عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2011- 9- 18
الصورة الرمزية Mo0oly.B
Mo0oly.B
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
بيانات الطالب:
الكلية: ~~كُلِيــة ـإلعِــلُــوــمْ ـالإِدَآآرِيـَـهــ وَ تـَخْــطِــيــطْ ~~
الدراسة: انتساب
التخصص: ~~ ـإِدَآآرَةْ ـأَعْــمَــآآآلْ ~~
المستوى: خريج جامعي
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 24174
المشاركـات: 11
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 73539
تاريخ التسجيل: Thu Mar 2011
المشاركات: 8,023
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 9263
مؤشر المستوى: 143
Mo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond repute
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
Mo0oly.B غير متواجد حالياً
Icon21 فضاء الجسد "الجنس الثالث"

الســــــــــــــلآم عليكم


هذهـ الروايهـ من اروع الروايات التي قرئتها في حياتــي,,,


تأتي الى هذه الدنيا لا تملك الخيار في ان تكون ما تتمنى ان تكون

ومع هذا يسمح الآخرون لأنفسهم ان يحاسبوك

نداء خطأ من اخطاء الطبيعة,عانت او عانى دون ان يكون له ذنب

فبين حنان الأم وقسوة الأب والتسلط الذكوري الشرقي وعدم تقبلنا

لما لا نفهم,ونبذنا لكل مختلف,وبين حق الآخر في تقرير مصائرنا

وما يجب ان نكون,تبدأ المعاناة ويبدأ الألم النفسي.

(هل تعتقد بأن الجنس الثالث هم شواذ جنسيا (مثليين) ؟,اذا عليك

ان تقرأ هذه الرواية)..الرواية للكاتبة ثريا نافع..

.............................................


سألت أختي سحر التي تكبرني بخمس عشرة سنة: أتظنين بأن والدي فرح بالفعل عندما أتيت إلى الحياة؟
نظرت إلى بتعجب وتأفف وقالت: كم من مرة سألت هذا السؤال؟
- وما مشكلتك الدائمة في الرد علي؟!
ردت بملل ونظرات الشفقة تطل من عينيها: لأنك حبيبي، وكل مرة توصلني معك إلى النتيجة ذاتها: كراهية الوالد لكِ؛ لأنه فشل في لمس الخلطة السرية الدفينة فيك، والتي لم يتعرف عليها أبداً..
وعلى كلٍ - وأقولها للمرة الألف - فقد صادف يوم ميلادك ثاني يوم من مذابح صبرا وشاتيلا.. بدايتك المبشرة واضحة طبعاً! كنا وقتها في بيت لحم؛ مدينتنا القديمة التي شهدت سنواتك الأولي. وما أزال أتذكر ذلك اليوم جيداً: صديقات أمي وزميلاتها في المدرسة: راشيل وعبلة وجمانة، الداية أم أحمد، صراخ أمي.. هلعي وأنا أستمع لصرخاتها بين الحين والآخر كلما اشتدت عليها انقباضات قرب الولادة، الحركة المتعجلة ما بين المطبخ وغرفة نوم أمي وأبي، الأواني الكبيرة والبخار يتصاعد منها، الوجوه القلقة التي انتظرت هذا اليوم الذي مر عليه أكثر من خمس عشرة سنة.. سنوات من الرجاء المتواصل في طفل آخر للجميلة الفنانة ساشا، الشركسية الوقورة، صاحبة وحبيبة كل نساء الحي.
تنساب دموعي الصامتة كلما سمعت صرخات أمي والمصحف الكريم بين يدي مفتوح على سورة مريم التي كم أحببتها، تتراقص أمامي الحروف "وبرّاً بوالديه، ولم يكن جباراً عصياً" أبي يهديني حضنه الدافئ وهو يهمس لي:
ستكون أمك بخير يا سحر، وستمنحك أخاً أو أختاً لتسعدي..
أذكره وهو يقرأ بنهم عناوين جريدة القدس العربي، ولست أدري من أين حصل عليها، لا أزال أحفظ - عن ظهر قلب - العنوان الذي كتب يومها على الصفحة الأولي في عددها الصادر في نفس اليوم لإطلالتك البهية على عالمنا التعيس: "رحيل رجال المقاومة الفلسطينية عن لبنان.. مصيبة كبرى على المدنيين العزل الذين لم ينجوا من بطش الصهاينة وأذنابهم".
يثقلني انتظاري الذي طال لأخ أو أخت يشاركني أفراحي وأتراحي الصغيرة، وكلمات أبي والحزن يكبله على ما كان يحدث في صبرا وشاتيلا.. كلماته الحزينة التي لا تزال ترن في أذني رغم مرور السنوات: أيأتي هذا الطفل يا ربي في تلك الأيام السود!؟
أنسحب من الصالة وأقترب من غرفة نومه لأتابع الموقف عن قرب: أم أيمن عبلة تنهرني بصوت جاف: عيب على البنات أن يتلصصن.. اذهبي وانتظري مع والدك..
وأزاحتني من طريقها وهي تحمل فوطاً كثيرة، ولفة قطن عظيمة جعلتني أتساءل: ماذا يفعلون في الداخل؟
سحبت نفسي بعيداً، وعدت إلى والدي الذي كان يقرأ، ونظرت إلى الصحف العربية متناثرة بجانبه فوق الأرض بعد أن التهم صفحاتها كلمة كلمة. أمسكت إحداها وتصفحت صفحاتها التي تصدرتها عناوين نارية، تنعت العرب بالقصور والخيبة والضعف في تلك الأيام.. ولست أدري لم التصقت عناوينها في ذاكرتي ووجداني حتى الآن:
- قبل أن يجف مداد التعهد الأمريكي لحماية أرواح الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة كانت خطة الانقضاض قد رسمت على العزّل من المدنيين.. سكان المعسكر من قبل شارون - وبالتعاون مع حزب الكتائب - فانقضوا بلا وازع على المخيم، ونفذوا إبادة جماعية لمدنيين عزل كان سوء حظهم أن جعلهم من ساكنيه! - اقتحام الدبابات الإسرائيلية المخيم بمساعدة الكتائبيين - وفي غياب تام للشرعية العربية - وصمت مهين كالعادة.. أعملوا في ساكنيه من النساء والأطفال والشيوخ قتلاً وحرقاً وذبحاً وتقطيعاً!
لم أستوعب ما يحدث ولمصلحة من تلك الدماء؟ ما تزال الذكري البغيضة تلازمني كالهواء والماء.. وحتى بعد مرور خمسة وعشرين عاماً ما أزال أحيا هذا الكابوس الذي وقع يوم ميلادك؛ خاصة بعد أن استوعبت ما حدث.
هذا ما تذكره لي أختي سحر كلما سألتها عن سيناريو يوم ميلادي، آملاً أن تغير فيه أو تحيد عن كلمة أو اثنتين.. ولكن بدون فائدة.
بالطبع كان لا بد لي من التنويه، حتى نتعلم بأن البدايات دائماً ما يكون لها تأثير على النهايات.. أكملت سحر:
- مع ارتفاع صراخ أمي ترك والدي الجريدة جانباً، واتجه إلى غرفة نومه وأنا في ذيله. قبل بلوغنا باب الغرفة سمعنا صوت الداية أم أحمد وهي تزغرد قائلة: ألف مبروك.. ولد يا ست ساشا.
لم يطق والدي صبراً، واندفع ففتح باب الغرفة ليجد عشرة أزواج من العيون المنهكة تحدق فيه مندهشة..
قالت الداية أم أحمد بصوت عال: - انتظر في الخارج قليلاً حتى أستدعيك يا سيد أحمد.. لم يستمع أبي لكلامها, بل اتجه حيث راشيل التي كانت تحملك، وتناولك منها، وحملك بشوق السنين، وبرفق شديد، غير مبالٍ ببقايا الولادة وآثارها التي كانت تغطي جسدك الصغير، وصوت الزغاريد يتعالى من حولك، يومها همست بيني وبين نفسي - وأنا أقف بعيداً، خائفة من المنظر، ولا أحد يشعر بي:
- سنوات طويلة من الدلال الخالص، والجلوس فوق عرش محبة أبي وأمي، لا ينازعني فيهما أحد.. أخيراً سيكون لي شريك منافس في تقاسم هذا العرش، يشاركني شوقي، وأفرغ فيه أمومتي المبكرة، وأسرد همومي؛ حتى لو كان بيني وبينه خمس عشرة سنة. لمست علامات الفرح والزهو واضحة فوق وجه الوالد وهو يقول لأمي:
- مبروك علينا يا ساشا، أخيراً جاء من سيحمل اسمي، ويحافظ على أخته من بعدي، ومرة أخرى تعالت زغاريد صديقات أمي الدافئة الحنون، وازدان وجه الوالد بابتسامة مضيئة، رغم جهامة وجهه وعبوسه الدائم، وهو يحملك عارياً بين يديه لا يسترك شيء ويهمهم وهو يتأملك: أتيت للدنيا في يوم حزين يا نداء.
ولا شعورياً اتجه بعينيه متفاخراً ليتأمل عضوك الذكري، ولكنه سأل الداية فجأة:
- هل الولد طبيعي يا أم أحمد؟
- ردت: نعم بالطبع!
- هل أنت متأكدة؟ إن عضوه يكاد أن يكون مختفياً؟
- طبيعي إن شاء الله.. بعض الأولاد يولدون وأعضاؤهم صغيرة، لكن يصبحون فيما بعد طبيعيين.. لا تخش شيئاً.. ولا تحاول أكل البشارة علي..
ابتسمت أمي الجميلة التي أسرت والدنا وجعلته كالخاتم في أصبعها، ولم لا؟ فهو الذي رفض الزواج عليها متحدياً إرادة عائلته، خاصة بعد أن أخبره الأطباء أن هناك خللاً تعاني منه، ولن يكون لديه سواي. وقد استكان أبي للأمر الواقع، ومنحني كل محبته، حتى أتيت أنت لندرك أن إرادة الله فوق الجميع، وكذب الأطباء ولو صدقوا. تناولتك أمي والإعياء واضح عليها، وانتبهت أخيراً لوجودي فقالت:
- تعالي يا سحر، احملي أخاك وقبليه.
لم تنس الداية أم أحمد أن توصي أمي قبل أن تغادر بأن تمسح جسدك كاملاً بزيت الزيتون مدة أربعين يوماً؛ لأنه من شجرة مباركة أبدية صبورة.. وكررت أن الزيت يصلب الطول، ويشد الأعصاب، ويقويها، وأن أشجار الزيتون ولله الحمد تحيط بنا من كل جانب، وعلى رأي المثل "كل الزيت وانطح الحيط".
ثم مالت على أمي وهمست همساً مسموعاً بعد أن انسحب أبي من الغرفة تاركاً لهن الوقت لترتيبها وتنظيفها: لا تنسي يا ساشا بأن تركزي على تمسيد عضوه الذكري أيضاً لتخرجيه من مكمنه.
صراع تكوينك الذي لم تكن تعرف عنه شيئاً أدخلك وإيانا جحيماً جديداً.. في البدء لم يكن شيئاً معقداً؛ لأن إدراكك أنت للتعقيد لم يكن قد تشكل بعد؛ فكيف تستطيع أن تفك طلاسم الحروف في أبجدية الحياة؟
لم تتعرف على الحروف الأولي لإشكاليات الحياة، ولم تتشكل أحاسيسك بالكلمات، لم تكن تعرف حينها قراءة أو كتابة، ولا تستطيع أن تقارن بين الجرة والمجرة..
وها أنت منذ بحبوحة الحياة مسكون بالآهة التي تشق الصدر بلا صوت، وتفك صندوق القلب ليذرف دمعاً بملمس الصبار، وطعم الصبار!
وعلي ما يبدوقد كانت هناك يد عليا اتخذت قرارها بأن تجعلك ونحن نحيا في عالم تنسجه يد الأشرار.
واضح ومن خلال سرد أختي سحر لبدايتي، أن المأساة قد بدأت تلف خيوطها حول رقبتي ورقبة أمي مدرّسة الرسم التي قدمت استقالتها لتتفرغ لرسم رعايتي، وتستنطق ألوان المستحيل لتزين بها لوحتي الباهتة!
في غرفة أختي سحر انتقلت أمي للنوم معي.. بعد أن أبدى والدي تأففه من صراخي المتواصل، ناسياً المثل الذي يقول "الطفل إذا بكى يا جوع يا موجوع".. كانت أمي تخشى علي من كل شيء. وعندما تنشغل عني كانت تكل مهمة حراستي لأختي سحر إن كانت موجودة..
كان لي مهد بحمالتين طويلتين سهلتا على أمي حملي أينما ذهبت سواء كانت خارج البيت في زيارة لإحدى جاراتها، أم في المطبخ، أو عندما تجلس في الحديقة ترسم في النهارات الشتوية الدافئة فتضعني بجانبها ألتقط أشعة الشمس تحت العنبة التي أثقلتها أوراقها الخضراء وعناقيدها البلورية الشفافة.. كنت أول جدار يفصل بين أبي وأمي؛ ما دفع بالغيرة إلى صدره، فبعد خمس عشر سنة من المحبة الخالصة والانسجام بينهما جئت أنا، والذي عقّد المسائل بينهما رفض أمي أن تتركني أنام في غرفة أختي سحر، وتحت رعايتها – كما كان يطلب منها دائماً- وأصرت على أن تنام بجانبي، لذا كان من الطبيعي أن يتحامل علي حتى لو استغرق انتظاره لمجيئي ألف سنة..
وزاد الطين بلة أيضاً كثرة الشكوى والأنين من أمي، مع خوفها الشديد علي، وخاصة أنني كنت قد أتممت العام الرابع، وأنا لا أقوى على اللعب والحركة كبقية الأطفال! كنت ضعيف البنية، بالإضافة إلى صغر عضوي الذكري الذي شكل لأمي هاجساً لا يهدأ، وشكوى لا تنقطع..
كنت أبقى طريح الفراش أياماً طويلة ليس لي إلا السمع والنظر إلى كل شيء يعلوني، من أسقف مزخرفة، وسموات مفتوحة، وسحب مسافرة، وأوراق شجر تنبثق في حديقتنا تكاليف، وقمم جبال مدينتنا، والوجوه التي تنظر كانت ترمقني وأنا غير قادر على التحرك، أختي سحر وعينيها الذكيتين ووجهها الدقيق المنمنم وصوتها الجريء وهي تقرأ لي أو تسرد على حكاياتها الملونة بالفرح.. محاولاتها الدؤوبة في تلقيني كل معارفها والعديد من الكلمات والأناشيد، وبعض سور القرآن القصيرة، تسمعني كل أنواع الموسيقي التي تهواها.. وكم غفوت على صوت ناي شجي أو طبل حنون أو قطعة موسيقية، تنساب بجمل بديعة تحلق بي بعيداً وأرتوي منها كأرض ظامئة ما تلبث أن تحبل، واعدة بكل أنواع الثمر..
الصور الكثيرة التي استكانت فوق حائط غرفتها لشخصيات فنية وسياسية وتاريخية، والتي كنت أتقاسم وسامة وجوهها ونضارتها وتاريخها، وكم من مرات كنت أسألها: لماذا لا تعلق صورة أبي وأمي بدلاً من تلك الأوراق التي اصفرت أطرافها وغابت الأحرف من فوقها؟
وكانت ترد مبتسمة: عندما تكبر ستستوعب أهمية هؤلاء الأبطال بناة التواريخ الناصعة.
من خلالها أحببت "تشي جيفارا ومرسيل خليفة ومحمود درويش وجمال عبد الناصر وأم كلثوم.. الكتب الكثيرة والمتنوعة التي ناءت بحملها الأرفف.. والمرابطة خلف صفحاتها تنهل من معارفها، وتصدرها لي بحكايات تزينها بضحكاتها وحنانها المتدفق.
باختصار تعلمت الصبر صغيراً، ولاكته روحي، وألفت مرارته؛ بعد أن أدركت أنني لست طفلاً عادياً كبقية الأطفال، طفلاً بهي الطلعة ضعيف البنية، أتألم كثيراً من مواجع في جسدي لا أقوى على فهمها..
حتى الأطباء الذين كانت أمي تحملني إليهم بين الحين والآخر لم يفهموا مكمن وجعي! تمضي بي الأيام كما أنا، أجوب العالم وأتأمله من فوق فراشي الوثير، وأنثر على غيوم نفسي أفراحاً أتخيلها مطراً عبثياً يغرقني بحرارته..
لم أتعب من طرح الأسئلة على سحر وعلى نفسي:
لماذا لست ككل الأطفال؛ أمرح وألعب وأجري؟
لِمَ ينهرني أبي دوماً كلما رآني ويصرخ: "استرجل يا ولد"؟
هل يكرهني أم يحبني؟
كيف تزوجته أمي الجميلة؟
لماذا لم يكن هناك سواي وسحر؟
لماذا لأمي وصديقاتها صدور ناهدة؟ لاحظت أن أختي سحر مثلهن، لها شيء يسبقها في المسير..
ولماذا يختلف أبي وأختلف أنا عنهن، ولماذا يصدر سطوته على كل من بالبيت؟ ومن الذي أعطاه تلك السلطة؟
تلك السحب، وما تزخر به من برق ورعد وعواصف تقض مضجعي، وتجعلني أرتعد لأزداد التصاقاً بجسد أمي الدافئ الذي يقطر حناناً.. ملايين من الأسئلة تفلق رأسي حتى أغمض عيني.. تلاحقني كوابيس أفزع منها، وكأني أري الشيطان "شمهورش" – كما تسميه أختي سحر - يجرجرني عبر أنفاق لا نهاية لها..
حاولت أمي أكثر من مرة أن تستحث والدي ليذهب بي إلى طبيب متخصص في الذكورة، ولكنه كان دائم الرفض.. وبشكل قاطع، بحجة أنني طبيعي ولا ينقصني سوى الشدة حتى أصبح أصلب وأقوي؛ فعلى الرغم من أنه كان قد أنهي المرحلة التعليمية المتوسطة ويعمل في مجال تصليح الإلكترونيات في شركة خاصة بمدينة "القدس" إلا أنني حتى الآن، لم أستوعب موقفه من عدم عرضي على طبيب ليشخص علتي التي تستشعرها أمي ولا تستوعبها.. إن رفضه الذهاب بي إلى طبيب في وقتها جعل حالتي تتأخر.. وربما لو كان فعلها في حينها لجنبني الكثير من التعقيدات والمشاكل..
كانت أمي - بعد كل عراك معه بسببي - تحملني بهشاشتي بين يديها لتغسلني بدموعها، وتهديني دفئها وحلمها وصبرها على هذا الرجل القاسي الذي كلما نظرت إلى عينيه ورأيت القسوة تجول فيهما أتعجب: كيف لله أن يطوع القلوب ويؤلف بينها!! وأنظر إلى أمي السيدة الرقيقة الجميلة وأعجب من هذا الارتباط، وأتساءل: كيف حصل أبي عليها، رغم سعة الفجوة بين شدته وقسوته ورقتها وجمال
تمر السنوات وأنا مزروع في سريري كما ذكرت لي أختي سحر، لا أقوي على الحراك أو اللعب كبقية الأطفال الذين كنت أتميز عنهم باتساع مخيلتي الأسطورية, وقدرتي على قضاء ساعات وساعات طويلة بمفردي , هادئاً أحلل كل الأصوات التي تأتيني من داخل البيت أو خارجه , عندما تتركني أمي في الحديقة , أو تنشغل عني سحر بدراستها.. فحديقة منزلنا المطلة على الوادي، والممتلئة بكل أنواع الشجر المثمر وغير المثمر، وبكل أشكال الورود, كانت ملجأ آمناً، والسبيل الأول في معرفتي بالعالم المحسوس حولي.. أجلس تحت السدرة الكبيرة التي تغطي ساحة الحديقة الأمامية أو تحت العنبة القصيرة.. أستمع لوشوشة الرياح مع الشجر، وصوت البلابل وهي تمرح فوق أعشاشها، وخرير الماء الذي تصدره نافورة صغيرة توسطت الحديقة، وإذا كان الباب مفتوحاً فقد يأتي أطفال الجيران للعب حولي، شرط عدم مجاراتهم في القفز والجري حتى لا أجرح نفسي.. وكم جرجروني من فوق فراشي حتى أشاركهم لعبهم ولهوهم، فأنسى للحظات تحذيرات أمي بأني طفل مريض, وأمسك بالكرة، وقبل أن أحاول رميها بقدمي أشعر بروحي من الوجع تضيق، فأعود لمكاني أتتبعهم حتى تخرج أمي علينا بخبزها الدافئ المعجون برقتها "مناقيش زعتر ساخنة" فيبقي الأولاد حولي يأكلون وأنا معهم، ونظرات أمي تغطينا فرحة بي وبهم..


لـــي عودهـ~
رد مع اقتباس