تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اللغة العربية محاضرات الادب الاندلسي


بنوته11
2012- 5- 2, 05:13 PM
المحاضره الاولى
تاريخ حضارة الأندلس
تاريخ الحضـارة الأندلسـية
ظهرت الحضارة الأندلسية عند قيام طارق بن زياد فتح بلاد الأندلس، حيث كانت شبه الجزيرة الأيبرية (اسـبانيا) تحت حكم الملوك القُوط الذين هاجـروا اليها من داخل اوروبا وقد عانى الاسبان كثيرا من ظلمهم وسوء ادارتهم وقد كانوا يتحـينون الفُرص للتخلص منهم.
حـانت الفرصــة عـندما جــاء مـلك القـُــوط لذريــق إلـى الحـكــم بعــد ان اغتـصـــب الحُـكـم من المـلـك الشــرعـي واغتياله فقد طلب بعـض الاسبان النجدة من موسى بن نصــير الذي أرســل قـائداً شـــاباً مع جـيـش صـغـير مـن المســلمين. كان هذا القــائد هو (طــارق بن زيــاد) الذي وطأت اقدامه هو وجيـشـه ارض الاندلـس في شـهر رجـب 92هـ 711م عــند المضيق المسـمى باســمه لهـذا اليوم (جبل طارق).
لم تكن سيطرة المسلمين على اسـبانيا كاملة تماماً اذ بقيت جيوب صغيرة للأسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجـوم والتخريب. لم يَدرْ في خلد المسـلمين الفاتحين. إن هذه الجـيوب الصـغيرة سوف تكون نواة لممالك الاسـبان مستقبلاً لينطلقـوا منها في التهـام ممالك الاسـلام في اسـبانيا الواحدة تلو الاخـرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الاسـبان لينتهي إلاّ بطـرد المسـلمين بصورة نهائية كما سوف نرى.
تسمية الأندلس يعود أصل تسمية الأندلس بالأندلس إلى أسـاطير واحتمالات، إن الغالبية العظـمى من المؤرخين العـرب والمسلمين وخاصـة مؤرخـي العصور القديمة، يعتمدون على الروايات والقصص الدينية في البحث عن أصول شعب أو أرض ما.
• يذكُر كثير من المؤرخيـن العـرب أن الأندلس سُميت بهذا الاسـم نسبة إلى أندلس بن يافث بن نوح الذي هو أول من عمّرها.
• كما ذكـر ابن خـلدون إنّ أول من سـكنها بعد الطـوفان لسفينة نـوح قوم يُعـرفون بالأندلـش ـ بشين مُعجـمة ـ ثم عـرّب هذا الاسم بعد ذلك بسين مهملة.
• أما عبد الرحمن الحجي فإنه يذكر في كتابه (التاريخ الأندلسي) أن أصل مصطلح الأندلس مأخوذ من قبائل الوندال (Vandalos) التي تعود إلى أصل جرماني، احتلت شبه الجزيرة الأيبيرية حوالي القرن الثالث والرابع وحتى الخامس الميلادي، وسميت باسمها فاندلسيا Vandalusia أي بـلاد الوندال ثم نُطقت بالعربية الأندلس.
• ذكر النويـري أن النصارى أي الأسـبان، تسمي الأندلس إشـبانية باسـم رجل صلب فيها يقـال له إشبانش وقيل: باسم ملك كان لها في الزمان الأول اسمه إشـبان بن طيطش.
• على مرّ السـنين دخل الكـثير من الاسبان في الاسلام وكثر التزاوج بين الفاتحـين والأسـبان، بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عـروقهم دماء اسبانية إضـافة إلى الدمـاء العربية والبربريـة وقد ارتقى الكـثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسـي الذي اعتنق جده الاسلام.
• دخلت الاندلـس المرحـلة الثـانية من تاريخـها السياسي عندما فوّضت أركان الخـلافة على بنـي أمية في دمشق حيث هزم اخـر خلفائهم مروان بن محمد امام جـيوش العباسـيين في معركة الـزّاب سنة 132هـ.
• ولى هائماً على وجهه وكأن الارض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتـبدأ مرحلة دموية كان الامويون وقُـودُها، حيث أذاق بنو العباس الامويين حَرِّ الحـديد وبَأْسَ السـيف وجرعوهم مرارة الذل والهوان وشـردوهم وراء كل حجرٍ ومدرْ. نجا من تلك المذابح شـاب اموي اسمه عبد الرحمن استطاع عبور الفرات وهـرب إلى شمال افريقيا.
وبمسـاعدة اخواله البربر استطاع العـبور إلى الاندلـس استطاع عبدالرحمن الملقب (الداخـل) من تأليف القـبائل اليمانية التي كانت ناقـمة على هيمنة القـبائل القيسـية وبمساعدة البربر استطاع ان يخضع الاندلس لسيطرته وان يبايعوه أهـل الاندلس اميـراً عليها سنة 138هـ 755م. حاول الخليفة ابو جعفر المنصور عبثاً إِخضاع عبدالرحمن الداخل حيث اسـتطاع عبدالرحمن الناصر هذا الذي لقبـه المنصور بـ(صقر قريش) أن يهـزم جيش المنصور وأن يبرد برؤوس قادة الجـيش إلى المنصور لتصله إلى مكـة اثناء موسم الحج.
-اتخذ عبدالرحمن قرطـبة عاصـمة له وبدأ ببنـاء وتوسـعة مسجدها فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة اصبحت معها فيما بعد محط الانظار ومهد الحضارة
استمرت السُّـلالة الاموية في حكـم الاندلس حيث بلغت أوج حكمها في زمن عبدالرحمن الثـالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماًً وامتد سُلطانه إلى شمال افريقيا وليقهر الأسبان وليجعل من (اسبانيا) قبلة الامصار وعروس اوروبا. إليها تشدّ الرحـال لطـلب العلم والأدب والفنـون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في اوروبا.
• بدأ حُكـم عبدالرحمن الثالث في سنة300هـ وانتهى عام 350هـ واستطاع أن يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمّى نفسه الناصر لدين الله.
• وبهذا اصبحت دار الاسلام يحكمها ثلاثة خلفاء هم: (الامـوي والعباسـي والفاطمـي) في آن واحد.
• جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
• 1. عصر الولاة الحــاكــم من الى الملاحضات
• طـارق بـن زيــاد 92 93 أول من دخلها وأميرا للجيش
• موسى بن نصير اللخمي 93 94
• أبو عبد الرحمن بن موسى بن نصير 94 95
• * هناك عدد كبير من الحكام لا يسع 59 138
الوقت لذكرهم ونوجز هنا في ذكر
الحكام الذين كانت لهم صبغة في
حكم الأندلس.
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
2. الحكام الأمويون في الأندلس (الأمراء) من الى ملاحظات
أول الحكام من الأمراء 138 172 مدة حكمة 34 سنة وتمتاز بطابعها الشامي
أبو المطرف "الداخل" عبد الرحمن
بن معاوية صقر قريش
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
الحاكم من الى الملاحظات
أبو المطرف "الناصر لدين الله" 300 350 دام ملكه خمسين حولاً وكان عهداً زاهراً وبلغت الأندلس أوج حكمها
عبدالرحمن (3) بن محمد
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
3- عصر الطوائف من الى الملاحظات
استطاعت الأسر القوية أن تستقل ببعض الأقاليم فهناك 629 633 ثم دخول بن الأحمر وأخيرا سقطت في أيدي القشتاليين
بنو جهور في قرطبة- بنو ذي النون في طليطلة-
بنو هود في سَرَقُسْطة- بنو الأفطس في بطليموس
- بنو عبد العزيز في بلنسية- بنو عبّاد في أشبيليا
أخر الحكام كان من عمال بني هود
* في عام 633هـ سقطت (غرناطـة) والأندلس في أيدي الأسبان.
مدن الاندلس قرطبه:
مدينة أندلسية تقع في الغرب الأسباني تتفرع سـفوح جبالها من سـلسلة جبال سيرا مورينا، الممتدة شـمالي المدينـة. وتمتد قرطـبة على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكـبير الذي ينحني طفيفا في مجراه نحو الغـرب، مُؤلفا أهم طريق طبيعي في أسبانيا الجنوبية. وقرطبة مدينة
إيبيرية قـديمة البناء كان اسـمها
(إيبيري بحت) وترجم للعربيـة إلى
قرطبة.
سقوط قرطبه: دخول ايزابيـلا وفريـديناند الى غرناطة عشـية سقوطها.
اشبيليه: تقع إشبيبلة إلى الجنوب الغربي من قرطبة وفي شـمال قادس على مسـيرة (60) ميلا من ساحل المحيط الأطلسي. والاسم القديـم لمدينة إشبيلية هو إشبالي من أصل إيبيري، ثم تحول هذا الاسم إلى اسم لاتينيHispalis
بعد أن غزاها الرومان عام 205 قبل
الميلاد، وعَرَّبَ المسلمون هذا الاسم
إلى إشبيلية ومن هذا الاسم المتعرِّب
اشتق الأسـبان الاسم الحالي
غرناطه: تقع غرناطة على بعد267ميلا جنوب
مدينة مدريد (عاصمة أسبانيا). وهي
إحدى ولايات الجنوب الأسباني وتطل
على البحر المتوسط من الجنوب ونهر
شنيل وبساتين قصور الحمراء وتَلِّها العالي وهي تعلو قرابة (669) م فوق سطح البحر مما جعل مناخها غاية في اللطف والجمال. ومنه اشتق اسمها، حيث تعني كلمة غرناطـة عند عجم الأندلس "رمتنة" وذلك لحسنها وجمالها
بلنسية: بلنسية مدينة شهيرة تقع شـرقي مدينتي
تدميـر، وقرطـبة، وتتصـل بزمام إقليم
مدينة تدمير، وبلنسية مدينة برية بحـرية
ذات أشجار وأنهار، وتعرف باسم مدينـة
التراب. ويغلب على شـجرها القراسـيا،
ولا يخلو منها سهل ولا جبل، وينبت في ضواحيها الزعـفران، وكان الروم قد ملكـوها عام 487هـ ـ 1094م، واستردها المُلثمون (المُوحِدُون) عام 495هـ ـ 1101م.
طليطله: طُليطلة مدينة أندلسية عريقة في القـدم تقع على بعد 75 كم من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة، تتدفـق فيها مياه نهر تاجة.
ويحيط وادي تاجـة بطليطلة من ثلاث جهـات مُسـاهما بذلك في حصانتها ومنعتها.
عمارة الاندلس: بلغت الأندلس أوج ازدهارها في ظـل ”عبد الرحمن الناصر“ أول خليفة أموي في الأندلس بعد أن اتخذ منها عاصمة لدولته وجعلها كبرى المدن الأوروبية في عهده وأكثرها أخْـذاً بأسباب الثقـافة.
لقد أصــبحت قـرطـبة مقر خــليفة المســلمين في العــالم الغربـي، وكانت قرطـبة العاصـمة الكبـرى لإسـبانيا، يَفِـد إليها الملـوك والسفراء يقدمون للخـليفة فروض الطاعـة والـولاء. فقد كانت الدولة المسـيحية حتى القرن الحـادي عشر أشبه بالمحمية للدولة الإسلامية. وفـي هـذا العهــد نافـســت قرطـبة بأُبَّـهَـتِها وعــمرانها وحــالتها الثقــافيـة كبريات المـدن الإسـلامية كالقـاهـرة، ودمشــق، وبغـــداد والقيروان حتى أطلق عليها الأوروبيون (جوهرة العالم).
علماء اندلسيون: رَاجَت الثقافة في الأندلس وعزّزها الخـلفاء فنقلوا من الشرق العبّاسي أهم ما صُنـّف في العلوم وأسسوا المعاهد في المـدن والقـرى وشيّدوا المكاتب, وشجّعوا الحركة العقليّة.
من العلماء والأطباء ابن البيطار أحد مشـاهير الأطباء في ذاك العصر الذي بحث في رحلاته الطويلة عن الأعشاب حتى اصبح حجّة في معرفة انواعها وأصنافها وأماكنها وخصائصها. ومن مؤلفات ابن البيطار:
1. تفسير كتاب ديسقوريدس.
2. الإبانة والأعلام بما في المناهج من خلل وأوهام.
3. الجامع لمفردات الأدوية والأغذية.
4. الأفعال الغريبة والخواص العجيبة.
5. رسالة في تداوي السّموم.
6. المغنى في الأدوية المفردة.
7. ميزان الطبيب.
• اشتهر في قرطـبة كثير من العلماء المسلمين في شتى مجالات المعرفة. فمن العلماء الشرعيـين كان أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الشهير بإبن حزم وهو فقيه من أكبر علماء المذهب الظاهري.
• وكذلك محمد بن فتوح بن عبد الله
الحميدي وكان مؤرخا ومن الفقهاء
ظاهري المذهب.
• ومن أطباء الأندلس أبو داود سـليمان بن حسـان الأندلسي الشهير بابن جلجل وكان بارزا في حَقْـلي الطـب والنبات، وكذلك أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد ولد قريبا من قرطبة ودرس العلوم الدينية وكان قاضيا.
• وكذلك أبو القاسم خلف بن العباس الزهراوي وكان من أشهر أطباء وجراحي عصره.
• ومن علماء النبات اشتهر أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد المعروف بإبن وافد وكان فقيها بالعقاقير والأدوية وعالما بالفلاحـة، وأبو جعفر أحمد بن محمد الأندلسي الغافقي وكان من كبار الأطـباء والنباتيين في الأندلس.
• ومن الفيزيائيين أبو القاسـم العباس بن فرناس وكـان صاحب أول محاولة بشرية للطــيران وكانت له دراية بعلم الكيمياء وتوصل إلى اكتشافات في هذا المجال.
• ومن الجغـرافيـين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسيني المعروف بالشريف لإدريسي وكان كتابه (نزهـة المشـتاق) الذي أهـداه إلى (روجـيه الثاني النورماندي) ملك صقلية من أعظم الكتب وهو رحالة وعالما بالأدوية المفـردة الفلك والنبات.
• ومن الفلكيين ابن الزرقالي الذي صنع أصـطرلابا عـرف باسمه, وحظـي بأهمية كبرى في ميدان علم الفلك, وكـان أكبر راصد في عصره. شارك في وضع جداول فلكية لمدينة طليطلة نقل عنها (كوبرنيك).
• ومن الأطباء الفلاسفة كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد وكان أوحد أهل زمانه في الفقـه وتميز في علم الطب وله فيه مؤلفات كثيرة.
• ويعتبر ابن رشد الفـقيه الطبيب
الفيلسـوف، اشـتهر في أوروبا
شـهرة كبيرة حيث اعـتمد على
مؤلفاته في القـرون الوسـطى.
ولد ابن رشد في سنة520هـ وهي نفـس السـنة التي توفى فيها جده. ونشـأ في مدينة قرطبة. وحفظ القرآن الكريـم، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك، ودرس الفقـه ونبغ فيـه، كما درس علوم الحساب والفلك وعلم الهيئة ثم درس الطـب وتعمق في دراسته، وفي عام 565هـ تولى القضاء في أشـبيليه، ثم في قرطبة عام 567هـ، واشتهرت أحكامه بالعدل والنزاهة، فتولى قاضي القضاة وألف عدة كتب منها: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" وكتاب "تهافت التهافت" وألف في الطب كتاب "الكليات”.
• أهم المراكـز الثقافيـة والتعليميـة: جامعة قرطبة التي أسسها عبد الرحمن الثالث بجوار الجامع الكبير، من أشهر المؤسسات الثقافية.
• مكتبة قرطبة والتي كـانت تحوي علـى أكـثر من 4000 مجلد.
• مدرسة مسلمة المجريطي في الكيمياء والرياضيات والفـلك.
• مدرسة أبو القاسم الزهراوي في الطب.
أهم المواقـع التاريخيـة: قلعة الملك في الخضراء.
• الحـمامات: كان أهل قرطبة يسترخون في حمامات عامة وخاصة كلها مُدفأة وتجري فيها المياه الساخنة والباردة.
• وكانت الحـمامات العامة تعتبر من أهم المنشـآت المدنيـة في المدينة لكـثرتها وتعـددها من جـهة، ولارتباطها الوثيـق بالطـهارة المتأصلة بعـمق في الإسلام من جهة أخرى، وقد تميزت قرطـبة بوجـه خاص بكـثرة حـماماتـها حتى قيل إن عددها بلغ 300 حمام.
• ومن الآثار الإسـلامية الباقـية في قرطبة حـمامان الأول صغير المسـاحة، عـثر عليه عام 1321هـ 1903م في جوف الأرض في المنطـقة المعـروفة بساحة الشهداء داخل نطاق القصر الخلافي بقرطبة.
مثقـفو وشـعراء الأندلس:
• هناك العديد من المثقفين والشعراء الأندلسيين نُوجِـز بعضاً من الذين وضعوا بصماتٍ تاريخيةٍ في تاريخ الأندلسي في المديح والهجاء والغزل والرثاء.
• لقد انتشرت المدارس في قرطبة حتى لم يعد فيها شخص واحد لايجيد القراءة والكتابة. واشتهرت قرطبة بالعلمـاء والشـعراء، والكثير منهم كانوا من أهـل الحكم أو البيت الحاكـم مثل الخليفة الحكم، والشاعر أبي عبد الملك مروان حـفيد عبد الرحمن الثالث، والخليفة المستعين بالله، والوزير أبو الغيرة بن حزم وهو ابن عم فيلسوف قرطبة الشـهير محمد بن حـزم، والوزير عبد الملك بن جهور، والوزير المصحفي، بالإضافة إلى عشرات بل مئات العلماء في كافة المجالات كـابن طُفيل وابن رشد وابن باجه في الفلسفة، وأبو عبد الله القرطبي في العـلوم الشرعية، والقاضي أبو الوليد الباجي وأبو الحسن على بن القطان القرطبي في الحديث النبوي، ومنذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة، وزَرْيَاب الموسيقى، وابن عبد ربه اللغوي الأديب، وغيرهم وغيرهم.
• ابن خفاجة الأندلسي (450-533هـ). إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجه الهواري الأندلسـي أبو إسحـاق. من أعلام الشعراء الأندلسيين في القرنيـن الخامس والسادس. عُرِف عنه بالتأنق في مظهره ومطعمه، ولم يشـتغل بعمل ولم يتزوج قـط. وكان نزيه النفس سمي بـ”الجنّّان“ اشـهر قصـيدة له ”وصف الجبل“ وهي تشف عن رؤيته للموت والحياة، ويصـور من خـلالها كيف أن الجبل يحس السأم لطول بقائه ويتمنى الموت والفناء. اشتهرت أبياته التي تصـف الأندلس وطبيعتها الجميلة:
• يا أَهْـل أندلـس لله دَرّكُمُ ** ماءٌ وظِلٌ وأزهَـارٌ وأشْجَارُ
• ما جنّةٌ الخلدِ إِلاّ في ديَاركم ** ولو تخيرتُ هذا كنت أختارُ
• من قصائد ابن خفاجة الاندلسي (حلو اللمى)
• وأغيـدٌ حُلْو اللّـمى, أمْلـَـدٌ يُذْكِي عَلـى وِجْنَتِه الجَمْـرُ
• بِـتُّ أُنَاجِـيْـه , ولا رِيْـبـَةٌ تَعَـلّق بِـي فِيـه , وَلا وِزْرُ
• وَالليْـلُ سِتْرٌ وَدُونِـنَا وَمُرْسِلٌ قَدْ طَـرّزتْهُ أَنْجُـمُ حُمْـرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني , فَفِي وِجْـنَتِي مَاءٌ , وَفِيْ وِجْـنَتَيْه خَـمْرُ
• وَأقْـرَأُ الْحُسْـنَ بِـهِ سُـورَةٌ أنَ لَها , مِنْ وَجْهِهِ , عَـشْرُ
• وَبأت يُسْـقِيْني وَتَحْـت الدُّجَى مَشْمُولةٌ, يَمْزُجُـها الْقَـطْرُ
• وابْتَسَمتْ , عَنْ وَجْـهِهِ , لَيْلَـةٌ كَأَنّهُ , فِـي وَجْهِـهَا , تَغْرُ
ابو البقاء الرُندي
هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي. من أهل (رُنـدة) قرب الجزيرة الخضراء، من حُفـاظ الحديث والفقهاء. كان بارعا في منظوم الكلام ومنثوره مجيدا في المديح والغزل والوصف والزهد، ولكن ترجـع شُـهرته إلى قصيدةٍٍ نظمها بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية.
وفي قصيدته التي نظمها يستنصر أهل العُدوة الإفريقية من بني مُرين لما أخذ ابن الأحـمر محمد بن يوسـف أول سـلاطين غرناطة يتنازل للأسـبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى له حكمه المُقلقـل في غرناطة وتُعرف قصيدته بمرثية الأندلس وفيها يقول:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَاتَم نُـقْصَانُ
فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدتُها دُولٌ
مَنْ سَرّه زَمَنٌ سَاءَتْه أَزْمَانُ
وَهَذِهِ الدّارُ لاَ تُبْقِى عَلَى أَحَدٍ
وَلاَ يَدُومُ عَلَى حَالٍ لهَاَ شَانُ
يُمَزِّقُ الدَّهْرُ حَتْماً كُلَّ سَابِغَةٍ
إِذَا نَمَتْ مَشْرَفيّاتٌ وقُرْصَانُ
أيْنَ الملُوكُ ذَوِيْ التيِّجَانِ مِنْ يَمَنٍ
وَأيْنَ مِنْهمُ أَكَالِيْلٌ وَتِيْجَـانُ
وَأيْن مَا شَادَه شَـدّادُ من إِرَمٍٍ
وَأيْن مَا سَاسَه في الفُرسِ سَاسَانُ
وأيْن مَا حَازَه قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ
وَأيْنَ عَـادٌ وشَدّادٌ وقَحْطَانُ
أتى عَلى الْكُلِّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ له
حَتَّى قَضَوا فَكَأن القَوم ما كَانُوا
وَصَار ما كان مِنْ مُلْكٍ ومِنْ مَلِكٍ
كَمَا حَكَى عَنْ خَيَال الطّيْف وسْنَانُ
من الشعراء السجناء:
 الشاعر الشريف الطـليق (ت 396 هـ) الذي سجن وهو فتى يافع مع جـماعة من الأدباء فلم يزل يأخذ عنهم حتى (ثري تربه وطار شعره) فكان السجن له المدرسة التي علمته الأدب وفتحت قريحته الشعرية.
 الشاعر يوسف بن هارون الرمادي 403 هـ الذي سجن على يد الحكم المستنصر لأشعار كان ينظُـمها هو وجـماعة من الشـعراء يتبارون في هجاء الخليفة، وضع في سجنه كتابا سماه (الطـير).
 الشـاعر عبد الملك بن غصـن الحجـازي (ت 454هـ) في سجنه وضـع رسـالة في (صفة السجن والمسجون والحزن والمحزون) واودعها الف بيت من شعره في الاستعطاف، وكانت سببا في العفو عنه.
 ابن الابار (ت 658هـ) ألف أثناء نفيه الى بجاية مؤلفه (أعتاب الكتاب).
 وكان من بين الشعراء الأندلسيين الذين سُجنوا عدد لا بأس به من كبار شعراء الأندلس وأدبائها من امثال:
 يحيى بن الحكم الغزال، وابن شهيد وابن زيمن والمعتمد بن عباد، وابن حزم الأندلسي، ولسان الدين بن الخطيب.
ادبيات وشاعرات:
من أشـهر شاعرات الأندلس حسانة التميمية وقمر البغدادية وكانتا في زمن الإمارة الأموية (138ـ316هـ)، وعائشة بنت أحمد القرطبية والغسـانية البجـانية في زمن الخـلافة الأموية (316ـ422هـ)، ولادة بنت المستكفي وأم العـلاء الحجارية وأم الكـرم بنت المعتصـم بن صـمادح في زمن ملوك الطوائف (422ـ483هـ) و نزهـون بنت القلاعـي الغرناطية في زمن المرابطين، و حفصة بنت الحاج الركونية وحمدة بنت زياد المؤدب في زمن الموحدين
نزهون بنت القلاعي الغرناطية: شـاعرة مرحة حُلوة الحديث ذات طبع ندي معطاء ونفس شـفافة عرفت بسرعة البديهة روي أنها كانت تقرأ يوماً على أبي بكر المخزومي الأعمى فدخل عليهما أبو بكر الكتندي فقال مخاطباً الشاعر المخزومي الأعمى لو كنت تبصر من تجالسه؟ وصمت المخزومي بُرهـة يفكر! ولكنه لم يجرْ جواباً، وبسرعة فائقة أجابت عنه نزهون فقالت:
لَغَدَوتَ أخْرَسَ منْ خَلاخِلِه
البدرُ يطْـلُع مِنْ أزِرّتِـهِ
والغُصْـن يَمْرحُ في غَلائِلِهِ
غـاية المُنَى: هي شـاعرةٌ أندلسيةٌ لطيفةٌ جيء بها إلى المعتصم بن صمادح راغبا في امتحانها ليعرف مستواها الادبي فقال: ما إسمك؟ قالت: غاية المنى قال: أجيزي؟
فقال: اسألوا غاية المنى؟؟
من كَسَا جِسْمي الضّنَا .......
فقالت: على الفور:
أرَانِـي مُتَـيّماً .. سَيقُولُ الْهَوىَ أَنَا
صفية بنت عبدالله الرّي: شاعرة لم تعش طويلا ودعت الشباب وهي تتألق بهجة وحيوية لم يعثر على أخبارها إلا القليل القليل، ذات مرة عابتها امرأة على رداءة خطها فقالت:
وعَائِبَةً خَطِّـي فَقُلْتَ لَها اقْصِرِي
فَسَوفَ أُرِيكِ الدُّرَّ فِيْ نَظْمِ أَسْطُرِي
نادَيْتُ كَفِّـي كَيْ تَجُودَ بِخَطِّهَا
وَقَـرّبْتُ أقْـلاَمِي وَورقي وَمِحْبَرِي
فَخَطَّـتْ بِأبْيَـاتٍ ثَلاَثٌ نَظَمْتُها
لِيَبْدُو بِهَا خَـطِّي وَقُلْت لَهَا انْظُـرِي
• بثينة بنت المعتمد بن عباد: بنت ملك شـاعر وبنت شاعرة ظريفة فلا عجب إن أُشربت حُب الشـعر منذ أن كانت بُرعماً يتفتح للحياة، إذ حلت بأبيها النكبة المعروفة وسُبيت فأصبحت من جملة العبيد تباع في الأسواق واشتراها رجل من اشبيليا ثم وهبها لأبنه ولكنه لما أراد البناء بها امتنعت وأعلنت عن نفسها وقالت لا يكون ذلك إلا بموافقة أبي وكتبت له قصيدة تحكي له قصتها في اسى وحسرة فتقول:
اسمع كَلامِي واسْتَمِعْ لِمَقَالَتِي .. فَهِي السُّلُوك بَدَتْ من الأجيادِ
لا تُنْـكِروا أنِّي سُبِيتُ وأنَّني .. بِنْتٌ لِمَلكٍ من بَنِـي عـبادِ
نساء اندلسيات:
• كما اشتهرت المرأة الاندلسية في المجال الثقافي، فنذكر القرطـبية ولاّّدة بنت الخـليفة المُسْـتكفي الشاعرة الأديبة صاحبة الصالون الأدبي الشهير، ومريم ابنة يعقوب الشاعرة الأديبة.
• وعائشة بنت أحمد التي كانت مُربية ومُعلمة لولد المنصور ابن أبي عـامر أشـهر وأقوى وزراء الدولة الأموية في الأندلس.
التراث الاندلسي:
يوجد في الأندلس ثرواتٌ نفيسةٌ من التراث كانت تنافس الثروات في بغداد ودمشق والقيروان وبلاد النيـل والدولة العثمانية وعند سقوط غرناطة وأشبيلية نُهبت وسُرقت هذه الثروات إلى اسبانيا ومنها ما تم تصديره إلى فرنسا وإلى انجلترا
المخطوطات النادره: يوجد في الأندلس مخطوطات عديدة وقديمة وموثقة توثيق تأريخي منها القرآن الكريم الذي كتب في خط اليد الاندلسي، وكذلك مخطوطة ابن البيطـار وهذه المخطوطات ما زالت محفوظة في المتحف الأسباني
العملات في الاندلس: استخدمت في العصر الأندلسي عدة أشكال من العملات الأسلامية ضرب عليها ”الشـهادتين“ على الوجهـين وأسماء الحكـام آنذاك
مقتنيات وحلي اندلسية: تتميز الحلي الأندلسية بعراقتها ودقـة صياغتها حيث كانت تلبسها النساء في المناسـبات وكانت تصنع من الفضة وبعض المعـادن الأخرى مثل الذهب والنحاس
محققين وكتاب معاصرين: من الكتاب الذي كتبوا عن تاريـخ الأندلس كُثر، نستخلص منهم الكتاب البارزين الذين أثروا الساحة العربية بتحقيقاتهم الأندلسية ومن هؤلاء الكتاب، الكاتب الكبير”إحسـان عباس“ الذي حقـق الكثير في التأريخ الأندلسي. فعباساً كان أكثر اهتماماً بالشعر في الأندلس وخارجها. وقد بدأ اهتمامه التحقيقي بالنشرات العـلمية لدواوين الأندلسيـين والصقليـين, مثل: "ابن حمديس الصـقلي (1960), والرصـافي البلنـسي (1960), والأعلى التطـيلي (1963), والكتيبة الكامنة للسان الدين ابن الخطيب في أشـعار الأندلسيين (1963), والتشبيهات من أشعار أهل الأندلـس لابن الكتاني (1966), وتحفة القادم لابن الأبّار (1986), ومعجـم الشعراء الصقلـيين (1995)".
الدكتور والشاعر والمترجم ”عبد الله حمادي“ خريج جامعـة مدريد المركزية في إسبانيا عام1980م ومتخصص في الأدب الأندلسي والإسباني واللاتينو أميركي، ويعـمل حـاليا أستاذا لمادة الأدب في جامعة قسـنطينة بالجزائر، كما يتولى رئاسة قسم الترجمة فيها. وطيلة سنوات دراسته في إسبانيا جعلته يحتك بأدبائها، وشعرائها القـدامى والمحـدثين وكأن شـيئا غامضا يجذبه إلى أعماق الأندلس ليكون مصدر إلهامه. ولهذا جالت معظـم مؤلفاته في فلك الأندلس ومدى تأثيرها على الأدب الإنساني عامة والإسباني خاصة، من مثل: مدخل إلى الشعر الإسباني المعاصر، قصائد غجرية وأندلسيات
يأتي كتابه الجديد القديم "الأندلس بين الحلم والحقيقة" الجديد لأنه صدر في العام الحالي2004 والقديم لأنه
وليـد مطـلع التسعـينيات تَمخـّض مـن خلال
فكــرة التبــادل الشــعوري والفكـــري بيــن
الضـفـتين: الأندلس من جـهـة والســـاحـل
الأفريقي الشـمالي من جهة أخـرى. ورُغـم
استكمال مادته فإنه لمْ يـرَ النـور في أوانه
بســبب الظـروف الأمنـيـة التـي عــرفتـها الجــزائر في تلك الفتـرة المعروفة بعشرية الدماء والدموع.
 الشـعر في قرطـبة تأليـف: د. محمد سعيد محمد صادر
عن المجمع الثقافي ‏2003‏‏. يتكـلم الكـاتب عن في كـتابه الشعر في قرطبة حيث يقول:” تعد قرطبة مركزاً مهماً للعلوم والفنون ولم تصل إلى هذه المكانة إلا بفضل
القادة العظـام ومنهم عبدالرحمن الثالث،
فجعلوا البلاد تعـيش في اسـتقرار الذي
جعل رقعة قرطبة تتسع والحـياة الأدبية
تنشط مع التشجيع المتواصل من قبل ولاه الأمر للشعراء.
من النساء في العصـر الحديث كـتبت الأديبة والمؤلفة: رضوى عاشور عن الحياة الأندلسية في
كتابها (ثلاثية غرناطـة) سـنة النشـر
2001 ومؤلفها يقع في 502 صفحـة
وأبرزت جـميع المراحل التي مرت بها
الاندلـس وهـو كـتاب قيِّـمٌ للغايـة.
تواريخ سقوط بعض المدن الاندلسية:
• برشـلونة 74هـ 985م قــرطــبـــة 633هـ 1236م
• قرطاجـــنة 640هـ 1242م
• مرســــــيـة 641هـ 1443م
• لشــــــبونـة 645هـ 1247م
• إشـــــبيـليـة 646هـ 1248م
• جبل طارق 702هـ 1310م
• رنــــــــــدة 890هـ 1485م
• غــرناطــة 898هـ 1492
• ليـــــــون 392هـ 1002م
• سـلمنـقـة 446هـ 1055م
• مــدريـد 476هـ 1084م
• طليطــلة 477هـ 1085م
• سرقسطة 512هـ 1119م
• مـــــاردة 619هـ 1222م
• يابســـــة 632هـ 1235م
الخاتمه: لا بد لنا ان نعرج ولو باختصار على الجانب الحضاري لمسـلمي الاندلس. فقد ترعرعت حضارة زاهية في ربوع الاندلس كان لسانها العربية ومادتها الاسلام. وقد شملت هذه الحضارة مختلف الجوانب كالزراعة والصناعة والتجارة، الادب والفن،المعمار والفلسفة وفن الحروب والفروسية. فقد انشأ المسلمون نظام ري استطاع ان يحي الكثير من ارض الموات وتحولت ارض اسبانيا الى مروج خضراء، وقد دخل الفاتحون معهم المحاصيل الزراعية التي لم تكن معروفة في اسبانيا من قبل مثل النخيل والرز وقصب السكر. كما برعوا في تربية دود القز وصناعة الحرير، أما بالنسبة للفن المعماري فنظرة فاحصة إلى قصر الحمراء ومسجد قرطبة وقصر اشبيلية جديرة أن تثبت ما وصل إليه المسلمون من درجة عالية من الرقي في الفـن المعماري والذي لا يزال محط انظار العالم إلى وقتنا الحاضر.

المحاضره الاولى
تاريخ حضارة الأندلس
تاريخ الحضـارة الأندلسـية
ظهرت الحضارة الأندلسية عند قيام طارق بن زياد فتح بلاد الأندلس، حيث كانت شبه الجزيرة الأيبرية (اسـبانيا) تحت حكم الملوك القُوط الذين هاجـروا اليها من داخل اوروبا وقد عانى الاسبان كثيرا من ظلمهم وسوء ادارتهم وقد كانوا يتحـينون الفُرص للتخلص منهم.
حـانت الفرصــة عـندما جــاء مـلك القـُــوط لذريــق إلـى الحـكــم بعــد ان اغتـصـــب الحُـكـم من المـلـك الشــرعـي واغتياله فقد طلب بعـض الاسبان النجدة من موسى بن نصــير الذي أرســل قـائداً شـــاباً مع جـيـش صـغـير مـن المســلمين. كان هذا القــائد هو (طــارق بن زيــاد) الذي وطأت اقدامه هو وجيـشـه ارض الاندلـس في شـهر رجـب 92هـ 711م عــند المضيق المسـمى باســمه لهـذا اليوم (جبل طارق).
لم تكن سيطرة المسلمين على اسـبانيا كاملة تماماً اذ بقيت جيوب صغيرة للأسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجـوم والتخريب. لم يَدرْ في خلد المسـلمين الفاتحين. إن هذه الجـيوب الصـغيرة سوف تكون نواة لممالك الاسـبان مستقبلاً لينطلقـوا منها في التهـام ممالك الاسـلام في اسـبانيا الواحدة تلو الاخـرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الاسـبان لينتهي إلاّ بطـرد المسـلمين بصورة نهائية كما سوف نرى.
تسمية الأندلس يعود أصل تسمية الأندلس بالأندلس إلى أسـاطير واحتمالات، إن الغالبية العظـمى من المؤرخين العـرب والمسلمين وخاصـة مؤرخـي العصور القديمة، يعتمدون على الروايات والقصص الدينية في البحث عن أصول شعب أو أرض ما.
• يذكُر كثير من المؤرخيـن العـرب أن الأندلس سُميت بهذا الاسـم نسبة إلى أندلس بن يافث بن نوح الذي هو أول من عمّرها.
• كما ذكـر ابن خـلدون إنّ أول من سـكنها بعد الطـوفان لسفينة نـوح قوم يُعـرفون بالأندلـش ـ بشين مُعجـمة ـ ثم عـرّب هذا الاسم بعد ذلك بسين مهملة.
• أما عبد الرحمن الحجي فإنه يذكر في كتابه (التاريخ الأندلسي) أن أصل مصطلح الأندلس مأخوذ من قبائل الوندال (Vandalos) التي تعود إلى أصل جرماني، احتلت شبه الجزيرة الأيبيرية حوالي القرن الثالث والرابع وحتى الخامس الميلادي، وسميت باسمها فاندلسيا Vandalusia أي بـلاد الوندال ثم نُطقت بالعربية الأندلس.
• ذكر النويـري أن النصارى أي الأسـبان، تسمي الأندلس إشـبانية باسـم رجل صلب فيها يقـال له إشبانش وقيل: باسم ملك كان لها في الزمان الأول اسمه إشـبان بن طيطش.
• على مرّ السـنين دخل الكـثير من الاسبان في الاسلام وكثر التزاوج بين الفاتحـين والأسـبان، بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عـروقهم دماء اسبانية إضـافة إلى الدمـاء العربية والبربريـة وقد ارتقى الكـثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسـي الذي اعتنق جده الاسلام.
• دخلت الاندلـس المرحـلة الثـانية من تاريخـها السياسي عندما فوّضت أركان الخـلافة على بنـي أمية في دمشق حيث هزم اخـر خلفائهم مروان بن محمد امام جـيوش العباسـيين في معركة الـزّاب سنة 132هـ.
• ولى هائماً على وجهه وكأن الارض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتـبدأ مرحلة دموية كان الامويون وقُـودُها، حيث أذاق بنو العباس الامويين حَرِّ الحـديد وبَأْسَ السـيف وجرعوهم مرارة الذل والهوان وشـردوهم وراء كل حجرٍ ومدرْ. نجا من تلك المذابح شـاب اموي اسمه عبد الرحمن استطاع عبور الفرات وهـرب إلى شمال افريقيا.
وبمسـاعدة اخواله البربر استطاع العـبور إلى الاندلـس استطاع عبدالرحمن الملقب (الداخـل) من تأليف القـبائل اليمانية التي كانت ناقـمة على هيمنة القـبائل القيسـية وبمساعدة البربر استطاع ان يخضع الاندلس لسيطرته وان يبايعوه أهـل الاندلس اميـراً عليها سنة 138هـ 755م. حاول الخليفة ابو جعفر المنصور عبثاً إِخضاع عبدالرحمن الداخل حيث اسـتطاع عبدالرحمن الناصر هذا الذي لقبـه المنصور بـ(صقر قريش) أن يهـزم جيش المنصور وأن يبرد برؤوس قادة الجـيش إلى المنصور لتصله إلى مكـة اثناء موسم الحج.
-اتخذ عبدالرحمن قرطـبة عاصـمة له وبدأ ببنـاء وتوسـعة مسجدها فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة اصبحت معها فيما بعد محط الانظار ومهد الحضارة
استمرت السُّـلالة الاموية في حكـم الاندلس حيث بلغت أوج حكمها في زمن عبدالرحمن الثـالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماًً وامتد سُلطانه إلى شمال افريقيا وليقهر الأسبان وليجعل من (اسبانيا) قبلة الامصار وعروس اوروبا. إليها تشدّ الرحـال لطـلب العلم والأدب والفنـون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في اوروبا.
• بدأ حُكـم عبدالرحمن الثالث في سنة300هـ وانتهى عام 350هـ واستطاع أن يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمّى نفسه الناصر لدين الله.
• وبهذا اصبحت دار الاسلام يحكمها ثلاثة خلفاء هم: (الامـوي والعباسـي والفاطمـي) في آن واحد.
• جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
• 1. عصر الولاة الحــاكــم من الى الملاحضات
• طـارق بـن زيــاد 92 93 أول من دخلها وأميرا للجيش
• موسى بن نصير اللخمي 93 94
• أبو عبد الرحمن بن موسى بن نصير 94 95
• * هناك عدد كبير من الحكام لا يسع 59 138
الوقت لذكرهم ونوجز هنا في ذكر
الحكام الذين كانت لهم صبغة في
حكم الأندلس.
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
2. الحكام الأمويون في الأندلس (الأمراء) من الى ملاحظات
أول الحكام من الأمراء 138 172 مدة حكمة 34 سنة وتمتاز بطابعها الشامي
أبو المطرف "الداخل" عبد الرحمن
بن معاوية صقر قريش
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
الحاكم من الى الملاحظات
أبو المطرف "الناصر لدين الله" 300 350 دام ملكه خمسين حولاً وكان عهداً زاهراً وبلغت الأندلس أوج حكمها
عبدالرحمن (3) بن محمد
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
3- عصر الطوائف من الى الملاحظات
استطاعت الأسر القوية أن تستقل ببعض الأقاليم فهناك 629 633 ثم دخول بن الأحمر وأخيرا سقطت في أيدي القشتاليين
بنو جهور في قرطبة- بنو ذي النون في طليطلة-
بنو هود في سَرَقُسْطة- بنو الأفطس في بطليموس
- بنو عبد العزيز في بلنسية- بنو عبّاد في أشبيليا
أخر الحكام كان من عمال بني هود
* في عام 633هـ سقطت (غرناطـة) والأندلس في أيدي الأسبان.
مدن الاندلس قرطبه:
مدينة أندلسية تقع في الغرب الأسباني تتفرع سـفوح جبالها من سـلسلة جبال سيرا مورينا، الممتدة شـمالي المدينـة. وتمتد قرطـبة على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكـبير الذي ينحني طفيفا في مجراه نحو الغـرب، مُؤلفا أهم طريق طبيعي في أسبانيا الجنوبية. وقرطبة مدينة
إيبيرية قـديمة البناء كان اسـمها
(إيبيري بحت) وترجم للعربيـة إلى
قرطبة.
سقوط قرطبه: دخول ايزابيـلا وفريـديناند الى غرناطة عشـية سقوطها.
اشبيليه: تقع إشبيبلة إلى الجنوب الغربي من قرطبة وفي شـمال قادس على مسـيرة (60) ميلا من ساحل المحيط الأطلسي. والاسم القديـم لمدينة إشبيلية هو إشبالي من أصل إيبيري، ثم تحول هذا الاسم إلى اسم لاتينيHispalis
بعد أن غزاها الرومان عام 205 قبل
الميلاد، وعَرَّبَ المسلمون هذا الاسم
إلى إشبيلية ومن هذا الاسم المتعرِّب
اشتق الأسـبان الاسم الحالي
غرناطه: تقع غرناطة على بعد267ميلا جنوب
مدينة مدريد (عاصمة أسبانيا). وهي
إحدى ولايات الجنوب الأسباني وتطل
على البحر المتوسط من الجنوب ونهر
شنيل وبساتين قصور الحمراء وتَلِّها العالي وهي تعلو قرابة (669) م فوق سطح البحر مما جعل مناخها غاية في اللطف والجمال. ومنه اشتق اسمها، حيث تعني كلمة غرناطـة عند عجم الأندلس "رمتنة" وذلك لحسنها وجمالها
بلنسية: بلنسية مدينة شهيرة تقع شـرقي مدينتي
تدميـر، وقرطـبة، وتتصـل بزمام إقليم
مدينة تدمير، وبلنسية مدينة برية بحـرية
ذات أشجار وأنهار، وتعرف باسم مدينـة
التراب. ويغلب على شـجرها القراسـيا،
ولا يخلو منها سهل ولا جبل، وينبت في ضواحيها الزعـفران، وكان الروم قد ملكـوها عام 487هـ ـ 1094م، واستردها المُلثمون (المُوحِدُون) عام 495هـ ـ 1101م.
طليطله: طُليطلة مدينة أندلسية عريقة في القـدم تقع على بعد 75 كم من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة، تتدفـق فيها مياه نهر تاجة.
ويحيط وادي تاجـة بطليطلة من ثلاث جهـات مُسـاهما بذلك في حصانتها ومنعتها.
عمارة الاندلس: بلغت الأندلس أوج ازدهارها في ظـل ”عبد الرحمن الناصر“ أول خليفة أموي في الأندلس بعد أن اتخذ منها عاصمة لدولته وجعلها كبرى المدن الأوروبية في عهده وأكثرها أخْـذاً بأسباب الثقـافة.
لقد أصــبحت قـرطـبة مقر خــليفة المســلمين في العــالم الغربـي، وكانت قرطـبة العاصـمة الكبـرى لإسـبانيا، يَفِـد إليها الملـوك والسفراء يقدمون للخـليفة فروض الطاعـة والـولاء. فقد كانت الدولة المسـيحية حتى القرن الحـادي عشر أشبه بالمحمية للدولة الإسلامية. وفـي هـذا العهــد نافـســت قرطـبة بأُبَّـهَـتِها وعــمرانها وحــالتها الثقــافيـة كبريات المـدن الإسـلامية كالقـاهـرة، ودمشــق، وبغـــداد والقيروان حتى أطلق عليها الأوروبيون (جوهرة العالم).
علماء اندلسيون: رَاجَت الثقافة في الأندلس وعزّزها الخـلفاء فنقلوا من الشرق العبّاسي أهم ما صُنـّف في العلوم وأسسوا المعاهد في المـدن والقـرى وشيّدوا المكاتب, وشجّعوا الحركة العقليّة.
من العلماء والأطباء ابن البيطار أحد مشـاهير الأطباء في ذاك العصر الذي بحث في رحلاته الطويلة عن الأعشاب حتى اصبح حجّة في معرفة انواعها وأصنافها وأماكنها وخصائصها. ومن مؤلفات ابن البيطار:
1. تفسير كتاب ديسقوريدس.
2. الإبانة والأعلام بما في المناهج من خلل وأوهام.
3. الجامع لمفردات الأدوية والأغذية.
4. الأفعال الغريبة والخواص العجيبة.
5. رسالة في تداوي السّموم.
6. المغنى في الأدوية المفردة.
7. ميزان الطبيب.
• اشتهر في قرطـبة كثير من العلماء المسلمين في شتى مجالات المعرفة. فمن العلماء الشرعيـين كان أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الشهير بإبن حزم وهو فقيه من أكبر علماء المذهب الظاهري.
• وكذلك محمد بن فتوح بن عبد الله
الحميدي وكان مؤرخا ومن الفقهاء
ظاهري المذهب.
• ومن أطباء الأندلس أبو داود سـليمان بن حسـان الأندلسي الشهير بابن جلجل وكان بارزا في حَقْـلي الطـب والنبات، وكذلك أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد ولد قريبا من قرطبة ودرس العلوم الدينية وكان قاضيا.
• وكذلك أبو القاسم خلف بن العباس الزهراوي وكان من أشهر أطباء وجراحي عصره.
• ومن علماء النبات اشتهر أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد المعروف بإبن وافد وكان فقيها بالعقاقير والأدوية وعالما بالفلاحـة، وأبو جعفر أحمد بن محمد الأندلسي الغافقي وكان من كبار الأطـباء والنباتيين في الأندلس.
• ومن الفيزيائيين أبو القاسـم العباس بن فرناس وكـان صاحب أول محاولة بشرية للطــيران وكانت له دراية بعلم الكيمياء وتوصل إلى اكتشافات في هذا المجال.
• ومن الجغـرافيـين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسيني المعروف بالشريف لإدريسي وكان كتابه (نزهـة المشـتاق) الذي أهـداه إلى (روجـيه الثاني النورماندي) ملك صقلية من أعظم الكتب وهو رحالة وعالما بالأدوية المفـردة الفلك والنبات.
• ومن الفلكيين ابن الزرقالي الذي صنع أصـطرلابا عـرف باسمه, وحظـي بأهمية كبرى في ميدان علم الفلك, وكـان أكبر راصد في عصره. شارك في وضع جداول فلكية لمدينة طليطلة نقل عنها (كوبرنيك).
• ومن الأطباء الفلاسفة كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد وكان أوحد أهل زمانه في الفقـه وتميز في علم الطب وله فيه مؤلفات كثيرة.
• ويعتبر ابن رشد الفـقيه الطبيب
الفيلسـوف، اشـتهر في أوروبا
شـهرة كبيرة حيث اعـتمد على
مؤلفاته في القـرون الوسـطى.
ولد ابن رشد في سنة520هـ وهي نفـس السـنة التي توفى فيها جده. ونشـأ في مدينة قرطبة. وحفظ القرآن الكريـم، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك، ودرس الفقـه ونبغ فيـه، كما درس علوم الحساب والفلك وعلم الهيئة ثم درس الطـب وتعمق في دراسته، وفي عام 565هـ تولى القضاء في أشـبيليه، ثم في قرطبة عام 567هـ، واشتهرت أحكامه بالعدل والنزاهة، فتولى قاضي القضاة وألف عدة كتب منها: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" وكتاب "تهافت التهافت" وألف في الطب كتاب "الكليات”.
• أهم المراكـز الثقافيـة والتعليميـة: جامعة قرطبة التي أسسها عبد الرحمن الثالث بجوار الجامع الكبير، من أشهر المؤسسات الثقافية.
• مكتبة قرطبة والتي كـانت تحوي علـى أكـثر من 4000 مجلد.
• مدرسة مسلمة المجريطي في الكيمياء والرياضيات والفـلك.
• مدرسة أبو القاسم الزهراوي في الطب.
أهم المواقـع التاريخيـة: قلعة الملك في الخضراء.
• الحـمامات: كان أهل قرطبة يسترخون في حمامات عامة وخاصة كلها مُدفأة وتجري فيها المياه الساخنة والباردة.
• وكانت الحـمامات العامة تعتبر من أهم المنشـآت المدنيـة في المدينة لكـثرتها وتعـددها من جـهة، ولارتباطها الوثيـق بالطـهارة المتأصلة بعـمق في الإسلام من جهة أخرى، وقد تميزت قرطـبة بوجـه خاص بكـثرة حـماماتـها حتى قيل إن عددها بلغ 300 حمام.
• ومن الآثار الإسـلامية الباقـية في قرطبة حـمامان الأول صغير المسـاحة، عـثر عليه عام 1321هـ 1903م في جوف الأرض في المنطـقة المعـروفة بساحة الشهداء داخل نطاق القصر الخلافي بقرطبة.
مثقـفو وشـعراء الأندلس:
• هناك العديد من المثقفين والشعراء الأندلسيين نُوجِـز بعضاً من الذين وضعوا بصماتٍ تاريخيةٍ في تاريخ الأندلسي في المديح والهجاء والغزل والرثاء.
• لقد انتشرت المدارس في قرطبة حتى لم يعد فيها شخص واحد لايجيد القراءة والكتابة. واشتهرت قرطبة بالعلمـاء والشـعراء، والكثير منهم كانوا من أهـل الحكم أو البيت الحاكـم مثل الخليفة الحكم، والشاعر أبي عبد الملك مروان حـفيد عبد الرحمن الثالث، والخليفة المستعين بالله، والوزير أبو الغيرة بن حزم وهو ابن عم فيلسوف قرطبة الشـهير محمد بن حـزم، والوزير عبد الملك بن جهور، والوزير المصحفي، بالإضافة إلى عشرات بل مئات العلماء في كافة المجالات كـابن طُفيل وابن رشد وابن باجه في الفلسفة، وأبو عبد الله القرطبي في العـلوم الشرعية، والقاضي أبو الوليد الباجي وأبو الحسن على بن القطان القرطبي في الحديث النبوي، ومنذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة، وزَرْيَاب الموسيقى، وابن عبد ربه اللغوي الأديب، وغيرهم وغيرهم.
• ابن خفاجة الأندلسي (450-533هـ). إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجه الهواري الأندلسـي أبو إسحـاق. من أعلام الشعراء الأندلسيين في القرنيـن الخامس والسادس. عُرِف عنه بالتأنق في مظهره ومطعمه، ولم يشـتغل بعمل ولم يتزوج قـط. وكان نزيه النفس سمي بـ”الجنّّان“ اشـهر قصـيدة له ”وصف الجبل“ وهي تشف عن رؤيته للموت والحياة، ويصـور من خـلالها كيف أن الجبل يحس السأم لطول بقائه ويتمنى الموت والفناء. اشتهرت أبياته التي تصـف الأندلس وطبيعتها الجميلة:
• يا أَهْـل أندلـس لله دَرّكُمُ ** ماءٌ وظِلٌ وأزهَـارٌ وأشْجَارُ
• ما جنّةٌ الخلدِ إِلاّ في ديَاركم ** ولو تخيرتُ هذا كنت أختارُ
• من قصائد ابن خفاجة الاندلسي (حلو اللمى)
• وأغيـدٌ حُلْو اللّـمى, أمْلـَـدٌ يُذْكِي عَلـى وِجْنَتِه الجَمْـرُ
• بِـتُّ أُنَاجِـيْـه , ولا رِيْـبـَةٌ تَعَـلّق بِـي فِيـه , وَلا وِزْرُ
• وَالليْـلُ سِتْرٌ وَدُونِـنَا وَمُرْسِلٌ قَدْ طَـرّزتْهُ أَنْجُـمُ حُمْـرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني , فَفِي وِجْـنَتِي مَاءٌ , وَفِيْ وِجْـنَتَيْه خَـمْرُ
• وَأقْـرَأُ الْحُسْـنَ بِـهِ سُـورَةٌ أنَ لَها , مِنْ وَجْهِهِ , عَـشْرُ
• وَبأت يُسْـقِيْني وَتَحْـت الدُّجَى مَشْمُولةٌ, يَمْزُجُـها الْقَـطْرُ
• وابْتَسَمتْ , عَنْ وَجْـهِهِ , لَيْلَـةٌ كَأَنّهُ , فِـي وَجْهِـهَا , تَغْرُ
ابو البقاء الرُندي
هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي. من أهل (رُنـدة) قرب الجزيرة الخضراء، من حُفـاظ الحديث والفقهاء. كان بارعا في منظوم الكلام ومنثوره مجيدا في المديح والغزل والوصف والزهد، ولكن ترجـع شُـهرته إلى قصيدةٍٍ نظمها بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية.
وفي قصيدته التي نظمها يستنصر أهل العُدوة الإفريقية من بني مُرين لما أخذ ابن الأحـمر محمد بن يوسـف أول سـلاطين غرناطة يتنازل للأسـبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى له حكمه المُقلقـل في غرناطة وتُعرف قصيدته بمرثية الأندلس وفيها يقول:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَاتَم نُـقْصَانُ
فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدتُها دُولٌ
مَنْ سَرّه زَمَنٌ سَاءَتْه أَزْمَانُ
وَهَذِهِ الدّارُ لاَ تُبْقِى عَلَى أَحَدٍ
وَلاَ يَدُومُ عَلَى حَالٍ لهَاَ شَانُ
يُمَزِّقُ الدَّهْرُ حَتْماً كُلَّ سَابِغَةٍ
إِذَا نَمَتْ مَشْرَفيّاتٌ وقُرْصَانُ
أيْنَ الملُوكُ ذَوِيْ التيِّجَانِ مِنْ يَمَنٍ
وَأيْنَ مِنْهمُ أَكَالِيْلٌ وَتِيْجَـانُ
وَأيْن مَا شَادَه شَـدّادُ من إِرَمٍٍ
وَأيْن مَا سَاسَه في الفُرسِ سَاسَانُ
وأيْن مَا حَازَه قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ
وَأيْنَ عَـادٌ وشَدّادٌ وقَحْطَانُ
أتى عَلى الْكُلِّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ له
حَتَّى قَضَوا فَكَأن القَوم ما كَانُوا
وَصَار ما كان مِنْ مُلْكٍ ومِنْ مَلِكٍ
كَمَا حَكَى عَنْ خَيَال الطّيْف وسْنَانُ
من الشعراء السجناء:
 الشاعر الشريف الطـليق (ت 396 هـ) الذي سجن وهو فتى يافع مع جـماعة من الأدباء فلم يزل يأخذ عنهم حتى (ثري تربه وطار شعره) فكان السجن له المدرسة التي علمته الأدب وفتحت قريحته الشعرية.
 الشاعر يوسف بن هارون الرمادي 403 هـ الذي سجن على يد الحكم المستنصر لأشعار كان ينظُـمها هو وجـماعة من الشـعراء يتبارون في هجاء الخليفة، وضع في سجنه كتابا سماه (الطـير).
 الشـاعر عبد الملك بن غصـن الحجـازي (ت 454هـ) في سجنه وضـع رسـالة في (صفة السجن والمسجون والحزن والمحزون) واودعها الف بيت من شعره في الاستعطاف، وكانت سببا في العفو عنه.
 ابن الابار (ت 658هـ) ألف أثناء نفيه الى بجاية مؤلفه (أعتاب الكتاب).
 وكان من بين الشعراء الأندلسيين الذين سُجنوا عدد لا بأس به من كبار شعراء الأندلس وأدبائها من امثال:
 يحيى بن الحكم الغزال، وابن شهيد وابن زيمن والمعتمد بن عباد، وابن حزم الأندلسي، ولسان الدين بن الخطيب.
ادبيات وشاعرات:
من أشـهر شاعرات الأندلس حسانة التميمية وقمر البغدادية وكانتا في زمن الإمارة الأموية (138ـ316هـ)، وعائشة بنت أحمد القرطبية والغسـانية البجـانية في زمن الخـلافة الأموية (316ـ422هـ)، ولادة بنت المستكفي وأم العـلاء الحجارية وأم الكـرم بنت المعتصـم بن صـمادح في زمن ملوك الطوائف (422ـ483هـ) و نزهـون بنت القلاعـي الغرناطية في زمن المرابطين، و حفصة بنت الحاج الركونية وحمدة بنت زياد المؤدب في زمن الموحدين
نزهون بنت القلاعي الغرناطية: شـاعرة مرحة حُلوة الحديث ذات طبع ندي معطاء ونفس شـفافة عرفت بسرعة البديهة روي أنها كانت تقرأ يوماً على أبي بكر المخزومي الأعمى فدخل عليهما أبو بكر الكتندي فقال مخاطباً الشاعر المخزومي الأعمى لو كنت تبصر من تجالسه؟ وصمت المخزومي بُرهـة يفكر! ولكنه لم يجرْ جواباً، وبسرعة فائقة أجابت عنه نزهون فقالت:
لَغَدَوتَ أخْرَسَ منْ خَلاخِلِه
البدرُ يطْـلُع مِنْ أزِرّتِـهِ
والغُصْـن يَمْرحُ في غَلائِلِهِ
غـاية المُنَى: هي شـاعرةٌ أندلسيةٌ لطيفةٌ جيء بها إلى المعتصم بن صمادح راغبا في امتحانها ليعرف مستواها الادبي فقال: ما إسمك؟ قالت: غاية المنى قال: أجيزي؟
فقال: اسألوا غاية المنى؟؟
من كَسَا جِسْمي الضّنَا .......
فقالت: على الفور:
أرَانِـي مُتَـيّماً .. سَيقُولُ الْهَوىَ أَنَا
صفية بنت عبدالله الرّي: شاعرة لم تعش طويلا ودعت الشباب وهي تتألق بهجة وحيوية لم يعثر على أخبارها إلا القليل القليل، ذات مرة عابتها امرأة على رداءة خطها فقالت:
وعَائِبَةً خَطِّـي فَقُلْتَ لَها اقْصِرِي
فَسَوفَ أُرِيكِ الدُّرَّ فِيْ نَظْمِ أَسْطُرِي
نادَيْتُ كَفِّـي كَيْ تَجُودَ بِخَطِّهَا
وَقَـرّبْتُ أقْـلاَمِي وَورقي وَمِحْبَرِي
فَخَطَّـتْ بِأبْيَـاتٍ ثَلاَثٌ نَظَمْتُها
لِيَبْدُو بِهَا خَـطِّي وَقُلْت لَهَا انْظُـرِي
• بثينة بنت المعتمد بن عباد: بنت ملك شـاعر وبنت شاعرة ظريفة فلا عجب إن أُشربت حُب الشـعر منذ أن كانت بُرعماً يتفتح للحياة، إذ حلت بأبيها النكبة المعروفة وسُبيت فأصبحت من جملة العبيد تباع في الأسواق واشتراها رجل من اشبيليا ثم وهبها لأبنه ولكنه لما أراد البناء بها امتنعت وأعلنت عن نفسها وقالت لا يكون ذلك إلا بموافقة أبي وكتبت له قصيدة تحكي له قصتها في اسى وحسرة فتقول:
اسمع كَلامِي واسْتَمِعْ لِمَقَالَتِي .. فَهِي السُّلُوك بَدَتْ من الأجيادِ
لا تُنْـكِروا أنِّي سُبِيتُ وأنَّني .. بِنْتٌ لِمَلكٍ من بَنِـي عـبادِ
نساء اندلسيات:
• كما اشتهرت المرأة الاندلسية في المجال الثقافي، فنذكر القرطـبية ولاّّدة بنت الخـليفة المُسْـتكفي الشاعرة الأديبة صاحبة الصالون الأدبي الشهير، ومريم ابنة يعقوب الشاعرة الأديبة.
• وعائشة بنت أحمد التي كانت مُربية ومُعلمة لولد المنصور ابن أبي عـامر أشـهر وأقوى وزراء الدولة الأموية في الأندلس.
التراث الاندلسي:
يوجد في الأندلس ثرواتٌ نفيسةٌ من التراث كانت تنافس الثروات في بغداد ودمشق والقيروان وبلاد النيـل والدولة العثمانية وعند سقوط غرناطة وأشبيلية نُهبت وسُرقت هذه الثروات إلى اسبانيا ومنها ما تم تصديره إلى فرنسا وإلى انجلترا
المخطوطات النادره: يوجد في الأندلس مخطوطات عديدة وقديمة وموثقة توثيق تأريخي منها القرآن الكريم الذي كتب في خط اليد الاندلسي، وكذلك مخطوطة ابن البيطـار وهذه المخطوطات ما زالت محفوظة في المتحف الأسباني
العملات في الاندلس: استخدمت في العصر الأندلسي عدة أشكال من العملات الأسلامية ضرب عليها ”الشـهادتين“ على الوجهـين وأسماء الحكـام آنذاك
مقتنيات وحلي اندلسية: تتميز الحلي الأندلسية بعراقتها ودقـة صياغتها حيث كانت تلبسها النساء في المناسـبات وكانت تصنع من الفضة وبعض المعـادن الأخرى مثل الذهب والنحاس
محققين وكتاب معاصرين: من الكتاب الذي كتبوا عن تاريـخ الأندلس كُثر، نستخلص منهم الكتاب البارزين الذين أثروا الساحة العربية بتحقيقاتهم الأندلسية ومن هؤلاء الكتاب، الكاتب الكبير”إحسـان عباس“ الذي حقـق الكثير في التأريخ الأندلسي. فعباساً كان أكثر اهتماماً بالشعر في الأندلس وخارجها. وقد بدأ اهتمامه التحقيقي بالنشرات العـلمية لدواوين الأندلسيـين والصقليـين, مثل: "ابن حمديس الصـقلي (1960), والرصـافي البلنـسي (1960), والأعلى التطـيلي (1963), والكتيبة الكامنة للسان الدين ابن الخطيب في أشـعار الأندلسيين (1963), والتشبيهات من أشعار أهل الأندلـس لابن الكتاني (1966), وتحفة القادم لابن الأبّار (1986), ومعجـم الشعراء الصقلـيين (1995)".
الدكتور والشاعر والمترجم ”عبد الله حمادي“ خريج جامعـة مدريد المركزية في إسبانيا عام1980م ومتخصص في الأدب الأندلسي والإسباني واللاتينو أميركي، ويعـمل حـاليا أستاذا لمادة الأدب في جامعة قسـنطينة بالجزائر، كما يتولى رئاسة قسم الترجمة فيها. وطيلة سنوات دراسته في إسبانيا جعلته يحتك بأدبائها، وشعرائها القـدامى والمحـدثين وكأن شـيئا غامضا يجذبه إلى أعماق الأندلس ليكون مصدر إلهامه. ولهذا جالت معظـم مؤلفاته في فلك الأندلس ومدى تأثيرها على الأدب الإنساني عامة والإسباني خاصة، من مثل: مدخل إلى الشعر الإسباني المعاصر، قصائد غجرية وأندلسيات
يأتي كتابه الجديد القديم "الأندلس بين الحلم والحقيقة" الجديد لأنه صدر في العام الحالي2004 والقديم لأنه
وليـد مطـلع التسعـينيات تَمخـّض مـن خلال
فكــرة التبــادل الشــعوري والفكـــري بيــن
الضـفـتين: الأندلس من جـهـة والســـاحـل
الأفريقي الشـمالي من جهة أخـرى. ورُغـم
استكمال مادته فإنه لمْ يـرَ النـور في أوانه
بســبب الظـروف الأمنـيـة التـي عــرفتـها الجــزائر في تلك الفتـرة المعروفة بعشرية الدماء والدموع.
 الشـعر في قرطـبة تأليـف: د. محمد سعيد محمد صادر
عن المجمع الثقافي ‏2003‏‏. يتكـلم الكـاتب عن في كـتابه الشعر في قرطبة حيث يقول:” تعد قرطبة مركزاً مهماً للعلوم والفنون ولم تصل إلى هذه المكانة إلا بفضل
القادة العظـام ومنهم عبدالرحمن الثالث،
فجعلوا البلاد تعـيش في اسـتقرار الذي
جعل رقعة قرطبة تتسع والحـياة الأدبية
تنشط مع التشجيع المتواصل من قبل ولاه الأمر للشعراء.
من النساء في العصـر الحديث كـتبت الأديبة والمؤلفة: رضوى عاشور عن الحياة الأندلسية في
كتابها (ثلاثية غرناطـة) سـنة النشـر
2001 ومؤلفها يقع في 502 صفحـة
وأبرزت جـميع المراحل التي مرت بها
الاندلـس وهـو كـتاب قيِّـمٌ للغايـة.
تواريخ سقوط بعض المدن الاندلسية:
• برشـلونة 74هـ 985م قــرطــبـــة 633هـ 1236م
• قرطاجـــنة 640هـ 1242م
• مرســــــيـة 641هـ 1443م
• لشــــــبونـة 645هـ 1247م
• إشـــــبيـليـة 646هـ 1248م
• جبل طارق 702هـ 1310م
• رنــــــــــدة 890هـ 1485م
• غــرناطــة 898هـ 1492
• ليـــــــون 392هـ 1002م
• سـلمنـقـة 446هـ 1055م
• مــدريـد 476هـ 1084م
• طليطــلة 477هـ 1085م
• سرقسطة 512هـ 1119م
• مـــــاردة 619هـ 1222م
• يابســـــة 632هـ 1235م
الخاتمه: لا بد لنا ان نعرج ولو باختصار على الجانب الحضاري لمسـلمي الاندلس. فقد ترعرعت حضارة زاهية في ربوع الاندلس كان لسانها العربية ومادتها الاسلام. وقد شملت هذه الحضارة مختلف الجوانب كالزراعة والصناعة والتجارة، الادب والفن،المعمار والفلسفة وفن الحروب والفروسية. فقد انشأ المسلمون نظام ري استطاع ان يحي الكثير من ارض الموات وتحولت ارض اسبانيا الى مروج خضراء، وقد دخل الفاتحون معهم المحاصيل الزراعية التي لم تكن معروفة في اسبانيا من قبل مثل النخيل والرز وقصب السكر. كما برعوا في تربية دود القز وصناعة الحرير، أما بالنسبة للفن المعماري فنظرة فاحصة إلى قصر الحمراء ومسجد قرطبة وقصر اشبيلية جديرة أن تثبت ما وصل إليه المسلمون من درجة عالية من الرقي في الفـن المعماري والذي لا يزال محط انظار العالم إلى وقتنا الحاضر.

بنوته11
2012- 5- 2, 05:15 PM
المحاضره الثانية:الشعر الاندلسي
1. عهد الولاة.
2. عهد بنو أمية.
3. عهد ملوك الطوائف.
4. عهد المرابطون.
5. عهد الموحدون.
6. عهد بنو الأحمر.
كـــان صَـــــدى الشِّــعر فـي عـــهــد الـــولاة ضَـــعيفاً بالنسبة للشعر الشـــرقــــي وتــردٍ فـي معانيــــه وأســـاليبه. أهم الشعراء في عهد الولاة:
1. بكـر الكـناني
2. عباس بن ناصح
3. يحيى بن حكم الغزال
4. حسانة التميمية
عهد بنو امية: ازداد الشعر ازديادا لما اولاه الحكام كم عناية ولما كان هناك حركة علمية وادبيه وهي اشبه بحركة اوائل العهد العباسي في الشرق
• اهم الشعراء في عهد بنو امية: ابن دراج القسطلي
• ابن شـهيد
• ابن حـزم
• عهد ملوك الطوائف: تنافسوا فـي نظـم الشـعر وكـانو يتراســـلون فيما بينهم شـعرا، ويحـاولون أن يعيشـــون حياة شـــعرية والسـبب تحول بلاد الأندلس إلى أمــارات، وتــنافس فيها الحكام فـي طلب العلم والأخذ بأسباب الأدب وتقريب الشعراء.
• أهم شعراء فـي عهد
ملـــــــــوك الطــــــوائف
• المعتمد بن عباد
• ابن زيـدون
• ولادة بنت المستكفي
• عهد المرابطون: انحط الشعر انحطاطا لـقُصرِ عهد المرابطــين وذلـك بســبب انهــيار المشــــرق، تضــــاءل الشــعر وتلاشى ونزع نزعة الزجل والتوشيح. مما جعل أحد أهل الحرص على جـمع الشـعر الأندلســي خشية عليه أن يضيع، مثل ابن بسـام في كتابه (الذخيرة في محاسن أهل الجــزيرة) وكـذلك كتاب ابن خاقــان القلاعـــي (قلائد العقيان).
• أهم شعراء في عهد المرابطون:
• ابواسحاق ابن خفاجة
• يحي بن الزقاق
• الأعــــمى التطــيلي
• ابن قزمان
• عهد الموحدين: عهد هدوء وسكينة، كما كان عهد عــِلـــمٌ عُـرف فيـــه العـديــد من الأدبــاء والشعراء البارزين.
• أهم الشعراء في عهد الموحدون:
• ابن الطفيل
• ابن رشد
• ابن البيطار
• الرصـــــــافـي
• حفصة الركونية
• عهد بنو الاحمر: كان عهد بنو الأحمر عهد انحلال وفوضى اشتهر فيه عدد من الشعراء البارزين.
• أهم الشعراء في عهد بنو الأحمر:
• لسان الدين الخطيب
مراحل الشعر الاندلسي: حمل العرب إلى الأندلس طبيعتهـم الشـــعرية كــما حـــمـلوا نزعــاتــهـم العـِرقيّــة، وقــــد نـظــر الغــرب إلــى الشــرق نظــر الفــرع إلـى الأصــــل، ونظــر الشــرق إلــى الغــرب نظــرة اسـتصــغار، وانتـشـــر الشــــعر فـي جميع الطــــبقات وما أن كــــان القـــرن الحـادي عشــــر حتـى قويـت الشـخصية الأندلسية وحتى أخذ الأندلسـيون يعرضون شيئاً فشيئاً عن المشارقة.
عهد الولاة: كان الشعر الأندلسـي فـي عهد الولاة صداً للشعر المشــرقي تتردد فيه معــانيه وأســـاليبه، وقد ظهرت في هذا العهد الأراجـيز التاريخية كـما ظهرت الموشحات، وانتشر شعر النّــوريات إلى جــنب الزُّهـديات و التاريخـيات. ومن شــعراء تلك الفــترة بكــر الكــناني، عباس بن ناصــــح، يـحــيى بن حــكــم الغــزال، حســانة التميمية.
ومن شعراء فترة الولاة أبو الأجــرب جعـونة بن الصِّـمَّة، وقيل أن هذا الشاعر كان بمرتبة جرير والفرزدق، كـما روي أن أبا نــواس ســأل عنه عباس بـن ناصــح الأندلـســي، حين التقى أبو نواس بابن ناصــح في العراق، والشاعر أبو الخطــار حُسام بن ضـــرار، وهـــو من أشــراف القحطــانين بالأندلس وكان شاعراً فارساً؛ لذا لقب بـعنترة الأندلس وهذان الشاعران لـم يــعثر إلا على القليل من أشـعارهما.
عهــد بنو أميـة: ازداد الشــعر انتشــاراً لما كـــان مـن حركــة علمية وأدبية ولما أولاه الحكـام من عــناية، وقد اشــتهر من الشــعـراء ابن عبد ربـه، وابن هــاني الإلبيري، والزَّبـيدِي، وابن درّاج القسطلي، واشتهر في فترة الانتقال من العهد الأموي إلى عهد ملوك الطوائف ابن شُـهَيْد، وابن حَـزْم، وقد شهدا سقوط الخلافة الأموية وبكيا قصر الخلافة فـي قرطبة.
عهــد ملــوك الطــوائف: تنافســـوا فـي نظـــم الشـــعر وكانوا يتراســـلون فيما بينهم شـعراً، ويحـاولون أن يعيشـون حياة شـعرية والسـبب تحول بلاد الأندلس إلى إمــارات، وتنافــس فيها الحكــام فـي طـلب العلــم والأخذ بأسباب الأدب وتقريب الشعراء. وقد اشتهر فـي تلك الفترة المعتمد بن عباد ابن زيــدون وولادة بنت المستكفي.
عهد المرابطون: انحــط الشــعر انحطـاطاً منــها قـصــر عهــدهم الذي لم يـهيأ ما يـهـذب خـشــــونـتـهم ويرقـــق أذواقــهم، وكــذلك بســـبب انهــيار المشـــرق، تضـــــاءل الشــعر وتلاشــى ونــــزع نزعـــة الزجــل والتوشـيح. مـما جعــل أحــد أهــل الحرص يجــمع الشــعر خشـية عـليه أن يضـــيع، مثـل ابن بســـــام فـي كـــتابه الذخــيرة فـي محاســن أهل الجــــزيرة وكـذلك كتاب ابن خاقــان القلاعي قلائد العقيان.
وقد تغلب في هذا العهـد ذوق العــوام، ومال الشــعر إلى كــل ما هــو سُـوقـيّ، واتســم بســـــمةٍ البـذاءة، والهـجــاء اللاذع والمتحرِّرين والمجان، وعهد كبار الزجالين. وقد اشتهر من الشعراء أبو إسحاق بن خفاجة، وابن أخـته يحي بن الزقاق، والأعمى التطيلي، وابن قزمان.
عهـد الموحـدون: كـان عهد هــدوء وســكينة كما كان عهد علم عرف فيه ابن الطـفيل وابن رشد ابن البيطار وغــالب البلنســي المعروف بالرُّصــافـي، واشتهر عدد من النســاء اللــواتي يــتــعـاطــين القريــض ، منهــن حفصــة الركــونية، كــما اشــتهر ابن الأبّار القُضَاعي.
اتجاهات الشعر الاندلسي: هناك ثلاث اتجاهات للشعر الأندلسـي وإذا نظـرنا إلى الشــعر في بداية الأمر وجدنا أنه سار في اتجاه المدرسة المشــــرقــيــة المحافظـــة. وإن أو مظـــهر من مظــاهر هـذا الاتجاه المحافظ هو الالتـزام بالموضــوعات التقــليدية، كــما كــان يســــير عـلى منــهــج الأقــدمــيـن فـــي بنـــاء القصيدة وفي تجميع صورها من عالم البادية وتأليف أسلوبها فـي الأعــم الأغـلب على الأسلوب الذي يعتمد على الألفاظ الجـزلة والعــبارات الفخــمة، كـما يميـل إلى الأبحر الطويلة ذات القوافـي الرنانة.
ومن أمثلة ذلك قول أبو المخشي من قصـيدة يمدح بها عبد الرحمن الداخل ويصف الرحلة إليه فيقول:
امْتَطَــيْــنـَا سِـــــمَاناً بُـــــدْنا فَتَركـْــنَاها نَضَــــاء بالـعَـــنا
وذُريْـنَى قدْ تَجـَـاوَزتْ بِهَــا مَهمَها قفراً إلى أهْل النّدى
قَاصِدا خَير مَنافٍ كُلها ومَنافٌ خَيرُ من فَوقِ الثّــرَى
وردت هــذه الأبـيـــات فـي ( الإحاطــــة) لابــن الخــطـــــيب (مخطوط بالإسكوريال رقم 1673، ورقة352) نقــلاً عن أحمد هيكــــل، الأدب الأندلســي ص82. ويتـــصــل نســب الشاعر بالعبــاد نصــارى الحــيرة، وكــان أبــوه مع جند الشام الذين وفدوا على الأندلس في فترة الولاة، وكان أبا المخشــي ذا بــذاء زائد يتســرع به من لا يوافقـــه مــن النـاس، وذا هجــاء يمــس الحـــرم ويتــــناول الأعـــــراض؛ لذا كان الشعراء يجدون فـي أصله النصــراني البعيد مغمزاً يعيرونه به،
وقد ذكر فـي إحدى مدائحه بيتاً من الـشعر اعتبره هشام بن عبد الرحمن الداخل تعريضاً به. وهــو هـذا البيت:
ولَيْسُوا مِثْلَ من إنْ سَيل عرفا
يُـــقَــلِّــب مُقْــلَــة فِيْــــهَــا إِعـْــــوِرَار
فهــشــام كـــــان أحـــــول فاغـــتــاظ مــن أبـــي المخـــشــي، فاســتدعاه إلى مديـــنة مـاردة وكــان هشام واليها فـي حياة أبيه فخــرج إليه طامعاً فـي عطائه، فلــما دخــل عليه قال له: "يا أبا المخشـي إن المـرأة التي هـوت ابنها، فقذفتها فأفحشــت فيها، قد أخلصت دعاءها لله فـي أن ينتقــم لهــا منك، فاســتجاب رجـــاءها، وســلطـــني لأقــتص لها" ثم أمر به فقطــع بعض لســانه وســـملت عيناه، فعظــم مصابه وكــثرت شــكواه فـي أشعاره.
ولما بلغ عبد الرحمن الداخــل صــنيع ابنه عــنفه، ثـم قدم الشـاعر على عبد الرحمن وأنشـده قصيدته التي صدرها بتصوير محنة العمى، فرق له الأميـر وأجازه بألفـي دينار وضـاعف ديـته، ولما صــار الأمر إلى هـشام بعد أبيه استشعر الندم مما أصاب الشاعر على يديه، فتــرضـــاه وضــاعف ديتــه كـذلك. وردت أخـــبـاره فـي المغرب لابن سعيد، ج2، ص124.
الاتجاه المحدث أو الجديد ونعني بهذا الاتجـاه، الاتجاه الذي سـار فـي المشرق مثل أبي نواس ومســلم بن الوليد وأبو العتاهية وأمثالهم من المجددين، والذي تزعمه أبو نواس حــين ثار عـلى الاتجــاه المحــافظ ونـدّد بطــريقتـه وراح يطرق أغراض جديدة وبنهج وأســلوب محدث ثــار عـــلى المقـــدمة الطــــــــللية كـــما ثار على الموضــــــــوعات التقـليدية وأهـتم بأغــراض شــعرية لم تــكن شـــائعة من قبل وتوسع في الغزل والخمر ووصفها.
فمن المعــروف أن أصـــل نشــأة هـذا الاتجاه فـي الشــرق كــان أثــراً للحــياة الجـــديدة التي عاشـــها الناس فــي العـــصـــر العـباســي الأول وأخـــــذ
النـاس يفتحـــون عــيونـهـم عــلــى
دهشــــة مســـتــحــدثات الحضـــارة
لقــد كـــان لهذه الحركــة التــي
تزعمها أبو نواس ومعاصروه أثراً
على بعض الشـــعراء..
من هؤلاء الـشعراء عباس ابن ناصح الذي ســافر إلى المشـــرق والتـقى بأبي نواس فـي العــراق وســمع شــعره وعاد إلى الأندلس فأشاعه بينهــم وما لبث أن تــمثلوه وأنتجوا شعراً مشابهاً به بل يفوقه في بعض الأحايين ونتيجــة الحــياة الجــديدة أيضــاً التي بدأت يحـــيونها العرب في بلاد الأندلس ظهرت تلك الأشعار المحدثة التي أخــذت اتجــاهات جــديدة مثل: الخـــــــــمـــــريــــات، والمجــــونــيـــات، وظــهر الغــــــزل الشــــــاذ.
ومن أمثل هذا الاتجاه قول المطرف بن عبد الرحمن الأوسط:
أفْنَيتُ عُمْري بالشُّرْبِ والوُجُوه الـمِلاح
ولَمْ أضَيع أصيلاً ولا إطِّلاع صَبَاح
أُحـيّ اللّيالِــي سُهْداً فـي نَشْــوةٍ ومِـرَاح
ولم أسْــمَـع مَاذا يَقُــول دَاعِ الفَـلاح
* فالأبيات صريحة في المجون والعبث وضياع الوقت بين الخمر والملذات.
فيمكـن أن نجـمل خصــائص الاتجاه المحـدث بأنه اتجـاه فيه ثورة على الأغراض القديمة؛ ولذلك فموضــوعـاته جديدة، ومن حيث الأسـلوب فنلاحـظ أنه واضـح وســـهل والألفاظ تعبر عن المعاني دون تكلف، ويضـاف إلى ذلك أنه أسلوب يميل إلى التفصيل ويتجه أحياناً إلى القص، وتشـع فيه روح الدعــابة والســخرية والتحــرر الزائـد، أما الموســيقى فهــذا الاتجــاه يتجــه نحــو البحــور القصــــيرة والقوافي الرقيقة.
• ومن أمثلة ثورة أبو نواس والتعريض بكل واقف على الأطلال والنيل من العرب في سخرية قوله:
قُلْ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى رَسْمِ دَرْسٍ
وَاقِفاً ما ضَرّ لَوْ كَانَ جَلَسْ
اتْرُكْ الرّبْعَ وَسَلْمَى جَانِباً
واصْطَبِحْ كَرْخِيـَّةَ مِثْل الْقَبَسْ
وظهــر الاتـجــاه المحافــظ الجــديد فــي المـشـــرق كـــرد فعـــل للاتجــاه المحدث الذي تزعـمه أبو نواس والذي خرج بالشعر العربي عن كــثير من تقــاليده فجـاء هذا الاتجـاه المحافظ الـــجديد ليعــيد إلى الشــعر الــعربي طـــبيعــته العـربيــة دون الوقــوف عــلى أو الجــمــود، ومــن هــنـا كــــان هـــذا الاتجــــــاه محافظاً من جــانب ومجــدداً من جــانب آخـر، فهو محافظ فـي منهــج القصــيدة ولغــتـها ومــوســيقــاها ثــــم فـي روحــــها وأخلاقياتها، وهو مجــدد فـي معاني الشعر وصـوره وأسـلوبه وجمالياته.
ومــن خصـــائص هــذا الاتجــاه المحافــظ الجــديد أنــه يســير على الطــريقة القـديمة فـي البدء بالبكـاء على الأطلال أو الافتتاح بالغـزل، ثم الانتقال إلى الغـرض الأساسي الذي قد يسبق فـي وصف رحلة الشاعر وقد يـتبع بالفخــر. وكـذلك من ناحــية اللغــة يفضــلون أصحاب هذا الاتجـــاه الأســلــوب القــديــم ذا الألفــاظ القويــة الجــزلة، وفخاــمة العــبارة.
ومن حـيث الموســيقــى يـؤثــرون الأوزان الطــــويـلة ذات النغــم الوقــور، والقوافـي القــويــة ذات الرنــين الرزيـن. ومن حيث روح الشــعر وأخــلاقيته يبتعـد أصحب هذا الاتجــــــاه عـــن الإفـــــراط فـــي المجــــون والمجــاهـرة فـــي العصــيان واجــتناب الفخــر بارتكــاب الرذائل.
ومن حيث معانــي الشعر وصــوره فقـد كـانوا يســيرون مسـيرة المجـــددين فـي البحث عــن المبتــكر الرائـع، ومن تلـك صــور تشــخيصــية ورائــعة لــوادٍ ظــليل تــقـــدمهــا الشــاعرة حــمدة بنـــت زيـــاد المؤدب إذ تقول:
وقَــانَا لَفْحَــةِ الرّمْضَـــاءِ وَادٍ
سَقَاهُ مُضَاعَفُ الغَيْثِ العَمِيمِ
حَـلَلْنَا دوْحـهُ فَحَــنّا عَــــلَيْنـا
حُنُوَّ الْمُرضِعَاتِ عَلَى الفَطِــيْــم
وأرْشَـفْنَا عـَـلى ظَــمأٍ زُلاَلاً
أَلَــذُّ مـِـــنْ الُمُـــدَامَــــــةِ للنَّــدِيــــمِ
يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى واجَهَتْنَا
فَيـَـحْجُــبُهَا ويَــأْذَنُ لِلنَّسِــــيـــم
وحــمدة بنت المؤدب تسـمى (حـــمدونة) ونسـب إليها أهـل المغــرب الأبيات الشهيرة المنسوبة للمنازي الشاعر المشهور وهو أحمد بن يوسف المنازي المتوفى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة:*
وَقَـــانَا لَفْحَـــةَ الرّمْضَــــاء وَادٍ سَقَاه مًضَاعَف الغَيْثِ العَمِيْم
نَزَلْنَا َدوْحَـــهُ فَحـَــنّا عَـــلَيْنا حُنُوّ الْمُرضِعَاتِ عَلَى الفَطِيْـــم
وَأَرْشَــــفْنَا عَـــلَى ظـَــمَأ زُلاَلاً يَــرُدُّ الــرُّوحَ لِلقَــلْبِ السَّــــقِيــْم
يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى وَاجَهَتْنا فَيَحْــــجُــبُها وَيَـــأْذَنُ لِلــنَّسِـــيْم
يَرُوعُ حَصَاه حَالِيَةَ العَذَارَى فَتَلْمَسُ جَانِبَ الْعِقْد النّظِيْم
المحاضره الثالثه:
موضوعات الشعر:المدح من ابرز شعراء الاندلس في المدح قمر البغدادية: مَا في المَغَارِبِ مِنْ كَريمٍ يُرتَجَى
إلاّ حَلـِيفُ الجُودِِ ابْرَاهِـيْمُ
إِنِّي حَـلَلْتُ لَدَيْهِ مَنْزِلَ نِعْمَةٍ
كُلَّ المَنَـازِلَ مَا عَدَاهُ ذَمِيْـمُ
الرثاء/ ابو البقاء الرندي في قصيدته رثاء الاندلس لكل شي..."الى خيال الطيف وسنان
المعتمد بن عباد رثا نفسهعندما نفاه يوسف بن تاشفين الى مدينة اغمات التي مات فيها فقيرا مأسورا
فِيْمَا مَضَى كُنتَ بِالأيّامِ مَسْرُورَا
فَجَاءَكَ العِيْدُ فِي أغْماتِ مَأْسُورَا
تَرَى بَنَاتِكَ فـي الأطْـمـَارِ عَارِيَةً
يَطَأْنَ فِي الطيْنِ مَا يَمْلِكْنَ قِطْمِيرَا
• الغزل: تناول كثير من الشـُّعراء في الأندلس شعر الغـزل في قصائدهم خصوصا من هُـم قـريـبون من الحكَّام، أو اللذيـن تــم ســجنهم، ومن أبرز ما كـتب في الغزل ابن خــفاجــة فـي قصـــــيدته المشـــهــورة: (حُلو اللّمى): وأغيدٌ حُلْو اللّمى, أمْلَدٌ** يُذْكِي عَلى وِجْنَتِه الجَمْرُ
• بِتُّ أُنَاجِيْه , ولا رِيْبـَةٌ**تَعَـلّق بِي فِيه, وَلا وِزْرُ
• وَالليْلُ سِتْرٌ وَدُونِنَا وَمُرْسِلٌ**قَدْ طَرّزتْهُ أَنْجُمُ حُمْرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني فَفِي وِجْنَتِي**مَاءٌ وَفِيْ وِجْنَتَيْه خَمْرُ
هذه هي حفصة الركونية تعبر للوزير الوسيمابي جعفر عن ولعها به ونهمها الى حب يدفع بها الى الغيرهثم ينتقل بها من مرحلة الغيره الى مرحلة الاثره والانانية: أخَافُ عَلَيكَ , مِنْ عَيْنِي ومِنِّي
ومِنْكَ , وَمِنْ زَمَانكَ , والمَكَانِ
وَلَوْ أنِّي خَـبَّأْتُكَ فِي عُـيُونِي
إلَـى يَوْمِ القِـيَامَةِ مَا كَـفَانِي
• لم تلفت ولاّدة من شعر إبن زيدون وهــو يجــوب قُرطـــبة وضـــاحــيتـــهــا الزهـــراء عاشـــقاً ومولـــعــاً ومتيـماً بِحُــب ولادة بنـت المُســـتكــفي، وقـد كتب فيها الكثير، ومن شعره:
• إني ذَكَرتُكِ بالزّهْرَاءِ مُشْتَاقَا **وَالأُفْقُ طَلْقٌ وَمَرْأى الأرْضِ قَدْ رَاقَا
• وَلِلنّسِـيمُ إعْتِلالٌ في أصَائِلِهِ ** كَـأنّهُ رَقَّ لِيْ فَاعْـتَلّ إشْـفَاقَا
• نَلْهُو بِمَا يَسْتَمِيلَ العَيْنَ مِنْ زَهْرٍ ** جَالَ النّدَى فِيه حَتى مَالَ أعْنَاقَا
• كَأنّ أعْيُنُه إذْ عَايَنْت أرْقَـي ** بَكَتْ لِمَا بِي فَجَالَ الدّمْعُ رِقْرَاقَا
• الهجاء: لمْ تَقُم له سوق رائد فـي الأندلس ولا سيما الهجاء الســياسي لقلـّة الأحزاب الســياســية وقد ظـهـر فـي عهـد الأمـراء هجـاء بين الـمُضـريّة واليمنيّة، ولكن لم يحفظ لنا منه شيئا.
• لم يكن هناك هجـاء سياسـي بالمعنى المعـروف عند المشـــارق كالدفــاع عن العُرفِ وذم الشــــعوبية لأن الشعوبية لم يكن لها شأن فـي الأندلس.
وعلى كل حال فإن الشعراء اللذين مارسوا هذا الغرض لم يبلغوا فيه شأن المشارقة، وأشــهر من عُرف بهذا الفن أبو بكر المخزومي الأعمى. بينه وبين نزهون القلاعي الغرناطية معابثات فاحشة قال فيها المخزومي
على وجه نزهون من الحسن مسحةً
وتحت الثياب العار لو كان باديا
قواصد نزهونٍ توارك غيرها
ومن قصد البحرَ استلقى السواقيا
فأجابته نزهون
إنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَـقــًّـا منْ بَعْدِ عَهْـــدٍ كَرِيْم
فَصـَــار ذِكْـرَى دَمَـــيْما يُـعْزَى إلىَ كُـــلَّ لَــــوْم
وَصِــــرْتَ أقْــبـَــــحَ شَــــيْءٍ فـي صُورَةَ الْمَخْزُومِي

• الخمر: حظي الخـمر بنصيبٌ كبير من الشعر الأندلســي، وكـان أكـثر ما تـناوله هُـم العاشـقون الهـائمون، ومن أشــعارهم في الخمر.
• قال علي بن أبي الحسن في وصف الراح:
• يَرُوجُ مِنْ الْخَطيِّ فِيْها كَواكِبٌ
• لَهَا منْ قُلُوبِ الْمُجْرِمينَ مَنَازِلُ
• تَرَدّتْ نُحُولَ العَاشِقِيـنَ كَأنّمَا
• بِهَا مِنْ تَبَارِيْـحِ الغَـرَامِ بَلاَبِلُ
• وقال شاعر آخر:
وَنَدِيـمٌ هِمْـتَ في غَرّتِهِ
وَبِشُرْبِِ الرَّاحِ منْ رَاحَـتِهِ
كُلّمَا اسْتَيقَظَ منْ سَكـْرَتِه
جَذَبَ الزِّقَّ إلِيْه واتَّكَا*وَسَقَانِي أَرْبَعَا فِيْ أرْبَع
وقال الغزال في وصف الخمر:
وَمَا رَأيْتُ الشُّربَ أكْدَتْ سَمَاؤُهم
تَأبّطْتُ زِقِّـي وَاحْتَسَـبتُ عَنَائِي
وهذا أبو زكريا يحيى بن محمد المعتصم بن معـن, رفيع الدولة يصف مجلس لهو وخمر:
أبَا العَلاءُ, كُؤُوس الخَمْرِ مُتْرَعَةٌ
ولِلنّدَامَى سُرُورٌ في تَعَاطِيْهَا
ولِلْغُصُونِ تَثن فَوْقَهَا طَرَبا
وَلِلْحَمَائِمِ سَجْعٌ في أَعَالِيْهَا
فَاشْرَبْ عَلى النَّهْرِ منْ صَهْبَاءٍ صَافِيَةٍ
كأَنّها عُصِرَت منْ خَدِّ سَاقِيْها
• الوصف: إن أكـثر ما تم وصـفه في الأندلس هـي المزارع أو أراضــي الفــلاحين حــيث كــان لهـم اهتمام كــبير فـي الطــبيعة لـمَ لها من تأثيـــر نفســي وعمق تأصـيلي في الحياة ومن تلك الأوصاف نذكر ما قــاله: الأميـر عبدالملك بن بشــر بن عبدالملك بن مروان:
• تَبَدّت لَنَا وَسَـطَ الرّصَـافَة نَخْـلَةٌ
• تَنَاءتْ بأَرْضٍ الغَرْبِ عَن بَلَدِ النّخْـلِ
• فَقُلْت شَـبِيْهي فِي التّغَربِ والنّـوَى
• وطُولَ التّنَـائي عنْ بَنِيْ وعنْ أهْلـِي
• نَشَأتُ بأرْضٍ أنْتَ فِيْـهَـا غَرِيبـةٌ
• فَمِثْلُكَ في الإِقْصَـاءِ والمُنْتَـأى مِثْلِي
• سَقَتْكَ غَوَادِي المُزْنَ مِن صَوْبِهَا الّذي
• يَسُـحُّ وَيَسْتَمرِي السّمَاكِين بِالوَبْل
• بِمَهْلكَةٍ يُسْتَهلَكُ الجُهْد عَفْوِها
• وَيَتْركَ شَمْلَ العَزْمِ وَهو مُبَدّد
• تَرَى عَاصِفَ الأرْوَاحِ فِيْهَا كَأنّهَا
• مِنْ الأَيْنِ تَمْشِي ظَالِعٍ أوْ مُقَيدّ
• العفه: من الخصــال التي تمــيز بهــا أهــل الاندلـس (العـفّــة) والمحــفاظــة على خصال الحياء، وتعتبر العفة صفة محمودة في ذاك العصـر الرائع قــال أحـــد الشــــعراء المجــهــوليـن يصــــف الأخلاق والعفة: وطَائِعَةَ الْوِصَالِ عَفَفْتُ عَـنْهَا
• وَمَا الشّـيْطَانُ فِيْـها بِالمُطَاوَعِ
• بَدَتْ فِي اللّيْلِ سَـافِـرَةً فَبَانَتْ
• دَيَاجِـي اللّيلُ سَـافِرَةَ القِـنَاعِ
• وَمَا مِـنْ لَحْـظَـةٍ إلاّ وفِيْـها
• إلى فِتَـنِ القُـلُوبِ لَها دَوَاعِي
• فَمَلّكْتُ النُّهَى جَمَحات شَـوْقِي
• لأجْرِي فِي العَفَافِ عَلى طِبَاعِي
• الحماسه: من شـعرِ الحماسةِ ما قاله الفاتح طـارق بن زيـاد وهو يَحثُّ المسلمين على حماس الجهـاد عبر مســيرته الطـّـويلة في الذود عن دمـــارِ الاســلام والترغــيب في الحـرب والنِّضـال من أجل إعلاء كلمة الله ورفع راية الاســلام في الأندلـس
• رَكِـبْنا سَـفِيناً بالمَجَـازِ مُقِـيرا
• عَسَى أنْ يَكُونَ الله مِنّا قَدْ اشْتـَرَى
• نُفُوسَـاً وَأمْـوَالاً وَأهْـلاً بِجَـنة
• إذَا مَا اشْتَهَيْنا الشّيء فِيْهَا تَيَسـّرا
• وَلَسْنَا نُبَالِي كَيْفَ سَالَت نُفُوسَـنَا
• إذَا نَحْنُ أَدْرَكْنَا الّذي كَانَ أجْـدَرَا
وقال الأمير بن مُردنيش يصف الحماسة والشجاعة في المعركة: أَكُرُّ عَلَى الكَتِيْبَةِ لاَ أُبَالِي
أَحْتَفِي كَان فِيْهَا أمْ سِوَاهَا
الزهد
» هو إنصـراف الإنسان عن متاع الدنيا وحطامها اللذين يكونان سببا في خطيئة الإنسان والإلتفات إلى عـبادة الله وطاعته، وقد اختلفت دواعـي لجـوء الشـــعراء إلى الزهــد، فمنهـــم من
أصـــبح زاهــدا بعـد أن أســـرف فـي
اقتراف المعاصي واقتناص الملذات
بكـل أنواعــها.
قال الشاعر ابو الوليد الباجي:
إذا كُنْتُ اعْلَمُ عِلْماً يقيناً
فَلِمَ لا أكــونُ ضَـــنيناً بـِـها
بأنّ جَميعَ حَيَاتي كَسَاعةٍ
واجْعَلهَا في صَــلاَحٍ وَطَـاعةْ
• المدح: من أبـرز شُــعراء المـدح فـي الاندلـس نـذكـر للعرض لا للحصر، شاعرة عالية القامة في الشعر، ذات رأي سديد وجواب شاف، ومنطق صائب، هي (قـَمَر البغداديـة) التي امتدحت مولاها ابراهيم بن حجاج اللخـمي:
• مَا في المَغَارِبِ مِنْ كَريمٍ يُرتَجَى
• إلاّ حَلـِيفُ الجُودِِ ابْرَاهِـيْمُ
• إِنِّي حَـلَلَتُ لَدَيْهِ مَنْزِل نِعْمَةٍ
• كُلَّ المَنَـازِلَ مَا عَدَاهُ ذَمِيْـمُ
• الحكمة: إنّ الشعراء الأندلسيين بدت حكمتهم ساذجة لم تنشر في تلك الربوع، بل تأخر ظهور الفلاسفة إلى آواخر القرن الخامس في عصر المرابطين والموحدين فقد كان هذا العصر عصر فلسفة وتأليف. فيه ظهر ابن باجة وابن رشد وابن طفيل.
فقد كان للفقهاء سلطانا على ملوك الأندلس فقد ضيّقوا حرية التفكير وكفروا كل مُتفلسف وأفتوا بنفيه وإحراق كتبه. فكانت العامة تُجاري أهواء الفقهاء لذلك لم يظهر شعر الحكمة في شعراء الاندلس وإن كان إبن هانئ أكثر الشعراء الأندلسيين إهتماماً بالحكمة في شعره فهو بذلك محاولاً تقليد المتنبي.
وحكتمه تدور حول شكوى الدهر والتحذير من الدنيا، فكانت كحمة غيره من الشعراء مبتذلة بعيدة عن النضج. ومن قوله في قصيدة يرثي فيها ولداً لإبراهيم بن جعفر بن علي أحد ممدوحيه:
وهب الدهر نفيساً فاسترد ربما جاد بخيلاً فحسد
خاب من يرجو زمانا دائماً تعرف البأساء منه والنكد

بنوته11
2012- 5- 2, 05:15 PM
المحاضره الثانية:الشعر الاندلسي
1. عهد الولاة.
2. عهد بنو أمية.
3. عهد ملوك الطوائف.
4. عهد المرابطون.
5. عهد الموحدون.
6. عهد بنو الأحمر.
كـــان صَـــــدى الشِّــعر فـي عـــهــد الـــولاة ضَـــعيفاً بالنسبة للشعر الشـــرقــــي وتــردٍ فـي معانيــــه وأســـاليبه. أهم الشعراء في عهد الولاة:
1. بكـر الكـناني
2. عباس بن ناصح
3. يحيى بن حكم الغزال
4. حسانة التميمية
عهد بنو امية: ازداد الشعر ازديادا لما اولاه الحكام كم عناية ولما كان هناك حركة علمية وادبيه وهي اشبه بحركة اوائل العهد العباسي في الشرق
• اهم الشعراء في عهد بنو امية: ابن دراج القسطلي
• ابن شـهيد
• ابن حـزم
• عهد ملوك الطوائف: تنافسوا فـي نظـم الشـعر وكـانو يتراســـلون فيما بينهم شـعرا، ويحـاولون أن يعيشـــون حياة شـــعرية والسـبب تحول بلاد الأندلس إلى أمــارات، وتــنافس فيها الحكام فـي طلب العلم والأخذ بأسباب الأدب وتقريب الشعراء.
• أهم شعراء فـي عهد
ملـــــــــوك الطــــــوائف
• المعتمد بن عباد
• ابن زيـدون
• ولادة بنت المستكفي
• عهد المرابطون: انحط الشعر انحطاطا لـقُصرِ عهد المرابطــين وذلـك بســبب انهــيار المشــــرق، تضــــاءل الشــعر وتلاشى ونزع نزعة الزجل والتوشيح. مما جعل أحد أهل الحرص على جـمع الشـعر الأندلســي خشية عليه أن يضيع، مثل ابن بسـام في كتابه (الذخيرة في محاسن أهل الجــزيرة) وكـذلك كتاب ابن خاقــان القلاعـــي (قلائد العقيان).
• أهم شعراء في عهد المرابطون:
• ابواسحاق ابن خفاجة
• يحي بن الزقاق
• الأعــــمى التطــيلي
• ابن قزمان
• عهد الموحدين: عهد هدوء وسكينة، كما كان عهد عــِلـــمٌ عُـرف فيـــه العـديــد من الأدبــاء والشعراء البارزين.
• أهم الشعراء في عهد الموحدون:
• ابن الطفيل
• ابن رشد
• ابن البيطار
• الرصـــــــافـي
• حفصة الركونية
• عهد بنو الاحمر: كان عهد بنو الأحمر عهد انحلال وفوضى اشتهر فيه عدد من الشعراء البارزين.
• أهم الشعراء في عهد بنو الأحمر:
• لسان الدين الخطيب
مراحل الشعر الاندلسي: حمل العرب إلى الأندلس طبيعتهـم الشـــعرية كــما حـــمـلوا نزعــاتــهـم العـِرقيّــة، وقــــد نـظــر الغــرب إلــى الشــرق نظــر الفــرع إلـى الأصــــل، ونظــر الشــرق إلــى الغــرب نظــرة اسـتصــغار، وانتـشـــر الشــــعر فـي جميع الطــــبقات وما أن كــــان القـــرن الحـادي عشــــر حتـى قويـت الشـخصية الأندلسية وحتى أخذ الأندلسـيون يعرضون شيئاً فشيئاً عن المشارقة.
عهد الولاة: كان الشعر الأندلسـي فـي عهد الولاة صداً للشعر المشــرقي تتردد فيه معــانيه وأســـاليبه، وقد ظهرت في هذا العهد الأراجـيز التاريخية كـما ظهرت الموشحات، وانتشر شعر النّــوريات إلى جــنب الزُّهـديات و التاريخـيات. ومن شــعراء تلك الفــترة بكــر الكــناني، عباس بن ناصــــح، يـحــيى بن حــكــم الغــزال، حســانة التميمية.
ومن شعراء فترة الولاة أبو الأجــرب جعـونة بن الصِّـمَّة، وقيل أن هذا الشاعر كان بمرتبة جرير والفرزدق، كـما روي أن أبا نــواس ســأل عنه عباس بـن ناصــح الأندلـســي، حين التقى أبو نواس بابن ناصــح في العراق، والشاعر أبو الخطــار حُسام بن ضـــرار، وهـــو من أشــراف القحطــانين بالأندلس وكان شاعراً فارساً؛ لذا لقب بـعنترة الأندلس وهذان الشاعران لـم يــعثر إلا على القليل من أشـعارهما.
عهــد بنو أميـة: ازداد الشــعر انتشــاراً لما كـــان مـن حركــة علمية وأدبية ولما أولاه الحكـام من عــناية، وقد اشــتهر من الشــعـراء ابن عبد ربـه، وابن هــاني الإلبيري، والزَّبـيدِي، وابن درّاج القسطلي، واشتهر في فترة الانتقال من العهد الأموي إلى عهد ملوك الطوائف ابن شُـهَيْد، وابن حَـزْم، وقد شهدا سقوط الخلافة الأموية وبكيا قصر الخلافة فـي قرطبة.
عهــد ملــوك الطــوائف: تنافســـوا فـي نظـــم الشـــعر وكانوا يتراســـلون فيما بينهم شـعراً، ويحـاولون أن يعيشـون حياة شـعرية والسـبب تحول بلاد الأندلس إلى إمــارات، وتنافــس فيها الحكــام فـي طـلب العلــم والأخذ بأسباب الأدب وتقريب الشعراء. وقد اشتهر فـي تلك الفترة المعتمد بن عباد ابن زيــدون وولادة بنت المستكفي.
عهد المرابطون: انحــط الشــعر انحطـاطاً منــها قـصــر عهــدهم الذي لم يـهيأ ما يـهـذب خـشــــونـتـهم ويرقـــق أذواقــهم، وكــذلك بســـبب انهــيار المشـــرق، تضـــــاءل الشــعر وتلاشــى ونــــزع نزعـــة الزجــل والتوشـيح. مـما جعــل أحــد أهــل الحرص يجــمع الشــعر خشـية عـليه أن يضـــيع، مثـل ابن بســـــام فـي كـــتابه الذخــيرة فـي محاســن أهل الجــــزيرة وكـذلك كتاب ابن خاقــان القلاعي قلائد العقيان.
وقد تغلب في هذا العهـد ذوق العــوام، ومال الشــعر إلى كــل ما هــو سُـوقـيّ، واتســم بســـــمةٍ البـذاءة، والهـجــاء اللاذع والمتحرِّرين والمجان، وعهد كبار الزجالين. وقد اشتهر من الشعراء أبو إسحاق بن خفاجة، وابن أخـته يحي بن الزقاق، والأعمى التطيلي، وابن قزمان.
عهـد الموحـدون: كـان عهد هــدوء وســكينة كما كان عهد علم عرف فيه ابن الطـفيل وابن رشد ابن البيطار وغــالب البلنســي المعروف بالرُّصــافـي، واشتهر عدد من النســاء اللــواتي يــتــعـاطــين القريــض ، منهــن حفصــة الركــونية، كــما اشــتهر ابن الأبّار القُضَاعي.
اتجاهات الشعر الاندلسي: هناك ثلاث اتجاهات للشعر الأندلسـي وإذا نظـرنا إلى الشــعر في بداية الأمر وجدنا أنه سار في اتجاه المدرسة المشــــرقــيــة المحافظـــة. وإن أو مظـــهر من مظــاهر هـذا الاتجاه المحافظ هو الالتـزام بالموضــوعات التقــليدية، كــما كــان يســــير عـلى منــهــج الأقــدمــيـن فـــي بنـــاء القصيدة وفي تجميع صورها من عالم البادية وتأليف أسلوبها فـي الأعــم الأغـلب على الأسلوب الذي يعتمد على الألفاظ الجـزلة والعــبارات الفخــمة، كـما يميـل إلى الأبحر الطويلة ذات القوافـي الرنانة.
ومن أمثلة ذلك قول أبو المخشي من قصـيدة يمدح بها عبد الرحمن الداخل ويصف الرحلة إليه فيقول:
امْتَطَــيْــنـَا سِـــــمَاناً بُـــــدْنا فَتَركـْــنَاها نَضَــــاء بالـعَـــنا
وذُريْـنَى قدْ تَجـَـاوَزتْ بِهَــا مَهمَها قفراً إلى أهْل النّدى
قَاصِدا خَير مَنافٍ كُلها ومَنافٌ خَيرُ من فَوقِ الثّــرَى
وردت هــذه الأبـيـــات فـي ( الإحاطــــة) لابــن الخــطـــــيب (مخطوط بالإسكوريال رقم 1673، ورقة352) نقــلاً عن أحمد هيكــــل، الأدب الأندلســي ص82. ويتـــصــل نســب الشاعر بالعبــاد نصــارى الحــيرة، وكــان أبــوه مع جند الشام الذين وفدوا على الأندلس في فترة الولاة، وكان أبا المخشــي ذا بــذاء زائد يتســرع به من لا يوافقـــه مــن النـاس، وذا هجــاء يمــس الحـــرم ويتــــناول الأعـــــراض؛ لذا كان الشعراء يجدون فـي أصله النصــراني البعيد مغمزاً يعيرونه به،
وقد ذكر فـي إحدى مدائحه بيتاً من الـشعر اعتبره هشام بن عبد الرحمن الداخل تعريضاً به. وهــو هـذا البيت:
ولَيْسُوا مِثْلَ من إنْ سَيل عرفا
يُـــقَــلِّــب مُقْــلَــة فِيْــــهَــا إِعـْــــوِرَار
فهــشــام كـــــان أحـــــول فاغـــتــاظ مــن أبـــي المخـــشــي، فاســتدعاه إلى مديـــنة مـاردة وكــان هشام واليها فـي حياة أبيه فخــرج إليه طامعاً فـي عطائه، فلــما دخــل عليه قال له: "يا أبا المخشـي إن المـرأة التي هـوت ابنها، فقذفتها فأفحشــت فيها، قد أخلصت دعاءها لله فـي أن ينتقــم لهــا منك، فاســتجاب رجـــاءها، وســلطـــني لأقــتص لها" ثم أمر به فقطــع بعض لســانه وســـملت عيناه، فعظــم مصابه وكــثرت شــكواه فـي أشعاره.
ولما بلغ عبد الرحمن الداخــل صــنيع ابنه عــنفه، ثـم قدم الشـاعر على عبد الرحمن وأنشـده قصيدته التي صدرها بتصوير محنة العمى، فرق له الأميـر وأجازه بألفـي دينار وضـاعف ديـته، ولما صــار الأمر إلى هـشام بعد أبيه استشعر الندم مما أصاب الشاعر على يديه، فتــرضـــاه وضــاعف ديتــه كـذلك. وردت أخـــبـاره فـي المغرب لابن سعيد، ج2، ص124.
الاتجاه المحدث أو الجديد ونعني بهذا الاتجـاه، الاتجاه الذي سـار فـي المشرق مثل أبي نواس ومســلم بن الوليد وأبو العتاهية وأمثالهم من المجددين، والذي تزعمه أبو نواس حــين ثار عـلى الاتجــاه المحــافظ ونـدّد بطــريقتـه وراح يطرق أغراض جديدة وبنهج وأســلوب محدث ثــار عـــلى المقـــدمة الطــــــــللية كـــما ثار على الموضــــــــوعات التقـليدية وأهـتم بأغــراض شــعرية لم تــكن شـــائعة من قبل وتوسع في الغزل والخمر ووصفها.
فمن المعــروف أن أصـــل نشــأة هـذا الاتجاه فـي الشــرق كــان أثــراً للحــياة الجـــديدة التي عاشـــها الناس فــي العـــصـــر العـباســي الأول وأخـــــذ
النـاس يفتحـــون عــيونـهـم عــلــى
دهشــــة مســـتــحــدثات الحضـــارة
لقــد كـــان لهذه الحركــة التــي
تزعمها أبو نواس ومعاصروه أثراً
على بعض الشـــعراء..
من هؤلاء الـشعراء عباس ابن ناصح الذي ســافر إلى المشـــرق والتـقى بأبي نواس فـي العــراق وســمع شــعره وعاد إلى الأندلس فأشاعه بينهــم وما لبث أن تــمثلوه وأنتجوا شعراً مشابهاً به بل يفوقه في بعض الأحايين ونتيجــة الحــياة الجــديدة أيضــاً التي بدأت يحـــيونها العرب في بلاد الأندلس ظهرت تلك الأشعار المحدثة التي أخــذت اتجــاهات جــديدة مثل: الخـــــــــمـــــريــــات، والمجــــونــيـــات، وظــهر الغــــــزل الشــــــاذ.
ومن أمثل هذا الاتجاه قول المطرف بن عبد الرحمن الأوسط:
أفْنَيتُ عُمْري بالشُّرْبِ والوُجُوه الـمِلاح
ولَمْ أضَيع أصيلاً ولا إطِّلاع صَبَاح
أُحـيّ اللّيالِــي سُهْداً فـي نَشْــوةٍ ومِـرَاح
ولم أسْــمَـع مَاذا يَقُــول دَاعِ الفَـلاح
* فالأبيات صريحة في المجون والعبث وضياع الوقت بين الخمر والملذات.
فيمكـن أن نجـمل خصــائص الاتجاه المحـدث بأنه اتجـاه فيه ثورة على الأغراض القديمة؛ ولذلك فموضــوعـاته جديدة، ومن حيث الأسـلوب فنلاحـظ أنه واضـح وســـهل والألفاظ تعبر عن المعاني دون تكلف، ويضـاف إلى ذلك أنه أسلوب يميل إلى التفصيل ويتجه أحياناً إلى القص، وتشـع فيه روح الدعــابة والســخرية والتحــرر الزائـد، أما الموســيقى فهــذا الاتجــاه يتجــه نحــو البحــور القصــــيرة والقوافي الرقيقة.
• ومن أمثلة ثورة أبو نواس والتعريض بكل واقف على الأطلال والنيل من العرب في سخرية قوله:
قُلْ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى رَسْمِ دَرْسٍ
وَاقِفاً ما ضَرّ لَوْ كَانَ جَلَسْ
اتْرُكْ الرّبْعَ وَسَلْمَى جَانِباً
واصْطَبِحْ كَرْخِيـَّةَ مِثْل الْقَبَسْ
وظهــر الاتـجــاه المحافــظ الجــديد فــي المـشـــرق كـــرد فعـــل للاتجــاه المحدث الذي تزعـمه أبو نواس والذي خرج بالشعر العربي عن كــثير من تقــاليده فجـاء هذا الاتجـاه المحافظ الـــجديد ليعــيد إلى الشــعر الــعربي طـــبيعــته العـربيــة دون الوقــوف عــلى أو الجــمــود، ومــن هــنـا كــــان هـــذا الاتجــــــاه محافظاً من جــانب ومجــدداً من جــانب آخـر، فهو محافظ فـي منهــج القصــيدة ولغــتـها ومــوســيقــاها ثــــم فـي روحــــها وأخلاقياتها، وهو مجــدد فـي معاني الشعر وصـوره وأسـلوبه وجمالياته.
ومــن خصـــائص هــذا الاتجــاه المحافــظ الجــديد أنــه يســير على الطــريقة القـديمة فـي البدء بالبكـاء على الأطلال أو الافتتاح بالغـزل، ثم الانتقال إلى الغـرض الأساسي الذي قد يسبق فـي وصف رحلة الشاعر وقد يـتبع بالفخــر. وكـذلك من ناحــية اللغــة يفضــلون أصحاب هذا الاتجـــاه الأســلــوب القــديــم ذا الألفــاظ القويــة الجــزلة، وفخاــمة العــبارة.
ومن حـيث الموســيقــى يـؤثــرون الأوزان الطــــويـلة ذات النغــم الوقــور، والقوافـي القــويــة ذات الرنــين الرزيـن. ومن حيث روح الشــعر وأخــلاقيته يبتعـد أصحب هذا الاتجــــــاه عـــن الإفـــــراط فـــي المجــــون والمجــاهـرة فـــي العصــيان واجــتناب الفخــر بارتكــاب الرذائل.
ومن حيث معانــي الشعر وصــوره فقـد كـانوا يســيرون مسـيرة المجـــددين فـي البحث عــن المبتــكر الرائـع، ومن تلـك صــور تشــخيصــية ورائــعة لــوادٍ ظــليل تــقـــدمهــا الشــاعرة حــمدة بنـــت زيـــاد المؤدب إذ تقول:
وقَــانَا لَفْحَــةِ الرّمْضَـــاءِ وَادٍ
سَقَاهُ مُضَاعَفُ الغَيْثِ العَمِيمِ
حَـلَلْنَا دوْحـهُ فَحَــنّا عَــــلَيْنـا
حُنُوَّ الْمُرضِعَاتِ عَلَى الفَطِــيْــم
وأرْشَـفْنَا عـَـلى ظَــمأٍ زُلاَلاً
أَلَــذُّ مـِـــنْ الُمُـــدَامَــــــةِ للنَّــدِيــــمِ
يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى واجَهَتْنَا
فَيـَـحْجُــبُهَا ويَــأْذَنُ لِلنَّسِــــيـــم
وحــمدة بنت المؤدب تسـمى (حـــمدونة) ونسـب إليها أهـل المغــرب الأبيات الشهيرة المنسوبة للمنازي الشاعر المشهور وهو أحمد بن يوسف المنازي المتوفى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة:*
وَقَـــانَا لَفْحَـــةَ الرّمْضَــــاء وَادٍ سَقَاه مًضَاعَف الغَيْثِ العَمِيْم
نَزَلْنَا َدوْحَـــهُ فَحـَــنّا عَـــلَيْنا حُنُوّ الْمُرضِعَاتِ عَلَى الفَطِيْـــم
وَأَرْشَــــفْنَا عَـــلَى ظـَــمَأ زُلاَلاً يَــرُدُّ الــرُّوحَ لِلقَــلْبِ السَّــــقِيــْم
يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى وَاجَهَتْنا فَيَحْــــجُــبُها وَيَـــأْذَنُ لِلــنَّسِـــيْم
يَرُوعُ حَصَاه حَالِيَةَ العَذَارَى فَتَلْمَسُ جَانِبَ الْعِقْد النّظِيْم
المحاضره الثالثه:
موضوعات الشعر:المدح من ابرز شعراء الاندلس في المدح قمر البغدادية: مَا في المَغَارِبِ مِنْ كَريمٍ يُرتَجَى
إلاّ حَلـِيفُ الجُودِِ ابْرَاهِـيْمُ
إِنِّي حَـلَلْتُ لَدَيْهِ مَنْزِلَ نِعْمَةٍ
كُلَّ المَنَـازِلَ مَا عَدَاهُ ذَمِيْـمُ
الرثاء/ ابو البقاء الرندي في قصيدته رثاء الاندلس لكل شي..."الى خيال الطيف وسنان
المعتمد بن عباد رثا نفسهعندما نفاه يوسف بن تاشفين الى مدينة اغمات التي مات فيها فقيرا مأسورا
فِيْمَا مَضَى كُنتَ بِالأيّامِ مَسْرُورَا
فَجَاءَكَ العِيْدُ فِي أغْماتِ مَأْسُورَا
تَرَى بَنَاتِكَ فـي الأطْـمـَارِ عَارِيَةً
يَطَأْنَ فِي الطيْنِ مَا يَمْلِكْنَ قِطْمِيرَا
• الغزل: تناول كثير من الشـُّعراء في الأندلس شعر الغـزل في قصائدهم خصوصا من هُـم قـريـبون من الحكَّام، أو اللذيـن تــم ســجنهم، ومن أبرز ما كـتب في الغزل ابن خــفاجــة فـي قصـــــيدته المشـــهــورة: (حُلو اللّمى): وأغيدٌ حُلْو اللّمى, أمْلَدٌ** يُذْكِي عَلى وِجْنَتِه الجَمْرُ
• بِتُّ أُنَاجِيْه , ولا رِيْبـَةٌ**تَعَـلّق بِي فِيه, وَلا وِزْرُ
• وَالليْلُ سِتْرٌ وَدُونِنَا وَمُرْسِلٌ**قَدْ طَرّزتْهُ أَنْجُمُ حُمْرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني فَفِي وِجْنَتِي**مَاءٌ وَفِيْ وِجْنَتَيْه خَمْرُ
هذه هي حفصة الركونية تعبر للوزير الوسيمابي جعفر عن ولعها به ونهمها الى حب يدفع بها الى الغيرهثم ينتقل بها من مرحلة الغيره الى مرحلة الاثره والانانية: أخَافُ عَلَيكَ , مِنْ عَيْنِي ومِنِّي
ومِنْكَ , وَمِنْ زَمَانكَ , والمَكَانِ
وَلَوْ أنِّي خَـبَّأْتُكَ فِي عُـيُونِي
إلَـى يَوْمِ القِـيَامَةِ مَا كَـفَانِي
• لم تلفت ولاّدة من شعر إبن زيدون وهــو يجــوب قُرطـــبة وضـــاحــيتـــهــا الزهـــراء عاشـــقاً ومولـــعــاً ومتيـماً بِحُــب ولادة بنـت المُســـتكــفي، وقـد كتب فيها الكثير، ومن شعره:
• إني ذَكَرتُكِ بالزّهْرَاءِ مُشْتَاقَا **وَالأُفْقُ طَلْقٌ وَمَرْأى الأرْضِ قَدْ رَاقَا
• وَلِلنّسِـيمُ إعْتِلالٌ في أصَائِلِهِ ** كَـأنّهُ رَقَّ لِيْ فَاعْـتَلّ إشْـفَاقَا
• نَلْهُو بِمَا يَسْتَمِيلَ العَيْنَ مِنْ زَهْرٍ ** جَالَ النّدَى فِيه حَتى مَالَ أعْنَاقَا
• كَأنّ أعْيُنُه إذْ عَايَنْت أرْقَـي ** بَكَتْ لِمَا بِي فَجَالَ الدّمْعُ رِقْرَاقَا
• الهجاء: لمْ تَقُم له سوق رائد فـي الأندلس ولا سيما الهجاء الســياسي لقلـّة الأحزاب الســياســية وقد ظـهـر فـي عهـد الأمـراء هجـاء بين الـمُضـريّة واليمنيّة، ولكن لم يحفظ لنا منه شيئا.
• لم يكن هناك هجـاء سياسـي بالمعنى المعـروف عند المشـــارق كالدفــاع عن العُرفِ وذم الشــــعوبية لأن الشعوبية لم يكن لها شأن فـي الأندلس.
وعلى كل حال فإن الشعراء اللذين مارسوا هذا الغرض لم يبلغوا فيه شأن المشارقة، وأشــهر من عُرف بهذا الفن أبو بكر المخزومي الأعمى. بينه وبين نزهون القلاعي الغرناطية معابثات فاحشة قال فيها المخزومي
على وجه نزهون من الحسن مسحةً
وتحت الثياب العار لو كان باديا
قواصد نزهونٍ توارك غيرها
ومن قصد البحرَ استلقى السواقيا
فأجابته نزهون
إنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَـقــًّـا منْ بَعْدِ عَهْـــدٍ كَرِيْم
فَصـَــار ذِكْـرَى دَمَـــيْما يُـعْزَى إلىَ كُـــلَّ لَــــوْم
وَصِــــرْتَ أقْــبـَــــحَ شَــــيْءٍ فـي صُورَةَ الْمَخْزُومِي

• الخمر: حظي الخـمر بنصيبٌ كبير من الشعر الأندلســي، وكـان أكـثر ما تـناوله هُـم العاشـقون الهـائمون، ومن أشــعارهم في الخمر.
• قال علي بن أبي الحسن في وصف الراح:
• يَرُوجُ مِنْ الْخَطيِّ فِيْها كَواكِبٌ
• لَهَا منْ قُلُوبِ الْمُجْرِمينَ مَنَازِلُ
• تَرَدّتْ نُحُولَ العَاشِقِيـنَ كَأنّمَا
• بِهَا مِنْ تَبَارِيْـحِ الغَـرَامِ بَلاَبِلُ
• وقال شاعر آخر:
وَنَدِيـمٌ هِمْـتَ في غَرّتِهِ
وَبِشُرْبِِ الرَّاحِ منْ رَاحَـتِهِ
كُلّمَا اسْتَيقَظَ منْ سَكـْرَتِه
جَذَبَ الزِّقَّ إلِيْه واتَّكَا*وَسَقَانِي أَرْبَعَا فِيْ أرْبَع
وقال الغزال في وصف الخمر:
وَمَا رَأيْتُ الشُّربَ أكْدَتْ سَمَاؤُهم
تَأبّطْتُ زِقِّـي وَاحْتَسَـبتُ عَنَائِي
وهذا أبو زكريا يحيى بن محمد المعتصم بن معـن, رفيع الدولة يصف مجلس لهو وخمر:
أبَا العَلاءُ, كُؤُوس الخَمْرِ مُتْرَعَةٌ
ولِلنّدَامَى سُرُورٌ في تَعَاطِيْهَا
ولِلْغُصُونِ تَثن فَوْقَهَا طَرَبا
وَلِلْحَمَائِمِ سَجْعٌ في أَعَالِيْهَا
فَاشْرَبْ عَلى النَّهْرِ منْ صَهْبَاءٍ صَافِيَةٍ
كأَنّها عُصِرَت منْ خَدِّ سَاقِيْها
• الوصف: إن أكـثر ما تم وصـفه في الأندلس هـي المزارع أو أراضــي الفــلاحين حــيث كــان لهـم اهتمام كــبير فـي الطــبيعة لـمَ لها من تأثيـــر نفســي وعمق تأصـيلي في الحياة ومن تلك الأوصاف نذكر ما قــاله: الأميـر عبدالملك بن بشــر بن عبدالملك بن مروان:
• تَبَدّت لَنَا وَسَـطَ الرّصَـافَة نَخْـلَةٌ
• تَنَاءتْ بأَرْضٍ الغَرْبِ عَن بَلَدِ النّخْـلِ
• فَقُلْت شَـبِيْهي فِي التّغَربِ والنّـوَى
• وطُولَ التّنَـائي عنْ بَنِيْ وعنْ أهْلـِي
• نَشَأتُ بأرْضٍ أنْتَ فِيْـهَـا غَرِيبـةٌ
• فَمِثْلُكَ في الإِقْصَـاءِ والمُنْتَـأى مِثْلِي
• سَقَتْكَ غَوَادِي المُزْنَ مِن صَوْبِهَا الّذي
• يَسُـحُّ وَيَسْتَمرِي السّمَاكِين بِالوَبْل
• بِمَهْلكَةٍ يُسْتَهلَكُ الجُهْد عَفْوِها
• وَيَتْركَ شَمْلَ العَزْمِ وَهو مُبَدّد
• تَرَى عَاصِفَ الأرْوَاحِ فِيْهَا كَأنّهَا
• مِنْ الأَيْنِ تَمْشِي ظَالِعٍ أوْ مُقَيدّ
• العفه: من الخصــال التي تمــيز بهــا أهــل الاندلـس (العـفّــة) والمحــفاظــة على خصال الحياء، وتعتبر العفة صفة محمودة في ذاك العصـر الرائع قــال أحـــد الشــــعراء المجــهــوليـن يصــــف الأخلاق والعفة: وطَائِعَةَ الْوِصَالِ عَفَفْتُ عَـنْهَا
• وَمَا الشّـيْطَانُ فِيْـها بِالمُطَاوَعِ
• بَدَتْ فِي اللّيْلِ سَـافِـرَةً فَبَانَتْ
• دَيَاجِـي اللّيلُ سَـافِرَةَ القِـنَاعِ
• وَمَا مِـنْ لَحْـظَـةٍ إلاّ وفِيْـها
• إلى فِتَـنِ القُـلُوبِ لَها دَوَاعِي
• فَمَلّكْتُ النُّهَى جَمَحات شَـوْقِي
• لأجْرِي فِي العَفَافِ عَلى طِبَاعِي
• الحماسه: من شـعرِ الحماسةِ ما قاله الفاتح طـارق بن زيـاد وهو يَحثُّ المسلمين على حماس الجهـاد عبر مســيرته الطـّـويلة في الذود عن دمـــارِ الاســلام والترغــيب في الحـرب والنِّضـال من أجل إعلاء كلمة الله ورفع راية الاســلام في الأندلـس
• رَكِـبْنا سَـفِيناً بالمَجَـازِ مُقِـيرا
• عَسَى أنْ يَكُونَ الله مِنّا قَدْ اشْتـَرَى
• نُفُوسَـاً وَأمْـوَالاً وَأهْـلاً بِجَـنة
• إذَا مَا اشْتَهَيْنا الشّيء فِيْهَا تَيَسـّرا
• وَلَسْنَا نُبَالِي كَيْفَ سَالَت نُفُوسَـنَا
• إذَا نَحْنُ أَدْرَكْنَا الّذي كَانَ أجْـدَرَا
وقال الأمير بن مُردنيش يصف الحماسة والشجاعة في المعركة: أَكُرُّ عَلَى الكَتِيْبَةِ لاَ أُبَالِي
أَحْتَفِي كَان فِيْهَا أمْ سِوَاهَا
الزهد
» هو إنصـراف الإنسان عن متاع الدنيا وحطامها اللذين يكونان سببا في خطيئة الإنسان والإلتفات إلى عـبادة الله وطاعته، وقد اختلفت دواعـي لجـوء الشـــعراء إلى الزهــد، فمنهـــم من
أصـــبح زاهــدا بعـد أن أســـرف فـي
اقتراف المعاصي واقتناص الملذات
بكـل أنواعــها.
قال الشاعر ابو الوليد الباجي:
إذا كُنْتُ اعْلَمُ عِلْماً يقيناً
فَلِمَ لا أكــونُ ضَـــنيناً بـِـها
بأنّ جَميعَ حَيَاتي كَسَاعةٍ
واجْعَلهَا في صَــلاَحٍ وَطَـاعةْ
• المدح: من أبـرز شُــعراء المـدح فـي الاندلـس نـذكـر للعرض لا للحصر، شاعرة عالية القامة في الشعر، ذات رأي سديد وجواب شاف، ومنطق صائب، هي (قـَمَر البغداديـة) التي امتدحت مولاها ابراهيم بن حجاج اللخـمي:
• مَا في المَغَارِبِ مِنْ كَريمٍ يُرتَجَى
• إلاّ حَلـِيفُ الجُودِِ ابْرَاهِـيْمُ
• إِنِّي حَـلَلَتُ لَدَيْهِ مَنْزِل نِعْمَةٍ
• كُلَّ المَنَـازِلَ مَا عَدَاهُ ذَمِيْـمُ
• الحكمة: إنّ الشعراء الأندلسيين بدت حكمتهم ساذجة لم تنشر في تلك الربوع، بل تأخر ظهور الفلاسفة إلى آواخر القرن الخامس في عصر المرابطين والموحدين فقد كان هذا العصر عصر فلسفة وتأليف. فيه ظهر ابن باجة وابن رشد وابن طفيل.
فقد كان للفقهاء سلطانا على ملوك الأندلس فقد ضيّقوا حرية التفكير وكفروا كل مُتفلسف وأفتوا بنفيه وإحراق كتبه. فكانت العامة تُجاري أهواء الفقهاء لذلك لم يظهر شعر الحكمة في شعراء الاندلس وإن كان إبن هانئ أكثر الشعراء الأندلسيين إهتماماً بالحكمة في شعره فهو بذلك محاولاً تقليد المتنبي.
وحكتمه تدور حول شكوى الدهر والتحذير من الدنيا، فكانت كحمة غيره من الشعراء مبتذلة بعيدة عن النضج. ومن قوله في قصيدة يرثي فيها ولداً لإبراهيم بن جعفر بن علي أحد ممدوحيه:
وهب الدهر نفيساً فاسترد ربما جاد بخيلاً فحسد
خاب من يرجو زمانا دائماً تعرف البأساء منه والنكد

بنوته11
2012- 5- 2, 05:16 PM
المحاضره الرابعه بور بوينت
المحاضره الخامسه: الموشح :عــرّف ابن ســناء الملـك الموشح فقــال: الموشــح كلام منظوم على وزن مـخصــوص، ومـن هُــنا نـعـلم بـأنّ الموشّـحــات تـخـــتلــف عــن القصـائد بخروجها عن مبدأ القافية الواحدة بل تعتمد على جُــملةٍ من القــوافـي المتــناوبــة والمتناظــرة وفق نسق معين. والموشحات تخـتلف عن الشــعر من ناحــية أخــــرى، حـــيث أنهـــــا تـنطــــــوي فــي بعـــض أجــزائها وبخـاصـــة خاتمــتها على العبــــارة العاميـــــة دون الفُـــصــــحى كــــما تـتـــــصـل الموشــــحات اتصــــالاً وثــيقاً بفن الموســيقى وطريقة الغناء فـي الأندلس.
بداية الموشح الاندلسي: بدأت الموشحات فــي الأندلس منذ القـرن الرابع الهجـري ولا زالـــت تُغـَــنـــى كــأغـــانٍ للمجــمــوعــــة فـي كـل من ليـبـيـــا والجـــزائـــر والمغــرب وموريتـانيا حتى الآن.
تسمية الموشح: تسمية الموشح استعيرت من الوشاح والذي يعّرف فـي المعـاجــم "سـيرٌ منسوج من الجلدِ مُرصّـــع بالجـواهر واللـؤلـؤ تـتـزين به المرأة“ ولهذا سمي هذا النمـط بالمـوشح لما انطــوى عليه مـن ترصيع وتزيين وتناظر صنعه.
تلحين الموشح: تلحــن الموشــحات على الـموازيــين الـمســتعــملة فـي الموسيقى العربية ويستحسن أن تلحن على الموازيين الكبيرة كالمربع والمحجر والمخمس والفاخــت أو من أي وزن آخر يقسـم الـموشـح عند تلحـينه إلى ثــلاثـة أقســام ويســـمــى القســـم الأول بالــدور ويقـاس عـليــه القســم الثــالـث وزنــاً وتلحـــيــناً ، أمـا القســـم الثــــاني فيســمى الخــانة وغــالباً ما يخــتلف الوزن والتلحـــين فـي هذا القسم عن الدور الأول والثالث.
انواع الموشح: هُناك عدة أنواع من الموشح تخـتلـف بعضـها عـن الأخر، من حيث الوزن والشـكل والرسـم والبيئـة وكـذلك من حــيـث التـوشـــح بهــا كـلحنـا أو لفظاً ــ أي الموشح ــ كصــوتا.
الكـار: وهـو الذي يبدأ بالتـرنـُّم ويكـون على إيقـاع كبير كموشح
“برزت شـمس الكـمال“
لأبي خليل القـــباني.
الكــار الناطق: وهو الذي يكون ملحناً على إيقـاعــات متوســطـة مع توريــة فـي الشـــعـر باســم المقــامات كــموشح:
غَـنّـت سُـليمَى فِـي الحِجَاز
وَأطــْـــرَبـَــتْ أهـْــــلَ العـِـــــرَاق
النقـش: وهو الذي يكـون مُلحناً من ثلاثـة إيقاعات إلى خمسـة غير محددة كموشح
"نـَـبّه النّـدْمَان صَـاح"
الزنجــير العربـي: وهـو الذي يكـون مُلحـناً من خــمســة إيقاعـــات غــيــر مُحــددة مـثـــل موسـيقــى نقـش الظــرافات.
نموذج لموشح الكار لابن معتز
أيُّها السّاقي إليكَ المشْتكَى**قَدْ دَعَونَاك وإنْ لَـمْ تَسْمعِ
ونديـــمٌ هِــمْت فــي غَــــرّتـِهِ ** وبــِــشـُربِ الــرّاحَ من رَاحَـتــِــهِ
كُلما اسْتيقَظَ مِنْ سَكـْرتِه
جَـــــذَبَ الزِّقَّ إليــهِ واتّــــــكَـــــا
وَسَـــقانِي أرْبَـعـــا فــــي أرْبَــــع
مَا لِعـَيْـنـي عَشِـيَتْ بالنّــظَــر
أنْكَـرَت بَعْدَكِ ضَــوْء القــَـمَر
وإذا مَا شِـئْت فاسْـمَع خَبَري
عَشِيَت عَيْناي مِنْ طُول البُكا**وَبَكا بَعْضِي عَلى بَعْضِي مَعِي
الزّنْجِـير التركي: وهـو الذي يكــون مُلــحــناً مــن خمســة إيقاعــات محــددة.
الضُّــــربَان: وهو الذي يتــألف من إيقــاعــين غــير محــددين ، فيــكون الدور من إيقــاع والخــانة من إيقـاع آخر كموشح ”ريم الغاب ناداني“ لنديـم الدرويش.
الـمألوف: ويتألف من دورين وخانة وغطـاء ويسمى سلسلة وهو من إيقاع واحد ومثاله”املألي الأقداح“
القَــدْ: موشح من إيقاع صـغير كالوحدة وأولــه يـبدأ كـمذهب يــردده المغـــنـون ، وأول ما لُحِّـنَ هذا اللــون سـمي بالـموشحات الصغيرة ولا يجوز أن نطلق عليه أغنية بل نقول قد وجمعه قدود.
اشهر الموشحيين الاندلسيين: من اشـــهر الـموشــحين الأندلســـيــيــن ابن قـــزمــان الأصــغر وهو محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيســى, أبو بــكر, المعـــروف بابن قــزمــان الأصــغر, تمييزا له عن عمه أبي بكر محـمد بن عبدالملك (ت 508هـ). من أهـل قرطبة كان إمام الزجالين بالأندلس, تناقل الناس أزجاله فـي أيامه.
كـان ينظم الموشحات بكلام العـامــة حين رأى نفـــسه مُقصِّرا عن أندادهِ ومُعاصريه فـي نظـم الشـــعر بكـــلام الفصــحاء من الشـــعراء كـابن خــــفاجــــة وابن حــمديس وغيرهما. فـي شــعره جرأة وشيء من النقـد الاجـــتماعي, وله ديــوان فيه مديــح وغزل وخمريات.
قال فـي الموازنة بين الفارس والأديب:
يُمْسِـك الفَارِس رُمْحـًا بـِيـَـدْ
وَأنـَــا أُمْـسِــكُ فِيْهـَـا قَصَـــبـَـة
فِكَــلاَنـَــا بَطـَــــلٌ فِــي حَــرْبــِـــهِ
إِنّمــَـا الأقـْـــلاَمُ رُمْــحَ الْكَــتَبـَـة
وله فـي الهرم بعد الشباب:
وَعَهْــدِي بِالشـّـبَابِ وَحُسْـنَ قَــدِّي
حَـكَى ألْـفَ ابْن مُقْلَةَ فـي الكِتَاب
فَصُــرْتُ اليَــوْمَ مُنْحَــنِيـًـا كَــأنـِّي
أُفَتِّشُ فِــي الــتُّـرَابِ عَـلَى شَـــبَابِي
وهناك ابن الصابوني الإشبيلي: وهو محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد الصابوني الإشبيلي. كان يلقب بالحمار, لقّبه به أبو علي الشلوبين (ت 546هـ) فلزمــه هـــذا اللقـــب , لأنـــه ضــــــيق الصـــــدر مريــض الأعصاب, شـديد الانحراف عن المسلك الاجتماعي السـوي , سيئ التصرف. كــان شــاعرا جــيد المعــاني, متين السبك, جزل
لــه موشــحات , لكــن تطــرفــه فـي الإعجــاب بنفســـه أكســبه عداوات كثيرة وألقى ستارا على شهرته. اتصـل برجـال الدولتـين الـموحدية والحفصـية فلم يـَنلْ ما كان يُؤَمِلُه فــعـزم على الرحـلـة إلى مصــر, فلما وصلها لم يجد من يُقَدره قَدْرَه وعاجلته المنية فمــات فـي الطــريق إلى الإســكــندرية. قال عــنه ابن الأبار (ختمت الأندلس شعراءها بابن الصابوني).
من موشحاته:
قَسَمًا بالهَوَى لِذِي حَجَرٍ * مَا لِلّيْلِ المُشَوقِ مِـنْ فَجْر
خَـــمَدُ الصُّبـْــحُ لَيْسَ يُطْـــرُد
مـَــا لِلَيْــلـِي فِيْمـَــا أظُــنُّ غَــد
صَــحْ يـَـا لَيْــلُ أنـّـــكَ الأَبــَــــد
أوْ تَقَضّتْ قَـوَادِمَ النّسْرِ * فَنُجُـومَ السّـمَاءِ لاَ تَسْـرِي
ابن الجــيان أبو عـبد الله: هو محـمد بن محـمد بن أحمد الأنصــاري, أبو عبد الله بن الجــــيان, من أهــل (مرسية). من الكـتاب الشــعراء. كــان قصــيرا جــدا يظن من يراه من خـلف أنه ابن ثـمانية أعوام. خــرج من بلنســية سنة 640هـ حين استولى عليها الأســبان واســتقر فـي (بجـــــاية) بالـمغرب الأوسـط (الجــزائر) وكــانت بينه وبـين كـــتاب عصـــره مكـاتبـات ظــهرت فيها براعته. توفـي فـي (بجاية).
له موشـحة فـي مدح الرســول صلى الله عليه وسلم يقول فيها:
اللهُ زَادَ مُــحَـــــــمّــدًا تَـــــــكْـــــريــْــــــــمــــا
وَحَبـَـــاه فَضْــــلاً مِـنْ لَدُنْهُ عَظِــــيْــما
وَاخْتَصّــــــهُ فِــي الـمُرْسَلِيْن كَـرِيْما
ذَا رَأْفَـــةٍ بـِالـمُـؤْمـِــنـِـيْـــنَ رَحَــــــيْــمـــا
صَـــلـّـــــوا عَــلَيـْـهِ وَسَــــلِّمِوا تَسْـــلِيْما
هـناك عدد كــثير من الـموشــحين الأندلسـيـيـن نذكـر بعضا منهـم لا للحصر:
1. ابن اللبانة. هو محمد بن عيسى بن محــمــد اللخــمي الدانــي , أبــو بكــــر مــن أهـــل (دانــيـــــة) بالأندلس وإليها نسبته. واللبانـة هي أمــه التـي كــانت فيما يبدو تبيع اللبن. أديب ناثر, شاعر, مُكـثـر ومُجيــد فـي نـثــــره وشــعـــره ولــه قــصــــــائد وموشـحات يتصرف فيها فـي الـمعاني بقليل من التكلف.
2. ابن حزمون المرسي. هو علي بن عبد الرحمن بن حـزمون, شاعر يغـلب عليه نظـم الموشحات. كان كثير الميل إلى الهجاء. لما عاد من وقـعة (الأرك) منتصرا ومطلعها:
حَيّتْكَ مًعَطّـرَةَ الْنَّفَسْ * نَفَحَـاتُ الفَتْحِ بِأَنْدَلُس
فَــذَرْ الكُفـَّـــارَ وَمـَــأْتَمِهِمْ * إنّ الإسْـــلاَمَ لَفـِـي عُــرْس
3. ابن سناء الملك. هو هبة الله بن جـعفر بــن سناء الملــك أبو عـــبد الله محــمد بن هـــبة الله الســـــعدي المصـــري من مصـــنفاتــه (ديــوان رســـائل) و (ديـــوان شعر) ثم ديــوان موشحات ســـماه (دار الطـــراز) ولـــه كتاب (روح الحيوان) اختصره من كــتاب الحيوان للجاحظ وغير ذلك توفي في القاهرة عن 73 عاما.
ولابن سناء موشح فـي الغزل بعد المديح:
وَغَـانِــيـَـة لَـمْ تَعْـد عِشْــــرِيْنَ حُــجَّـــــة
أقـُــــولُ لَهـَــا قـَــــوْلاً لَــــدَيْــــهِ ثـَـــــــــوَاب
عَلَيْــكِ زَكَاةٍ فَاجْعَلِيَهَـا وِصَــــالَــنَا
لأنـَّكِ فِـي الْعِشْـرِيْنَ وَهِـيَ نِصَــــــاب
وَمـَـا طَــــلَـبـِـي إلاّ قُـــبُــولٌ وَقُــــــبْـــلـَـــــةً
وَمَــــــا أَرْبِــــــيْ إلاّ رِضـَـــــــى وَرِضَــــــــاب
قائمة بالوشاحيين الاندلسيين حسب الترتيب الزمني: ابن الصابون الأشـــــبيلي 634هـ
أبو الحجـــاج الأشــــــبيلي 636هـ
شـــهـــاب الديــن العــــــزازي 710هـ
صــدر الدين أبو الوكـــيل 716هـ
الدهـــــــان الدمشـــــــــقـــــــــي 720هـ
إبـــــــــــــــن اللبـــــّـــانـــــــــــــــــــــــــة 507هـ
ابن قــــزمــان الكـــــــــبيـر 508هـ
أبو العباس التطـــيـــلي 525هـ
ابــــــــــــــن عـُــــــــــــرْلــَـــــــــــــــة 554هـ
ابن قـــزمان الأصـــــــــغر 555هـ
مذعـليــس 555هـ
أبو الحــســـن بن نـــــــزار 570هـ
ابـــــــــــــــــن هـــــــــــــــــــــردوس 573هـ
ابـــــــــن ســـــــــناء الـملك 608هـ
ابــــن هـــزمــون الـمرسي 614هـ
الواســـطـي القـاســـــــــــم 614هـ
ابن الجـيـان أبو عـبدالله 650هـ
شهاب الدين الـموصـلي 683هــ

بنوته11
2012- 5- 2, 05:17 PM
المحاضره السادسة :الازجال
{ بسم الله الرحمن الرحيم}
الحمدلله المنعوت بجميل الصفات, وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات المبعوث بالهدى ودين الحق وعلى آله وصحبه أجمعين...
وأشرعت الأندلس العظيمة أبوابها لقادة راحَ مجدهم التليد في بلاد العرب فبحثوا عنه فلم يجدوه إلا في أحضانها... هكذا هم القادة الأمويين.. هكذا هو عبد الرحمن الداخل يشمر عن ساعديه ليؤسس حضارة إسلامية تليدة شهدت بها قصور الزهراء والحمراء.. شهدت بها الكتب والمخطوطات.. شهدت بها الفنون والعلوم. نعم.. الزجل الذي كان كالموشحات أند لسي النشأة والولادة, وأن الأندلسيين استحدثوه بعدما شاع فن التوشيح عندهم وبلغ الغاية, والحقيقة أن الحديث عن نشأة الأزجال أصعب بكثير من الحديث عن نشأة الموشحات, فإذا كانت الموشحات وليد الأغنية التي يقترن ظهورها بقيام مجالس الأنس والطرب في قصور الملوك والأمراء والوزراء, فإن الأزجال وليدة البيئة العامية
ويبدو أن أنقلاباً خطيراً وقع لأهل الأندلس من قبل الموشحات, يوم قضت على محاولتهم الأولى في مرحلة مبكرة عندما كانت المنظومات الغنائية لا تزال تحبو رويداً, وتخطو خطواتها الأولى نحو التطور, فلم تبق لهم من اغنيتهم الشعبية بلغتهم الدارجة غير " الخرجة" وقد تمكنت الموشحات من نفوس الأندلسيين لعدوبتها وأناقتها, وحلاوة الخرجة فيها, فأنستهم ما كان من أمر ثورتهم وانقيادهم للغتهم العامية, ولكن لم تكد الفرصة المواتية تُتاح لهم, حتى سارعوا بدافع من شوقهم وحنينهم إلى لغتهم الدارجة, يعبرون من خلالها عن شؤونهم وقضاياهم, وعن مظاهر حياتهم العامة بجدها وهزلها, وأفراحها وأحزانها.
هذا هو فن الزجل فن حديث استحدثه أهل الأندلس, وسوف يرد المزيد عنه في ثنايا بحثنا هذا وإن دل على شيء إنما يدل على حضارة المسلمين وفنهم الرفيع.
• متى وكيف ظهر الزجل: الزجل فنُُ من فنون الشعر التي أستحدثها الأندلسيون ، وعلى هذا فهو وليد البيئة الأندلسية، وقد شاع الزجل بعد أن كانت الموشحات قد أحتلت مكانتها العتيدة وثبتت أقدامها ورسخت أركانها في المجتمع الأدبي الأندلسي.
• وطبيعي أَنْ يشكل الزجل المرحلة الثالثة من مراحل تطور الشعر الأندلسي، فالمرحلة الأولى شملت ما قاله الشعراء من الشعر الفصيح ، والمرحلة الثانية كانت إدخال بعض الألفاظ العامية في ذاك الشعر الفصيح , وبعد ذلك ظهر الزجل في المرحلة الثالثة التي تمثلت في تحوير بناء القصيدة ودخول بعض المقطوعات التي تعبر عن رغبات العامة وتتفق مع ميولهم
• أَمَّا عن مخترع الزجل فإنَّ مؤرخو الشعر الأندلسي لَمْ يُشيروا لا من قريب أو من بعيد إلى مخترع هذا الفن لأنَّ الزجل " عبارة عن الأغنية الشعبية وهي عادة تكون من تأليف العوام من الناس أي مجهولة المؤلف، إلا أنهم ذكروا أول مَنُ أبدع القول فيه وهو أبن قزمان ـ على أن ذلك فيه خلاف سوف نشير إليه عند الحديث عن أبن قزمان ـ فهذا عبد الملك بن سعيد(ت685هـ.) يقول عن ذلك " قيلت ـ الأزجال ـ قبل أبي بكر بن قزمان ، ولكن لَمُ تظهر حلاها، ولا أنسبكت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه
• الزجل ظهر في عهد المرابطين مع أن في هذا العصر أنحط الشعر الفصيح لأنه لم يوجد مايهيء أو يهذب خشونة أصحاب ذاك العصر ويرقق أذواقهم فغلب في هذا العهد ذوق العوام فنزع نزعة الزجل والتو شيح. كما أن الزجل نشأ وظهر في القصائد والموشحات التي لاترقى إليها أفهام العامة , فأن لهؤلاء العامة أيضاً شعرهم الشعبي ممثلاً في أغانيهم الشعبية التي هي مظهر لحياتهم العقلية، وآرائهم الاجتماعية وآدابهم وأخلاقهم.
• تعريف الزجل: الزجل في اللغة: الصَّوْت يقال: سحاب زَجِل: إذا كان فيه الرعد. ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضاً: زجل. قال الشاعر:
• مررتُ على وادي شِياثٍ فَراغي به زَجلُ الأَحجار تحت المعادلِ
• والزجل في لسان العرب: اللعب والجلية ورفع الصوت، وخص به التطريب.
• وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها:
• فمنها ما يكون له وزن واحد، وقافية واحدة، وهو الكانْ وكانْ.
• ومنها ما يكون له وزن واحد، ,أربع قوافٍ، وهو العواليّا.
• ومنها ما يكون له وزنان، وثلاث قوافٍ، وهو القُوُمَا.
• ومنها ما يكون له عدذ أوزان، وعدة قوافٍ، وهو الزجل.
• لما سمي الزجل بهذا الاسم: سمي هذا الفن زجلاً، لأنه لا يلتذُّ به، وتفهم مقاطع أوزانه، ولزوم قوافيه حتى يُغنى به ويُوت، فيزول اللبس بذلك.
وسمي أيضاً بذلك لترجيع الصوت به في الإنشاء
• اقسام الزجل: للزجل أربعة أقسام يفرق بينها بمضمونها المفهوم لا بالأوزان واللزوم فلقبوا :
• 1ـ ما تضمن الغزل والنسيب زجلاً.
• 2ـ ما تضمن الهزل والخلاعة والأحماض بُلّيْقا.
• 3ـ ما تضمن الهجاء والثَّلْب قرقيّا.
• 4ـ وما تضمن المواعظ والحكم مكَفرا ولقبه مشتق من تكفير الذنوب.
• ابن قزمان: بما أن أبن قزمان إمام الزجالين على الإطلاق نورد نبذه عنه.
• هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان الأصفر، أمام الزجالين بالأندلس. ولد في مدينة قرطبة العريقة سنة406هـ ـ 1068م ، وقيل 480هـ ، أما وفاته فقد كانت في 554هـ ـ 1160م، في الوقت الذي حاصر فيه الأمير محمد بن سعد بن مرنيش قرطبة. وقد بدا حياته شاعراً فلما أحس بأنه لن يصل على مرتبة شعراء عصره كابن خفاجة, وأنس في الوقت نفسه القدره على الزجل والإبداع فيه أنصرف إليه بكل طاقته
• فتفوق على جميع معاصريه في هذا الفن. لم يكن ابن قزمان المبتكر الأول لهذا الفن ، وإنما سبقه إليه آخرون غلا أن أبن قزمان يزعم أن هؤلاء كانوا لا يعرفون طريق الأزجال الصحيحة.
• وقد درس الدكتور الأهواني ابن قزمان من أزجاله دراسة دقيقة تفصيلية, وصورته الشخصية فيها أنه: طويل القامة ابيض الوجه اشعر اللحية ازرق العينين وهذا قد يوحي بأنه كان جميلاً إلا أن أبن سعيد يذكر في ترجمته نزهون الغرناطية أن ابن قزمان كان قبيح المنظر وأنه لبس مرة عفارة صفراء فرأته نزهون وقالت له: أصبحت كبقرة بني إسرائيل ولكن لا تسر الناظرين
• لقد عاشت أزجال أبن قزمان وأولع بها الناس خصوصاً المشارقة، حتى كانت في القرن السابع كما قال ابن سعيد العربي مروية في بغداد أكثر مما هي في حواضر المغرب، وكان أهل الأندلس يقولون " أبن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء" ولقد كانت فلسفة ابن قزمان في الدنيا تقوم على أن عمر الإنسان ذاهب .
• فإذا حاول أحد أن يحاكيه وجده لا يُدرك ولا يُلحق.
موضوعات الزجل/ وصف الطبيعه
• إذا كانت بيئة الأندلس الطبيعية قد فتنت الشعراء والوشاحين فلا شك أن الزجل لا يستطيع أن يتخلف عن المشاركة في هذا الميدان، وهذا أبو علي الدباغ يقدم هذا الزجل في وصف الطبيعة فيقول :
• لا شرابْ إلا في بستانْ والربيع قد فاح نوارُ
• يبكي الغمام ويضحـــك أقحوان مع بهـــــار
• والمياه مثل الثعـابيـن في ذاك السواقي دارُ
• الهجاء: هو الطرف المناقض للمديح، فإنه من الطبيعي أن يطرق موضوع الهجاء, لقد طرقه بقسوة وإقذاع وتدنّ، إن شعراء الفصحى في الأندلس قد أسرفوا في فحشهم حينما طرقوا هذا الموضوع، فمن المتوقع أن يكون الزجالون أكثر فحشاً وأشد إقذاعا، ولكن ذلك لم يمنع من وجود أهاجي زجليه تتسم بخفة الروح والنكتة البارعة مع اصطناع السخرية اللاذعة, ومن هذا النوع ما أنشأه أبو علي الدباغ في هجاء طبيب:
أن ريت من عداك يشتكي من تلطيخ
وتريـد أن يقبـــــــر أحملُ للمــــــــريخ
قد حلف ملك الموت بجميع أيمانُ
ألا يبرح ساعة من جوار دكـــان
ويريــح روحٌٌٌ ويعظـــــم شــــــانُ
• التصوف: فقد ظهرت نزعة التصوف في القرن السابع، ومن شعراء الصوفية أبو الحسن الشنتري وقيمة هذا الشاعر الكبير تتمثل في غزارة أدبه الصوفي المنوع الأشكال وفي انه الناقل الحقيقي للزجل من الموضوعات الدنيوية المحسّة كالعشق الحسي والغزل في الغلمان والخمر، إلى جو هو تمجيد الله والهيام في حبه
• الغزل/ لن نشأته أتت مصاحبه للغزل واللهو المجون وغيرها من الموضوعات الزجالين لمدحهم بالغزل، كما فعل أبن قزمان في مدائحه جرياً على التقاليد الموروثة في بناء القصيدة العربية وبعضهم مزج غزله بوصف الخمر ومثال ذلك:
• الذي يعشق مليــــح والذي يشرب عتيـــــق
• المليح أبيض سمين والشراب أصفر رقيق
• طريقة بناء الازجال: بناء الأزجال هي الأقرب إلى بناء القصيدة الشعرية منها فن التو شيح في طريقة بناء هيكل الزجل. ويعد الزجل من الفنون الملحونه" هو أرفعها رتبة، وأشرفها نسبة ، وأكثرها أوزاناً ، وأرجحها ميزانا، ولم تزل إلى عصرنا هذا أوزانه متجددة، وقوافيه متعددة، ومخترعوه أهل المغرب، ثم تداوله الناس بعدهم .
فالزجل يبدأ بمطلع ويستمر في النظام حتى الانتهاء من زجله، والأزجال لا تتقيد بعدد من الأقفال والأبيات، ويكون بنائه على الشكل الآتي:
• 1) المطلع .
• 2) الـقفـــل.
• 3) البيــــت.
4) الخرجة
تاريخ الزجل حسب القرون
في القرن الخامس .
• قدر الدارسون أن الزجل ظهر في الوقت الذي أخذ فيه التوشيح يتجه إلى التعقيد والتكلف ويبتعد عن البساطه الأولى .... ومعنى هذا أن الزجل يرجع إلى أواخر القرن الهجري، حيث عاش عبادة بن ماء السماء ويوسف بن هارون الرمادي، وهما اللذان أدخلا التغيير على التوشيح، حسب نص أبن بسّام.ولن نستطيع أن نتحدث حديثاً طويلاً عن الزجل خلال القرون الخامس الهجري لأن نصوص الأزجال في ذلك القرن قد ضاعت كلها، ولم يصل إلينا عن الزجل غير أشارات موجزه نجدها في المقدمة التي كتبها أبن قزمان .
• ابن قزمان يؤكد أن الزجالين في القرن الخامس كانوا يقتربون في فنهم من الوشاحين، وأنهم كانوا يتأثرون بهم، ومعنى هذا إنهم كانوا من المثقفين الذين أرادوا لغتهم أن ينتشر بين طبقات من الخاصة، ولم يقصدوا به جماهير العامة ، ولعل كَساد أزجالهم يرتد إلى أن القرن الخامس، وهو عصر الطوائف، كان قرن التوشيح والقصائد، إذ أن ملوك الطوائف كانوا يتشبهون في حياتهم الأدبية بالعصور الذهبية للشعر العربي في بلاط العباسيين، فلم يكن للأزجال ولكل ماهو ملحون مكان كبير عندهم.
• 2- الزجل في القرن السادس
• إذا كنا لا نعرف من أسماء الزجالين قبل ابن قزمان غير اسمين أو ثلاثة فإننا نعرف من معاصري ابن قزمان، أي ممن عاشوا في القرن السادس الهجري، ضعف هذا العصر، فلدينا غير أبن قزمان بعض من ذكر أسمائهم معه في جولاته في أشبيلية وفي تنزهانه.
• ومن أشهر زجالي هذا العصر أبو عمرو بن الزاهد وهو اشبيلي أيضاً وأبو الحسن المقرئ الداني، أبو بكر بن مرتيت. وهؤلاء الزجالين فيما عدا أبن قزمان وأبن الزاهد لا تعرف عنهم غير أسمائهم ولا نجد لهم غير مقطوعة واحدة .
• 3-الزجل في القرن السابع.
• ولا نعرف عن الزجالين الذين عاشوا في القرن السابع الهجري وما بعده إلا أسماء قليلة, وبعض مختارات لا تتجاوز أسطراً لا يتضح منها سيء عن حياة الزجال أو عن الأطوار التي تقلب فيها الزجل.ولا يذكر غير أسطر قليلة عن أثنين من الزجالين وهما أبن جحد ر الذي فضل الزجالين في فتح ميورقه، وقد جعله أبن سعيد إمام عصره في قوله أثناء الحديث أبن قزمان. غير أن زجالاً آخر في عصر أبن سعيد وهو أبو علي الحسن بن أبي نصر الذباغ ألف كتاباً في مختار ما للزجالين المطبوعين أعتمد عليه أبن سعيد ونقل منه مختارات لزجالي القرن السابع ،
• وإذا جاز لنا بعد هذا أن نحكم على الزجل في القرن السابع الهجري، فليس لنا ما نقوله إلا أن الزجل من ناحية شكله ونظامه الخارجي ظل متجهاً إلى تقليل القوافي والبعد عن مزاحمة الفقرات وتعددها. أما موضوعات الزجل أو أغراضه فقد ظل الحب يستأثر فيه بالمكان الأول وكذلك الحديث عن الرياض وجمال الطبيعة وكل ما يسجل في يبدو أنها استحدثت في هذا القرن ومع ذلك فلا يتبقى أن ننسى أن القرن السابع كان قرن المحنة الكبرى للأندلس ففيه سقطت قرطبة, وضاعت أشبيلية، والتي جعلت أهل الأندلس ينتظرون سقوط الأندلس كلها عاماً بعد عام.
• 4-الزجل في القرن الثامن .
• ومن أهم الزجالين في هذا العصر الوزير ابو عبد الله ابن الخطيب له ثلاث مقطوعات قصيرة في الشراب والتصوف ناحياً فيها منحى الششتري, وأخبار ابن الخطيب كثيرة جداً ولقد وصلت إلينا مؤلفاته منها مخطوط ومنها ماهو مطبوع ، و شهرة أبن الخطيب وحياته ومؤلفاته في شيء غير الزجل وزجله مع ذلك لم يصل إلينا إلا من خلال ما ذكره أبن خلدون, ويظهر لنا أن الزجل كان عارضاً في أنتاج هذا الوزير السياسي الطبيب المؤرخ الشاعر الوشاح ولا يمكن أن نعده من الزجالين لمشاركه اليسيرة في فن الزجل ولك لا يخلو إنتاجه الضخم من شيء منه.
تاريخ الزجل حسب الفئات
الزجل عند المدجنين.
في القرون الوسطى وجد نصاَ لشاعر من اشهر شعراء اللغة الأسبانية على الإطلاق هو المسمى قسيس هيتا الذي عاش في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، أي قبل سقوط غرناطة بقرن ونصف، لهذا الشاعر ديوان بعنوان ellipro do buen amor يقص فيه الشاعر حياته ومغامراته. وقد تحدث فيه الشعر الذي ينظمه وعد من بين ما ينظمه شعراً يصنعه لنساء مسلمات moras وهو هنا يريد الجماعات الإسلامية التي كانت تعيش تحت حكم الدول المسيحية، يعرفون بأسم ( المد جنيين) في العربية ولا ندري إلا أي حد كان القسيس يعرف العربية. ولكن هذه المنظومات التي كان يصنعها للمسلمات كانت فيما يعتقد الباحثون مكتوبة في اللغة الأسبانية التي كان يعرفها المدجنون، ولكنها على نمط الأغاني العربية التي كانت لا تزال متوارثة بين هذه الجماعات، التي احتفظت بالإسلام على أن النصوص الأسبانية كثيرة فيما يتصل بنشاط المد جنيين واشتراكهم في إحياء الحفلات بالغناء والرقص، حتى أن مجمع القساوسة الذي انعقد في بلد الوليد سنة1322م شكا من أن المسيحيين يدخلون الكنائس نفسها المسلمين واليهود، يغنون ويعزفون على الآلات الموسيقية.
• زجل عند المتصوفين : فلقد ظهر قبل ذلك بقرون واسم الششتري مقرون دائماً بالزجل التصوفي, وأبو الحسن علي بن عبدالله الششتري من رجال القرن السابع الهجري ولد في الأندلس وعاش فيها منذ صباه وشبابه، وله ديوان كبير فيه قصائد وموشحات وأزجال، وله رسائل وكتب في التصوف، وقد تحدث عنه كثيراً من تلاميذه وزجله كإنتاجه الآخر يصور مذهبه التصوفي، والقول بوحدة الوجود، ولكننا إذا تركنا جانباً هذه الناحية التصوفية أو الفلسفية في منظوماته وحاولنا أن نلتمس صورة إنسانية لحياة هذه الشخصية العظيمة حقاً, وجدنا هذه الصورة وإن ضاقت حدودها في الزجل، أكثر مما نجد في الشعر
• زجل عند المصريين : كان للزجل عند المصريين تاريخ خاص لموافقة هذه الطريقة مافي طباعهم من اللين ومشايعة الكلام بشيء من التهكم الذي بعث عليه صفوة الفتور الطبيعية فيهم، ويقال فيها ( ذوق حلاوة النيل ).
• ـ أنواع الزجل عند المصريين وسبب تسمية كل نوع بهذا الاسم:
• كان الزجل عند المصريين على ضربين:
• الأول عُرف بالبليقة وعرف الثاني باسم القرقيه.
• وسميت البليقة بهذا الاسم مأخوذة من البلق وهو أختلاف الألوان.
• أما القرقية سميت كذلك من القرق، وهي لعبة يلعب بها صبيان الأعراب, وذكر هذه اللعبة صاحب القاموس: القرِق ، ووصفها ورسمت خطوطها في تاج العروس.
• الفرق بن البليقة والقرقية وبين الزجل:
• أن الزجل متى جاء فيه الكلام المعرب كان معيباً له، أما البليقة لبست كالزجل، بل يذكر فيها المعرب وغير المعرب.
• والبليقة لا تزيد عن خمس حشوات غالباً, وقد تنتمي إلى السبع قليلاً والقرقية تزيد كثيراً على حكم الزجل.
• من أخترع البليقة والقرقيات:
• اخترعت البليقة في القرن السابع، لكنهم تبسطو فيها حتى ظهر عندهم ما يسمى بالقرقيات، ولا تحقق تاريخها ولكنها متأخرة عن المائة السابعة حتماً، والدليل على ذلك ما ورد في ترجمة صدر الدين بن الرحل المتوفى سنة 716هـ بالقاهرة صاحب كتاب( فوات الوفيات) والمعروف كذلك بابن الوكيل المصري حيث قال:" وشعره مليح للقرقيات يدل على أنها كانت غير معروفة في ذلك الوقت وإن كانت من الزجل.
• ـ أشهر نوابغ المصريين في الأزجال من المتقدمين: الغباري كان من المصريين الدين نبغوا في الأزجال وكان ذلك في عهد السلطان حسن، فقد كان لأزجاله شهرة بعيدة لما توفر فيها من دقة الصنعة وإبداع المعاني وكثرة التفنن. وفي مجموعة من مدائحه حملاًً زجلياً( أهل هذا الفن يسمون ما يعادل القصيدة في الشعر منه : حملاً ) لرئيس العامة على عهد محمد علي باشا, وهو محمد الحباك القشاشي، يزاهي (560 ) بيتاً، مدح فيه أهل مصر على طريقة عامية ذكره في الزجل، وقال: إن الغباري ما أستطاع أن يضبط محاسن مصر فيما وصف.
• مدى شهرة الزجل في مصر:
• لا زال هذا الفن مشهوراً بمصر على عهدنا, ولأهله فيه إحسان كثير وهم يرتجلونه ويحاضرون به، فقد ذكر الأذيب ( عبدالله نديم المصري ) الشهير في مجلة الأستاذ واقعة في المساجلة بالزجل مع بعض روؤساء الفن من العامة، وكان الشرط أن من تلعثم أو استبلع الآخر ريقه يبتغي بذلك مهل البديهة وخلسة الفكر فهو المغلبّ، وذكر هناك بعض الأوزان التي أخذوا فيها.
زجل عند الاوربيين: فيما يتصل باللغة البرتغالية توجد أشعار جاءت في قالب زجلي في ديوان الفاتيكانة وفي مختارات برانكوتي وتظهر أيضاً في قصائد فرنان فلهو شاعر من عصر الملك الفونسو العاشر الملقب بالعالم وفي ديوان الشاعر بايوسواريز.
في أنجلتر نلتقي بأغان شعرية قديمة موجهة إلى العذراء أو تقال في أعيــــــــاد الميلاد، صبت في هذا القالب الشعري الأندلسي وحتى يومنا لا نزال نجد في الأغان الشعبية في إسكوتلانده، وفي إيرلندة، رباعيات جاءت على نمط أزجال مسلمي الأندلس.
• فيما يتصل بأسبانيا احتفضت هذه بشكل الزجل حياً خلال العصور الوسطى، وفي العصر الذهبي للأدب الإسباني ( القرن السادس عشر الميلادي ) ولقد حاز العلماء فقه اللغة زمناً في أوزان أغاني الفونسو العاشر، أما الآن وبعد أن قام خوليان ريبيرا بدراسة موسيقاها على نحو رائع وخالد، فيمكن تفسيرها في ضوء الزجل الأندلسي قالباً ووزناً، فإذا كتبت هذه الأغاني دون أن نقطع الأبيات إلى أشطار وجدنا معظمها من طراز الأزجال, وإن كان القفل ينظم على قافية سابقة.
زجل عند المسيحيين: كان لزجل الديني صدَّ في العالم المسيحي المعاصر كما أشار إليه" رامون لول " هو من أهل جزيرة " ميورقه كبرى "
لكن ما وصل إلينا من هذا الزجل الديني بغض النظر عن الششتري، قد ظل هذا النوع يحمل ذكرى انتسابه إلى الزجل الدنيوي في خرجاته، فكثير من أزجال الششتري تحتفظ بخرجيهما كانت موجودة من قبله في أزجال أبن قزمان، ويستتبع وجود هذه الخرجات التزام نفس الوزن ونفس نظام القوافي.
• بيئة الزجل في الاندلس: أن الأزجال الصوفية وجدت لها بيئة خاصة عاشت فيها, وكذلك وجدت الأزجال الغزلية بيئة أخرى خاصة بها بيئة الأولى جماعة الفقراء الذين خلعوا الدنيا وهاموا في حب الله سائحين مقتربين ينشدون أزجال الششتري ويغنون فيها، بل يرقصون على ألحانها وبيئة الثانية طبقة من الشباب الأرستقراطيين من أهل قرطبة وأشبيلية وبقية المدن الأندلسية وجدوا بين أيديهم مالاً, ووجدوا بطالة مصدرها انحلال المجتمع الأندلسي وابتعاده عن مسح الحوادث الكبرى، حيث أنفرد بتدبيره البربر المرابطون من جهة والقشتاليون من الجهة الأخرى: إنهم جماعة من الشباب لا يبالون بغير اللذة واللهو والعكوف على الشراب وإحياء الليالي بالغناء والرقص والبحث عن العشق وغالب الظن أن الحروب الكثيرة قد ذهب ضحيتها كثير من الرجال أهل السن, وخلفوا شباباً ورثوا عنهم بعض المال فأنفقوه في شهواتهم و ولم يجدوا أباً يرعاهم أو عملاً يشغلهم وديوان أبن قزمان يعطينا صورة لهذا المجتمع الأندلسي.
• تاثر القصائد في الازجال: لقد ظهر تأثير القصيدة جلياً واضحاً في الأزجال, ظهر في شكلها الخارجي, كما ظهر في أسلوبها وأصول الصنعة فيها, وظهر في معانيها وأخيلتها.
• ومهما تكن قدم هذه القصائد أو تأخرها من ناحية الزمن, فأنها ستظل شاهداً على سلطان القصيدة على الزجل والزجالين.
• وقد رأينا أن الموضوعات الكبرى التي تناولتها القصيدة تناولها الزجال أيضاً فالنسيب والمديح والخمريات, والهجاء والفخر والرثاء وأحياناً, كل ذلك لم يوجد في الزجل وجوداً مستقلاً وإنما وجد قبل كل شيء لأنه كان موجوداً في القصيدة ونسجل منها بعض هذه الظواهر.
• الغزل مقدمة للمديح:
• المديح موجود في الأزجال وأكبر مجموعة وصل إلينا من الأزجال ـ نحو ثلاثة أرباعها لم تخل من إشارة غلى ممدوح وإنما هو فيما نعتقد، تقليد للقصيدة،ومحاكاة لها.
• الخروج إلى المديح:
أن العلماء عنوا بمسألة الخروج من الغزل إلى المديح وإن منهم من يطغى إلى ذلك دون تمهيد قائلاً ( دع عنك هذا ) أو ما يشبه ذلك من العبارات.
دعُ ذا كل فلس فيه فابد وما مضى الكلام فيه زايد
وامدح بنا الوزير القايـد ابـــن سعـــاد انو عـــبد الله.
• معاني المديح :
ولو نظرنا في المعاني التي مدح بها الزجال ممدوحيه، والتشبيهات التي أستخدمها، وأنواع المجاز لوجدنا في مواضيع كثيرة جداً صورة الشعراء تطل علينا من خلف هذه النصوص، ورأينا جملاً وتراكيب ألفناها في القصائد مثل :
إذ تُســـــــاق إلى أياديه فالسحاب إلى يسثاق.
ولم يقف تأثير الشعراء في الزجاليين عند المعاني والأساليب والصنعة الفنية وإنما كان لهم أثرهم في خلق هذا الوضع الإجتماعي , الذي جعل الصلة بين الزجال والأمير كالصلة بين الشاعر والأمير نريد مادحاً وممدوحاً.
• تأثير القصيدة في أبواب أخرى:
وقد أثرت القصيدة العربية في كل الأبواب الأخرى، التي عالجها الزجالون، فهي واضحة التأثير في الشراب والخمر وفي الوصف وفي الفخر وفي الغزل أيضاً.
• والمقابلات البلاغية بين الشراب والمعشوق انتقلت أيضاً إلى الزجل:
الــذي نعشق مليــح والـــــذي نشرب عتيق
المليح أبيض سمين وتالشراب أصفر رقيق
• وصف الطبيعة :
• وكذلك في وصف الطبيعة نجد عند أبي علي الذباغ هذه الصور.
لأشرب إلا في يستان والربيع قد فاح الأنوار
يبكر الغمام ويضحك اقــــحوان مع بهــــــــار
ومال يقال عن الوصف يقال أيضاً عن جانب كبير من الغزل .
والمعاني العامية في هذا الفن الجديد هو الذي أكسب الزجل طرافته, والذي جعله يستطيع الشباب أمام أصحاب القصيدة لأنه لو ظل قانعاً بالدائرة القديمة لا يخرج عنها، لحكم على نفسه بالموت.
• تاثير الشعبي في الزجا: فالزجل أدب واقعي كلة محادثات فيها حياة فنحن لسنا أمام شاعر يتخيل المواقف تخيلاً, وإنما نحن أمام زجل أندلسي يعيش في قرطبة بأزقتها.. عاداتها.. شبانها ونسائها.. لذلك رأينا أن نستعرض بعض ما أستوقفنا من تلك الأزجال وما فيها من معاني وصيغ وطرافة يستمتع فيها القارىء.. وقد تجيء هذه الحياة في الزجل عن غير تركيب عامي وعن غير ألفاظ جديدة، فيكفي أن يذكر الزجال لفظ.."ياابني" مكان ك يابُنَي" التي يستخدمها الشاعر لنحس بنعمة جديدة كقولةه في مطلع زجل:
ترى يا قمّتي متى تنجلي واش ذا الهجران ياابْني يا علي
• وقد يكتسب الزجل طرافته من أسماء الأصوات التي يكثر منها الزجالونن فتصور للسامع المكان والزمان مع الحركة والسرعة:
طَق من بالباب؟ أن هو خـــــرجْ لي
• وقد تجيء قوة التعبير من ذكر ألوان أقترنت في أذهان الناس بمعان مثل:
يوم نراك ياعين يا بياض
• فهذه كلها أساليب من الحديث اليومي أنتقلت إلى الأزجال زلكنها لم تنتقل على القصائد. ومن الزجل لما اراد الزجَّال أن يعبر عن عصيان المعشوق, ومعاكسة لرغبات العاشق قال :
لم قط يُرى معشوق إلا مُخالف إن قلت له أجلس يقوم واقف
• كذلك ما يقوله الزجال عن ممدوح له:
لًفظه يُغنيك عن العشا والغذا
كل هذا فيه بساطة ومبالغة لطيفة وفي الوقت نفسه, وهو معنى متداول عن الحديث الممتع والحديث المشبع.
هل الزجل فن شعبي: نلاحظ من دراسة ازجال أبن قزمان دراسة دقيقة إن هذه الازجال مهما كان حظ الخيال العامي فيها والمعاني الشعبية, لم تكن فناً شعبياً صحيحاً، وإنما كانت مزيجاً من فنيين فن خاص قديم يتداول بين الشعراء والوشاحين.
• وفن شعبي لا سند له من التراث المكتوب.
وأن جمهور الزجل لم يكن الشعب في الأزقة والحارات كما لم يكن أيضاً الجماعة الضيقة لمحدوده التي نظم لها الشعراء والقصائد.
العلاقه بين الزجل والموشحات: 1- البناء.
يتشابه الموشح مع الزجل حيث يبنى كل منهما المطلع والأبيات والأقفال والخرجة عدا أن بناء المطلع في الموشح يختلف عن بنائه في الزجل؛ ففي الموشح المطلع يكون مثل بناء الأقفال والخرجة ؛ فعلى سبيل المثال:
ياولاة الحبَّ إن دمي سفتكتهُ الأعينُ النَّجلُ
فالمطلع يتكون من جزأين وكذلك بقية الأقفال ن فالقفل الأول:
فتكت بي فتك منتقم بسهام راشها الكحلُ
والقفل الثاني :
صنمُُ, ناهيك من صنم حائرُُ في خدَّه االخجلُ.,
وهكذا في باقي الأقفال حتى الخرجة
فكمالُ الحسن بالكرم والذي يزرى به البخِلُ.
فعدد الأجزاء في المطلع هي نفسها عدد الأجزاء في الأقفال والخرجة.
فبناء المطلع مع الأقفال والخرجة لا يتغير
اما الزجل: فيختلف عن الموشح في هذا البناء وقد يتشابه وهذا نادرو فعلى سبيل المثال الزجل الذي مطلعه:
نهو طـــــباخ أفكـــــــاري خل ناري تقيدهْ.
يارب عبذ وبسورة الدخان ياحميد يا مجيدْ.
والقفل الأول:
وفي دست الهوان على قلبي غليـــــا نو شديد.
حتى يصل إلى الخرجة فيقولك
مـــثل ماجا يقاس الفضــة والذهب بالحديد
والزجل يتكون من تسعة أقفال مكونة من جزأين متفقه في التقفية الخارجية فهنا أتفاق مابين المطلع والأقفال ولكن هناك أزجالاً أختلف عن هذا البناء كالزجل الذي مطلعه: الزمان سعـــيد مواتى والحبيــب حلو رشيقْ
والربيع بساط أخضر والشراب اصفر مروق.
والقفل الأول :
والهزار يعمل طرايق في الغنا مزمور ومطلقْ.
والقفل الثاني:
لا تخاف الصبح يهجم دع يجي ويركب أبلقْ.
والخرجة :
زعقت: حرام زوجي والنبي غدا نطلقْ
ويتشابه الموشح ع الزجل في التقفية الخارجية للأقفال غلا أن أجزل الأقفال في الموشحة قد تأتي معقدة أو كثيرة على خلاف الزجل كالموشح التالي:
شعاعها بكفَّي يخل جنى عند الغنىَّ وقد شربتها كتى
توقعنى في سكره تجدبني بعطفىّ.
وكثر هذا النوع في الموشحات في العصر الملوكي.
• 2- الخرجه وكذلك تتشابه الموشح مع الزجل في الخرجة غلا أن الخرجات أتت في الموشح على الأنواع " العامية , والمعربة, والمقتبسة, والأعجمية" أما في الزجل فأتت على نوعين " العامية والمقتبسة".
• فالخرجة العامية: تمتاز بالبساطة لتشبه حديثاً عادياً إذا أقيست بالموشحة فالوشاح يخرج من المعرب إلى العامين وأن مثل هذه الخرجات في الموشحات هي التي ادت إلى ظهور فن الزجل.
3- اللغه
يتشابه الموشح مع الزدجل في اللغة العامية في خرجة الموشح, وقد كتبت في العصر المملوكي بعض الموشحات باللغة العامية وهذا مادفع بعض الباحثين إلى القول إن" لغة الموشحات يغلب عليها الضعف والركة وأساءة من هذه الناحية إلى اللغة العربية فأصبح الشاعر الوشاح لا يجد حرجاً في التساهل اللغوي طالما يبقى أذواق العامة" وهذا الحكم يعتد به في الخرجات لأن بعضها كتب باللغة العامية القريبة من لغة اللصوص وغيرهم والموشحات " ساعدت على تدعيم مكانة الفصحى لأنها أشاعت هذه اللغة الجميلة بين الناس, ومن ثم حالت دون سيطرة العامة, وجعلت للزجل مكانة ثانوية في الأدب"
• وأتت لغة بعض الموشحات فصيحة زجله والبعض الآخر فصيحة سهلة.
• وأتت لغة الزجل سهلة بسيطة تتماشى طبيعة البيئة .
سمات الزجل: 1 ـ وهناك ظاهرة أخرى في الزجل هي حذف الهمزة تخفيفاً وذلك كما في قول العزاري :
بتُ مشَُغوفاً بحب رَشا
بين حبات القلوب رشا
قد براه الله كيف يشـــا
2 ـ وهذه الظاهرة واضحة بكثرة في الزجل , ومن المظاهر الواضحة أيضاً في الموشحات ابدال السين ثاء كقول أحمد الوصل:
ما كمحبوبي ولا خلقــــا
غصن بان في كثيب نقا
سينه ثـــــاء إذا انطلقـــا
مثكر المثطار من لعث وتحيق المثك لي نفث.
3ـ ومن الظواهر الملفته تتطرفي الأزجال عدم تقيد الزجل بالقواعد النحوية والصرفية.
4ـ واستخدام صيغ وتراكيب معينه استقاها الزجالون من أفواه العامة كما يستخدم كلمة " اش" وهي لهجة عامية كقول علاء الدين بن مقاتل:
اش لو تكون يا جاري
تدعني من فيك أشبع قال أش يكون لك اشعبْ.
5 ـ وكذلك ظهر بوضوح بعض الألفاظ العلمية المتداوله مثل " والنبي" كقول فخر الدين بن مكانس:
والنبي زاد بوهيامى ولا نسمع لوم لايم.
6 ـ واستخدم الزجالون صيغ التصغير وذلك في قول أبن النبيه:
آه على قبله في جيدوا وأخرى في ذا القميم.
7 ـ ومن تلك الظواهر حذف حرف وإشباع حركته كقول فخر الدين بن مكانس:
أي قوم خلص مميشق كنوا إلا اسمر مثقف
8 ـ أو حذف الحرف كقول فخرا لدين بن مكانس في الزجل نفسه:
وبقي يخجل مسيكين ويقول لى كلتْ تفاح.
إلى غير ذلك من سمات خاصه بالزجل.
الخاتمة
ومهما قيل في الأزجال من أنها الأدب الشعبي الذي يصور الأحاسيس وخير مصور لحياة العامة بجدها وهزلها. ويسجل العواطف التي تثور بها نفوس العامة, وأفئدة الدهماء, فإننا لا نراها إلا عنواناً على تخلف اللغة,وهجر الفصحى, وعدم العناية بالضاد, أو الأقبال عليها, ولا يشتغل الناس بها, ويجعلونها لسان تصويرهم وتعبيرهم من ترف في البيان, وتقويم في اللسان وازدهار للأدب, ولنهم يفرون غليها من إفلاس وفقر، وهزال ومرض, وضعف وانتكاس, حينما يطغى تيار العجمة, وتحل العامية محل الفصحى.
• والعربية الصحيحة مهما كانت ثقيلة على الطالب, أو بغيضة إلى الناشئ, أو متشعبة المسالك على المتعلم، فهي ـ على كل حال ـ اللسان الذي لا ينحرف والبيان الذي لا يزيغ, والهادي الذي لا يضل, والرائد الذي لا يكذب أهله, والصديق الذي لا يخون صديقه, ولا يتخلى عنه, ولا يمل صحبته, ولا يكره معاشرته, ولا تختلف معاملته للناس... أما العامية فهي كالمنافق الذي يلقى كل واحد بوجه, وكل صديق بدعوى, وكل صاحب بمقال, وكل رفيق بلون, وعامية المدينة غير عامية القرية, وعامية قطر غير عامية الأخر, وهكذا تكون بلبلة اللسان والبيان, وللفكر والرأي, والعقل والمنطق, والهوى والميل, والذين يدعون إليها, أو يتشجعون عليها, ربما غاب عنهم أنهم فتنة في الأرض وفساد كبير.
• فالزجل فن شعبي عبر عن فلسفة الطبقات الشعبية في الحياة ونظرتهم إليها, إلا أنه يعد رجعة إلى الوراء, مع أن سنة التطور في الحياة تحتم على الأدب أن يرتفع بمستوى جمهور الناس فيسمو بسموه في الشكل والمضمون لا أن ينزل إلى مستواهم فتنحدر لغته وتختل قيمه وتهتز صوره.

بنوته11
2012- 5- 2, 05:17 PM
المحاضره السادسة :الازجال
{ بسم الله الرحمن الرحيم}
الحمدلله المنعوت بجميل الصفات, وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات المبعوث بالهدى ودين الحق وعلى آله وصحبه أجمعين...
وأشرعت الأندلس العظيمة أبوابها لقادة راحَ مجدهم التليد في بلاد العرب فبحثوا عنه فلم يجدوه إلا في أحضانها... هكذا هم القادة الأمويين.. هكذا هو عبد الرحمن الداخل يشمر عن ساعديه ليؤسس حضارة إسلامية تليدة شهدت بها قصور الزهراء والحمراء.. شهدت بها الكتب والمخطوطات.. شهدت بها الفنون والعلوم. نعم.. الزجل الذي كان كالموشحات أند لسي النشأة والولادة, وأن الأندلسيين استحدثوه بعدما شاع فن التوشيح عندهم وبلغ الغاية, والحقيقة أن الحديث عن نشأة الأزجال أصعب بكثير من الحديث عن نشأة الموشحات, فإذا كانت الموشحات وليد الأغنية التي يقترن ظهورها بقيام مجالس الأنس والطرب في قصور الملوك والأمراء والوزراء, فإن الأزجال وليدة البيئة العامية
ويبدو أن أنقلاباً خطيراً وقع لأهل الأندلس من قبل الموشحات, يوم قضت على محاولتهم الأولى في مرحلة مبكرة عندما كانت المنظومات الغنائية لا تزال تحبو رويداً, وتخطو خطواتها الأولى نحو التطور, فلم تبق لهم من اغنيتهم الشعبية بلغتهم الدارجة غير " الخرجة" وقد تمكنت الموشحات من نفوس الأندلسيين لعدوبتها وأناقتها, وحلاوة الخرجة فيها, فأنستهم ما كان من أمر ثورتهم وانقيادهم للغتهم العامية, ولكن لم تكد الفرصة المواتية تُتاح لهم, حتى سارعوا بدافع من شوقهم وحنينهم إلى لغتهم الدارجة, يعبرون من خلالها عن شؤونهم وقضاياهم, وعن مظاهر حياتهم العامة بجدها وهزلها, وأفراحها وأحزانها.
هذا هو فن الزجل فن حديث استحدثه أهل الأندلس, وسوف يرد المزيد عنه في ثنايا بحثنا هذا وإن دل على شيء إنما يدل على حضارة المسلمين وفنهم الرفيع.
• متى وكيف ظهر الزجل: الزجل فنُُ من فنون الشعر التي أستحدثها الأندلسيون ، وعلى هذا فهو وليد البيئة الأندلسية، وقد شاع الزجل بعد أن كانت الموشحات قد أحتلت مكانتها العتيدة وثبتت أقدامها ورسخت أركانها في المجتمع الأدبي الأندلسي.
• وطبيعي أَنْ يشكل الزجل المرحلة الثالثة من مراحل تطور الشعر الأندلسي، فالمرحلة الأولى شملت ما قاله الشعراء من الشعر الفصيح ، والمرحلة الثانية كانت إدخال بعض الألفاظ العامية في ذاك الشعر الفصيح , وبعد ذلك ظهر الزجل في المرحلة الثالثة التي تمثلت في تحوير بناء القصيدة ودخول بعض المقطوعات التي تعبر عن رغبات العامة وتتفق مع ميولهم
• أَمَّا عن مخترع الزجل فإنَّ مؤرخو الشعر الأندلسي لَمْ يُشيروا لا من قريب أو من بعيد إلى مخترع هذا الفن لأنَّ الزجل " عبارة عن الأغنية الشعبية وهي عادة تكون من تأليف العوام من الناس أي مجهولة المؤلف، إلا أنهم ذكروا أول مَنُ أبدع القول فيه وهو أبن قزمان ـ على أن ذلك فيه خلاف سوف نشير إليه عند الحديث عن أبن قزمان ـ فهذا عبد الملك بن سعيد(ت685هـ.) يقول عن ذلك " قيلت ـ الأزجال ـ قبل أبي بكر بن قزمان ، ولكن لَمُ تظهر حلاها، ولا أنسبكت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه
• الزجل ظهر في عهد المرابطين مع أن في هذا العصر أنحط الشعر الفصيح لأنه لم يوجد مايهيء أو يهذب خشونة أصحاب ذاك العصر ويرقق أذواقهم فغلب في هذا العهد ذوق العوام فنزع نزعة الزجل والتو شيح. كما أن الزجل نشأ وظهر في القصائد والموشحات التي لاترقى إليها أفهام العامة , فأن لهؤلاء العامة أيضاً شعرهم الشعبي ممثلاً في أغانيهم الشعبية التي هي مظهر لحياتهم العقلية، وآرائهم الاجتماعية وآدابهم وأخلاقهم.
• تعريف الزجل: الزجل في اللغة: الصَّوْت يقال: سحاب زَجِل: إذا كان فيه الرعد. ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضاً: زجل. قال الشاعر:
• مررتُ على وادي شِياثٍ فَراغي به زَجلُ الأَحجار تحت المعادلِ
• والزجل في لسان العرب: اللعب والجلية ورفع الصوت، وخص به التطريب.
• وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها:
• فمنها ما يكون له وزن واحد، وقافية واحدة، وهو الكانْ وكانْ.
• ومنها ما يكون له وزن واحد، ,أربع قوافٍ، وهو العواليّا.
• ومنها ما يكون له وزنان، وثلاث قوافٍ، وهو القُوُمَا.
• ومنها ما يكون له عدذ أوزان، وعدة قوافٍ، وهو الزجل.
• لما سمي الزجل بهذا الاسم: سمي هذا الفن زجلاً، لأنه لا يلتذُّ به، وتفهم مقاطع أوزانه، ولزوم قوافيه حتى يُغنى به ويُوت، فيزول اللبس بذلك.
وسمي أيضاً بذلك لترجيع الصوت به في الإنشاء
• اقسام الزجل: للزجل أربعة أقسام يفرق بينها بمضمونها المفهوم لا بالأوزان واللزوم فلقبوا :
• 1ـ ما تضمن الغزل والنسيب زجلاً.
• 2ـ ما تضمن الهزل والخلاعة والأحماض بُلّيْقا.
• 3ـ ما تضمن الهجاء والثَّلْب قرقيّا.
• 4ـ وما تضمن المواعظ والحكم مكَفرا ولقبه مشتق من تكفير الذنوب.
• ابن قزمان: بما أن أبن قزمان إمام الزجالين على الإطلاق نورد نبذه عنه.
• هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان الأصفر، أمام الزجالين بالأندلس. ولد في مدينة قرطبة العريقة سنة406هـ ـ 1068م ، وقيل 480هـ ، أما وفاته فقد كانت في 554هـ ـ 1160م، في الوقت الذي حاصر فيه الأمير محمد بن سعد بن مرنيش قرطبة. وقد بدا حياته شاعراً فلما أحس بأنه لن يصل على مرتبة شعراء عصره كابن خفاجة, وأنس في الوقت نفسه القدره على الزجل والإبداع فيه أنصرف إليه بكل طاقته
• فتفوق على جميع معاصريه في هذا الفن. لم يكن ابن قزمان المبتكر الأول لهذا الفن ، وإنما سبقه إليه آخرون غلا أن أبن قزمان يزعم أن هؤلاء كانوا لا يعرفون طريق الأزجال الصحيحة.
• وقد درس الدكتور الأهواني ابن قزمان من أزجاله دراسة دقيقة تفصيلية, وصورته الشخصية فيها أنه: طويل القامة ابيض الوجه اشعر اللحية ازرق العينين وهذا قد يوحي بأنه كان جميلاً إلا أن أبن سعيد يذكر في ترجمته نزهون الغرناطية أن ابن قزمان كان قبيح المنظر وأنه لبس مرة عفارة صفراء فرأته نزهون وقالت له: أصبحت كبقرة بني إسرائيل ولكن لا تسر الناظرين
• لقد عاشت أزجال أبن قزمان وأولع بها الناس خصوصاً المشارقة، حتى كانت في القرن السابع كما قال ابن سعيد العربي مروية في بغداد أكثر مما هي في حواضر المغرب، وكان أهل الأندلس يقولون " أبن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء" ولقد كانت فلسفة ابن قزمان في الدنيا تقوم على أن عمر الإنسان ذاهب .
• فإذا حاول أحد أن يحاكيه وجده لا يُدرك ولا يُلحق.
موضوعات الزجل/ وصف الطبيعه
• إذا كانت بيئة الأندلس الطبيعية قد فتنت الشعراء والوشاحين فلا شك أن الزجل لا يستطيع أن يتخلف عن المشاركة في هذا الميدان، وهذا أبو علي الدباغ يقدم هذا الزجل في وصف الطبيعة فيقول :
• لا شرابْ إلا في بستانْ والربيع قد فاح نوارُ
• يبكي الغمام ويضحـــك أقحوان مع بهـــــار
• والمياه مثل الثعـابيـن في ذاك السواقي دارُ
• الهجاء: هو الطرف المناقض للمديح، فإنه من الطبيعي أن يطرق موضوع الهجاء, لقد طرقه بقسوة وإقذاع وتدنّ، إن شعراء الفصحى في الأندلس قد أسرفوا في فحشهم حينما طرقوا هذا الموضوع، فمن المتوقع أن يكون الزجالون أكثر فحشاً وأشد إقذاعا، ولكن ذلك لم يمنع من وجود أهاجي زجليه تتسم بخفة الروح والنكتة البارعة مع اصطناع السخرية اللاذعة, ومن هذا النوع ما أنشأه أبو علي الدباغ في هجاء طبيب:
أن ريت من عداك يشتكي من تلطيخ
وتريـد أن يقبـــــــر أحملُ للمــــــــريخ
قد حلف ملك الموت بجميع أيمانُ
ألا يبرح ساعة من جوار دكـــان
ويريــح روحٌٌٌ ويعظـــــم شــــــانُ
• التصوف: فقد ظهرت نزعة التصوف في القرن السابع، ومن شعراء الصوفية أبو الحسن الشنتري وقيمة هذا الشاعر الكبير تتمثل في غزارة أدبه الصوفي المنوع الأشكال وفي انه الناقل الحقيقي للزجل من الموضوعات الدنيوية المحسّة كالعشق الحسي والغزل في الغلمان والخمر، إلى جو هو تمجيد الله والهيام في حبه
• الغزل/ لن نشأته أتت مصاحبه للغزل واللهو المجون وغيرها من الموضوعات الزجالين لمدحهم بالغزل، كما فعل أبن قزمان في مدائحه جرياً على التقاليد الموروثة في بناء القصيدة العربية وبعضهم مزج غزله بوصف الخمر ومثال ذلك:
• الذي يعشق مليــــح والذي يشرب عتيـــــق
• المليح أبيض سمين والشراب أصفر رقيق
• طريقة بناء الازجال: بناء الأزجال هي الأقرب إلى بناء القصيدة الشعرية منها فن التو شيح في طريقة بناء هيكل الزجل. ويعد الزجل من الفنون الملحونه" هو أرفعها رتبة، وأشرفها نسبة ، وأكثرها أوزاناً ، وأرجحها ميزانا، ولم تزل إلى عصرنا هذا أوزانه متجددة، وقوافيه متعددة، ومخترعوه أهل المغرب، ثم تداوله الناس بعدهم .
فالزجل يبدأ بمطلع ويستمر في النظام حتى الانتهاء من زجله، والأزجال لا تتقيد بعدد من الأقفال والأبيات، ويكون بنائه على الشكل الآتي:
• 1) المطلع .
• 2) الـقفـــل.
• 3) البيــــت.
4) الخرجة
تاريخ الزجل حسب القرون
في القرن الخامس .
• قدر الدارسون أن الزجل ظهر في الوقت الذي أخذ فيه التوشيح يتجه إلى التعقيد والتكلف ويبتعد عن البساطه الأولى .... ومعنى هذا أن الزجل يرجع إلى أواخر القرن الهجري، حيث عاش عبادة بن ماء السماء ويوسف بن هارون الرمادي، وهما اللذان أدخلا التغيير على التوشيح، حسب نص أبن بسّام.ولن نستطيع أن نتحدث حديثاً طويلاً عن الزجل خلال القرون الخامس الهجري لأن نصوص الأزجال في ذلك القرن قد ضاعت كلها، ولم يصل إلينا عن الزجل غير أشارات موجزه نجدها في المقدمة التي كتبها أبن قزمان .
• ابن قزمان يؤكد أن الزجالين في القرن الخامس كانوا يقتربون في فنهم من الوشاحين، وأنهم كانوا يتأثرون بهم، ومعنى هذا إنهم كانوا من المثقفين الذين أرادوا لغتهم أن ينتشر بين طبقات من الخاصة، ولم يقصدوا به جماهير العامة ، ولعل كَساد أزجالهم يرتد إلى أن القرن الخامس، وهو عصر الطوائف، كان قرن التوشيح والقصائد، إذ أن ملوك الطوائف كانوا يتشبهون في حياتهم الأدبية بالعصور الذهبية للشعر العربي في بلاط العباسيين، فلم يكن للأزجال ولكل ماهو ملحون مكان كبير عندهم.
• 2- الزجل في القرن السادس
• إذا كنا لا نعرف من أسماء الزجالين قبل ابن قزمان غير اسمين أو ثلاثة فإننا نعرف من معاصري ابن قزمان، أي ممن عاشوا في القرن السادس الهجري، ضعف هذا العصر، فلدينا غير أبن قزمان بعض من ذكر أسمائهم معه في جولاته في أشبيلية وفي تنزهانه.
• ومن أشهر زجالي هذا العصر أبو عمرو بن الزاهد وهو اشبيلي أيضاً وأبو الحسن المقرئ الداني، أبو بكر بن مرتيت. وهؤلاء الزجالين فيما عدا أبن قزمان وأبن الزاهد لا تعرف عنهم غير أسمائهم ولا نجد لهم غير مقطوعة واحدة .
• 3-الزجل في القرن السابع.
• ولا نعرف عن الزجالين الذين عاشوا في القرن السابع الهجري وما بعده إلا أسماء قليلة, وبعض مختارات لا تتجاوز أسطراً لا يتضح منها سيء عن حياة الزجال أو عن الأطوار التي تقلب فيها الزجل.ولا يذكر غير أسطر قليلة عن أثنين من الزجالين وهما أبن جحد ر الذي فضل الزجالين في فتح ميورقه، وقد جعله أبن سعيد إمام عصره في قوله أثناء الحديث أبن قزمان. غير أن زجالاً آخر في عصر أبن سعيد وهو أبو علي الحسن بن أبي نصر الذباغ ألف كتاباً في مختار ما للزجالين المطبوعين أعتمد عليه أبن سعيد ونقل منه مختارات لزجالي القرن السابع ،
• وإذا جاز لنا بعد هذا أن نحكم على الزجل في القرن السابع الهجري، فليس لنا ما نقوله إلا أن الزجل من ناحية شكله ونظامه الخارجي ظل متجهاً إلى تقليل القوافي والبعد عن مزاحمة الفقرات وتعددها. أما موضوعات الزجل أو أغراضه فقد ظل الحب يستأثر فيه بالمكان الأول وكذلك الحديث عن الرياض وجمال الطبيعة وكل ما يسجل في يبدو أنها استحدثت في هذا القرن ومع ذلك فلا يتبقى أن ننسى أن القرن السابع كان قرن المحنة الكبرى للأندلس ففيه سقطت قرطبة, وضاعت أشبيلية، والتي جعلت أهل الأندلس ينتظرون سقوط الأندلس كلها عاماً بعد عام.
• 4-الزجل في القرن الثامن .
• ومن أهم الزجالين في هذا العصر الوزير ابو عبد الله ابن الخطيب له ثلاث مقطوعات قصيرة في الشراب والتصوف ناحياً فيها منحى الششتري, وأخبار ابن الخطيب كثيرة جداً ولقد وصلت إلينا مؤلفاته منها مخطوط ومنها ماهو مطبوع ، و شهرة أبن الخطيب وحياته ومؤلفاته في شيء غير الزجل وزجله مع ذلك لم يصل إلينا إلا من خلال ما ذكره أبن خلدون, ويظهر لنا أن الزجل كان عارضاً في أنتاج هذا الوزير السياسي الطبيب المؤرخ الشاعر الوشاح ولا يمكن أن نعده من الزجالين لمشاركه اليسيرة في فن الزجل ولك لا يخلو إنتاجه الضخم من شيء منه.
تاريخ الزجل حسب الفئات
الزجل عند المدجنين.
في القرون الوسطى وجد نصاَ لشاعر من اشهر شعراء اللغة الأسبانية على الإطلاق هو المسمى قسيس هيتا الذي عاش في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، أي قبل سقوط غرناطة بقرن ونصف، لهذا الشاعر ديوان بعنوان ellipro do buen amor يقص فيه الشاعر حياته ومغامراته. وقد تحدث فيه الشعر الذي ينظمه وعد من بين ما ينظمه شعراً يصنعه لنساء مسلمات moras وهو هنا يريد الجماعات الإسلامية التي كانت تعيش تحت حكم الدول المسيحية، يعرفون بأسم ( المد جنيين) في العربية ولا ندري إلا أي حد كان القسيس يعرف العربية. ولكن هذه المنظومات التي كان يصنعها للمسلمات كانت فيما يعتقد الباحثون مكتوبة في اللغة الأسبانية التي كان يعرفها المدجنون، ولكنها على نمط الأغاني العربية التي كانت لا تزال متوارثة بين هذه الجماعات، التي احتفظت بالإسلام على أن النصوص الأسبانية كثيرة فيما يتصل بنشاط المد جنيين واشتراكهم في إحياء الحفلات بالغناء والرقص، حتى أن مجمع القساوسة الذي انعقد في بلد الوليد سنة1322م شكا من أن المسيحيين يدخلون الكنائس نفسها المسلمين واليهود، يغنون ويعزفون على الآلات الموسيقية.
• زجل عند المتصوفين : فلقد ظهر قبل ذلك بقرون واسم الششتري مقرون دائماً بالزجل التصوفي, وأبو الحسن علي بن عبدالله الششتري من رجال القرن السابع الهجري ولد في الأندلس وعاش فيها منذ صباه وشبابه، وله ديوان كبير فيه قصائد وموشحات وأزجال، وله رسائل وكتب في التصوف، وقد تحدث عنه كثيراً من تلاميذه وزجله كإنتاجه الآخر يصور مذهبه التصوفي، والقول بوحدة الوجود، ولكننا إذا تركنا جانباً هذه الناحية التصوفية أو الفلسفية في منظوماته وحاولنا أن نلتمس صورة إنسانية لحياة هذه الشخصية العظيمة حقاً, وجدنا هذه الصورة وإن ضاقت حدودها في الزجل، أكثر مما نجد في الشعر
• زجل عند المصريين : كان للزجل عند المصريين تاريخ خاص لموافقة هذه الطريقة مافي طباعهم من اللين ومشايعة الكلام بشيء من التهكم الذي بعث عليه صفوة الفتور الطبيعية فيهم، ويقال فيها ( ذوق حلاوة النيل ).
• ـ أنواع الزجل عند المصريين وسبب تسمية كل نوع بهذا الاسم:
• كان الزجل عند المصريين على ضربين:
• الأول عُرف بالبليقة وعرف الثاني باسم القرقيه.
• وسميت البليقة بهذا الاسم مأخوذة من البلق وهو أختلاف الألوان.
• أما القرقية سميت كذلك من القرق، وهي لعبة يلعب بها صبيان الأعراب, وذكر هذه اللعبة صاحب القاموس: القرِق ، ووصفها ورسمت خطوطها في تاج العروس.
• الفرق بن البليقة والقرقية وبين الزجل:
• أن الزجل متى جاء فيه الكلام المعرب كان معيباً له، أما البليقة لبست كالزجل، بل يذكر فيها المعرب وغير المعرب.
• والبليقة لا تزيد عن خمس حشوات غالباً, وقد تنتمي إلى السبع قليلاً والقرقية تزيد كثيراً على حكم الزجل.
• من أخترع البليقة والقرقيات:
• اخترعت البليقة في القرن السابع، لكنهم تبسطو فيها حتى ظهر عندهم ما يسمى بالقرقيات، ولا تحقق تاريخها ولكنها متأخرة عن المائة السابعة حتماً، والدليل على ذلك ما ورد في ترجمة صدر الدين بن الرحل المتوفى سنة 716هـ بالقاهرة صاحب كتاب( فوات الوفيات) والمعروف كذلك بابن الوكيل المصري حيث قال:" وشعره مليح للقرقيات يدل على أنها كانت غير معروفة في ذلك الوقت وإن كانت من الزجل.
• ـ أشهر نوابغ المصريين في الأزجال من المتقدمين: الغباري كان من المصريين الدين نبغوا في الأزجال وكان ذلك في عهد السلطان حسن، فقد كان لأزجاله شهرة بعيدة لما توفر فيها من دقة الصنعة وإبداع المعاني وكثرة التفنن. وفي مجموعة من مدائحه حملاًً زجلياً( أهل هذا الفن يسمون ما يعادل القصيدة في الشعر منه : حملاً ) لرئيس العامة على عهد محمد علي باشا, وهو محمد الحباك القشاشي، يزاهي (560 ) بيتاً، مدح فيه أهل مصر على طريقة عامية ذكره في الزجل، وقال: إن الغباري ما أستطاع أن يضبط محاسن مصر فيما وصف.
• مدى شهرة الزجل في مصر:
• لا زال هذا الفن مشهوراً بمصر على عهدنا, ولأهله فيه إحسان كثير وهم يرتجلونه ويحاضرون به، فقد ذكر الأذيب ( عبدالله نديم المصري ) الشهير في مجلة الأستاذ واقعة في المساجلة بالزجل مع بعض روؤساء الفن من العامة، وكان الشرط أن من تلعثم أو استبلع الآخر ريقه يبتغي بذلك مهل البديهة وخلسة الفكر فهو المغلبّ، وذكر هناك بعض الأوزان التي أخذوا فيها.
زجل عند الاوربيين: فيما يتصل باللغة البرتغالية توجد أشعار جاءت في قالب زجلي في ديوان الفاتيكانة وفي مختارات برانكوتي وتظهر أيضاً في قصائد فرنان فلهو شاعر من عصر الملك الفونسو العاشر الملقب بالعالم وفي ديوان الشاعر بايوسواريز.
في أنجلتر نلتقي بأغان شعرية قديمة موجهة إلى العذراء أو تقال في أعيــــــــاد الميلاد، صبت في هذا القالب الشعري الأندلسي وحتى يومنا لا نزال نجد في الأغان الشعبية في إسكوتلانده، وفي إيرلندة، رباعيات جاءت على نمط أزجال مسلمي الأندلس.
• فيما يتصل بأسبانيا احتفضت هذه بشكل الزجل حياً خلال العصور الوسطى، وفي العصر الذهبي للأدب الإسباني ( القرن السادس عشر الميلادي ) ولقد حاز العلماء فقه اللغة زمناً في أوزان أغاني الفونسو العاشر، أما الآن وبعد أن قام خوليان ريبيرا بدراسة موسيقاها على نحو رائع وخالد، فيمكن تفسيرها في ضوء الزجل الأندلسي قالباً ووزناً، فإذا كتبت هذه الأغاني دون أن نقطع الأبيات إلى أشطار وجدنا معظمها من طراز الأزجال, وإن كان القفل ينظم على قافية سابقة.
زجل عند المسيحيين: كان لزجل الديني صدَّ في العالم المسيحي المعاصر كما أشار إليه" رامون لول " هو من أهل جزيرة " ميورقه كبرى "
لكن ما وصل إلينا من هذا الزجل الديني بغض النظر عن الششتري، قد ظل هذا النوع يحمل ذكرى انتسابه إلى الزجل الدنيوي في خرجاته، فكثير من أزجال الششتري تحتفظ بخرجيهما كانت موجودة من قبله في أزجال أبن قزمان، ويستتبع وجود هذه الخرجات التزام نفس الوزن ونفس نظام القوافي.
• بيئة الزجل في الاندلس: أن الأزجال الصوفية وجدت لها بيئة خاصة عاشت فيها, وكذلك وجدت الأزجال الغزلية بيئة أخرى خاصة بها بيئة الأولى جماعة الفقراء الذين خلعوا الدنيا وهاموا في حب الله سائحين مقتربين ينشدون أزجال الششتري ويغنون فيها، بل يرقصون على ألحانها وبيئة الثانية طبقة من الشباب الأرستقراطيين من أهل قرطبة وأشبيلية وبقية المدن الأندلسية وجدوا بين أيديهم مالاً, ووجدوا بطالة مصدرها انحلال المجتمع الأندلسي وابتعاده عن مسح الحوادث الكبرى، حيث أنفرد بتدبيره البربر المرابطون من جهة والقشتاليون من الجهة الأخرى: إنهم جماعة من الشباب لا يبالون بغير اللذة واللهو والعكوف على الشراب وإحياء الليالي بالغناء والرقص والبحث عن العشق وغالب الظن أن الحروب الكثيرة قد ذهب ضحيتها كثير من الرجال أهل السن, وخلفوا شباباً ورثوا عنهم بعض المال فأنفقوه في شهواتهم و ولم يجدوا أباً يرعاهم أو عملاً يشغلهم وديوان أبن قزمان يعطينا صورة لهذا المجتمع الأندلسي.
• تاثر القصائد في الازجال: لقد ظهر تأثير القصيدة جلياً واضحاً في الأزجال, ظهر في شكلها الخارجي, كما ظهر في أسلوبها وأصول الصنعة فيها, وظهر في معانيها وأخيلتها.
• ومهما تكن قدم هذه القصائد أو تأخرها من ناحية الزمن, فأنها ستظل شاهداً على سلطان القصيدة على الزجل والزجالين.
• وقد رأينا أن الموضوعات الكبرى التي تناولتها القصيدة تناولها الزجال أيضاً فالنسيب والمديح والخمريات, والهجاء والفخر والرثاء وأحياناً, كل ذلك لم يوجد في الزجل وجوداً مستقلاً وإنما وجد قبل كل شيء لأنه كان موجوداً في القصيدة ونسجل منها بعض هذه الظواهر.
• الغزل مقدمة للمديح:
• المديح موجود في الأزجال وأكبر مجموعة وصل إلينا من الأزجال ـ نحو ثلاثة أرباعها لم تخل من إشارة غلى ممدوح وإنما هو فيما نعتقد، تقليد للقصيدة،ومحاكاة لها.
• الخروج إلى المديح:
أن العلماء عنوا بمسألة الخروج من الغزل إلى المديح وإن منهم من يطغى إلى ذلك دون تمهيد قائلاً ( دع عنك هذا ) أو ما يشبه ذلك من العبارات.
دعُ ذا كل فلس فيه فابد وما مضى الكلام فيه زايد
وامدح بنا الوزير القايـد ابـــن سعـــاد انو عـــبد الله.
• معاني المديح :
ولو نظرنا في المعاني التي مدح بها الزجال ممدوحيه، والتشبيهات التي أستخدمها، وأنواع المجاز لوجدنا في مواضيع كثيرة جداً صورة الشعراء تطل علينا من خلف هذه النصوص، ورأينا جملاً وتراكيب ألفناها في القصائد مثل :
إذ تُســـــــاق إلى أياديه فالسحاب إلى يسثاق.
ولم يقف تأثير الشعراء في الزجاليين عند المعاني والأساليب والصنعة الفنية وإنما كان لهم أثرهم في خلق هذا الوضع الإجتماعي , الذي جعل الصلة بين الزجال والأمير كالصلة بين الشاعر والأمير نريد مادحاً وممدوحاً.
• تأثير القصيدة في أبواب أخرى:
وقد أثرت القصيدة العربية في كل الأبواب الأخرى، التي عالجها الزجالون، فهي واضحة التأثير في الشراب والخمر وفي الوصف وفي الفخر وفي الغزل أيضاً.
• والمقابلات البلاغية بين الشراب والمعشوق انتقلت أيضاً إلى الزجل:
الــذي نعشق مليــح والـــــذي نشرب عتيق
المليح أبيض سمين وتالشراب أصفر رقيق
• وصف الطبيعة :
• وكذلك في وصف الطبيعة نجد عند أبي علي الذباغ هذه الصور.
لأشرب إلا في يستان والربيع قد فاح الأنوار
يبكر الغمام ويضحك اقــــحوان مع بهــــــــار
ومال يقال عن الوصف يقال أيضاً عن جانب كبير من الغزل .
والمعاني العامية في هذا الفن الجديد هو الذي أكسب الزجل طرافته, والذي جعله يستطيع الشباب أمام أصحاب القصيدة لأنه لو ظل قانعاً بالدائرة القديمة لا يخرج عنها، لحكم على نفسه بالموت.
• تاثير الشعبي في الزجا: فالزجل أدب واقعي كلة محادثات فيها حياة فنحن لسنا أمام شاعر يتخيل المواقف تخيلاً, وإنما نحن أمام زجل أندلسي يعيش في قرطبة بأزقتها.. عاداتها.. شبانها ونسائها.. لذلك رأينا أن نستعرض بعض ما أستوقفنا من تلك الأزجال وما فيها من معاني وصيغ وطرافة يستمتع فيها القارىء.. وقد تجيء هذه الحياة في الزجل عن غير تركيب عامي وعن غير ألفاظ جديدة، فيكفي أن يذكر الزجال لفظ.."ياابني" مكان ك يابُنَي" التي يستخدمها الشاعر لنحس بنعمة جديدة كقولةه في مطلع زجل:
ترى يا قمّتي متى تنجلي واش ذا الهجران ياابْني يا علي
• وقد يكتسب الزجل طرافته من أسماء الأصوات التي يكثر منها الزجالونن فتصور للسامع المكان والزمان مع الحركة والسرعة:
طَق من بالباب؟ أن هو خـــــرجْ لي
• وقد تجيء قوة التعبير من ذكر ألوان أقترنت في أذهان الناس بمعان مثل:
يوم نراك ياعين يا بياض
• فهذه كلها أساليب من الحديث اليومي أنتقلت إلى الأزجال زلكنها لم تنتقل على القصائد. ومن الزجل لما اراد الزجَّال أن يعبر عن عصيان المعشوق, ومعاكسة لرغبات العاشق قال :
لم قط يُرى معشوق إلا مُخالف إن قلت له أجلس يقوم واقف
• كذلك ما يقوله الزجال عن ممدوح له:
لًفظه يُغنيك عن العشا والغذا
كل هذا فيه بساطة ومبالغة لطيفة وفي الوقت نفسه, وهو معنى متداول عن الحديث الممتع والحديث المشبع.
هل الزجل فن شعبي: نلاحظ من دراسة ازجال أبن قزمان دراسة دقيقة إن هذه الازجال مهما كان حظ الخيال العامي فيها والمعاني الشعبية, لم تكن فناً شعبياً صحيحاً، وإنما كانت مزيجاً من فنيين فن خاص قديم يتداول بين الشعراء والوشاحين.
• وفن شعبي لا سند له من التراث المكتوب.
وأن جمهور الزجل لم يكن الشعب في الأزقة والحارات كما لم يكن أيضاً الجماعة الضيقة لمحدوده التي نظم لها الشعراء والقصائد.
العلاقه بين الزجل والموشحات: 1- البناء.
يتشابه الموشح مع الزجل حيث يبنى كل منهما المطلع والأبيات والأقفال والخرجة عدا أن بناء المطلع في الموشح يختلف عن بنائه في الزجل؛ ففي الموشح المطلع يكون مثل بناء الأقفال والخرجة ؛ فعلى سبيل المثال:
ياولاة الحبَّ إن دمي سفتكتهُ الأعينُ النَّجلُ
فالمطلع يتكون من جزأين وكذلك بقية الأقفال ن فالقفل الأول:
فتكت بي فتك منتقم بسهام راشها الكحلُ
والقفل الثاني :
صنمُُ, ناهيك من صنم حائرُُ في خدَّه االخجلُ.,
وهكذا في باقي الأقفال حتى الخرجة
فكمالُ الحسن بالكرم والذي يزرى به البخِلُ.
فعدد الأجزاء في المطلع هي نفسها عدد الأجزاء في الأقفال والخرجة.
فبناء المطلع مع الأقفال والخرجة لا يتغير
اما الزجل: فيختلف عن الموشح في هذا البناء وقد يتشابه وهذا نادرو فعلى سبيل المثال الزجل الذي مطلعه:
نهو طـــــباخ أفكـــــــاري خل ناري تقيدهْ.
يارب عبذ وبسورة الدخان ياحميد يا مجيدْ.
والقفل الأول:
وفي دست الهوان على قلبي غليـــــا نو شديد.
حتى يصل إلى الخرجة فيقولك
مـــثل ماجا يقاس الفضــة والذهب بالحديد
والزجل يتكون من تسعة أقفال مكونة من جزأين متفقه في التقفية الخارجية فهنا أتفاق مابين المطلع والأقفال ولكن هناك أزجالاً أختلف عن هذا البناء كالزجل الذي مطلعه: الزمان سعـــيد مواتى والحبيــب حلو رشيقْ
والربيع بساط أخضر والشراب اصفر مروق.
والقفل الأول :
والهزار يعمل طرايق في الغنا مزمور ومطلقْ.
والقفل الثاني:
لا تخاف الصبح يهجم دع يجي ويركب أبلقْ.
والخرجة :
زعقت: حرام زوجي والنبي غدا نطلقْ
ويتشابه الموشح ع الزجل في التقفية الخارجية للأقفال غلا أن أجزل الأقفال في الموشحة قد تأتي معقدة أو كثيرة على خلاف الزجل كالموشح التالي:
شعاعها بكفَّي يخل جنى عند الغنىَّ وقد شربتها كتى
توقعنى في سكره تجدبني بعطفىّ.
وكثر هذا النوع في الموشحات في العصر الملوكي.
• 2- الخرجه وكذلك تتشابه الموشح مع الزجل في الخرجة غلا أن الخرجات أتت في الموشح على الأنواع " العامية , والمعربة, والمقتبسة, والأعجمية" أما في الزجل فأتت على نوعين " العامية والمقتبسة".
• فالخرجة العامية: تمتاز بالبساطة لتشبه حديثاً عادياً إذا أقيست بالموشحة فالوشاح يخرج من المعرب إلى العامين وأن مثل هذه الخرجات في الموشحات هي التي ادت إلى ظهور فن الزجل.
3- اللغه
يتشابه الموشح مع الزدجل في اللغة العامية في خرجة الموشح, وقد كتبت في العصر المملوكي بعض الموشحات باللغة العامية وهذا مادفع بعض الباحثين إلى القول إن" لغة الموشحات يغلب عليها الضعف والركة وأساءة من هذه الناحية إلى اللغة العربية فأصبح الشاعر الوشاح لا يجد حرجاً في التساهل اللغوي طالما يبقى أذواق العامة" وهذا الحكم يعتد به في الخرجات لأن بعضها كتب باللغة العامية القريبة من لغة اللصوص وغيرهم والموشحات " ساعدت على تدعيم مكانة الفصحى لأنها أشاعت هذه اللغة الجميلة بين الناس, ومن ثم حالت دون سيطرة العامة, وجعلت للزجل مكانة ثانوية في الأدب"
• وأتت لغة بعض الموشحات فصيحة زجله والبعض الآخر فصيحة سهلة.
• وأتت لغة الزجل سهلة بسيطة تتماشى طبيعة البيئة .
سمات الزجل: 1 ـ وهناك ظاهرة أخرى في الزجل هي حذف الهمزة تخفيفاً وذلك كما في قول العزاري :
بتُ مشَُغوفاً بحب رَشا
بين حبات القلوب رشا
قد براه الله كيف يشـــا
2 ـ وهذه الظاهرة واضحة بكثرة في الزجل , ومن المظاهر الواضحة أيضاً في الموشحات ابدال السين ثاء كقول أحمد الوصل:
ما كمحبوبي ولا خلقــــا
غصن بان في كثيب نقا
سينه ثـــــاء إذا انطلقـــا
مثكر المثطار من لعث وتحيق المثك لي نفث.
3ـ ومن الظواهر الملفته تتطرفي الأزجال عدم تقيد الزجل بالقواعد النحوية والصرفية.
4ـ واستخدام صيغ وتراكيب معينه استقاها الزجالون من أفواه العامة كما يستخدم كلمة " اش" وهي لهجة عامية كقول علاء الدين بن مقاتل:
اش لو تكون يا جاري
تدعني من فيك أشبع قال أش يكون لك اشعبْ.
5 ـ وكذلك ظهر بوضوح بعض الألفاظ العلمية المتداوله مثل " والنبي" كقول فخر الدين بن مكانس:
والنبي زاد بوهيامى ولا نسمع لوم لايم.
6 ـ واستخدم الزجالون صيغ التصغير وذلك في قول أبن النبيه:
آه على قبله في جيدوا وأخرى في ذا القميم.
7 ـ ومن تلك الظواهر حذف حرف وإشباع حركته كقول فخر الدين بن مكانس:
أي قوم خلص مميشق كنوا إلا اسمر مثقف
8 ـ أو حذف الحرف كقول فخرا لدين بن مكانس في الزجل نفسه:
وبقي يخجل مسيكين ويقول لى كلتْ تفاح.
إلى غير ذلك من سمات خاصه بالزجل.
الخاتمة
ومهما قيل في الأزجال من أنها الأدب الشعبي الذي يصور الأحاسيس وخير مصور لحياة العامة بجدها وهزلها. ويسجل العواطف التي تثور بها نفوس العامة, وأفئدة الدهماء, فإننا لا نراها إلا عنواناً على تخلف اللغة,وهجر الفصحى, وعدم العناية بالضاد, أو الأقبال عليها, ولا يشتغل الناس بها, ويجعلونها لسان تصويرهم وتعبيرهم من ترف في البيان, وتقويم في اللسان وازدهار للأدب, ولنهم يفرون غليها من إفلاس وفقر، وهزال ومرض, وضعف وانتكاس, حينما يطغى تيار العجمة, وتحل العامية محل الفصحى.
• والعربية الصحيحة مهما كانت ثقيلة على الطالب, أو بغيضة إلى الناشئ, أو متشعبة المسالك على المتعلم، فهي ـ على كل حال ـ اللسان الذي لا ينحرف والبيان الذي لا يزيغ, والهادي الذي لا يضل, والرائد الذي لا يكذب أهله, والصديق الذي لا يخون صديقه, ولا يتخلى عنه, ولا يمل صحبته, ولا يكره معاشرته, ولا تختلف معاملته للناس... أما العامية فهي كالمنافق الذي يلقى كل واحد بوجه, وكل صديق بدعوى, وكل صاحب بمقال, وكل رفيق بلون, وعامية المدينة غير عامية القرية, وعامية قطر غير عامية الأخر, وهكذا تكون بلبلة اللسان والبيان, وللفكر والرأي, والعقل والمنطق, والهوى والميل, والذين يدعون إليها, أو يتشجعون عليها, ربما غاب عنهم أنهم فتنة في الأرض وفساد كبير.
• فالزجل فن شعبي عبر عن فلسفة الطبقات الشعبية في الحياة ونظرتهم إليها, إلا أنه يعد رجعة إلى الوراء, مع أن سنة التطور في الحياة تحتم على الأدب أن يرتفع بمستوى جمهور الناس فيسمو بسموه في الشكل والمضمون لا أن ينزل إلى مستواهم فتنحدر لغته وتختل قيمه وتهتز صوره.

بنوته11
2012- 5- 2, 05:20 PM
هذي المحاضرات الي نزلتها الدكتوره في البلاك بورد
بس باقي محاضره فيلم وثائقي مو راضيييه تتحمل
دعواتكمممم لي بالتوفيق

بنوته11
2012- 5- 2, 06:21 PM
باقي المحاضرات

بنوته11
2012- 5- 2, 06:21 PM
محاضره: ابن زيدون
وُلِدَ ابن زيدون فـي قرطبة سنة 394هـ 1003م واســمــه أحــمـد بن عـبد الله بـن زيـــدون أبـــوه فقـيه من ســـلالـة بنــي مخـــزوم القــــرشــيـين، وجدُّه لأمه صــاحــب الأحكـام الوزيــر أبو بكــر محـــمد ابن محـــمد بن إبراهــيـم، و صــاحــب الأحكام تعني أنه اشــتغل بالفقــه والقضــاء.
تـعلَّم ابـن زيــدون في جامـعــة قرطـبــة التـــي كــانت أهـــم جــامعات الأندلــس يـَـفـِدُ إليـهـا طـــــلاب العــلـــم مـن المـمالــــك الإســــــلاميـــة والنصـــرانية على الســـواء.. ولـمع بين أقرانه كشاعر.
كــان الشــعر بدايــة تـعرُّفه بفَـرَاشَــــةِ ذلـك العصــر ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي الضـعيف المعــروف "بالتخــلف والركــاكـــة، مشـــتهــراً بالشـــرب والبطـــالـة، ســقيــم السِّــر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة" كـما يقول عنه أبو حيان التوحيدي.
أحب ابن زيدون ولادةَ حُــبًّا مَلَكَ عليه حياته وأحَــبّتهُ هي أيضــا، وعاش معـــها فـي الســعادة أيامـا، ثـم هجــرتـه لســبب تافــه اخـــتـلف فيـــه المؤرخـون بغـناء إحـدى جواريها فـي حضــورها فأغضـــبها منه ذلك. ولكـــي تُـغـيظـــه وجــدت عاشقًا جديداً هو الوزير أبو عامر بن عبدوس.
عندما غضبت عليه ولادة كتبت له تقول:
لَو كُنت تُنصف في الهَوَى ما بَيْنَنا
لَمْ تَهْـــوَ جــَـارِيَتــي وَلَمْ تـَتَـخَـــيَّر
وَتَركْــــتُ غُصْــــنَا مُثـمِـــراً بِجَــــمَـالِـهِ
وَجَنَحْتُ لِلْغُصْنِ الّذِي لَمْ يُثْمِر
وَلَقَـــْد عَــلِــمْتُ بِأَنّــنِــي بَـدْرَ السـّــمَـا
لَكِــنْ وَلِعْـــتَ لِشَــوقِي بِالـمـُشْـــتَري
حاول ابن زيدون جاهداً إبعاد ولادة عن ابن عبدوس، واســتعادة الأيام الجــميلة الماضــية، لكـــنهـا رفضــــت، واتهــمــه ابــن عــبدوس بأنــه ضالع في مؤامرة سياسية لقلب نظام الحكم وزُجَّ به في السجن.
كتب ابن زيدون قصائد كـثيرة يســتعــطــف فيهـا "أبا الحـــزم جهــور" حاكـم قرطــبة، كـــمــا كتب قصائـد أخــرى لأبي الوليد بـن أبي الحزم ليتوســط لدى أبيــه، وكــان
أبو الوليــد يحـــب ابن زيـدون
لكن وســاطـــته لم تنفــع.
هرب ابن زيــدون من الســــجن، واختبأ فـي إحدى ضواحي قرطبة وظل يرسل المراسيل إلى الوليد وأبيه حتى تمَّ العـفو عنه، فلــزم أبا الوليد حتى تُـوُفِّيَ أبو الـحزم وخلفه أبو الوليــد الذي ارتـفع بابن زيـدون إلى مرتــبة الوزارة.
لم يَنْسَ ابن زيدون حبه الكبير لولادة التي أهملته تمامًا، فجـعله أبو الوليد ســفيرًا له لدى مُلوك الطوائف حتى يتســلى عن حبه بالأسـفار وينســاه، لكن الســفر زاد من حــب ابن زيـــدون لـولادة وشـــوقه إليها، فعــاد إلــى قرطبة.
أُتِّهِم مــرة أخرى بالاشتراك في محاولة قلب نظام الحكم على أبي الوليد بن جهـور الذي غضـب عليه، فارتـحل ابن زيدون عن قرطــبة وذهــــب إلــى بــلاط المعــتــضـــد بـــن عــباد فـي أشـبيلية، وهــناك لقـــي تكــريمًا لم يســبق له مثيل
ظــل ابن زيـدون حتى آخــر يــوم فـي حــياتـــه شاعرًا عاشقًا، فبالشعر عشق، وبالشعر خرج من الســجــــن، وبالشــعر نـال حــظــوظـــه مــن الحياة.. ولم ينس أبـدا ذكـرى ولادة وأيامه الجميلة معها.
ظــلّ ابن زيدون اســــير حـب بنت المســتكـفـي حتى أثر عليه شــرب المدامة وكــادت تذهب عقله، وكتب إليها يستديم عهدها، ويؤكد ودها، ويعــتـذر مـن فــراقـــها بالخــطــب الــذي خشــيه، والامتحان الذي غشيه، ويعلمها أنه ما سـلاها بخـمر ولا خبا ما فـي ضـلوعه من ملتهب الجمر.
قصيدة ابن زيدون المسماة ”بالنونية“تعتبر من نــوادر الشــعر العــربي، حــيث تمكـــن مــن وصـف مؤثر وحياكــة بالغــة فـي
النــص والــتي نـورد بعضــا
من أبياتها لأهميتها.
أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا
وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا
ألا وقَدْ حَانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا
حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا
مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانْتِزاحِهم حُزنًا
مَعَ الدّهرِ لا يَبْلى ويُبلِينا
أنّ الزّمَان الذِي مَا زَال يُضْحِكُنا
أُنْسًا بِقُرْبِهم قَدْ عَاد يُبكينا
غيظَ العِدى مَن تُسَاقِينا الهَوَى فَدَعوا
بِأنّ نَغُصَّ فَقَال الدّهرُ آمِينَا
فَانْحَلَّ مَا كَان مَعْقُودًا بِأنْفٌسِنا
وأنْبَتَ ما كَان مَوصُولاً بأيْدِينا
لَمْ نَعْتقِد بَعْدَكُم إلاّ الوَفَاءَ لَكُمْ
رَأيًا وَلَم نَتَقلّد غَيرَهُ دِيْنا
مَا حَقِّنَا أنْ تُقِرِّوا عَينَ ذِي حَسَدٍ
بِنا، وَلا أنْ تٌُسِرِّوا كَاشِحًا فِيْنَا
كُنا نَرى اليَأسَ تُسَليْنا عَوارِضُه
وقَدْ يئِسْنا فَمَا لِليَأْسِ يُغْرِيْنا
بِنْتُمْ وَبِنَّا فَمَا ابْتَلَّتْ جَوَانِحُنَا
شَوْقًا إلَيْكُم وَلا جَفَتْ مَآقِيْنا
نَكَادُ حِيْنَ تُنَاجِيْكُم ضَمَائِرُنا
يَقْضِي عَلَيْنا الأسَى لَوْلا تَأسِّيْنا
حَالَتْ لِفَقْدِكُم أيّامُنَا فَغَدَتْ
سُودًا وَكَانَتْ بِكُم بِيْضًا لَيَالِيْنا
يَا سَاريَ البَرْقِ غَادِ القَصْرَ فَاسِقٌ بِهِ
مَنْ كَان صَرْفَ الهَوَى والْوِدُّ يُسْقِيْنا
واسْأَلْ هُنَاكَ هَلْ عَنَّي تُذَكِّرُنا
إلْفاً، تُذَكّرُه أَمْسَى يُعَنِّيْنا
وَيَا نَسِيْمَ الصِّبَا بَلِّغْ تَحِيَّتِنَا
مَنْ لَو عَلى الْبُعْد حَيًّا كَانَ يُحْيِيْنا
فَهَلْ أَرَى الدَّهْرَ يُقْصِيْنا مُسَاعَفةً
مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ غِبًّا تَقَاضِيْنا
ومن اشعاره
قال ابن زيدون يخاطب ابن عــبدوس لاشتراكه معـه في هوى ـ محبوبته ــ ولادة:
أثْرَت هُزْبَرَ الشِّرى إذْ رَبَضْ
وَنَبّهتهُ إذْ هَدَا فَأغْتَمضْ
وَمَا زِلْتُ تَبْسُط مُسْتَرسِلا
إلَيْه يَدُ البَضِّ لِمَا اتْقَبَضْ
حَذَار حَذَار، فَإنّ الكَرَيمَ
إذَا سِيمَ خَسْفاً أبَى فَامْتَعَضْ
لَعَمْري فَوّقْتَ سَهْمِ النِّضَالِ
وَأَرْسِلْهُ لَو أَصَبْتَ الغَرَضْ
وَغَرّكّ مِنْ عَهْدِ وَلاّدَةٍ
سَرَابٍ تَرَاءَى وَبَرْقٍ وَمَضْ
هِيَ الْمَاءُ يَعُزُّ عَلَى قَابِضٍ
وَيَمْنَع زُبْدَتَهُ مَنْ مَخَضْ
ومن اشعاره في وداع ولادة
لما عزم ابن زبدون على الرحيل إلى إشبيلة
كتب إليها مودعا:
وَدِّعْ الصَّـــبْرَ مُحِـــبٌّ وَدّعَــكْ
ذَائِــعٌ مِــنْ سِـرِّهِ مَـا اسْـتَوْدَعَكْ
يَقْــرَع السِّــن عَـلى أنْ لَـمْ يَكُـنْ
زَادَ فِــى تِلْــكَ الْخُطَـا إذْ شَـيّعَكْ
يَــا أَخَــا البَــدْرِ سَــنَاءٌ وَسَـنَا
حَـــفِظَ اللّــهُ زَمَانــا أَطْلَعَــكْ
إنْ يُطِــلْ بَعْــدَك لَيْــلِي فَلَكُــمْ
بِــتُّ أَشْــكُو قُصْـرَ اللَّيـْلِ مَعَـكْ
البعد بين ابن زيدون وولاده:
حدثت بين ولادة وابن زيدون جـفـوة وانقطعا عن التلاقي فكتبت إليه:
ألا هَــلْ لَـنَـا مِـنْ بَـعْـدِ هَــذَا الْتّـفَــرُّقِ
سَـبِيلٌ فَيَشْـكُو كُلّ صَـبٍّ بِمَـا لَقِي?
وَقَـدْ كُـنْتُ أَيّـامَ الـتّـزَاوِرَ فِـي الشِّـتَا
أَبِيْـتُ عَـلَى جَـمْرٍ مِنَ الشَّوْقِ مُحْرِقِ
ابن زيدون
فَكَـيْفَ وَقَـدْ أمْسَـيْتُ فِـي حَالِ قَطْعِهِ
لَقَـدْ عَجّـلَ الْمَقْـدُورِ مَـا كُـنْت أَتّقِي
تَمُـر اللّيَـالِي لاَ أَرَى الْبَيْـنَ يَنْقَضِـي
وَلا الصّـْبر مِـنْ رِقِّ التَّشَـوقِ مُعْتِقِي
سَـقَى اللّـه أَرْضَـا قَدْ غَدَتْ لَكَ مَنْزِلا
بِكُـلِّ سُـكُوبِ عَـاطِلَ الْـوَبْلِ مُغْـدَقِ
رد ابن زيدون على ولادة وقيل أنّها آخر ما
كتب لهـا:
لَحَــا اللـّه يَومـاً لَسْــــتُ فِيِْــهِ بِمُلْتَـــقٍ
مُحَيّـاكِ مِـنْ أجْـلِ النـّــوَى وَالتّفَـرُّقِ
وَكـَـيْفَ يَطِيـْبُ الْعَيْشَ دِيْـنُ مَسَـرّةٍ
وَأَيُّ سُــــــــــــــورٌ لِلْكـَـــئِــيــبِ الْمُــــــورِقِ?
أصبحـت حياة وسيرة ابن زيدون المتقلبة، وحبه الكبير لولادة بالإضافة إلى أعــــماله الشعرية والنثــريـة الـمتـــميــزة موضـوعــات لدراســـات وإبداعــات كثيرة لعــل أشــهرها مســرحية الشــاعـر المصــري فــاروق جــويدة "الوزيـر العاشــق" التـي قـام بـبطـولتها عـبد الله غيث وسميحة أيوب.
ومن أهم أعمال ابن زيدون الباقية إلى الآن غير أشعار "الرسالة الجدية" التي اسـتعطف فيــهــا ابــن جـــهـــور ليخـــرجه مــن الســــــجن، و"الرســالة الهزلية" التي كــتبها على لسـان ولادة ذمًّا في ابن عـبدوس حـبـيـبها الجــديد.
هاتان الرسالتان عـلامــة علـــى الموهـبـة الكبيرة والثقافة المتنوعة التي تميز بها ابن زيــدون فـي أعــماله الشــعرية والنثــرية عـلى الســواء.
ابن خفاجه:
 هـو إبراهــيم بــن أبـي الفتــح عــبد الله بن خـــفاجــة الهـــواري الشقري الأندلسي ولد بجزيرة شقر وهي بُـليدة بين شـاطبة و (بلنسية).
 لما نشــأ انتقــل إلى (بلنســية) وقــرأ العلم على شـيوخها.
 شاعـر غـزل ومن الكُـتّاب البُـلَـغَاء كان مُحيطا بعددٍ من الفنون منها الحديث والفقه واللغة.
 يمتاز شعره بالسهولة وفيه طلاوة وقـد برع فـي وصــــف الطــبيــعة والحـــنين إلـى الوطــن فكــان يُشـَـبّه بالصــنوبــري وقـــد لقــبه النــاس بلـقــــب (الجــــنّــان) لكــثرةِ ما وصَـــفَ من الريــاض. لـَمْ يَتكسّـب بشعره, عاش ولمْ يتزوج.
 لما اسـتولى الإســبان على مدينة بلنسـية سنة 478هـ بقيادة (القمبياطـور) وأحرقـوا قاضـيها ابن جحاف قال ابن خفاجة ينْدُبها بقصــيدةٍ مَطلعُها:
عـَـاثَتْ بِسَــاحَتِك الظِّبَـى يَـا دَار
وَمَحَــا مَحَاسِـنَكِ الْبِـلَى وَالْنّـار
 ويصف الطبيعة فـي الأندلس وجناتها بقوله:
يـَـا أَهْــلَ أَنْدُلس لِلّــه دَرّكُـمُ
مَــاءٌ وَظِــلٌّ وَأنْهَــارٌ وَأشْـجَـار
مَـا جَنّـةُ الخُـلْدِ إلاّ فِـي دِيَـارُكُمُ
وَلَــوْ تَخَــيّرتُ هَـذَا كُـنْتُ أخْتَـار
لاَ تَحْسبُوا فِـي غَـدٍ أنْ تَدْخُلُوا
سَقَراً فَلَيْسَ تَدْخُــلَ بَعْــدَ الْجَنّــةِ النَّـار
 وله في الغزل:
يــَا لُؤْلُــؤا يَسْـبِي العُيَـونَ أَنِيْقَـا
وَرَشــا بِتَقْطِيـعِ القُلُـوبِ رَفَيْقَـا
مَــا إِنْ رَأَيْــتُ وَلا سَـمِعْتُ بِمِثْلِـه
دُرّا يَعُــودُ مِــنَ الحَيـَـاء عَقِيْقَـا
وإذَا نَظَــرْتَ إلـى مَحَاسِـنَ وَجْهِـهِ
ألْفَيَــتَ وَجْـهَك فِـي سَـنَاهِ غَرِيْقَـا
يَـا مَـنْ تَقَطـّعَ خِـصْرَهُ مِـنْ رِقَّـةٍ
مَــا بَــالَ قَلْبِـكَ لاَ يَكُـونُ رَقِيْقَـا
 وله في النسيب شعر خصب ومنه يقول
لَقَـدْ زَارَ مَـنْ أَهْـوَى عَلَى غَيْرَ مَوعِدٍ
فَعـَـايَنْتُ بَدْرَ التّـمِّ ذَاكَ التّلاقِيَـا
وَعَـاتَــبْـتَـــهُ وَالعَـتَــبُ يَـحْــلُو حَدَيـثَـهُ
وَقَــدْ بَلَغَـتْ رُوحِـي لَدَيْـهِ الْتَرَاقِيَـا
فَلَمّـا اجْتَمَعْنـَا قُلْـتُ مِـنْ فَرْحِـي بِهِ
مِـنْ الشِّـعْرِ بَيْتـاً والدّمُـوعُ سَـوَاقِيَا
وَقَــدْ يَجْـمَعَ اللّـهُ الشّـتِيتَيْنِ بَعْدَمَـا
يَظُنـَّـانِ كُــلَّ الْظـَّنِ أنْ لاَ تَلاَقِيَـا
 ومن أجمل ما كُتَب ابن خـفاجــة من الشـعر قصيدته في وصـف الجبل وهي من درر قصائده التي تُمثــِّل امتــزاج الشــاعـر بالطــبيـعـــة، وقــد دُرسـت دراســةً وافيــةً وذُكــرت فـي كــثـيرٍ من كُتب الشعر، حيث يقول فـي قصيدة الجبل..
 بِـعَيْشِكَ هَـلْ تَدْرِي أَهْـــوَجَ الجــنَائِب
 تَـخُبُّ بـِرَحْلِى أمْ ظُـهُورَ النّجَائِبُ
 فَـمَا لُحَتْ فـِي أَوْلَى الْمَشَارِق كَوْكَبا
 فَـأشْــرَقَ حَتّى جِــئْتُ أُخْرَى المَغَارِب
 وَلا أَنْــسَ إلاّ أنْ أضُـــاحِــــــكَ سَــــــاعَــةً
 ثُـغُورَ الأمـَانِي فـِي وُجُوهِ المَطَالِب
 وَلَـيْلٍ إذَا مَـا قُـــلْتَ قَــــدْ بَــــادَ فَانْقَــضَــى
 تَـكْشِفُ عَـنْ وَعْدٍ مِنَ الظّنِ كَاذِب
 سَـحَــبـْتُ الْـدِّيَــاجِـــيُّ فِيْـهِ سُـــودٌ ذَوَائِـــب
 لأعْـــتِــــنَقَ الآمَـــــالَ بِـيْـــــضٌ تَـرَائِب
 فَمَزّقْتُ جَيْبَ اللَّيْلَ عَنْ شَخْصٍ أطْلَسٍ
 تُطْلِعُ وَضـّاحَ الْـمَضَاحِكَ قَاطِب
 رَأَيْــتَ بِـــهِ قِطَعـــاً مِنَ الفَـــجْــــرِ أغْـــبُــشــا
 تَـأَمّـــلَ عَــنْ نَـــــجْـــمٍ تَـــوَقَّـــدَ ثَـاقِـــب
 وَأرْعَــــــــــــــن طَـــــــــمّـــــاحُ الـــــذُّؤَابَــــــةَ بَــــــاذِخٌ
 يَـطُــاوِلُ أعْـــنَانَ الـسَّــــمّاءِ بِـغَارِب
 إلى أن قال:
فَـرَحْـمَاكَ يَـا مَــــوْلايَ دَعْــــوَةَ ضَــــارِع ٍ
يَــمُـــدُّ إلَـى نَـــعْــــمَاكِ رَاحَــــةَ رَاغِـــــب
فَـأَسْـــمِعْــنِي مِـنْ وَعْـظَـــةٍ كُــلَّ عِــــبْرَةٍ
يُـــتَـرْجِـــمُـــهَا عَـــنْهُ لِـسَــانَ الـتَّجَــــارِب
فَـسْـلِي بِـمَا غَابَكِى وَسَــرَى بَــمَا شَــجــَا
وَكَانَ عَلَى عَهْدِ السًّرَى خَيْرَ صَاحِب
وَقـُــــلْـتُ وَقـَـــــــــــــــدْ نَـكّــــــــبْـــــتُ لِـــطَــــــيَّــةٍ
سـَــــلاَمٌ فَـــإنـَّـا مِـنْ مُــقِـــيـْـمٍ وَذــَـــاهِـب
وقوله في فقهاء زمانه:
دَرَسُــوا العُلُــومَ لِيَمْلِكُـوا بِجِـدَالِهِمْ
فِيْهَــا صُــدُورَ مَـرَاتِـبٌ وَمَجَـــالِسْ
وَتَــزَهَّــدُوا حـَـتّى أصَـابُوا فُرْصَـة
فِي أخْـذِ مَالِ مَسَاجِدٍ وَكَنَـائِسْ

بنوته11
2012- 5- 2, 06:22 PM
محاضرة: النثر الفني في الأندلس فنونه وخصائصه وأغراضه
تعريف النثر لغة:
من نثر الشيء بيده أي رماه بيده متفرقاً
تعريف النثر اصطلاحا":
هو الكلام غير المنظوم أو هو الكلام الذي ليس فيه الوزن ويعتمد على الحقائق .
تطور النثر في مختلف أطوار العصر الأندلسي:
عرفت في الصدر الأول من الفتح نماذج قليلة من النثر اقتضتها ظروف الفتح، كالخطابة التي تطلبتها مناسبات سياسية ودينية، والكتابة التي اقتضتها ظروف الحكم، وكتابة العهود والرسائل والتوقيعات. وهو نثر تغلب عليه المسحة المشرقية من حيث الميل إلى الجزالة وقوة العبارة وعدم اللجوء إلى المحسنات، ما عدا خطبة طارق بن زياد التي يدور الشك حول نسبتها إليه.
وفي عهدي بني أمية والطوائف ظهر نوع من النثر المتأثر بنثر الجاحظ، وكان للحكام دور في تشجيع الأدباء على التأليف، وإسناد الوزارة إلى أصحاب الحذق والمهارة، فقد ألف ابن فرج الجيّاني كتاب «الحدائق» وقدمه للحكم المستنصر،
وقد انتدب المعتضد ألعبادي الأديب الشاعر ابن زيدون لرئاسة الوزارة وإمارة الجيش فسمي بذي الوزارتين: وزارة السيف، ووزارة القلم.
وفي عهدي المرابطين والموحدين ظهرت طائفة من الكتاب عنيت بالكتابة الإنشائية والتأليف في مختلف الأغراض، كما انتشرت في عهد الموحدين المكتبات التي تضم الكتب النفيسة, وفي عهد بني الأحمر اتسعت النماذج النثرية فصدر عن الكتاب النثر الديواني الذي يضم الرسائل، والكتابات على شواهد القبور، والعلامة السلطانية والنثر ألإخواني بين الكتاب وذوي السلطة، أو بين الكتاب أنفسهم، والنثر الوصفي الذي يتناول وصف الشخصيات والأعلام، ووصف المدن والرحلات مثل رحلة البلوى خالد بن عيسى وكثر التأليف في المقامات التي عنيت بتسجيل هموم الحياة، وخرجت عن الكدية والاستجداء إلا في القليل منها
فنون النثر الأندلسي
تعددت فنون النثر العربي في الأندلس , فتناول الأندلسيون ما كان معروفا في المشرق من خطب ورسائل و مناضرات ومقامات , وزادوا عليها بعض ما أملته ضروف حياتهم وبيئاتهم , وقد شاع فيهم تصنيف كتب برامج العلماء, التي ضمنت ذكر شيوخهم ومروياتهم وأجازاتهم . وكان للكتاب مزية الجمع بين الشعر والنثر والإجادة فيها...
الخطابة:
كانت الخطابة وليدة الفتح، فقد استدعت الغزوات التي قام بها العرب المسلمون قيام الخطباء باستنهاض الهمم، وإذكاء روح الحماسة للجهاد في سبيل الله.
ولما تمزقت البلاد، واستحالت إلى دويلات كثيرة، واستعان بعض أصحابها بالأعداء، كان الخطباء يقفون في المحافل العامة للدعوة إلى لم الشمل وترك التناحر.
ومنذ عصر المرابطين، حتى آخر أيام المسلمين في الأندلس، ظهرت الخطب المنمقة،ومنها التي تتضمن التورية بأسماء القرآن الكريم كما في خطبة للقاضي عياض (544هـ) التي يقول فيها: «الحمد لله الذي افتتح بالحمد كلامه، وبين في سورة البقرة أحكامه،ومد في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه...».
أشهر خطباء الأندلس :

طارق بن زياد فاتح الأندلس , والأمير عبد الرحمن الداخل المؤسس الأموي في الأندلس , ومنذر بن سعيد البلوطي , والقاضي عياض, ولسان الدين بن الخطيب
الرسالة:
كانت الرسالة في القرن الأول من الفتح ذات أغراض محددة أملتها ظروف العصر، وكان لا يلتزم فيها سجع ولا توشية. ثم حظيت كتابة الرسائل بكتاب معظمهم من فرسان الشعر استطاعوا بما أوتوا من موهبة شعرية وذوق أدبي أن يرتقوا بأساليب التعبير وأن يعالجوا شتى الموضوعات، فظهرت الرسائل المتنوعة ومنها الديوانية والإخوانية.
فمن الرسائل الديوانية رسالة أبي حفص أحمد بن برد (ت428هـ) (المعروف بالأصغر تمييزاً له من جدها لأكبر) من كتاب ديوان الإنشاء في دولة العامريين، وقد وجهها لقوم طلبوا الأمان من مولاه. واستخدم فيها الأسلوب الذي يخيف بالكلمة المشبعة بالوعيد.
ومن الرسائل الإخوانية رسالتا ابن زيدون الهزلية والجدية، ورسالة لسان الدين بن الخطيب إلى صديقه ابن خلدون في الشوق إليه.
وقد شاع استعمال لفظ «كتاب» عوضاً عن الرسالة،كما ورد في رسالة جوابية كتبها ابن عبد البر (ت458هـ) إلى أحد إخوانه يعبر فيها عن مدى إعجابه بأدبه.
المناظرة:

وهي فن يهدف الكاتب فيه إلى إظهار مقدرته البيانية وبراعته الأسلوبية، وهي نوعان خيالية وغير خيالية.
فمن المناظرات الخيالية مناظرة بين السيف والقلم لابن برد الأصغر، وقد رمز بالسيف لرجال الجيش، وبالقلم لأرباب الفكر، ثم أجرى الحوار بينهما، وانتهى فيه إلى ضرورة العدل في المعاملة بين الطائفتين.
ومن المناظرات غير الخيالية ما تجري فيه المناظرة بين مدن الأندلس ومدن المغرب كمفاخرات مالقة وسلا للسان الدين بن الخطيب، وكانت مالقة أيام الدولة الإسلامية من أعظم الثغور الأندلسية، أما سلا فهي مدينة رومانية قديمة في أقصى المغرب، وقد فضل الكاتب مالقة.
المقامة:
وهي نوع من النثر الفني نشأ في المشرق على يد بديع الزمان الهمذاني، ثم حذا حذوه الحريري. وفي الأندلس عارض أبو طاهر محمد التميمي السرقسطي (توفي بقرطبة سنة 538هـ) مقامات الحريري الخمسين بكتاب الخمسين مقامة اللزومية، وهي المعروفة بالمقامات السرقسطية، ولزم في نثرها المسجوع ما لا يلزم. كتب أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأزدي (ت750هـ) «مقامة العيد» التي استكدى فيها أضحية العيد من حاكم مالقة الرئيس أبي سعيد فرج بن نصر.
كما ألَّف لسان الدين بن الخطيب مقامات كثيرة منها مقامته في السياسة، وقد بناها على حوار بين بطلين هما الخليفة هارون الرشيد وحكيم فارسي الأصل عربي اللسان، وقد تضمّنت آراؤه وتجاربه الشخصية فيما ينبغي أن تكون عليه سياسة الحكم.
خصائص النثر الأندلسي:
على الرغم من تأثّر الكتّاب الأندلسيين بأساليب المشارقة،وطرائقهم الفنية، فقد كانت هناك خصائص امتاز بها نثرهم منها:
* الميل إلى الجمل المتقطعة..
• الإيجاز التام ..
• تزيين الأسلوب بالسجع والمزاوجة ..
• الاعتماد على الجمل القصار ووضعها في إطار محكم ..
• الإتيان بالجملة مردفة وبجملة أخرى تشبهها أو تقاربها.
• الاقتباس من القرآن الكريم ..
• كلها مع جمال اللفظ والمعنى
• اذكري أنواع الرسائل التي ظهرت في العصر الأندلسي ؟؟؟
• ما أنواع المناظرات؟؟
• مالفنون النثرية التي أضافها الأندلسيون على فنون النثر ؟؟
• اذكري أمثلة للرسائل الديوانية؟؟
• بما انتهى الحوار في مناظرة بين السيف والقلم؟؟
محاضرة:النثر الاندلسي اغراضه وفنونه
تأثر النثر في الأندلس بالنثر في المشرق العربي، ولذلك يلاحظ الباحث أن أي تطور في النثر المشرقي أو تجديد فيه لا بد أن تنعكس آثاره على أهل الأندلس، فإذا كنا قد تعرفنا عند دراستنا للنثر العباسي على طريقة الجاحظ وابن العميد وبديع الزمان، فإننا سنجد أصداء ذلك في الأندلس.
وقد امتاز كثير من كتاب الأندلس بجمعهم بين الشعر والنثر كابن زيدون وابن شهيد وابن برد ولسان الدين بن الخطيب، فكان لهذا الجمع بين الفنين أثره في صبغ النثر بالصبغة الشعرية، مما أعطاه جمالاً ورقة وحسن اختيار للألفاظ والأساليب.
أهم فنون النثر الاندلسي
للخطابة
عندما دخل العرب الأندلس فاتحين كانوا بطبيعتهم ميالين إلى الخطابة، ثم إن عصر الولاة كان عصر اضطراب وحروب وصراع بين العصبيات العربية، فكان ذلك داعياً إلى ازدهار الخطابة في الأندلس في ذلك العصر، فكانت الوسيلة الفعالة في إشعال الحروب وتأييد العصبية القبلية عندما تكون الحروب والنزاعات بين العرب العدنانيين والقحطانيين، وكانت الوسيلة فعالة في الحث على الجهاد وقتال الكفار عندما تكون الحروب ضد نصارى الأندلس.
وكانت الخطابة في تلك الفترة تتميز بالسهولة والوضوح والإِيجاز والبعد عن التكلف؛ لأن الخطباء من الولاة والأمراء والقادة كانوا عرباً مطبوعين على الخطابة والارتجال.
ولكن عندما استقرت الأمور ومال الناس إلى الدعة ضعفت الخطابة الأندلسية، وتفوق الشعر والنثر الفني عليها، وإن كانت الخطابة الدينية قد ازدهرت بفضل بعض العلماء الذين كانوا يجيدون الخطابة كالقاضي منذر بن سعيد البلوطي.
وعندما عادت الأندلس إلى عصر الاضطراب والحروب في عهد ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين كانت الملكة والسليقة العربية قد ضعفت، فلم تزدهر الخطابة من جديد مع وجود دواعي الازدهار، بل دخلها كثير من الصنعة اللفظية، وامتلأت بالسجع المتكلف فضعفت، ولم يعد لها تأثير يذكر.
وأشهر خطباء الأندلس: طارق بن زياد فاتح الأندلس، والأمير عبد الرحمن الداخل مؤسس الحكم الأموي في الأندلس، ومنذر بن سعيد البلوطي، والقاضي عياض، ولسان الدين بن الخطيب .
نماذج للخطابه:
خطبة طارق بن زياد فاتح الأندلس:[1] "أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأقواته موفورة وأنتم لا وزر[2] لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم. وإن امتدت لكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت[3] ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة[4] هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة. وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة[5]، ولا حملتكم على خطة أرخص فيها متاع النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي
وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان[6]، والمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان. وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عزبانا[7]، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا[8] وأختانا[9]... ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين. واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فان هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يُخْذلون".
مميزات النثر الاندلسي:
الشعر في الأندلس امتداد للشعر العربي في المشرق؛ فقد كان الأندلسيون متعلقين بالمشرق، ومتأثرين بكل جديد فيه عن طريق الكتب التي تصل إليهم منه, أو العلماء الذين يرحلون من الشرق أو الأندلسيين الذين يفدون إلى الشرق للحج أو لطلب العمل, فكانت حبال الود ووشائج القربى قوية بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه.
وكان الأندلسيون ينظرون إلى الشرق وما يأتي منه نظرة إعجاب وتقدير؛ فكانوا في غالب أمرهم مقلدين للمشارقة, ويبدو ذلك واضحا في ألقاب الشعراء وفي معارضاتهم لشعراء المشرق.
ولكن هذا التقليد لم يمنعهم من الإبداع والابتكار, والتميز بميزات تخصهم نتيجة لعوامل كثيرة, أهمها البيئة الأندلسية الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع خاص.
ويمتاز الشعر الأندلسي في ألفاظه ومعانيه وأخيلته بسمات تبدو واضحة في مجمله, ومنها:
1. وضوح المعنى, والبعد عن التعقيد الفلسفي أو الغوص على المعاني وتشقيقها.
2. سهولة الألفاظ وسلاستها, والبعد عن التعقيد والغموض, وذلك ناتج عن بساطة الأندلسيين وبعدهم عن التعقيد في كل شيء. ويستثنى من ذلك شعر ابن هانيء وابن دارج, فهما يقربان من شعر المشارقة من حيث الجزالة والقوة.
3. قلة الدخيل والألفاظ الأعجمية؛ فقد لاحظ الدارسون أن الأندلسيين أكثر تمسكا بالعربية الفصحى من غيرهم.
4. التجديد في بعض أغراض الشعر والتفوق فيها, ويبدو ذلك واضحا في رثاء الممالك الزائلة, وفي وصف الطبيعة.
5. الخيال المجنح, وبراعة التصوير, والاندماج في الطبيعة, ووصف مناظرها الخلابة, وذلك أثر من آثار جمال الطبيعة الأندلسية, وتعلق الأندلسيين بطبيعة بلادهم, وانعكاس ذلك على شعرهم سواء من ناحية الألفاظ المنتقاة أو الخيال أو التصوير والتشخيص.
6. التجديد في الأوزان, وذلك باختراع الموشحات، وسوف نتحدث عن الموشحات حديثا مفصلا.
7. البعد عن المحسنات اللفظية المتكلفة والمبالغة, وبروز التشبيهات الجميلة والاستعارات الدقيقة وحسن التعليل.
والخلاصة أن الأندلسيين قد قلدوا المشارقة, ولكن هذا لم يمنعهم من الابتكار والتفوق في مجالات عديدة ورد ذكرها فيما سبق.
قصيدة النثر واستدعاء
النموذج الاندلسي
تعرّف قصيدة النثر بأنها قصيدة تتميز بواحدة أو أكثر من خصائص الشعر الغنائي، غير أنها تعرض في المطبوعات على هيئة النثر وهي تختلف عن الشعر النثري Poetic prose بقصرها وبما فيها من تركيز. وتختلف عن الشعر الحر Free Verse بأنها لا تهتم بنظام المتواليات البيتية. وعن فقرة النثر بأنها ذات إيقاع ومؤثرات صوتية أوضح مما يظهر في النثر مصادفة واتفاقاً من غير غرض. وهي أغنى بالصور وأكثر عناية بجمالية العبارة، وقد تكون القصيدة من حيث الطول مساوية للقصيدة الغنائية لكنها على الأرجح لا تتجاوز ذلك وإلا احتسبت في النثر الشعري(1).
وقد عمد بعض روّاد حركة الحداثة في الشعر العربي إلى تنظير سوزان برنار لهذه القصيدة فاقتبس أنسي الحاج وأدونيس(2) كلاهما التعريف الذي يقوم على بيان طبيعة هذا اللون الأدبي بالإشارة إلى ما فيه من وَحْدة وإيجاز تركيز ومجانية، أي: خلوها من الغرض التعليمي أو التثقيفي الذي يمكن أن يهدف إليه النثر(3). وهذا التعريف ـ في الواقع ـ لا يتمتّع بأي تحديد منطقي للمعرف. فالقصيدة الغنائية هي الأخرى تتميز بالوحدة، والتركيز، والبعد عن أن يكون لها مقابل نثري.
وتبدو المشكلة نابعة من مغالطة المصطلح نفسه: "قصيدة النثر" فهذه التسمية التي أجْمع عليها بعض الشعراء تنسب القصيدة إلى النثر وليس إلى الشعر. ونسبة الشيء إلى شيء آخر تجعله جزءاً منه، وصفاته الفنية والجمالية كصفاته. فنسبة القصيدة إلى النثر توجب أن نتوقع خصائص النثر فيها لا خصائص الشعر. والحيرة في تسمية هذا الذي هو قريب إلى الشعر وبعيد عن النثر حيرة ليست جديدة.
• فقد أطلق أمين الريحاني على ما كتبه من قصائد تخلو من الأوزان والقوافي شعراً حراً قرنه بشعر والت وايتمان(4). وسماه ميخائيل نعيمة بالشعر المُنْسَرِح. وسمّاه رئيف خوري سجْعاً نتيجة التزامه بالقوافي(5). واستخدم استخداماً مقروناً بالتحفّظ تعبير الشعر المرسل Blank Verse للدلالة على هذا النوع من الشعر. واستخدمت جماعة الديوان هذا المصطلح فيما استخدمت جماعة أبولو مصطلح الشعر الحر Free Verse في وصف ما يكتبونه من شعر تمتزج فيه البحور والأوزان. وذلك ما أوضحه أحمد زكي أبو شادي في غيْر موْضع(6). وقد ظهرت هذه المصطلحات جميعاً ولم يبرز في سياق التداول الاصطلاحي تعبير "قصيدة النثر" إلا بعد ظهور مجلّة شعر وتقديم سعيد عقل لديوان المجدلية وعرضه لديوان توفيق صايغ ثلاثون قصيدة(7). واختُلف فيمن كتب "قصيدة النثر" أولاً. فمنهم من ينسب فضل الرّيادة فيها للريحاني(8). ومنهم من ينسبها إلى توفيق صايغ، ومنهم من يرى في جبرا إبراهيم جبرا رائداً لهذا النوع من الشعر(9).
وليس المهم من هو أول من كتب قصيدة النثر. ولكن الأكثر أهميّة هو أنّ هذه القصيدة فرضت نفسها على القارئ
- أمجد ناصر
وقصيدته مرتقى
الأنفاس
- المتنبي وأغراض
النثر الأندلسي

بنوته11
2012- 5- 2, 06:22 PM
محاضرة: النثر الفني في الأندلس فنونه وخصائصه وأغراضه
تعريف النثر لغة:
من نثر الشيء بيده أي رماه بيده متفرقاً
تعريف النثر اصطلاحا":
هو الكلام غير المنظوم أو هو الكلام الذي ليس فيه الوزن ويعتمد على الحقائق .
تطور النثر في مختلف أطوار العصر الأندلسي:
عرفت في الصدر الأول من الفتح نماذج قليلة من النثر اقتضتها ظروف الفتح، كالخطابة التي تطلبتها مناسبات سياسية ودينية، والكتابة التي اقتضتها ظروف الحكم، وكتابة العهود والرسائل والتوقيعات. وهو نثر تغلب عليه المسحة المشرقية من حيث الميل إلى الجزالة وقوة العبارة وعدم اللجوء إلى المحسنات، ما عدا خطبة طارق بن زياد التي يدور الشك حول نسبتها إليه.
وفي عهدي بني أمية والطوائف ظهر نوع من النثر المتأثر بنثر الجاحظ، وكان للحكام دور في تشجيع الأدباء على التأليف، وإسناد الوزارة إلى أصحاب الحذق والمهارة، فقد ألف ابن فرج الجيّاني كتاب «الحدائق» وقدمه للحكم المستنصر،
وقد انتدب المعتضد ألعبادي الأديب الشاعر ابن زيدون لرئاسة الوزارة وإمارة الجيش فسمي بذي الوزارتين: وزارة السيف، ووزارة القلم.
وفي عهدي المرابطين والموحدين ظهرت طائفة من الكتاب عنيت بالكتابة الإنشائية والتأليف في مختلف الأغراض، كما انتشرت في عهد الموحدين المكتبات التي تضم الكتب النفيسة, وفي عهد بني الأحمر اتسعت النماذج النثرية فصدر عن الكتاب النثر الديواني الذي يضم الرسائل، والكتابات على شواهد القبور، والعلامة السلطانية والنثر ألإخواني بين الكتاب وذوي السلطة، أو بين الكتاب أنفسهم، والنثر الوصفي الذي يتناول وصف الشخصيات والأعلام، ووصف المدن والرحلات مثل رحلة البلوى خالد بن عيسى وكثر التأليف في المقامات التي عنيت بتسجيل هموم الحياة، وخرجت عن الكدية والاستجداء إلا في القليل منها
فنون النثر الأندلسي
تعددت فنون النثر العربي في الأندلس , فتناول الأندلسيون ما كان معروفا في المشرق من خطب ورسائل و مناضرات ومقامات , وزادوا عليها بعض ما أملته ضروف حياتهم وبيئاتهم , وقد شاع فيهم تصنيف كتب برامج العلماء, التي ضمنت ذكر شيوخهم ومروياتهم وأجازاتهم . وكان للكتاب مزية الجمع بين الشعر والنثر والإجادة فيها...
الخطابة:
كانت الخطابة وليدة الفتح، فقد استدعت الغزوات التي قام بها العرب المسلمون قيام الخطباء باستنهاض الهمم، وإذكاء روح الحماسة للجهاد في سبيل الله.
ولما تمزقت البلاد، واستحالت إلى دويلات كثيرة، واستعان بعض أصحابها بالأعداء، كان الخطباء يقفون في المحافل العامة للدعوة إلى لم الشمل وترك التناحر.
ومنذ عصر المرابطين، حتى آخر أيام المسلمين في الأندلس، ظهرت الخطب المنمقة،ومنها التي تتضمن التورية بأسماء القرآن الكريم كما في خطبة للقاضي عياض (544هـ) التي يقول فيها: «الحمد لله الذي افتتح بالحمد كلامه، وبين في سورة البقرة أحكامه،ومد في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه...».
أشهر خطباء الأندلس :

طارق بن زياد فاتح الأندلس , والأمير عبد الرحمن الداخل المؤسس الأموي في الأندلس , ومنذر بن سعيد البلوطي , والقاضي عياض, ولسان الدين بن الخطيب
الرسالة:
كانت الرسالة في القرن الأول من الفتح ذات أغراض محددة أملتها ظروف العصر، وكان لا يلتزم فيها سجع ولا توشية. ثم حظيت كتابة الرسائل بكتاب معظمهم من فرسان الشعر استطاعوا بما أوتوا من موهبة شعرية وذوق أدبي أن يرتقوا بأساليب التعبير وأن يعالجوا شتى الموضوعات، فظهرت الرسائل المتنوعة ومنها الديوانية والإخوانية.
فمن الرسائل الديوانية رسالة أبي حفص أحمد بن برد (ت428هـ) (المعروف بالأصغر تمييزاً له من جدها لأكبر) من كتاب ديوان الإنشاء في دولة العامريين، وقد وجهها لقوم طلبوا الأمان من مولاه. واستخدم فيها الأسلوب الذي يخيف بالكلمة المشبعة بالوعيد.
ومن الرسائل الإخوانية رسالتا ابن زيدون الهزلية والجدية، ورسالة لسان الدين بن الخطيب إلى صديقه ابن خلدون في الشوق إليه.
وقد شاع استعمال لفظ «كتاب» عوضاً عن الرسالة،كما ورد في رسالة جوابية كتبها ابن عبد البر (ت458هـ) إلى أحد إخوانه يعبر فيها عن مدى إعجابه بأدبه.
المناظرة:

وهي فن يهدف الكاتب فيه إلى إظهار مقدرته البيانية وبراعته الأسلوبية، وهي نوعان خيالية وغير خيالية.
فمن المناظرات الخيالية مناظرة بين السيف والقلم لابن برد الأصغر، وقد رمز بالسيف لرجال الجيش، وبالقلم لأرباب الفكر، ثم أجرى الحوار بينهما، وانتهى فيه إلى ضرورة العدل في المعاملة بين الطائفتين.
ومن المناظرات غير الخيالية ما تجري فيه المناظرة بين مدن الأندلس ومدن المغرب كمفاخرات مالقة وسلا للسان الدين بن الخطيب، وكانت مالقة أيام الدولة الإسلامية من أعظم الثغور الأندلسية، أما سلا فهي مدينة رومانية قديمة في أقصى المغرب، وقد فضل الكاتب مالقة.
المقامة:
وهي نوع من النثر الفني نشأ في المشرق على يد بديع الزمان الهمذاني، ثم حذا حذوه الحريري. وفي الأندلس عارض أبو طاهر محمد التميمي السرقسطي (توفي بقرطبة سنة 538هـ) مقامات الحريري الخمسين بكتاب الخمسين مقامة اللزومية، وهي المعروفة بالمقامات السرقسطية، ولزم في نثرها المسجوع ما لا يلزم. كتب أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأزدي (ت750هـ) «مقامة العيد» التي استكدى فيها أضحية العيد من حاكم مالقة الرئيس أبي سعيد فرج بن نصر.
كما ألَّف لسان الدين بن الخطيب مقامات كثيرة منها مقامته في السياسة، وقد بناها على حوار بين بطلين هما الخليفة هارون الرشيد وحكيم فارسي الأصل عربي اللسان، وقد تضمّنت آراؤه وتجاربه الشخصية فيما ينبغي أن تكون عليه سياسة الحكم.
خصائص النثر الأندلسي:
على الرغم من تأثّر الكتّاب الأندلسيين بأساليب المشارقة،وطرائقهم الفنية، فقد كانت هناك خصائص امتاز بها نثرهم منها:
* الميل إلى الجمل المتقطعة..
• الإيجاز التام ..
• تزيين الأسلوب بالسجع والمزاوجة ..
• الاعتماد على الجمل القصار ووضعها في إطار محكم ..
• الإتيان بالجملة مردفة وبجملة أخرى تشبهها أو تقاربها.
• الاقتباس من القرآن الكريم ..
• كلها مع جمال اللفظ والمعنى
• اذكري أنواع الرسائل التي ظهرت في العصر الأندلسي ؟؟؟
• ما أنواع المناظرات؟؟
• مالفنون النثرية التي أضافها الأندلسيون على فنون النثر ؟؟
• اذكري أمثلة للرسائل الديوانية؟؟
• بما انتهى الحوار في مناظرة بين السيف والقلم؟؟
محاضرة:النثر الاندلسي اغراضه وفنونه
تأثر النثر في الأندلس بالنثر في المشرق العربي، ولذلك يلاحظ الباحث أن أي تطور في النثر المشرقي أو تجديد فيه لا بد أن تنعكس آثاره على أهل الأندلس، فإذا كنا قد تعرفنا عند دراستنا للنثر العباسي على طريقة الجاحظ وابن العميد وبديع الزمان، فإننا سنجد أصداء ذلك في الأندلس.
وقد امتاز كثير من كتاب الأندلس بجمعهم بين الشعر والنثر كابن زيدون وابن شهيد وابن برد ولسان الدين بن الخطيب، فكان لهذا الجمع بين الفنين أثره في صبغ النثر بالصبغة الشعرية، مما أعطاه جمالاً ورقة وحسن اختيار للألفاظ والأساليب.
أهم فنون النثر الاندلسي
للخطابة
عندما دخل العرب الأندلس فاتحين كانوا بطبيعتهم ميالين إلى الخطابة، ثم إن عصر الولاة كان عصر اضطراب وحروب وصراع بين العصبيات العربية، فكان ذلك داعياً إلى ازدهار الخطابة في الأندلس في ذلك العصر، فكانت الوسيلة الفعالة في إشعال الحروب وتأييد العصبية القبلية عندما تكون الحروب والنزاعات بين العرب العدنانيين والقحطانيين، وكانت الوسيلة فعالة في الحث على الجهاد وقتال الكفار عندما تكون الحروب ضد نصارى الأندلس.
وكانت الخطابة في تلك الفترة تتميز بالسهولة والوضوح والإِيجاز والبعد عن التكلف؛ لأن الخطباء من الولاة والأمراء والقادة كانوا عرباً مطبوعين على الخطابة والارتجال.
ولكن عندما استقرت الأمور ومال الناس إلى الدعة ضعفت الخطابة الأندلسية، وتفوق الشعر والنثر الفني عليها، وإن كانت الخطابة الدينية قد ازدهرت بفضل بعض العلماء الذين كانوا يجيدون الخطابة كالقاضي منذر بن سعيد البلوطي.
وعندما عادت الأندلس إلى عصر الاضطراب والحروب في عهد ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين كانت الملكة والسليقة العربية قد ضعفت، فلم تزدهر الخطابة من جديد مع وجود دواعي الازدهار، بل دخلها كثير من الصنعة اللفظية، وامتلأت بالسجع المتكلف فضعفت، ولم يعد لها تأثير يذكر.
وأشهر خطباء الأندلس: طارق بن زياد فاتح الأندلس، والأمير عبد الرحمن الداخل مؤسس الحكم الأموي في الأندلس، ومنذر بن سعيد البلوطي، والقاضي عياض، ولسان الدين بن الخطيب .
نماذج للخطابه:
خطبة طارق بن زياد فاتح الأندلس:[1] "أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأقواته موفورة وأنتم لا وزر[2] لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم. وإن امتدت لكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت[3] ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة[4] هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة. وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة[5]، ولا حملتكم على خطة أرخص فيها متاع النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي
وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان[6]، والمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان. وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عزبانا[7]، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا[8] وأختانا[9]... ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين. واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فان هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يُخْذلون".
مميزات النثر الاندلسي:
الشعر في الأندلس امتداد للشعر العربي في المشرق؛ فقد كان الأندلسيون متعلقين بالمشرق، ومتأثرين بكل جديد فيه عن طريق الكتب التي تصل إليهم منه, أو العلماء الذين يرحلون من الشرق أو الأندلسيين الذين يفدون إلى الشرق للحج أو لطلب العمل, فكانت حبال الود ووشائج القربى قوية بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه.
وكان الأندلسيون ينظرون إلى الشرق وما يأتي منه نظرة إعجاب وتقدير؛ فكانوا في غالب أمرهم مقلدين للمشارقة, ويبدو ذلك واضحا في ألقاب الشعراء وفي معارضاتهم لشعراء المشرق.
ولكن هذا التقليد لم يمنعهم من الإبداع والابتكار, والتميز بميزات تخصهم نتيجة لعوامل كثيرة, أهمها البيئة الأندلسية الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع خاص.
ويمتاز الشعر الأندلسي في ألفاظه ومعانيه وأخيلته بسمات تبدو واضحة في مجمله, ومنها:
1. وضوح المعنى, والبعد عن التعقيد الفلسفي أو الغوص على المعاني وتشقيقها.
2. سهولة الألفاظ وسلاستها, والبعد عن التعقيد والغموض, وذلك ناتج عن بساطة الأندلسيين وبعدهم عن التعقيد في كل شيء. ويستثنى من ذلك شعر ابن هانيء وابن دارج, فهما يقربان من شعر المشارقة من حيث الجزالة والقوة.
3. قلة الدخيل والألفاظ الأعجمية؛ فقد لاحظ الدارسون أن الأندلسيين أكثر تمسكا بالعربية الفصحى من غيرهم.
4. التجديد في بعض أغراض الشعر والتفوق فيها, ويبدو ذلك واضحا في رثاء الممالك الزائلة, وفي وصف الطبيعة.
5. الخيال المجنح, وبراعة التصوير, والاندماج في الطبيعة, ووصف مناظرها الخلابة, وذلك أثر من آثار جمال الطبيعة الأندلسية, وتعلق الأندلسيين بطبيعة بلادهم, وانعكاس ذلك على شعرهم سواء من ناحية الألفاظ المنتقاة أو الخيال أو التصوير والتشخيص.
6. التجديد في الأوزان, وذلك باختراع الموشحات، وسوف نتحدث عن الموشحات حديثا مفصلا.
7. البعد عن المحسنات اللفظية المتكلفة والمبالغة, وبروز التشبيهات الجميلة والاستعارات الدقيقة وحسن التعليل.
والخلاصة أن الأندلسيين قد قلدوا المشارقة, ولكن هذا لم يمنعهم من الابتكار والتفوق في مجالات عديدة ورد ذكرها فيما سبق.
قصيدة النثر واستدعاء
النموذج الاندلسي
تعرّف قصيدة النثر بأنها قصيدة تتميز بواحدة أو أكثر من خصائص الشعر الغنائي، غير أنها تعرض في المطبوعات على هيئة النثر وهي تختلف عن الشعر النثري Poetic prose بقصرها وبما فيها من تركيز. وتختلف عن الشعر الحر Free Verse بأنها لا تهتم بنظام المتواليات البيتية. وعن فقرة النثر بأنها ذات إيقاع ومؤثرات صوتية أوضح مما يظهر في النثر مصادفة واتفاقاً من غير غرض. وهي أغنى بالصور وأكثر عناية بجمالية العبارة، وقد تكون القصيدة من حيث الطول مساوية للقصيدة الغنائية لكنها على الأرجح لا تتجاوز ذلك وإلا احتسبت في النثر الشعري(1).
وقد عمد بعض روّاد حركة الحداثة في الشعر العربي إلى تنظير سوزان برنار لهذه القصيدة فاقتبس أنسي الحاج وأدونيس(2) كلاهما التعريف الذي يقوم على بيان طبيعة هذا اللون الأدبي بالإشارة إلى ما فيه من وَحْدة وإيجاز تركيز ومجانية، أي: خلوها من الغرض التعليمي أو التثقيفي الذي يمكن أن يهدف إليه النثر(3). وهذا التعريف ـ في الواقع ـ لا يتمتّع بأي تحديد منطقي للمعرف. فالقصيدة الغنائية هي الأخرى تتميز بالوحدة، والتركيز، والبعد عن أن يكون لها مقابل نثري.
وتبدو المشكلة نابعة من مغالطة المصطلح نفسه: "قصيدة النثر" فهذه التسمية التي أجْمع عليها بعض الشعراء تنسب القصيدة إلى النثر وليس إلى الشعر. ونسبة الشيء إلى شيء آخر تجعله جزءاً منه، وصفاته الفنية والجمالية كصفاته. فنسبة القصيدة إلى النثر توجب أن نتوقع خصائص النثر فيها لا خصائص الشعر. والحيرة في تسمية هذا الذي هو قريب إلى الشعر وبعيد عن النثر حيرة ليست جديدة.
• فقد أطلق أمين الريحاني على ما كتبه من قصائد تخلو من الأوزان والقوافي شعراً حراً قرنه بشعر والت وايتمان(4). وسماه ميخائيل نعيمة بالشعر المُنْسَرِح. وسمّاه رئيف خوري سجْعاً نتيجة التزامه بالقوافي(5). واستخدم استخداماً مقروناً بالتحفّظ تعبير الشعر المرسل Blank Verse للدلالة على هذا النوع من الشعر. واستخدمت جماعة الديوان هذا المصطلح فيما استخدمت جماعة أبولو مصطلح الشعر الحر Free Verse في وصف ما يكتبونه من شعر تمتزج فيه البحور والأوزان. وذلك ما أوضحه أحمد زكي أبو شادي في غيْر موْضع(6). وقد ظهرت هذه المصطلحات جميعاً ولم يبرز في سياق التداول الاصطلاحي تعبير "قصيدة النثر" إلا بعد ظهور مجلّة شعر وتقديم سعيد عقل لديوان المجدلية وعرضه لديوان توفيق صايغ ثلاثون قصيدة(7). واختُلف فيمن كتب "قصيدة النثر" أولاً. فمنهم من ينسب فضل الرّيادة فيها للريحاني(8). ومنهم من ينسبها إلى توفيق صايغ، ومنهم من يرى في جبرا إبراهيم جبرا رائداً لهذا النوع من الشعر(9).
وليس المهم من هو أول من كتب قصيدة النثر. ولكن الأكثر أهميّة هو أنّ هذه القصيدة فرضت نفسها على القارئ
- أمجد ناصر
وقصيدته مرتقى
الأنفاس
- المتنبي وأغراض
النثر الأندلسي

بنوته11
2012- 5- 2, 06:23 PM
المحاضرة: المحاضرة السابعة
رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد
شكل الكتاب ومضمونه
هي قصة طويلة لم يتهيأ للأدب العربي بإثباتها كاملة، فقد ضاع أكثرها بين ما ضاع من آثار أدبائنا، واستطاع صاحب الذخيرة أن يحفظ لنا طرفاً منها يصلح في حد ذاته لأن يكون قصة مكتملة رغم اجتزائه. وتقسم من حيث موضوعها وأغراضها في رأي بطرس البستاني إلى مدخل وأربعة فصول : الفصل الأول توابع الشعراء والفصل الثاني توابع الكتاب والثالث نقاد الجن والفصل الرابع حيوان الجن. وموضوعها أدبي قصصي يحرص ابن شهيد أن يعرض فيها المشكلات الأدبية البيانية التي عرضت له في زمانه مع زملائه الأدباء والشعراء ولقد اتخذ وادي الجن مسرحا لرسالته كما اتخذ الجن أبطالا حملهم آراءه الأدبية في خصومه وحساده من رجال السياسة والعلم والأدب.
حتّى إنّ الأسئلة تتبادر إلى الذّهن بصيغ متعدّدة عن طبيعة هذا النصّ، ما هو هدفه من هذه الرّسالة؟ فهل تأثر ابن شهيد في كتابته لرسالة التّوابع والزّوابع بالفكر اليوناني كما ذهب بعضهم ، أم جاءت رسالته عربيّة الطّابع والطّبع؟وما الجنس الأدبي الذي تندرج تحته هذه الرسالة، وما مدى إحكام البناء الفني للقصة في هذه الرسالة، وهل ظهرت طبيعة عصره في رسالته، وفي نطاق السباق بين المشرق والأندلس في تأليف القصص الأدبية والفلسفية فلمن كان سبق الظهور رسالة التوابع والزوابع أم رسالة الغفران للمعري؟ وإلى أيّ مدى كان موفقاً في إيصال الفكرة إلى المتلقي؟
التعريف برسالة التّوابع والزّوابع:
رسالة التّوابع والزّوابع رسالة نثريّة خاطب فيها ابن شُهيد صديقه أبا بكر بن حزم وعرض فيها أروع نتاجه الشّعريّ والنّثريّ، وقرنه إلى نتاج كبار أدباء المشرق مبيناً تفرّده وتفوّقه، وعرّض بخصومه وحسّاده من معاصريه الأندلسيّين والقرطبيّين. والتّوابع والزّوابع قصّة رحلةٍ خياليّة إلى عالم الجنّ قام بها ابن شهيد مع تابع اسمه زهير بن نُمير ولقي شياطين المشرق وكتّابهم، وجرت بينه وبينهم مطارحات أدبيّة، ومناقشات لغوية تجلّت فيها آراء ابن شهيد النقديّة، وانتزع اعترافهم بتفوّقه وجودة أدبه، فضلاً عن الفكاهات والطّرف وروح الدّعابة التي سرت في هذه الرسالة.
يحمله زهير على متن الجو إلى أرض الجن حيث التقى هناك بتوابع الشعراء المشهورين عتبة بن نوفل تابع امرئ القيس وعنترة بن العجلان تابع طرفة، وأبا الخطار تابع قيس بن الخطيم من الشعراء الجاهلين، ولقي عتّاب بن حبناء تابع أبي تمام، وأبا الطبع تابع البحتري وحسين الدَّنان تابع أبي نواس، وحارثة ابن المغلس تابع المتنبي، كما التقى ببعض شياطين الكتاب، وهي فكرة جديدة صاحبها أبو عامر؛ ذلك أنه لم يكن من الشائع أن هناك شياطين أو توابع للكتاب، التقى أبو عامر بشياطين صفوة كتاب العربية وهم عتبة بن أرقم تابع الجاحظ، وأبو هبيرة تابع عبد الحميد، وزبدة الحقب تابع بديع الزمان. ويخرج أبو عامر من هذه المقابلات مجازاً مشهوداً له بالفضل، كأن يقال له أحد الجن ما أنت إلا محسن على إساءة زمانك.
ولا يقف بابن شهيد في قصته عند مقابلة التوابع الذين مر ذكرهم، وإنما تلقي به طبيعة رحلته إلى مجلس أدب عقده أدباء الجن وهي جلسة نقدية يعرضون فيها لأقوال الشعراء ويستعرض ابن شهيد أمام منتدى الجن موهبته الشعرية والنقدية، وتمضي قصة التوابع والزوابع، فيصل أبو عامر وتابعه زهير بن نمير إلى وادٍ آخر من أودية الجن وتلقي به المقادير إلى نادِ لحمير الجن وبغالها ويلتقي ببغلة أديبة ناقدة وبأوزة أديبة وتنتهي المحاورة بتغلبه على حيوان الجن الأدباء والنقاد وبذلك تنتهي قصة التوابع والزوابع أو بالأحرى تنتهي الجزء الذي وصل إلينا منها عن طريق كتاب الذخيرة. وقبل أن نعرض رأينا في القصة ينبغي أن نقدم نماذج منها بأسلوب كاتبها، يبدأ ابن شهيد قصته قائلاً:
"لله أبا بكر ظنٌ رميته فأصميت، وحدسٌ أمّلتّه فما أشويت […]فقلت كيف أوتى الحكم صبياً، وهزّ بجذع نخلة الكلام فالسّاقط عليه رطباً جنيا، أمَا به شيطاناً يهديه، وشيصباناً يأتيه وأقسم أن له تابعة تنجده، وزابعة تؤيده، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النّفس لهذه النفس. فأما وقد قلتها، أبا بكر، فأصخ أسمعك العجب العجاب" ويمضي يقص عليه نبأ تعلقه بأهل العلم والمطالعة حتى يصل إلى "فأرتج عليّ القول وأفحمت، فإذا أنا بفارس على باب المجلس على فرس أدهم كما بقل وجهه، وقد اتكأ على رمحه وصاح بي]...[وقلت له: بأبي أنت، من أنت؟ قال: أنا زهير بن نُمير من أشجع الجن، قلت: وما الذي حداك إلى التصور لي؟ فقال: صادفتَ قلباً إليك مقلوباً، وهوىً نحوك مجنوناً. وتحادثنا حيناً ثم قال: متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات.
وإلى زهير الحُبَّ يا عَزَّ إنه إذا ذكرته الذاكرات أتاها
وأوثب الأدهم جدار الحائط ثم غاب عني. وكنت، أبا بكر، متى أُرتج عليَّ أو انقطع بي مسلك، أو خانني أسلوب، أنشد الأبيات فيمثلُ لي صاحبي فأسير إلى ما أرغب، وأدرك بقريحتي ما أطلب. وتأكدت صحبتنا، وجرت قصص لولا أن يطول الكتاب لذكرت أكثرها، لكني ذاكر بعضها".
نصّ قصة تابع امرئ القيس:
والنّص الذي بين يدينا ما هو إلاّ قصة جمالها في نسج أسلوبها، ودقّة ألفاظها، وبُعد مراميها الفكريّة والحضاريّة والفنيّة، وقد جعل ابن شهيد بدايتها: "تذاكرت يوماً مع زهير بن نمير أخبار الخطباء والشعراء، وما كان يألفهم من التوابع والزّوابع، وقلت: هل حيلةٌ في لقاء مَن اتّفق منهم؟ قال: حتى أستأذن شيخنا، وطار عنّي، ثمّ انصرف كلمح البصر، وقد أُذن له، فقال: حُلّ على متن الجواد، فصرنا عليه، وسار بنا كالطّائر، يجتابُ الجوّ فالجوّ، ويقطع الدّوّ فالدّو، حتى التمحت أرضاً لا كأرضنا، وشارفت جوّاً لا كجوّنا. متفرعُ الشّجر عطرْ الزّهر، فقال لي: حللت أرض الجنّ أبا عامر، فبمن تريد أن نبدأ؟ قلت: الخطباء أولى بالتقديم لكني إلى الشعراء أشوق. قال: فمن تريد منهم؟ قلت: صاحب امرئ القيس. فأمال العنان إلى وادٍ ذي دوح تتكسر أشجاره، وتترنم أطياره، فصاح: يا عتيبة بن نوفل بسقط اللّوى فحومل، ويوم دارة جلجل، إلاّ ما عرضت علينا وجهك، وأنشدتنا من شعرك وسمعت من الإنسيّ، وعرّفتنا كيف إجازتك له. فظهر لنا فارسٌ على فرس شقراء كأنها تلتهب، فقال: حياك الله يا زهير، وحيا صاحبك! أهذا فتاهم؟ قلت: هو هذا، وأيّ حمرة يا عتيبة! فقال لي: أنشد، فقلت: السيّد أولى بالإنشاد، فتطامح طرفه، واهتزّ عطفه، وقبض عنان الشقراء، وضربها بالسوط، فسمت تحضر طولاً عنّا وكرّ، فاستقبلناه بالصعدة هازّاً لها، ثمّ ركزها، وجعل يُنشد:
سما لكَ شوقٌ بعدَ ما كانَ أقصرا
حتى أكملها، ثمّ قال لي: أنشدْ، فهممتُ بالحيصة، ثم اشتّدتْ قوى نفسي، وأنشدتُ:
شجتهُ مغانٍ من سُليمى وأدْؤُرُ
ومِنْ قُبَّةٍ لا يدركُ الطّرفُ رأسها تزلُّ بها ريحُ الصبّا، فتحدَّرُ
تكلّفْتُها، والليلُ قدْ جاشَ بحرهُ وقدْ جعلتْ أمواجُهُ تتكسَّرُ
ومِنْ تحت حضني أبيضٌ ذو سفاسقٍ وفي الكفّ من عسَالةِ الخط أسمَرُ
هما صاحباي من لَدُنْ كنتُ يافعاً مُقيلانِ من جِدّ الفتى حين يَعْثُر
فذا جَدْولٌ في الغِمدِ تُسقى به المُنى وذا غصُنٌ في الكفّ يجنى، فيثمرُ
فلمّا انتهيتُ تأمّلني عُتيبةُ، ثم قال: اذهب، فقد أجزْتُكَ، وغاب عنا".
وتنتهي القصة بتوضيح الهدف الذي من أجله نسج ابن شهيد قصته، وهو إثباته لذاته عن طريق نيل الإجازة من تابع امرئ القيس، هذه الإجازة تبرهن على إعجاب ابن شهيد بنفسه وتأتي لتأكيد صلة أدب المشرق بالمغرب، وتطلّع ابن شهيد إلى رئاسة الأدبين، فالهدف عند ابن شهيد في كتابته قصة التوابع والزوابع دافع شخصي نابع من إحساسه بأن معاصريه من الأدباء والنقاد لم يولوه حقه من التكريم، ولم ينزلوه المنزلة الأدبية التي رأى نفسه أهلاً لها. كما أنّ غايته إثبات مقدرته الأسلوبية النثرية والشعرية أمام المشارقة عن طريق مقابلة توابع الشعراء والكتّاب، وكسب اعترافهم بتفوقه.
ومما لا شكّ فيه أن ابن شهيد ثقافته العربية الواسعة بالشعر والنثر التي سخّرها لخدمة نسيج القصة، يجعلنا نجزم بأن هذه القصة عربية الشكل والمضمون لاستناد شكلها إلى الأسطورة العربية القديمة بوجود توابع للشعراء في وادي عبقر، واستقائها فكرة رحلة الإسراء والمعراج في نسج أحداثها، كما أنّها أتت عربيّة المضمون لما حوته من قص وشعر مرتبط بحضارة الأندلس من جهة، وبالتراث المشرقي من جهة أخرى. كما أن هناك من يرى أن قصة التوابع والزوابع من حيث فكرتها مقتبسة من المقامة الإبلسية لبديع الزمان رغم قصرها، فبطل المقامة فقد إبله وخرج في طلبها، فرمته مقاديره في وادٍ أخضر وهناك التقى بشيخ جالس وبعد أن أنس إليه أخذ يروي شيئاً من أشعار العرب وبهذا يتبين أن ابن شهيد أخذ المقامة ونماها وتوسع في خيالاتها وأضاف إليها ما جعلها تخدم غرضه الخاص في كتابة قصته الطويلة.
والتقت الرسالة والمقامة على إظهار قصة طواف يتنقل فيه الأديب من مدينة إلى مدينة ومن حوزة أمير إلى حوزة آخر. ومن مجموع ماوصلنا عن طبيعة المقامة الأندلسية يتبين لنا فقدت من بعضها قصة الكدية والحيلة المقترنة بها في المقامة المشرقية وأصبحت صورة رسالة يقدمها شخص بين يدي أمر يرجوه أو أمل يحب تحقيقه، كما أن كثيراً منها أصبح وصفاً للرحلة والتنقل.
وبهذا ما أدعاه بيريس بأن ابن شهيد تأثر بالفكر اليوناني كان هذا الادعاء باطلاً فلو أنه اطّلع على التراث العربي لما أطلق هذا الحكم، فالرحلة عربية الطابع والطبّع، وهي مستمدة من التاريخ العربي الإسلامي، لأنها تشبه رحلة الإسراء والمعراج في فكرة الرحلة، وأصالتها في المساجلات التي حصلت بين ابن شهيد وشعراء المشرق العربي ممّا يؤكّد انتماءها إلى التراث العربي الإسلامي، وينفي ما ذهب إليه بيريس، كما أن رسالة التوابع والزوابع بُنيت على أساس الأسطورة العربية القائلة بأنّ لكل شاعر تابعاً يلهمه الشعر، ويعينه في صناعته.
وابن شهيد يمثّل شخصيّة البطل في هذه القصّة، كما يمثلها في أغلب قصصه، فهو البطل والرّاوي وتأتي شخصيّة زُهير لتكون ظلاً لشخصيّة ابن شهيد إذ ترافقه أينما توجّه، وحيثما حلّ وتُسهم في إغناء مقدّمة القصّة من خلال الحوار الذي دار بينهما وشخصية الشيخ هي الثالثة، وقد جاء بها ابن شهيد، لتكون حلقة وصل بين ابن شهيد وزهير، هذه الشخصية لم يتحدّث عن هيئتها وأوصافها، بل اكتفى بالإشارة إليها لأهميّتها في نيل تذكرة القبول بالمغادرة عن طريق الحوار الذي جعل من هذا النيل حدثاً ثالثاً في القصّة عبر تسيير شخصية الشيخ له، وتأصيله بدعوة من زهير لابن شهيد لاستقلال جوادِ يرحلان عليه.
والحدث الأهم في القصة لأنّه يؤدّي إلى المغزى من خلال الحوار لأنّه يريد أن يظهر بمظهر الشاعر الممثّل لشعراء الأندلس عليه هيبة الكبار، وتسيّر سلوكه طبائع وعاداتٌ استقاها من الوسط الاجتماعي الأندلسي والقصّة في هذا السياق تقدّم جانباً هامّاً من جوانب التربية التي يتمثّل بها ذلك العصر، فقد هذبت طباعَه أناقةُ القصور التي استظلّ في أفيائها، وخالط أصنافاً متعدّدة من أبناء المجتمع أيام النعيم والبؤس، فهو نقطة الدّائرة في عصره يرفع الأمراء قدره، ويخطب الوزراء صداقته، ويتبارى الشعراء والكتّاب بمساجلته، كلّ هذه الأمور ترتبط بهدوء حديثه، ووقار كلامه، وبروز ذاته. ولا عجبَ أن يظهر سلوكه في ألفاظه لأنّ الإنسان ابن البيئة، وقد كان للبيئة دور بارز في تكوين شخصيته، وصقل مواهبه. وهدوء النفس يرتبط بسياق القصة من خلال التركيب اللغوي الذي تتألف فيه العبارات محافظة على الوحدة العضويّة عن طريق العبارة الدّالة على السلوك تارة، ومن خلال اللفظة المنسجمة مع التعبير والملائمة للجو تارة أخرى.
ومنذ أن رحل أبو علي القالي بكتب المشارقة إلى الأندلس والتنافس على أشده بين المشرق العربي والأندلس. وفي نطاق السباق بين المشرق والأندلس في تأليف القصص الأدبية والفلسفية، ففي هذا المجال ظهرت التوابع والزوابع في الأندلس، في الوقت نفسه الذي عرفت رسالة الغفران في المشرق، وقد اختلف في الكتابين أيهما أسبق إلى يد القارئ، وأي الكتابين تأثر بالآخر، والكتابان يسيران في طريق واحد، وهو الاعتماد على الخيال، فرسالة الغفران كتبت للرد على ابن القارح، الذي كتب رسالة إلى أي العلاء المعري، اعتمد فيها على الخيال فرد عليه أبو العلاء برسالة طويلة هي رسالة الغفران، وقد اعتمدت رسالة الغفران على الدعوة من أبي العلاء بأن تغرس لابن القارح شجرة كبيرة في الجنة، ثم أخذ أبو العلاء يصف شجرة الجنة هذه وما حولها ومن سكن بقربها من الشعراء، وقد استرسل في سؤال الشعراء عن سبب المغفرة لهم فيسأل الأعشى عن سبب المغفرة فيقول الأعشى: القصيدة التي مدحت بها الرسول، فالرسالة مبنية على الغفران للشعراء وسببه, ورسالة التوابع والزوابع بنيت على الرحلة إلى أرض التوابع، أي توابع الشعراء والكتاب، ووسيلة ابن شهيد في تلك الرحلة جواد تابعه زهير بن نمير، فقد ركبا ذلك الجواد وطار بهما إلى أرض التوابع وعندما وصلا إلى أرض التوابع أخذ ابن شهيد يعرض أنماطا من كتابته على توابع الكتاب والشعراء، ومما عرضه عليهم أنماط من كتابته التي حواها كتابه التوابع والزوابع.

بنوته11
2012- 5- 2, 06:24 PM
محاضرة: ابن شهيد
رسالة التوابع والزوابع
حياته:
ولد أبو عامر ابن شهيد مؤلف رسالة التوابع والزوابع بقرطبة في خلافة هشام بن الحكم بن عبد الرحمان الخليفة الأموي الذي حجر عليه الحاجب محمد بن أبي عامر ولقد حظي ابن شهيد في طفولته برعاية خاصة من الحاجب هذا ولقي منه عطفا كبيرا فبلغ في الدولة العامرية رتبة الوزارة وبقي أمينا للعامريين مخلصا لهم حتى بعد سقوط دولتهم (سنة 1009 م) ولكن كان لابن شهيد خصوم يكرهونه ويكيدون له فاتهموه شتى الاتهامات عند الخليفة الأموي المستعين فسجن ثم أفرج عنه ومرض في آخر حياته بداء الفالج خاصة وانه كان يسترسل في ارتشاف الملذات والانغماس في الشهوات. وتوفي في الرابعة والأربعين من عمره سنة (1034م).
نجد اثار ابن شهيد الأدبية متفرقة في بعض كتب الأصول مثل كتاب الذخيرة لابن بسام ويتيمة الدهر للثعالبي ومطمح الانفس للفتح ابن خاقان ونفح الطيب للمقري ووفيات الاعيان لابن خلكان. وعرف لابن شهيد شعر كثير لا يختلف فيه عن غيره من الشعراء الاقدمين ونجد في رسالة التوابع والزوابع التي نشرها الاديب اللبناني بطرس البستاني سنة 1551 بعد ان صححها وحقق فيها وشرحها وبوبها دراسة تاريخية أدبية عن حياة ابن شهيد ولهوه ومجونه وخصومه وحساده. فما هي رسالة التوابع والزوابع ؟
شكل الكتاب ومضمونه
هي قصة طويلة لم يتهيأ للأدب العربي بإثباتها كاملة، فقد ضاع أكثرها بين ما ضاع من آثار أدبائنا، واستطاع صاحب الذخيرة أن يحفظ لنا طرفاً منها يصلح في حد ذاته لأن يكون قصة مكتملة رغم اجتزائه. وتقسم من حيث موضوعها وأغراضها في رأي بطرس البستاني إلى مدخل وأربعة فصول : الفصل الأول توابع الشعراء والفصل الثاني توابع الكتاب والثالث نقاد الجن والفصل الرابع حيوان الجن. وموضوعها أدبي قصصي يحرص ابن شهيد أن يعرض فيها المشكلات الأدبية البيانية التي عرضت له في زمانه مع زملائه الأدباء والشعراء ولقد اتخذ وادي الجن مسرحا لرسالته كما اتخذ الجن أبطالا حملهم آراءه الأدبية في خصومه وحساده من رجال السياسة والعلم والأدب.
حتّى إنّ الأسئلة تتبادر إلى الذّهن بصيغ متعدّدة عن طبيعة هذا النصّ، ما هو هدفه من هذه الرّسالة؟ فهل تأثر ابن شهيد في كتابته لرسالة التّوابع والزّوابع بالفكر اليوناني كما ذهب بعضهم ، أم جاءت رسالته عربيّة الطّابع والطّبع؟وما الجنس الأدبي الذي تندرج تحته هذه الرسالة، وما مدى إحكام البناء الفني للقصة في هذه الرسالة، وهل ظهرت طبيعة عصره في رسالته، وفي نطاق السباق بين المشرق والأندلس في تأليف القصص الأدبية والفلسفية فلمن كان سبق الظهور رسالة التوابع والزوابع أم رسالة الغفران للمعري؟ وإلى أيّ مدى كان موفقاً في إيصال الفكرة إلى المتلقي؟

2-التعريف برسالة التّوابع والزّوابع:
ورسالة التّوابع والزّوابع رسالة نثريّة خاطب فيها ابن شُهيد صديقه أبا بكر بن حزم وعرض فيها أروع نتاجه الشّعريّ والنّثريّ، وقرنه إلى نتاج كبار أدباء المشرق مبيناً تفرّده وتفوّقه، وعرّض بخصومه وحسّاده من معاصريه الأندلسيّين والقرطبيّين. والتّوابع والزّوابع قصّة رحلةٍ خياليّة إلى عالم الجنّ قام بها ابن شهيد مع تابع اسمه زهير بن نُمير ولقي شياطين المشرق وكتّابهم، وجرت بينه وبينهم مطارحات أدبيّة، ومناقشات لغوية تجلّت فيها آراء ابن شهيد النقديّة، وانتزع اعترافهم بتفوّقه وجودة أدبه، فضلاً عن الفكاهات والطّرف وروح الدّعابة التي سرت في هذه الرسالة.
يحمله زهير على متن الجو إلى أرض الجن حيث التقى هناك بتوابع الشعراء المشهورين عتبة بن نوفل تابع امرئ القيس وعنترة بن العجلان تابع طرفة، وأبا الخطار تابع قيس بن الخطيم من الشعراء الجاهلين، ولقي عتّاب بن حبناء تابع أبي تمام، وأبا الطبع تابع البحتري وحسين الدَّنان تابع أبي نواس، وحارثة ابن المغلس تابع المتنبي، كما التقى ببعض شياطين الكتاب، وهي فكرة جديدة صاحبها أبو عامر؛ ذلك أنه لم يكن من الشائع أن هناك شياطين أو توابع للكتاب، التقى أبو عامر بشياطين صفوة كتاب العربية وهم عتبة بن أرقم تابع الجاحظ، وأبو هبيرة تابع عبد الحميد، وزبدة الحقب تابع بديع الزمان. ويخرج أبو عامر من هذه المقابلات مجازاً مشهوداً له بالفضل، كأن يقال له أحد الجن ما أنت إلا محسن على إساءة زمانك.
ولا يقف بابن شهيد في قصته عند مقابلة التوابع الذين مر ذكرهم، وإنما تلقي به طبيعة رحلته إلى مجلس أدب عقده أدباء الجن وهي جلسة نقدية يعرضون فيها لأقوال الشعراء ويستعرض ابن شهيد أمام منتدى الجن موهبته الشعرية والنقدية، وتمضي قصة التوابع والزوابع، فيصل أبو عامر وتابعه زهير بن نمير إلى وادٍ آخر من أودية الجن وتلقي به المقادير إلى نادِ لحمير الجن وبغالها ويلتقي ببغلة أديبة ناقدة وبأوزة أديبة وتنتهي المحاورة بتغلبه على حيوان الجن الأدباء والنقاد وبذلك تنتهي قصة التوابع والزوابع أو بالأحرى تنتهي الجزء الذي وصل إلينا منها عن طريق كتاب الذخيرة.
وقبل أن نعرض رأينا في القصة ينبغي أن نقدم نماذج منها بأسلوب كاتبها، يبدأ ابن شهيد قصته قائلاً:
"لله أبا بكر ظنٌ رميته فأصميت، وحدسٌ أمّلتّه فما أشويت […]فقلت كيف أوتى الحكم صبياً، وهزّ بجذع نخلة الكلام فالسّاقط عليه رطباً جنيا، أمَا به شيطاناً يهديه، وشيصباناً يأتيه وأقسم أن له تابعة تنجده، وزابعة تؤيده، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النّفس لهذه النفس. فأما وقد قلتها، أبا بكر، فأصخ أسمعك العجب العجاب" ويمضي يقص عليه نبأ تعلقه بأهل العلم والمطالعة حتى يصل إلى"فأرتج عليّ القول وأفحمت، فإذا أنا بفارس على باب المجلس على فرس أدهم كما بقل وجهه، وقد اتكأ على رمحه وصاح بي]...[وقلت له: بأبي أنت، من أنت؟ قال: أنا زهير بن نُمير من أشجع الجن، قلت: وما الذي حداك إلى التصور لي؟ فقال: صادفتَ قلباً إليك مقلوباً، وهوىً نحوك مجنوناً. وتحادثنا حيناً ثم قال: متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات.
وإلى زهير الحُبَّ يا عَزَّ إنه إذا ذكرته الذاكرات أتاها
وأوثب الأدهم جدار الحائط ثم غاب عني. وكنت، أبا بكر، متى أُرتج عليَّ أو انقطع بي مسلك، أو خانني أسلوب، أنشد الأبيات فيمثلُ لي صاحبي فأسير إلى ما أرغب، وأدرك بقريحتي ما أطلب. وتأكدت صحبتنا، وجرت قصص لولا أن يطول الكتاب لذكرت أكثرها، لكني ذاكر بعضها".
3-نصّ قصة تابع امرئ القيس:
والنّص الذي بين يدي ما هو إلاّ قصة جمالها في نسج أسلوبها، ودقّة ألفاظها، وبُعد مراميها الفكريّة والحضاريّة والفنيّة، وقد جعل ابن شهيد بدايتها: "تذاكرت يوماً مع زهير بن نمير أخبار الخطباء والشعراء، وما كان يألفهم من التوابع والزّوابع، وقلت: هل حيلةٌ في لقاء مَن اتّفق منهم؟ قال: حتى أستأذن شيخنا، وطار عنّي، ثمّ انصرف كلمح البصر، وقد أُذن له، فقال: حُلّ على متن الجواد، فصرنا عليه، وسار بنا كالطّائر، يجتابُ الجوّ فالجوّ، ويقطع الدّوّ فالدّو، حتى التمحت أرضاً لا كأرضنا، وشارفت جوّاً لا كجوّنا. متفرعُ الشّجر عطرْ الزّهر، فقال لي: حللت أرض الجنّ أبا عامر، فبمن تريد أن نبدأ؟
قلت: الخطباء أولى بالتقديم لكني إلى الشعراء أشوق. قال: فمن تريد منهم؟ قلت: صاحب امرئ القيس. فأمال العنان إلى وادٍ ذي دوح تتكسر أشجاره، وتترنم أطياره، فصاح: يا عتيبة بن نوفل بسقط اللّوى فحومل، ويوم دارة جلجل، إلاّ ما عرضت علينا وجهك، وأنشدتنا من شعرك وسمعت من الإنسيّ، وعرّفتنا كيف إجازتك له. فظهر لنا فارسٌ على فرس شقراء كأنها تلتهب، فقال: حياك الله يا زهير، وحيا صاحبك! أهذا فتاهم؟ قلت: هو هذا، وأيّ حمرة يا عتيبة! فقال لي: أنشد، فقلت: السيّد أولى بالإنشاد، فتطامح طرفه، واهتزّ عطفه، وقبض عنان الشقراء، وضربها بالسوط، فسمت تحضر طولاً عنّا وكرّ، فاستقبلناه بالصعدة هازّاً لها، ثمّ ركزها، وجعل يُنشد:
سما لكَ شوقٌ بعدَ ما كانَ أقصرا
حتى أكملها، ثمّ قال لي: أنشدْ، فهممتُ بالحيصة، ثم اشتّدتْ قوى نفسي، وأنشدتُ:
شجتهُ مغانٍ من سُليمى وأدْؤُرُ
ومِنْ قُبَّةٍ لا يدركُ الطّرفُ رأسها تزلُّ بها ريحُ الصبّا، فتحدَّرُ
تكلّفْتُها، والليلُ قدْ جاشَ بحرهُ وقدْ جعلتْ أمواجُهُ تتكسَّرُ
ومِنْ تحت حضني أبيضٌذوسفاسقٍ وفي الكفّ من عسَالةِ الخط أسمَرُ
هما صاحباي من لَدُنْ كنتُ يافعاً مُقيلانِ من جِدّ الفتى حين يَعْثُر
فذا جَدْولٌ في الغِمدِ تُسقى به المُنى وذا غصُنٌ في الكفّ يجنى، فيثمرُ
فلمّا انتهيتُ تأمّلني عُتيبةُ، ثم قال: اذهب، فقد أجزْتُكَ، وغاب عنا"(10) .
1-فكرة القصّة:
والنّصّ هو قصّة رحلةٍ خياليّة قام بها ابن شُهيد مع زهير بن نمير للقاء تابع امرئ القيس هذا اللقاء يقدّم فيه ابن شهيد نتاجه الشّعري، لينال إجازة من تابع امرئ القيس.
2-البناء الفنّي للقصّة وجماليّات الأسلوب:
ولكن كيف نسج ابن شهيد قصتّه؟ لقد جعل بدايتها لقاء مع زهير بن نمير فيه تمت إعادة ذكريات من التوابع والزوابع، هذه البداية هي بمنزلة العقدة الرئيسة في القصّة التي انطلقت من خلالها الأحداث، وعلى منوال هذه البداية نسج ابن شهيد قصتّه لرغبة في نفسه، هي شوقه وتوقه للقاء تابع امرئ القيس، هذا الشوق يوحي باللون الأحمر المعبر عن تعطّشه للقاء ذلك التّابع كي يحظى بإجازة منه.
وابن شهيد يمثّل شخصيّة البطل في هذه القصّة، كما يمثلها في أغلب قصصه، فهو البطل والرّاوي، بعكس ما هي عليه الحال في الملاحم، إذ تقوم أبطال القصّة بالقول والفعل، ويبقى الرّاوي خلف السّتار الذّاتي يراقب الأحداث وتطوّراتها. وتأتي شخصيّة زُهير لتكون ظلاً لشخصيّة ابن شهيد إذ ترافقه أينما توجّه، وحيثما حلّ وتُسهم في إغناء مقدّمة القصّة من خلال الحوار الذي دار بينهما، والذي دلّت عليه المفردة (تذاكرتُ) التي توحي للوهلة الأولى بتداعي شريط من الذّكريات، وقد حُدّدت ماهيته ضمن السيّاق(15) عن طريق التّصريح بأنّ التّداعي مرتبطّ بالتراث القديم.
وفي الحوار يبدو سلوك ابن شُهيد الحضاري في تساؤله، وهذا التساؤل يوحي بتواضعه والتّواضع يرتبط بوقار العلماء وجلالهم، وهذا السلوك هادئ لوقار صاحبه، هذا الوقار اكتسبته نفسيته من أدبي النفس والدّرس اللذين نهلهما من منابع الثقافة، ومجالس الخلافة، فقد ننشأ نشأة مترفة في زمن المنصور، وكان بعد ذلك على صلة بخليفتين هما يحيى بن حمّود والمستظهر(16) .
ولا عجبَ أن يظهر سلوكه في ألفاظه لأنّ الإنسان ابن البيئة، وقد كان للبيئة دور بارز في تكوين شخصيته، وصقل مواهبه. وهدوء النفس يرتبط بسياق القصة من خلال التركيب اللغوي الذي تتألف فيه العبارات محافظة على الوحدة العضويّة عن طريق العبارة الدّالة على السلوك تارة، ومن خلال اللفظة المنسجمة مع التعبير والملائمة للجو تارة أخرى.
ويظهر سلوك الأندلسيّ في احترام الكبار على لسان زهير حتى أستأذن شيخنا، وحتى في هذا السياق توحي بعمق الشّعور باكبار هؤلاء الشيوخ، ويوجز(17) بحذف الجمل لدلالة الكلام السابق على المحذوف، ولو ذُكر هذا المحذوف لعُدّ ذلك ضرباً من اللغو والحشو. وبعد الاستئذان يمضي، والسيّاق يشير إلى ذلك وطار عنّي، ثمّ انصرف كلمح البصر إذ يتمّم هذا الحدثُ الحدثَ السابق، وتأتي جملة وقد أُذن له مؤكدة سبب انصراف زهير، وموجزة في التّعبير.
وشخصية الشيخ هي الثالثة، وقد جاء بها ابن شهيد، لتكون حلقة وصل بين ابن شهيد ووادي عبقر حيث يلقى تابع امرئ القيس، هذه الشخصية لم يتحدّث عن هيئتها وأوصافها، بل اكتفى بالإشارة إليها لأهميّتها في نيل تذكرة القبول بالمغادرة عن طريق الحوار الذي جعل من هذا النيل حدثاً ثالثاً في القصّة عبر تسيير شخصية الشيخ له، وتأصيله بدعوة من زهير لابن شهيد لاستقلال جوادِ يرحلان عليه.
وتبدو الدقة باستخدام اللفظة الملائمة للسياق في لغة الحوار التي تجذب النّفس لمتابعتها لما فيها من بساطة ووضوح، فالمفردة حُلّ التي جاء بها بدلاً من امتطِ فيها دلالةٌ على ذوقه الفنّي المنطبع بحضارة الأندلس، كما أنّ نطقها فيه انسيابيّةٌ ورشاقة(18) ، على حين أن امتطِ صعبة الإرسال لتنافر حروفها وبُعْدِها عن تآلف الألفاظ في هذا السياق، كما أنّ حلّ تعطي الصورة المتخيّلة في الذهن عن ذلك الفارس الذي تعلوه الهيبة والوقار، وهو يتأهب لاعتلاء الجواد.
وابن شهيد يركّز على وحدة نسيج القصة عبر اللفظ سار بنا بدلاً من حلّق لأنّ الجواد يسير، ولا يُحلّق من جهة، ولأنّ ابن شُهيد يريد نقل المتلقي من الواقع إلى الخيال، إلى أرضٍ ليست كأرض البشر، وهنا يدخل عنصر التّشويق(19) ليثير في النفس الدهشة والغرابة، وليجعلها تنتظر معرفة المزيد، ويأتي بمفرده التمحتْ بدلاً من شاهدت ليؤكد دقته في استخدام اللفظة المناسبة للجوّ، فهو في رحلة فضائية، يلمح معالم الأرض دون التماس جزئياتها.
ويستمر جو الوقار في هذا السياق ليتمم جو السياق السابق فبمن تريد أن نبدأ؟ دلالة على احترام المتحاورين بعضهم لبعض، وهو بهذا يعطيه حق الاختيار، وفي هذه العبارة إيحاءٌ بحرية الفكر في المجتمع الأندلسي(29) و كانت أحد أسباب ازدهار تلك الحضارة.
ويتابع ابن شهيد حديثه الرزين الخطباء أولى بالتقديم على الرّغم من شوقه للشعراء، وهذا الأسلوب في الكلام مرتبطٌ بآداب الحديث، وكأنّ ابن شهيد يشير إلى تقنيات التربية في ذلك العصر، وطلبه لصاحب امرئ القيس فيه دلالةٌ على نفسيّته النزّاعة إلى القمّة، وعلى أنّ السيد لا يقابل إلاّ السيد، هذا الطلب كان عن طريق الانتقال من العام إلى الخاص، فهو يخصّص امرأ القيس لأنه يدرك في أعماق نفسه أنه أفضل المشارقة من الشعراء، وهذا يدل على ارتباط ابن شهيد بالتراث العربي القديم.
ويمضي بالتصوير، فهو وزهير على متن الجواد في أعلى الوادي، وعتيبة في قعره والوادي لم يكن وروده عبثاً في هذا السياق بل جاء مرتبطاً بالأسطورة العربيّة القائلة بوجود وادي الجن الذي يقطن فيه ملهمو الشعراء، كما أنّ جوّ السياق يوحي بجنة خضراء مكتظة بالأشجار تجعل الناظر إليها يشعر ببطء الزمن لما فيها من ألوان وأشكال، كما تطرب النفس لصداح العصافير، الذي يُشعر النفس بالطمأنينة والهدوء، ويجعلها تنتشي لما ترى، وتطرب لما تسمع.
وفي هذا المشهد الطبيعي إشارة إلى فن توقف الفارس فـأمال العنان، والإمالة ترتبط بالمكان العالي، وفي ذلك دلالةٌ على ارتباط اللفظ بالمعنى في سياق القصة، ومفردة تنكسّر) تدلّ على الاستمرار والدّوام، كما أنّ الشدة الظاهرة على اللفظ توحي بكثرة الأشجار، وتداخلها، ومفردة تترنّم تتلاءم مع ذلك الجو الطبيعي(30) الذي تصدح فيه العصافير، وتغنّي لجمال الطبيعة.
وينادي زهير صاحب امرئ القيس باسمه، ذاكراً الأماكن التي ارتبط بها، هذه الأماكن تؤكد تواصل ابن شهيد مع التراث القديم، كما أنها تلخّص مسيرة حياة امرئ القيس وأيّام الترف والرخاء في دارة جلجل، وأيام البؤس والشقاء على زوال ملك كندة، فالبكاء على سقط اللوى فحومل.
هذا الفارس بما أنّه تابعٌ، فهو يعرف زهير بن نمير، والتحيّة التي أدلى بها حيّاك الله يا زهير تشير إلى بداوة هذا الشخص، وبعدها يتساءل مستغرباً أهذا فتاهم؟ هذا التساؤل يحمل في طياته الأنفة والكبرياء، كما أنّ مفردة فتاهم التي وردت على لسان عتيبة فيها دلالة على أنّ ابن شهيد يريد تمثيل الأدباء الأندلسيين في حضرة تابع امرئ القيس، كما أنّ فيها إيحاء بحبّ ابن شهيد لذاته(34) ، فهو يرى نفسه أفضل من الجميع، وتأتي الإجابة من زهير هو هذا! لتؤكّد ذات ابن شهيد، ولتعلي من قدره أمام عتيبة عن طريق اسم الإشارة(35) ، ويوجز في الحوار بحذف الجمل(36) التي أراد من خلالها عتيبة الاستفسار عن سبب مجيء زهير، كما تحذف الجمل من الكلام السابق، وكأنّ حديثاً سابقاً دار بين عتيبة وزهير عن رغبة ابن شهيد في المجيء، وكأنّ عتيبة على اطلاع سابق على غاية ابن شهيد في المجيء، هذا الإيجاز يفسح المجال للخيال لتصوّر مدى فراسة عتيبة وذكائه في إدراك سبب مجيء هؤلاء.
ويتساءل زهير عن المكانة التي تمنح لابن شهيد وأيّ حمرةٍ يا عتيبة، وبهذا التساؤل تنتهي مهمة زهير ليلقى ابن شهيد عتيبة هذا اللقاء هو الحدث الأهم في القصة لأنّه يؤدّي إلى المغزى من خلال الحوار الذي دار بينهما إذ يطلب عتيبة من ابن شهيد إنشاد الشعر، ويبدو ابن شهيد متواضعاً كما هي الحال في بداية القصة، هذا التواضع فيه اعتراف بسيادة امرئ القيس لأنه الأقدم، وهنا يحترم ابن شهيد من هو أكبر منه قدراً، لأنّه يريد أن يظهر بمظهر الشاعر الممثّل لشعراء الأندلس عليه هيبة الكبار، وتسيّر سلوكه طبائع وعاداتٌ استقاها من الوسط الاجتماعي الأندلسي والقصّة في هذا السياق تقدّم جانباً هامّاً من جوانب التربية(37) التي يتمثّل بها ذلك العصر، فقد هذبت طباعَه أناقةُ القصور التي استظلّ في أفيائها، وخالط أصنافاً متعدّدة من أبناء المجتمع أيام النعيم والبؤس، فهو نقطة الدّائرة في عصره يرفع الأمراء قدره، ويخطب الوزراء صداقته، ويتبارى الشعراء والكتّاب بمساجلته(38) ، كلّ هذه الأمور ترتبط بهدوء حديثه، ووقار كلامه، وبروز ذاته.
وابن شهيد عندما طلب من عتيبة الإنشاد ملقباً إياه بـالسيد، لم يكن لقبه عبثاً، بل كان يريد من هذا اللقب اعتراف عُتيبة به، كما أن عُتيبة عندما يسمع هذا الكلام ينتشي، وهذا ما حصل من خلال الحركات التي أبداها حتى إن المتلقي يخاله في زهوه وكبريائه يستعدٌ لأمرٍ عظيم، وهو في وادي الجن، وابن شهيد في أعلى الوادي، ويجمع بينهم الحوار، واستجابة عُتبة تقترن بالخيلاء من خلال الإيحاء الموجود في اللفظ فتطامح طرفه، وهذه نظرة الكبار الذي يأنفون من انحناء الرّاس، كما أنّها ترتبط ببيئة القصّة فعتيبة في الوادي، ويريد الوصول إلى ابن شهيد. ويُتبع تطامح الطرف باهتزاز العطف واهتزّ عطفه إشارة إلى هيبة الموقف، وتتحرّك الصورة بين هذا وذاك إلى ضرب الفرس التي يجعلها تتحرّك، ويركّز ابن شهيد على رشاقة اللفظ المرتبط بالحدث فسمت والمعبّر عن نفسيّة ابن شهيد الطامحة للقمّة، والمفردة سمت تؤكّد تماسك السيّاق، ووحدته العضويّة(39) ، في ارتباطه مع السّياق السابق، وتتمّم هذه المفردة فسمت المعنى، كما تؤكّد وجود عتيبة في الوادي وابن شهيد في أعلاه.
وينطلق عتيبة إليهم، فيستقبلونه، فيتوقّف برهة، هذا الوقوف يرتبط بفنّ إنشاد الشّعر، عند الاستعداد للإلقاء حين يريح الشّاعر أعصابه، ويتأهّب للإنشاد، وهذا ما فعله عُتيبة ثم أنشد:
سما لكَ شوقٌ بعد ما كان أقصرا
واكتفاء ابن شُهيد بذكر هذا الشطر على لسان عتيبة له دلالةٌ على نفسية ابن شُهيد التي ترى نفسها في القمّة دوماً وحالة السمو تشير إلى ذلك، كما أنّ هذه المفردة ترتبط بشخصية قائلها، فهو ابن ملك كنده، وقمّة شعراء المشرق، وتأتي كاف الخطاب لك لتدل على حالة السمو التي تلازم نفسية ابن شهيد، والمفردة شوق جاءت بصيغة النكرة(41) لتدلّ على كثرة الشوق وشدته من جهة ولتبيّن عمق الصلة بينهما، وسمو الشوق بعد ركوده يؤجج المشاعر ويجعلها تضطرم داخل النفس، هذا الاضطرام يوحي باللون الأحمر المعبّر عن العلاقة الحميمية بينهما، وحالة السمو التي وردت على لسان عتيبة باختيار ابن شهيد لها في سياق القصة ما هي إلاّ تأكيدٌ لنفسية ابن شهيد النزّاعة لإثبات الذات حتى على لسان الآخرين، هذا الاعتراف من عتيبة قبل إنشاد ابن شهيد فيه دلالة على عظمته، ويأتي الاعتراف متمماً لأحداث القصة، وملازماً لنفسية صاحبها.
وينهي عتيبة الإنشاد، ويطلب من ابن شهيد أن ينشده فقال لي: أنشد، ولا يأتي الإنشاد إلاّ بعد تبيان حالة ابن شهد عن طريق الإطناب(42) بالاعتراض الذي أراد منه التحسين لتشويق النفس كي تتابع الأحداث(43) ، والحالة التي انتابت ابن شهيد عندما طلب منه الإنشاد فههمت بالحيصة تشير إلى خوفه واضطرابه من جلال الموقف، ويتبع الخوف بالمواجهة ثم اشتدت قوى نفسي هذا الإتيان بين الجملة ونقيضها، يجعل القارئ يتخيّل إنساناً اضطرب لسماع خبر ما، وبعد ذلك الخوف أراد المواجهة، وفي المواجهة تأكيدٌ على قوة الإرادة التي تتغلب على الانفعالات إزاء الأشياء، وإبراز الحالة النفسية يشوّق القارئ ليتابع الحدث تلو الحدث عبر إحكام النّسيج(44) بقيادة الحدث لاكتشاف جوانب الشخصية، وبتأصيل الشخصية للحدث من خلال لغة الحوار البعيدة عن الإبهام، والموجزة في التعبير لتفسح المجال للخيال لتصوّر الأحداث والشخصيات التي تطوّرها.
3-جمالية الصورة الشعرية(40) .
والأبيات التي أنشدها ابن شهيد تُصوّر ما آلت إليه حالته النفسية من ألمٍ وشجن على تلك الدّيار التي عبثت بها أيادي الطامعين والناقمين من الفتنة التي حلت بالأندلس، ويتجلى الصرّاع عن طريق الحوار مع الذات شجته مغانٍ)، وصيغة الماضي(46) الملازمة للمفردة شجته) ترتبط بالذكرى والذّكرى توحي بالألم الذي يعتصر الفؤاد، هذا الألم يوحي باللون الأحمر المعبّر عن الحالة النفسية التي انتابت ابن شهيد من الجرح الذي أدمى الديار التي وصلت إلى قمة الازدهار، وإذ برياح الفتن تهبّ عليها لتنال منها، والمغاني التي أشجت ابن شهيد هي ديار الأندلس، وبذلك يكون ابن شهيد قد عبّر عن حالته النفسية بشكل غير مباشر، لينقل انفعالاته إلى الآخرين، ويمضي ليستعيد أيام الازدهار التي وصلت إليها الأندلس، وهذا الحديث عن الازدهار ما هو إلا حالة تعوضية عمّا انتاب الأندلس من اضطرابات وفتن.
والذّوق المترف الذي تمثل به ابن شهيد يتجلّى بمجيئه بالمفردة تزلّ التي تتفق وهي تلك القبة التي ازدهرت وسمت، كما أنها تشير إلى رونق البناء وجماله الهندسي، إذ إنّ الريح كالماء الذي ينساب منحدراً إلى الأسفل، وهنا تكمن براعة التصوير ودقته المتناهية، في رسم حالة الازدهار التي وصلت إليها الأندلس.
ولكن ما حصل أشجى ابن شُهيد، وجعله يفصّل في حالته تكلفتها) التي تعطي الصورة المتخيلة في الذهن عن ذلك الشخص الذي يواجه الصعوبات التي تعترض مسيرته في الحياة، هذه الصعوبات المتراكمة ما هي إلاّ همومٌ سودٌ(49) توحي بحالة البؤس التي اعترت نفسيّة ابن شهيد لما آلت إليه حالة الأندلس التي صوّرها عن طريق الإطناب الذي يرسم مشهداً تتداخل صوره وقد أراد منه نقل الحالة الشعورية التي يحياها إلى الجميع، من خلال الاندماج مع الطبيعة والليل قد جاش بحره) صورة سوداء مخيفة توحي بحالة القلق التي خيّمت عليه، وقد أراد إزالتها ولكن هيهات، لأن الاضطراب يمثل حالة واقعيّة على حين ظن الشاعر ذلك اضطراباً في الطبيعة، وهنا يعبّر ابن شهيد عن حالته بالصورة أمواجه تتكسّر)، وما اضطراب الأمواج إلاّ اضطرابٌ في نفسية ابن شهيد من جهة، واضطرابٌ في الوسط الاجتماعي الأندلسي من جهة أخرى.
هذا الاضطراب يجعل ابن شهيد في حيرة من أمره كيف يواجه ذلك الخطر؟ أجل! لا مواجهة للأخطار إلاّ بالسيف والرمح، وهما قوتان لا غنى عنهما في بناء الدولة والدفاع عنها.
وعند هذين المشهدين يُنهي ابن شهيد إنشاده لينتقل إلى إبراز رأي عُتيبة في ذلك الإنشاد فلما انتهيتُ تأمّلني عتيبة هذا يعني إصغاء عتيبة لذلك الإنشاد، والمفردة تأمّلني) توحي بتراخي الزّمن لأنّ فيها توقف النظر على ابن شهيد، وتفحّص تلك الشخصية، هذا الإنعام فيه إعجابٌ من عُتيبة، لذلك يأتي الحكم تتويجاً لذلك التأمل والإعجاب اذهب فقد أجزتك)، وهنا يفكّ السّحر، وتنتهي القصة بتوضيح الهدف وتنتهي القصة بتوضيح الهدف الذي من أجله نسج ابن شهيد قصته، وهو إثباته لذاته عن طريق نيل الإجازة من تابع امرئ القيس، هذه الإجازة تبرهن على إعجاب ابن شهيد بنفسه وتأتي لتأكيد صلة أدب المشرق بالمغرب، وتطلّع ابن شهيد إلى رئاسة الأدبين، فالهدف عند ابن شهيد في كتابته قصة التوابع والزوابع دافع شخصي نابع من إحساسه بأن معاصريه من الأدباء والنقاد لم يولوه حقه من التكريم، ولم ينزلوه المنزلة الأدبية التي رأى نفسه أهلاً لها. كما أنّ غايته إثبات مقدرته الأسلوبية النثرية والشعرية أمام المشارقة عن طريق مقابلة توابع الشعراء والكتّاب، وكسب اعترافهم بتفوقه.
ومما لا شكّ فيه أن ابن شهيد ثقافته العربية الواسعة بالشعر والنثر التي سخّرها لخدمة نسيج القصة، يجعلنا نجزم بأن هذه القصة عربية الشكل والمضمون لاستناد شكلها إلى الأسطورة العربية القديمة بوجود توابع للشعراء في وادي عبقر، واستقائها فكرة رحلة الإسراء والمعراج في نسج أحداثها، كما أنّها أتت عربيّة المضمون لما حوته من قص وشعر مرتبط بحضارة الأندلس من جهة، وبالتراث المشرقي من جهة أخرى.
كما أن هناك من يرى أن قصة التوابع والزوابع من حيث فكرتها مقتبسة من المقامة الإبلسية لبديع الزمان رغم قصرها، فبطل المقامة فقد إبله وخرج في طلبها، فرمته مقاديره في وادٍ أخضر وهناك التقى بشيخ جالس وبعد أن أنس إليه أخذ يروي شيئاً من أشعار العرب وبهذا يتبين أن ابن شهيد أخذ المقامة ونماها وتوسع في خيالاتها وأضاف إليها ما جعلها تخدم غرضه الخاص في كتابة قصته الطويلة.
وبهذا ما أدعاه بيريس بأن ابن شهيد تأثر بالفكر اليوناني كان هذا الادعاء باطلاً فلو أنه اطّلع على التراث العربي لما أطلق هذا الحكم، فالرحلة عربية الطابع والطبّع، وهي مستمدة من التاريخ العربي الإسلامي، لأنها تشبه رحلة الإسراء والمعراج في فكرة الرحلة، وأصالتها في المساجلات التي حصلت بين ابن شهيد وشعراء المشرق العربي ممّا يؤكّد انتماءها إلى التراث العربي الإسلامي، وينفي ما ذهب إليه بيريس، كما أن رسالة التوابع والزوابع بُنيت على أساس الأسطورة العربية القائلة بأنّ لكل شاعر تابعاً يلهمه الشعر، ويعينه في صناعته.
منذ أن رحل أبو علي القالي بكتب المشارقة إلى الأندلس والتنافس على أشده بين المشرق العربي والأندلس. وفي نطاق السباق بين المشرق والأندلس في تأليف القصص الأدبية والفلسفية، ففي هذا المجال ظهرت التوابع والزوابع في الأندلس، وفي الوقت نفسه عرفت رسالة الغفران في المشرق، وقد اختلف في الكتابين أيهما أسبق إلى يد القارئ، وأي الكتابين تأثر بالآخر، والكتابان يسيران في طريق واحد، وهو الاعتماد على الخيال، فرسالة الغفران كتبت للرد على ابن القارح، الذي كتب رسالة إلى أي العلاء المعري، اعتمد فيها على الخيال فرد عليه أبو العلاء برسالة طويلة هي رسالة الغفران، وقد اعتمدت رسالة الغفران على الدعوة من أبي العلاء بأن تغرس لابن القارح شجرة كبيرة في الجنة، ثم أخذ أبو العلاء يصف شجرة الجنة هذه وما حولها ومن سكن بقربها من الشعراء، وقد استرسل في سؤال الشعراء عن سبب المغفرة لهم فيسأل الأعشى عن سبب المغفرة فيقول الأعشى: القصيدة التي مدحت بها الرسول، فالرسالة مبنية على الغفران للشعراء وسببه, ورسالة التوابع والزوابع بنيت على الرحلة إلى أرض التوابع، أي توابع الشعراء والكتاب، ووسيلة ابن شهيد في تلك الرحلة جواد تابعه زهير بن نمير، فقد ركبا ذلك الجواد وطار بهما إلى أرض التوابع وعندما وصلا إلى أرض التوابع أخذ ابن شهيد يعرض أنماطا من كتابته على توابع الكتاب والشعراء، ومما عرضه عليهم أنماط من كتابته التي حواها كتابه التوابع والزوابع.
والتقت الرسالة والمقامة على إظهار قصة طواف يتنقل فيه الأديب من مدينة إلى مدينة ومن حوزة أمير إلى حوزة آخر. ومن مجموع ماوصلنا عن طبيعة المقامة الأندلسية يتبين لنا فقدت من بعضها قصة الكدية والحيلة المقترنة بها في المقامة المشرقية وأصبحت صورة رسالة يقدمها شخص بين يدي أمر يرجوه أو أمل يحب تحقيقه، كما أن كثيراً منها أصبح وصفاً للرحلة والتنقل.
وخلال هذا التحليل لمسنا البناء الفني وجماليات الأسلوب والصورة الشعرية في هذه القصة ممّا يدفعنا لقراءة رسالة التوابع والزوابع، للوقوف على مواطن الجمال فيها لأنها تمثل شخصية ابن شهيد بأبعادها المختلفة(63) .

بنوته11
2012- 5- 2, 06:24 PM
محاضرة: ابن شهيد
رسالة التوابع والزوابع
حياته:
ولد أبو عامر ابن شهيد مؤلف رسالة التوابع والزوابع بقرطبة في خلافة هشام بن الحكم بن عبد الرحمان الخليفة الأموي الذي حجر عليه الحاجب محمد بن أبي عامر ولقد حظي ابن شهيد في طفولته برعاية خاصة من الحاجب هذا ولقي منه عطفا كبيرا فبلغ في الدولة العامرية رتبة الوزارة وبقي أمينا للعامريين مخلصا لهم حتى بعد سقوط دولتهم (سنة 1009 م) ولكن كان لابن شهيد خصوم يكرهونه ويكيدون له فاتهموه شتى الاتهامات عند الخليفة الأموي المستعين فسجن ثم أفرج عنه ومرض في آخر حياته بداء الفالج خاصة وانه كان يسترسل في ارتشاف الملذات والانغماس في الشهوات. وتوفي في الرابعة والأربعين من عمره سنة (1034م).
نجد اثار ابن شهيد الأدبية متفرقة في بعض كتب الأصول مثل كتاب الذخيرة لابن بسام ويتيمة الدهر للثعالبي ومطمح الانفس للفتح ابن خاقان ونفح الطيب للمقري ووفيات الاعيان لابن خلكان. وعرف لابن شهيد شعر كثير لا يختلف فيه عن غيره من الشعراء الاقدمين ونجد في رسالة التوابع والزوابع التي نشرها الاديب اللبناني بطرس البستاني سنة 1551 بعد ان صححها وحقق فيها وشرحها وبوبها دراسة تاريخية أدبية عن حياة ابن شهيد ولهوه ومجونه وخصومه وحساده. فما هي رسالة التوابع والزوابع ؟
شكل الكتاب ومضمونه
هي قصة طويلة لم يتهيأ للأدب العربي بإثباتها كاملة، فقد ضاع أكثرها بين ما ضاع من آثار أدبائنا، واستطاع صاحب الذخيرة أن يحفظ لنا طرفاً منها يصلح في حد ذاته لأن يكون قصة مكتملة رغم اجتزائه. وتقسم من حيث موضوعها وأغراضها في رأي بطرس البستاني إلى مدخل وأربعة فصول : الفصل الأول توابع الشعراء والفصل الثاني توابع الكتاب والثالث نقاد الجن والفصل الرابع حيوان الجن. وموضوعها أدبي قصصي يحرص ابن شهيد أن يعرض فيها المشكلات الأدبية البيانية التي عرضت له في زمانه مع زملائه الأدباء والشعراء ولقد اتخذ وادي الجن مسرحا لرسالته كما اتخذ الجن أبطالا حملهم آراءه الأدبية في خصومه وحساده من رجال السياسة والعلم والأدب.
حتّى إنّ الأسئلة تتبادر إلى الذّهن بصيغ متعدّدة عن طبيعة هذا النصّ، ما هو هدفه من هذه الرّسالة؟ فهل تأثر ابن شهيد في كتابته لرسالة التّوابع والزّوابع بالفكر اليوناني كما ذهب بعضهم ، أم جاءت رسالته عربيّة الطّابع والطّبع؟وما الجنس الأدبي الذي تندرج تحته هذه الرسالة، وما مدى إحكام البناء الفني للقصة في هذه الرسالة، وهل ظهرت طبيعة عصره في رسالته، وفي نطاق السباق بين المشرق والأندلس في تأليف القصص الأدبية والفلسفية فلمن كان سبق الظهور رسالة التوابع والزوابع أم رسالة الغفران للمعري؟ وإلى أيّ مدى كان موفقاً في إيصال الفكرة إلى المتلقي؟

2-التعريف برسالة التّوابع والزّوابع:
ورسالة التّوابع والزّوابع رسالة نثريّة خاطب فيها ابن شُهيد صديقه أبا بكر بن حزم وعرض فيها أروع نتاجه الشّعريّ والنّثريّ، وقرنه إلى نتاج كبار أدباء المشرق مبيناً تفرّده وتفوّقه، وعرّض بخصومه وحسّاده من معاصريه الأندلسيّين والقرطبيّين. والتّوابع والزّوابع قصّة رحلةٍ خياليّة إلى عالم الجنّ قام بها ابن شهيد مع تابع اسمه زهير بن نُمير ولقي شياطين المشرق وكتّابهم، وجرت بينه وبينهم مطارحات أدبيّة، ومناقشات لغوية تجلّت فيها آراء ابن شهيد النقديّة، وانتزع اعترافهم بتفوّقه وجودة أدبه، فضلاً عن الفكاهات والطّرف وروح الدّعابة التي سرت في هذه الرسالة.
يحمله زهير على متن الجو إلى أرض الجن حيث التقى هناك بتوابع الشعراء المشهورين عتبة بن نوفل تابع امرئ القيس وعنترة بن العجلان تابع طرفة، وأبا الخطار تابع قيس بن الخطيم من الشعراء الجاهلين، ولقي عتّاب بن حبناء تابع أبي تمام، وأبا الطبع تابع البحتري وحسين الدَّنان تابع أبي نواس، وحارثة ابن المغلس تابع المتنبي، كما التقى ببعض شياطين الكتاب، وهي فكرة جديدة صاحبها أبو عامر؛ ذلك أنه لم يكن من الشائع أن هناك شياطين أو توابع للكتاب، التقى أبو عامر بشياطين صفوة كتاب العربية وهم عتبة بن أرقم تابع الجاحظ، وأبو هبيرة تابع عبد الحميد، وزبدة الحقب تابع بديع الزمان. ويخرج أبو عامر من هذه المقابلات مجازاً مشهوداً له بالفضل، كأن يقال له أحد الجن ما أنت إلا محسن على إساءة زمانك.
ولا يقف بابن شهيد في قصته عند مقابلة التوابع الذين مر ذكرهم، وإنما تلقي به طبيعة رحلته إلى مجلس أدب عقده أدباء الجن وهي جلسة نقدية يعرضون فيها لأقوال الشعراء ويستعرض ابن شهيد أمام منتدى الجن موهبته الشعرية والنقدية، وتمضي قصة التوابع والزوابع، فيصل أبو عامر وتابعه زهير بن نمير إلى وادٍ آخر من أودية الجن وتلقي به المقادير إلى نادِ لحمير الجن وبغالها ويلتقي ببغلة أديبة ناقدة وبأوزة أديبة وتنتهي المحاورة بتغلبه على حيوان الجن الأدباء والنقاد وبذلك تنتهي قصة التوابع والزوابع أو بالأحرى تنتهي الجزء الذي وصل إلينا منها عن طريق كتاب الذخيرة.
وقبل أن نعرض رأينا في القصة ينبغي أن نقدم نماذج منها بأسلوب كاتبها، يبدأ ابن شهيد قصته قائلاً:
"لله أبا بكر ظنٌ رميته فأصميت، وحدسٌ أمّلتّه فما أشويت […]فقلت كيف أوتى الحكم صبياً، وهزّ بجذع نخلة الكلام فالسّاقط عليه رطباً جنيا، أمَا به شيطاناً يهديه، وشيصباناً يأتيه وأقسم أن له تابعة تنجده، وزابعة تؤيده، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النّفس لهذه النفس. فأما وقد قلتها، أبا بكر، فأصخ أسمعك العجب العجاب" ويمضي يقص عليه نبأ تعلقه بأهل العلم والمطالعة حتى يصل إلى"فأرتج عليّ القول وأفحمت، فإذا أنا بفارس على باب المجلس على فرس أدهم كما بقل وجهه، وقد اتكأ على رمحه وصاح بي]...[وقلت له: بأبي أنت، من أنت؟ قال: أنا زهير بن نُمير من أشجع الجن، قلت: وما الذي حداك إلى التصور لي؟ فقال: صادفتَ قلباً إليك مقلوباً، وهوىً نحوك مجنوناً. وتحادثنا حيناً ثم قال: متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات.
وإلى زهير الحُبَّ يا عَزَّ إنه إذا ذكرته الذاكرات أتاها
وأوثب الأدهم جدار الحائط ثم غاب عني. وكنت، أبا بكر، متى أُرتج عليَّ أو انقطع بي مسلك، أو خانني أسلوب، أنشد الأبيات فيمثلُ لي صاحبي فأسير إلى ما أرغب، وأدرك بقريحتي ما أطلب. وتأكدت صحبتنا، وجرت قصص لولا أن يطول الكتاب لذكرت أكثرها، لكني ذاكر بعضها".
3-نصّ قصة تابع امرئ القيس:
والنّص الذي بين يدي ما هو إلاّ قصة جمالها في نسج أسلوبها، ودقّة ألفاظها، وبُعد مراميها الفكريّة والحضاريّة والفنيّة، وقد جعل ابن شهيد بدايتها: "تذاكرت يوماً مع زهير بن نمير أخبار الخطباء والشعراء، وما كان يألفهم من التوابع والزّوابع، وقلت: هل حيلةٌ في لقاء مَن اتّفق منهم؟ قال: حتى أستأذن شيخنا، وطار عنّي، ثمّ انصرف كلمح البصر، وقد أُذن له، فقال: حُلّ على متن الجواد، فصرنا عليه، وسار بنا كالطّائر، يجتابُ الجوّ فالجوّ، ويقطع الدّوّ فالدّو، حتى التمحت أرضاً لا كأرضنا، وشارفت جوّاً لا كجوّنا. متفرعُ الشّجر عطرْ الزّهر، فقال لي: حللت أرض الجنّ أبا عامر، فبمن تريد أن نبدأ؟
قلت: الخطباء أولى بالتقديم لكني إلى الشعراء أشوق. قال: فمن تريد منهم؟ قلت: صاحب امرئ القيس. فأمال العنان إلى وادٍ ذي دوح تتكسر أشجاره، وتترنم أطياره، فصاح: يا عتيبة بن نوفل بسقط اللّوى فحومل، ويوم دارة جلجل، إلاّ ما عرضت علينا وجهك، وأنشدتنا من شعرك وسمعت من الإنسيّ، وعرّفتنا كيف إجازتك له. فظهر لنا فارسٌ على فرس شقراء كأنها تلتهب، فقال: حياك الله يا زهير، وحيا صاحبك! أهذا فتاهم؟ قلت: هو هذا، وأيّ حمرة يا عتيبة! فقال لي: أنشد، فقلت: السيّد أولى بالإنشاد، فتطامح طرفه، واهتزّ عطفه، وقبض عنان الشقراء، وضربها بالسوط، فسمت تحضر طولاً عنّا وكرّ، فاستقبلناه بالصعدة هازّاً لها، ثمّ ركزها، وجعل يُنشد:
سما لكَ شوقٌ بعدَ ما كانَ أقصرا
حتى أكملها، ثمّ قال لي: أنشدْ، فهممتُ بالحيصة، ثم اشتّدتْ قوى نفسي، وأنشدتُ:
شجتهُ مغانٍ من سُليمى وأدْؤُرُ
ومِنْ قُبَّةٍ لا يدركُ الطّرفُ رأسها تزلُّ بها ريحُ الصبّا، فتحدَّرُ
تكلّفْتُها، والليلُ قدْ جاشَ بحرهُ وقدْ جعلتْ أمواجُهُ تتكسَّرُ
ومِنْ تحت حضني أبيضٌذوسفاسقٍ وفي الكفّ من عسَالةِ الخط أسمَرُ
هما صاحباي من لَدُنْ كنتُ يافعاً مُقيلانِ من جِدّ الفتى حين يَعْثُر
فذا جَدْولٌ في الغِمدِ تُسقى به المُنى وذا غصُنٌ في الكفّ يجنى، فيثمرُ
فلمّا انتهيتُ تأمّلني عُتيبةُ، ثم قال: اذهب، فقد أجزْتُكَ، وغاب عنا"(10) .
1-فكرة القصّة:
والنّصّ هو قصّة رحلةٍ خياليّة قام بها ابن شُهيد مع زهير بن نمير للقاء تابع امرئ القيس هذا اللقاء يقدّم فيه ابن شهيد نتاجه الشّعري، لينال إجازة من تابع امرئ القيس.
2-البناء الفنّي للقصّة وجماليّات الأسلوب:
ولكن كيف نسج ابن شهيد قصتّه؟ لقد جعل بدايتها لقاء مع زهير بن نمير فيه تمت إعادة ذكريات من التوابع والزوابع، هذه البداية هي بمنزلة العقدة الرئيسة في القصّة التي انطلقت من خلالها الأحداث، وعلى منوال هذه البداية نسج ابن شهيد قصتّه لرغبة في نفسه، هي شوقه وتوقه للقاء تابع امرئ القيس، هذا الشوق يوحي باللون الأحمر المعبر عن تعطّشه للقاء ذلك التّابع كي يحظى بإجازة منه.
وابن شهيد يمثّل شخصيّة البطل في هذه القصّة، كما يمثلها في أغلب قصصه، فهو البطل والرّاوي، بعكس ما هي عليه الحال في الملاحم، إذ تقوم أبطال القصّة بالقول والفعل، ويبقى الرّاوي خلف السّتار الذّاتي يراقب الأحداث وتطوّراتها. وتأتي شخصيّة زُهير لتكون ظلاً لشخصيّة ابن شهيد إذ ترافقه أينما توجّه، وحيثما حلّ وتُسهم في إغناء مقدّمة القصّة من خلال الحوار الذي دار بينهما، والذي دلّت عليه المفردة (تذاكرتُ) التي توحي للوهلة الأولى بتداعي شريط من الذّكريات، وقد حُدّدت ماهيته ضمن السيّاق(15) عن طريق التّصريح بأنّ التّداعي مرتبطّ بالتراث القديم.
وفي الحوار يبدو سلوك ابن شُهيد الحضاري في تساؤله، وهذا التساؤل يوحي بتواضعه والتّواضع يرتبط بوقار العلماء وجلالهم، وهذا السلوك هادئ لوقار صاحبه، هذا الوقار اكتسبته نفسيته من أدبي النفس والدّرس اللذين نهلهما من منابع الثقافة، ومجالس الخلافة، فقد ننشأ نشأة مترفة في زمن المنصور، وكان بعد ذلك على صلة بخليفتين هما يحيى بن حمّود والمستظهر(16) .
ولا عجبَ أن يظهر سلوكه في ألفاظه لأنّ الإنسان ابن البيئة، وقد كان للبيئة دور بارز في تكوين شخصيته، وصقل مواهبه. وهدوء النفس يرتبط بسياق القصة من خلال التركيب اللغوي الذي تتألف فيه العبارات محافظة على الوحدة العضويّة عن طريق العبارة الدّالة على السلوك تارة، ومن خلال اللفظة المنسجمة مع التعبير والملائمة للجو تارة أخرى.
ويظهر سلوك الأندلسيّ في احترام الكبار على لسان زهير حتى أستأذن شيخنا، وحتى في هذا السياق توحي بعمق الشّعور باكبار هؤلاء الشيوخ، ويوجز(17) بحذف الجمل لدلالة الكلام السابق على المحذوف، ولو ذُكر هذا المحذوف لعُدّ ذلك ضرباً من اللغو والحشو. وبعد الاستئذان يمضي، والسيّاق يشير إلى ذلك وطار عنّي، ثمّ انصرف كلمح البصر إذ يتمّم هذا الحدثُ الحدثَ السابق، وتأتي جملة وقد أُذن له مؤكدة سبب انصراف زهير، وموجزة في التّعبير.
وشخصية الشيخ هي الثالثة، وقد جاء بها ابن شهيد، لتكون حلقة وصل بين ابن شهيد ووادي عبقر حيث يلقى تابع امرئ القيس، هذه الشخصية لم يتحدّث عن هيئتها وأوصافها، بل اكتفى بالإشارة إليها لأهميّتها في نيل تذكرة القبول بالمغادرة عن طريق الحوار الذي جعل من هذا النيل حدثاً ثالثاً في القصّة عبر تسيير شخصية الشيخ له، وتأصيله بدعوة من زهير لابن شهيد لاستقلال جوادِ يرحلان عليه.
وتبدو الدقة باستخدام اللفظة الملائمة للسياق في لغة الحوار التي تجذب النّفس لمتابعتها لما فيها من بساطة ووضوح، فالمفردة حُلّ التي جاء بها بدلاً من امتطِ فيها دلالةٌ على ذوقه الفنّي المنطبع بحضارة الأندلس، كما أنّ نطقها فيه انسيابيّةٌ ورشاقة(18) ، على حين أن امتطِ صعبة الإرسال لتنافر حروفها وبُعْدِها عن تآلف الألفاظ في هذا السياق، كما أنّ حلّ تعطي الصورة المتخيّلة في الذهن عن ذلك الفارس الذي تعلوه الهيبة والوقار، وهو يتأهب لاعتلاء الجواد.
وابن شهيد يركّز على وحدة نسيج القصة عبر اللفظ سار بنا بدلاً من حلّق لأنّ الجواد يسير، ولا يُحلّق من جهة، ولأنّ ابن شُهيد يريد نقل المتلقي من الواقع إلى الخيال، إلى أرضٍ ليست كأرض البشر، وهنا يدخل عنصر التّشويق(19) ليثير في النفس الدهشة والغرابة، وليجعلها تنتظر معرفة المزيد، ويأتي بمفرده التمحتْ بدلاً من شاهدت ليؤكد دقته في استخدام اللفظة المناسبة للجوّ، فهو في رحلة فضائية، يلمح معالم الأرض دون التماس جزئياتها.
ويستمر جو الوقار في هذا السياق ليتمم جو السياق السابق فبمن تريد أن نبدأ؟ دلالة على احترام المتحاورين بعضهم لبعض، وهو بهذا يعطيه حق الاختيار، وفي هذه العبارة إيحاءٌ بحرية الفكر في المجتمع الأندلسي(29) و كانت أحد أسباب ازدهار تلك الحضارة.
ويتابع ابن شهيد حديثه الرزين الخطباء أولى بالتقديم على الرّغم من شوقه للشعراء، وهذا الأسلوب في الكلام مرتبطٌ بآداب الحديث، وكأنّ ابن شهيد يشير إلى تقنيات التربية في ذلك العصر، وطلبه لصاحب امرئ القيس فيه دلالةٌ على نفسيّته النزّاعة إلى القمّة، وعلى أنّ السيد لا يقابل إلاّ السيد، هذا الطلب كان عن طريق الانتقال من العام إلى الخاص، فهو يخصّص امرأ القيس لأنه يدرك في أعماق نفسه أنه أفضل المشارقة من الشعراء، وهذا يدل على ارتباط ابن شهيد بالتراث العربي القديم.
ويمضي بالتصوير، فهو وزهير على متن الجواد في أعلى الوادي، وعتيبة في قعره والوادي لم يكن وروده عبثاً في هذا السياق بل جاء مرتبطاً بالأسطورة العربيّة القائلة بوجود وادي الجن الذي يقطن فيه ملهمو الشعراء، كما أنّ جوّ السياق يوحي بجنة خضراء مكتظة بالأشجار تجعل الناظر إليها يشعر ببطء الزمن لما فيها من ألوان وأشكال، كما تطرب النفس لصداح العصافير، الذي يُشعر النفس بالطمأنينة والهدوء، ويجعلها تنتشي لما ترى، وتطرب لما تسمع.
وفي هذا المشهد الطبيعي إشارة إلى فن توقف الفارس فـأمال العنان، والإمالة ترتبط بالمكان العالي، وفي ذلك دلالةٌ على ارتباط اللفظ بالمعنى في سياق القصة، ومفردة تنكسّر) تدلّ على الاستمرار والدّوام، كما أنّ الشدة الظاهرة على اللفظ توحي بكثرة الأشجار، وتداخلها، ومفردة تترنّم تتلاءم مع ذلك الجو الطبيعي(30) الذي تصدح فيه العصافير، وتغنّي لجمال الطبيعة.
وينادي زهير صاحب امرئ القيس باسمه، ذاكراً الأماكن التي ارتبط بها، هذه الأماكن تؤكد تواصل ابن شهيد مع التراث القديم، كما أنها تلخّص مسيرة حياة امرئ القيس وأيّام الترف والرخاء في دارة جلجل، وأيام البؤس والشقاء على زوال ملك كندة، فالبكاء على سقط اللوى فحومل.
هذا الفارس بما أنّه تابعٌ، فهو يعرف زهير بن نمير، والتحيّة التي أدلى بها حيّاك الله يا زهير تشير إلى بداوة هذا الشخص، وبعدها يتساءل مستغرباً أهذا فتاهم؟ هذا التساؤل يحمل في طياته الأنفة والكبرياء، كما أنّ مفردة فتاهم التي وردت على لسان عتيبة فيها دلالة على أنّ ابن شهيد يريد تمثيل الأدباء الأندلسيين في حضرة تابع امرئ القيس، كما أنّ فيها إيحاء بحبّ ابن شهيد لذاته(34) ، فهو يرى نفسه أفضل من الجميع، وتأتي الإجابة من زهير هو هذا! لتؤكّد ذات ابن شهيد، ولتعلي من قدره أمام عتيبة عن طريق اسم الإشارة(35) ، ويوجز في الحوار بحذف الجمل(36) التي أراد من خلالها عتيبة الاستفسار عن سبب مجيء زهير، كما تحذف الجمل من الكلام السابق، وكأنّ حديثاً سابقاً دار بين عتيبة وزهير عن رغبة ابن شهيد في المجيء، وكأنّ عتيبة على اطلاع سابق على غاية ابن شهيد في المجيء، هذا الإيجاز يفسح المجال للخيال لتصوّر مدى فراسة عتيبة وذكائه في إدراك سبب مجيء هؤلاء.
ويتساءل زهير عن المكانة التي تمنح لابن شهيد وأيّ حمرةٍ يا عتيبة، وبهذا التساؤل تنتهي مهمة زهير ليلقى ابن شهيد عتيبة هذا اللقاء هو الحدث الأهم في القصة لأنّه يؤدّي إلى المغزى من خلال الحوار الذي دار بينهما إذ يطلب عتيبة من ابن شهيد إنشاد الشعر، ويبدو ابن شهيد متواضعاً كما هي الحال في بداية القصة، هذا التواضع فيه اعتراف بسيادة امرئ القيس لأنه الأقدم، وهنا يحترم ابن شهيد من هو أكبر منه قدراً، لأنّه يريد أن يظهر بمظهر الشاعر الممثّل لشعراء الأندلس عليه هيبة الكبار، وتسيّر سلوكه طبائع وعاداتٌ استقاها من الوسط الاجتماعي الأندلسي والقصّة في هذا السياق تقدّم جانباً هامّاً من جوانب التربية(37) التي يتمثّل بها ذلك العصر، فقد هذبت طباعَه أناقةُ القصور التي استظلّ في أفيائها، وخالط أصنافاً متعدّدة من أبناء المجتمع أيام النعيم والبؤس، فهو نقطة الدّائرة في عصره يرفع الأمراء قدره، ويخطب الوزراء صداقته، ويتبارى الشعراء والكتّاب بمساجلته(38) ، كلّ هذه الأمور ترتبط بهدوء حديثه، ووقار كلامه، وبروز ذاته.
وابن شهيد عندما طلب من عتيبة الإنشاد ملقباً إياه بـالسيد، لم يكن لقبه عبثاً، بل كان يريد من هذا اللقب اعتراف عُتيبة به، كما أن عُتيبة عندما يسمع هذا الكلام ينتشي، وهذا ما حصل من خلال الحركات التي أبداها حتى إن المتلقي يخاله في زهوه وكبريائه يستعدٌ لأمرٍ عظيم، وهو في وادي الجن، وابن شهيد في أعلى الوادي، ويجمع بينهم الحوار، واستجابة عُتبة تقترن بالخيلاء من خلال الإيحاء الموجود في اللفظ فتطامح طرفه، وهذه نظرة الكبار الذي يأنفون من انحناء الرّاس، كما أنّها ترتبط ببيئة القصّة فعتيبة في الوادي، ويريد الوصول إلى ابن شهيد. ويُتبع تطامح الطرف باهتزاز العطف واهتزّ عطفه إشارة إلى هيبة الموقف، وتتحرّك الصورة بين هذا وذاك إلى ضرب الفرس التي يجعلها تتحرّك، ويركّز ابن شهيد على رشاقة اللفظ المرتبط بالحدث فسمت والمعبّر عن نفسيّة ابن شهيد الطامحة للقمّة، والمفردة سمت تؤكّد تماسك السيّاق، ووحدته العضويّة(39) ، في ارتباطه مع السّياق السابق، وتتمّم هذه المفردة فسمت المعنى، كما تؤكّد وجود عتيبة في الوادي وابن شهيد في أعلاه.
وينطلق عتيبة إليهم، فيستقبلونه، فيتوقّف برهة، هذا الوقوف يرتبط بفنّ إنشاد الشّعر، عند الاستعداد للإلقاء حين يريح الشّاعر أعصابه، ويتأهّب للإنشاد، وهذا ما فعله عُتيبة ثم أنشد:
سما لكَ شوقٌ بعد ما كان أقصرا
واكتفاء ابن شُهيد بذكر هذا الشطر على لسان عتيبة له دلالةٌ على نفسية ابن شُهيد التي ترى نفسها في القمّة دوماً وحالة السمو تشير إلى ذلك، كما أنّ هذه المفردة ترتبط بشخصية قائلها، فهو ابن ملك كنده، وقمّة شعراء المشرق، وتأتي كاف الخطاب لك لتدل على حالة السمو التي تلازم نفسية ابن شهيد، والمفردة شوق جاءت بصيغة النكرة(41) لتدلّ على كثرة الشوق وشدته من جهة ولتبيّن عمق الصلة بينهما، وسمو الشوق بعد ركوده يؤجج المشاعر ويجعلها تضطرم داخل النفس، هذا الاضطرام يوحي باللون الأحمر المعبّر عن العلاقة الحميمية بينهما، وحالة السمو التي وردت على لسان عتيبة باختيار ابن شهيد لها في سياق القصة ما هي إلاّ تأكيدٌ لنفسية ابن شهيد النزّاعة لإثبات الذات حتى على لسان الآخرين، هذا الاعتراف من عتيبة قبل إنشاد ابن شهيد فيه دلالة على عظمته، ويأتي الاعتراف متمماً لأحداث القصة، وملازماً لنفسية صاحبها.
وينهي عتيبة الإنشاد، ويطلب من ابن شهيد أن ينشده فقال لي: أنشد، ولا يأتي الإنشاد إلاّ بعد تبيان حالة ابن شهد عن طريق الإطناب(42) بالاعتراض الذي أراد منه التحسين لتشويق النفس كي تتابع الأحداث(43) ، والحالة التي انتابت ابن شهيد عندما طلب منه الإنشاد فههمت بالحيصة تشير إلى خوفه واضطرابه من جلال الموقف، ويتبع الخوف بالمواجهة ثم اشتدت قوى نفسي هذا الإتيان بين الجملة ونقيضها، يجعل القارئ يتخيّل إنساناً اضطرب لسماع خبر ما، وبعد ذلك الخوف أراد المواجهة، وفي المواجهة تأكيدٌ على قوة الإرادة التي تتغلب على الانفعالات إزاء الأشياء، وإبراز الحالة النفسية يشوّق القارئ ليتابع الحدث تلو الحدث عبر إحكام النّسيج(44) بقيادة الحدث لاكتشاف جوانب الشخصية، وبتأصيل الشخصية للحدث من خلال لغة الحوار البعيدة عن الإبهام، والموجزة في التعبير لتفسح المجال للخيال لتصوّر الأحداث والشخصيات التي تطوّرها.
3-جمالية الصورة الشعرية(40) .
والأبيات التي أنشدها ابن شهيد تُصوّر ما آلت إليه حالته النفسية من ألمٍ وشجن على تلك الدّيار التي عبثت بها أيادي الطامعين والناقمين من الفتنة التي حلت بالأندلس، ويتجلى الصرّاع عن طريق الحوار مع الذات شجته مغانٍ)، وصيغة الماضي(46) الملازمة للمفردة شجته) ترتبط بالذكرى والذّكرى توحي بالألم الذي يعتصر الفؤاد، هذا الألم يوحي باللون الأحمر المعبّر عن الحالة النفسية التي انتابت ابن شهيد من الجرح الذي أدمى الديار التي وصلت إلى قمة الازدهار، وإذ برياح الفتن تهبّ عليها لتنال منها، والمغاني التي أشجت ابن شهيد هي ديار الأندلس، وبذلك يكون ابن شهيد قد عبّر عن حالته النفسية بشكل غير مباشر، لينقل انفعالاته إلى الآخرين، ويمضي ليستعيد أيام الازدهار التي وصلت إليها الأندلس، وهذا الحديث عن الازدهار ما هو إلا حالة تعوضية عمّا انتاب الأندلس من اضطرابات وفتن.
والذّوق المترف الذي تمثل به ابن شهيد يتجلّى بمجيئه بالمفردة تزلّ التي تتفق وهي تلك القبة التي ازدهرت وسمت، كما أنها تشير إلى رونق البناء وجماله الهندسي، إذ إنّ الريح كالماء الذي ينساب منحدراً إلى الأسفل، وهنا تكمن براعة التصوير ودقته المتناهية، في رسم حالة الازدهار التي وصلت إليها الأندلس.
ولكن ما حصل أشجى ابن شُهيد، وجعله يفصّل في حالته تكلفتها) التي تعطي الصورة المتخيلة في الذهن عن ذلك الشخص الذي يواجه الصعوبات التي تعترض مسيرته في الحياة، هذه الصعوبات المتراكمة ما هي إلاّ همومٌ سودٌ(49) توحي بحالة البؤس التي اعترت نفسيّة ابن شهيد لما آلت إليه حالة الأندلس التي صوّرها عن طريق الإطناب الذي يرسم مشهداً تتداخل صوره وقد أراد منه نقل الحالة الشعورية التي يحياها إلى الجميع، من خلال الاندماج مع الطبيعة والليل قد جاش بحره) صورة سوداء مخيفة توحي بحالة القلق التي خيّمت عليه، وقد أراد إزالتها ولكن هيهات، لأن الاضطراب يمثل حالة واقعيّة على حين ظن الشاعر ذلك اضطراباً في الطبيعة، وهنا يعبّر ابن شهيد عن حالته بالصورة أمواجه تتكسّر)، وما اضطراب الأمواج إلاّ اضطرابٌ في نفسية ابن شهيد من جهة، واضطرابٌ في الوسط الاجتماعي الأندلسي من جهة أخرى.
هذا الاضطراب يجعل ابن شهيد في حيرة من أمره كيف يواجه ذلك الخطر؟ أجل! لا مواجهة للأخطار إلاّ بالسيف والرمح، وهما قوتان لا غنى عنهما في بناء الدولة والدفاع عنها.
وعند هذين المشهدين يُنهي ابن شهيد إنشاده لينتقل إلى إبراز رأي عُتيبة في ذلك الإنشاد فلما انتهيتُ تأمّلني عتيبة هذا يعني إصغاء عتيبة لذلك الإنشاد، والمفردة تأمّلني) توحي بتراخي الزّمن لأنّ فيها توقف النظر على ابن شهيد، وتفحّص تلك الشخصية، هذا الإنعام فيه إعجابٌ من عُتيبة، لذلك يأتي الحكم تتويجاً لذلك التأمل والإعجاب اذهب فقد أجزتك)، وهنا يفكّ السّحر، وتنتهي القصة بتوضيح الهدف وتنتهي القصة بتوضيح الهدف الذي من أجله نسج ابن شهيد قصته، وهو إثباته لذاته عن طريق نيل الإجازة من تابع امرئ القيس، هذه الإجازة تبرهن على إعجاب ابن شهيد بنفسه وتأتي لتأكيد صلة أدب المشرق بالمغرب، وتطلّع ابن شهيد إلى رئاسة الأدبين، فالهدف عند ابن شهيد في كتابته قصة التوابع والزوابع دافع شخصي نابع من إحساسه بأن معاصريه من الأدباء والنقاد لم يولوه حقه من التكريم، ولم ينزلوه المنزلة الأدبية التي رأى نفسه أهلاً لها. كما أنّ غايته إثبات مقدرته الأسلوبية النثرية والشعرية أمام المشارقة عن طريق مقابلة توابع الشعراء والكتّاب، وكسب اعترافهم بتفوقه.
ومما لا شكّ فيه أن ابن شهيد ثقافته العربية الواسعة بالشعر والنثر التي سخّرها لخدمة نسيج القصة، يجعلنا نجزم بأن هذه القصة عربية الشكل والمضمون لاستناد شكلها إلى الأسطورة العربية القديمة بوجود توابع للشعراء في وادي عبقر، واستقائها فكرة رحلة الإسراء والمعراج في نسج أحداثها، كما أنّها أتت عربيّة المضمون لما حوته من قص وشعر مرتبط بحضارة الأندلس من جهة، وبالتراث المشرقي من جهة أخرى.
كما أن هناك من يرى أن قصة التوابع والزوابع من حيث فكرتها مقتبسة من المقامة الإبلسية لبديع الزمان رغم قصرها، فبطل المقامة فقد إبله وخرج في طلبها، فرمته مقاديره في وادٍ أخضر وهناك التقى بشيخ جالس وبعد أن أنس إليه أخذ يروي شيئاً من أشعار العرب وبهذا يتبين أن ابن شهيد أخذ المقامة ونماها وتوسع في خيالاتها وأضاف إليها ما جعلها تخدم غرضه الخاص في كتابة قصته الطويلة.
وبهذا ما أدعاه بيريس بأن ابن شهيد تأثر بالفكر اليوناني كان هذا الادعاء باطلاً فلو أنه اطّلع على التراث العربي لما أطلق هذا الحكم، فالرحلة عربية الطابع والطبّع، وهي مستمدة من التاريخ العربي الإسلامي، لأنها تشبه رحلة الإسراء والمعراج في فكرة الرحلة، وأصالتها في المساجلات التي حصلت بين ابن شهيد وشعراء المشرق العربي ممّا يؤكّد انتماءها إلى التراث العربي الإسلامي، وينفي ما ذهب إليه بيريس، كما أن رسالة التوابع والزوابع بُنيت على أساس الأسطورة العربية القائلة بأنّ لكل شاعر تابعاً يلهمه الشعر، ويعينه في صناعته.
منذ أن رحل أبو علي القالي بكتب المشارقة إلى الأندلس والتنافس على أشده بين المشرق العربي والأندلس. وفي نطاق السباق بين المشرق والأندلس في تأليف القصص الأدبية والفلسفية، ففي هذا المجال ظهرت التوابع والزوابع في الأندلس، وفي الوقت نفسه عرفت رسالة الغفران في المشرق، وقد اختلف في الكتابين أيهما أسبق إلى يد القارئ، وأي الكتابين تأثر بالآخر، والكتابان يسيران في طريق واحد، وهو الاعتماد على الخيال، فرسالة الغفران كتبت للرد على ابن القارح، الذي كتب رسالة إلى أي العلاء المعري، اعتمد فيها على الخيال فرد عليه أبو العلاء برسالة طويلة هي رسالة الغفران، وقد اعتمدت رسالة الغفران على الدعوة من أبي العلاء بأن تغرس لابن القارح شجرة كبيرة في الجنة، ثم أخذ أبو العلاء يصف شجرة الجنة هذه وما حولها ومن سكن بقربها من الشعراء، وقد استرسل في سؤال الشعراء عن سبب المغفرة لهم فيسأل الأعشى عن سبب المغفرة فيقول الأعشى: القصيدة التي مدحت بها الرسول، فالرسالة مبنية على الغفران للشعراء وسببه, ورسالة التوابع والزوابع بنيت على الرحلة إلى أرض التوابع، أي توابع الشعراء والكتاب، ووسيلة ابن شهيد في تلك الرحلة جواد تابعه زهير بن نمير، فقد ركبا ذلك الجواد وطار بهما إلى أرض التوابع وعندما وصلا إلى أرض التوابع أخذ ابن شهيد يعرض أنماطا من كتابته على توابع الكتاب والشعراء، ومما عرضه عليهم أنماط من كتابته التي حواها كتابه التوابع والزوابع.
والتقت الرسالة والمقامة على إظهار قصة طواف يتنقل فيه الأديب من مدينة إلى مدينة ومن حوزة أمير إلى حوزة آخر. ومن مجموع ماوصلنا عن طبيعة المقامة الأندلسية يتبين لنا فقدت من بعضها قصة الكدية والحيلة المقترنة بها في المقامة المشرقية وأصبحت صورة رسالة يقدمها شخص بين يدي أمر يرجوه أو أمل يحب تحقيقه، كما أن كثيراً منها أصبح وصفاً للرحلة والتنقل.
وخلال هذا التحليل لمسنا البناء الفني وجماليات الأسلوب والصورة الشعرية في هذه القصة ممّا يدفعنا لقراءة رسالة التوابع والزوابع، للوقوف على مواطن الجمال فيها لأنها تمثل شخصية ابن شهيد بأبعادها المختلفة(63) .

بنوته11
2012- 5- 2, 06:27 PM
النثر الأندلسي
أغراضه وفنونه وسماته:
تأثر النثر في الأندلس بالنثر في المشرق العربي، ولذلك يلاحظ الباحث أن أي تطور في النثر المشرقي أو تجديد فيه لا بد أن تنعكس آثاره على أهل الأندلس، فإذا كنا قد تعرفنا عند دراستنا للنثر العباسي على طريقة الجاحظ وابن العميد وبديع الزمان، فإننا سنجد أصداء ذلك في الأندلس.
وقد امتاز كثير من كتاب الأندلس بجمعهم بين الشعر والنثر كابن زيدون وابن شهيد وابن برد ولسان الدين بن الخطيب، فكان لهذا الجمع بين الفنين أثره في صبغ النثر بالصبغة الشعرية، مما أعطاه جمالاً ورقة وحسن اختيار للألفاظ والأساليب.
أهم فنون النثر الأندلسي:
الخطابة:
عندما دخل العرب الأندلس فاتحين كانوا بطبيعتهم ميالين إلى الخطابة، ثم إن عصر الولاة كان عصر اضطراب وحروب وصراع بين العصبيات العربية، فكان ذلك داعياً إلى ازدهار الخطابة في الأندلس في ذلك العصر، فكانت الوسيلة الفعالة في إشعال الحروب وتأييد العصبية القبلية عندما تكون الحروب والنزاعات بين العرب العدنانيين والقحطانيين، وكانت الوسيلة فعالة في الحث على الجهاد وقتال الكفار عندما تكون الحروب ضد نصارى الأندلس.
وكانت الخطابة في تلك الفترة تتميز بالسهولة والوضوح والإِيجاز والبعد عن التكلف؛ لأن الخطباء من الولاة والأمراء والقادة كانوا عرباً مطبوعين على الخطابة والارتجال.
ولكن عندما استقرت الأمور ومال الناس إلى الدعة ضعفت الخطابة الأندلسية، وتفوق الشعر والنثر الفني عليها، وإن كانت الخطابة الدينية قد ازدهرت بفضل بعض العلماء الذين كانوا يجيدون الخطابة كالقاضي منذر بن سعيد البلوطي.
وعندما عادت الأندلس إلى عصر الاضطراب والحروب في عهد ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين كانت الملكة والسليقة العربية قد ضعفت، فلم تزدهر الخطابة من جديد مع وجود دواعي الازدهار، بل دخلها كثير من الصنعة اللفظية، وامتلأت بالسجع المتكلف فضعفت، ولم يعد لها تأثير يذكر.
وأشهر خطباء الأندلس: طارق بن زياد فاتح الأندلس، والأمير عبد الرحمن الداخل مؤسس الحكم الأموي في الأندلس، ومنذر بن سعيد البلوطي، والقاضي عياض، ولسان الدين بن الخطيب.


نماذج للخطابـة:
خطبة طارق بن زياد فاتح الأندلس:[1] "أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأقواته موفورة وأنتم لا وزر[2] لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم. وإن امتدت لكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت[3] ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة[4] هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة. وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة[5]، ولا حملتكم على خطة أرخص فيها متاع النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان[6]، والمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان. وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عزبانا[7]، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا[8] وأختانا[9]... ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين. واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فان هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يُخْذلون".
1. نفح الطيب للمقري ج1 ص225.
2. وزر: حمل تحملونه.
3. ذهبت ريحكم: ذهبت قوتكم.
4. المناجزة. سرعة المقاتلة والا شتباك.
5. نجوه: منجاة. أي إنني معكم في هدأ الأمر الخطير.
6. العقيان: الذهب.
7. عزبان: جمع أعزب وعازب أي الذي لم يتزوج.
8. أصهار: جمع صهر، القريب وزوج بنت الرجل أو أخته.
9. أختان: جمع ختن، وهو أبو امرأتك أو أخوها. فالأحماء من قبل الزوج، والأختان من قبل الزوجة، والأصهار تجمعهما.



http://www.alsamrun.jeeran.com/mh20.htm

مميزات النثر الأندلسي:
الشعر في الأندلس امتداد للشعر العربي في المشرق؛ فقد كان الأندلسيون متعلقين بالمشرق، ومتأثرين بكل جديد فيه عن طريق الكتب التي تصل إليهم منه, أو العلماء الذين يرحلون من الشرق أو الأندلسيين الذين يفدون إلى الشرق للحج أو لطلب العمل, فكانت حبال الود ووشائج القربى قوية بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه.
وكان الأندلسيون ينظرون إلى الشرق وما يأتي منه نظرة إعجاب وتقدير؛ فكانوا في غالب أمرهم مقلدين للمشارقة, ويبدو ذلك واضحا في ألقاب الشعراء وفي معارضاتهم لشعراء المشرق.
ولكن هذا التقليد لم يمنعهم من الإبداع والابتكار, والتميز بميزات تخصهم نتيجة لعوامل كثيرة, أهمها البيئة الأندلسية الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع خاص.
ويمتاز الشعر الأندلسي في ألفاظه ومعانيه وأخيلته بسمات تبدو واضحة في مجمله, ومنها:
1. وضوح المعنى, والبعد عن التعقيد الفلسفي أو الغوص على المعاني وتشقيقها.
2. سهولة الألفاظ وسلاستها, والبعد عن التعقيد والغموض, وذلك ناتج عن بساطة الأندلسيين وبعدهم عن التعقيد في كل شيء. ويستثنى من ذلك شعر ابن هانيء وابن دراج, فهما يقربان من شعر المشارقة من حيث الجزالة والقوة.
3. قلة الدخيل والألفاظ الأعجمية؛ فقد لاحظ الدارسون أن الأندلسيين أكثر تمسكا بالعربية الفصحى من غيرهم.
4. التجديد في بعض أغراض الشعر والتفوق فيها, ويبدو ذلك واضحا في رثاء الممالك الزائلة, وفي وصف الطبيعة.
5. الخيال المجنح, وبراعة التصوير, والاندماج في الطبيعة, ووصف مناظرها الخلابة, وذلك أثر من آثار جمال الطبيعة الأندلسية, وتعلق الأندلسيين بطبيعة بلادهم, وانعكاس ذلك على شعرهم سواء من ناحية الألفاظ المنتقاة أو الخيال أو التصوير والتشخيص.
6. التجديد في الأوزان, وذلك باختراع الموشحات، وسوف نتحدث عن الموشحات حديثا مفصلا.
7. البعد عن المحسنات اللفظية المتكلفة والمبالغة, وبروز التشبيهات الجميلة والاستعارات الدقيقة وحسن التعليل.
والخلاصة أن الأندلسيين قد قلدوا المشارقة, ولكن هذا لم يمنعهم من الابتكار والتفوق في مجالات عديدة ورد ذكرها فيما سبق.


http://64.233.183.104/search?q=cache:7qdLOQfMyXQJ:www.alimbaratur.com/All_Pages/X_Files_Stuff/X_File_16.htm+%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1+%D8%A 7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3%D9%8A&hl=ar

قصيدة النثر واستدعاء النموذج الأندلسي:
تعرّف قصيدة النثر بأنها قصيدة تتميز بواحدة أو أكثر من خصائص الشعر الغنائي، غير أنها تعرض في المطبوعات على هيئة النثر وهي تختلف عن الشعر النثري Poetic prose بقصرها وبما فيها من تركيز. وتختلف عن الشعر الحر Free Verse بأنها لا تهتم بنظام المتواليات البيتية. وعن فقرة النثر بأنها ذات إيقاع ومؤثرات صوتية أوضح مما يظهر في النثر مصادفة واتفاقاً من غير غرض. وهي أغنى بالصور وأكثر عناية بجمالية العبارة، وقد تكون القصيدة من حيث الطول مساوية للقصيدة الغنائية لكنها على الأرجح لا تتجاوز ذلك وإلا احتسبت في النثر الشعري(1).
وقد عمد بعض روّاد حركة الحداثة في الشعر العربي إلى تنظير سوزان برنار لهذه القصيدة فاقتبس أنسي الحاج وأدونيس(2) كلاهما التعريف الذي يقوم على بيان طبيعة هذا اللون الأدبي بالإشارة إلى ما فيه من وَحْدة وإيجاز تركيز ومجانية، أي: خلوها من الغرض التعليمي أو التثقيفي الذي يمكن أن يهدف إليه النثر(3). وهذا التعريف ـ في الواقع ـ لا يتمتّع بأي تحديد منطقي للمعرف. فالقصيدة الغنائية هي الأخرى تتميز بالوحدة، والتركيز، والبعد عن أن يكون لها مقابل نثري.
وتبدو المشكلة نابعة من مغالطة المصطلح نفسه: "قصيدة النثر" فهذه التسمية التي أجْمع عليها بعض الشعراء تنسب القصيدة إلى النثر وليس إلى الشعر. ونسبة الشيء إلى شيء آخر تجعله جزءاً منه، وصفاته الفنية والجمالية كصفاته. فنسبة القصيدة إلى النثر توجب أن نتوقع خصائص النثر فيها لا خصائص الشعر. والحيرة في تسمية هذا الذي هو قريب إلى الشعر وبعيد عن النثر حيرة ليست جديدة.
فقد أطلق أمين الريحاني على ما كتبه من قصائد تخلو من الأوزان والقوافي شعراً حراً قرنه بشعر والت وايتمان(4). وسماه ميخائيل نعيمة بالشعر المُنْسَرِح. وسمّاه رئيف خوري سجْعاً نتيجة التزامه بالقوافي(5). واستخدم استخداماً مقروناً بالتحفّظ تعبير الشعر المرسل Blank Verse للدلالة على هذا النوع من الشعر. واستخدمت جماعة الديوان هذا المصطلح فيما استخدمت جماعة أبولو مصطلح الشعر الحر Free Verse في وصف ما يكتبونه من شعر تمتزج فيه البحور والأوزان. وذلك ما أوضحه أحمد زكي أبو شادي في غيْر موْضع(6). وقد ظهرت هذه المصطلحات جميعاً ولم يبرز في سياق التداول الاصطلاحي تعبير "قصيدة النثر" إلا بعد ظهور مجلّة شعر وتقديم سعيد عقل لديوان المجدلية وعرضه لديوان توفيق صايغ ثلاثون قصيدة(7). واختُلف فيمن كتب "قصيدة النثر" أولاً. فمنهم من ينسب فضل الرّيادة فيها للريحاني(8). ومنهم من ينسبها إلى توفيق صايغ، ومنهم من يرى في جبرا إبراهيم جبرا رائداً لهذا النوع من الشعر(9).
وليس المهم من هو أول من كتب قصيدة النثر. ولكن الأكثر أهميّة هو أنّ هذه القصيدة فرضت نفسها على القارئ. فبعد أن انحسرت موجة مجلة شعر التي برزت فيها المعايير النقدية لتيار الحداثة الذي أسهم فيه يوسف الخال وأنسي الحاج وأدونيس وجبرا وشوقي أبو شقرا ومحمد الماغوط وآخرون عادت هذه القصيدة لتتصدّر دائرة السؤال حول الحداثة ونقيضها فأثير حولها جَدلٌ واسع في المجلاّت. وتُعنى بها الآن دور النشر. ولا تخلو منها بعض المهْرجانات التي تنظّم في البلاد العربية من حين إلى آخر على الرّغم من أنّ هذه القصيدة تُقْرأ ولا تلقى(10). ويقال إن عِراراً- مصطفى وهبي التل- كتب في سنة 1926 نصّاً بعنوان زيزاء وصفه بأنه شعر منثور. ونشره محقق عشيات وادي اليابس(11). والمتأمل في النص يجده قريباً ممّا يعرف بقصيدة النثر من حيث الخصائص الجمالية للشكل النثري. فهو شديد العناية بالصورة. والإيقاعات الموسيقية لديه بائنة الوضوح: "في كلّ مقاس شِبْر من ثراك مَجَرُّ أذيالِ صبابات صافية الذيول، ومناخ عواطف ريّانة الإحساس والشّعور، وما زالت أجواؤك خافقةً بحفيف أجنحة التواجد والشوق، وفضاؤك مفعم بَرجْع أصداء وجيف القلوب العانية. فإنّ اتسامك باليباب، ووَسْمَكِ بالعفاء، سيظلّ وهماً كاسياً رداءَ الحقيقة. وجزافاً متزّملاً وشاح الصحيح"(12). ولا يخفى أنّ لِعرار محاولات في تجديد الشعر اصطبغت بالتخلّي عن البحر واللجوء إلى التفعيلة في قصيدتين على الأقل من قصائده(13).
أما أمجد ناصر وهو موضع اهتمامنا في هذا البحْث فقد استهل تجربته بقصائد من الشعر الذي عُرف في الأدبيّات المعاصرة باسم الشعر الحر، فصدرت له مجموعة مديح لمقهى آخر" 1979 ومنذ جلعاد كان يصعد الجبل 1981 وفي هذا الديوان مزج بين قصيدة النثر والقصيدة الغنائية التي تقوم على استخدام التفعيلة الواحدة. وتتابعت دواوينه النثرية فظهر رعاة العزلة 1986 ووصول الغرباء 1990 وسُرّ من رآك 1994. وظهرت له مجموعتان من المختارات الأولى: أثر عابر 1995م والثانية: مختارات شعرية 1999 وقبل هذا الكتاب الأخير صدرت له قصيدة نثرية مطولة بعنوان مرتقى الأنفاس 1997 تقع في كتاب كامل وهي مَوْضع حديثنا في هذا البحث.
وسأكتفي من الحديث عن مجموعاته الشعرية التي سبقت النص الأخير "مرتقى الأنفاس"، بتذكير القارئ المتتّبع لأشعار أمجد ناصر المُبكّرة والمتأخّرة بما كنت قد ذكرته في دراستي لأعماله 1979- 1995(14) من حيث أنّ الشاعر المتمرّس بالقصيدة الغنائية ذات الإيقاع الخارجي الموزون أقدر من غيره على كتابة قصيدة النثر، إذ إنّ تخلي الشاعر عن الوزن يحتاج إلى بديل يعوّض النقص الذي اختلّت به القصيدة نتيجة التخلّي عن الموسيقى(15).
والتجأ الشاعر إلى بدائل منها عناصر صوتية إيقاعية مثل توازن الألفاظ وتكرار الحروف ومراعاة التوقّع لدى المتلقي إما بتقديم ما يُلائم هذا التوقع أو بتجاوزه وتقديم ما يعدّ انكساراً لأفق التوقع يُحْدِث الدّهشة التي تفاجئ القارئ:
ستمضي إذاً أيها الوطن المختوم.
بالشمع الأحمر.
والمسجّى
بين أزهار الدفلى
إلى مثواك الأخير
رايةً ممزقة
ورؤوساً منكس.
بلا حماسة.
أو حزن.
ستمشي الجنازة
وطبلٌ واحد،
يقرع قلبي.(16)
وعلاوةً على ذلك استخدم الشاعر الثنائيات الصوتية كالإيقاع الصاعد مقابل الإيقاع الهابط الذي توضحه كلمتا (دفلى) و(مختوم) مثلاً. والتوازن في الأبنية الصَّرْفية المتجاورة الذي توضحه كلمتا "ممزقة" و"منكّسة" مستغلاً ما في هذه الأبنية الصرفية من مقاطع صوتية منبورة Stress Sellable والإفادة من تجاور مخارج الحروف الذي يتضح في كلمتي "ممزّق" و"منكس" و"يقرع" و"قلب" مع ما في اختلاف موقِعَيْ الحرف نفسه من تأثير على الصّدى الصوتي للملفوظ الشعري(17). يضاف إلى ذلك الإفادة من التكرار الصوتي الذي يشمل الحرف والكلمة والتركيب الجملي. وشعرية الوحدة اللفظية الدالة متّبعاً الانحراف عن المعيار المعجمي. وقد يتجاوز هذا الانحراف بُعْده الدلالي إلى التركيب البنيوي الذي يخلخل النسق النحوي بتعبير ياكبسون فيلجأ إلى بنية التقديم أو التأخير مستبعداً قواعد الاطّراد والتسلسل المعروفة في النثر(18).
وتختلف قصيدة مرتقى الأنفاس عن غيرها من أشعاره، فبالنظر إلى طول القصيدة نجد الشاعر يخالف أحَدَ الأشراط التي قام عليها تعريف موسوعة برِنْستون لقصيدة النثر.
فلابدّ في هذه القصيدة من أن تكون قصيدة وأنْ لا يزيد طولها في مطلق الأحوال عن ثلاث أو أربع صفحات فهي من حيث الطول تماثل القصيدة الغنائية وإذا تجاوزت ذلك فقدت توازنها وتأثيرها وتصْبح أقرب إلى النثر منها إلى الشعر(19) ونحن في مرتقى الأنفاس(20) أمام قصيدة تتألف من ثلاثة فصول كلّ فصل منها يتألف من أناشيد أو مقاطع أو نصوص بعضها يميزها الشاعر بعنوانات فرعية وبعْضها ميّزه بأرقام متسلسلة لاتينية تعلن عن انتقاله من جزء إلى آخر. إلى جانب البياض الذي يفْصِلُ عادة بين نصّ وآخر أو فِصْلة وأخرى. هذا علاوة على )مقدّمة نثرية) يستهل بها كل فصل من الفصول الثلاثة إذا جاز التعبير. وقبل المضيّ في تحليل هذه القصيدة للكشف عن بنيتها الشعرية في مستوياتها، النصّية المختلفة صوتياً ودلالياً وتركيبياً نودّ أنْ نُلْمِح إلى شيءٍ مهم وهو أنّ القصيدة تقوم على استخدام تقنية القناع وهي تقنية استخدمها شعراء كثيرون لأن التحدّث من وراء القناع في العادة أبلغ تعبيراً وأقوى تأثيراً وأغزَرُ تخييلاً وأوفْر تصويراً(21) واتخاذ أبي عبد الله الصغير آخر سلاطين الأندلس قناعاً للشاعر في هذه القصيدة يضعنا وجهاً لوجه أمام حقيقة بارزة. وهي أنّ الشاعر أمجد ناصر يواصل ما بدأه آخرون من حيث استدعاء النموذج الأندلسي في الشعر الحديث للتعبير عن تفاعل الحاضر بالماضي وتذكير المعاصرين ممن يقرؤون النصّ بأنهم يعيشون حاضرهم بوصفه تاريخاً سبق إنجازه. وقد يفسّر هذا لجوء أمير الشعراء أحمد شوقي إلى اتخاذ صقر قريش موضوعاً لقصيدة من عيون شعره(22). وإلى الإنحاء باللائمة على أبي عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس في التفريط بها والتخلّي عنها من غيرْ دفاع(23). ومثلما التفت شوقي إلى الأندلس التفت الجواهري والتفت المحدثون كالبياتي وسعدي يوسف وأحمد عبد المعطي حجازي وأدونيس فيتحول الصقر (وملوك الطوائف) ومحمد عفيفي مطر في بوابة طليطلة وخالد أبو خالد في قصيدة صقر قريش ومحمود درويش الذي استخدم شخصية أبي عبد الله الصغير في بناء شعري لجأ فيه إلى القناع(في قصيدة أحد عشر كوكباً على المشهد الأندلسي) (24).
وأمجد ناصر في (مرتقى الأنفاس) يقسّم قصيدته إلى ثلاثة أقسام يبدو من عنواناتها أنّ فيها حركة وانتقالاً من الاستهلال إلى الوسط ثم الخاتمة. ففي القسم الأول توديع غرناطة. وفي الثاني مشيئة الأفول وفي الثالث تنحدر القصيدة باتجاه النهاية مرتقى الأنفاس.
ولقد استهل كل قسم منها بمقدمة مقتبسة من كتابات نثرية معروفة حول سقوط غرناطة. وهذه الاقتباسات التي أحال في بعضها إلى مجنون إلزا لأراغون الشاعر الفرنسي، وفي بعضها للكاتب القصصي الأمريكي واشنطن أرفنج وكتابه قصص الحمراء(25) وأحال آخرها إلى شاتو بريان صاحب رواية آخر بني سراج(26) هذه المواد المقتبسة تشير في الحقيقة إلى اللحظات الأخيرة من حياة أبي عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس. وقد يكون من المُسْتحسن أنْ نعرّف بهذا السلطان ونَذْكُر طرفاً من سيرته وأخباره لما له من صلة متينة وقوية بهذه القصيدة، فلا يمكن للقارئ أن يقف على دلالاتِ النص ورموزه دون معرفة بتلك السّيرة.
أبو عبد الله الصغير:
والمعروف أن اسمه محمد بن علي. وكان أبوه قد تزوج من إسبانية (ايزابيل) التي اعتنقت الإسلام وعرفت باسم الثريا وأنجبت لأبيه أبناء ينافسونه على عرش غرناطة، الأمر الذي أوغر صدر أمه عائشة فحرّضته على أبيه الذي لم يبْخل عليه بولاية العهد. وفي سنة 1483 انقلب على أبيه مستغلاّ خروجه في الغزو واستولى بمعونة حميّهِ علي العطار على "الحمراء" ونصب نفسه أميراً للأندلس بعد أن لقي تأييداً في ربض (البيّازين) أكبر أحياء غرناطة في ذلك الحين. ونصحته أمه أن يحقق انتصاراً على الأسبان يكتسب به محبة شعبه فوجّه حملة إلى اليسانة Lucena فقد فيها قائد جنده علي العطار ووقع كثير من جيشه في الأسر. وكان هو نفسه من بين الأسرى. وخشي الأسبان إنْ هُم احتفظوا به أسيراً أن يرجع المُلْك لأبيه الذي كان حتى ذلك الحين يخوض غمار الحرب لاستعادة العرش. أو أنْ يتحالف الأب مع أبي الحسن الزَّغل وفي ذلك ما فيه من خطورة فأطلقوا سراحه بعد أن أجبر على توقيع معاهدة يعترف فيها بطاعته للملكين فردناندو وإيزابيلا وأنْ يدفع جزية سنوية كبيرة، وإطلاق سراح 400 أسير إسباني كانوا في حوزة الأندلسيين وأن يقدّم ولده الأكبر وأبناء بعْض أمرائه وقوّاده رهائن لضمان تنفيذ الاتفاق(27).
وهذا الاتفاق عمّق الفُرْقة والخلاف في صفوف الأندلسيين فقد اتهم الزغل أبا عبد الله بالجبن وأنه باع غرناطة لقاء تحريره من الأسر. ثم تتابعت بعد ذلك اتفاقيات الملك الصغير مع ملكي قشتالة وأراغون. ومنها اتفاقية لوشة التي تعهّد بموجبها بمحاربة عمه الزغل وأن يكتفي بلقب دون ويتخلّى عن لقب المَلِك. وهذا الاتفاق أججّ الحروب الأهلية في غرناطة مما عجّل في السقوط الذي اتضحت بوادره في ضياع مالقة والمريّة ووادي آش. ولم يتبق في أيدي المسلمين سوى غرناطة التي حوصرت حصاراً شديداً أجبر أهلها ولا سيما الأعيان على الرضوخ في الثاني من كانون الثاني من العام 1492 وسلّم أبو عبد الله بنفسه مفاتيح الحمراء للملكين الكاثوليكيين وسُمِحَ له بالبقاء مدّة في برشانة Purchena وضيّق عليه الإسبان تضييقاً شديداً إلى أن غادر برشانة إلى البشرات ثم إلى المغرب في سنة 1493 عبر ميناء عذرة Adra حيث الرَّبوة التي ماتزال قائمة إلى الآن، وفيها ذرف الرجل دموعه على ملكه الضائع، ولذا يسمّيها الإسبان زفرات العربي الأخيرة El Suspiro del Moro(28).
ونحن نذكّر بهذه المعلومات عن أبي عبد الله الصغير لأنّ الشاعر استخدم غير مرة الإشارة إلى الرابية و"الزفرة الأخيرة" ولحظة الخروج إما في نص القصيدة وإما من خلال العبارات المقتبسة من واشنطن آرفنج أو شاتوبريان(29).
وفي الجزء الموسوم بالرابية نسمع أشخاصاً يتحدثون. والصَّوْت في أكثر المقاطع التي يتألف منها صوت جماعي يناسب ما ورد في الإشارات المقتبسة من لويس أراغون. فالمتنازلون الراغبون في توديع غرناطة لا يدرون كم قضوا في تلك البلاد وكم دارت بهم الأرض قبل أن تهبَّ الريحُ من جهات سبْع فتدفع بهم خارج الظلال، وكأنّ ما كان لا يعدو أن يكون حلماً يراه الإنسان فيما يرى النائم. فكل ذلك الذي تكوّن ببطء في ثمانية قرون يختفي في لحظة واحدة:

لم يعد للنخيل ما يفعله هنا.
ولا للأغاني ما تزوّد به سَفَرَ الغرباء
على دراهِمنا أثرٌ من النوم
وفي أصواتنا رنَّة تمتصّ الريح(30).
وفي لحظة الوداع لا يفتأ الصوت الجماعي يشيد بالأمير التعس الخفيف الذي يقاوم العاصفة بساقين واهيين من قصب. هكذا يبدو لنا الأمير المهزوم وقد رفعه أنصاره ليذرف الدمعة الأخيرة:
رفعناه قليلاً..
لتكون الرابية
التي غَذَذْنا إليها مبكّرين
حسْرته الأخيرة ..
ليبكيَ على حَجَرِ الألى
داراً وأتراباً..
ونائماتٍ ببكورتهن
بيضاواتٍ في خَدَرِ الضحى.(31).
وتكبرُ في هذا الجزء صورة الأمير بانتقال الصوت الجماعي إلى الماضي أي إلى الوقت الذي سبق لحظة التوديع. حيث الأنفاس تكاد تتقّطع في الاجتماع الذي تقرر فيه الإذعان وحيث القوة القاهرة تكتسح بالأقدام بهو السفراء ويجتاح قاعة العرش. وحيث المكان يتحول إلى رمز مزْدَوج المعنى، فهو إشارة إلى ذلك الماضي العريق وهو إشارة أيضاً إلى زوال ذلك الماضي بصورة مجازية تشبه انطفاء شُعْلةٍ أو آثاراً تغشاها الأمطارُ وتمحوها الريح.
كذلك تكفّلت الريح بالشُّعلة.
والأمْطارُ بآثار الراحلين(32).
وبنسقٍ سردي ينتقل بنا الصوت الجماعي نفسه في الجزء الموسوم بميلان النهار وهو أيضاً تعبير مجازي عن بوادر السقوط والخروج. وهنا يطغى على الصوت الجماعي صوت منفْرد هو صوت أبي عبد الله الصغير الذي يدرك مثلما أدرك المنادون بالتسليم ميلان النهار فهو يلتمس ذلك الاتجاه للسقوط منذ حادثة الأختين، وهي إشارة إلى الدسائس والمؤامرات التي كانت لا تفتأ تتكرَّرُ في قاعات الحمراء ومقاصيره:
الضَّغائن التي تُطْعِمُ الليل ثديها
خارت قواها
وَهَنَ العَظْمُ
وانقَطَع المِداد(33).
وفي الجزءِ الثاني الموْسوم بعنوان الأمير نجد المتكلّم وحده هو الذي يبوح بالأسرار الخفيّة عن أبي عبد الله الصغير؛ ويتبوأ القناع- من حيث هو نموذج يستعيره الشاعر ليقول من خلاله ما يريد- مكانه في النص. باعتباره البؤرة التي تتجمّع فيها خيوط العمل الأدبي وتلتقي أبعاده في مِحْور مركزيّ.
أنا أبو عبد الله الصَّغير
بِكْرُ أمي..
وُلِدْتُ تحْت لُبْدة الأسد
رايتي حَمْراء..
ودليلي نهارٌ يميل
سلَكْتُ طرقاً مشاها أسْلافٌ خَطِرون
بهمّةِ دَمٍ يَطْرُدُ دماً..
ووَصَلْتُ إلى ما دالَ للقادمين(34).
فهو يتجاوز التوديع إلى محاكمة ذاتية لنفسه، فمنذ تسلّمه (الراية الحمراء) ودليله نهار مائل إلى أنّ السقوط آخذٌ بالظهور والطرق التي سلكها لم تقده إلا إلى خضوع مملكته للقوة الصاعدة ومصيره قد تهيأ من قبل أن يتسلم الملك. والاحتفاء به لم يكن إلا الرقصة التي تسبق الموت:
لم أكُنْ مَنْ نودي به،
كُنْتُ شقيق المَساء
استدْرِجُ طفولتي
مِنْ مَتاع القوّة
إلى مُعْجزةٍ تَتَمرْأى في الظلال.(35).
أما شعلة الحمراء فكأنّ الريح تلطف بها منتظرة اللحظة المواتية لكي تهب عليها فتخمد نارها إلى الأبد. والانتظار طويل ومؤلم لاسيما إذا كان السقوط أمراً مؤكداً. فما أصْعب اللحظة التي تسبق الطَّعْنة النَّجلاء القاتلة. وما أصْعَبَ أنْ يكون المرء بطلاً تراجيدياً محكوماً عليه بالموت، ومع ذلك يطلُبُ منه أنْ ينتظر انتظاراً أطْوَلَ ليكون العذابُ أكثر قسوة:
ما أطْوَل انتظارَ الطَّعْنة
لا سَيفي،
ولا لِدَاتي
ولا مؤوّلو الأحاديث
سَيَرُدّونَ المكتوبَ إلى حِبْره.. وَيْرجِعُون بالنبأ إلى الطّيْر رَمانا بهِ وتناهى.(36).
ما الذي يريد الشاعر أن يقوله من خلال هذا النموذج التاريخي الذي أضفى عليه ملامح إنسان يختلف عن ذلك الذي صوّرته الوثائق وكتب التاريخ والمذكرات؛ أيريد أن يقول لنا إن أبا عبد الله الصغير ملِكٌ تسلّم غرناطة وقد تقرر سقوطها من قبلُ وبات الأفول أمراً حتمياً وغروب الأندلس حقيقة واقعة لا يستطيع دَفْعها بما لديه من وسائل المقاوَمَةِ والصّمود؟
هذا ما يقوله أبو عبد الله نفسه في الجزء الموْسوم بمشيئة الأفول:
اللاحقون ما التمسوا لمحنتي سبباً
أوّلوا الحادثاتِ
ما طابَ لهم
وجَعلوا المغْفِرَة
حِكْراً على النّسيان
عرفتُ أنّ ذلك حَدَث غداً
لكنّ رسائلي
لم تْترك أثراً
فثمّة مَنْ دأب
على تحريرها
ومضى الوقتُ
لِكَسْب وداد الغزاة(37).
فالصّورَة التي رسمت له هي صورة المستسلم الذي اشترى حريته بأوطان الآباء والأجداد، وأنه نموذج للخائن الجبان الذي يوقّع بنفسه وثيقة الإذعان في وقت كان فيه الآخرون مازالوا يرفعون السلاح. أمّا هو فيرى أنّ استسلام الأندلس شيءٌ قررّته الأقدار وفرضته الظروف. وقد شاءت أن تختاره هو ليسلّم بيده مفاتيح الوطن وليَظْفَر مِنْ بَعْدُ بلعنة التاريخ:
وبَيدِ مَنْ سلَّمتا السّيف والمفتاح
أمْسَكْتَ ناياً، ورُحْتَ تجْرَحُ أشباحاً
تتكاثَرُ في النعاس(38).
فلو لَم يقُمْ هو بتسليم المفاتيح لكان الذي سلّمها شخصاً آخر. وعلى ما يبدو من مصيره التراجيدي هذا فقد تبّرأ منه ومن نفسه وتمنّى لو أنه كان نسياً منسياً. تبرأ على الرابية من حسْرته الأخيرة، من يوم مولده، من مهاراته في القتال بين الأقران، مؤكداً أن حياته لم تكُنْ إلا قسمةً عادِلَةً بين السّمّ والترياق:
على رابيةِ الحَسْرة
تبرّأتُ من النّجم الذي لِمَوْلدي
ومِنْ مهارَتي بيْن الأقْران
وَسْط العابرين بأكتافٍ كبيرة(30).
وهو في المقاطع الأخيرة من مرتقى الأنفاس يكاد يبوح بهوائية العرش الذي آل إليه. وأنّ مُلْكه لم يكنْ في الواقع غيرَ سراب. بلْ هو نفسه كان كالريشة في مهب الأعاصير. لم يفعل شيئاً يستحق عليه الثّواب أو العقاب. لقد صاغت الأقدار كينونته ومصيره.
أخفُّ مِنْ أملٍ على جَبلِ القنوط.
الرِّيشَةُ التي تحرَّرْت مِنْ ورْطةِ الجناح
أثقلُ منّي في كفّةِ الريح،
فيا لَنَفسْي،
أمّارَةٌ بالألم
ويا لَفمَي عطشْانُ على حافَّةِ النّبْع،
ويا لَيدَيّ
ادّعتا وَصْلاً
وَعادتا خاوِيَتَيْن.(40).
وهذا الاستدعاء الغنيّ لشخصيّة أبي عبد الله الصغير يشبه توظيف محمود درويش له في قصيدة أحد عشر كوكباً على المشهد الأندلسي. فهو يدين نفسْه ويتبرأ من خطأ أجبر على ارتكابه ولم تكن له يد في نهاية السقوط. فلو لم يقبْل هو نفسه معاهدة الصلح فسيتقبلها آخرون. وقبوله للتسليم كانَ على مَضَضٍ وهو لذلك يستحق لَعنْة التاريخ ويستحقّ العقاب الذي أنزله به الآخرون.
مثلما قلْتُ للأصدقاءِ القُدامى
ولا حبَّ يشفَعُ لي
قَبِلْتُ معاهدة الصُّلْح، لم يَبْقَ لي حاضِرٌ
كيْ أمرَّ غداً قُرْب أمسي،
ستَرْفع قشتالةٌ تاجها فوْق مئذنة الله
أسْمع خَشْخَشَةً للمفاتيحِ في باب
تاريخنا الذَّهبي،
وداعاً لتاريخِنا
هلْ أنا من سيُغلْق بابَ السَّماءِ الأخير
أنا زَفْرَةُ العربيِّ الأخيرة.(41).
وقد يجيءُ الاختلاف من كوْن محمود درويش في استخدامه للقناع يريد أن يعبّر عن الحاضر الذي انتهى بقضية فلسطين إلى اتفاق أوسلو 1993) عاقداً نوعاً من التشبيه الدائري بين اتفاق الاستسلام الذي وقعه الصغير واتفاق الإذعان الأخير:
إنّ هذا السّلامَ سيَتْرُكنا حِفْنَةً من غُبار
فَلِماذا تطيلُ التفاوُضَ يامَلِكَ الاحْتِضار(42).
وهذا ما لَمْ يتضح أثره في قصيدة أمجد ناصر "مرتقى الأنفاس". وقد يشجعنا هذا لعقد موازنة بين استخدام المنظور الشعري في تشكيل القناع الواحد بِصُوَرٍ شتّى تخْدم أفكاراً عِدّة.
ولكنّ هذا لا ينفي الإيماءات المشتركة التي يتلقاها القارئ من القصيدتين. ففي مرتقى الأنفاس يبدو لنا الصغير المظلوم المتبرئ من نفسه مرآة تتراءى فيها صُوَرُ المهْزومين الحالمين بهواءِ العروش:
متوّج بخفتّي
عرْشي على الهَواء
مسنوداً بُحرْقة الأنفاس(43).
وتبعاً لذلك فإنّ استخدام أمْجد ناصر ومحمود درويش للقناع ذاته والنموذج التاريخي نفسه من منظورين مختلفين قاد إلى صورتين متباينتين وإنْ تجلّت فيهما ملامح مشتركة تشهد على الصلة القائمة بين التجربتين المتزامنتين.(44).
ومتجاوزاً الشّروط الضيّقة التي وضعت لقصيدة النثر يُركّب أمجد ناصر قصيدة مرتقى الأنفاس من عناصر عدة. في أولها تعدد الأصوات، واعتماد الصوت الجماعي، والمنولوج الداخلي Internal Monologue الذي يجعل من النموذج التاريخي أبي عبد الله الصغير شاعراً ضمنياً في النصّ يبوح من خلاله المتكلّم بما يريد قوله الشّاعر بأسلوب غير مباشر.
ويصاحِبُ ذلك تعدّد النقلات في القصيدة من التوديع إلى الأفول فمرتقى الأنفاس في بناء تصاعدي يُشْبه بناءَ الكاتب للقصّة، وحَبْكِه لأحداثها حَبْكاً ينتهي إلى خاتمة متوقعة، أو غيرْ مُتوقّعة. وهذا النموّ الهَرَميّ للنصّ يخالف فيه الشاعر بناء القصيدة النثرية القصيرة التي تتألف عادة من وميضٍ عاطفيّ أوْ وجداني يجري تسليط انتباه القارئ إليه في حركة سريعة لا تمتد كثيراً بين الاستهلال والانتهاء. وذلك قد يُشْعِرُنا بتركيز القصيدة النثرية الغنائيّة أكثر مما تشعرنا به قصيدة مرتقى الأنفاس. ولكنّ هذه الأخيرة تشعرنا بالانتقال من البناء الكثيف المبسّط إلى البناء العميق المركّب.
وتحتاج هذه البنية المركبّة التي تعتمد القناع إلى بدائل اختيارية يلجأ إليها الشاعر وقد اطّرح بعض خواصّ الشّعر الغنائي مثل القافية، والوزْن العروضي، والتفعيلة الواحدة. والتصوير الكثيف فضلاً عن الرّموز والمجازات والنهج الاستعاري الذي يميز لغة الشعر عن غيْرِه. لأنّ مثل هذه البدائل هي التي تضمّن للنصّ شعريّته أكثر مما تكفلها له تقنية القناع التي يُمكن أنْ تكون تقنية سرْدية، وأكثر مما تكفلها له البنية المركّبة للقصيدة التي يمكن أن تكون في الوقْت نفسه بِنْيَةً غِنائيّة ومَلْحَميّة ودراميّة.
يتوجّه الشاعر في هذه القصيدة إلى بنية البيت Verse باعتباره وَحْدة صغرى مندمجة في وحدة أكبر يمكن أن نسمّيها مقطعاً Stanza والمقاطع تندمج في بنية أكبر هي القصيدة أو لنقل بكلمة أكثر شمولاً هي النص Text والأبيات تُنظِّمُ للقارئ الوَقَفات إلى جانب البياض الذي يتقاطع في الوقت نفسه مع الملفوظ الشعري المطبوع. وهذا التنظيم يقرّب قصيدته من حيث المظهر الصوتي الخارجي على الأقل القصيدة الغنائية. فيحسّ القارئ لأول وهلة بأنه من الناحية النظرية أمام قصيدة. وأنه من حيث قراءة الملفوظ المدوّن يزاول العادة نفسها التي يزاولها حين يقرأ القصيدة الغنائية ذات القوافي والأوزان.
نتنَّفسُ مَعَك
وأنْتَ دليلُ السّدى
هواءُ الأسلحة يهبّ من لَيْلِ الغَلَبة
العاصِفَةُ
لا الحِكْمَةُ
تزورُ النّوايا
وتقيمُ وَزْناً للأبْراج
القوّةُ مطمئنّةٌ لأثقالها
تتمطّى في الهَباءِ الساقط
من مَراصِدَ شاخِصَةٍ إلى النّجوم
تشْغَلُ ما شَغَلتْ مِنَ المرافق
تمْحو
وتكْتُب
وترِثُ
الأختام(45).
فهذا المثال يوضّح لنا أنّ اللجوء إلى تفتيت القصيدة لبنيات صغرى تتفاعل في إطار بنية أكبر منها، يذكّر القارئ ببنية قصيدة التفعيلة التي تقوم هي الأخرى على أساس مشابه. فيجدُ القارئ في تتابع الأبيات نسقاً مشابهاً لنسق القصيدة الغنائية مفارقاً لتتابع الجُمل في الفقْرة من النثر السّردي مثلاً أو المقالي. فالوقفات تتناسب طردياً مع تتابع التراكيب. ويستطيع القارئُ تلمّس الفرْق لو أنه عمد إلى دمج الأبيات كلّها في فقرة واحدة مستعيضاً عن البياض بفواصل ترْبط بين البيت والآخر، فعندئذ يتلمّس الطبيعة الإطرادية للنثر. واعتماد الشاعر على البياض والتشكيل البَصَريّ المتنوع للمقاطع أضفى عليها قرباً أكثر من الشعر الغنائي، وابتعد بها شأواً طويلاً عن النثر:
تطامن الأقواس والقُبَب
إذ يستحثُّ الجَمالُ أيدي الصّانعين
المهارَةُ
مخفورةٌ
فوْقَ
كلِّ
ذي
يَدٍ
وكلّ جبل
قمّة وسفح(46).
والتلوين البصري الذي اعتمده الشاعر يسْترعي الانتباه من حيْث ما فيه من الشُّمول والتّكْرار، إذْ يَظْهر في أكثْر مقاطع القصيدة بفصولها الثلاثة ويتنوّع بحيث يشْمَل تقطيعَ البيت الواحد إلى شظايا متوالية أو متدرّجة أو متمّوجة:
هكذا
أسْلم
الكَمالُ
خفيضاً
وصامتاً
نفْسَه
لمشيئةِ
الأصيل.(47).
وإضافة إلى هذا التدريج في توزيع أجزاء المقطع نجدُ الشاعر يلجأ إلى وَضْع مقلوبٍ بحيث تأتي الأبيات ممتدّة رأسياً ولكنْ على يسار الصفحة لا على اليمين مثلما هي العادة. وقد يتقابل مثلُ هذا الامتداد الرأسي في صفْحتين فيتشكّلُ منهما توزيعْ متناظر لافتٌ للبصر.(48) ولا ريب في أنّ مثل هذه التشكيلات البصرية -من الوجهة السيميائية- ذات وظائف متعددة يلتقي فيها البعدان الصوتي والإيحائي، وتذوبُ الفروق بيْن فضاء النص ومستواه الدلالي.
يضاف إلى ذلك اللجوء إلى الفراغات لتشكل نقيضاً للملفوظ فالمحكي يصاحبه المسكوت عنه في إشارة واضحة ودالة على ثنائية الحَذْف والذكر(49). وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى وَقفةٍ طويلة على إثْرِ أبياتٍ متدفّقة يسْترْسِل بَعْدها في أبياتٍ أخرى:
والكَنْزُ المَرْصودُ بسَبْعة أطْيافٍ يتكشّف للأبعدين
...............
...............
وعلى كَتِف المَساء الحرّ كانَ الأملُ العليل لمأمورِك
يستعيدُ قواه(50).
وتجسيداً للنّغم النفسي الداخلي يلجأ الشاعر إلى تقطيع الكلمات أو الجمل إلى حروف. فيحْسب القارئ بأن توزيع أجزاء الجملة أو الكلمة ذو تأثير حتمي في الموسيقى الداخلية التي هي اتحاد مباشر بين الصَّوْت والمعنى، أي أنّ تقطيع الأصوات يحاكي محاكاةً مُباشِرَةً تقطّع الأنفاس:
لَيْس السَّيْفُ
ولا حَجَرُ الماس
بلْ
الأنفاس
بلْ
ما
هُو
أدْهى
اسْتَرَقنَي مِنْ عُلُوِّ يقْظتي.(51).
وترابطُ الصوت والإيحاء في هذه القصيدة غيْرُ كافٍ للتفريق بين نسيجها اللغوي والنسيج المألوف للنثر العادي المفارق للقصيدة. ونستطيع هنا أنْ نحيل القارئ لما قيل حول البدائل الشعرية التي يعتمدها أمجد ناصر في أعماله الأخرى(52). فهو في بنياته اللغوية كثير التعويل على العلاقات الدلالية الجديدة التي يعقدها بين الألفاظ. فالعراء في أحد المقاطع ممغنط والروح تتصنم في الهبوب الكبير. وينتصب-فجأة- في مثل هذه الصورة اثنا عشر أسداً في إشارة إلى قاعة السباع في قصر الحمراء والقنوط هو المَظْهَر الكامِنُ والجِهاتُ والأعْشاب والغزاة والطَّعَنات كلّ ذلك يتفاعل في صورةٍ أساسُها ائتلافُ ألفاظ لا تأتلف:
يا للعراء المُمَغْنط!
الرّوح تتصنّمُ في الهبوب الكبير، وتضاهي
اثني
عَشَر
أسَداً
في
تمامِ القنوط،
ويا للجهات التي ترْسِلُ إليك أبطالها الخائرين.
ليتشبثوا بالغروب
أرْخبيلات سَرَطان
أعْشاب تَهْلُكة
كأنّ الغزاة ابتدَروا حياتك
بِطَعنَاتٍ لا تَشْفى.(53).
والنَّظْرة السّريعة في الشاهد السابق تثبت للقارئ أن اعتماد الشاعر على شعريّة اللفظة وإيمائها الناتج عن اقترانها بألفاظ أخرى واضح بل لافت للنظر، لاسيما إذا وازن بين عدد الألفاظ التي استخدمت بدلالالتها الأصيلة والأخرى التي انحرفت بمعناها عن المعيار المعجمي. وفي مقْطع آخر يتألّف من أبياتٍ خمْسة نجده يستعمل: التراب الصابر، أمير الانتظار، طعنة الألماس، أسير الزَّغَب كان يطلق على أبي عبد الله اسم (الزِّغبْي) و"ذو الزفرة التي ذهبت مثلاً"(54) وثمّة مقطع كامل في مشيئة الأفول يتألّف من كلمتين اثنتين:
طنين
يُعَرّش.(55).
فهذا المقطع-مثلما هو واضح- يستخدم اللفظة لتكون صورةً قد تبدو لأول نظرة معزولة عن السِّياق ولكنها إذا أحيلت إلى الكلام السابق لوحظ أنها صورة لفظية تتفاعل فيها أصواتٌ وأمكنة تعبّر عن الصَّخَبِ والضّجيج الذي يتفجّر داخل المتكلم وهو الذي يقول من قبل:
الهواءُ فاترٌ
والمَصَائِرُ
تفوّض أمْرَها
لِمَشيئةِ الأفُول.(56)
وبما أنّ هذه القصيدة المركبة تنتفع في بنيتها من المتواليات السردية، والبوح الداخلي الذي يضع المتكلم في بؤرة النص، فإن في مستواها التركيبي أو النحوي ما يشي بالاطراد قليلاً. وهو اطراد نجده في المقطع الواحد لكننا إذا فارقناه إلى مقطع آخر نجد اطراداً من نوْع آخر، متفاعلاً في سياق ثانٍ. وهذا واضح في الجزء الأخير من النص وهو "مشيئة الأفول". ولا سيما عندما يلجأ الشاعر إلى أسلوب التشخيص Characterization القائم على استعمال ضمير المخاطب Second Person والاطراد-مثلما نعرف- شيء واضح في النثر العادي-غير الشعري- الذي يلجأ إلى التسلسل في عرض الفكرة والتفصيل في توضيح المعنى. وقصيدة النثر تنأى بنفسها عن الاطراد بهذا المفهوم ولكنْ بما أنّ الشاعر هنا لجأ إلى القصيدة الطويلة المركّبة فقد استوعب فيها أشكالاً وضروباً من التعبير الغنائي والنثري. ففي المقطع الثالث من مشيئة الأفول مثلاً نجده يصوّر مشهداً تطّرد وتتسلسل فيه أجزاؤه، ولكنه يستمد شعريته من تشكيلاته اللفظية ومن تركيباته القائمة على التقطيع واستبعاد الروابط النحوية:
سيّد هذا الغروب النشوري،
رأيتُ في النجمة التي كلأت خطاك
طيفَك يَكْدَحُ في الغناء:
يجفّف الدَّمَ في صالة الشقيقتين
ينظّف مقابض الأبواب
يمْسح الغبار عن المدائح المطمْئِنة على الجدْران
يشمِّسُ الملاءات
يبخِّر سريرَ ليلْة العَذْراء
يهيِّئ المائدة
ويتواصى بخطىً تتنزّه تيّاهةً على مَرْمَرِ الذاكرة(57).
فالقارئ البصير بلغة الشعر، الذي يفرّق بينها وبين لغة القصة، يتنبه إلى ما في هذا المقطع من تركيبات شعرية: الغروب النشوري، النجمة كلأت، طيفٌ يكدْح، المدائح المطمئنة على الجدران، خطى تتنزه، مرْمَرُ الذاكرة. ويتنبه كذلك إلى الاسترسال في سرْد المشهد مستبعداً حروف العطف، مُكرّراً الصِّيغ الفعلية في أوائل الأبيات: يجفّف، ينظّف، يمْسَح، يشمّس، يجزّ، يهيِّئ، يتواصى. بيْنما ينشأ الترابط بين هذه الشظايا من السياق الزمني الذي يستوعب هذا المقطع السَّردي، ويشدّ بعْضه إلى بعض، ومثل هذا في القصيدة كثير.
وخلاصة القول: أن قصيدة مرتقى الأنفاس بالرّغم من أنها قصيدة طويلة تفارق في طولها هذا شرطاً من الشروط التي تتّصف بها قصيدة النثر إلا أنّ بناءها القائم على تجزئة النصّ لمراحل أو نصوص جزئية متساندة والانتظام في حبكة درامية تنتقل فيها صورة القناع من حركة إلى حركة أخْرى تصاعدية باتجاه الخاتمة. واعتماد "بنية القناع" القائمة على استدْعاء نموذج تاريخي أضْفى عليه الشاعر لوناً جديداً من التعبير، يميّزه عن توظيفه في الأدب السَّرْدي كالمخطوط القرمزي(58) مثلاً، أو الشعري في أحد عشر كوكباً على المشهد الأندلسي، فَضْلاً عن تكثيف البدائل الصَّوْتية والبصَرَيْة والدلالية المتمثلة في تركيب الألفاظ والجمل تركيباً يقترح نوعاً جديداً من الائتلاف اللفظي والتفاعل الدلالي، فضلاً عن خَلخَلةِ التركيب النثري القائم على الاطراد التقليديّ، كلّ ذلك وغيْرهُ مما يمنعنا عن الخوض فيه الرغبة في الإيجاز والاختصار، يؤكّد شعريّة النصّ ويجعل القَوْل بضرورةِ الترّكْيز والتكثيف والتقصير في قصيدة النثر قولاً غيْرَ ذي معنى، ولا يَلْزَمُ منه أن نستبْعِدَ القصائد النثرية المطوّلة من هذا الشعر.
الهوامش:
(1) رشيد يحياوي: قصيدة النثر ومغالطات التعريف، علامات، م8، حـ32، أيار 1999، ص56.
(2) أدونيس، في قصيدة النثر، مجلة شعر ع14 سنة 1960، ص81.
(3) أنسي الحاج، مقدمة ديوانه "لن" ط3، دار الجديد، لبنان، 1994، ص18.
(4) عبد الحميد زراقط، الحداثة في النقد الأدبي المعاصر، دار الحرف العربي، بيروت، 1991، ص231.
(5) رئيف خوري الدراسة الأدبية، دار المكشوف، ط4، بيروت، 1969، ص112 و 113.
(6) شموئيل موريه، حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث، ترجمة سعد مصلوح، دار النشر العربي، ط2، ص140- 141.
(7) سعيد عقل، المجدلية، المكتب التجاري، بيروت، ط2، 1960، ص7-22
(8) بول شاؤول مقدمة في قصيدة النثر العربية، فصول، م15، ع3، خريف 1996، ص153.
(9) عز الدين المناصرة، قصيدة النثر، منشورات بيت الشعر، رام الله، ط1، 1998، ص
(10) انظر: إبراهيم خليل، قصيدة النثر في الأردن، المجلة الثقافية، العدد 42، تشرين الثاني، 1997، ص156.
(11) على هامش العشيات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص ص261- 263 نقلاً عن عرار شاعر الأردن للبدوي الملثم، ص ص322- 324 وانظر زياد الزعبي، محقق عشيات وادي اليابس) دائرة الثقافة والفنون، عمان، 1982، ص145.
(12) على هامش العشيات، ص261.
(13) عرار، عشيات وادي اليابس، تحقيق زياد الزعبي، ص 465 وانظر أيضاً ص464- 473.
(14) المجلة الثقافية، مرجع سابق، ص ص 149- 158.
(15) المرجع السابق، ص153.
(16) أمجد ناصر، أثر عابر، دار شرقيات، القاهرة، 1995، ص51.
(17) المجلة الثقافية، مرجع سابق، ص154.
(18) السابق نفسه، ص155.
(19) محمد ديب، الجنس الأدبي بين الموهبة الفردية والرافد الغربي، علامات في النقد، م3، جـ12، حزيران يونيو) 1994، ص147. وانظر رشيد يحياوي، المرجع السابق، ص56.
(20) أمجد ناصر، مرتقى الأنفاس، دار النهار للنشر، بيروت، ط1، 1997.
(21) للمزيد حول استخدام القناع في الشعر الحديث، انظر علي جعفر العلاق، الشعر والتلقي، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 1997، ص103- 127. وانظر أيضاً: أقنعة الشعر المعاصر لجابر عصفور، مجلة فصول، العدد 4، 1981، ص123، وانظر فاضل ثامر، القناع الدرامي والشعر، الأقلام، بغداد، ع 10/11 سنة 1981 ص74. وانظر The Artistic Problems in Abd Al-Bayatis poetry, A comparative Critical Study, Doctorate thesis, Univ. of Exeter, October, 1983, Unpublished).
(22) أحمد شوقي، الشوقيات، دار الكتاب العربي، مج1، ج2، ص171.
(23) السابق، مجلد1، جـ1، ص51.
(24) لمزيد من البحث في هذا الموضوع انظر: الرموز الإسبانية والأندلسية في شعر محمود درويش لكاتب هذا البحث، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، آذار مارس) 1998 عدد خاص بأعمال المؤتمر الدولي الرابع للحضارة الأندلسية ص 51-73.
(25) ترجم هذا الكتاب إلى العربية غير واحد. إبراهيم الأبياري وصدرت الطبعة الأولى منه عام 1957 ثم أعيدت ترجمته ونُشِر في حلب على يدي عبد الكريم ناصيف وهاني نصر، مركز الإنماء الحضاري، 1996.
(26) ترجم هذه القصّة إلى العربية أمير البيان شكيب أرسلان وطبعت في مصر سنة 1897 ثم أعيدت طباعتها سنة 1924. وقد أحال الشاعر إلى طبعة أخرى من ترجمة هنري زغيب.
(27) محمد عبده حتاملة، محنة مسلمي الأندلس، مطبعة دار الشعب، عمان، 1977 ص27-32.
(28) المرجع السابق، ص62.
(29) أمجد ناصر، مرتقى الأنفاس، ص61 وقبل ذلك ص9.
(30) المصدر السابق، ص15
(31) المصدر السابق، ص17
(32) المصدر السابق، ص29
(33) المصدر السابق، ص39
(34) المصدر السابق، ص45
(35) المصدر السابق، ص46
(36) المصدر السابق، ص58
(37) المصدر السابق، ص63
(38) المصدر السابق، ص81
(39) المصدر السابق، ص89
(40) المصدر السابق، ص97
(41) محمود درويش، أحد عشر كوكباً على المشهد الأندلسي، دار الجديد، بيروت، ط1، 1992، ص15-16 وانظر إبراهيم خليل، الرموز الإسبانية، ص64.
(42) المصدر السابق، ص19- 20 والملاحظ أن الشاعر أضاف تعديلاً للنص في إحدى طبعات الديوان فأصبح البيت الأول من الشاهد: "إن هذا الرحيل سيتركنا حفنة من غبار "بدلاً من "إن هذا السلام"، أنظر مجلة البيادر ع11-12 سنة 1993 ص19-20 وانظر إشارة أحمد دحبور في المرجع نفسه ص11. وانظر طبعة الديوان، دار الأسوار، عكا، 1993، ص17-18 وقارن بما ورد في ظواهر سلبية في شعر محمود درويش، الدار الوطنية، نابلس، فلسطين، 1996) ص10-11.
(43) أمجد ناصر، مرتقى الأنفاس، ص98.
(44) المعروف أن قصيدة درويش كتبت عام 1991. وظهرت منشورة في سنة 1992. وقد أشار أمجد ناصر في مرتقى الأنفاس إلى زمن كتابة قصيدته الذي يمتد بين العام 1990 و 1995 وإلى نشر أجزاء منها قبل ظهورها في كتاب في ملحق النهار وفراديس وإسراف ونِزْوى ومشارف. وأنه كتب هذه القصيدة إثر زيارته إلى غرناطة، وقصر الحمراء والبيازين، سنة 1991.
(45) أمجد ناصر، مرتقى الأنفاس، ص22.
(46) المصدر السابق، ص26.
(47) المصدر السابق، ص27 وانظر ص18.
(48) انظر على سبيل المثال ص86 و 87 وانظر ص24 و 25 وانظر ص18 و19 حيْثُ المزْج بين التدرّج والامتداد الرأسي في صفحتين متقابلتين.
(49) للمزيد حوْل صلة التشكيل البصري بالمعنى انظر: سامح رواشدة، تقنيات التشكيل البصري في الشعر المعاصر، مجلة مؤتة للدراسات، جامعة مؤتة، ع1، مج1، 1997) ص501 وانظر: رضا بن حميد، الخطاب الشعري الحديث من اللغوي إلى التشكيل البصري، فصول، مج15، ع2، صيف 1996، وانظر أيضاً: محمد الماكري، الشكل والخطاب، المركز الثقافي العربي ـ بيروت، ط1 1991)، ص 176.
(50) - أمجد ناصر، المصدر السابق، ص 91.
(51) - المصدر السابق، ص 86.
(52) - ينظر: إبراهيم خليل، أمجد ناصر، وقصيدة النثر، مجلة نزوى، عُمان، ع17يناير، 1999، ص 231.
(53) - أمجد ناصر، المصدر السابق، ص 68.
(54) - المصدر السابق، ص70.
(55) - المصدر السابق، ص 73.
(56) - المصدر السابق، ص72.
(57) - المصدر السابق، ص76.
(58) - أنطونيو غالا، المخطوط القرمزي، ترجمة: رفعت عطفة، دمشق، 1998، وانظر ما كتبناه حول هذه الرواية في: الرأي الثقافي، صحيفة الرأي، عمان، العدد السابق، بتاريخ 16/4/1999، وراجع ما كتبناه عنها في الفصل السادس من هذا الكتاب. د. إبراهيم الخليل - من منشورات اتحاد الكتّاب العرب دمشق - 2000



















تأثير المتنبي في الأدب الأندلسي.. دراسة للدكتور : أيمن محمد ميدان
المتنبي وأغراض النثر الأندلسي :سُئِلَ القاضي الفاضل عن كنه اهتمام المصريين بشعر أبي الطيب المتنبي بعد وفاته بقرنين من الزمان، فجاءت مقولته : "إنما ينطق عن خواطر الناس" (1) تجسيداً عبقرياً لوعيه بجانب هام من جوانب خلود المتنبي إنساناً ومبدعاً، ومدخلاً طبيعياً لرصد هيمنة شعر المتنبي على صندوق أصباغ مترسلي الأندلس في القرن الخامس الهجري، حيث راحوا يتوسلون بشعره - حلاٍّ وتضميناً - فما خذلهم مرة، ارتدوا إليه مهمومين ومسرورين، مهزومين ومنصورين، أحراراً ومقهورين... فوجدوا فيه ضالتهم، وما يهدهد مشاعرهم، ويجسّد مواطن القوة لديهم، ويلمس جوانب الضعف فيهم، وما يواسي في هزيمة، ويخفف من حدة إحساسهم بفقد أو فجيعة.
أتي الإخوانيات في صدارة فنون النثر الأندلسي احتفاءً بشعر المتنبي، إذ وجدوا فيه ما يعبّر عنهم استدعاءً لصديق (2)، أو ضجراً من ريب زمان وتنكّر رفاق (3)، أو عتاباً رقيقاً يحفظ للمودة ديمومتها ودفئها (4)، أو اعتذاراً عن سلوك ارتكب أو شعور بدر(5).
من بين هؤلاء أبو عامر التاكرني الذي خاطب أبا جعفر بن عباس برسالة يشكو فيها تنكر الرفاق وتبدل أحوالهم، فقال : "كتبت عن نَفْسٍ تفيضُ بمائها، وتجيشُ بدمائها وتشكو إلى اللهِ عظيم أدوائها، غيظاً على تقلبِ الزمان، وعجباً من تنكّرِ الإخوان..." ثم ينتقل لرصد موقفه حيال رفاق الأمس فيأتي متعقلاً، لا يقابلهم صدّاً بصدّ، أو إرخاء حبل ودٍّ بقطع فيقول : "وإنك لتعلمُ علمَ يقين، وأنك فيَّ على سنن مستبين، أني ما عوَّدْتُ قط لساني سبّ مَنْ نافرني وعاداني... وما انطويتُ عمري قط على حقد، ولا رضيت بنقض عهد، ولا خِسْتُ في حلّ ولا عقد" (6)، ثم يتخذ من شعر المتنبي دليلاً على صدق موقفه وتدعيماً له، فقال : (الخفيف).
ومرادُ النفوسِ أصغرُ من أن نتعادى فيـه وأن نتفانـى (7).
ومثل ذلك أيضاً قول ابن الدباغ يشكو جبروت الأيام، وتنكر الرفاق، راصداً - في الوقت ذاته - صلابة عزيمته، فيتكئ على حل معقود بيتين للمتنبي يقول فيهما : (الوافر)
رمـاني الـدهـرُ بالأرزاء حتى فـؤادي في غِِشـاءٍ من نـبالِ
فكنتُ إذا أصابـتنـي سهـــامٌ تكسرتِ النصالُ على النصال (8)
فقال في فصل من رسالة له : "وكتابي هذا وأنا كما تدريه غرضٌ للأيام ترميه، ولكني غير شاكٍ من آلامها؛ لأن قلبي في أغشية من سهامها، فالنصل على مثله يقع، والتألم مع هذه الحالِ يرتفـع، وكذلك التقريـع إذا تتابـع هان، والخطب إذا أفرط في الشدة لان"(9).
وأبو عبد الرحمن بن طاهر - في ردّه على رسالة أبي مروان بن رزيق التي يخطب فيها ودّه، ويستميل فؤاده، مخففاً من حدّة إحساسه بجور الزمان - يحذو حذو ابن الدباغ صلادةَ موقفٍ واتكاء على شعر المتنبي ؛ فقال : "وأما ما وصف به - أيده اللهُ - الأيام في ذميم أوصافها، وتقلبها واعتسافها، فما جهلته، ولقد بلوتها خُبْراً، ولقد رددتها على أعقابها نُكْراً، فلم أخضع لجفوتها، ولم أتضعضع لنبوتها، وعلمت أنها الدنيا قليلٌ بقاؤها، وشيكٌ فناؤها، وفي ذلك أنشدوا : (المتقارب):
تفانى الرجالُ على حُبّـهـا وما يحصلونَ على طائـلِ (10).
وامتد أثر المتنبي ليشمل رسائل الرثاء والعزاء، فابن طاهر في تضاعيف رسالة بعث بها إلى الوزير الفقيه ابن جحاف يعزيه بابن عم له، وفي معرض رصد فداحة ما نال الناس من حزن ووله استعان ببيت شعري للمتنبي حالاً معقوده، مضمناً إياه نسيج رسالته تلك يقول فيه : (الوافر)
كأنَّ الصبحَ يطردُها فتجري مدامِعُهـا بأربعـةٍ سِجـامِ (11).
وأبو القاسم محمد بن عبدالله بن الجد - يختم رسالة عزاء لصديق - لم يشأ ابن بسام أن نعرفه - ينعي فيها زوجه، فيتخذ من شعر المتنبي وسيلة لتخفيف حدَّة إحساسه بوفاة من كان يأنس بحياتها، ويتمنى على القرب والبعد بِيُمْنِ صِلاتها وصَلاتها، فقال : "واحتسب فقيدتك - قدّس الله روحها، وأنّس ضريحها - حديقة أنسٍ، نُقِلَتْ إلى جنة قدس، وذخيرة إيمان، ضُمِّنَتْ أكرم صِوان، ولا تذهب نفسك حسرات، ولا يتدارك نفسك زفرات : (الطويل)
فقد فارقَ الناسُ الأحبةَ قبلنا واعيا دواءُ الموتِ كُلَّ طبيبِ (12).
ورسائل المفاضلة بين الأزهار التي شاعت في ذاك الزمان احتفت أيضاً بشعر المتنبي، فقد كتب الوزير الكاتب ابن حسداي رسالة بعث بها إلى المقتدر بن هود معارضاً ابن بُرْد الأصغر بتقديمه النرجس على ما عداه من أزاهر ونواوير، متبعاً أسلوب بناء مغايراً، إذ لم يُجْرِ الحوار بين الأزهار مثلما فعل ابن برد الأصغر وابن الباجي، بل راح يجري الحوار بين النرجس وظريف من خواص الأمير، مسلطاً الضوء على جانب من جوانب المناخ السائد في بلاط أمراء الطوائف بين الكتّاب والشعراء من كثرة التنافس والتحاسد، داعياً أميره منحه ما يستحق من صدارة مجلس وقرب مقام، ونزع لجذور الحقد من نفوس شانئيه، فقال على لسان النرجس - الذي يرمز إليه - : "فليت الرياضَ تعلم بمكاني فتذبل كمداً، وتذوي حسداً، وتراني وقد أنرتُ في أفقك البهيج، وزهرتُ في روضك الأريج، فكم تمنى الأزهارُ أن تُضامَ لديك مطالبي وتكدر في ذراك مشاربي، فأزل عني حسدهم بكبتهم، فقد شجاهم تقدمي قبل وقتهم، وأكمل مسرتي وتمم أنسي، بلقاء شقيقة نفسي" (13).
فقول ابن حسداي :
"فأزل عني حسدهم بكبتهم..." حَلٌّ لمعقود قول المتنبي: (الطويل)
أزل حسدَ الحُسـّادِ عني بكبتهـم فأنت الذي صيَّرتهم لي حُسّدا (14).
واستدعاء للمناخ السائد بين مرتادي بلاط سيف الدولة الحمداني من تحاسد وتنافس أودى بالمتنبي إنساناً، فرحل إلى مصر غاضباً وطامحاً أيضاً، ولكن (النفيس غريب حيثما كانا) على حد تعبير المتنبي ذاته.
وإذا كانت "الرسائل ذات الاتجاه السياسي... والاتجاه الاجتماعي ورسائل الجهاد والصراع مع الصليبيين.. تخلو من ظاهرة التنويع بين الشعر والنثر، وكذلك الحال في الرسائل الدينية..." (15) فإن شعر المتنبي لم يخضع لتلك القاعدة، إذ راح يفرض وجوده على صحائف النثر الديواني (16)، ورسائل الصراع الديني والجهاد (17)، بل إنه تطرق ليأخذ مكانة ضمن رسائلهم الهزلية (18).
فقد خاطب أبو الحسن يوسف بن محمد بن الجد عمّه أبا القاسم محمد بن عبدالله بن الجد من ميورقة عندما تناثر عقد رؤساء الجزيرة، راصداً عنف المآل وفداحة التداعيات، فصدّر رسالته ببيتين للمتنبي، يقول فيهما : (البسيط)
طوى الجزيـرةَ حتى جاءني خبـرٌ فزعتُ فيــه بآمالـي إلى الكـذبِ
حتى إذا لـم يـدع لي صدقُه أمـلاً شرقتُ بالدمع حتى كاد يشرق بي
وإن عيناً لم تصب بدم بعد دمٍ لبخيلةٌ، وإن نفساً لم تَذُبْ على تلك النازلة العظمى لجَلْدة حمولةٌ... وأنا حين خططت هذه الأحرف على جمر الأسى متقلب، وبارتقاب ما خصكم - لازال خيراً - مُعذّب..." ثم ختم رسالته بأبيات من نظمه تدور حول ما اعتراه من حزن، وما حل بالأندلس من نكبات، فقال : (الطوي)
كتبت وقد غالت عزائي أشجان وقــد شَرِقَتْ بالدمعِ والدمِ أجفـانُ
عـزاء وأنَّى بالعـزاءِ وقد هَوَتْ كما قـد ذوتْ فيكـمْ نجـومٌ وأغـصانُ
وغاضتْ بحــورٌ للندى وتقلصت ظـلالُ العُلا وانهدَّ للمجدِ بنيانُ (19)
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تخطاه ليشمل رسائل غير حفية باحتضان الشعر، مثال ذلك ما قام به ابن أبي الخصال من حل معقود بيت شعر للمتنبي يقول فيه : (الكامل)
لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتى يـراقَ على جـوانبـه الــدّمُ
مستعيناً به في تضاعيف نسخة إجازة مقرئ أتقن علم القراءة وحَذِقُه على الشيوخ المعتبرين (20)
من خلال النماذج السابقة - وغيرها كثيُر طُرِحَ لضيق المقام - تجلّى أثر المتنبي على مترسلي الأندلس، فتسرب شعره في تضاعيف فنونهم النثرية تسرباً لا يحده حدّ، ولا يعوقه عائق ؛ فالمتنبي ذاتٌ طاغية مهيمنة، وملكة شعرية جاذبة، تتبدى تجلياتها في كل الآفاق، وتثمر في تربة غير مؤهلة للغرس ومن ثَمَّ الإثمار... فأي مقام من مقامات النثر الأندلسي لم يفتح المتنبي لشعره كوة يُطِلُّ منها، أو يشق لنفسه مجرى يتدفق من خلاله؟.

ارجوااان
2012- 5- 2, 08:15 PM
الله يعطيك الف عافيييه
بس المحاضرات من ويييين جايبتهاا ..

بنوته11
2012- 5- 2, 09:58 PM
من بلاك بورد
دكتوره نزلتهم

انا غير عنهم
2012- 5- 3, 03:10 AM
انا فتح معي بالبلاك بورد فقط الى الازجال
يعني اللي انتي كتبتيهم كل المحاضرات العشر او الحادي عشر اللي هي كانت حاطتهم
الف شكر لك ياقلبي :106:

اميرة صيغرونة
2012- 5- 4, 09:25 PM
مشكورة على المحاضرات

الله يعطيك العافيك

أحاسيس مريم
2012- 5- 5, 09:56 PM
بنوووووتة :rose:
مششششكووورة ما قصصصرتي والله ()
الله يجزاك خييير ..
ربي يسسعدكك :106:

خايفة أدرس
2012- 5- 6, 12:28 AM
الله يوفقك
ويسهلك يارررب

خايفة أدرس
2012- 5- 11, 01:15 AM
بنات بسالكم

في ملزمة الدكتورة اعطتها بنت تصورها من تعرف اللي اخذتها
:139:

براءة الطفوله
2012- 5- 11, 03:17 PM
بنات بسالكم

في ملزمة الدكتورة اعطتها بنت تصورها من تعرف اللي اخذتها
:139:

بعد الشهري ولا قبله ؟

روز الحبايب
2012- 5- 23, 02:20 AM
مشكووووووووره حبيبتي الله يفتح عليك