عرض مشاركة واحدة
قديم 2011- 9- 18   #5
Mo0oly.B
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
 
الصورة الرمزية Mo0oly.B
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 73539
تاريخ التسجيل: Thu Mar 2011
المشاركات: 8,023
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 9263
مؤشر المستوى: 145
Mo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond reputeMo0oly.B has a reputation beyond repute
بيانات الطالب:
الكلية: ~~كُلِيــة ـإلعِــلُــوــمْ ـالإِدَآآرِيـَـهــ وَ تـَخْــطِــيــطْ ~~
الدراسة: انتساب
التخصص: ~~ ـإِدَآآرَةْ ـأَعْــمَــآآآلْ ~~
المستوى: خريج جامعي
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
Mo0oly.B غير متواجد حالياً
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"



من خلال القراءة بصوت عالٍ، وبالكثير من التمرين، استطعت اجتياز هذه المسألة، التي سهلها وجود مترادفات كثيرة في العربية يمكن الاستعاضة بها عن الكلمات الصعبة التي لا أستطيع نطقها.
تفتحت روحي على ثقافات العالم، وتكونت لي شخصية، صنعتها بنفسي فتبدلت كثيراً، وأصبحت أدافع بشراسة عن مبادئي بعد أن تحررت من الخوف كثيراً!
أثناء تلك الفترة أنهيت الصفين الأول والثاني الثانويين منازل بنجاح مخزٍ؛ لأن طاغور ونجيب محفوظ وغادة السمان وغسان كنفاني وفولتير وبسمارك وبوشكين وإيل زولا وغارسيا وإمبرتو إيجو وإيزابل الليندي وشوقي والمتنبي وعمر الخيام والشيرازي وأحمد مطر ونزار قباني وتولستوي وشكسبير كانوا أهم عندي من تلك المناهج المدرسية التي تدمر عقلي وتزهق روحي.. من قال بأني في حاجة لاستيعاب الأكاذيب التي اندست في تاريخنا.. ومعرفة كيف كنا.. وماذا فعلنا بأنفسنا؟ كان الأهم عندي معرفة أين نحن من هذا العالم الهادر، وإلى أين وصلنا؟
باختصار جعلني أصدقائي الصامتون الهادرون بأفكارهم ومبادئهم وحكاياتهم وأشعارهم واختلافاتهم، الجائلين في روحي ودمي ليل نهار، جعلوني أكثر تماسكاً وقوة، فلم أعد نداء، ذلك الكائن الهش التعيس!
مقابل كل نور ظلمة، ومقابل كل وجود عدم...
شعرت برغبة أمي بأن أعود للمدرسة النظامية الصباحية؛ فلربما تحسن مجموعي بعد أن لمست التغيير في شخصيتي وقدرتي التي اكتسبتها في مواجهة الآخرين. وكان كل أملها أن أدخل كلية الطب؛ لأتعرف على حالتي أكثر، ولربما أجد حلاً لها، خاصة وأنها أصبحت لا تثق في الأطباء الذين كان يريد كل واحد منهم أن يحقق مكسباً ما من توصيف جديد لحالتي! وكم كان يصدمها جهل بعض الأطباء الذين توقفوا عند دراستهم الأولى، غير عابئين بالمتابعة اليومية لكل ما هو جديد في عالم الطب السريع التطور.. هذا بالإضافة إلى ارتفاع ثمن الزيارة الأسبوعية للطبيب، والتحليلات الهرمونية الدورية لمتابعة التغييرات التي تحدثها الأدوية في جسدي، ثم الأسعار الفلكية التي كانت تأكل كل مجهودها وراتبها الشهري الضئيل وجزءاً من راتب أختي سحر.
لجأت أمي جوهرتي الشفافة - وحتى توفر لي ثمن أدويتي - للرسم الحر في الفترة المسائية، وبيع لوحاتها المبهجة للمقربين من الناس، بجانب عملها. فكيف لي أن أرفض لها طلباً! وهكذا التحقت بإحدى المدارس الثانوية.. وفي اليوم الأول - وفور دخولي من البوابة بطولي الفارع وشكلي المختلط - تحلق الطلاب بفجاجتهم وغلظتهم حولي، يدققون في شكلي، والسؤال يحوم في عيونهم: ما هذا؟ أولد أم بنت؟
ولست أدري لماذا مت خوفاً؛ رغم تدربي كثيراً على هذا الموقف أمام المرآة مراراً وتكراراً.. التصقت بالحائط وأمسكت بحقيبتي بكلتا يدي، وغطيت بها ما يمكن أن يفضحني.... ولم تكن نظرة الطلاب تختلف كثيراً عني... لمست بعض الخوف في عيونهم وهذا ما طمأنني قليلاً، اقترب أحدهم وسأل:
- من أين أنت.. آسف إنتي.. أتتحدث العربية.. أنتِ ولد أم بنت؟
وجاء آخر، وبحذر شديد لمس كتفي، وللحظات تخيل أنه سيصاب بمس كهربائي.. ثم أتاني كبيرهم وزعيمهم على ما يبدو وغسلني ببحر عينيه وقال: ما شاء الله، كل الحلاوة دي عندنا؟ يا مرحبا يا مرحبا.. اسمك يا حلوه؟
أنقذني أحد الأساتذة وفرق الطلاب عني قائلاً: إلى الفصل منك له.. وأنت يا عين أمك تعال معي.. وبحكم عزلتي الطويلة وشكلي أدركت خطأ وجودي بين الطلاب من جديد، ولكنها المحاولة، وحسب المثل الانجليزي " Don’t say you cant but try" مضيت خلف الأستاذ حتى غرفة المشرف الاجتماعي الذي أطال في تنبيهي لتفادي الاختلاط بالطلاب حتى لا يضايقوني.
الحب الأول أبريلـي...
في الصف أصبحت الفاكهة التي يتصبحون بها.. ومحط التعليقات التي تسليهم وتجرحني:
- قشطة يا نداء.. ثم يمد يده ليتحسس صدري غامزاً بعينيه..
- صباحك أنس يا أبيض.. ثم يلمس مؤخرتي!
- جميل جمال، مالوش مثال، ولا في الخيال، زي الغزال.
وكانت الطامة الكبرى في زميلي سعفان، الهائم الحيران، عندليب المدرسة، صاحب القامة الرشيقة، والصوت الشجي، الذي - لسوء حظه - وقع في غرامي، وأصبح كل يوم يكتب لي أغنية لحليم على ورق وردي اللون، مشحونٍ بعواطفه الملتهبة، معتقداً أنني فتاة أحلامه التي وجدها في مكان لم يكن يتخيل أن يلتقيها فيه: المدرسة الثانوية للبنين.
لم يجد سعفان أية استجابة مني، وكنت كثيراً ما أتهرب من نظراته الوالهة. وكان كلما رآني يضع كتبه أرضاً، ويبدأ في استعراض عضلاته أمامي، صارخاً حتى يسمعه بقية الطلاب "ندائي" اسمع دي، ويبدأ يغني بصوته الحنون الدافئ "القلب اللي بسهمك مجروح.. فين يهرب من حبك ويروح" ثم يتنهد وينصرف مكسوراً عندما يراني قد انشغلت عنه في الحديث مع زميل آخر!
كان هناك الكثير من الطلاب والأساتذة الذين ظنوني صيداً سهلاً لإرضاء نزواتهم الشاذة، وقد ساعدهم في ذلك جاذبية ملامحي، والصفات الجمالية التي اكتسبتها من أمي الأرمنية، مع خجلي الواضح واحمرار وجهي كلما عاكسني أحدهم.
كنت أضحك منهم، وأحب طريقة مغازلتهم لي باللهجة المصرية التي أعشقها وأحب جرسها الموسيقي، والتي تكاد تكون لغة في حد ذاتها؛ لسهولة نطقها وطغيانها الإعلامي. "تقول أختي سحر: بأن اللغات مثل الكائنات الحية، منها ما تعشق الاستماع لجرسها حتى لو لم تفهمها، ومنها ما لا يطربك جرسها، ولا يشجيك"!
تعودت مع الأيام على سخافاتهم وسطحيتهم.. وبمرور الأيام تجاوزت محنة الاختلاط، واستطعت إثبات قدرتي على مواجهة الطلاب، حتى أصابهم الملل أخيراً من الأسئلة التي لم يجدوا إجابات عنها فقرر بعضهم التعامل معي على أني بنت، وآخرون تعاملوا معي على أني خليط من ذكر وأنثى!
واكتشف الكل خفة دمي وثقافتي المتسعة التي كنت أتباهي بها حتى على الأساتذة أنفسهم، فأطلقوا علي لقب "المعجزة البيضاء" وأصبحوا لطفاء ودودين في التعامل معي، بل دافع عني بعضهم ضد سفالة الآخرين.. فارتفعت أسهمي، وأصبح الكل يهب لنجدتي وحمايتي!
أطياف الجنون...
أخيراً شعرت بثقة في نفسي، وشكرت أمي لمساعدتها لي لأخوض تلك التجربة.
إن العقل والجنون متضادان، لكن حدودهما مختلطة، ولا يعرف أحد أين ينتهي العقل، وأين يبدأ الجنون!
فجأة وعلى غير انتظار تفتح القلب حروفاً من نور، وحاصرتني أطياف جنون، وطاردتني هاتفات ظنون، فعلى الرغم من رفضي لحب زميلي سعفان وجدت شعوراً مباغتاً مبهجاً وحزيناً وغضّاً - ولأول مرة - يجتاحني تجاه زميلي جهاد، عميد الراسبين في الثانوية العامة، بعضلاته المفتولة، ووجهه الوسيم لتنساب المشاعر الدافئة الخضراء، فتغطي مساحات القلب الوحيد..
هزمتني أحاسيسي المتدفقة نحوه؛ خاصة أنني لم أستطع البوح بها إذ كان يصر على اعتباري رجلاً، فينثر أمامي وأمام الآخرين أنباء مغامراته العاطفية مع ابنة الجيران وغيرها من الفتيات اللواتي وقعن صريعات لطفه ورجولته المباشرة..
وكنت كلما اشتدت وطأة مشاعري تجاهه أترك كلماتي تفيض غير عابئة بما أعاني؛ لتخط له أسطراً من وهج دمي، وأدسها دون أن يشعر بين إحدى كراساته، والغريب في الأمر انه عندما كان يعثر عل إحدى الرسائل يأتيني بها قائلاً:
- واد يا نداء: إنت بتفهم في الشعر طبعاً!
- نعم ماذا تريد؟
- ممكن تشرح لي هذه الأبيات يا احمد يا شوقي؟
- ممن هذه الرسالة؟
فيقول لا مبالياً: لست أدري.. أنا أعرف الكثيرات.. إحداهن وضعتها في كراسة الإنشاء والتعبير..
أتناول الرسالة منه وأقرأ - بصوت هامس حزين - كلماتي وروحي المنسابة عبرها..
كم تعرضت لعينيك لكي أحظى بنظرة
وتلويت.. لكي ألمس من جعدك شعرة
وتمر بي وكأني.. لست موجوداً بقربك
وكأني ما ملأت الكون أشعاراً.. بحبك
لست أدري
لماذا خلقت الحب يا ربي غشوما؟
وملأت القلب بالإحساس والوجد جحيما؟
لو مسخت القلب صخراًعاش كالصخر كريما
أصمت بعد انتهائي من القراءة، وفي عيني دمع شفيف، فأسمع صوته هادراً:
والنبي البنات دول هايفين.. فيها أيه لما تيجي وتقولي بحبك وخلاص..
لازم تعقدني بفصاحتها.. آل شعر وسخام آل.. ما له الهمس ثم اللمس المباشر.. واد يا ندوه عجبك الشعر؟
يحمر وجهي خجلاً وأهمس: بالطبع يا جاهل يا للي معندكش إحساس.. صدمني لا مبالته وهو يقول: طيب يا ناعم، مبروك عليك الجواب، بله واشرب كلامه. ثم يبدأ في سرد حكايته مع صديقته المتزوجة الحسناء فيقول وهو يضع يديه فوق قلبه: ولك يا نداء: لو شفتها لوقع الجزء الرجولي الصغير والمنغرس فيك صريع هواها..
أنتظر منه أن يسكت، ولكن من يوقف سيل الكلمات المتدفق من لسانه!
- واد يا ندوه: إنها تعلمني أشياء وأشياء.. لقد أصبحت أسير جسدها وسريرها، أنتظر عودتها من دوامها الصباحي في المدرسة.. على فكرة، هي معلمة.. أتسكع حول منزلها حتى يخرج زوجها مصطحباً ابنه البغل إلى الورشة ليأخذ درس الرياضيات هناك من معلمنا الثقيل أبي صالح الطماع، الذي يدرسنا في المدرسة، وخوفاً على زوجته منه، وعنها يا ندوة.. في الغياب تذوب الأجساد، فأسرع لأجدها ساخنة كفطيرة تنتظر آكلها على مهل، تعبث بروحي فأغيب متمنياً ألا أخرج منها أبداً، وما تزال تستحث كل جزء في جسدي فتهلكني، حتى إذا نال منا التعب تهرع إلى بكأس بارد من الويسكي لأنتشي مرة أخرى، وأعود إليها من جديد..
وفجأة يضحك كالمجنون ويقول: حنا صانع التوابيت الغبي الذي لا يشبعها أبداً يخشي عليها من معلم المدرسة هههههههه..
تصدمني كلماته وأسأله بلهفة: ما اسمها ياجهاد؟
فيرد غير مبال: عبلة ياجميل.
جاء قراري الصعب بالصمت والتستر على ما سمعت من جهاد، بعد صدمتي المذهلة في صديقة أمي، وبدأت في قرارة نفسي أختلق المبرر تلو الآخر لها..


وابتدا.. ابتدا المشوار 5

أنهيت مشوار الثانوية العامة بمجموع ضعيف، لم يؤهلني لتحقيق أمل أمي بأن أصبح طبيباً فانتسبت لإحدى الجامعات الأهلية لدراسة هندسة الكمبيوتر.. ولكن كيف للحظ أن يبتسم؟!
لم أكمل ستة أشهر حتى زادت مصاعب أمي المادية، فتوقفت عن الدراسة الباهظة التكاليف.. وحان وقت الغوص في بحار المشقة للبحث عن لقمة العيش.. يبعد العمل عنا ثلاث سيئات: الضجر، الرزيلة، الحاجة "فولتير"!
قانون أبي: سندريلا لا.. سوبرمان نعم!
مع توقفي عن الدراسة قررت أن أغزو الحياة العملية حتى أشارك أمي وأختي حملهما الثقيل لارتفاع ثمن الهرمونات التي كان من المفترض أن أتناولها بدون انقطاع..
ولمعت الفكرة في رأسي حيث كان أبي رحمه الله يمتلك النوعين من أجهزة الفيديو: الأول لعرض الأشرطة من الحجم الكبير، وكان هو الشائع.. والثاني للأشرطة ذات الحجم الصغير.. وكانت العائلات التي تقتني الفيديو هي الأكثر حظّاً لغلاء ثمنه...
وإذا كان من الصعب وجود فيديو واحد في المنزل، فما بالك باثنين؟ وقد كان للفيديو قبل الفضائيات والصحون اللاقطة وزن في عالم الإلكترونيات الحديث، وقبل غزو النت لعالمنا.. تذكرت كم من مرة أصبت بالهلع عندما كان يأتي الوالد مباغتة إلى المنزل ويجدني جالساً أتابع شريط قصة سندريلا، فيبدأ في الصراخ بعد أن يمسك بي من أذني اليمنى وأنا أرتعش خوفاً:
- كل آمالك يا خنيث أن تصبح سندريلا؟! ألا تريد يوماً أن تكون سوبرمان؟ ألا تريد أن تصبح سندباد؟ ولم لا تحب الباتمان يا حبيب أمك؟! أأقتلك وأرتاح منك ومن عارك الأبدي؟
تأتي أمي مسرعة على صوته الهادر تحاول تهدئته: مالك يا أحمد؟ ولماذا تنسى أنه طفل، ولا داعي لأن يسمع هذا الكلام السيئ؟!
لم يكن أبداً ليهدأ.. أنظر إلى عينيه الباردتين مثل جليد، والحاقدتين على العالم , مرعوباً أنتظر انتهاء السيناريو المكرر، وأرتعش وأنا أعلم بأنه سيحرق وجهي بلطماته المتتابعة حتى يكل، وأنا أبكي بلا صوت وبلا دموع؛ لأنها محرمة على الرجال - كما كان يقول لي - وخوفاً من استفزازه أكثر وأكثر، وإعطائه المبرر لطحني تحت يديه الثقيلتين..
تنزعني أمي بعد كفاح من بين يديه وهي تصرخ: حرام عليك! من أين لك بكل تلك القسوة؟ ألا تدرك بأن حالته محنة واختبار لك من عند الله؟
يجلس أبي واضعاً رأسه بين يديه مردداً بصوت باكٍ:
- ولم اختصني أنا بهذه المحنة والاختبار القاسي الأليم؟ ألا يحق لي بعد طول الانتظار أن يكون لي ابن طبيعي؟ ابن أفاخر به الآخرين ولا أخجل من كونه معي.. ابن لا تلهبني النظرات والأسئلة إذا ما خرجت معه لأي مكان؟
لم أحب يوماً أبي.. كنت كثيراً ما أتمني أن يتركني أرحل؛ ليغمر روحي شعور بالدفء، وأنا بعيد عنه، فلا أعود أستمع لتعليقاته المحرجة كل يوم.
لم يحاول أن يتفهم حالتي أبداً.. أغلق أذنيه عن الاستماع لأمي بأنه من الضروري أن يتابعني طبيب حتى يعرف الخلل..
كيف كان للغرور أن ينحني، وللقسوة أن تلين، وللشموخ أن يسقط من عليائه؟!
كانت وصيته الدائمة لأمي أن تكون شديدة في التعامل معي؛ إذ هي السبب في إفسادي بتدليلها إياي! وبأنني لن أصبح رجلاً إلا إذا قست علي..
وكنت كلما رأيت أمي دامعة العينين أعجب لأمرها، وأبرر لها مشاعرها الدافئة التي كانت تحملها له، وهو الذي ما أحب عليها أخرى قط.
حتى أختي سحر حزنت عليه حزناً شديداً، وسامحتني لما كنت أحمله له من مشاعر البغض، وبررتها بقسوته علي..
أما الآن - ومع تقدمي في العمر، وإدراكي لأشياء كثيرة - فقد بدأت أهمس لنفسي "سامحه الله"
الوحل يخفي الياقوتة.. لكن لا يلطخها ...
انسالت كل تلك الذكريات فجأة، بعد أن قررت بأن يكون الفيديو مصدر دخل لنا، فتفتق ذهني لاستغلاله في مجال نسخ الأشرطة لمن أعرفهم من الطلاب أصدقائي الذين توطدت علاقتي بالكثير منهم أثناء انتظامي في المدرسة الثانوية.
كنت في البداية أنسخ أفلام الرعب والعنف والآكشن والخيال العلمي، حتى طلب مني أحدهم نسخ شريط قال إنه ثقافي.. ولم أفهم معنى كلمة ثقافي حتى رأيته! كان هذا الشريط الذي شاهدته كاملاً فيلماً جنسيّاً صارخاً، لا مواربة فيه ولا أقنعة! لكم صدمتني الآلية البشعة في تلك العلاقة التي من المفترض أن تكون حميمة وسرية للحفاظ على تألقها.
رفضت في البداية نسخه، ولكن السعر المرتفع الذي عرضه على جعلني أوافق، مع حاجتي الملحة للنقود لشراء الدواء.
ازداد عدد طلاب الشرائط (الثقافية) المستنسخة، وكان الزبائن الذين يطلبونها من كل الشرائح! وقد أصبح بيني وبينهم حالة نشطة من العرض، والطلب، والمصالح المتبادلة. كم أذهلني تهافت أولئكم على وضع الأقنعة، والتظاهر بالأدب والاحترام بين الناس، وهم غير ذلك.
ما علينا على رأي صديقي جهاد الذي زعق فيّ لما رأى في بعض التردد: وانت مالك؟ يا رب يولعوا بكاز، المهم المصاري، بدِّناش أدب ولا زفت.
أصبحت أفلام الجنس أهم الأشرطة عندي، واحتلت المرتبة الأولى في التداول والنسخ! كان الجميع يتهافتون عليها، لا فرق بين رجل وامرأة؛ فالخجل نثر خارج عتبتي، إذ اعتبرتني الفتيات واحدة منهن، واعتبرني الرجال منتمياً لعالمهم، فوجدت الجرأة من الطرفين. وكانوا يفاصلون في الثمن، رغم أن السعر الذي أطالب به أقل من نصف سعر السوق!
توطدت علاقتي بزبائني، واختفت علامات الاستهجان عند رؤيتي، وتحولت لنظرات إعجاب؛ رغم أنني كنت أشمئز من سلوكي هذا!
قال لي حبي الأول جهاد ذات يوم - وهو يتسلم مني شريطه المستنسخ -: أيوه يا عم الله ينور.. شغال نار.. انسخ واقبض.. وحوش على قلبك، واستطرد متسائلاً: ولك يا نداء: شو بيحصلك لما تشوف الشرايط الثقافية؟ بتحب تكون مع النسوان ولا الرجال؟ وشو اللي بعجبك فيهم؟ ما جربت تنام مع حدا؟ أعتقد انك تنفع للتنين.. النسوان والرجال!؟
كان عندما يجد نظرة الاستهجان تطل من عيني يضحك ضحكة عالية صافية، وعلى غرة يمسك بي، ويقرصني من ثديي، وينظر في عيني ويقول:
- والله أنت أحلى من ميت مره، ليش أنت خجلان هيك؟ ارمي البنت اللي جواك بالصرمه يا زلمه، دوق اللي عمرك ما تشبع منه.
آه من عينيك وشقاوتك يا جهاد.. وآه لو تشعر بي ولو مرة.. ولكنك تتعامل معي كأخيك الرجل الصغير!
اعتراني الخجل من أسئلته، واحمر وجهي وقلت:
- هل تصدقني؟
- طبعا وليش لأ ؟
- أنا لست مثلك، لا أفكر مثلك إلا في الجنس وبس.. هناك هموم كثيرة تحرقني غير هذا الهم.
- اطلع من هادول يا ساهي، بدك تفهمني انك حمار وما بتحس، يخرب بيتك إن شاالله.
- والله يا جهاد لو بدي ما في أسهل منها، فكم من مرات ومرات أمسكت نفسي، رافضاً العروض التي يوفرها لي بعض الذكور الأنذال لممارسة الشذوذ معهم، في مجتمعات تلبس قناع الفضيلة والدين، وكم من فتيات ونساء عرضن على أنفسهن دون فائدة، فلي هدف آخر هو عملية التحويل؛ على الأقل أكون بنت كاملة.. منشان هيك أنا بدي جسمي طاهر وعفيف.
مرة أخرى كركر جهاد بضحكة عالية معلقاً على كلامي: عفيفة؟ يادي المصيبة.. الواد عاوز يبقى عفيفة يا جدعان.. آه يا أهبل.. لو جربت أن تذيب جسدك في جسد إحداهن.. بصرك وهو يزوغ.. النار وهي تشتعل تدريجيّاً.. نعومة الحرير.. الحركة المتناغمة بينكما.. عناق واشتهاء في الليل تغطيكما عباءة الحب والجنس.. ثم جنونكما وهو ينثر في الهواء، وأفق بلا نهاية.. آل عفيفة آل! يا سيدي جرب قبل ما تعمل العملية وبعدها يحلها حلال.. بس ربك والحق يا مضروب أنت بدون عمليه تحل على مشنقه، يعني باختصار أنت فلقة قمر.
تبخرت كقطرة ماء انتظرت بصبر لحظات تبخرها حتى تعود للأرض في شكل غيمة من المطر، وتساءلت بيني وبين نفسي:
- إلى متى ستغلبني الفتاة التي أحب أن أكونها تتجول بحرية داخلي؟ وإلى متي سيبقي قلبي أسير هذا الجهاد؟ ما أسوأ أن يخفق قلبك لمن لا يشعر بك! كيف أثبت له بأنني بكر لم يمسسني بشر؟
تمنيت أن أبوح له بحبي، وأن أغوص في عينيه البحريتين الجميلتين، وأهمس له باحتراقي في أتون حبه، وأشرح كم تخيلت نفسي في أحضانه، وكم من مرات غبت عن الكون معه في الخيال، وأن أجهر بآلامي الخرساء التي لا ينوء بها سواي لتضيء مغارات نفسي السحيقة التي تعكس ظلمتها أوجاعاً تنسل وتحط ساكنة فوق قلبي، ولكن فجأة صحوت على صوته وهو يسأل: ماذا كان يريد منك أبو أسعد بالأمس؟
ضحكت للانتقال غير المنطقي في الحديث وقلت له: جاء للمساومة.. رجل عملي.. يريد أن يطبق ما يراه من أفلام شاذة، يرجو الوصال معي، فإن وافقت سيجعلني أعيش في بحبوحة ليوم الدين..
- مش فاهم.. شو قصدك ؟
- طلب مني أن أذهب معه إلى شقته الخاصة!!
- نعم.. شو بتقول!؟ وشو راح يعمل بيك أبو أسعد أكبر تاجر في بيت لحم.. صاحب الشركات الكثيرة.. المتدين الذي لا يفوت فرض في المسجد.. المتزوج من مره يشتهيها كل الرجال، لجمالها العبقري؟!
- روح اسأله.. ليش بتسألني أنا ؟
- واد يا نداء أنت تكذب.. ولاده ما شاء الله عليهم، وبعدين هو كيف بده يتعامل معك وأنت مش مبين عليك لا هيك ولا هيك، هذا المتخلف لو قال يا بنات.. ستين ألف واحدة تجري وراه منشان فلوسه! الراجل انجن!
- جهاد ما تنسي إني الوحيد الذي يستطيع أن يعرف كل واحد منكم على حقيقته، وبدون أن يخجل من الأقنعة الكاذبة التي يرتديها أمام الآخرين.. ثم لماذا أكذب عليك؟
هل بيني وبين أبي أسعد أي خصومة؟ على العكس.. هو عميل دائم وكريم ودائماً يعطيني أكثر مما أطلب. ثم لماذا لا تسأله ماذا يريد مني؛ فهو الأقدر على الإجابة؟
لست أدري لماذا قلت لجهاد ما حدث من أبي أسعد؟ ربما أردت أن أثير غيرته، وأن أكون شريراً مع أبي أسعد، وأنثر أسراره، عبر أفواه الكثيرين من الذين سيبلغهم جهاد بالحكاية، بعد أن أصابني القرف من طلبه، خاصة أنني جلست للمرة الألف أتساءل بيني وبين نفسي إن وافقت على طلب أحدهم: كيف سيتعامل معي؟ وبماذا سأشعر ؟ وكيف سأحصل على متعتي وأنا بين الرجل والمرأة؟
صور لي شيطاني أبا أسعد وهو ينظر إلى أعضائي المنكمشة، وكيف سيتحسس جسدي، وينبهر بصغر ثديي، وقد فتح عينيه عن آخرهما، وكأنه يحفر لتلك الصورة في ذاكرته؛ ليستدعيها كلما عن له أن يأتيني، هامساً:- استديري أيتها الجميلة.
تناول جهاد شريطه "الثقافي" الذي طلب مني نسخه، وقال: الله يخرب بيتك يا بو أسعد.. دا انت طلعت زبالة.. صدمتني يا نداء فيه..
- ما تزعلش يا سيدي على غالي؛ دا مش بس أبو أسعد اللي طلب الطلب ده، هناك كثييييير..
تجولت سياط الدهشة في عيني جهاد، ونزلت عليه بقسوة لتجوب نفسه، وتثقلها بخدر غير مألوف لتصحو لحظة صدق ونقاء، فيردد بقلب موجوع:
- برافو عليك يا نداء.. أنت أقوى مني؛ فأنا لا أستطيع مقاومة إغراء النساء.
فرحت لإطرائه وقلت له: الله يهديك.. إيش أخبار ست عبلة معك؟
- من زمان ما شفتها، كنها شافت حدا غيري، كل ما اروح الها بعد ما يخرج زوجها، تقول لي ألف حجة: سيعود بعد قليل، أنا خايفة.. أخي جاي هلأ، المهم أنا زهقت من كل النسوان وبدي اشتغل، أمي وابويا تمللوا مني.. إيش رأيك تشوفلي شغل عند حدا من زباينك الكتار، حتى لو كان الزفت أبا أسعد..
وعدته خيراً قبل أن يغادرني، ازداد الإقبال علي، وقرر الجميع التعامل معي على أنني فتاة مسترجلة! وأصبح لي كياني التجاري ولم أبلغ التاسعة عشرة بعد.. وتطورت الأمور وأطلق علي لقب الألي، لتعلقي بالتكنولوجيا..
كان هذا اللقب أفضل بكثير من ألقابي السابقة (سالي وسلمى وساندي بل ولينا وفلونة والمعجزة البيضاء!) جميع بطلات أفلام الكرتون التي كانت تعرض وقتها، و هو على الأقل اسم ذكوري طالما تمنيته..
ازداد دخلي، واستطعت شراء الأدوية والهرمونات الضرورية، وأن أخفف عبء شرائها عن كاهل أمي.. أما الفحوص الشهرية لمتابعة التطورات في حالتي فقد كنت أجريها في مختبرات خاصة غالية السعر؛ لعدم استطاعتي التعامل مع المختبرات الحكومية القذرة والتي كانت مجانية، ولكنها لم تكن تتمتع بأي جانب إنساني...
والمضحك في الأمر أن ضميري كان يشكوني إلى نفسي، ويلزمني بتتبع خطوات الشرف، ويمنعني من نسخ الشرائط الإباحية في حالة وجود فائض من أدويتي، والتي ما إن تنفد حتى تعود ريما لعادتها القديمة، وأرضي بتسجيل نفسي في سجل القوادين حتى أحصل على المال، لتبدأ دورة شراء الأدوية وتخزينها.
أهدتني أختي سحر وزوجها سعيد "كمبيوتر" أصبح فيما بعد عالمي الذي لا أمل الجلوس إليه، أبثه شكواي دون تذمر منه.
على الإنترنت أصبح اسمي "شمس" وكونت مجموعة خاصة لمن هم مثل حالتي؛ لأتعرف على نفسي من خلال الآخرين، ويا لهول ما وجدت!


v
v
v
v
  رد مع اقتباس