
- 2 – العرف القولي :
- و هو ما تعارف عليه الناس في بعض ألفاظهم بأن يريدوا بها معنى آخر غير المعنى الذي وضِعَت لأجلها في أصل الوضع اللغوي .
- مثل :
- - تعارفهم على إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى ، مع أنها في اللغة تشمل الذكر و الأنثى .
- - تعارفهم على إطلاق لفظ اللحم على غير السمك .
- تعارفهم على إطلاق اسم الدابّة على ذوات الأربع من الحيوانات ، مع أنها في اللغة تطلق على كل ما يدب و يمشي على الأرض .
- و العرف بنوعيه ينقسم إلى عامٍّ و خاص ، فالعرف العام ما شاع و فشا في جميع البلاد الإسلامية ، و العرف الخاص ما شاع في قطرٍ دون قطر ، أو ما شاع بين أرباب و أصحاب حرفةٍ أو صنعةٍ معيّنة .
- فصار التقسيم في ذلك رباعياً :
- 1 – العرف العملي الخاص : و مثاله ما شاع في بعض البلاد من تقسيم المهر إلى معجل و مؤجل و كلاهما غير مقبوض ، و إعطاء علاوة أو زيادة عند شراء البرتقال كما هو الحال في بعض مناطق العراق ( ديالى ) .
- 2 - العرف العملي العام ، كبيع التعاطي .
- 3 – العرف القولي العام ، مثل إطلاق لفظ الدابة على ذوات الأربع و عدم إطلاقها على الإنسان .
- 4 – العرف القولي الخاص : كالألفاظ التي اصطلح عليها أهل العلوم و أصحاب الحرف و الصناعات التي يريدون عند اطلاقها المعاني الاصطلاحية المتعارف عليها لا المعاني اللغوية ، كإطلاق تجار الشام لفظ الأرنب أو العامود على المليون ، و كإطلاق لفظ البلطجية في مصر على جماعة من الرجال السيئين الذين تستأجرهم بعض الجهات للإفساد .
- تقسيم آخر للعرف : من حيث اعتباره و الاحتجاج به أو عدم اعتبارهِ :
- ينقسم إلى نوعين :
- 1 – العرف الصحيح : و هو ما لا يخالف نصاً و لا يفوّت مصلحةً معتبرة , و لا يجلب مفسدة راجحة كتعارف على ما يقدّمه الخاطب إلى مخطوبته من ثيابٍ و نحوها يعتبر هديةً و لا يدخل في المهر ، و كتعارفهم عند عقد النكاح على تقديم الطعام أو الحلوى ، و كتعارف أهل بغداد قبل خمسين عاماً على تقديم
- الغداء إلى من يشتغل عندهم من عمال البناء ، و كتعارف أصحاب المقاهي على تقديم الغداء و العَشَاء إلى صنَّاعهم ، و كتعارف بعض البلاد على أن المهر المؤجّل لا يستحق دفعه للزوجة و لا يحق لها المطالبة بهِ إلاَّ بعد حصول الفرقة بين الزوجين بالطلاق أو الموت .
- 2 – العرف الفاسد : و هو العرف المخالف لنصٍّ شرعي ، أو يجلب ضرراً ، أو يدفع مصلحةً .
- مثل : تعارف بعض الناس على
- استعمال العقود الباطلة كالاستقراض بالربا من المصارف أو الأفراد ، و مثل اعتيادهم على الميسر في معاملاتهم كاليانصيب (دواليب االحظ ) ، وسباق الخيل ، و اللعب بالورق ، و اللعب بالنرد . و هو ما يسمى اللعب على الشرط و نحو ذلك . و مثال ذلك اعتياد بعض المجتمعات على بعض المحرمات في حفلاتهم كالاختلاط و الاستماع للموسيقى و الغناء المحرم و نحو ذلك .
- . و كتعارف بعض الناس على بعض الاحتفالات تقليداً للغرب كاحتفال الشخص بعيد ميلاده و الاحتفال بأعياد الميلاد و نحو ذلك .
- حجّية العرف :
- اعتبر العلماء العرف مصدراً تشريعياً ، و أصلاً من أصول الاستنباط تبنى عليه الأحكام ، و قد دلَّ على احتجاج الفقهاء بالعرف بعض القواعد الفقهية التي يذكرها الفقهاء في كتبهم مثل قاعدة :
- ( العادة محكّمة ) ، و قاعدة ( المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً ) .
- أدلة الاحتجاج بالعرف :
- 1 – استدل الإمام القرافي على حجية العرف بقوله تعالى : ( خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض على الجاهلين ) الأعراف 199 . لكن يرى المؤلف الدكتور عبد الكريم زيدان أن هذه الحجة ضعيفة ، و أن المقصود بالعرف في الآية المعروف ، أي : ما عرف حسنه ، و وجب فعله ، و هو كل ما أمرت به الشريعة .
-
- 2 – احتج بعض فقهاء الحنفية بحديث : ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ) .
- و يرى المؤلف أن هذه أيضاً هذه الحجة أيضا ضعيفة لأن الحديث موقوف على ابن مسعود , و إن صح فهو يدل على حجية الإجماع لا العرف ، إلا إذا كان مستند الإجماع عرفاً صحيحاً ، فتكون دلالة هذا الحديث قاصرة على نوعٍ من أنواع العرف .
- - و الحق أن العرف معتبر بإجماع العلماء و يصح ابتناء الأحكام عليه ، و هو في الحقيقة ليس دليلاً مستقلاً ، لكنه يرجع إلى أدلة التشريع المعتبرة ، و الدليل على ذلك :
- أ – يجد الباحث أنَّ الشارع الحكيم راعي في تشريعه أعراف العرب الصالحة ، من ذلك : إقرار أنواع المتاجرات و المشاركات المالية الصحيحة التي كان يتعامل بها العرب كالمضاربة ، و غيرها من البيع و الإجارات الخالية من المفاسد ، كما
-
- وجدنا الشارع يستثني السلم من بيوع المعدوم فيبيحه استثناءً لجريان عرف أهل المدينة بهِ .
- - كما نجد الشارع رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أي ما يساوي تقريباً 650 كيلو جرام ( و بيع العرايا : هو بيع التمر بخرصة رطباً ) و ذلك لتعارف العرب عليه و حاجتهم إليه .
- - فدلت تلك التصرفات من الشارع على رعاية العرف الصالح الذي استقرت عليه معاملات الناس .
- أما العرف الفاسد فقد رأينا أن الشارع الحكيم لا يرعاها بل يأتي عليها بالإبطال و الإلغاء كما فعل بإبطاله عادة التبني و قد كان من عادات أهل الجاهلية ، و كما فعل في إبطال عادة أهل الجاهلية في حرمان النساء من الميراث حيث فرض لهنَّ نصيباً مفروضاً من الميراث .
- ثانياً : إن العرف يرجع في حقيقتهِ إلى دليلٍ من أدلةِ الشرع المعتبرة ، كالإجماع ، و المصلحة المرسلة ، و الذرائع :
- - فمن العرف الراجع إلى الإجماع : الاستصناع ، و دخول الحمامات العامة فقد جرى العرف بهما بلا إنكار ، فيكون من قبيل الإجماع .
- - و من العرف ما يرجع إلى المصلحة المرسلة لأن العرف له سلطانٌ على النفوس فمراعاته من باب التسهيل على الناس و رفع الحرج عنهم ما دام عرفاً صحيحاً غير فاسد .
- ثالثاً: احتجاج الفقهاء بالعرف في مختلف العصور ، و اعتبارهم إيّاه
- في اجتهاداتهم دليلٌ على صحة اعتباره لأنَّ عملهم يُنزّلُ منزلة الإجماع السكوتي فضلاً عن تصريح بعضهم بالاحتجاج به و سكوت الباقين فيكون اعتباره ثابتاً بالإجماع السكوتي .
- شروط اعتبار العرف لبناء الأحكام عليه :
- يشترط لاعتبار العرف أربعة شروط :
- أولاً : أن لا يكون مخالفاً للنص الشرعي ( من الكتاب أو السنة ) ، أي أن يكون عرفاً صحيحاً ، و مثاله: 1 - – ما جرى به العرف بأن الوديع له تسليم الوديعة إلى من جرت العادة بجواز التسليم إليهِ كزوجة المودع و أولادهُ و خادمهُ .
- 2 – وقف الأموال المنقولة كالسلاح و الدواب و الأموال .
- 3 – الشروط ( الجَعليَّة ) الصحيحة المقترنة بالعقود التي يقضي بها العرف الصحيح ، كشراء متاعٍ و اشتراط صيانته مجاناً لمدة سنة ، أو اشتراط إيصالهِ إلى المنزل .
- فإن كان العرف مخالفاً لنصٍّ
- شرعيٍ مقبولٍ كان عرفاً فاسداً غير معتبر ، كالتعامل بالربا ، و إدارة الخمور في الولائم ، و كشف العورات . فهذه أعراف فاسدة غير معتبر باتفاق العلماء .
- ملاحظة : المقصود بالعرف المخالف للنصّ: ما كان مخالفاً له من كلِّ وجه بحيث يترتب على الأخذ بالعرف إبطال العمل بالنص الشرعي بالكليّة ، أما إذا لم يكن كذلك فلا يُعدُّ مخالفاً للنص و في هذه الحالة يعمل بهما معاً ، فيعمل بالعرف في دائرته و نطاقهِ ، و يُعمل
- بالنص فيما عدا ما قضى بهِ العرف ، ومثال ذلك : الاستصناع ، فهو في حقيقتهِ بيع ُ معدومٍ ، و الأصل أن بيع المعدوم في الشريعة الإسلامية لا يجوز ، لكن جاز الاستصناع استثناءً من هذا الأصل العام لتعامل الناس بهِ دون نكير فيعمل بالعرف في هذه الصورة ، و يمنع فيما عداه من الصور أخذاً بقاعدة ( بيع المعدوم لا يجوز) .
- ثانياً : أن يكون العرف مطرداً أو غالباً :
- و معنى الاطّراد أن تكون العادة كلية تنطبق على كل الصور و لا تتخلف في صورٍ أو حالة ، و قد يُعبّرُ عن ذلك بالعموم ، و معنى ذلك أن يكون العرف مستفيضاً شائعاً بين أهلهِ معروفاً عندهم ، معمولاً بهِ من قِبَلِهِم
- و معنى الغلبة : أن يكون أكثرياً ، يعني يعمل به أكثر الناس أو يُعملُ بهِ في أكثر الحالات و لا يتخلّفُ إلاَّ قليلاً ، أو نادراً ، و القاعدة تقول : ( لا عبرةَ للنادر ) .
- و الغلبة أو الاطراد إنما يعتبران في الواقع عند أهل العرف ، لا في الكتب الفقهية لاحتمال أن تذكر في كتبِ الفقه بعض الأعراف ثم تتغير بعد زمن ، لذلك يعتبر فيها الواقع العملي
- ثالثاً :أن يكون العرف الذي يحمل عليه التصرف موجوداً عند إنشائهِ بأن يكون حدوث العرف سابقاً على وقت إحداث التصرّف ، ثم يستمر إلى زمانه فيقارنه .
- و بناءً على ذلك يجب تفسير حجج ( صكوك ) الأوقاف و الوصايا و البيوع و وثائق الزواج ، و ما يرد فيها من شروط و اصطلاحات على عرف المتصرّفين الذي كان موجوداً في زمانهم و لا تفسر بناءً على عرفٍ حادثٍ بعدهم .
- و مثال ذلك : لو وقف شخصٌ غلةَ عقارهِ على العلماء ، أو على طلبةِ العلم ، و كان العرف القائم وقت العرف قد جرى على إطلاق وصف العلماء على علماء الشريعة
- الإسلامية ، و وصف طلاب العلم على طلاب العلم الشرعي أو الديني فإنّه يجب صرف غلات الوقف إليهم دون سواهم من طلاب العلوم الكونية و الإنسانية .
- رابعاً : أن لا يوجد قولٌ أو عملٌ يفيد عكس مضمون العرف ، يعني أن يشترط المتصرفون خلاف العرف ، كما لو كان العرف الجاري في السوق تقسيط الثمن و اتفق العاقدان على تعجيل أداء الثمن ، فإنه يجب تعجيله ، و مثالهُ أيضاً أن
- يقتضي العرف على أن تكون مصاريف تصدير البضاعة المستورة من خارج البلد على المشتري فيتفقان على تكون النفقات على البائع .
- و مثاله أن يجري العرف على أن نفقات تسجيل العقار في السجلات الرسمية ( الطابو ) عند شرائهِ على المشتري فيتفق المتبايعات على أن النفقات على البائع . و القاعدة الفقهية هنا تقول : ( ما يثبت بالعرف بدون ذكرٍ ، لا يثبتُ إذا نُصَّ على خلافه ) .
- العرف مرجع لتطبيق الأحكام :
- يُعدُّ العرف مرجعاً لتطبيق الأحكام على الحوادث و الوقائع الجزئية
- و مثال ذلك : أن العدالة شرطٌ لقَبولِ الشهادة بدليل قولهِ تعالى : ( و أشهدوا ذَويّ عدلٍ منكم ) الطلاق 2 ، و العدالة عند الفقهاء : مَلَكةٌ تحمِلُ صاحبَها على ملازمة التقوى .
- و تحصل العدالة بالالتزام بالفرائض ، و عدم فعل الكبائر ، و عدم الإصرار على فعل الصغائر ، و عدم
- فعل ما يُخِلُّ بالمروءة و الآداب العامة
- ففعل ما يُخِلُّ بالمروءة يعدُّ قادحاً بالعدالة مسقطاً لاعتبار الشهادة .
- لكن تحديد الأمور التي تعد من الآداب العامة و يُعدُّ فعلها من خوارم المروءة قد يتغير بتغيّر الزمان و المكان و يلعب العرف دوراً مهماً في تحديدها و اعتبارها ، و من أمثلة ذلك ما ذكره الإمام الشاطبي في كتابهِ الموافقات من كشف الرجل لرأسه يعد من خوارم المروءة عند ذوي المروءات في البلاد الإسلامية الشرقية لأنه يعدُّ أمراً قبيحاً عندهم ، و لا يعد قادحاً بالمروءة في بلاد المغرب لأنه لا يعد أمراً قبيحاً عندهم
- مثال آخر : عند تطبيق الحكم الوارد في النصّ القرآني : ( و على المولود له رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف ) البقرة 233 فالنص القرآني أوجب على الرجل نفقةَ زوجتهِ لكنه لم ينصّ على مقدار هذه النفقة ، فيرجع تقدير هذه النفقة إلى العرف ، قال الإمام الجصاص الرازي ، الفقيه الحنفي ، في كتابهِ أحكام القرآن : ( فإذا اشتطت المرأة و طلبت من النفقة أكثر من المُعتاد لمثلِهَا ، لم تُعط ...
-
- و كذلك إن قصّرَ الزوج عن مقدار نفقة مثلها في العرف و العادة لم يحلّ ذلك ، و يُجبر على نفقة مثلها ) .
- و عليه يقال كل ما أوجبه الشارع من المقادير الشرعية كالنفقات و نحوها و لم يحدد مقدارها فالمرجع في تقديرها إلى العرف .
- تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان :
- من القواعد الفقهية المتبعة : ( لا يُنكرُ تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان )
- و معنى القاعدة أن الأحكام و الفتاوى نوعان :
- النوع الأول : الأحكام الشرعية المبنية على النصوص الشرعية ، والعلل الثابتة ، و المصالح المعتبرة ، فهذه الأحكام ثابتة لا تتغيّر ، كتحريم شرب الخمر لعلة الإسكار فهذا لا يتغيّر بتغيّر الأزمان مطلقاً مهما طال الزمان .
- النوع الثاني : الأحكام و الفتاوي المبنية على عللٍ اجتهادية ، أو المبنية على المصالح المرسلة ، أو
- الأحكام المبنية على العرف .
- فهذا النوع من الأحكام قد تتغير :
- - فالأحكام المبنية على العلل الاجتهادية قد تتغيّر بتغير التعليل لأن مثل هذه العلل قد تختلف فيها وجهات نظر الفقهاء ، بل قد يتغيّر اجتهاد الفقيه نفسة في تعليل الحكم باختلاف الزمان أو المكان .
- و الأحكام المبنية على المصالح المرسلة قد تتغير بتغيّر وجه المصلحة .
- و الأحكام المبنية على العرف أو العادة يتغير بتغيّر العرف أو العادة . و في هذا الباب يقول الإمام القرافي ، الفقيه المالكي ، في كتابهِ الفروق : ( إنَّ الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت ، و تبطل معها إذا بطلت ) .
- ثم ضرب الإمام القرافي لذلك مثالين :
- - المثال الأول : تغير العرف في التعامل بالنقود يؤثر في المعاملات كالبيوع ، فلو عُقد عقد البيع و كان
- دفع الثمن مؤجلا و ذكر نوعاً معيّناً من النقود في الثمن ثم بطلت العملة و تم تغييرها إلى عملةٍ أو نقدٍ آخر فإن الثمن يحمل على العملة أو النقد الجديد لتغير أو تجدد العادة في التعامل بتلك النقود .
- المثال الثاني : إذا كان الشيء يعد عيباً و ظهر في المبيع كالثياب فإنَ البيع المبيع يرد على البائع بخيار العيب ، فإذا تغير العرف فصار هذا العيب أمراً محبوباً يزيد بهِ الثمن فإنّ البيع لا يرد بذلك لتغيّر العرف .
- ثم قال الإمام القرافي بعد ذكر هذين المثالين : ( و على هذا القانون تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد – جمع عادة – و هو تحقيقٌ مُجمعٌ عليه بين العلماء ... و على هذا القانون تُراعى الفتاوي على طول الأيام ، فمهما تجدد العرف فاعتبِرهُ ، و مهما سقطَ فأسقِطهُ ) .
- و بناءً على شرح القاعدة فإنَّ بعض الباحثين اقترحوا تعديل القاعدة إلى القول : ( لا يُنكر تغير الأحكام المبنية على المصلحة أو العرف بتغير الأزمان ). و لذلك قد نجد الأحكام و الفتاوي قد تتغير في نفس المذهب بسبب تغير العرف ، ثم يعلل المتأخرون من فقهاء المذهب ذلك بقولهم : الاختلاف اختلاف عصرٍ و زمان لا اختلاف حجّة و برهان .
- أمثلة على تغير الأحكام بسبب تغيّر العرف و العادة :
- 1 – كان الإمام أبو حنيفة يكتفي بالعدالة الظاهرة في الشهود و فلم يشترط تزكية الشهود – في ما عدا قضايا الحدود و القصاص – لغلبة
- الصلاح على الناس و تعاملهم بالصدق في عصر أبي حنيفة ، لكن في زمن أبي يوسف و محمد – صاحبي أبي حنيفة – تغيرت الحال فكثر الكذب بين الناس ، لذلك لم يعد الاكتفاء بالعدالة الظاهرة في الشهود كافياً لأنه يؤدي إلى ضياع حقوق الناس فأفتى الصاحبان – أبو يوسف و محمد – باشتراط تزكية الشهود ، فلا يقبل القاضي شهادة الشاهد حتى يأتي من العدول المعروفين في المجتمع لعند القاضي من يزكي هذا الشاهد و يُثبت أنه عدلٌ مقبولُ الشهادة .
- 2 – كانت الفتوى عند متقدمي الحنفية أن الإنسان إذا اشترى داراً دون أن يراها فإنَّ البيع يصح و يثبت للمشتري خيار الرؤية ، و أنَّ خيار الرؤية يسقط برؤية المشتري لحجرة أو غرفة واحدة من الدار لأن الدور في ذلك الزمان كانت تُبنى على نمطٍ واحد ، و الحجرات أو الغُرف كلها متشابهة فرؤية إحداها يغني عن رؤية البقية ، لكن لما اختلفت أعراف
- الناس و اختلفت أذواقهم فصاروا يبنون الحجرات و الغرف على أنماطٍ مختلفة لم يعد رؤية إحدى الغرف يغني عن رؤية البقية لذلك تغيّرت الفتوى في المذهب الحنفي فأفتى المتأخرون أن رؤية إحدى الغرف أو بعضها لا يسقط خيار الرؤية بالنسبة للمشتري ، و لابد من رؤية جميع الغرف أو الحجرات حتى يسقط ذلك الخيار .
- 3 – كان المتقدمون من فقهاء الحنفية و كذا الحنابلة يفتون بعدم
- جواز أخذ الأجر على القيام بالواجبات الدينية كالأذان و الإمامة في الصلاة و تعليم القرآن و نحو ذلك من الواجبات الدينية التي تُعدُّ من فروض الكفاية ، و قد كان المسلمون يتبرعون بالقيام بهذه الواجبات دون أجر و بالمقابل فقد كان الأئمة و الحكام يعطون هؤلاء الأئمة و المؤذنين و المعلمين عطاءً – أي راتباً – من بيت مال المسلمين ، لكن لما اختلف الزمان و انقطعت عطاياهم من بيت المال أفتى المتأخرون من الحنفية و الحنابلة و غيرهم بجواز أخذ المعلمين و المؤذنين الأئمة أجراً ، خشيةً من تعطيل هذه الواجبات الدينية لعدم وجود من يبذلها دون مقابل ، و قد علل بعض الفقهاء أن ما يأخذه أؤلئك من أجور إنما هو مقابل تفرغهم للقيام بتلك الواجبات مما يعطلهم عن طلب الرزق لأنفسهم و عيالهم ، و ليس الأجر مقابل القيام بالواجبات الدينية .
- 4 – ورد في الحديث تقدير مقادير
- صدقة الفطر بقول الصحابي أنَّ النبي ﷺ فرضَ صدقة الفطر صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من أَقِط - و هو اللبن المجفف - .
- فالحديث حدد مجموعة من الأقوات تُخرج منها صدقة الفطر و هي : التمر و الشعير ، و الزبيب ، و ألأقط لأنها كانت هي الأقوات السادة في عصره ، لذلك قال العلماء إذا اختلفت الأقوات و تبدلت وجب إخراج صدقة الفطر من الأقوات الجديدة : كالقمح ،و الأرز و نحوهما .
- فهذه الأمثلة تدل على تغير الأحكام بسبب تغير الأعراف و العادات التي بُنيت تلك الأحكام عليها ، و معنى التغيّر أن العادة إذا تغيّرت فقد طرأت حالة جديدة تستلزم تطبيق حكم جديد غير الحكم الذي بني على العرف القديم ، و عن ذلك يقول الإمام الشاطبي : ( معنى الاختلاف : أنَّ العوائد إذا اختلفت رجعت كلّ عادةٍ إلى أصلٍ شرعي يُحكم بهِ عليها ) . أي يصبح العرف الجديد أصلاً شرعياً يبنى عليه حكم جديد غير الحكم السابق الذي بُني على العرف القديم . و الله أعلم .
- 66666666666666666 المحاضره 666666666666666666
- تعريف الصحابي :
- تعريف الصحابي عند علماء الحديث ، عرّفوه : بأنه من لقي النبي ﷺ مسلماً و مات على الإسلام . ( يُنظر : تدريب الراوي للإمام السيوطي ، 2 / 186 ) .
- أما من لقي النبي ﷺ و هو غير مؤمن به ثم أسلم بعد وفاة النبي ﷺ فليس بصحابي ، كذلك من لقي النبي ﷺ مؤمناً به ثم ارتد و مات على ردتهِ فليس من الصحابة أيضاً
-
- تعريف الصحابي عند جمهور علماء الأصول : من شاهد النبي ﷺ أو لقيه مؤمناً به ، و لازمه مدةً طويلةً ، تكفي لإطلاق كلمة الصاحب عليهِ عرفاً .
- و لم يحدد العلماء مدة الصحبة و إنما يرجع تقدير ذلك للعرف فالمدة الطويلة عرفاً التي يتسنى للصحابي أن يرافق النبي ﷺ و يطلع على أحوالهِ و يروي عنه و يتعلم منه هي المعتبرة في الصحبة .
- و روي عن سيد التابعين سعيد بن المسيب التقدير بسنةٍ أو سنتين ، فقال : الصحابي : من أقام مع النبي ﷺ سنةً أو سنتين، أو غزا معه غزوةً أو غزوتين . لكن سند الرواية عن سعيد ابن المسيب ضعيفة لم تصح . ( تدريب الراوي : 2 / 188 – 189 ) .
- و من أمثلة الصحابة على رأي الأصوليين : الخلفاء الراشدين ، وعبد الله بن مسعود ، و عبد الله بن عباس و غيرهم ممن آمن بالنبي
- ﷺ و نصره ، و سمع منه ، و اهتدى بهديهِ .
- و سبب الخلاف في التعريف بين المُحدّثين و الأصوليين :
- - أن المحدثين نظروا إلى من نال فضل الصحبة ، ومن تصح روايته عن النبي ﷺ
- - أما الأصوليين فنظروا إلى الجانب الفقهي فالصحابي هو الذي صاحب النبي ﷺ و اطلع على أحوالهِ و روى عته و عاصر نزول الوحي بحيث تتكون لديه ملكة فقهية تجعل من.
- أقوالهِ و اجتهاداتهِ أمراً معتبراً شرعاً .
- دور الصحابة الكرام و أهمية أقوالهم :
- قام الصحابة بالرواية عن رسول الله ﷺ و نقلوا للناس أحكام الشريعة الإسلامية المتمثلة بالقرآن و فقهه و السنة و فقهها ، كما قام من عُرف بالفقه من أصحاب النبي ﷺ بالاجتهاد في الأمور و النوازل التي حصلت بعد عصر النبي ﷺ فأفتوا الناس بالمنقول
- و المعقول ، و قضوا بين الناس و فصلوا في خصوماتهم . و اجتهادات
- و اجتهادات الصحابة تعرف بـ ( مذهب الصحابي ، أو مذهب الصحابي ) فهل مذهب الصحابي حجة أو هل هو أصل تشريعي أو مصدر من مصادر الفقه يلتزم به من جاء بعد الصحابة من التابعين و تابعيهم و من بعدهم من الفقهاء .
- حجّية مذهب الصحابي :
- نقول هذه مسألة وقع فيها الاختلاف
- بين الأئمة الفقهاء ، لكن قبل بيان مذاهبهم لابد من تحرير محل الخلاف ، و بيان ما اتفقوا عليه مما اختلفوا فيه .
- تحرير محل النزاع في حجية مذهب الصحابي :
- 1 – قول الصحابي في الأمور التي لا تُدرك بالاجتهاد و الرأي تعطى حكم المرفوع إلى النبي ﷺ ، و هي حجة باتفاق العلماء ، و هي في الغالب تتعلق بالأمور التوقيفية كالمقدّرات الشرعية ، و قد مثّلَ
- الحنفية لهذا النوع بما رُوي عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : إنَّ أقلَ مدةِ الحيض ثلاثةِ أيامٍ ، و بما ثبت عند الحنفية من قول بعض الصحابة في أنَّ أقل المهر عشر دراهم . و مثال ذلك ما يتعلق بالأنصبة في الزكاة أو ما يتعلق بالمقاييس الشرعية كالمدِّ و الصاع و الذراع و نحوه .
- 2 – قول الصحابي الذي حصل عليه الاتفاق من قِبل الصحابة ، و كذا قول الصحابي
- الذي لا يُعلمُ له مخالف من الصحابة ، كل ذلك يعدُّ حجةً لأنه من قبيل الإجماع السكوتي ( فهو حجة و خصوصاً عند الذين يحتجّون بالإجماع السكوتي كالحنفية و الحنابلة .
- 3 – قول الصحابي لا يُعدّ حجةً ملزمةً على صحابيٍ مثلهِ ، فالصحابة كانوا يختلفون بالرأي ، و لم يُعلم أن أحداً منهم ألزم الآخرَ برأيهِ .
- 4- قول الصحابي الصادر منه عن رأيٍ و اجتهاد ، فهذا النوع هو الذي حصل فيه اختلاف ، هل يكون حجة على من يأتي بعد الصحابة من الفقهاء .
- مذاهب الفقهاء في الاحتجاج بمذهب الصحابي :
- اختلف العلماء في الاحتجاج بمذهب أو قول الصحابي على مذهبين :
- - المذهب الأول : مذهب جمهور العلماء ( الحنفية و المالكية في المعتمد عندهم و الشافعي في القديم
- و الإمام أحمد في إحدى الروايتين و هي الرواية المعتمدة في المذهب ) : قالوا مذهب الصحابي حجة شرعية ، يجب على المجتهد أن يأخذ بهِ إذا لم يجد الحكم في الكتاب أو السنة أو الإجماع ، فإن اختلف الصحابة فعليه أن يتخيّر من أقوالهم ما يرى أنه أقرب للصواب .
- المذهب الثاني : ( و هو مذهب الإمام الشافعي في الجديد ، و الرواية الثانية عند الإمام أحمد ) : قالوا مذهب الصحابي ليس بحجة ، و لا يلزم المجتهد أن يأخذ بقول الصحابي ، بل عليه أن يأخذ بمقتضى الدليل ، و عبارة الإمام الشافعي المشهورة : ( هم رجال و نحن رجال نجتهد كما اجتهدوا ) . و قد ادعى القاضي عبد الوهاب المالكي أن هذا القول هو المعتمد عند المالكية لكن الصحيح أن المعتمد هو القول الأول و هو أن مذهب الصحابي حجة ( ينظر : إيصال السالك إلى أصول مذهب الإمام مالك ، للعلاّمة محمد يحيى المختار الولاتي ص 247 ) .
-
- الأدلة :
- - اولاً : أدلة أصحاب القول الأول : و هم الجمهور الذين يحتجون بمذهب الصحابي :
- قالوا إنَّ احتمال الصواب في اجتهاد الصحابي كثير جداً ، و احتمال الخطأ في اجتهادهِ قليلٌ جداً ، لأنَّ الصحابي شاهد التنزيل و وقف على حكمة التشريع ، و أسباب النزول و لازمَ النبي ﷺ ملازمةً طويلة أكسبتهُ معرفةً بأحكام الشريعة ، و ذوقاً لمعانيها ، و كل
- هذه الأسباب تجعل لآراء الصحابة و اجتهاداتهم منزلةً أكبر من منزلة آراء و اجتهادات من جاء بعدهم من الفقهاء ، و تجعل اجتهاداتهم أقرب للصواب من اجتهادات غيرهم .
- ثانياً : أدلة الفريق الثاني المنكرين لحجّية مذهب الصحابي :
- قالوا : بأننا ملزمون باتباع الكتاب و السنّة ، و مات أرشدت إليه نصوصهما من الأدلة و ليس قول الصحابي واحداً منها .
- ثم إنَّ الاجتهادَ بالرأي عُرضةٌ للخطأ
- و الصواب ، لا فرق في هذا بين صحابي و آخر ، و إن كان احتمال الخطأ بالنسبة للصحابي أقل .
- ثانياً : أدلة الفريق الثاني المنكرين لحجّية مذهب الصحابي :
- قالوا : بأننا ملزمون باتباع الكتاب و السنّة ، و مات أرشدت إليه نصوصهما من الأدلة و ليس قول الصحابي واحداً منها .
- ثم إنَّ الاجتهادَ بالرأي عُرضةٌ للخطأ و الصواب ، لا فرق في هذا بين صحابي و آخر ، و إن كان.
- احتمال الخطأ بالنسبة للصحابي أقل .
- الترجيح :
- مال مؤلف الكتاب الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله إلى ترجيح القول أن مذهب الصحابي ليس حجّةً ملزمة ، لكنه عاد فقال ( و لكن نميل إلى الأخذ به حيث لا نصَّ في الكتاب و لا في السنّة و لا في الإجماع ، و لا يوجد في المسألة دليلٌ معتبرٌ ، ففي هذه الحالة نرى الأخذ بمذهب الصحابي أولى ) . انتهى
- أهم المسائل التي وقع فيها الاختلاف بين الفقهاء بسبب الاختلاف في الاحتجاج بمذهب الصحابي :
- وقع خلاف بين الفقهاء في مسائل عدة بسبب اختلافهم في الاحتجاج بمذهب الصحابي منها :
- 1 – حكم سجود التلاوة :
- - قال الجمهور إنه سنة استدلالاً بقول عمر – رضي الله عنه – ( على رسلكم إنًّ الله لم يكتبها عليكم إلا أن نشاء ) .
- - و ذهب الحنفية إلى وجوبها .
- 2 – صلاة الجمعة لمن صلى العيد ( إذا جاء العيد في يوم جمعة ) :
- - ذهب الإمام الشافعي إلى أنه يُرخَّص لمن شهد صلاة العيد من أهل القرى أن يترك الجمعة مستدلين بمذهب الصحابي عثمان – رضي الله عنه – حيث رخّص لمن شهد العيد من أهل العوالي أن ينصرف و لا يصلي الجمعة .
- و ذهب الحنابلة إلى أن حضور الجمعة يسقط عمن حضر العيد ، مستدلين بحديث معاوية – رضي الله عنه -
- عن النبي ﷺ و فيه : ( من شاء أن يصلي فليصلِّ ) و حديث أبي هريرة : ( اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة و إنّا لمجمعون ) .
- و ذهب الحنفية و المالكية إلى أن حضور صلاة العيد لا يُجزئ عن صلاة الجمعة و لا يُسقطها ، و لهم في ذلك أدلةً لا مجال لذكرها هنا .
- – زكاة حليّ المرأة :
- - ذهب الجمهور إلى أن ما تلبسه المرأة من حلي لا زكاة فيه إذا نوت
- عند شراءهِ الزينة و كان ضمن حدود
- العرف، و استدل المالكية لذلك بمذهب عائشة و عبد الله بن عمر 0- رضي الله عنهما –
- - و ذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة في حلّي المرأة و استدلوا بمذهب بعض الصحابي كأبي موسى الأشعري ، و عبد الله بن مسعود و غيرهما ، و منه قول ابن مسعود : ( في الحليّ زكاة ) .
- و المسائل في هذا الباب كثيرة نكتفي بما ذكرنا منها . و الله أعلم .
- 777777777777777 المحاضره 7777777777777777777777777
- تعريف شرع من قبلنا و أنواعه :
- معنى شرع من قبلنا أن يرد في شرعنا ( نصوص الكتاب أو السنة ) إخبارٌ أن الحكم الفلاني كان شرعاً لنبي من أنبياء الله السابقين .
- أنواعه و حكم تلك الأنواع :
- النوع الأول : أحكام جاءت في شريعتنا ، و قام الدليل في شريعتنا على أنها مفروضة علينا كما كانت مفروضة على من سبقنا من الأمم .
- و هذا النوع يعدُّ شرعاً لنا باتفاق
- العلماء و مثاله فرضية الصيام الثابت في قولهِ تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون ) البقرة 183 .
- النوع الثاني : أحكامٌ قصَّها الله علينا في القرآن الكريم ، أو قصها علينا رسول الله - ﷺ - في سنّتهِ ، و قام الدليل على نسخها و إبطالها في
- حقنا .
- فهذا النوع لا يعدُّ شرعاً لنا باتفاق العلماء لأنّه ثبت نسخه .
- و مثاله : قوله تعالى : ( قُل لا أجدُ فيما أوحيَ إليَّ مُحرَّماً على طاعمٍ يطعمهُ إلاَّ أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحمَ خنزيرٍ فإنَّه رجسٌ أو فسقاً أٌهلَّ لغيرِ الله بهِ فمن اضطُرَّ غيرَ باغٍ و لا عادٍ فإنَّ ربَّكَ غفورٌ رحيمٌ و على الذين هادوا حرّمنا كلَّ ذي ظُفُرٍ و من البقر و الغنم حرَّمنا عليهم شحومهما إلاَّ ما حملت ظهُرُهُما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم و إنَّا لصادقون ) الأنعام 145 – 146 .
- فالشحوم كانت محرمة على بني إسرائيل و أبيحت لأمة محمد ﷺ
- و مثاله أيضاً : قوله صلى الله عليه و سلم : ( أعطيت خمساً لم يعطهنَّ نبي قبلي ....... و أُحلت لي الغنائم و لم تحلَّ لأحدٍ قبلي ) فالغنائم كانت محرمة على الأمم السابقة لكنها أُحلت لأمة محمد ﷺ .
- النوع الثالث : أحكام لم يرد ذكرها في كتابنا و لا في سنة نبيّنا – صلى الله عليه و سلم – بل ورد ذكرها في الكتب المقدســـــــــــة عند اليهود و النصارى
- ( كالتوراة و الإنجيل و التلمود ) فهذه لا تعد شرعاً لنا باتفاق العلماء لأنه لا يمكن الوثوق بها لما هو معلوم من تعرض تلك الكتب للتحريف و التزوير .
- النوع الرابع : أحكامٌ جاءت بها نصوص الكتاب أو السنة ، و لم يقم دليلٌ من سياق هذه النصوص على بقاء الحكم أو عدم بقائهِ بالنسبة لنا ، و هذا النوع وقع خلاف بين العلماء في الاحتجاج به على النحو الآتي .
-
- مذاهب العلماء في الاحتجاج بالنوع الرابع من شرع من قبلنا :
- اختلف العلماء في الاحتجاج بهذا النوع على قولين :
- القول الأول : مذهب الحنفية و المالكية ، و رواية عن الإمام أحمد ( اختارها التميمي ) : أنها شرعٌ لنا و حجّة يجب العمل بها .
- القول الثاني : مذهب الشافعية ، و هي الرواية الثانية عند الحنابلة : أنها ليست شرعاً لنا ، و لا يحتجّ بها .
-
- الأدلة :
- أولاً : أدلة القائلين بالاحتجاج بشرع من قبلنا :
- استدلوا بأدلةٍ من القرآن و السنة و المعقول :
- أما أدلة القرآن فمنها :
- 1 – قوله تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) الأنعام 90 و وجه الدلالة أن الله تعالى أمر بالاقتداء بالأنبياء و هذا لا يكون إلاَّ باتباع شرائعهم .
- 2 – قوله تعالى : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملةَ إبراهيم حنيفاً ) النحل 23 و و وجه الدلالة أن الله أمر نبيه باتباع ملة إبراهيم عليه السلام و الأمر يقتضي الوجوب .
- 3 – قوله تعالى : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ) النساء 163 ، و قوله : ( شرع لكم من الدّين ما وصى به نوحاً و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرّقوا فيه ) . الشورى 13
-
- و الدين اسم لما يُدان به من الإيمان و الشرائع ، فدلت الآيتان على وجوب اتباع شريعة نوح و من بعده .
- أما الأدلة من السنّة : ومنها :
- 1 – ما روي أنه طُلبَ منه ﷺ أن يحكم في القصاص في سنٍ كُسِرت ، فقال : ( كتاب الله يقضي بالقصاص )
- و ليس في القرآن ما يقضي بالقصاص في السن إلا ما حكاه القرآن عن التوراة ( و السنُّ بالسنِّ ) المائدة 45
-
- 2 – ما روي من مراجعة النبي ﷺ للتوراة في رجم اليهوديين الذين زنيا و تحاكما إلى النبي ﷺ .
- المعقول : أن حكاية القرآن و السنة لشرائع من قبلنا من الأنبياء ليس له فائدة إلا اتباع شرائعهم .
- ثانياً : أدلة القائلين بعدم الاحتجاج بشرع من قبلنا :
- استدلوا بأدلةٍ من القرآن و السنة و الإجماع و المعقول :
- - أما أدلة القرآن فمنها :
- – قوله تعالى : ( لكلِّ جعلنا منكم شِرعةً و منهاجاً ) المائدة 48، و وجه الدلالة أنه أخبر أنه خص كل نبي بشرعةٍ ، فهذا يدل أن أمته مختصة بتلك الشريعة لا بغيرها من شرائع الأنبياء الآخرين .
- - و من السنة :
- – ان النبي ﷺ لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له : بمَ تحكم ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد ، قال أجتهد رأيي و لا
- آلوا ..... ) الحديث ، أخرجه الترمذي ، و وجه الدلالة أن معاذ ذكر أنه إذا لم يجد حكم المسألة في الكتاب و السنة فإنه يحكم فيها باجتهاده ، و لم يذكر أنه يبحث عن حكمها في التوراة و الإنجيل و لو كان واجباً للزمه ذلك ، و قد أقرّه النبي ﷺ على ما قاله فكانت سنة تقريرية .
- - و من الإجماع : أن العلماء أجمعوا على أن شريعة محمد ﷺ ناسخة لجميع الشرائع السماوية السابقة ، فلو كان ملزماً بها هو و قومه للزمه
- تقريرها و إثباتها لا نسخها .
- - ومن المعقول أن النبي ﷺ لو كان متعبداً بشرائع من قبله من الأنبياء للزمه مراجعتها و البحث عنها ، و ولكان لا ينتظر الوحي و لا يتوقّف في أحكام الوقائع التي لا تخلو الشرائع الماضية عنها و لرجع إليها أولاً .
- و غير ذلك من الأدلة المبسوطة في كتب أصول الفقه .
- ويرى المؤلف الدكتور عبد الكريم زيدان أن الخلاف في هذه المسألة خلاف غير مهم ( أي خلاف لفظي ) لا يترتب عليه أي أثر أو نتيجة عملية لأنه ما من حكمٍ من أحكام الشرائع السابقة التي ورد ذكرها في القرآن أو السنة ، إلا و جاء في شريعتنا ما يدل على بقائها في حقّنا أو نسخها ، سواءٌ أجاء دليل الإبقاء أو النسخ في سياق الدليل نفسهِ أو بأدلةٍ أخرى .
-
- و مثال ذلك أن إخبار القرآن الكريم عن تشريع القصاص في التوراة في النفس و ما دون النفس ( أي في الجراج ) في قوله تعالى : ( و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السنَّ بالسن و الجروح قصاص ) المائدة 45 .
- هذا الحكم لم يقع خلاف بين العلماء في أنه ثابت في حقنا ، و أنّه جزءٌ من شريعتنا ، و من يطلع على كتب الفقه في المذاهب المختلفة يجد أن
- هناك باباً خاصاً بالقصاص في النفس و فيما دون النفس ، و قد نقل العلماء الإجماع على ذلك :
- و ممن نقل الإجماع : الإمام الشافعي فقد قال أنه لا يعلم خلافاً في أن القصاص بين الحُرّين المسلمين في النّفس و ما دونها من الجراح التي يُستّطاع فيها القصاص بلا تلف يُخاف على المُستقاد منه من موضعِ القّوّد ) .
-
- و جاء في كتاب المغني لابن قدامة : ( و أجمع المسلمون على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن ) .
- - و حكى ابن كثير في تفسيرهِ الإجماع أيضاً على العمل بموجب الآية .
- فأحكام القصاص الواردة في الآية معمولٌ بها في حقّنا ، و قد دلت الدلائل في شريعتنا على ذلك و من هذه الدلائل :
- 1 – قوله تعالى : ( كُتب عليكم القصاص في القتلى ) البقرة 178 ، و في السنة قال رسول الله ﷺ : ( العمدُ قَوَدٌ ) أي القتل العمد العدوان سبب للقصاص ، و في الحديث أيضاً : ( من قُتِلَ له قتيلٌ فهو بخير النظرين : إما أن يفتدي ، و إما أن يقتل ) أي أولياء الدم مخيّرون بين العفو مع أخذ الدية ، و بين القصاص .
- 2 – قضى النبي ﷺ بالقصاص في الجروح و السِّن .
-
- 3 – روي عن النبي ﷺ أنه قال : ( من أٌصيب بدمٍ أو خَبلٍ – أي جراح فهو بالخيارِ بين إحدى ثلاث : إما أن يقتصَّ أو يأخذ العَقل – أي الدية – أو يعفو ) .
- 4 – قال تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليهِ بمثلِ ما اعتدى عليكم ) البقرة 194 فهذه العقوبة تقتضي المماثلة بين الاعتداء و العقوبة و الجزاء فيدخل في ذلك القصاص في النفس و فيما دون النفس الوارد
- في الآية ( و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) .
- فهذه الدلائل تدل على أن أحكام آية القصاص التي شُرعت لمن قبلنا ثابتةٌ في حقّنا بالدلائل التي جاءت في شريعتنا .
- انتهى
- 8888888888888 المحاضره 88888888888888
- تعريف الاستصحاب :
- -الاستصحاب في اللغة : طلب المصاحبة واستمرارها.
- الاستصحاب في الاصطلاح: استدامة إثبات ما كان ثابتاً ، أو نفي ما كان منفياً.
- أو هو : بقاء الأمر على ما كان عليه ما لم يوجد ما يُغيّرهُ .
- فما عُلم وجودهُ في الماضي ثم حصل ترددٌ في زواله , حكمنا ببقائهِ استصحاباً لوجوده السابق , وما
- عُلم عدمُهُ في الماضي ، ثم حصل ترددٌ في وجودهِ , حكمنا باستمرار عدمه استصحاباً لعدمه السابق. وعلى هذا , من عُلِمت حياته في وقت معين حكمنا باستمرار حياته حتى يقومَ الدليلُ على وفاته , و هو المفقود :
- كأن يحكم القاضي بعد أربع سنين من فقدهِ إذا فقد في مهلكة أو مكانٍ يغلب فيه الهلاك ( كالمعركة ، أو عند غرق سفينة في البحر ) ، أو يحكم بوفاتهِ عند وفاة آخر أقرانه إذا فقد في مكان لا يكثر فيه الهلاك .
- ومن تزوج امرأة على أنها بكر ثم ادعى الثيوبة بعد الدخول فلا يُقبل قوله بلا بينة ( أي بلا دليل ) , استصحاباً لوجود البكارة ,لأنها هي الأصل منذ النشأة الأولى . ومن اشترى كلباً على أنه من (كلاب البوليس)التي تحسن تتبع الآثار , وتساعد على كشف الجريمة , أو اشتراه على أنه كلب صيد , فادعى فوات الوصف.
- خلافه , استصحاباً للعدم السابق فالقول قوله إلا إذا ثبت ، لأن الأصل
-
- عدم هذا الوصف , وإنما يُستفاد بالمران والتدريب .
- أنواع الاستصحاب :
- أولاً : استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء :
- الأشياء النافعة من طعام أو شراب أو حيوان أو نبات أو جماد , ولا يوجد دليل على تحريمها , هي مباحة , لأن الإباحة هي الحكم الأصلي لموجودات الكون , وإنما يحرم ما يحرم منها بدليل من الشارع إذا ثبت
- ضررها .والدليل على أن الحكم الأصلي للأشياء النافعة هو الإباحة , قوله تعالى ممتناً على عباده : (( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه )) البقرة 29.
- ولا يتم الامتنان ولا يكون التسخير إلا إذا كان الانتفاع بهذه المخلوقات مباحاً , أما الأشياء الضارة فالأصل فيها التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ). و هذه القاعدة تٌعرف بها أحكام المطعومات و المشروبات و اللباس
- و الزينة ، و العقود و التصرفات المسكوت عنها من قِبل الشارع ، أي التي لم يرد فيها نصٌّ شرعي من كتابٍ أو سنُّة .
- ثانياً: استصحاب البراءة الأصلية أو العدم الأصلي :
- فذمة الإنسان غير مشغولة بحق ما إلا إذا قام الدليل على ذلك , فمن ادعى على آخر حقاً, فعليه الإثبات , لأن الأصل في المُدَّعى عليه هو البراءة من المدعي به ( أي الحق ) حتى يثبت الحق عليه بدليل أو بيّنة
-
- كالشهود ، أو الصكوك و نحوها .
- - وإذا ادعى المضارب عدم الربح فالقول قوله , لأن الأصل عدم الربح :
- فيُستصحَب هذا العدم , إلاَّ إذا ثبت خلافه . و الذمة وعاءٌ اعتباري افترض الفقهاء وجودهُ في الإنسان بحيث تثبت فيه الحقوق و الواجبات الشرعية و المالية .
- ثالثاً: استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي حتى يقوم الدليل على خلافه
- فمن ثبتت ملكيته لعقار أو منزل , تبقى هذا الملكية ونحكم بها إلا إذا قام الدليل على زوالها كأن يبيعه أو يقفه أو يهبه .
- وشغل الذمة بدين عند وجود سببه من التزام بمال أو إتلاف المال , يبقى قائماً ثابتاً , إلا إذا وجد المغير ,أي : إلا إذا قام الدليل على تفريغ الذمة منه بأداء المال أو إبراء , وثبوت الحل بين الزوجين بسبب عقد النكاح يبقى قائماً حتى يوجد الدليل على حصول الفرقة وهكذا .
-
- حجية الاستصحاب :
- الاستصحاب عند الحنفية ومن وافقهم حجة لإبقاء ما كان على ما كان , ودفع ما يخالفه , وهذا هو معنى قولهم :الاستصحاب حجة في الدفع لا في الإثبات . وعند غيرهم , كالحنابلة والشافعية , حجة للدفع , وللإثبات , أي : لثبوت الحكم السابق , وتقريره كأنه ثابت بدليل جديد حاضر , لأن الاستصحاب يستلزم الظن الراجح ببقاء الشي على ماكان عليه ,والظن الراجح
- معتبر في الأحكام الشرعية العملية . وتفرع على هذا الخلاف , خلافهم في المفقود , فهو عند الحنفية حي استصحاباً فيأخذ حكم الأحياء بالنسبة لأمواله وحقوقه القائمة وقت فقده .
- فلا تورث عنه , ولا تبين منه زوجته ,ولكن حياته هذه لا تصلح لاكتساب حق جديد, أي :لإثبات أمر لم يكن للمفقود وقت فقده , فلا يرث من مورثه إذا مات قبله بمعنى لا يستحق قيمة مطالبة بتسليم نصيبه من الميراث , وإنما يوقف هذا النصيب
- إلى أن تتبين حاله , فإما أن يظهر على أنه حي فيستحق نصيبه الموقوف , إما أن تثبت وفاته بحكم القاضي , فيقسم نصيبه على ورثة مورثة الذين كانوا أحياء في ذلك الوقت .
- أما القائلون بحجية الاستصحاب دفعاً وإثباتاً , فعندهم المفقود تثبت حياته وله حكم الأحياء تماماً , فلا تزول عنه أموله , ولا تبين منه زوجته ,ويستحق نصيبه في الميراث إذا مات مورثه قبله .وكذا يستحق
- نصيبه من الموصى به , ومثل هذا الخلاف :خلافهم في الصلح عند الإنكار, فعندا الحنفية يصح هذا الصلح بين المدعي والمدعي عليه المنكر , و لا يصح هذا الصلح عند غير الحنفية , كالشافعية , ووجهتهم ما قلناه من حجية الاستصحاب دفعاً واثباتاً .
- ما يلاحظ على الاستصحاب :
- اولاً : الاستصحاب, في الحقيقة لا يثبت حكماً , ولكن يستمر به الحكم السابق الثابت بدليله المعتبر . فهو
- إذن , ليس في ذاته دليلاً فقهياً ولا مصدراً تستقى منه الأحكام , وإنما هو فقط قرنية على بقاء الحكم السابق الذي أثبته دليله.
- ثانياً : الاستصحاب لا يصار إليه إلا عند عدم وجود الدليل , الخاص في حكم المسألة , بأن يبحث الفقيه ويبذل غاية جهده في التحري عن الدليل فلا يجده , فيرجع إلى الاستصحاب يبحث الفقيه ويبذل غاية جهده في التحري عن الدليل فلا يجده , فيرجع إلى الاستصحاب
- ,ولهذا فهو كما قال بعضهم عنه , أنه (( آخر مدار الفتوى) .
- فإن المفتي إذا سئل عن حادثة , يطلب حكمها في الكتاب ثم في السنة .. إلخ فإن لم يجده يأخذ حكمة من استصحاب الحال في النفي والإثبات , فإذا كان التردد في زواله فالأصل بقاؤه , وإن كان التردد في ثبوته فالأصل عدم ثبوتهِ .
-
- ما ابتنى على الاستصحاب من قواعد ومبادئ :
- وبالاستصحاب تقررت جملة قواعد ومبادئ , قامت عليه وتفرعت منه , ومنها:
- أولاً : الأصل في الأشياء الإباحة :
- وقد تفرع عن هذا الأصل بأن العقود والتصرفات وشتى المعاملات بين الناس , حكمها الإباحة , إلاَّ اذا وجد النص بالتحريم . وهذا قول فريق من الفقهاء .
- ثانياً: الأصل براءة الذمة , أو الأصل في الذمة البراءة :
- وقد أخذ بهذا الأصل في القضايا المدنية والجزائية على حد سواء . فمن ادعى على غيره حقاً , فالأصل عدمه , إلا إذا أثبت المدع
- وقد أخذ بهذا الأصل في القضايا المدنية والجزائية على حد سواء . فمن ادعى على غيره حقاً , فالأصل عدمه , إلا إذا أثبت المدعي ذلك .
- والمتهم بريء حتى تثبت إدانتهُ ,ومن هنا جاء القول : الشك يفسر لمصلحة
- المتهم , والخطأ في براءة متهم خير من الخطأ في إدانتهِ بريء .
- ثالثاً : اليقين لا يزول بالشك . فمن توضأ ثم شك في الانتفاض بقي
- على وضوئه , ومن ثبت نكاحهُ فلا تزول الزوجية عنه إلا بيقين ،
- ومن تملّك عيناً بسبب شرعي فلا تزول ملكيتهِ إلاَّ بتصرّفٍ ناقلٍ
- للملكية , والعلة في هذه القاعدة : أن اليقين صار أمراً موجوداً لا ارتياب فيه ,فيستصحب هذا اليقين , إلاَّ إذا
-
- قام الدليل على انتفائه , أما مجرد الشك فلا يقوى على زعزعة اليقين فلا يعتد به . انتهى
- مسائل وقع الخلاف فيها بين الفقهاء بسبب أخذ بعضهم بالاستصحاب :
- المسألة الأولى : الوضوء مما يخرج من البدن من النجاسات من غير السبيلين ، كالرعاف و هو الدم الذي يخرج من الأنف ، و كالقيء الذي يخرج من الفم ، و كالقيح الذي يخرج من الجلد من غير السبيلين ، و كالدم الذي يخرج من جرج في غير السبيلين :
- اختلف الفقهاء في اعتبار هذه الأشياء من نواقض الوضوء على
-
-
- ثلاثة مذاهب :
- المذهب الأول : مذهب الشافعية و المالكية : قالوا هذه الأشياء لا تنقض الوضوء و لا يجب الوضوء بخروجها من غير السبيلين ( القُبُل و الدُّبُر ) .
- المذهب الثاني : مذهب الحنفية : قالوا ما يخرج من البدن من النجاسات كالدم و القيح و القيء ينقض الوضوء و لو خرج من غير السبيلين بشرط أن يجاوز الخارج مكانهُ ، و أن يكون القيء ملء الفم
- المذهب الثالث : مذهب الحنابلة : قالوا ينتقض الوضوء بالخارج النجس من غير السبيلين إذا كان كثيراً لا قليلاً .
- استدل الحنفية و الحنابلة بأحاديث و آثار لم تخل من مطعن و ببعض الآثار عن بعض الصحابة .
- و استدل الشافعية بالاستصحاب ، فالأصل عدم النقض ، فيستصحب هذا الأصل حتى يثبت خلافه بدليل صحيح و لم يثبت .
-
- المسألة الثانية : حكم التيمم إذا وجد الماء اثناء الصلاة :
- اتفق الفقهاء على أن المتيمم إذا وجد الماء قبل الشروع في الصلاة فإن تيممه يبصل و يجب عليه الوضوء بالماء و الصلاة ، و اختلفوا فيما لو تيمم و شرع في الصلاة ثم وجد الماء اثناء الصلاة فهل يستمر في صلاتهِ و صلاته صحيحة أم عليه أن يقطع الصلاة و يتوضأ و يستأنف الصلاة من جديد لبطلان تيممه بوجدان الماء
- اختلف الفقهاء في هذه المسألة على
- مذهبين :
- المذهب الأول : مذهب المالكية ، و الشافعية ، و أحمد في رواية مرجوحة في مذهبهِ : إلى أن تيممه لا يبطل و صلاتهُ صحيحة ، و ليس عليه أن يقطعها بل يتمها بالتيمم .
- المذهب الثاني : مذهب الحنفية ، و المشهور من مذهب الحنابلة : قالوا يبطل تيممه ، و بالتاي تبطل صلاته ، و عليه أن يقطع صلاته ، و يتوضأ بالماء و يستأنف الصلاة من جديد .
-
- احتج الشافعية و المالكية بالاستصحاب ، فقالوا هذا المصلي شرع في الصلاة بطهرٍ كاملة ، فصلاتهُ صحيحة ، فتستصحب هذه الصحة إلى آخر الصلاة ، و لا يقطع صلاته للنهي عن إبطال الأعمال أو العبادات بعد الشروع فيها ، و قد قال تعالى : ( و لا تُبطلوا أعمالكم ) . محمد 33 .
- و احتج الحنفية و الحنابلة بأدلة منها مفهوم حديث : ( الصعيد الطيب وضوء المسلم ، و إن لم يجد
- الماء عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ) فقد دلَّ بمفهومه على أن التراب لا يكون طهوراً عند وجود الماء .
- المسألة الثالثة ثبوت حق الشفعة للجار :
- اتفق الفقهاء على ثبوت حق الشفعة للشريك غير المقاسم ، و اختلفوا في ثبوتها للشريك المقاسم أو الجار على مذهبين :
- المذهب الأول : مذهب الحنفية : قالوا تثبت الشفعة للجار كما تثبت
-
- للشريك غير المقاسم .
- المذهب الثاني : مذهب الجمهور من المالكية و الشافعية و الحنابلة : قالوا لا تثبت الشفعة للجار .
- استدل الحنفية بأدلة منها : الحديث الذي رواه الترمذي : ( جار الدار أحق بالدار و الأرض ) ، و حديث ( الجار أحق بسقبهِ .. ) أخرجه البخاري و السقب هو الشفعة .
- و استدل الجمهور بأحاديث منها حديث ( قضى رسول الله بالشفعة
- في كل ما لم يقسم ... ) أخرجه البخاري .
- و استدلوا بالاستصحاب فقالوا الأصل في انتقال ملك الشيء من شخص لآخر أن لا يكون إلا برضاه فيعمل بهذا الأصل إلى أن يدل دليل على خلافه كما في حالة ثبوت حق الشفعة للشريك غير المقاسم – و هو حق تملك جبري – و لم يثبت هذا الحق للجار فنبقى على استصحاب الأصل فلا يثبت حق الشفعة للجار , و الله أعلم . انتهى
- 9999999999999 المحاضره 99999999999999
- تعريف النسخ :
- لغةً : الإزالة و النقل .
- اصطلاحاً : رفع الحكم الشرعي بدليلٍ شرعي متأخّر عنه ( أو متراخٍ عنه ) .
- و عرفه بعض الأصوليين : بأنه بيان انتهاء أمدِ حكمٍ شرعي بطريق شرعي متراخٍ عنه .
- - و يسمى الدليل أو الطريق الشرعي : بالناسخ
- - و يسمى الحكم الأول بالمنسوخ
-
- و يسمى رفع الحكم بالنسخ .
- وقوع النسخ و أدلته :
- ذهب جمهور العلماء إلى جواز وقوع النسخ في الشريعة الإسلامية أو بين أحكام الشريعة الإسلامية .
- أدلة وقوع النسخ :
- أولاً الدليل العقلي : قالوا لا يترتب على وقوع النسخ مستحيل ، لأنَّ أحكام إن لم يراعَ في شرعيتها مصالح العباد ، فذلك تابعٌ لمشيئة الله ، و النسخ فعلٌ من أفعال الله ، و الله يفعل ما يشاء
- و يحكم ما يريد ، و لا معقّب لحكمه ، فقد يأمر بفعلٍ في وقتٍ ، و ينهى عنه في وقتٍ آخر ، كما أمر بالصيام في نهار رمضان و نهى عنه يوم العيد .
- - و إن قلنا إنَّ أحكام شرع الله رُعيَ فيها مصالح العباد ، فلا شك أنَّ المصالح تختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان ، فما يكون مصلحةً لشخصٍ ، أو في زمنٍ ، قد لا يكون مصلحةً لشخصٍ آخر أو في زمنٍ آخر ، و ما دامت المصالح
- تتغير ، و الأحكام يُراعى في تشريعها مصالح الناس ، فإنَّ النسخ أمرٌ ممكنٌ غير مُحال ، فيكون جائزاً عقلاً .
- ثانياً : الدليل النقلي :
- قوله تعالى : ( ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها أم تعلم أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير ) فهذه الآية ظاهرة في جواز النسخ و هو من أفعال الله تعالى .
- ثالثاً : دليل الوقوع الفعلي : و من أمثلتهِ التي لا يُنازع أو يخالف فيها أحد نسخ التوجّه نحو بيت المقدس في
- الصلاة بالتوجه نحو الكعبة المشرّفة ، و قد قال تعالى : ( قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولّينّكَ قِبلةً ترضاها فولِّ وجهكَ شطر المسجد الحرام و حيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره ) البقرة 144 فقد نُسخَ حكم التوجه نحو القبلة من بيت المقدس إلى بيتٍ الله الحرام .
- و النسخ قد يكون :
- أ – كلّياً بأن يرفع الحكم السابق كليّاً أي : بكامله مثل المثال السابق
- ( تحويل القِبلة ) .
- ب – و قد يكون النسخ جزئياً بأن يكون اللفظ عاماً ، ثم يأتي نص آخر ينسخ الحكم عن بعض أفراد العام و يبقى الحكم في حقّ بقية أفراده .
- و مثاله أن الله حكم على القاذف أن يأتي بأربعة شهود على دعوى القذف فإن لم يأت بهم أو كان الشهود أقل من أربعة أو اختلت شهادتهم و اختلفت من حيث الزمان و المكان أقيم على القاذف و على الشهود حد القذف ( و هو ثمانون جلدة ) و هذا
-
- هو الثابت في قولهِ تعالى : ( و الذين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادةً أبداً و أولئك هم الفاسقون ... ) النور 4
- ثم نُسخ هذا الحكم في حق الزوج إذا قذف زوجته فشُرِعَ في حقّهِ اللعان بدل إحضار الشهود الأربعة و هذا ما ثبت في قولهِ تعالى : ( و الذين يرمون أزواجَهم و لم يكن لهم شُهداءُ إلاَّ أنفُسُهُم فشهادةُ أحدهم أربعُ شهاداتٍ بالله إنّه لمن
- الصادقين و الخامسةُ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين و يدرأُ عنها العذابَ أن تشهد أربعَ شهاداتٍ بالله إنه لمن الكاذبين و الخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ... ) النور 6
- أي يحلف الزوج أربعة أيمان بصيغة الشهادة فيقول : أشهد بالله أني صادق بما رميتها بهِ من الزنا ، و يقول في الخامسة ( إن لعنةَ الله عليَّ إن كنتُ من الكاذبين ) فترد الزوجة بأن تحلف أربع أيمان بصيغة
-
- الشهادة أنه كاذبٌ فيما رماها بهِ من الزنا ، ثم تقول في الخامسة : ( و إنَّ غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين ) و بعد ذلك يفرق القاضي بين الزوجين فرقة مؤبدة فلا يجوز لهما أن يتزوجا من بعضهما مرةً أخرى على رأي جمهور العلماء .
- حكمة النسخ :
- الحكمة من النسخ مراعاة مصالح العباد ، وهو المقصد الأصلي من تشريع الأحكام ، فالأحكام الشرعية
- إنما شُرعت لتحقيق مصالح العباد فقد يأتي حكمٌ لتحقيق مصلحة ما ، ثم تزول الحاجة لهذه المصلحة بعد حين فإن رأى الشارع أن المصالح المصلحة الجديدة تقتضي تغيير الحكم نسخ الحكم السابق بحكم لاحق بسبب تغير وجه المصلحة لتحقيق المصلحة الجديدة للعباد فهذا التبديل يتفق مع مقاصد التشريع في تحقيق مصالح العباد ، و هو يتفق مع قاعدة التدرّج في تشريع الأحكام . و الله تعالى يقول
- : ( ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على شيءٍ قدير ... ) البقرة 106 ومثال ذلك أن الصلاة شٌرعت في أول الأمر ركعتين في الغداة و ركعتين في العشي فلما ارتاضت النفوس و اعتادت عليها شُرعت الصلوات الخمس بركعاتها المعروفة .
- الفرق بين النسخ و التخصيص :
- - المقصود بالتخصيص أن يأتِ لفظٌ عامٌّ في نصٍّ شرعي من كتابٍ أو
- سنّة يشمل أفراداً كثيرين أو متعددين بحكمٍ ما ، ثم يأتِ نصٌّ آخر يُخرج بعض أفراد العام من حكمه و يعطيهم حكماً جديداً مخالفاً لحكم العام و مثال ذلك قوله تعالى ( حُرّمت عليكم الميتة ) فهذا حكمُ عام يشمل بالتحريم كل أنواع الميتة ، ثم جاء حديث : ( أُحلت لكم ميتتان و دمان السمك و الجراد و الكبد و الطّحال ) فأخرجَ ميتتي السمك و الجراد من حكم العام و هو التحريم و أعطاهما حكماً جديداً و هو الحلّ و الإباحة و
- بقيت بقية أفراد العام على أصل التحريم .
- أما الفرق بين النسخ و التخصيص :
- فقد يلتبس النسخ الجزئي بالتخصيص حيث يتشابهان في أن كلا منهما يرفع حكم العام عن بعض أفرادهِ و يبقى الحكم قائماً في حقّ بقية الأفراد ، لكن مع ذلك فثمةَ فرقٌ دقيقٌ بينهما و هو : - أنه في حالة النسخ يكون الحكم قد تناول جميع الأفراد ابتداءً ثمَّ رُفِعَ الحكمُ عن بعضها بالدليل الناسخ و بقي
- الحكم في البقية .
- _ أما في حالة التخصيص الجزئي فإنَّ حكم العام تعلق ابتداءً ببعض أفرادهِ ، ثم جاء الدليل المُخصّص ليكشف لنا أن مُراد الشارع الحكيم من أول الأمر لم يكن شمول الحكم لجميع أفراد العام بل لبعضها ، لهذا يُشتَرطُ في الدليل المُخصّص أن يكونَ مقترناً بالنصّ العام أو على الأقل أن يردَ قبل العمل بالدليل العام ، بخلاف الدليل الناسخ فإنَّه يشترط أن يكون متراخياً متأخراً عن الدليل المنسوخ
- أو عن وقت العمل بهِ .
- أنواع النسخ : للنسخ نوعان رئيسان هما :
- 1 – النسخ الصريح : و هو أن يأتِ نصٌّ شرعي ينص صراحةً على نسخِ حكمٍ سابق ، و مثاله حديث : ( كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنّها تذكركم الآخرة ) .
- 2 – النسخ الضمني :
- و هو أن ينزل الشارع حكماً شرعياً ثم ينزل بعد تطبيقه بزمن حكماً
- شرعياً مخالفاً له من كل وجه لا يمكن التوفيق بينه و بين الحكم السابق ، و لا يصرح الشارع بأنَّ الحكم السابق ناسخٌ للحكم اللاحق ، ففي هذه الحالة يعدُّ الحكم اللاحق ناسخاً للحكم السابق
- و مثاله نســـــــــخ حكم عدة المتوفى عنها زوجها الثابت في قوله تعالى : ( و الذين يُتوفَّون منكم و يذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) البقرة 240
- . بالحكم الثابت في قولهِ تعالى : ( و الذين يُتوفَّون منكم و يذرون أزواجاً تتربَّصنَ بأنفُسِهِنَّ أربعةَ أشهرٍ و عشراً ) البقرة 234 فقد نسخت الآية الأولى المتضمنة أن عدة المتوفى عنها زوجها بالآية الثانية المتأخرة عنها في النزول ( و إن كانت متقدمة عليها في الترتيب و النظم ) المتضمنة أن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها الحائل ( غير الحامل ) هي أربعة أشهر هجرية و عشرة أيام .
- وقت النسخ و ما يجوز نسخه من الأحكام :
- النسخ لا يكون إلا في حياة النبي ﷺ ، لأن النسخ يكون بالوحي و لا وحي بعد رسول الله ﷺ ، و عليه فلا يجوز البتة نسخ شيءٍ بعد وفاة النبي ﷺ و لا يجوز ادعاء النسخ بعده .
- أما ما يجوز نسخه :
- - 1 – ما يجوز نســـــخه إجمالاً هو الأحكام الفرعية التي تقبل التغيير كالأحكام التي بناها الشارع على
- المصالح و الأعراف فهذه يمكن أن يغيّرها الشارع إذا تغيّرت وجه المصلحة أو العرف .
- أما الأحكام الأصلية فهي أحكامٌ محكمة لا تقبل التغيير أو التبديل ، كأحكام العقائد ( مثل الإيمان بالله و اليوم الآخر و الحساب ) ، و كحرمة الشرك و الظلم و الزنى ، و كأمّهات الفضائل و الأخلاق : مثل العدل و الصدق و برّ الوالدين . فهذه الأحكام و أمثالها من الثوابت لا يُتَصّور أن تكون في وقتٍ أو حالٍ
- أو ظرفٍ على صفةٍ تستدعي تبديلها أو تغييرها ، فهي ثابتة مهما تغيّرت الظروف و الأحوال و الأزمان ، و كذلك الأحكام الفرعية التي ثبت بالأدلة الشرعية كونها محكمة غير قابلة للنسخ مثل تشريع الجهاد الذي قال عنه النبي ﷺ : ( و الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ) .
- – ما يجوز نسخه إجمالاً :
- القاعدة في ما يجوز نسخه : إنَّ الدليل الناسخ يجب أن يكون في قوة الدليل المنسوخ ، أو أقوى منه ، و أن
- يرد بعده لا قبله .
- و بناءً على هذه القاعدة يمكن بيان ما يجوز نسخه على النحو الآتي :
- 1ً – يجوز نسخ نصوص القرآن الكريم بعضها ببعض لأنَّها في قوةٍ واحدةٍ .
- 2ً – يجوز نسخ القرآن بالسنّة المتواترة و بالعكس لأن الحديث المتواتر مثل القرآن من حيث كونه قطعي الثبوت ( أي ثابت بنسبة 100 % )
- 3ً – يجوز نسخ سنة الآحاد بمثلها أو بما هو أقوى منها كالخبر المشهور و المتواتر .
- 4ً – الإجماع لا يكون ناسخاً لنصٍّ من الكتاب أو السنة ، لأنَّ النص :
- أ - إذا كان قطعي الدلالة - ( أي : لا يحتمل إلاَّ معنى واحد ) – امتنع انعقاد الإجماع على خلافه .
- ب - : و إن كان النص ظني الدِّلالة – ( أي : يحتمل أن يفسر بأكثر من معنى ) – و انعقد الإجماع على خلافه فهذا يعني وجود دليل آخر
- ترجح في نظر الفقهاء المجمعين حيث اتخذوه مستنداً لإجماعهم و هذا يعنى أن هذا النص الذي اعتمدوه هو الناسخ للدليل الآخر الظني المخالف له و ليس الإجماع هو الذي نسخه .
- 5 ً – لا يكون النص من القرآن أو السنة ناسخاً للإجماع ، لأن الإجماع لا يتصور وجوده إلا بعد وفاة النبي ﷺ ، فنصوص القرآن و السنّة متقدمة على وجود الإجماع فلا يمكن أن تكون ناســــــــخةً له .
- 6 ً – الإجماع المبني على نصٍّ أو قياسٍ لا يجوز نسخه بإجماعٍ آخر إذا تغيّرت المصلحة و رُئيَ أن تحقيق المصلحة يكون بالإجماع على حكمٍ آخر
- و يعبر البعض عن البنود الثلاثة الأخيرة بالقاعدة الأصولية( الإجماع لا ينسَخ و لا يُنسَخ ) .
- 7 ً – لا يصلح أن يكون القياس ناسخاً لنصٍ أو إجماعٍ ، و لا منسوخاً بها ، لأنَّ القياس لا يصار إليه لمعرفة حكم فرعٍ ما إلا إذا كان هذا الفرع مسكوتاً
- عنه أي ليس فيه نصٌّ من كتابٍ أو سنةٍ أو إجماع ، فلا يُصار إلى القياس إلا عند عدم وجودِ نصٍّ أو إجماع ، كما أن من شروط اعتبار القياس أن لا يخالف نصاً أو إجماعاً فإن خالف كان قياساً فاسداً غير معتبر .
- 8 ً – لا يصلح القياس ناسخاً لقياسٍ آخر ، لأن القياس يبنى على الاجتهاد و الرأي فإذا اجتهد المجتهد فتوصل إلى علة حكمٍ ما فقاس عليه غيره من الفروع بناءً
- على هذه العلة الاجتهادية فإن قياسه هذا لا يكون ملزماً لغيرهِ من المجتهدين الذين قد يجتهدون
- بناءً على علةٍ أُخرى أوصلهم إليها اجتهادهم ، فلا يكون قياس المجتهد الأول ناسخاً لقياس المجتهد الثاني و العكس صحيح .
- لكن إذا كان القياسان صادران عن مجتهدٍ واحدٍ فالتعارض بين القياسين يثبت إلا أن أحدهما لا يكون ناسخاً للآخر ، لكن يمكن لهذا المجتهد أن يرجح أحد القياسين و يفتي به ، و
- غالباً ما يكون الترجيح بالنظر إلى قوة تأثير العلة في الحكم ، و غالباً ما يُرجّح القياس الذي علته خفية على القياس الذي علته ظاهرة جلّية لدليلٍ اقتضى هذا الترجيح و هذا هو الاستحسان كما سبق أن درسناه .
- هذا إجمال لما يصح نسخه و ما لا يجوز نسخه و سأفصل في المحاضرة التالية هذه القضية و أبين بعض خلافات الفقهاء فيها .
- 1010101010101 المحاضره 101010101010101010101
- نسخ القرآن بالقرآن :
- اختلف العلماء في ذلك في هذه المسألة على قولين :
- الأول : قول الغالبية الساحقة من العلماء ، قالوا يجوز نسخ بعض القرآن ببعض لتساويه في العلم القطعي ، و وجوب العمل ، و لوقوعه فعلاً .
- الثاني : قول أبو مسلم الأصفهاني ، قال : بعدم جواز وقوع النسخ في القرآن أصلاً ، لقولهِ تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديهِ و لا من
- خلفهِ تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ ) فلو نُسخ بعض القرآن لأتاه البطلان أو الباطل . و أجيب عنه بأنَّ النسخ إبطالٌ لا باطل ، لأنَّ الباطل ضد الحق ، و النسخ حقٌّ و صدق .
- أمثلة وقوع نسخ القرآن بالقرآن :
- 1 – نسخ آية ( كُتبَ عليكم إذا حضرَ أحدَكم الموتُ إن ترك خيراً الوصيةُ للوالدين و الأقربين ) نسخ الوصية للأقارب الوارثين بآيات المواريث و منها : ( للرجال نصيبٌ مما ترك الوالدان و الأقربون و للنّساء نصيبٌ
- نصيبٌ مما ترك الوالدان و الأقربون مما قلَّ منه أو كَثُرَ نصيباً مفروضاً ) .
- 2 – نسخ عدة المتوفى عنها زوجها مدة حول ( و الذين يُتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) نُسخَ بقولهِ تعالى : (و الذين يُتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهنَّ أربعة أشهرٍ و عشراً ) فقد نُسخت عدة المتوفّى عنها زوجها من سنةٍ إلى أربعة أشهرٍ و
- عشرة أيام .
- نسخ السنة بالسنة :
- اتفق الفقهاء على جواز نسخ السنة بالسنة ( جواز نسخ الحديث المتواتر بالحديث المتواتر و كذا بالحديث المشهور عند الحنفية ، و جواز نسخ الحديث الآحاد بالآحاد و بالمتواتر ) بدليل :
- - نسخ تحريم زيارة القبول بإباحة زيارتها بقولهِ ﷺ : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنّها فإنها تذكر الآخرة )
- - و منه نسخ حكم قتل شارب الخمر في المرة الرابعة ، فقد ورد في الحديث : ( فإن شربها الرابعة فاقتلوه ) فنُسخَ ذلك بما روي عنه أنه حُملَ إليه من شربها الرابعة فلم يقتله . رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- .
- - أما نسخ السنة المتواترة بالآحاد فهو جائز قطعاً لكنه لم يقع فعلاً لأن المتواتر قطعي ، و الآحاد ظني الثبوت ، فلا يُنسخ الأقوى
- بالأضعف ، لأن ظني الثبوت لا يقاوم قطعي الثبوت .
- نسخ السنة بالقرآن :
- اختلف العلماء في نسخ السنة بالقرآن على قولين :
- الأول قول جمهور الفقهاء : قالوا هو جائز .
- الثاني قول الإمام الشافعي – رحمه الله - : قال هو غير جائز . و السنة عنده لا تنسخ إلا بسنةٍ مثلها .
-
- - و استدل الجمهور على جواز نسخ السنة بالقرآن بالوقوع الفعلي ، و مثاله :
- - نسخ ما ثبت بالسنة في صلح الحديبية من وجوب رد من أسلم من النساء إلى قريش ، فقد نُسخ بقولهِ تعالى : ( فلا ترجعوهنَّ إلى الكفار لا هنَّ حلٌّ لهم و لا هم يحلّون لهنَّ )
- - نسخ صوم يوم عاشوراء ( العاشر من شهر محرّم ) الثابت بالسنة ، بصيام شهر رمضان
- الثابت بقولهِ تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) .
- نسخ القرآن بالسنة :
- جرى في هذه المسألة نفس الخلاف الذي جرى في المسألة السابقة :
- - فذهب جمهور الفقهاء إلى جواز نسخ القرآن بالسنة ، و اشترط الحنفية أن تكون السنة متواترة أو بلغت مبلغ الشهرة و الاستفاضة حتى تنسخ القرآن .
- - و ذهب الإمام الشافعي إلى عدم
- جواز نسخ القرآن بالسنة ، و أن القرآن لا يُنسخ إلاَّ بقرآنٍ مثلهِ
- و استدل الشافعي بدليلين :
- 1 – ظاهر قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كلِّ شيءٍ قدير ) فدلت الآية على أن الذي يأتي بالبدل هو الله أي بالقرآن .
- و أجيب بأنَّ السنة هي أيضاً من عند الله من حيث المعنى و الله تعالى قال عن نبيّهِ ﷺ ( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحيٌّ يوحى )
-
- 2 – قوله تعالى : ( و أنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّلَ إليهم )
- فدور السنة هو بيان القرآن لا نسخه ، و أُجيب بأن النسخ نوع من أنواع البيان لأنّه : ( بيان انتهاء الحكم الشرعي بطريقٍ متراخٍ عنه ) .
- أدلة الجمهور :
- استدل الجمهور بالوقوع الفعلي و مثاله :
- - نسخ آية الوصية و هي قوله تعالى : ( كُتبَ عليكم إذا حضرَ أحدَكم
- الموتُ إن ترك خيراً الوصيةُ للوالدين و الأقربين ) بقوله ﷺ : ( لا وصيةَ لوارثٍ ) .
- - نسخ جلد الزاني المحصن الثابت بعمومِ قولهِ تعالى : ( الزانية و الزاني فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما مائةَ جلدة ) بالرجم الثابت بالسنة في حديث ماعز الأسلمي و غيرهِ .
- أنواع خاصّة من النسخ :
- أولاً : نسخ التلاوة و الحكم معاً :
- قال الإمام الآمِدي : اتفق العلماء
- على جواز نسخ التلاوة دون الحكم و بالعكس ، و نسخهما معاً .
- و مثال نسخ التلاوة و الحكم معاً ما مرَّ من أمثلة ، و نسخ صحف إبراهيم – عليه السلام - : ( إنَّ هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى ) و لم يبقَ بين أيدينا شيء من صحف إبراهيم لا تلاوةً و لا حكماً .
- ثانياً : نسخ الحكم دون التلاوة :
- أي نسخ حكم الآية مع بقاء تلاوتها في القرآن ، و مثاله نسخ حكم الوصية
- للوالدين و الأقربين . و كنسخ آية عدة المتوفى عنها زوجها حولاً كاملاً بقوله : ( و الذين يُتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهنَّ أربعة أشهرٍ و عشراً ) , و غير ذلك .
- نسخ التلاوة دون الحكم :
- و معنى ذلك أن ينسخ تلاوة الآية و تزال من المصحف و يبقى حكمها سارياً يُعمل بهِ ، و مثاله :
- - ما ذكره جمهور العلماء من حديث السيدة عائشة في الصحيح :
- ( كان فيما أُنزلَ عشرَ رضعاتٍ معلوماتٍ يُحرّمن ، فنسخن بخمسٍ رضعاتٍ ، فتوفي رسول الله و هنَّ مما يُتلى من القرآن ) قال الإمام البيهقي ( ..... و الخمس مما نُسخَ رسمهُ و بقي حكمه ) .
- - قول عمر – رضي الله عنه - : ( كان فيما أُنزلَ : الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله ) ثم نُسخ رسمه و تلاوته ، و بقي حكمه ثابتاً و هو رجم المحصن ثابتاً بدلالة السنة .
- - ومثاله ما ذكره الحنفية من بعض القراءات الشاذة التي ثبتت بقراءة الآحاد من الصحابة ، كقراءة عبد الله بن مسعود من إثبات التتابع في الصيام في كفارة اليمين بقراءة : ( فصيام ثلاثة أيامٍ متتابعات ) و قد كانت قراءةً مشهورةً إلى زمن أبي حنيفة – رحمه الله - ، لكن لم يوجد فيها النقل المتواتر الذي يثبت بمثلهِ القرآن ، ومثالها أيضاً : قراءة عبد الله بن عباس في قضاء ما أفطر من رمضان ( فمن كان منكم مريضاً أو
- على سفرٍ فأفطر فعدةٌ من أيامٍ أُخر ) و هذه داخلة في دلالة الاقتضاء عند علماء الأصول .
- النسخ بطريق الزيادة على النص الشرعي :
- اختلف علماء أصول الفقه هل إذا زاد الشارع زيادةً طارئة على نصٍّ شرعي متصلة بهِ يعدُّ نسخاً له أم لا على قولين
- - قال الحنفية هي نسخٌ للنص
- - و قال الجمهور ليس نسخاً للنص
- بل هو تخصيصٌ له .
- أمثلة ذلك عند الحنفية :
- أ – زيادة اشتراط النية في الطهارة عملاً بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) فهو زيادة طارئة على الآية : ( يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و أرجلّكم إلى الكعبين ) لذلك لم يعد الحنفية النية شرطاً لصحة الوضوء بل عدّوها من السنن .
- ب – زيادة عقوبة التغريب في عقوبة الزاني البكر على عقوبة الجلد ، أما عقوبة التغريب فثابتة في حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه - : ( البكر بالبكر جلد مئة و تغريب عام ) فهي زيادة على عقوبة الزاني الثابتة بقولهِ تعالى : ( الزانية و الزاني فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما مائة جلدة ... ) الآية . و لذلك لم يقل الحنفية بعقوبة التغريب لأنها تعود بالنسخ لعقوبة الجلد ، و حمل بعض الحنفية عقوبة التغريب على الحبس
- أو السجن .
- و لم يعد جمهور العلماء هذا نسخاً بل تخصيصاً لذلك قالوا باشتراط النية لصحة الوضوء ، و قالوا بنفي الزاني البكر و تغريبه مدة سنة بعض إقامة عقوبة الجلد عليه .
- و تظهر فائدة الخلاف أن الحنفية لا يثبتون الزيادة بما لا يجوز النسخ به كخبر الواحد ، و القياس مع النصوص القطعية كآيات القرآن و الأحاديث المتواترة ، لأن الظني لا ينسخ القطعي ، كاشتراط الطهارة
- في الطواف ، و اشتراط النية في الوضوء ، و اشتراط صفة الإيمان في الرقبة أو العبد في كفارة اليمين و الظهار ، فلم يقولوا بذلك و قال الجمهور بهِ من باب تقييد المطلق ، لا من باب النسخ .
- - و استدل الجمهور لمذهبهم بأن زيادة شرطٍ أو صفةٍ على الحكم الشرعي لا تنسخه ، لأنَّ النسخ رفع للحكم الشرعي كزيادة السوم في زكاة الغنم : ( في سائمة الغنم الزكاة ) فزيادة صفة السوم لا تنسخ الزكاة بل تقيّدها
- بالصفة فصار مفهوم النص : لا تجب الزكاة في الغنم غير السائمة (المعلوفة ) . و أجاب الحنفية أن نفي الزكاة عن الغنم السائمة لم يكن بالمفهوم المخالف للنص بل بالبراءة الأصلية ، فقد أثبتت السنة الزكاة في الغنم غير السائمة فبقيت الغنم السائمة على أصل البراءة الأصلية و هي عدم وجوب الزكاة فيها .
- طرق معرفة النسخ :
- 1 – التصريح بالنسخ في النص ، كقوله (الآن خفف الله عنكم ) فهو نسخ للأمر بثبات المجاهد أما عشرة من الأعداء ، و مثل قوله : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) فهو نسخ للأمر بتقديم صدقة قبل مناجاة النبي ﷺ .
- 2 – تصريح النبي ﷺ بالنسخ كقوله نسخت كذا ، أو ما في معنى التصريح كحديث : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر
- 3 – فعله ﷺ ، كأمرهِ برجم ماعز ، فإنّه ناسخ لحديث : ( الثيب بالثيب جلد مائة و رجمٌ بالحجارة ) ، فقد أمر برجم ماعز و لم يأمر بجلدهِ فدلَّ ذلك على نسخ الجلد في حق الزاني المحصن و الاكتفاء بالرجم .
- 4 – إجماع الصحابة على أن هذا الحكم ناسخ و ذاك منسوخ ، كإجماعهم على نسخ صيام عاشوراء بصيام رمضان ، و إجماعهم على نسخ الأحرف الستة
- في المصحف و الإبقاء على حرف قريش الذي يحتمل القراءات المتواترة .
- 5 – نقل الصحابي أن أحد الحكمين المتعارضين متأخر و الثاني متقدم ، فيجعل المتأخر ناسخاً للمتقدّم ، و قول الصحابي كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ ، كقول جابر – رضي الله عنه - : ( كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ ترك الوضوء مما مست النار ) يفيد أن ترك الوضوء مما مست النار متقدماً على
- 11 11 11 11المحاضره 11 11 11 11 11 11 11 11 11 11
- التعارض بين الأدلة ظاهري لا حقيقي :
- إنَّ الأدلة الشرعية لا تتعارض أبداً ، و إنما التعارض قد يقع بين الأدلة من وجهة نظر المجتهد بحسب فهمه لها ، و لذلك فإنَّ التعارض هو تعارض ظاهري بالنسبة للمجتهد و ليس تعارضاً حقيقياً . لذلك يعد ما يظهر من تعارض بين الأدلة الشرعية تعارضاً صورياً .
- -
- و هذا التعارض الصوري ( الظاهري ) يعني اقتضاء كل واحدٍ من الدليلين المتعارضين في وقتٍ واحد حكماً معيناً في الواقعة المعيّنة التي يبحث المجتهد في معرفة حكمها ، و يكون الحكمان متعارضين ، أي : مختلفين ، بالنسبة للواقعة نفسها في نفس الوقت .
- شرط وقوع التعارض :
- أن يكون الدليلان في قوةٍ واحدةٍ ، كآيتين من القرآن الكريم ، أو كحديثين من سنن الآحاد ، مع
- ملاحظة أن التعارض لا يمكن أن يقع بين دليليــن قطـــعيين أو بين دليلٍ قطــعي و دليـلٍ ظنــي ، و إنما يقــع
- التعارض حصراً بين دليلين ظنيين كخبري آحاد ، أو قياسين ، و في حال حصول مثل هذا التعارض فلدينا طريقتان للفقهاء :
- الطريقة الأولى : طريقة الحنفية قالوا في حالة التعارض يسلك المجتهد أربع مراحل على الترتيب الآتي :
- 1 – النسخ : بأن يبحث المجتهد عن
- تاريخ الدليلين فإن علم تقدّم أحدهما و تأخر الآخر ، حكم بأن المتأخر ناسخ للمتقدم بشرط أن يكون الدليل المتأخر مما يصح أن يُنسخ به المتقدم ، كتعارض آيتين ، أو حديثين متواترين ، أو خبري آحاد ، فلو عارض خبر الآحاد آيةً ، أو حديثاً متواتراً أو مشهوراً ، فإن خبر الآحاد لا يقوى على نسخ الأدلة القطعية لأنه أضعف منها إذ هو من الأدلة ظنية الثبوت .
- و مثال القول بالنسخ عند التعارض : تعارض الآية : ( و الذين يُتوفّون منكم
- و يذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهنَّ أربعةَ أشهرٍ و عشراً ) مع الآية : ( و أولات الأحمال أجلهنَّ أن يضعن حملهنَّ ) فالآية الأولى تدل بعمومها أن عدة المتوفى عنها زوجها هي أربعة أشهرٍ و عشرة أيام سواءٌ أكانت حاملاً أم حائلاً ( غير حامل ) ، و الآية الثانية تدل على أن عدة الحامل تنتهي بوضعِ حملها سواءٌ أكانت مطلّقة أم متوفى عنها زوجها ، و الآية الثانية متأخّرة في النزول عن الآية الأولى فتكون ناسخة لها
- في مقدار التعارض ، و هي الحامل المتوفى عنها زوجها فتنتهي عدتها بوضع حملها ( كما هو مذهب الحنفية و جمهور العلماء ) .
- 2 – الترجيح :
- إذا تعذر النسخ بأن لم يعرف المجتهد تاريخ النصين فإنه يلجأ إلى الترجيح بأحد طرق الترجيح التي سيأتي الكلام عنها لاحقاً ، كترجيح المحكم على المفسّر ، و ترجيح المفسّر على النص و الظاهر ...
- و قدّم الحنفية الترجيح بين الأدلة على
-
- الجمع بينها لأنَّ تقديم الراجح على المرجوح هو المعقول ، و مثاله أن أبا حنيفة – رحمه الله – قدم حديث ( استنزهوا من البول ) رواه الدارقطني على حديث العرنيين ، و هم أناس من عُرينة قدموا المدينة فاجتووها ، فبعثهم النبي ﷺ إلى إبلِ الصَّدقة ، و قال : اشربوا من ألبانها و أبوالها . ففعلوا فشفاهم الله .... الحديث .
- و معنى اجتووها أن جو المدينة لم يناسب طبائعهم فأصيبوا بمرض
- يقال إنه مرض ( الاستسقاء ) ، و قد ذكر بعض الأطباء أن أبوال الإبل التي ترعى بالمراعي العامة غني بمادة (الكالسيوم ) فإذا خلط بلبن الإبل نفع في الشفاء من هذا المرض بمشيئة الله .
- فالحنفية رجحوا حديث استنزهوا من البول فهو يدل بعمومه على نجاسة كل أنواع البول ، و منه بول الإبل و غيرها ، أما حديث العرنيين فإنما أبيح شرب بول الإبل فيه من أجل التداوي ، و ذهب المالكية و الحنابلة
-
- إلى القول بطهارة أبوال الإبل استدلالاً بحديث العرنيين ، و كذا قالوا بطهارة أرواثها و أبوال و أرواث الحيوانات مأكولةٍ اللحم قياساً على أبوال الإبل .
- 3 – الجمع و التوفيق بين النصين الشرعيين :
- قال الحنفية إذا تعذّر النسخ ، و الترجيح ، فإنَّ المجتهد يلجأ إلى الجمع و التوفيق بينهما ، لأن ( إعمال الدليلين أولى من إهمالهما )
- و قد ذكر علماء الحنفية طرقاً للجمع
-
- و التوفيق بين الأدلة منها :
- - الجمع بين الدليلين العامين بالتنويع بأن يحمل أحد الدليلين على بعض الأنواع ، و يحمل الآخر على أنواع أخرى .
- - حمل المطلق على المقيّد عند تعارضهما .
- - حمل العام على الخاص عند تعارضهما . و غير ذلك .
- و مثال النوع الأخير قوله تعالى : ( و المطلقات يتربصن بأنفسهنَّ ثلاثة قروء ) فهو عام في جميع أنواع
- المطلقات ، فهو يشمل بعمومه المطلقات قبل الدخولِ و بعده ، لكن هذا النص عارضه نص خاص و هو قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلّقتموهنَّ من قبل أن تمسّوهنَّ فما لكم عليهنَّ من عدةٍ تعتدونها ) ، فالخاص هنا يقدّم على العام فيخصصه ، فيعمل بالعام بحق المطلقة المدخول بها فتعتد ثلاثة قروء ، و يُعمل بالخاص في حق المطلقة غير المدخول بها فهذه لا
- عدةَ عليها .
- و مثال حمل المطلق على المقيّد : حمل لفظ الدم في قوله تعالى : ( حُرّمت عليكم الميتة و الدم ... ) على اللفظ المقيد للدم بكونه مسفوحاً في قوله تعالى : ( إلاَّ أن يكونَ ميتةً أو دماً مسفوحاً ) فعلم من مجموع الدليلين بعد تقييد المطلق للمقيد أن الدم الذي يحرم أكله هو الدم المسفوح ، لا الدم الجامد كالكبد و الطحال فأكله مباح .
- 4 – تساقط الدليلين : قال الحنفية إذا تعارض دليلان و تعذّر القول بالنسخ
- و الترجيح ، و الجمع ، فيحكم بتساقط الدليلين معاً ، أي عدم العمل بهما ، لأن العمل بأحدهما ليس بأولى من العمل بالآخر بدون مرجح لأنه ترجيح من غير مرجّح و هو باطلٌ عقلاً ، و في هذه الحالة يبحث المجتهد عن دليل آخر في المسألة غير هذه الدليلين .
- و مثاله تعارض الحديث الذي رواه النعمان بن بشير – رضي الله عنه – في صلاة الكسوف أن النبي ﷺ : ( صلّى الكسوف كما
- تصلون : ركعة و سجدتين ) مع حديث عائشة – رضي الله عنها – و هو أن النبي ﷺ : ( صلاّها ركعتين بأربعةِ ركوعات و أربعِ سجدات ) فحديث النعمان بن بشير يدل على أن صلاة الكسوف يكون بركوع واحد و قيام واحد كبقية الصلوات ، و حديث عائشة يدل على أن صلاة الكسوف بركوعين و قيامين في كلّ ركعة ، و لا مُرجّح بين الدليلين فترك الحنفية العمل بهما ، و أخذوا بالقياس ، و هو قياس صلاة الكسوف على بقية
- الصلوات ، و هو رجوع للأصل العام فقالوا صلاة الكسوف ركعتين كل ركعة بركوعٍ واحد ، و قيامٍ واحد كبقية الصلوات .
- و رجّح جمهور الفقهاء حديث السيدة عائشة – رضي الله عنها – فقالوا صلاة الكسوف ركعتان ، في كلَّ ركعة قيامان ، و قراءتان ، و ركوعان ، و سجودان ، أي يقرأ في القيام الأول الفاتحة و شيئاً من القرآن ، ثم يركع ، ثم يقوم فيقرأ بعد القيام الثاني الفاتحة و شيئاً من
- القرآن ، ثم يركع ، ثم يقوم ، ثم يسجد سجدتين ، ثم يقوم فيفعل في الركعة الثانية كما فعل في الركعة الأولى .
- طريقة الجمهور ( الشافعية و المالكية و الحنابلة ) في دفع التعارض :
- قالوا : عند تعارض الأدلة يجب على المجتهد التزام المراحل الآتية :
- 1 – الجمع و التوفيق و التوفيق بين الدليلين بوجهٍ مقبول ، و لا يجوز اللجوء إلى الترجيح قبل محاولة التوفيق بين الدليلين ، لأنَّ إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما
- بالكلّية ، لكون الأصل في الدليل الشرعي إعماله لا إهماله .
- و التوفيق يكون بوجه من وجوه التوفيق كالتنويع ، و حمل العام على الخاص ، و حمل المطلق على المقيد .
- و مثاله التعارض بين حديث ( لا صلاةَ لجار المسجد إلاَّ في المسجد ) و حديث أن النبي قال لرجلين جارين للمسجد : ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدّ جماعةٍ ، فصليا معهم فإنها لكما نافلة )
- و على الرغم من أن علماء الحديث حكموا بالضعف على الحديث الأول ، فإننا إذا سلمنا بصحته فإنه يتعارض مع الحديث الثاني في نفي صحة صلاة جار المسجد منفرداً في غير المسجد ، بينما دل الحديث الثاني على صحة صلاتهِ في رحاله في غير المسجد بإقرار النبي ﷺ لصلاة الرجلين في رحلهما . و للجمع بين الحديثين قال العلماء غ، الحديث الأول يحتمل عدة احتمالات : فهو يحتمل نفي الصحة ، أو نفي الكمال ،
- أو نفي الفضيلة ، فيحمل و يفسر بنفي الكمال أو الفضيلة توفيقاً بينه و بين الحديث الثاني ، و لا يصح حمله على نفي صحة صلاة جار المسجد إلا في المسجد لأنه يتعارض عندئذٍ مع الحديث الثاني ، مع ملاحظة أن بعض الحنابلة حملوه فعلاً على نفي الصحة و قالوا صلاة جار المسجد لا تصح إلا في المسجد . و الله أعلم .
- 2 – الترجيح بأحد المرجّحات التي سيأتي الكلام عنها ، و هذا إذا تعذّر
- الجمع بين الأدلة .
- 3 – القول بنسخ أحد الدليلين و العمل بالآخر : و ذلك إذا تعذر الجمع بين الدليلين و الترجيح بينهما ، و علم تاريخ الدليلين فإن الدليل المتأخر أو المتراخي يجعل ناسخاً للدليل المتقدم .
- 4 – تساقط الدليل :
- و ذلك إذا تعذر الجمع ، و الترجيح ، و النسخ فإنه يُترك العمل بالدليلين ، و يبحث المجتهد عن دليل آخر يعمل بهِ ، و قد ذكر بعض العلماء أن هذه صورة فرضية لا وجود لها . و الله أعلم
- تعريف الترجيح :
- الترجيح لغةً : التمييل ، و التغليب ، و منه يُقال رجح الميزان إذا مال .
- الترجيح اصطلاحا :
- عرّفه بعض المحققين من علماء الأصول : بأنّه : تقوية أحدى الأمارتين ( أي الدليلين الظنيين ) على الآخر ليعمل به .
- و قد خص الترجيح بالأمارات أو الأدلة الظنية لأنه لا يُتصّور حصول التعارض بين الأدلة القطعية ، أو.
-
- بين دليلٍ قطعي و آخر ظني ، و إنما سمي الدليل أمارةً في التعريف لأنه يدل و يشير إلى الحكم الشرعي عند الفقهاء .
- و ما يقوي أحد الدليلين قد يكون دليلاً آخر أو قرينة ككثرة الأدلة أو كثرة عدد الرواة – عند جمهور الفقهاء خلافاً للحنفية - ، و قد يكون المرجح دليلاً عقلياً و نحو ذلك . و الله أعلم
- و جهات الترجيح التي ذكرها العلماء أربعة :
- 1 – الترجيح من جهة سند الحديث .
- 2 – الترجيح من جهة متن الحديث أو الدليل .
- 3 – الترجيح من جهة الحكم و المدلول .
- 4 – الترجيح باعتبار دليلٍ أو أمر خارجي .
- و سأذكر فيما يأتي على ذكر بعض المرجحات بما يتسع إليه المقام و أحيل الطالب الكريم إلى المبسوطات من كتب أصول الفقه للتعرف على بقية المرجّحات تفصيلاً .
- 12 12 12 12 12المحاضره 12 12 12 12 12 12 12 12
- طرق الترجيح الشرعية :
- 1ً : طرق الترجيح المتعلقة بالحكم أو المتن :
- أولاً : يُرجّح النصّ على الظاهر :
- النص : ما دلَّ على المراد منه بنفسهِ دون توقف على أمر خارجي و سيق اللفظ فيه لبيان هذا المعنى أصالةً أي كان هذا المعنى هو المقصود الأصلي من سوق الكلام ، كدلالة كقوله تعالى (و أحلَّ الله البيع و حرّم الربا ) على التفرقة بين البيع و الربا .
- أما الظاهر : فهو ما دل على المراد منه دون توقف على أمر خارجي لكن لم يسق اللفظ لبيانهِ أصالةً بل تبعاً كدلالة قوله تعالى : ( و أحلَّ الله البيع و حرم الربا ) على أن البيع حلالٌ و الربا حرام .
- فإذا تعارض النص مع الظاهر قُدِّمَ النص على الظاهر و رُجّحَ عليه ، و مثاله قوله تعالى بعد أن بيّن المحرمات من النساء : ( و أُحلَّ لكم ما وراء ذلكم )
-
- فظاهر الآية يدل على إباحة الزواج بأكثر من أربع زوجات ، لكن يعارض هذا الظاهر نصٌّ هو قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع ) فهي نص في تحريم ما زاد على أربع نساء فيقدم هذا النص على ما ظهر من الآية السابقة .
- ثانياً يُرجّج المُفسَّر على النص :
- المفسر ما زاد وضوحاً على النص ، فهو لفظٌ سيق لبيان المعنى المراد منه أصالةً و ازداد وضوحاً بحيث
- لم يعد هناك أي احتمالٍ للتأويل ، بخلاف النص فإنه يبقى معه احتمال التأويل بمعنى آخر . مثاله قوله تعالى : ( و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) فلفظ ثمانين لفظ مُفسَّر لا يحتمل التأويل لأنه عدد معيّن لا يقبل التأويل لأنه لا يحتمل الزيادة أو النقصان .
- و مثال التعارض بين المُفسَّر و النص : قول النبي ﷺ : ( المستحاضة تتوضأ لكلِّ صلاة )
- فهو نصٌّ في إيجاب الوضوء على المستحاضة لكلِّ صلاة و لو في وقت واحد ، لكنه يحتمل التأويل بإرادة إيجاب الوضوء لكل وقت صلاة ، و قد تعارض هذا النص مع المعنى المفسر من قوله ﷺ ( المستحاضة تتوضأ لوقتِ كلِّ صلاة ) أي ليس عليها إلاَّ وضوء واحد كل وقت صلاة و لو صلت في الوقت عدة صلوات و هذا المعنى هم المفسَّر و هو لا يقبل التأويل و هو الراجح و يكون العمل بمقتضاه .
- ثالثاً يُرجّح المحكم على ما سواه من ظاهرٍ أو نص أو مفسّر :
- المحكم : هو اللفظ الذي ظهرت دلالته على معناه ظهوراً قوياً أكثر من المفسَّر بحيث انقطع عنه أي احتمالٍ للتأويل أو النسخ ، فهو لا يقبل التأويل أو النسخ مطلقاً ، كالنصوص المتعلقة بالإيمان بالله و اليوم الآخر ......
- و من أمثلة التعارض بين المحكم و غيرهِ قوله تعالى : ( و أُحلَّ لكم ما وراء ذلكم ) فهو نصٌّ في إباحة
-
- النكاح بغير المحرمات المذكورات في أول الآية كالأم و الأخت ..... و هو يشمل بعمومهِ إباحة الزواج من زوجات النبي ﷺ بعد وقاتهِ ، و لكنَّ قوله تعالى : ( و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعدهِ أبداً ) الأحزاب 53 محكمٌ في تحريم الزواج بزوجات النبي ﷺ بعد وفاتهِ فيقدّم على نصّ الآية ، و يترجّح عليها ، فيكون الحكم حرمة الزواج من زوجات النبي ﷺ بعد وفاتهِ أبداً .
- رابعاً : يُرجّح الحكم الثابت بعبارة النص على الحكم الثابت بإشارتهِ :
- - المقصود بعبارة النص : دلالة اللفظ على المعنى المتبادر من نفس الصيغة اللغوية ، سواءٌ أسيق لبيان المعنى المقصود أصالةً أو تبعاً و قد عُلِمَ قبل التأمل أن ظاهر اللفظ يتناول هذا المعنى . كدلالة قوله تعالى ( و أحلَّ الله البيع و حرّم الربا ) على حل البيع و حرمة الربا ، و على نفي المماثلة بين البيع و الربا .
-
- و المقصود بإشارة النص : بأنه دلالة اللفظ على حكمٍ غيرِ مقصودٍ و لا سيق النص الشرعي لبيانهِ لكنه لازمٌ للمعنى الذي سيق الكلام لإفادتهِ ، و ليس هذا بمعنى ظاهر من كلِّ وجه فهو يحتاج إلى تأملٍ و اجتهاد و مثاله دلالة قولهِ تعالى : ( و على المولودِ له رزقهنَّ و كسوتهنَّ بالمعروف ) البقرة 233 على أن نسب الأولاد يثبت للوالد لأن النص لما دلَّ بعبارته على وجوب إنفاق الأب على أولاده دل
- على أن النسب يثبت له لأن ثبوت النسب من لوازم وجوب النفقة .
- و مثال التعارض بين العبارة و الإشارة : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى ) البقرة 178 و قولهِ تعالى : ( و من يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) النساء 93 .
- فالآية الأولى دلت بطريق العبارة على وجوب القصاص على القاتل ( قتلاً عمداً عدواناً )
-
- و الآية الثانية دلت على عدم الاقتصاص من القاتل العمد لأنها جعلت جزاءه الخلود في جهنم و قصرت هذا الجزاء عليه و هي تبيّن عقوبته و هذا يدل بطريق الإشارة على أنه لا تجب عقوبة أخرى عليه ، بناءً على قاعدة أن ( الاقتصار في مقام البيان يفيد الحصر ) .
- لكن يُرجّح في هذه المسألة عبارة النص الأول على إشارة النص الثاني ، و هو وجوب القصاص من القاتل العمد .
- خامساً : يرجح الثابت بإشارة النص على الثابت بدلالتهِ :
- - المقصود بدلالة النص : دلالة اللفظ على أن حكم المنطوق ( أو العبارة ) ثابتٌ للمسكوت عنه لوجود معنى فيه يُدرِكُ كلُ عارفٍ باللغة أن الحكم المنطوق به كان لأجل ذلك المعنى من غير حاجةٍ إلى نظرٍ و اجتهاد .
- و مثال الدلالة : دلالة قولهِ تعالى : ( و لا تقل لهما أفٍ ) على تحريم جميع أنواع الإيذاء للوالدين كالضرب و نحوهِ ، و كدلالة قولهِ تعالى قوله
- تعالى : (إنَّ الذين يأكلون اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً ) على تحريم تبديد و إتلاف مال اليتيم .
- و مثال التعارض بين الإشارة و الدلالة :
- - قوله تعالى : ( و من يقتل مؤمناً خطاً فتحرير رقبةٍ مؤمنة ) النساء 92
- - و قوله تعالى : ( و من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) النساء 93
- فيفهم من الآية الأولى بطريق العبارة وجوب الكفارة على القاتل الخطأ ، و يُفهم منها أيضاً بطريق الدلالة وجوب الكفارة على القاتل العمد أيضاً لأنه أولى من القاتل الخطأ في وجوب الكفارة عليه ، لأن سبب الكفارة جناية القتل و هي في القتل العمد أشد و أفظع ، فكان وجوبها على القاتل العامد أولى من وجوبها على المخطئ.
- و يُفهم من الآية بطريق الإشارة أن القاتل العمد لا كفارة عليه في الدنيا
- لأن الآية قصرت جزاءه على الخلود في جهنم ، ، و هذا القصر في مقام البيان يفيد نفي أي جزاءٍ آخر عنه ، و هذا المعنى المستفاد من الإشارة يتعارض مع المعنى المستفاد من الآية بطريق الدلالة ، فيكون المفهوم بالإشارة أرجح من المفهوم بالدلالة ، و يكون الحكم عدم وجوب الكفارة على القاتل العمد .
- سادساً : ترجح دلالة المنطوق على دلالة المفهوم ( مفهوم المخالفة ) عند التعارض :
- - أما دلالة المنطوق فهي الدلالة التي عرفناها قبل قليل و أما دلالة المفهوم ( أو مفهوم المخالفة ) : فهي دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه و يسمى ( دليل الخطاب ) كدلالة حديث : ( في سائمة الغنم في كلِّ أربعين شاةٍ شاة ) على أن الغنم غير السائمة لا زكاة فيها .
-
- - أما مثال التعارض بين دلالة المنطوق و دلالة المفهوم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) فإذا اعتبرنا في الآية مفهوم المخالفة فإنه يعارض منطوق قولهِ تعالى ( و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلِمون و لا تُظلمون ) البقرة 279
- إذ الآية تدل بمنطوقها على حرمة الربا و إن قلَّ ، فيقدم على مفهوم الآية السابقة .
-
- لكن يلاحظ أن الآية الأولى ليس لها مفهوم لأن القيد الوارد فيها سيق لإنكار ما كانت تفعله العرب ، فلا يُتصوّر حصول التعارض بين دلالة المنطوق و المفهوم هنا ، فيبقى حكم منطوق الآية الثانية هو الثابت و هو تحريم الربا قل أو كثر .
- سابعاً : يرجح الحاظر على المبيح :
- و معناه إذا اجتمع في عينٍ واحدة دليلان : دليلٌ يقتضي حظر هذه العين و تحريمه ، و دليلٌ يقتضي إباحتها و حلّها ، فإنه يرجّح عند جمهور
- الدليل الحاظر على الدليل المبيح فيُحكم بتحريم هذه العين و منعها احتياطاً .
- و دليل ذلك :
- 1 – حديث : ( ما اجتمع الحلال و الحرام ، إلاَّ غلبَ الحرام الحلال ) .
- 2 – حديث : ( دع ما يُريبُك إلى ما لا يُريبك ) .
- - و مثاله : الحيوان المتولّد من حيوانين أحدهما مأكول اللحم ، و الثاني غير مأكول اللحم يحكم بتحريم أكلهِ كالبغل المتولد من
- حمار و فرس .
- لو طلق رجل إحدى نسائهِ طلاقاً بائناً بينونة كبرى ثم نسي التي طلقها حرم عليه وطءُ جميعَ نسائهِ .
- لو رضع رجل من قرية و لم تعلم المرأة التي أرضعته على وجه التحديد حرم الزواج من تلك القرية .
- طرق الترجيح المتعلّقة بالسند و الرواية:
- 1- يرجح الحديث المسند إلى النبي ﷺ على الحديث المرسل أو
- الموقوف .
- 2 – يرجح الحديث الأكثر رواةً أو الذي روي بطرق أكثر على الحديث الذي روي عن عددٍ أقلَ من الرواة أو الطرق ( و هذا مذهب الجمهور خلافاً للحنفية الذين ينظرون إلى قوة السند لا لعدد الرواة ) .
- 3 – يرجح الحديث المروي في الصحيحين ( البخاري و مسلم ) على الحديث المروي في غيرهما كالسنن ، و المسانيد و المستدركات و نحوها . و يرجح الحديث المروي
- في البخاري على الحديث المروي في مسلم .
- 4 – ترجح رواية الراوي المباشر لما روى أو صاحب القصة على غيرها من الروايات المعارضة :
- - و مثال رواية المباشر رواية رافع : ( تزوّج النبي ﷺ ميمونة ، و هو حلالٌ ، و كنت السفير بينهما ) أخرجه الترمذي و مالك و أحمد و غيرهما . فقد رجح جمهور العلماء هذه الرواية على رواية ابن عباس
- رضي الله عنهما - : ( أنه تزوّجها و هو محرم ) رواه البخاري و مسلم و غيرهما .
- و مثال رواية صاحب القصة ، رواية أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها – أنها قالت : ( تزوّجني رسول الله ﷺ و نحن حلالان ) رواه مسلم و أبو داود و غيرهما . فقد رجحت على رواية ابن عباس (أنه تزوّجها و هو محرم ) لذلك قال جمهور العلماء لا يجوز للمحرم بحج أو
- عمرة أن يعقد عقد الزواج حال إحرامه أو إحرام الزوجة .
- و ذهب الحنفية إلى ترجيح رواية ابن عباس – رضي الله عنهما – لأنها الأقوى سنداً فهي مرية في الصحيحين ، بينما رواية رافع بن خديج مروية في السنن ، و رواية ميمونة مروية في مسلم فقط ، و رواية الصحيحين مقدمة على غيرها . و لذلك قال الحنفية يجوز للمحرم أن يعقد عقد الزواج حال إحرامه ، كما يجوز العقد على المرأة حال
- إحرامها بحجٍّ أو عمر ، مع اتفاق الجميع على حرمة الدخول بالمعقود حال الإحرام بالحج أو العمرة .
- انتهى
- نكتفي بهذه الأسباب مع إحالة الطلاب و الطالبات إلى أمهات كتب الأصول للتعرّف على بقية طرق الترجيح و هي كثيرة جداً .
- 13 13 13 13 المحاضره 13 13 13 13 13 13
- تعريف الاجتهاد :
- الاجتهاد لغةً : بذل المجهود و استفراغ الوسع في فعلٍ من الأفعال
- و هو خاص بالأشياء المجهدة فيقال اجتهد في حملِ صخرة و لا يُقال اجتهد في حملِ حصاة .
- الاجتهاد اصطلاحاً :
- بذل الفقيه المجتهد وسعه في طلب العلم بالأحكام الشرعية بطريق الاستنباط .
- شرح التعريف :
- 1- بذل الوسع : معناه أن يستفرغ
- الفقيه المجتهد غاية جهدهِ و طاقته بحيث يحسُّ من نفسهِ العجز على المزيد عليه .
- 2- يشترط في باذل جهدهِ أن يكون فقيهاً مجتهداً ، أما غير المجتهد فلا عبرة بما يبذله من جهد، لأنه ليس من أهل الاجتهاد و الاجتهاد إنما يكون مقبولاً إذا صدر من أهلهِ
- 3- أن يكون الغرض من هذا الجهد الذي يبذله المجتهد التعرف على الأحكام الشرعية و بيانها و كشفها للناس ، فلا يكون الجهد المبذول
- للتعرّف على الأحكام اللغوية و العقلية أو الحسية من أنواع الاجتهاد بمعناه الاصطلاحي عند علماء أصول الفقه .
- – يشترط في التعرّف على الأحكام الشرعية أن يكون بطريق الاستنباط أي : نيلها و استفادتها من أدلتها الشرعية التفصيلية عن طريق البحث و النظر فيها .
- و يخرج بذلك القيد المسائل ًالتي يحفظها الشخص أو يستعملها من المفتي أو يدركها ، و يأخذها من
- كتب الفقه أو كتب العلم فلا يسمّى ذلك اجتهاداً .
- المجتهد و شروطه :
- المجتهد : هو الفقيه الذي قامت فيهِ ملكةُ الاجتهاد ، أن توفرت فيه القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .
- فلا يعد مجتهداً من ألمَّ بالأحكام الشرعية بطريق الحفظ و التلقين ، أو بتلقّيها من كتب الفقه أو من أفواه العلماء بلا بحثٍ و لا استنباط .
- و تتحقق هذه الملكة أو القدرة بتوفر
- شروط علمية في هذا الفقيه تسمى شروط المجتهد نتعرّف عليها فيما يأتي :
- شروط المجتهد :
- الشرط الأول: معرفة اللغة العربية :
- و معناها أن يكون المجتهد على علمٍ باللغة العربية و علومها ( النحو و الصرف و البلاغة و أدب و معانٍ و بيان ) على وجهٍ يتمكّن فيه من فهم خطاب العرب و معاني مفرداتهم و أساليبهم في التعبير و
- البيان ، وتكون معرفة ذلك إمّا بالسليقة بأن يعيش بين العرب الأقحاح فيتلقى اللغة منهم سماعاً ، أو عن طريق الدراسة والتعلّم . و إنما اشترط العلماء في المجتهد التمكن في علوم العربية لأن نصوص الشريعة من كتابٍ وسنّةٍ جاءت بلسانٍ عربيٍ مبين فلا يمكن فهمها حقَّ الفهم وتذوّق معانيها وإدراك بلاغتها وما تدل عليهِ من معانٍ وأحكام إلا بمعرفة اللغة العربية و أســـــاليبها و أســـــرارها
-
-
- البيانية والبلاغية وما تومئ إليه عباراتها وكلماتها ، لذلك كان العلماء قديماً يسمون اللغة العربية بـ ( علمِ الآلة ) لأنها الآلة والأداة التي يفسّر بها القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة .
- - وبقدر ما يتضلع الفقيه في اللغة ويتعمق في علومها بقدر ما تتكون لديه القدرة على فهم النصوص الشرعية وإدراك معانيها القريبة والبعيدة .
- و لا يشترط في الفقيه حتى يصبح مجتهداً أن يصل في معرفتهِ للغة العربية إلى رتبة أئمة اللغة المشــــــــــهورين كالخليل بن أحمد
- الفراهيدي و سيبويه وغيرهما ، وإنما يكفيه القدر اللازم لفهم النصوص الشرعية فهماً سليماً يمكّنه من فهمها ومعرفة المراد منها .
- لذلك نجد أن كثيراً من الفقهاء المجتهدين كانوا من أئمة اللغة الذين يعتد بأقوالهم كالإمام محمد بن الحسن الشيباني و الإمام الشافعي والإمام الزمخشري و غيرهم كثير .
- الشرط الثاني : معرفة الكتاب ( القرآن الكريم ) :
- من شروط المجتهد معرفة الكتاب العزيز فهو أصل الأصول التشــريعية
-
- و مرجع كلِّ دليل
- و المقصود بالمعرفة :
- 1 – معرفة كل آيات القرآن معرفة إجمالية .
- – معرفة آيات الأحكام معرفة تفصيلية ( معرفة معاني المفردات و معاني التراكيب و الجُمل و ما يستنبط منها من أحكام ) و قد قدر بعض العلماء آيات الأحكام بخمس مئة آية ، لكن اعترض بعض العلماء على ذلك بعدم صحة حصر آيات الأحكام بهذا العدد فقد تستنبط
-
- بعض الأحكام الفقهية من بعض آيات القصص وأجيب بأن الآيات التي سيقت بظاهرها لبيان الأحكام الفقهية خمس مئة آية ولا يلزم من ذلك عدم استنباط الأحكام الفقهية من غيرها .
- و لا يلزم من معرفة آيات الأحكام أن يكون حافظاً لها لكن يكفي أن يعرف مواضعها في كتب تفســـــــــير آيات الأحكام ككتاب أحكام القرآن للإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي ، و كتاب أحكام القرآن ، للقاضي أبي بكر بن العربي
- المالكي ، وكتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي وغيرها ، فالمطلوب من المجتهد أن يعرف مواضع هذه الآيات وتفسيرها ، وقد اعتنى علماء التفسير بتفسير هذه الآيات وبيان أقوال العلماء فيها ، وما يستنبط منها من أحكام .
- و من الأمور التابعة لهذا الشرط أن يعرف بعض العلوم المتعلقة بالقرآن ومنها :
- أ – معرفة الناسخ والمنسوخ من
- القرآن ويمكن أن يستفيد من بعض الكتب المؤلفة في هذا الباب ، ككتاب : الناسخ والمنسوخ للإمام أبي جعفر محمد بن أحمد المشهور بالنحاس .
- ب – معرفة أسباب نزول الآيات لأنها تعين على تفسير الآيات .
- الشرط الثالث : معرفة السنّة النبوية المطهّرة :
- - أي أن يعرف معنى أحاديث الأحكام لغةً و شرعاً و ما يستنبط منها من أحكام و أن يعرف صحيح السنة من ضعيفها و ما يتعلق بذلك من علوم السند و علم الجرح و
- التعديل ، كمعرفة حال الرواة ، و مدى عدالتهم ، و ضبطهم و ورعهم و فقههم ، و أن يعرف المتواتر من الأحاديث و المشهور و أحاديث الآحاد .
- - كما يشترط أن يعرف قواعد الترجيح بين الأحاديث عند تعارضها و أن يعرف الناسخ و المنسوخ منها .
- - و لا يشترط أن يكون حافظاً لهذه الأحاديث بل يكفي أن يعرف مواضعها من كتب الســـــــنة و أن
- يعرف معانيها من كتب شروح الأحاديث وما يستنبط منها .
- - ويستفيد المجتهد في معرفة معاني الأحاديث من كتب شروح الحديث عامة و من الكتب التي اعتنت بأحاديث الأحكام خاصّة .
- - ومن كتب الشروح العامة :
- أ – شرح الإمام النووي على صحيح مسلم .
- ب فتح الباري شرح صحيح البخاري ، للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني
- - و من الشروح التي اعتنت بأحاديث الأحكام :
- أ – طرح التثريب ، للحافظ الزين العراقي
- ب – نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، للعلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني
- ج – سبل السلام ، للعلامة الصنعاني .
- الشرط الرابع : المعرفة بأصول الفقه :
- يشترط في المجتهد معرفة علم أصول الفقه و هذا يشمل :
- 1 – العلم بأدلة التشريع و ترتيبها
- : كالإجماع و القياس و المصالح المرسلة و أعراف الناس و غيرها .
- 2 – العلم بدلالات الألفاظ و قواعد تفسير النصوص كالعلم بالعام و الخاص ، و المطلق و المقيد ، و المشترك ، و الحقيقة و المجاز ، و واضح الدلالة و خفي الدلالة و غيرها .
- 3 – العلم بقواعد التعارض و الترجيح بين الأدلة . و غير ذلك من مباحث علم أصول الفقه كمباحث الحكم الشرعي و غيره .
- الشرط السادس : معرفة مقاصد الشريعة الإسلامية :
- يشترط في المجتهد أن يكون ملماً بمقاصد التشريع الإسلامي ، والمقصود بها : ( المعاني والأهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامهِ أو معظمها ، أو هي : الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكمٍ من أحكامها ) . فمعرفة هذه الأسرار أمر مهم للمجتهد عند استنباط الأحكام الشــــــــرعية التي لم تنص
- عليها الشريعة عن طريق القياس بعد فهم مقاصدها ومعرفة علل الأحكام و المصالح الشرعية المعتبرة ، وكذلك هو أمر ضروري لفهم نصوص الشريعة فهماً صحيحاً .
- الشرط السابع : الاستعداد الفطري للاجتهاد :
- هذا شرط ذكره المؤلف ولم يذكره الأصوليون وفسره بقولهِ : ( أن تكون له عقلية فقهية مع لطافةِ إدراكٍ ، وصفاءِ ذهنٍ ، ونفاذِ بصيرةٍ و حسنِ فهمٍ، و حدّةِ ذكاءٍ )
- فبدون هذا الاستعداد الفطري لا يستطيع الشخص أن يكون مجتهداً ولو تعلّمَ آلة الاجتهاد ، أي العلوم التي ذكرناها سابقاً في شروط المجتهد ، وليس هذا أمراً غريباً فإن تعلم الإنسان علوم اللغة العربية وأوزان الشعر لا تجعله شاعراً إذا لم يكن عنده استعداد فطري للشعر ، ونوابغ المجتهدين لم يكونوا أكثر من غيرهم في معرفة علوم الاجتهاد ووسائلهِ وآلاتهِ، وإنما كانوا أكثر من غيرهم
- في القابلية على الاجتهاد والاستعداد الفطري له .
- طبقات المجتهدين و مراتبهم :
- الفقهاء المجتهدون ليسوا كلّهم في طبقةٍ أو مرتبةٍ واحدة بل هم طبقات ومراتب هي :
- 1 – طبقة المجتهد المطلق المستقل :
- وهم الذين توفرت فيهم شروط المجتهد السالفة الذكر ، ومنهم الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ) وغيرهم كالليث بن
- سعد و الأوزاعي .
- و هؤلاء وضعوا أصولاً اجتهادية لمذاهبهم وقعّدوا لها قواعد ساروا عليها في اجتهاداتهم حتى صار العلماء والناس بعدهم لهم تبعاً فدونوا مذاهبهم وخرّجوا عليها وقاسوا واعتنوا بها وتناقلوها جيلاً بعد جيل حتى صارت عمدة للناس في الفتوى في كل عصرٍ وزمان .
- 2 – طبقة المجتهد المطلق غير المستقل :
-
- و هو المجتهد الذي توفت فيه شروط الاجتهاد ، لكنه لم يبتكر لنفسهِ أصولاً وقواعد كما فعل أئمة المذاهب بل سلك طريق إمامٍ من الأئمة المجتهدين ( أصحاب المذاهب ) فاجتهد في مذهبه على طريقته وشاركه في الاجتهاد وساهم في بناء المذهب ، مثل أبي يوسف ومحمد بن الحسن وزفر بن الهذيل من أصحاب الإمام أبي حنيفة ، وابن القاسم وأشهب من أصحاب الإمام مالك ، والبويطي و المزني و الزعفراني من
- أصحاب الإمام الشافعي ، وأبو بكر الخلال والمرّوزي من أصحاب الإمام أحمد .
- 3 – مجتهد التخريج أو المجتهد في المسائل ( أصحاب الوجوه ) :
- وهو من يكون مقيداً بأصول إمامهِ ( إمام المذهب ) عنده قدرة على الاستقلال بتقرير أصوله إمامه بالدليل ، كما أنه يستطيع تخريج المسائل الجديدة التي لم تكن في عصر إمامهِ وقياسها على أصول المذهب و إعطاءها حكماً شــــرعياً
- بناءً على أصول المذهب بحيث تصبح من الوجوه الفقهية أو المسائل الفقهية المنتمية لمذهب إمام المذهب
- و من أمثلة هؤلاء : الحسن بن زياد والكرخي و الطحاوي من الحنفية ، والأبهري و ابن أبي زيد من المالكية وأبي اسحق الشيرازي والمروزي من الشافعية وكالقاضي أبي يعلى من الحنابلة .
- 4 – طبقة مجتهد الترجيح :
- و هو ممن لم يبلغ رتبة مجتهدي الوجوه و المسائل ، لكنه يملك من
- الملكة الفقهية ما يمكنه من الترجيح بين الأدلة الشرعية وكذلك الترجيح بين المذاهب والترجيح داخل المذهب بين الأقوال والروايات و الوجوه .
- و من أمثلة هؤلاء : الإمام القدوري و شيخ الإسلام المرغيناني من الحنفية ، والإمام النووي من الشافعية ، والعلامة خليل المصري وابن عبد البَرّ النمري من المالكية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي المرداوي من الحنابلة .
-
- 5 – مجتهد الفتيا :
- و هو من يقوم بحفظ المذهب ونقلهِ وفهمهِ في الأمور الواضحة والأمور المشكلة ، لكنه غير قادر على تقرير أصول المذهب أو الاجتهاد في المسائل المعاصرة وتخريجها على أصول الإمام ، وهؤلاء تعتمد فتاويهم التي ينقلونها عن إمام المذهب أو أحد أصحابهِ من أصحاب الوجوه مجتهدي المسائل . و هؤلاء هم أصحاب المتون المؤلفة في المذاهب التي يعتمدها الناس في الفتوى على
- مذهب إمامٍ من الأئمة ، ومن أمثلة هؤلاء النسفي من الحنفية ، والدسوقي والحطاب من المالكية ، والرملي وابن حجر الهيتمي و الخطيب الشربيني من الشافعية ، والبهوتي من الحنابلة
- و في تسمية هؤلاء بالمجتهدين نظر ، لكن درج كثير من العلماء المتأخرين على إطلاق صفة الاجتهاد على أصحاب هذه الطبقة .
- ثم تأتي بعد طبقات المجتهدين طبقة المقلدين للمذاهب من طلاب العلم
- الذين قد يحسنون قراءة ودراسة مذاهب المجتهدين ومعرفة الكتب المعتبرة في الفتوى من غيرها من المحققين من العلماء المتأخرين كابن عابدين من الحنفية ومحمد عُلّيش من المالكية .
- ثم يأتي بعد هؤلاء طبقة المقلدين الذين لا يعرفون شيء ولا يفرقون – كما قال ابن عابدين – بين الغث والثمين . و هذا حال عوام المسلمين الذين يستفتون العلماء والمشايخ في كل عصر يأخذون بفتاويهم و يعملون بها
- 14 14 14 14 14 14 المحاضره 14 14 14 1414 14
- ما يجوز الاجتهاد فيه و ما لا يجوز :
- ما يجوز الاجتهاد ( أي المجتَهَدُ فيه ) هو كل حكمٍ شرعيٍ ليس فيه دليل قطعي ، فالأحكام القطعية التي لا تحتمل إلا معنى واحد ليست محلاً صالحاً للاجتهاد في فهمها ، لأن معناها ظاهرٌ واضح كوجوب الصلاة ووجوب الصيام ، وتحريم الزنا ، ونحو ذلك فهذه لا تحتاج إلى اجتهاد ونظرٍ في فهمها فيستوى في فهمها العالم و الجاهل
- ، ولا يُعذرُ أحدٌ بالجهل بها .
- إذن فالأحكام التي يجوز الاجتهاد فيها هي الأحكام الظنية ( أي التي لم ترد فيها أدلة قطعية ) وهذه نوعان :
- 1 – أحكام ظنية الثبوت كأحاديث الآحاد ، والقياس ، فهذه يجري الاجتهاد في ثبوتها أو عدم ثبوتها وقوتها ، فمثلاً في خبر الآحاد يجري القياس يجري الاجتهاد في دراسة سند الحديث وقوته والوثوق برواتهِ والركون إليهم وبناءً عليه يصنف الحديث مع الأحاديث المقبولة
- عند الفقهاء كالحديث الصحيح والحسن ، أو الأحاديث غير المقبولة كالضعيف والموضوع.
- 2 – أحكام ظنية الدلالة أو المعنى : وهي الأدلة التي تحتمل أن تفسّر بأكثر من معنى ، كلفظ القرء في قوله تعالى : ( والمطلّقات يتربص بأنفسهنَّ ثلاثةَ قروء ) فالقرء لفظٌ مشتركٌ في اللغة العربية يعني الحيض ، أو الطهر .
- و الاجتهاد في هذا النوع ينصب على التعرف على قوة دلالة اللفظ على
- المعنى وترجيح دلالة على أخرى ، والفقهاء يختلفون في هذه الأمور مع اتفاقهم الموازين والقواعد الضابطة لدلالات الألفاظ وترجيح بعضها على بعض ، بل إنهم قد يختلفون في بعض هذه الموازين : كدلالة العام على أفرادهِ هل هي قطعية أو ظنية ، وموجب الأمر ، ومقتضى النهي ، والمطلق وعلاقته بالمقيّد .
- 3 – ويجري الاجتهاد في المسائل التي لم يرد فيها نص من الشارع
- ( وهي المسائل المسكوت عنها ) فيضطر المجتهد إلى اللجوء إلى مصادر التشريع الاجتهادية لمعرفة حكمها كالقياس والاستحسان والمصالح والعرف ..... إلخ .
- الاجتهاد لا يتقيّد بالزمان والمكان :
- الاجتهاد لا يتقيد بزمان بمعنى أنه ليس مخصوصاً بوقتٍ دون وقت أو بمكانٍ دون مكان ، الفقيه لأنه مرتبط بتوفر شروط الاجتهاد حتى
- يؤذن له شرعاً في الاجتهاد ، وهذا أمرٌ ممكنٌ في كلّ عصرٍ وزمان ، فإنَّ فضل الله واسعٌ غير محصورٍ في المتقدمين دون المتأخرين .
- و قد ذكر أهل العلم بأنه لا يجوز أن يخلو زمان من مجتهدٍ قائم يبيّن للناس أحكام الشرع و لبيان ذلك ألف الإمام جلال الدين السيوطي كتابه ( الرَّدُ على من أخلدَ إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كلِّ عصرٍ فرض ) و ما ذكره بعض المتأخرين من العلماء من ســــــــــــــــــدّ باب الاجتهاد كان
-
- مبعثه الحرص الشريعة من عبث العابثين الجهّال أدعياء الاجتهاد وينصر قولهم إلى سد باب الاجتهاد في وجه أولئك الجهّال لأنهم ليسوا أهلاً له ولا ينصرف لأهل العلم لأن المجتهدين منهم ما زالوا باقين قائمين بالحجة إلى يوم الدين .
- لكن لابد من التنبيه هنا إلى ما ذكره بعض العلماء كابن الصلاح والنووي وابن مفلح وغيرهم من أنه لم يظهر بعد القرن الرابع مجتهد مطلق مستقل ، أي إمام
- مذهب . و عليه ينصرف الكلام السابق على وجود العلماء المجتهدين في المذاهب كمجتهدي المسائل والتخريج و مجتهدي الترجيح ونحوهم ، وهذا لا يعني إغلاق باب الاجتهاد ، وإنما هو إخبارٌ عن الواقع وإشارة إلى تراجع المستوى العلمي للعلماء كلما تأخر الزمان . و قد ورد في الحديث الشريف : ( لا يأتي عليكم زمانٌ إلاَّ والذي بعده شرٌّ منه حتى حتى تلقوا ربكم ) أخرجه البخاري ومالك وأحمد وابن حبان من حديث أنس بن مالك
-
- فباب الاجتهاد مفتوح وباب التدبر في الأدلة الشرعية مفتوح ومتاح لكل من توفرت فيه أهلية الاجتهاد في كلِّ عصرٍ وزمان ، قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ) النساء 82
- كما أن الله تعالى حث الناس على طلب العلم والاستزادة منه لبلوغ المراتب العليا فيه فقال تعالى معلماً الناس هذا الدعاء : ( و قل ربِّ زدني علماً ) طه 114
- و معلوم أن الاجتهاد فرض كفاية
-
- و فيه أجر كما سيأتي .
- حكم الاجتهاد :
- الاجتهاد فرض كفاية على علماء الأمة وهو واجب أو فرض عين على من توفرت فيه أهلية الاجتهاد ولم يوجد غيره من المجتهدين .
- و ما يتوصل إليه المجتهد بعد النظر والاجتهاد يعد حكماً شرعياً في حقه وحق المقلدين والمتبعين له في مذهبهِ يجب إتباعه و الأخذ به .
- و المجتهد يقوم باجتهاده بواجبٍ شرعي ، وهو عبادة يؤجر عليها بدليل قول النبي – صلى الله عليه وسلّم - : ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد ) . أي إن أصب فله أجران أجرٌ على الاجتهاد وأجرٌ على إصابة الحق ، وإن أخطأ فله أجرٌ على الاجتهاد .
- تغيّر الاجتهاد ونقضه :
- مبنى الاجتهاد النظر واستفراغ الوِسع والطاقة للوصول إلى الحكم الشرعي ، فإذا تغير اجتهاد المجتهد في مسألةٍ ما فيجب عليه ترك الإفتاء بقولهِ الأول وأن يفتي بقولهِ الثاني وفق اجتهادهِ الجديد .
- و كان المجتهد حاكماً أو قاضياً فحكم في مسألةٍ بحكمٍ ، ثم تغير اجتهاده في مسألةٍ مشابهةٍ عُرضت عليهِ بعد فترةٍ من الزمن فإنه لا يجوز له نقض اجتهاده أو قضائهِ السابق لأن
- ذلك يؤدي إلى اضطراب القضاء و عدم استقرارهِ ، ويحكم في المسالة الثانية باجتهادهِ الجديد ، والقاعدة في ذلك : ( الاجتهاد لا يُنقضُ بمثلهِ ) . و مثال ذلك أن عمر – رضي الله عنه – قضى في المسألة الحجرية في الميراث بعدم توريث الإخوة الأشقاء ، ثم عرضت عليهِ قضية مشابهة فأراد أن يقضي فيها بقضائهِ السابق فاعترض أحد الإخوة الأشقاء أنه أراد توريث الإخوة لأم دون الإخوة الأشقاء ،
- فقال له ( هب أن أبانا حجراً في اليم ، أليست أمنا واحدة ) فحكم بتوريث الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم ، فلمّا أعترض عليهِ الأولون ، قال : ( تلك على ما قضينا ، وهذه على ما نقضي ) .
- تجزّؤ الاجتهاد :
- معناه أن يكون المجتهد ينتمي لطبقة مجتهدي المساءل أو الترجيح و نحوها ، لكنه يقوم بدراسة مسألةٍ و يقلي الوجوه فيها و يدرس أدلتها حتى يصل إلى درجة الاجتهاد
- المطلق فيها . و مثال ذلك من أحاط بجميع أدلةِ الميراث ونصوصهِ وما ورد فيه من السنّة ومن أقوال الفقهاء ، فتصبح عنده أهلية الاجتهاد في مسائل المواريث وإن كان غير قادرٍ على الاجتهاد في غيرها من المسائل لعدم توفر أهليه الاجتهاد عنده في غيرها من المسائل .
- و تجزؤ الاجتهاد أمرٌ جائزٌ عند كثيرٍ من علماء الأصول و هو القول الراجح
-
- و ذهب بعض العلماء إلى منع تجزؤ الاجتهاد
- و يدل على رجحان القول الأول أنه ما كانت عليه سير العلماء المجتهدين القدامى ، فقد كان أحدهم يُسألُ عن مسائل كثيرة فيجيب في بعضها ويقول في الباقي لا أدري ، كما حصل في قصةٍ مشهورة مع الإمام مالك ، حيث أتاه رجل من أهل مصر بأربعين مسألة و طلب منه الإفتاء فيها ، فأجاب الإمام مالك عن أربعِ مسائل و قال في ستٍ و ثلاثين
- : لا أدري .
- و هنا يرد احتمالان :
- الأول أنه قال ذلك احتياطاً و ورعاً ، حتى يعلم من يأتي بعده كراهية التوسع و التسرّع في الفتوى .
- الثاني أنه اجتهد في بعضها فأفتى بها و لم يؤدهِ اجتهاده في بعضها الآخر إلى شيء فلم يفتِ فيها و هذا يدل على تجزؤ الاجتهاد .
- التقليد :
- تعريف التقليد :
- التقليد لغةً : مأخوذٌ من القلادة التي يُقلّد الإنسان بها غيره .
- التقليد اصطلاحاً :
- عرّفه الإمام الغزالي – رحمه الله – بأنّه : ( قَبولُ قولِ الغيرِ بلا حجة ) .
- - وعرفه بعض الفقهاء بأنه : ( قَبول قولِ القائلِ وأنت لا تعلم من أين قاله ) ، و بهذا يظهر أن التقليد أن يأخذ المقلد برأي فقيهٍ من الفقهاء
- المجتهدين بلا معرفة دليلهِ أو قوة هذا الدليل . كمن يقلد الإمام الشافعي في أن لمس المرأة الأجنبية بدون حائل ينقض الوضوء ، أو يقلد الإمام أبا حنيفة في أن لمس المرأة الأجنبية لا ينقض الوضوء ، دون أن يعرف دليل كلِّ منهما .
- حكم التقليد :
- اختلف العلماء في جواز التقليد في الفروع الفقهية على ثلاثة أقوال :
- القول الأول : لبعض الفقهاء ، قالوا بعدم جواز التقليد ، مع وجوب الاجتهاد بأن يتعلّم المكلف الاجتهاد و وسائله و أدواته ، بحيث يحصل رتبة الاجتهاد بتحقق شروطه ( المذكورة سابقاً ) ، ثم يجتهد في فهم الأحكام الشرعية . ( و هذا قول الظاهرية و معتزلة بغداد ) .
- القول الثاني : يجوز الاجتهاد مطلقاً للقادر على الاجتهاد وللعاجز عنه ، بل اشتط بعضهم حتى قال بعدم جواز الاجتهاد في عصر الأئمة . و لا يخفى فساد هذا الرأي .
- القول الثالث : يجب التقليد على المقلد الذي لم تتوفر فيه أهلية الاجتهاد ولو كان عالماً ، ويحرم التقليد على المجتهد الذي توفرت فيه أهلية الاجتهاد . و هذا قول جماهير الفقهاء من المذاهب الفقهية من أتباع المذاهب الأربعة ( الحنفي ، و المالكي ، و الشافعي ، و الحنبلي ) .
- و لكل مذهب أدلة مبسوطة في كتب الأصول لا يتسع المقام هنا لعرضها ، لكننا نقول إن القول الثالث و هو
- قول جماهير الفقهاء هو الراجح لأنه من الناحية العملية لا يمكن أن يصبح كل الناس علماء في أحكام الشريعة الإسلامية فلابد أن يكون فيهم الطبيب و المهندس و المعلم .... و لو فرضنا عملياً أن الناس صاروا كلهم علماء و مشايخ فلا يمكن أن يحصل الجميع رتبة الاجتهاد لأنها تحصيل هذه الرتبة يحتاج لجهدٍ عظيم و وقتٍ طويل مع توفر الملكة النفسية و الموهبة لتحصيلها و هذا عملياً غير واقع ، إذ عدد المجتهدين
- من الفقهاء عدد قليل جداً في كل عصر وزمان فإذا تقرر ذلك فإننا نقول :
- - المطلوب من كل مسلم مكلف ( بالغ عاقل ) أن يطيع الله ورسوله ، ويتبع أحكام شرع الله بالرجوع مباشرةً إلى نصوص كتاب الله وسنة رسوله امتثالاً لقول الله تعالى : ( أطيعوا الله والرسول لعلكم تُرحمون ) أل عمران 132 ، ولقوله تعالى : ( وما آتاكم الرَّسولُ فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا )
- الحشر 7 ، ولقولهِ : ( اتبعوا ما أُنزلَ إليكم من ربكم ) الأعراف 3 . و غير ذلك من النصوص الآمرة بإتباع الوحي ( الكتاب والسنة ) ، كما يجب على المكلف أن يتعرف على أحكام الشريعة في الأمور المسكوت عنها أو غير المنصوص عليها بإعمال مصادر التشريع الاجتهادية التي شرعها الله تعالى للفقهاء من أجل الكشف عن حكمه في الأشياء التي لم يرد فيها نصٌّ شرعي كالرجوع للإجماع أو القياس أو الاستحسان
- أو المصــــــــــــــــــالح أو العرف أو الاستصحاب أو سد الذرائع وغيرها من المصادر الاجتهادية التبعية ( التابعة للكتاب والسنة ) .
- فإن توفرت في المكلف أهلية الاجتهاد بحيث توفرت فيه الشروط الشرعية التي ذكرتها في المحاضرة السابقة عندما تحدثت عن شروط المجتهد وجب عليه الاجتهاد للتعرف على أحكام شرع الله وإتباعها على علمٍ وبصيرة ، وإن لم تتوفر فيه أهلية الاجتهاد
- المطلق ، بل توفرت فيه بعض شروط الاجتهاد ، فإنه يجب عليه أن يجتهد في المسائل التي يقدر على الاجتهاد فيها بحسب الطبقة التي ينتمي إليها بحسب ما بيّنتُ سابقاً عند الكلام عن طبقات المجتهدين وبحسب ما ذكرت في مسألة تجزّؤ الاجتهاد .
- - فإن لم تتوفر في المكلف أهلية الاجتهاد المطلق أو المقيّد فإنَّ الواجب علية هو تقليد أحد الفقهاء المجتهدين وخصوصاً الأئمة الأربعة ( أبي حنيفة ومالك والشـــــــــافعي و
- أحمد ) وغيرهم الذين اتفقت الأمــة الإســــــــلامية على جواز تقليدهم وإتباع مذاهبهم ، وإنما قلنا بوجوب التقليد في حق العامي لأنه ليس له طريق لمعرفة الأحكام الشرعية إلا بإتباع مذاهب العلماء المشــــــــــهود لهم بالفقه امتثالاً لأمر الله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمــــون ) النحل 43 / الأنبياء 7 . و هذا ما جرى عليه عمل المســـــلمين من عصر الصحابة الكرام إلى عصرنا
- هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
- تقليد المذاهب الفقهية :
- المذاهب الإسلامية هي مدارس فقهية عُرفت بأسماءِ مؤسسيها ، و هم مجتهدون عِظام ، مشهودٌ لهم بالعلم والاجتهاد والصلاح و التقوى ، ومن هؤلاء الأئــمة الأربــعة ( أبو حنيفة ومالك والشـــــــــــــافعي و أحمد ) ، ومنهم أئمة اندرســـــت مذاهبهم كالأوزاعي ، والليث بن ســــــــــعد ،
- والطبري ، وسفيان الثوري ...
- و قد ذكرت فيما سبق أن العامي غير المجتهد يجب عليه أن يقلد أحد المجتهدين ، وذلك يكون بسؤال المجتهد مباشرة ، أو بأخذ أقواله من الكتب والمدونات الفقهية التي دوّنت أقواله ، و هذا يسوغ للمكلف أن يتبع أحذ المذاهب الفقهية التي دونت أقوالها في كتب خاصة قام فقهاء المذهب بتصحيحها وتنقيحها ، وبيان الأقوال المعتمدة في الفتوى فيها
- و نقلت إلينا من زمن مؤسسيها إلى عصرنا بالأسانيد المتواترة ، وهذا ما دفع بعض المحققين من متأخري علماء الأصول إلى القول بعدم جواز تقليد غير المذاهب الأربعة لأنه لم تتحقق لها ما تحقق للمذاهب لأربعة من تنقيحٍ وتصحيح ونقل بالسند المتواتر جيلاً بعد جيل عن طريق علماء المذاهب ، والصحيح أن يجوز تقليد غير الأربعة من مذاهب الأئمة المجتهدين إذا تم التأكد من صحة نسبة هذه المذاهب إليهم .
- و ينبغي عند تقليد المذاهب الإسلامية ملاحظة ما يأتي :
- 1 – إنَّ المذاهب الإسلامية هي مدارس فقهية لتفسير نصوص الشريعة و استنباط الأحكام الشرعية منها ، فهي مناهج اجتهادية هدفها الكشف عن أحكام الله تعالى ، و ليست شرعاً جديداً غير الإسلام .
- 2 – إن الشريعة الإسلامية ( وهي نصوص الكتاب والسنة وأصول التشريع ) أكبر و أوسع من أي
- مذهب ، وليس أي مذهب أكبر ولا أوسع منها .
- 3 – إن الشريعة الإسلامية حجة على كل مسلم وليس المذهب حجة على الشريعة .
- 4 – إن المسوّغ لإتباع المذاهب هو كونها مظنةً لتعريف متّبعيها بحكمِ الله المنزّل في القرآن أو الوارد في السنة وما تفرّع عنهما من أدلة ومصادر التشريع ، فإذا ظهر لمتبع مذهب من المذاهب أن أمامه أخطأ في الاجتهاد في مسألة فعليه أن يتحول في هذه
- المسألة عن مذهب إمامه وأن لا يتعصب لمذهب إمامه فيتعصب له على الرغم من ظهور خطئهِ ، ومن هنا قال العلماء التزام المذهب ليس بلازم ، فيجوز للمكلف أن يتحول عن مذهب إمامه فيقلد غيره في بعض المسائل إذا وجد ما يدعوه لذلك ، بل أجازوا له التحول عن مذهبه كلياً إلى مذهب آخر بشرط أن يقوم بدراسة المذهب الذي تحول إليه بل أجاز بعض الحنفية ( و
- هو الكمال بن الهمام وتلاميذه ) التلفيق في المسألة الواحدة ، أي تقليد أكثر من إمام في مسألة واحدة ، كأن يقلد الإمام الشافعي في الوضوء في الاكتفاء ثلاث شعرات من الرأس في الوضوء ، ويقلد أبا حنيفة ومالكاً في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة الأجنبية .
- و قد منع بعض العلماء التلفيق ، وأجازه آخرون كالإمام القرافي من المالكية : بشرطين :
- - الأول أن لا يكون فيه تتبع للرخص
- و التسهيلات .
- الثاني أن لا ينتج عن التلفيق بين قولي إمامين إلى كيفية لا يقول بصحتها كلا الإمامين كمن قلد أبا حنيفة في عدم اشتراط الولي في عقد النكاح وقلد مالكاً في عدم اشتراط الشهود عند عقد الزواج .
- 5 – ينبغي أن لا نضيق أبداً باختلاف المذاهب لأنَّ الاختلاف في الفهم والاستنباط أمر بديهي ، لأن العقول البشرية تختلف في في المدارك و الأفهام فتختلف في
- الاستنباط والفهم ، وهذا خلف ثروة فقهية هائلة تتميز في اختلاف الأقوال والمذاهب ، واختلاف مناهج الاستنباط والاستدلال ، وتوجيه الأدلة الشرعية ، وهذا يدل على سعة الفقه الإسلامي ومرونته ، كما أن اختلاف الفقهاء في الفروع ييسّر على المكلفين حيث يجد المكلف عدة خيارات يمكنه إتباع ما يناسب حاله منها دون أن يقصد تتبع الرُّخص . و هذا هو معنى الحديث الموقوف على ابن مسعود – رضي الله عنه :
- ( اختلاف أمتي رحمة ) .
- 6 – وأخيراً : علينا أن نعرف قدر أئمة المذاهب الإسلامية من مجتهدي هذه الأئمة وأن نحترمهم ونحترم مذاهبهم ،و نعلم الجهود الجبارة التي بذلوها في استنباط الأحكام الشرعية ، وندعو الله الله لهم ، ونعتقد أنهم مأجورون إذا أصابوا في اجتهاداتهم وإذا أخطأوا ونقول كما علّمنا الله تعالى : ( والذين جاؤوا من بعدهم يقــولون ربنا اغفــر لنا و
- لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم ) الحشر 10
- و هذا يقتضي منا نحن طلاب العلم أن نقتدي بأولئك الأئمة ونسير على هداهم في الاجتهاد في المسائل والمستجدات المعاصرة التي لم تكن في زمانهم تخريجاً على أصولهم الاجتهادية والله الموفق . و الحمد لله رب العالمين . و الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
- انتهى
-
رد مع اقتباس
قديم 2017- 5- 5   #2
aljamiluh
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 288094
تاريخ التسجيل: Fri Apr 2017
المشاركات: 19
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 389
مؤشر المستوى: 0
aljamiluh will become famous soon enoughaljamiluh will become famous soon enoughaljamiluh will become famous soon enoughaljamiluh will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: اداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلاميه
المستوى: المستوى السادس
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
aljamiluh غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

بالتوفيق للجميع دعواتكم
  رد مع اقتباس
قديم 2017- 5- 13   #3
ياسر العروي
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 274199
تاريخ التسجيل: Mon Nov 2016
المشاركات: 29
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 246
مؤشر المستوى: 0
ياسر العروي will become famous soon enoughياسر العروي will become famous soon enoughياسر العروي will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: طالب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى الرابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
ياسر العروي غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

جزاك الله خير
  رد مع اقتباس
قديم 2017- 5- 15   #4
سولوليسو
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 283687
تاريخ التسجيل: Wed Jan 2017
المشاركات: 14
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 454
مؤشر المستوى: 0
سولوليسو will become famous soon enoughسولوليسو will become famous soon enoughسولوليسو will become famous soon enoughسولوليسو will become famous soon enoughسولوليسو will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: طااب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلاميه
المستوى: المستوى الثامن
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
سولوليسو غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

تكفون الله يسعدكم ابغا اسئلة تخريج الأحاديث
د/عبدالله العمري
  رد مع اقتباس
قديم 2017- 7- 28   #5
الزند
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 140766
تاريخ التسجيل: Thu Apr 2013
المشاركات: 84
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 10664
مؤشر المستوى: 55
الزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enoughالزند will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: طالب جامعي
الدراسة: انتساب
التخصص: ادراسات اسلاميه
المستوى: المستوى الخامس
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
الزند غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

جزاك الله خير.

وشكرا جزيل.
  رد مع اقتباس
قديم 2017- 7- 30   #6
sma-salem
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 272275
تاريخ التسجيل: Mon Oct 2016
المشاركات: 10
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 1843
مؤشر المستوى: 0
sma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: طالب جامعي
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
sma-salem غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

الله يجزاك خير
مين الدكتور حالياً ؟؟

انا اخذته بالصيفي عسى الله يسهل
  رد مع اقتباس
قديم 2017- 7- 30   #7
sma-salem
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 272275
تاريخ التسجيل: Mon Oct 2016
المشاركات: 10
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 1843
مؤشر المستوى: 0
sma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enoughsma-salem will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: طالب جامعي
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
sma-salem غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

اصول الفقه 3
word
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx اصول الفقه 3.docx‏ (244.6 كيلوبايت, المشاهدات 234) تحميل الملفإضافة الملف لمفضلتكعرض الملف

التعديل الأخير تم بواسطة sma-salem ; 2017- 7- 30 الساعة 02:33 AM
  رد مع اقتباس
قديم 2019- 11- 7   #8
الوائلي
أكـاديـمـي نــشـط
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 204421
تاريخ التسجيل: Tue Oct 2014
المشاركات: 147
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 1570
مؤشر المستوى: 41
الوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enoughالوائلي will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلاميه
المستوى: المستوى الرابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
الوائلي غير متواجد حالياً
رد: اصول فقه 3

رفع
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[ اسئلة اختبارات ] : أبو شيماء محتاجه مساعده منك قـورجـس ♛ إدارة أعمال 7 10 2015- 12- 11 12:39 AM
[ الفيزياء ] : اللي تقفلت عليها شعبه فيه شعبه راح تفتح مرام يحي منتدى كلية العلوم بالدمام 4 2015- 1- 27 05:29 PM
[ قصة ] : "كيف يضل قومٌ فيهم مثل الحسن البصري" شوق@ ملتقى الفنون الأدبية 14 2014- 9- 29 02:07 AM
[ كويز ] : || مكتبة الكويزات لمواد المستوى الثامن || tµ£!p إدارة أعمال 8 7 2014- 2- 3 11:05 AM
[ كويز ] : مكتبة كويزات المستوى السابع ادارة أعمال l a v e n d e r إدارة أعمال 7 6 2014- 1- 31 12:56 AM


All times are GMT +3. الوقت الآن حسب توقيت السعودية: 11:04 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جامعة الملك الفيصل,جامعة الدمام
المواضيع والمشاركات في الملتقى تمثل اصحابها.
يوجد في الملتقى تطوير وبرمجيات خاصة حقوقها خاصة بالملتقى
ملتزمون بحذف اي مادة فيها انتهاك للحقوق الفكرية بشرط مراسلتنا من مالك المادة او وكيل عنه