ابوغادة
2015- 9- 27, 04:23 AM
(مفهوم التطرف وعلاقته بالإرهاب = آنحراف فكري)
التطرف، هو مصطلح يُستخدم للدلالة على كل ما يناقض الإعتدال، زيادة أو نقصاناً.
ونظراً لنسبية حد الإعتدال، وتباينه من مجتمع لآخر وفقاً لقيم وثقافة وعادات كل منها، فقد تعددت مفاهيم التطرف إلى حد جعل من الصعوبة بمكان تحديد أطرها. ومع ذلك حاول بعض الباحثين التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف نتناول فيما يلي أهمها، وخاصة تلك التي تخدم مدلول التطرف في “المرصد العربي للتطرف والإرهاب”:
1- التطرف هو الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة لها.
2- التطرف هو اتخاذ الفرد (أو الجماعة)، موقفاً متشدداً إزاء فكر (أو أيديولوجيا أو قضية) قائم، أو يحاول أن يجد له مكان، في بيئة هذا الفرد أو الجماعة. وقد يكون التطرف إيجابياً يتمثل بالقبول التام لهذا الفكر (الأيديولوجيا، القضية)، أو سلبياً يتمثل بالرفض التام له، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بين القبول والرفض.
وفي كلا الحالتين يعتبر اللجوء إلى العنف (بشكل فردي أو جماعي) من قبل الجهة المتطرفة بهدف فرض قيمها ومعاييرها، أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة، هو أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المنظم.
ويبدوا أن القول بأن التطرف هو أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى الإرهاب يحتمل الكثير من الواقعية خاصة بعد أن ثبت أن 95% من حالات الإرهاب، والإرهاب المنظم، التي أجتاحت العالم العربي خلال الخمسين عاماً الماضية كانت نتاجاً للتطرف.
التعصب والإنغلاق الفكري:
يرتبط التطرف بالتعصب والإنغلاق الفكري. فحين يفقد الفرد (أوالجماعة) القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقداته (أو معتقدات الجماعة) أو مجرد تجاهلها، فإن هذا يعد مؤشراً على تعصب هذا الفرد (أو الجماعة) وانغلاقه على معتقداته. ويتجلى شكل هذا الإنغلاق بأن كل مايعتقده الفرد (أو الجماعة) هو صحيح تماماً وأن موضوع (صحته) غير قابل للنقاش.
ونورد هنا ما جاء في موقع مقاتل من الصحراء (moqatel.com) تحت بند “مفهوم التطرف” والذي ساهم العديد من الباحثين في صياغته، حيث جاء فيه:
يرتبط التطرف بالعديد من المصطلحات، منها الدوجماطيقية والتعصب. إن التطرف وفقاً للتعريفات العلمية يرتبط بالكلمة الإنجليزية Dogmatism أي الجمود العقائدي والانغلاق العقلي. والتطرف بهذا المعنى هو أسلوب مُغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص أو الجماعة أو على التسامح معها. ويتسم هذا الأسلوب بنظرةٍ إلى المُعْتقَد، تقوم على ما يأتي:
1- أن المُعْتقَد صادق صدقاً مطلقاً أو أبدياً.
2- أن المُعْتقَد يصلح لكل زمان ومكان.
3- لا مجال لمناقشته ولا للبحث عن أدلة تؤكده أو تنفيه.
4- المعرفة كلها بمختلف قضايا الكون لا تُستمد إلا من خلال هذا المُعْتقَد دون غيره.
5- إدانة كل ما يخالف هذا المُعْتقَد.
6- الاستعداد لمواجهة الاختلاف في الرأي ـ أو حتى التفسير ـ بالعنف.
7- فرض المُعْتقَد على الآخرين ولو بالقوة.
التطرف حالة مرضية:
إن حدود التطرف نسبية وغامضة ومتوقفة على حدود القاعدة الاجتماعية والأخلاقية التي يلجأ المتطرفون إلى ممارساتها. إذاً التطرف ظاهرة مرضية بكل معنى الكلمة وعلى المستويات النفسية الثلاثة، المستوى العقلي أو المعرفي، والمستوى العاطفي أو الوجداني، والمستوى السلوكي. فعلى المستوى العقلي يتسم المتطرف بانعدام القدرة على التأمل والتفكير وإعمال العقل بطريقة مبدعة وبناءة، وعلى المستوى الوجداني أو العاطفي يتسم المتطرف بالاندفاعية الوجدانية وبشدة الاندفاع والمبالغة فيه. فالكراهية المطلقة للمخالفة في الرأي أو للمعارضة الشديدة، أو حتى للإنسان بصفة عامة، بما في ذلك الذات. هي كراهية مدمرة، والغضب يتفجر بلا مقدمات ليدمر كل ما حوله أو أمامه. وعلى المستوى السلوكي تظهر الاندفاعية من دون تعقل، ويميل السلوك دائماً إلى العنف.
حكم الأقلية والتطرف:
المتطرف المشحون بصبغة تعصبية غالباً ما ينعزل عن الفكر السائد، خاصة في الحالات التي يمثل فيها الأقلية الأغلبية. وقد يصل التطرف إلى نهاية مقياس الاعتدال، إما بسبب شطط في الأفكار أو السلوك، أو بسبب أساليب قمعية يقوم بها النظام مع معتنقي هذا الفكر. ويتحول المتطرف من فكر أو سلوك مظهري إلى عمل سياسي. هنا يلجأ المتطرف إلى استخدام العنف في تحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفرد أو جماعته الدينية أو السياسية أو الفئوية. وعندما تستطيع الجماعة المتطرفة أن تحقق بعض الانتصارات، أو تملك وسائل العنف والقوة، قد تلجأ – سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي أو الدولي – إلى استخدام الإرهاب الفكري أو النفسي أو المادي ضد كل من يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها.
التطرف الديني:
في حالة التطرف الديني، يكون الفرد متديناً عادياً يأخذ نفسه بتعاليم الدين ومبادئه، ويدعو الناس إلى الأخذ بذلك، وهو حتى هذه اللحظة يدعو إلى شيء لا يملك المجتمع إزاءه إلا تعبيراً عن الرضا والتشجيع. هذا الداعية غالباً ما يواصل مسيرته نحو التشدد مع نفسه أولاً ومع الناس، ثم يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكام قاطعة بالإدانة على من لا يتبعه في مسيرته أو دعوته، وقد يتجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف ثابت ودائم من المجتمع ومؤسساته وحكومته.
يبدأ هذا الموقف بالعزلة والمقاطعة، حتى يصل إلى إصدار حكم فردي على ذلك المجتمع بالردة والكفر، والعودة إلى الجاهلية. ثم يتحول هذا الموقف الانعزالي عند البعض إلى موقف عدواني يرى معه المتطرف أن هدم المجتمع ومؤسساته هو نوع من التقرب إلى الله وجهاد في سبيله، لأن هذا المجتمع – في نظر المتطرف – مجتمع جاهل منحرف، لا يحكم بما أنزل الله. هنا يتدخل المجتمع لوضع حد لهذا التطرف ومصادره، باعتباره نشاطاً يصل بصاحبه إلى الاصطدام بالعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساء هؤلاء استخدام تفسيرهما، ودعاهم هذا إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم، وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم أو حقوقهم.
مظاهر التطرف الديني:
1- إن أول مظهر من مظاهر التطرف هو التعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وهذا يُشير إلى جمود المتعصب مما لا يسمح له برؤية مقاصد الشرع ولا ظروف العصر، ولا يسمح لنفسه بالحوار مع الآخرين. فالمتطرف يرى أنه وحده على الحق، وما عداه على الضلال، كذلك يسمح لنفسه بالاجتهاد في أدق القضايا الفقهية، ولكنه لا يجيز ذلك لعلماء العصر المتخصصين منفردين أو مجتمعين، ما داموا سيصلون إلى ما يخالف ما ذهب هو إليه.
2- التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد.
3- العنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر.
4- سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير.
5- يبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم وأموالهم، وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين. وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد. إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.
6- العزلة عن المجتمع، والعزلة تؤدي وظيفتين؛ الأولى تجنب المتطرفون (المنكرات) التي تملأ جوانب المجتمع وحمايتهم من أن يشاركوا في نهج الجالية؛ والوظيفة الأخرى تكوين مجتمع خاص بهم تُطبق فيه أفكارهم ومعتقداتهم، وتتسع دائرة هذا المجتمع شيئاً فشيئاً حتى تستطيع غزو المجتمع من خارجه. وكما هو واضح فإن الوظيفة الأولى فكرية دينية، بينما الوظيفة الأخرى سياسية حركية.
نستطيع جلياً رصد أغلب (إن لم يكن جميع) مظاهر التطرف أعلاه لدى الجماعات الدينية المتطرفة التي تحاول فرض معتقداتها على باقي أفراد المجتمع أدعاءً منها أنها تقوم بحراسة الدين وتطبيق شرائعه. وهذا يعد من أشد أنواع التطرف خطورة حيث تُجيز هذه الجماعات لنفسها تكفير فئة أخرى (أو مذهب أو طائفة) ومصادرة حق أبنائها في الحياة من خلال أطلاق فتاوي التكفير واهدار الدماء والقتل عليها. وقد أنتشرت هذه الجماعات بكثرة في الدول العربية، خاصة في الجزائر ومصر والسعودية واليمن وسوريا، وبعد “الربيع العربي” بدأت بالظهور في كل من تونس وليبيا.
الآثار الإجتماعية للتطرف:
على أساس أن التطرف حالة من الجمود والإنغلاق العقلي وتعطيل القدرات الذهنية عن الإبداع والإبتكار، وعن إيجاد الحلول في عالم سريع التغير، فإن انتشار هذه الحالة يكون مهدداً، ليس لتطور المجتمع فحسب، بل لوجوده واستمراره. والجدير بالذكر هنا أنه لا بد أن ندرك أن التطرف سبب ونتيجة في آن واحد للتخلف والركود.
وتتلخص آثار التطرف الخطيرة في ما يلي:
1- التدهور في الإنتاج، حيث أن أهم عنصر في قوى الإنتاج هو الإنسان العامل الذي لا بد – لكي يطور إنتاجه – من أن تتطور قدراته العقلية، بحيث يكون قادراً على الإبداع والإبتكار والتجديد. فإذا ما كان أسيراً لأفكار جامدة وعاجزاً عن التفكير وإعمال العقل، فإن ذلك يجعله متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الإنتاج، بل بتنظيم العمليات الإنتاجية ذاتها كذلك.
2- يمثل التطرف دائماً حنيناً إلى الماضي والعودة إلى الوراء، أي أنه يكون دائماً ذا منحى رجعي أو محافظ على أحسن الأحوال، وبالتالي فإنه يجر العلاقات الأجتماعية إلى أوضاع بالية لا تلائم تقدم العصر.
3- يرتبط التطرف بالتعصب الأعمى والعنف، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى صراعات مدمرة داخل المجتمع.
4- يرتبط التطرف بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني، إنه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً وخلاقاً.
5- يعطل التطرف الطاقات الإنسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداءات، ويحول دون تكامل المجتمع.
نضيف هنا أنه حين يحاول المتطرفون إضفاء القداسة الدينية على مشروعهم السياسي والآيديولوجي ، وما يترتب على ذلك من ممارسات إرهابية، فإن نطاق خطر الإرهاب يتسع ليشمل الإنسان والدين والعقل والحياة.
خاتمة:
بعد هذا التعريف الموجزة للتطرف وتبيان ارتباطه الوثيق بالإرهاب، وبعد دراسة نتائجه الكارثية وآثاره الخطيرة على الإسلام والمسلمين وعلى الأمة العربية جمعاء، فإننا في “المرصد العربي للتطرف والإرهاب” ندعوا جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية للوقوف صفاً واحداً ضد جميع أشكال التطرف والإرهاب ونبذ كل أشكال التعصب والإنغلاق الفكري .
المرصد العربي للتطرف والإرهاب
التطرف، هو مصطلح يُستخدم للدلالة على كل ما يناقض الإعتدال، زيادة أو نقصاناً.
ونظراً لنسبية حد الإعتدال، وتباينه من مجتمع لآخر وفقاً لقيم وثقافة وعادات كل منها، فقد تعددت مفاهيم التطرف إلى حد جعل من الصعوبة بمكان تحديد أطرها. ومع ذلك حاول بعض الباحثين التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف نتناول فيما يلي أهمها، وخاصة تلك التي تخدم مدلول التطرف في “المرصد العربي للتطرف والإرهاب”:
1- التطرف هو الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة لها.
2- التطرف هو اتخاذ الفرد (أو الجماعة)، موقفاً متشدداً إزاء فكر (أو أيديولوجيا أو قضية) قائم، أو يحاول أن يجد له مكان، في بيئة هذا الفرد أو الجماعة. وقد يكون التطرف إيجابياً يتمثل بالقبول التام لهذا الفكر (الأيديولوجيا، القضية)، أو سلبياً يتمثل بالرفض التام له، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بين القبول والرفض.
وفي كلا الحالتين يعتبر اللجوء إلى العنف (بشكل فردي أو جماعي) من قبل الجهة المتطرفة بهدف فرض قيمها ومعاييرها، أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة، هو أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المنظم.
ويبدوا أن القول بأن التطرف هو أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى الإرهاب يحتمل الكثير من الواقعية خاصة بعد أن ثبت أن 95% من حالات الإرهاب، والإرهاب المنظم، التي أجتاحت العالم العربي خلال الخمسين عاماً الماضية كانت نتاجاً للتطرف.
التعصب والإنغلاق الفكري:
يرتبط التطرف بالتعصب والإنغلاق الفكري. فحين يفقد الفرد (أوالجماعة) القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقداته (أو معتقدات الجماعة) أو مجرد تجاهلها، فإن هذا يعد مؤشراً على تعصب هذا الفرد (أو الجماعة) وانغلاقه على معتقداته. ويتجلى شكل هذا الإنغلاق بأن كل مايعتقده الفرد (أو الجماعة) هو صحيح تماماً وأن موضوع (صحته) غير قابل للنقاش.
ونورد هنا ما جاء في موقع مقاتل من الصحراء (moqatel.com) تحت بند “مفهوم التطرف” والذي ساهم العديد من الباحثين في صياغته، حيث جاء فيه:
يرتبط التطرف بالعديد من المصطلحات، منها الدوجماطيقية والتعصب. إن التطرف وفقاً للتعريفات العلمية يرتبط بالكلمة الإنجليزية Dogmatism أي الجمود العقائدي والانغلاق العقلي. والتطرف بهذا المعنى هو أسلوب مُغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص أو الجماعة أو على التسامح معها. ويتسم هذا الأسلوب بنظرةٍ إلى المُعْتقَد، تقوم على ما يأتي:
1- أن المُعْتقَد صادق صدقاً مطلقاً أو أبدياً.
2- أن المُعْتقَد يصلح لكل زمان ومكان.
3- لا مجال لمناقشته ولا للبحث عن أدلة تؤكده أو تنفيه.
4- المعرفة كلها بمختلف قضايا الكون لا تُستمد إلا من خلال هذا المُعْتقَد دون غيره.
5- إدانة كل ما يخالف هذا المُعْتقَد.
6- الاستعداد لمواجهة الاختلاف في الرأي ـ أو حتى التفسير ـ بالعنف.
7- فرض المُعْتقَد على الآخرين ولو بالقوة.
التطرف حالة مرضية:
إن حدود التطرف نسبية وغامضة ومتوقفة على حدود القاعدة الاجتماعية والأخلاقية التي يلجأ المتطرفون إلى ممارساتها. إذاً التطرف ظاهرة مرضية بكل معنى الكلمة وعلى المستويات النفسية الثلاثة، المستوى العقلي أو المعرفي، والمستوى العاطفي أو الوجداني، والمستوى السلوكي. فعلى المستوى العقلي يتسم المتطرف بانعدام القدرة على التأمل والتفكير وإعمال العقل بطريقة مبدعة وبناءة، وعلى المستوى الوجداني أو العاطفي يتسم المتطرف بالاندفاعية الوجدانية وبشدة الاندفاع والمبالغة فيه. فالكراهية المطلقة للمخالفة في الرأي أو للمعارضة الشديدة، أو حتى للإنسان بصفة عامة، بما في ذلك الذات. هي كراهية مدمرة، والغضب يتفجر بلا مقدمات ليدمر كل ما حوله أو أمامه. وعلى المستوى السلوكي تظهر الاندفاعية من دون تعقل، ويميل السلوك دائماً إلى العنف.
حكم الأقلية والتطرف:
المتطرف المشحون بصبغة تعصبية غالباً ما ينعزل عن الفكر السائد، خاصة في الحالات التي يمثل فيها الأقلية الأغلبية. وقد يصل التطرف إلى نهاية مقياس الاعتدال، إما بسبب شطط في الأفكار أو السلوك، أو بسبب أساليب قمعية يقوم بها النظام مع معتنقي هذا الفكر. ويتحول المتطرف من فكر أو سلوك مظهري إلى عمل سياسي. هنا يلجأ المتطرف إلى استخدام العنف في تحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفرد أو جماعته الدينية أو السياسية أو الفئوية. وعندما تستطيع الجماعة المتطرفة أن تحقق بعض الانتصارات، أو تملك وسائل العنف والقوة، قد تلجأ – سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي أو الدولي – إلى استخدام الإرهاب الفكري أو النفسي أو المادي ضد كل من يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها.
التطرف الديني:
في حالة التطرف الديني، يكون الفرد متديناً عادياً يأخذ نفسه بتعاليم الدين ومبادئه، ويدعو الناس إلى الأخذ بذلك، وهو حتى هذه اللحظة يدعو إلى شيء لا يملك المجتمع إزاءه إلا تعبيراً عن الرضا والتشجيع. هذا الداعية غالباً ما يواصل مسيرته نحو التشدد مع نفسه أولاً ومع الناس، ثم يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكام قاطعة بالإدانة على من لا يتبعه في مسيرته أو دعوته، وقد يتجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف ثابت ودائم من المجتمع ومؤسساته وحكومته.
يبدأ هذا الموقف بالعزلة والمقاطعة، حتى يصل إلى إصدار حكم فردي على ذلك المجتمع بالردة والكفر، والعودة إلى الجاهلية. ثم يتحول هذا الموقف الانعزالي عند البعض إلى موقف عدواني يرى معه المتطرف أن هدم المجتمع ومؤسساته هو نوع من التقرب إلى الله وجهاد في سبيله، لأن هذا المجتمع – في نظر المتطرف – مجتمع جاهل منحرف، لا يحكم بما أنزل الله. هنا يتدخل المجتمع لوضع حد لهذا التطرف ومصادره، باعتباره نشاطاً يصل بصاحبه إلى الاصطدام بالعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساء هؤلاء استخدام تفسيرهما، ودعاهم هذا إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم، وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم أو حقوقهم.
مظاهر التطرف الديني:
1- إن أول مظهر من مظاهر التطرف هو التعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وهذا يُشير إلى جمود المتعصب مما لا يسمح له برؤية مقاصد الشرع ولا ظروف العصر، ولا يسمح لنفسه بالحوار مع الآخرين. فالمتطرف يرى أنه وحده على الحق، وما عداه على الضلال، كذلك يسمح لنفسه بالاجتهاد في أدق القضايا الفقهية، ولكنه لا يجيز ذلك لعلماء العصر المتخصصين منفردين أو مجتمعين، ما داموا سيصلون إلى ما يخالف ما ذهب هو إليه.
2- التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد.
3- العنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر.
4- سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير.
5- يبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم وأموالهم، وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين. وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد. إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.
6- العزلة عن المجتمع، والعزلة تؤدي وظيفتين؛ الأولى تجنب المتطرفون (المنكرات) التي تملأ جوانب المجتمع وحمايتهم من أن يشاركوا في نهج الجالية؛ والوظيفة الأخرى تكوين مجتمع خاص بهم تُطبق فيه أفكارهم ومعتقداتهم، وتتسع دائرة هذا المجتمع شيئاً فشيئاً حتى تستطيع غزو المجتمع من خارجه. وكما هو واضح فإن الوظيفة الأولى فكرية دينية، بينما الوظيفة الأخرى سياسية حركية.
نستطيع جلياً رصد أغلب (إن لم يكن جميع) مظاهر التطرف أعلاه لدى الجماعات الدينية المتطرفة التي تحاول فرض معتقداتها على باقي أفراد المجتمع أدعاءً منها أنها تقوم بحراسة الدين وتطبيق شرائعه. وهذا يعد من أشد أنواع التطرف خطورة حيث تُجيز هذه الجماعات لنفسها تكفير فئة أخرى (أو مذهب أو طائفة) ومصادرة حق أبنائها في الحياة من خلال أطلاق فتاوي التكفير واهدار الدماء والقتل عليها. وقد أنتشرت هذه الجماعات بكثرة في الدول العربية، خاصة في الجزائر ومصر والسعودية واليمن وسوريا، وبعد “الربيع العربي” بدأت بالظهور في كل من تونس وليبيا.
الآثار الإجتماعية للتطرف:
على أساس أن التطرف حالة من الجمود والإنغلاق العقلي وتعطيل القدرات الذهنية عن الإبداع والإبتكار، وعن إيجاد الحلول في عالم سريع التغير، فإن انتشار هذه الحالة يكون مهدداً، ليس لتطور المجتمع فحسب، بل لوجوده واستمراره. والجدير بالذكر هنا أنه لا بد أن ندرك أن التطرف سبب ونتيجة في آن واحد للتخلف والركود.
وتتلخص آثار التطرف الخطيرة في ما يلي:
1- التدهور في الإنتاج، حيث أن أهم عنصر في قوى الإنتاج هو الإنسان العامل الذي لا بد – لكي يطور إنتاجه – من أن تتطور قدراته العقلية، بحيث يكون قادراً على الإبداع والإبتكار والتجديد. فإذا ما كان أسيراً لأفكار جامدة وعاجزاً عن التفكير وإعمال العقل، فإن ذلك يجعله متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الإنتاج، بل بتنظيم العمليات الإنتاجية ذاتها كذلك.
2- يمثل التطرف دائماً حنيناً إلى الماضي والعودة إلى الوراء، أي أنه يكون دائماً ذا منحى رجعي أو محافظ على أحسن الأحوال، وبالتالي فإنه يجر العلاقات الأجتماعية إلى أوضاع بالية لا تلائم تقدم العصر.
3- يرتبط التطرف بالتعصب الأعمى والعنف، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى صراعات مدمرة داخل المجتمع.
4- يرتبط التطرف بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني، إنه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً وخلاقاً.
5- يعطل التطرف الطاقات الإنسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداءات، ويحول دون تكامل المجتمع.
نضيف هنا أنه حين يحاول المتطرفون إضفاء القداسة الدينية على مشروعهم السياسي والآيديولوجي ، وما يترتب على ذلك من ممارسات إرهابية، فإن نطاق خطر الإرهاب يتسع ليشمل الإنسان والدين والعقل والحياة.
خاتمة:
بعد هذا التعريف الموجزة للتطرف وتبيان ارتباطه الوثيق بالإرهاب، وبعد دراسة نتائجه الكارثية وآثاره الخطيرة على الإسلام والمسلمين وعلى الأمة العربية جمعاء، فإننا في “المرصد العربي للتطرف والإرهاب” ندعوا جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية للوقوف صفاً واحداً ضد جميع أشكال التطرف والإرهاب ونبذ كل أشكال التعصب والإنغلاق الفكري .
المرصد العربي للتطرف والإرهاب