ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام - التاريخ محاضرات انتشار الاسلام في اوروبا

المحاضره الاولى: الفتح الاسلامي لبلاد الأندلس

أولاً: يعتبر شبه جزيرة ايبيريا من اروع حلقات الفتوح الاسلامية الاولى : ((عللى او اشرحي العبارة))
1-فقد جاء ذلك الفتح تتويجا لجهاد العرب الطويل لفتح الغرب الذي استغرق كما راينا حوالي سبعين سنة مابين نصر وهزيمة ومد وجزر وكان ذلك دليلا على حيوية الشعب العربي واقدامه وايمانه بدينه ونفسه.
2-الاندلس هي الدولة الاولى التي اقامها العرب في اوروبا وقد كانت للاسلام خلافتان على الارض الاوروبية الاولى دولة الاسلام في الاندلس والثانية هي دولة الخلافة العثمانية في الشرق وهذه هي الناحية التي تهمنا وهي الميزة التي تمز بها الأندلس عن غيره من البلاد التي فتحها المسلمون فنحن هنا في بلد اوروبي ونحن مع ملك اقامه العرب في قلب الغرب الاوروبي بين فكي الاسد ومع ذلك فقد تمكنوا من تحويل ذلك البلد الى مركز من مراكز الاسلام والعروبة
3-يؤكد ذلك ان الاندلسيين جعلوا من وطنهم واحد من ازهر بلاد الاسلام واقاموا وراء البحر دولة مجيدة هي الدولة الاموية الاندلسية ودولا اخرى غيرها واقاموا صرح حضارة زاهرة لا زلنا نفخر بها الى اليوم ودوا جسرا حضاريا عبرت به حضارة العرب الى بلاد الغرب الاوروبي .
4-كما اشترك في هذا الفتح كل من المسلمين والمسيحين واليهود
ثانياً:اسم الاندلس :
عندما نقول الاندلس فإننا نعني ما ساده العرب من شبه الجزيرة الايبيرية (اسبانيا والبرتغال) لان العرب عندما فتحوا الاندلس فتحوه كله الى جبال البرت كما قلنا والى خليج بسكاى الذي يسميه العرب ((حائط افرنجة)) ثم اخذوا يتراجعون شيئا فشيئا حتى اذا قامت الدولة الاموية سنه 138 هـ كان العرب قد فقدوا الركن الشمالي الغربي لشبه الجزيرة واستمر سلطان العرب على بقية البلاد حتى سقوط الخلافة الاموية الاندلسية سنه 432هـ وبعد ذلك اخذوا ينحسرون ويفقدون اجزاء اخرى من شبة الجزيرة ولكن لفظ الاندلس ظل يطلق على ما بيد المسلمين من شبه الجزيرة حتى اقتصر في النهاية على مملكة غرناطة في الركن الجنوبي من شبه الجزيره هو يمثل ثمن مساحتها ومع ذلك ظل يسمى الاندلس وفي نهاية عندما لم يبق في يد المسلمين الا مدينة غرناطة كانت هي الاندلس وهكذا.
ولفظ الاندلس معرب جاء لفظ(( الوندال)) الذين يسمون في اللغات الاوروبيه ((الفاندال او الفاندالوس)) وهذا القبيل من المتبربرين غزا شبه الجزيرة في القرن الخامس الميلادي وانحدر الى الجنوب تدفعه قبائل اخرى جرمانية حتى انتهى الى الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة وهناك اقام زمنا طويلا سمى ذلك الطرف الجنوبي باسم ((فاندا لوسيا او ندالوسيا)) وبهذا الاسم عرفه البربر الذين يقيمون على بحر الزقاق وعندما وصل العرب قيل لهم ان هذه ارض ((وندلس)) وحرف الواو هو اداة التعريف في لهجة بربر طنجه فعرب الاسم الى ((الاندلس)) وبهذا الاسم ظلت البلاد تعرف الى نهاية الحكم العربي ولا زال اللفظ في صورة اسبانية هي ((اندلوثيا)) يطلق الى اليوم على ثمانية محافظات صغيرة في ثلث الجنوبي لشبة الجزيرة جنوبي نهر الوادي الكبير حتى المريه وغرناطه وجيان وقرطبه ومالقه وقادش وولية واشبيلية.
ثالثاً: تمهيد في احوال شبه الجزيرة الايبيرية قبل الفتح الاسلامي :
الاحوال السياسية لبلاد الاندلس قبل الفتح الاسلامي : ( عرفي القوط الغربيون)
كان شبه الجزيرة الايبيرية قبل الفتح الاسلامي خاضعة لسلطان القوط الغربيين وهم واحد من شعوب الجرمان المعروفه بالمتبربرين الذين اقتحموا بلاد الدولة الرومانية وتقاسموها فيما بينهم من اواخر القرن الرابع الميلادي.
دخل القوط الغربيون بلاد الدولة الرومانية اوائل القرن الخامس الميلادي اتخذوا طليطلة عاصمه لهم وانشاوا مملكة يتولى امورها القوط وحدهم فكانوا يحكمون رعاياهم من اهل البلاد من الايبيريين الرومان بالقوة والعنف خاصه وقد كان القوط مسيحين على المذهب((الاريوسي)) الذي يقول بطبيعة واحدة للسيد المسيح في حين ان رعاياهم كانوا على المذهب الكاثوليكي الذي يقول بالطبيعتين وبين المذهبين من الخلاف مابين دين ودين ونتيجة لذلك كان هناك عداء شديد بين القوط ورعاياهم.
وفي عهد ملك من ملوك القوط يسمى ((ريكاردو)) تحول القوط الى المذهب الكاثوليكي فكان ذلك سببا في مصالحة بين القوط ورعاياهم وتحسنت الاحوال نتيجة لذلك وتمكن القوط من السير بدفة الامور فترة من الزمن ولكنهم لم يختلطوا برعاياهم قط وظلوا يعتبرون انفسهم طبقه متميزه على بقية السكان.
وقبل الفتح العربي بنحو عشرين سنة صار العرش الى ملك يسمى ((ومبا)) صلحت على يديه الامور واعلن سياسة تسامح في البلاد فرضى عنه الناس وكان له ابناء كثيرون سيكون لهم دور في الفتح العربي للمغرب.
الاسباب التي ساعدت المسلمين على فتح بلاد الاندلس
أسباب من جانب القوط
1-سوء الاوضاع السياسية:
وقبيل الفتح العربي ثار على الملك ((ومبا)) حاكم قرطبة القوطي واسمه ((رودريك)) ويعربه العرب ((لذريق)) وخلعه عن العرش وتولى مكانه واتبع سياسة ظالمة لاهل البلاد واضطهد اليهود فتغيرت قلوب الناس عليه وفكروا في القيام ضد حكمه ووجدوا ان خير ما يعينهم على ذلك هو الاستعانه بالمسلمين.
وتولى الوساطة بين الساخطين على لذريق و ((طاريق بن زياد)) قائد جيوش المسلمين المعسكرة عند طنجة الكونت ((يوليان)) حاكم سبته.. كانت العلاقة سيئة بين لذريق ويوليان ويذهب المؤرخون العرب الى ان سبب ذلك هو ان الملك لوذريق اعندى على بنت يوليان وكانت تتربى في قصره وعلى اي حال اقبلت الوفود على طارق تدعوه لفتح شبه الجزيرة الايبيرية او الاندلس وكانوا جميعا يعتقدون ان العرب عندما استجابوا لهذا الطلب لم يكونوا يقصدون اكثر من انزال ضربة قاضية بلذريق ثم العودة الى المغرب محملين بالغنائم وغاب عنهم ان العرب لا يقومون بهذه المهام وانهم قوم فاتحون يحملون رسالة ودينا سماويا.
2-سوء الاحوال الاجتماعية :
كانت اسبانيا في الفترة الاخيرة من الحكم القوطي تعاني ضعفا اجتماعيا جعلها فريسة سهلة لاي فاتح يقبل عليها من الشمال الى الجنوب واذا نظرنا الى المجتمع الاسباني في ذلك الوقت وجدناه مقسم الى طبقات خمس:
أ‌-الطبقه العليا:
مكونه من الملك والنبلاء : كان الملك القوطي يعين بالانتخاب لا بالوراثة من اسرة الفاتح القوطي وعلى الرغم من محاسن هذا النظام الذي يجعل الحكم للاصلح الا انه ادى في النهاية الى وجود تنافس مستمر بين النبلاء للوصول الى العرش فكثرت الدسائس والمؤتمرات التي اضعفت من قوة الدولة وافراد هذه الطبقة كان نفوذهم غير محدود كما كان ممتلكاتهم شاسعه ومعفاه من الضرائب.
ب‌-طبقة رجال الدين:
هذه الطبقه نفوذهم غير محدود كما كانت ممتلكاتهم شاسعه ومعفاه من الضرائب تقريبا حتى ان البعض كان يعتقد ان في استطاعة رجل الدين ان يدخله الجنة او النار كما كان لرجال الدين نفوذ سياسي الى جانب نفوذهم الروحي اذ كان عليهم ان يباركوا الملك الجديدبعد انتخابه الامر الدال على اشتراكهم في انتخاب الملك كما كانت ممتلكاتهم العقارية معفاه من الضرائب مثل النبلاء تماما.
ت‌-الطبقة الوسطى:
هذه الطبقة قليلة العدد مثقلة بالضرائب وحالتها سيئه
ث‌-الطبقة الدنبا:
كان أفراد هذه الطبقه يشتغلون في مزارع النبلاء ورجال الدين وهم مرتبطون بالارض التي يشتغلونها فهم ملك لصاحبها وينتقلون معها اذا بيعت فهم عبيد الارض .
ج‌-طبقة اليهود:
كان عددهم كبير في اسبانيا وكانوا يقومون بالاعمال المالية والحسابية في دواووين الدولة ولكنهم كانوا مكروهين بسبب اختلاف عقيدتهم وتعاطيهم الربا لذا تعرضوا للكثير من الاضطرابات واضطروا الى محاولة قلب نظام الحكم عن طريق الثورة ويبدوا ان اليهود في اسبانيا كانوا على اتصال بابناء ملتهم في شمال افريقبا وعلى علم باخبار الحرية الدينية التي يتمتعون بها في ظل الحكم الاسلامي .

3-الصراع الديني والمذهبي:
كانت اسبانيا تدين بالديانة المسيحية وكانت الطبقة الحاكم على المذهب الكاثوليكي في حين اعتنق الشعب المذهب الارثوذكسي الامر الذي ادى الى ظهور صراع بين المذهبين من جه و المسيحين عموما واليهود من جه اخرى لاختلاف الديانتين.
رابعاً: فتح الاندلس :
لقي الطلب اذانا صاغية من طارق بن زياد لان قواته العسكرية المقيمة في طنجة كانت معطلة دون عمل وكانت نفوس افرادها تتوق الى الجهاد وكان مع طارق اعداد كبيرة من جند البربر والعرب .
ارسل طارق الى موسى بن نصير وكان اذ ذاك والى المغرب للامويين يستاذنه في غزو الاندلس فاذن له ولكنه امره بان يختبرها قبل ذلك بالسرايا لكي يعرف مدى مقاومة القوط قبل القيام بذلك العمل ثم انه نصح طارقا بان يستوثق من ولاء يوليان بتكليفه بالقيام بغارة على الاندلس حتى يضمن انه اصبح عدوا للذريق ففعل يوليان ذلك وتعهد بنقل جند المسلمين الى الاندلس في سفنه.
1-المرحله الاولى :
في سنة 91 هجري ارسل طارق بعثا استطلاعيا يقوده قائد من قواد البربر يسمى ((طريف بن زرعة )) فقام بمهمته خير قيام واغار على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة وعاد بغنائم وافرة دون ان يلقى مقاومة ومن ذلك الحين اصبح اسم طريف يطلق على بلدة صغيرة جميلة في اقصى الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة.
2-المرحلة الثانيه :
تشجع طارق بهذه النتيجة فعبر الاندلس سنة92هجري ونزل بصخرة جبل طارق التي كانت تسمى قبل ذلك بصخرة كالبى فاصبحت تسمى باسمه وهناك انشا قاعدة وحصنا عهد في حمايته الى يوليان ثم سار الى الشمال حتى بلدة تسمى قرطاجة وترك بها حامية . ثم سار الى الجنوب حتى بلغ الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة وسار بمحاذة ذلك الساحل وعبر نهيرا صغيرا يصب في المحيط الاطلسي يسمى وادي ((لكة)) وبعد ذلك ضرب بمعسكره في منطقة واسعة يحدها من الشرق وادي ((لكة)) ومن الغرب وادي ((البرباط)) وفي ذلك السهل الواسع اخذ طارق ينظم قواته انتظارا للقوط ووصل الخبر الى لذري ق وكان مشغولا اذ ذاك في ثوره مفتعله شنها قبائل الفاسكس في شمال شبه الجزيرة فجمع قواته وانحدر الى الجنوب للقاء المسلمين لانه يبدو ان الاخبار التي بلغته روعته روعا شديدا ووصل الى بلدة شذونة وهناك اخذ يستعد لخوض المعركة ثم سار للقاء المسلمين ولما راى طارق ان العدو يفوقه عددا ارسل الى موسى طالب منه العون فستجاب له ووجه له مددا يقدر ب5000 جندي بقيادة طريف فاصبح مجموع جيش المسلمين 12,000 ولم تلبث المعركة ان شبت وهي لم تقع في موضع محدد بحيث يمكن ان تسمى باسمه ودامت اكثر من اسبوع وانما كانت معركة من طراز جديد بين قوتين غير متعادلتين ((في العدد الجيش )) واستمرت حتى انهزمت قوة القوط .
ويبدو ان طارق بن زياد هو الذي رسم خطة المعركة على هذا النحو لان الفرق في القوة بين من كان معه ومن كان مع عدوه كان فرقا كبيرا جدا ولم يكن من الممكن التغلب على العدو الا على طريقة الحرب الصغيرة التي تسمى اليوم ((الجريلا)) التي نسميها عادة بحرب العصابات على اي حال نجح طارق في القضاء على قوة القوط وقتل لذريق وبعد ذلك مباشرة سار الى الشمال وقد امتلات ايدي اصحابه بالغنائم .
واتجه طارق بمن معه الى الشمال فعبر نهر الوادي الكبير وكانت وجهته ان يدخل طليطلة وهي عاصمة القوط وتبعد عن مكان المعركة بما يزيد على ستمائة كيلو متر في ارض وعرة كلها جبال ووديان ومضايق عسيرة وانه لمن عجائب التاريخ التي تدل على قوة الاجيال الاسلامية الاولى وعزيمتها وايمانها ان تلك القوة الاسلامية استطاعت بعد معركة طاحنة ان تعبر تلك المسافة الشاسعة وان تصل الى طليطلة وتدخلها دون مقاومه تذكر وقد وجد طارق وقواته معاونه من اليهود المقيمين في اسبانيا بسبب اضطهاد القوط لهم ولهذا اعتمد عليهم في حفظ البلاد المفتوحه في الوقت الذي كان فيه الجيش الاسلامي متفرغ لعملية الغزو . ثم خشي طارق ان يقطع الطريق في هذه البلاد الجبلية الوعره لا سيما ان فصل الشتاء قد اقترب وتعب المسلمون من الجهد الذي بذذلوه واثقلوا بالغنائم التي جمعوها لذا قرر طار ق البقاء في طليطلة واستنجد بقائده موسى بن نصير . استقر طارق في طليطلة وهرب منها كبار القوط وكذلك كبار رجال الدين وعلى راسهم اسقف طليطلة في اتجاه شمالي شرقي .

اهمية موقعة شذونه :
كانت معركة فاصلة درات بين المسلمين والقوط وقد توقفت عليها مصير اسبانيا في يد المسلمين اذ فتحت ابواب الاندلس للمسلمين كما ان جميع المعارك التي حدثت بعد ذلك في بقية انحاء اسبانيا كانت بمثابة مناوشات بسيطة بنسبة لهذه المعركة الفاصلة
3-المرحلة الثالثه :
دخول موسى بن نصير الاندلس واشتراكه في الفتح :
ووصل خبر هذا النجاح الباهر الى موسى بن نصير في القيروان . ولم يتردد موسى في السير الى الاندلس في قوة كبيرة ووصل في اواخر شتاء الى طنجة عبر الى الاندلس في قوة تقدر 18,000رجل غالبيتهم من العرب هذه المره . ولم ير بناء على نصيحة رجاله وحلفاء المسلمين من اهل البلاد ان يسير في نفس الطريق الذي سار فيه طارق بن زيتد بل يتبع طريقا اخر فيفتح بلادا اخرى ينسب اليه فخرها حتى يصل الى طليطلة . تقدم موسى ومن معه نحو طليطلة وخرج طارق بن زياد للقاء مولاه موسى حفيا به ونجدهما عقب ذلك يسيران معا لمواصلة الفتوح. ثم عاد موسى بن نصير الى طل يطلة وبدا عمله كأول ولاة الاندلس هو دون شك اول عربي يحكم قطرا اوروبيا وقد اكد موسى هذا المعنى عندما امر بضرب عملة اسلامية في دار السكة بطليطلة ولما كان هذه الدار اسبان يكتبون صيغ العملة باللاتينية فقد ظهرت هذه العملة الاسلامية وعليها شهادة ان لا اله الا الله باللاتينية على احد وجهيها .
وعندما اقبل ربيع 714م خرج موسى بجيشه في اتجاه شمالي شرقي قاصدا سرقسطة وتمكن من الاستيلاء على هذه المدينة. ولكن الظروف لم تمهل موسى للاسترسال في الفتوح فقد اقبل الى معسكره مغيث الرومي عائدا من دمشق بامر من الوليد بن عبد الملك بان يذهب موسى وطارق معا الى دمشق ليقدما بنفسيهما بيانا عن الفتوح الى الخليفة .ولم يرفض موسى الاستجابة لهذا الطلب ولكنه طلب امهاله حتى يستكمل فتح الشمال الشرقي لشبه الجزيرة .
وهكذا نرى هذين الفاتحين العظيمين ياخذان طريق العوده الى الشرق في سنه 95 هجري 714 م وقد خلفا الاندلس وراءهما بعد ان قاما بما يمكن اعتباره معجزة من معجزات الفتوح العربية في بحر ثلاث سنوات من الجهد المتصل والحركة الدائمة فقد استطاع هذان الرجلان مع حنفة من المسلمين مابين العرب والبربر لاتزيد على30,000مقاتل ان يفتحوا قطرا اوروبيا واسعا يعتبر من اصعب الاقطار الاوروبية من الناحية الجغرافية الطبيعية وقد قام المسلمون بهذا الفتح بشجاعة وتعتبر مضرب المثل وساروا على خطة عسكرية وسياسية واضحة تدل على خبرة جيدة بمسائل الحروب وفتوح البلدان وقاد موسى بن نصير وطارق رجالهما بحزم ونظام وبعد نظر تذكرنا بقيادة خالد بن الوليد وسعد بن ابي وقاص وعمرو بن العاص وابي عبيدة بن الجراح.
وقد خلف موسى ابنه عبد العزيز بن موسى واليا على الاندلس مكانه فاذا اعتبرنا طارق بن زياد اول ولاة الاندلس كان عبد العزيز هو الثاني وقد بدات ولايته سنة 714م.
وببداية حكومة عبدالعزيز بن موسى بدا في تاريخ الاندلس عصر الولاة اي الولاة التابعين للحكومة المركزية في دمشق وتستمر هذه الفترة حتى سنة 138هجري756م وهي السنه التي قامت فيها امارة عبدالرحمن بن معاوية الداخل.
وقد انفق عبد العزيز معظم ايام ولايته في استكمال فتح شبه الجزية لان الفاتحين الكبيرين قضيا على دولة القوط ووصلا الى الحدود في كل ناحية غير انه بقيت بعد ذلك اجزاء كاملة من شبه الجزيرة في شرقها وغربها دون فتح وكان لابد من استكمال فتحها .
فقد فتح شرق الاندلس اما الركن الشمالي الغربي وهو الاقليم المسمى((جاليقية ))او((غاليسيا)) فان المسلمين لم يفرضوا سلطانهم تماما على هذه النواحي لوعورة مسالكها وبرودة مناخها فاهملوا جانبها استهانة فيها لذا استطاعت بعض فلول الجيش القوطي المنهزم بقيادة بلاي ان تعتصم بالجبال الشمالية في هذه المنطقة والمهم ان هذه البؤره الصغيرة نبتت بها نواه دولة اسبانيا النصرانية ونبتت معها حركة المقاومة الاسبانية .

المحاضره الثانيه : فتوح المسلمين شمالي جبال البريت

أولاً: الاوضاع السياسيه في بلاد الاندلس اثناء الفتح الاسلامي لبلاد غاله :
ببدايه حكم عبد العزيز بن موسى بن نصير بدا في تاريخ الاندلس عصر الولاه اي الولاه التابعين للحكومه المركزيه في دمشق وقد تولى امر الاندلس خلال هذه الفتره 22 والي ومعنى ذلك ان متوسط مدة حكم الوالي اقل من سنتين وهذا وحده يكفي لاعطائنا فكره عن عدم الاستقرار الذي ساد الاندلس خلال هذه الفتره فلدينا :
·اولا: اضطراب السياسه العامه لبني اميه بعد الوليد بن عبد الملك ووقوعها فريستا للعصبيات القبليه والشخصيه وكان لابد ان يكون لدلك اثره في الاندلس كما كان اثره في المغرب
·ثانيا: الخلاف الكبير بين العصبيات العربيه في المغرب ثم خلاف العرب البلديين مع العرب الشاميين ثم خلافات هؤلاء جميعا مع البربر وكان لابد ان يمتد ذلك كله الى الاندلس
·ثالثا: التنازع على السلطان بين الطامعين فيه .
الاوضاع السياسيه لبلاد غاله اثناء الفتح الاسلامي لها:
كان العرب في محاولتهم للاندفاع شمالا ان يواجهوا اربع جبهات للمقاومه بقايا قوات القوط في سبتمانيه , وقوات دوقية اقطانية , وقوات امارة برغندية ثم قوات مملكة الفرنجه.
الفتوحات الاسلاميه لبلاد غاله في عصر الولاه :
1)ولايه عبد العزيز بن موسى بن نصير :
استولى على اقليم قطلونية ودخل المسلمون برشلونه وطركونه ((خيرونا)) تميزه عهده : ((كانت شبه الجزيرة كلها في قبضة المسلمين عند نهاية امارة عبد العزيز بن موسى سنه 97ه )) وكان موسى ممهد للفتح.
2)الحر بن عبدالرحمن الثقفي :
تقدم فدخل ارغون عاصمة سبتمانيه تميز عهده ب ((قام بعدد من الغارات القصيره فتحت ابواب فرنسا الجنوبيه للمسلمين)) .

3)السمح بن مالك الخولاني : (معركة تولوز)

تميز عهده ((اخذت حركة الفتح في بلاد غاله بصوره جديده ))

فقاد جنده من ارغون وتقدم فحاصر تولوز اولى المدائن الكبيرة في دوقية ((اقطانية)) فاسرع ((الدوق اودو)) وجمع جيشا كبير وتقدم نحو المسلمين ودارت معركه عنيفه بين الجانبين وقد صبر المسلمون صبرا كريما حتى استشهدوا عن اخراهم وكان ذلك سنه 102 ه ولم تستطع فلول القوات الاسلاميه العوده الى ارغون الا بفضل قائد ممتاز من طراز السمح هو عبدالرحمن بن عبدالله الغافقي وهذه اول مرة نسمع فيها باسم هذا الرجل العظيم تمكن من جمع فلول الجيش والعوده بنظام الى ((ارغون)) وهناك انتخبه الجند العربي عاملا على الاندلس وتلك كانت ولايه عبدالرحمن الغافقي الاولى التى لم تدم الا قليلا .

4)عنبسه الكلبي :

الوالي الذي خلف عبد الرحمن الغافقي كان رجلا من طراز كبار الفاتحين وهو عنبسه تولى سنه 105 ه قضى عنبسه السنوات الاولى من الولايه في تنظيم امور الاندلس وتكوين جيش قادر على مواصلة الفتوح في غالة فلما تم له ذلك سار شمالا فحتل قرقشونه وعقد حلفا مع اهل الناحيه على ان يردوا اسرى المسلمين ويقاتلوا معهم ثم اتجه شمالا وادرك ((اوتان ))واحتلها حتى بلغ ((صانص)) وهذه كانت ابعد نقطه وصل اليها المسلمون شمالا .. وان وصول العرب الفاتحين الى ذلك الحد لدليل قاطع على ما متازوا به من جراة وقو ة وايمان تصنع المستحيلات ولا يقلل من هذا الفضل انهم لم يستطيعوا البقاء عند ذلك الحد .

اخذ عنبسه مع رجاله طريق العوده الى الاندلس محملين بالغنائم بعد ان اجتاحوا حوض الرون كله وتخطوا اللوار وصلوا الى السين ولا نستطيع القول بان عنبسه فتح جنوبي غالة او حوض الرون ((عللي,او لماذا؟)) لانه في الواقع لم يفعل شيئا لتثبيت اقدام المسلمين فيما وصلوا اليه من البلاد ولكنه على اي حال الفاتح المسلم الوحيد الذي وصل الى هذا المدى في فتوحه وربما جاز تشبيه حملة عنبسه بحملة عقبه الكبرى مع اختلاف الظروف طبعا..

5)ولايه عذره الفهري :

قام عذره بعمليات عسكرية قليلة في غالة ولكن يبدو ان الجند الاسلامي الذي كان مركزا في ارغون كان يقوم بضربات سريعه وغارات عنيفه من كل جهة ومثل هذه الغارات والضربات تؤتي غنائم وافرة للمحاربين انفسهم ولكنها تضر بالقضية الاسلاميه الكبرى ((عللي او لماذا )) لانها :

أ‌-ترعب الناس من المسلمين وتلقي في روعهم انهم اهل غارة وسلب ونهب لا غير

ب‌-تفقد الجنود طابع النظام وخواص الجديه والايمان والبساله الحقيقية ومن اسف ان عذرة الفهري لم يستطع ضبط رجاله فذاع اسمه في جنوبي فرنسا كلها كرجل سفاك نهاب .

6)ولايه عبدالرحمن الغافقي : (معركة بلاط الشهداء أو بواتييه)
استطاع بحزمه وروحه العسكريه ان يضبط جنوده ويعيدهم الى النظام من جديد حقا انه لم يستطع استعادة موقوسة الى صفوفه ولكنه على اي حال اوقف تيار تدهور الفتوح الى غارات ولو ان عبدالرحمن الغافقي كان اقل عنفا عما كان في الواقع لا ستطاع ان يصل الى نتائج احسن ولكنه كان جنديا عنيفا بالغ الحماس لا يلتفت الى سياسة او كياسة مما قلل فرص النصر الكبير امامه
خرج عبد الرحمن الغافقي بحملته الكبيرة سنه 114 ه وكان معه 70 الف جندي تقريبا غلبهم من البربر في حين ان الروايات النصرانيه تقول انه كان يقود 400 الف مقاتل .
ولم يحاول عبدالرحمن الغافقي ان يكسب صداقة الدوق ((أودو)) بل انه لم يعمل على ايقافه على الحياد واتى عبر جبال البرت من الممرات راسا الى قلب بلاد اودو فاضطر هذا الى طلب العون من رجال الفرنجه وعقب ذلك عاد عبدالرحمن واتجه نحو ((بردو)) عاصمة اقطانيه وتصدى له الدوق((اودو)) فهزمه عبدالرحمن هزيمه كبرى ثم دخل المسلمون بوردو واحتلوها واسرع ((اودو)) نحو شارل مارتل وتقدم عبدالرحمن فاحتل بواتييه بعد صراع عنيف وشرع يستعد للسير شمالا نحو باريس .
وعجل شارل مارتل فحشد كل ما استطاع من قوة للقاء المسلمين واستنفر الناس استنفارا فتضخم جيشه وسار جنوبا للقاء العرب شاعرا ان هذه فرصته الكبرى لكي يثبت جدارته بالملك من دون الميروفنجيين .
مسمى المعركه :
كان اللقاء في بواتييه في الطريق الى ((تور)) في موضع قريب من طريق روماني قديم هو المسمى ((بالبلاط )) وفي هذا الموضع قرية تسمى الان مواسيه لا باتاى وربما كان موقعها يحدد مكان المعركه .
تاريخ المعركه :
سنه 114 هجري
احداث المعركه:
دارت المعركه اذن اكثر من اسبوع مما يدل على انها كانت معركة حاميه والحق ان كلا من الجانبين بذل اقصى وسعه في القتال وصبر المسلمون صبرا طويلا حتى تجمعت عليهم قوات نصرانيه من كل ناحية فلم يقتصر الامر على الفرنجه بل كان هناك كثيرون من اجناس جرمانية اخرى واخر مراحل المعركه كان هجوما عنيفا على مؤخرة الجيش الاسلامي فانتهبت الغنائم وتزعزع نظام الجيش ودقت ثغرات نفذ منها الاعداء وفي اثناء ذلك استشهد عبد الرحمن الغافقي بسهم اصابه وكان هذا نذير الهزيمه وقد استمر القتال مع ذلك حتى هبط الليل فتحاجز الفريقان وانتهزت فلول المسلمين الفرصه فتسللت من مكان المعركه تحت الظلام فلما اصبح الفرنجه لم يجدوا للمسلمين اثرا ولكنهم وجدوا ذخائر عظيم ة فانتهبوها ولم يفكروا في تتبع المسلمين فسلمت البقيه الباقيه منهم وعادت الى ارغون .

العوامل التي ساعدت شارل على خوض معركة بلاط الشهداء :
1)ظروف العرب في المغرب والاندلس لم تكن تسمح لهم بمواصلة الفتوح بالقوة التي عهدناها فيهم وذلك بسبب الخلافات بين العرب انفسهم ثم بينهم وبين البربر..
2)ان حملة عنبسه اثارت مخاوف اوروبا الغربيه كلها فقد اقتحمها العرب اقتحاما واوغلوا في داخل بلادها دون ان يستطيع احد مقاومتهم ولقد شعر القائم بامر مملكة الفرنجه اذ ذاك وهو شارل بانه لابد ان يقوم بعمل حاسم اذا عاد العر مرة اخرى وبالفعل بدا يستعد للقاء حاسم فاخذ يجمع ا لقوات والسلاح والازواد وصالح((امراء برغندية ))واتفق مع ((رجال سبتمانيه )) ومع ((الدوق اودو )) ليقموا معا بعمل حاسم ضد المسلمين .
وكان عنبسه قد استشهد في طريق عودته اذ داهمتهم قوات نصرانيه كبيره وقد قتل عنبسه عام 107 ه وتولى ولايه الاندلس من بعده عذره الفهري .
3) وقع انشقاق في صفوف المسلمين المقيمين في الثغر الاعلى الاندلس وكان له اثر سيى على سير الفتوح فيما بعد فان الدوق اودو كان قد حالف المسلمين بل صاهر قائدا بربريا من قوادهم يسمى(( موقوسة ))كان مركزه في الناحيه الغربيه من جبال البرت ولم يرض المسلمون عن هذا الصهر لان مو قوسة بدا ياخذ جانب اودو ورجال اقطانيه وانتهى الامر الى انفصاله عن المسلمين بمن معه من الرجال .
4) تعاقب على ولايه الاندلس بعد عزل عبدالرحمن الغافقي ((الولاية الاولى له التي كانت مؤقته )) سبعة ولاة لم يفض احدهم فيها اكثر من شهرين مما يدل على اضطراب الاحوال
5) تطلع الناس في جنوب فرنسا الى من يخلصهم من غارات عذره السالبة الناهبة وذلك كله مهد الطريق امام شارل مارتل
هدف شارل من خوض معركة بلاط الشهداء:
كان شار مارتل يجمع قوى انصاره وينتظر الفرصه التي تسمح له باثبات استحقاقه لتاج الملك ..
اسباب هزيمة عبدالرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء :
1-((البعد)) : ان الجيش الاسلامي رغم شجاعته وارتفاع قراه المعنويه كان قد بعد جدا عن بلاد الاسلام بمسافات واسعه جدا تجعل موالاة الجيوش بالمؤن والازواد والامداد امرا عسيرا ولو ارسل عبدالرحمن الغافقي رساله استنجاد الى قرطبة فان حاملها لايصل في اقل من شهرين في حين ان شارل كان يحارب في بلاده وبين اهله وعشيرته .
2-((المناخ و طبيعة الموقع )): كان الوقت خريفا وهو موسم الامطار الثقيله في هذه النواحي والمسلمون لا يستريحون للبرد والمطر وكانت تلك المناطق كلها غابات والفارس العربي لم يكن يحسن الحرب في الغابات ثم ان خيول المسلمين العربيه الضامرة تاثرت دون شك بالبرد والامطار ولم تعد تستطيع الحركه بنفس الخفه التى تعمل بها في الجو الدافئ الجاف .
3-ان عبد الرحمن الغافقي كان جنديا عظيما ولكن كانت تنقصه القدرة على وضع خطة محكمة للقتال كما راينا مثلا عند حسان بن النعمان و طارق بن زياد فقد استمر عبدالرحمن في سيره حتى لقيه الفرنجة.
4-لدينا مسالة الغنائم الكثيرة التي كان الجيش الاسلامي يسحبها وراءه ويفهم من بعض الروايات ان خوف المسلمين على ضياع هذه الغنائم كان من اكبر اسباب الهزيمة.
5- كانت الغالبية العظمى من المسلمين من البربر ولم تكن العلاقات بينهم وبين العرب أهل القيادة على ما ينبغي في هذه الظروف ولم تكن لدى عبد الرحمن الغافقي من السياسة وبعد التظر ما يمكنه من إزالة أسباب الخلاف في الجيش ليستطيع السيطرة الكاملة على قواته
اهمية معركة بلاط الشهداء:
لقد توقفت موجة الفتح الاسلامي الخارجي تماما والسبب في ذلك لا يرجع الى هذه الهزيمة بالذات فكثير من المعارك خسرها العرب ثم كانت لهم بعدها كرات ((مرات)) اعقبها الفتح والنصر ولكن السبب هنا يرجع الى الفتن والاضطرابات الداخلية التي حلت بالمغرب والاندلس وحالت دون استمرار هذه الغزوات, فعندما بلغ الخبر الى عبيد بن عبدالرحمن السلمي عامل افريقة ولى عبدالملك بن قطن الفهري من قبله على الاندلس فاسرع هذا الى ارغون وفي الطريق اعاد الهدوء الى املاك المسلمين في جبال البرت وجنوب فرنسا وثبت سلطان المسلمين في سبتمانية وعقد معاهدات مع نفر من الرؤساء خلفوا الدوق اودو . ومن حسن الحظ ان شارل شغل عن المسلمين باعداء كثيرين من ابناء جنسه في شمال مملكته فاتيحت الفرصه للمسلمين ليعيدوا تنظيم انفسهم من جديد .
وقد تمكن عبدالملك بن قطن من اعادة تنظيم القوات الاسلامية واشتغل بعد ذلك باعادة سلطان المسلمين على نواحي جبال البرت ونلاحظ ان المسلمين اتخذوا سياسة جديدة لحكم مابيدهم من فرنسا وهي اقامة حاميات قوية في المدن وتحصين قلاعها واتخاذ هذه القلاع مراكز للحكم والحرب كما ان هذه الفتن والاضطرابات شجعت العدوا شارل مارتل على معاودة الكره واسترداد ما اخذه العرب من بلاد ماوراء البرتات .
اذ احس سارل انه لا مفر له من مواجهة المسلمين مرة اخرى وتقدم بالفعل بجيش كبير يقوده هو واخوه ((شلدبراند)) وسار نحو المسلمين ايضا ملك اللومبارديين فاضطر المسلمون الى اخلاء ابنيون وتراجعوا الى ارغون وتحصنوا فيها وهناك ثبتوا نحو 30 سنه فلم تسقط الا في سنه 141 هجري وكان ذلك في ايام عبدالرحمن الداخل وقد وجد عبدالرحمن انه لن يستطيع المحافظة على املاك اسلامية شمال جبال البرت فاخلى هذه الاراضي واقتصر على شبه الجزيرة الايبيرية وكان ذلك خطا منه ، وكانت نتيجة تخليه تماما عما يقع شمالها ان استعاد الفرنجة فيما بعد منطقة قطلونية فانشا شرلمان فيها ولاية الثغر الاسباني ومعنى ذلك ان شبه الجز يرة انتقص ايضا من الشرق بعد ان انتقص من الغرب كما راينا .
وهكذا تمكن شار مارتل بعد انتصاره في هذه المعركه من الحصول على مباركة رجال الكنيسه لحكمه واستحق تولي العرش في نظرهم اذ خلص الديانه المسيحيه من خطر الاسلامي الزاحف تجاهها فعتبره رجال الكنيسه المنقذ لهم ..