" الحديث الرابع "
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: ((إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ))، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
س: على ماذا دل الحديث ؟
الرأي الأول : َالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ مِن الْعُلَمَاءِ .
الرأي الثاني : وَذَهَبَ الْهَادِي وَجَمَاعَةٌ إلَى جَوَازِهَا .
إستدلال أصحاب الرأي الثاني : مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ" الآيَةَ.
3- قَالُوا: وَنَسْخُ الْوُجُوبِ لا يُنَافِي بَقَاءَ الْجَوَازِ. قُلْنَا: نَعَمْ، لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ نَافٍ لِجَوَازِهَا
--
س: لماذا نُسخت هذهِ الآيه ؟
وُجُوبُهَا قَدْ عُلِمَ نَسْخُهُ مِنْ آيَةِ الْمَوَارِيثِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ .
--
س: على ماذا دل قَوْلُهُ : "إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ" ؟
وَقَوْلُهُ: "إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ" دَلَّ عَلَى :
1- أَنَّهَا تَصِحُّ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ.
2- وَأَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ ذَهَبَتْ إلَى أَنَّهُ لا أَثَرَ لإِجَازَتِهِمْ ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُمْ ؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَى عَن الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ قَيَّدَهَا بِقَوْلِه ِ:"إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ" .
3- أَطْلَقَ لَمَّا مَنَعَ مِن الْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَيْسَ لَنَا تَقْيِيدُ مَا أَطْلَقَهُ، وَمَنْ قَيَّدَ هُنَالِكَ قَالَ: إنَّهُ يُؤْخَذُ الْقَيْدُ مِن التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: ((إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ...)) إلَخْ
--
س: على ماذا دل قوله :" إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ .. " ؟
دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِن الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوا سَقَطَ حَقُّهُمْ، وَلا يَخْلُو عَنْ قُوَّةٍ.
--
س: ما حكمـ إذَا أَقَرَّ المتوفي قبل الوفاة شيء من ماله ؟
1- أَجَازَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مُطْلَقاً .
2- وَقَالَ أَحْمَد ُ: لا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقاً، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لا يُؤْمَنُ بَعْدَ الْمَنْعِ مِن الْوَصِيَّةِ لِوَارِثِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا إقْرَاراً.
وَاحْتَجَّ الأَوَّلُ بِمَا يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ، فَقَالَ: إنَّ التُّهْمَةَ فِي حَقِّ الْمُحْتَضَرِ بَعِيدَةٌ، وَبِأَنَّهُ وَقَعَ الاتِّفَاقُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِوَارِثٍ صَحَّ إقْرَارُهُ مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الإِقْرَارَ بِالْمَالِِ.
قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى دَلِيلاً .
3- وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مَا إذَا أَقَرَّ لِبِنْتِهِ وَمَعَهَا مَنْ يُشَارِكُهَا مِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ؛ كَابْنِ الْعَمِّ، قَالَ: لأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّهُ يَزِيدُ لابْنَتِهِ، وَيُنْقِصُ ابْنَ الْعَمِّ. وَكَذا اسْتَثْنَى مَا إذَا أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ الْمَعْرُوفِ بِمَحَبَّتِهِ لَهَا وَمَيْلِهِ إلَيْهَا، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَبَاعُدٌ، لا سِيَّمَا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
4- أَنَّ مَدَارَ الأَمْرِ عَلَى التُّهْمَةِ وَعَدَمِهَا، فَإِنْ فُقِدَتْ جَازَ، وَإِلاَّ فَلا تُعْرَفُ بِقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا.
5- وَعَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلاَّ لِلزَّوْجَةِ بِمَهْرِهَا.
--
س: إستثنى مالك حالتين ما هما ؟
1- مَا إذَا أَقَرَّ لِبِنْتِهِ وَمَعَهَا مَنْ يُشَارِكُهَا مِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ؛ كَابْنِ الْعَمِّ، قَالَ: لأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّهُ يَزِيدُ لابْنَتِهِ، وَيُنْقِصُ ابْنَ الْعَمِّ .
2- وَكَذا اسْتَثْنَى مَا إذَا أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ الْمَعْرُوفِ بِمَحَبَّتِهِ لَهَا وَمَيْلِهِ إلَيْهَا، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَبَاعُدٌ، لا سِيَّمَا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
--
س: كيف تعرف أن هناك تهمة أمـ لا ؟
َ تُعْرَفُ بِقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا .
--
يتبع بإذن الله تعالى
:)