شَمـس
2015- 10- 27, 07:54 PM
ماذا عسانا نفعل من دونك أيها الفن
أن تقرأ رواية أو قصيدة في مجتمع محافظ، فهذا يعني أن تكون دائماً في مواجهةٍ مع هذا السؤال: ما فائدة الأدب؟
والحقيقة أنك لست معرضاً لتساؤلٍ من هذاالنوع وحسب، بل أنت في واقع الأمرِ محاصرٌ به، ومضطرٌ إلى "تبريرموقفك"،
وخياراتك غير المفهومة، والكتاب في يدكَ الذي يتساءل العالم عن جدواه وأهمّيته، والمنفعة المتحققة منه،
أو الضرر! فالكتابُ على ما يبدو يخيفنا أكثر من المسدّس، والمجتمع المادي يبحث عن منفعة براغماتية مباشرة
متحققة من قراءة أي كتاب، أي سطر، وأي كلمة! فما هي الفائدة (الملموسة) والمتحققة من وراء قراءة قصيدةٍأو رواية؟
في بداياتي، وأمام كلّ سؤالٍ من هذا النوع كنتُ أرد: من قال بأن الأدب بلا فائدة؟ الأدب هو الرحمُ الخصيبُ الذي
تتواشج فيه جميع منابع المعرفةالإنسانية، من فلسفة وفكر وعلم نفس وميثولوجيا وتاريخ، فكيف لا يكون الأدب مفيداً؟!
لقد وقعتُ في ذات الخطأ، كيف لا وأنا ربيبة ذات المجتمع الذي يفكّربطريقة تجاريّة حتى عندما يتعلق الأمر بقصيدةٍ،
أو لوحة، أو ربما وردة! الثقافةالتي تجعلُ الجمال في مرتبةٍ لاحقة على المنفعة، وعندما أقول المنفعة، فأنا أعنيها
بالشكل البراغماتي والملموس، ورغم صواب ما قلتهُ، إلا أنني وقعتُ في خطأ البحث عن معنى الأدب خارج وعاء أدبيّته،
وكأنه يستقي قيمته من هذه المعارف الأخرى، التي نحبها ونشغفُ بها، ولكننا لا نعتقدُ بأنها قادرة على أن
تغنينا ولو قليلاً، عن الآفاق اللانهائية من الجمال التي تبعثها في أرواحنا تلك القصيدة الصغيرة من ثلاثةِأسطر.
الجمالُ ليس ترفاً، ومن العارِ أن نكرّس مفهوماً من هذا النوع، ونحنُ المسلمون نعرفُ أصلاً بأن الله جميلٌ يحب الجمال،
فكيف لا نحبه نحن ونحن صنيعته؟وكيف نعتبر حبنا له وشغفنا به من قبيل الترف البرجوازي، أو اللغو، أو مضيعة الوقت؟
وماذا سيحلّ بأرواحنا المتعبة والمنتهكة من فرطِ مادية هذا العالم وفجاجته. بدون الشعر، وبدون الرواية،
وبدون اللوحةِ الجميلة؟ ماذا عسانا نفعلُ من دونك أيهاالفن؟
سئل العقادُ مرة: هل الفنون الجميلة من ضروراتِ الحياة، أم هي كمالياتٌ تأتى بعد لقمة العيش؟» فأجاب: «بوسعنا
العيش دون مَلكة النظر سبعين عامًادون أن نهلك، ولا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف، ولم يقل أحدٌ لهذا إن
الرغيفَ أهمُّ من البصر. وبتقييم السوق: الرغيفُ أرخصُ من الكتاب، والتمثالُ أغلَى من الثوب. فقيمةُ الشيء لا تتعلق
بقدر الحاجة إليه، بل بقدر ما نصبح عليه إذاحصَّلناه. فتحصيلُنا الرغيفَ يساوينا بسائر الأحياء، ولكنْ تحصيلُنا الجمالَ
لايجعلُنا أحياءً وحسب، بل يجعلنا بشرًا ممتازين في أمَّة ممتازة، تُحِسُّ وتُحسنُ التعبيرَ عن إحساسها. الضروراتُ توكلُنا
بالأدنَى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون».
ــــــــــــــــــ
بثينة العيسى
نشرت في الصدى الاماراتية
:icon1:
أن تقرأ رواية أو قصيدة في مجتمع محافظ، فهذا يعني أن تكون دائماً في مواجهةٍ مع هذا السؤال: ما فائدة الأدب؟
والحقيقة أنك لست معرضاً لتساؤلٍ من هذاالنوع وحسب، بل أنت في واقع الأمرِ محاصرٌ به، ومضطرٌ إلى "تبريرموقفك"،
وخياراتك غير المفهومة، والكتاب في يدكَ الذي يتساءل العالم عن جدواه وأهمّيته، والمنفعة المتحققة منه،
أو الضرر! فالكتابُ على ما يبدو يخيفنا أكثر من المسدّس، والمجتمع المادي يبحث عن منفعة براغماتية مباشرة
متحققة من قراءة أي كتاب، أي سطر، وأي كلمة! فما هي الفائدة (الملموسة) والمتحققة من وراء قراءة قصيدةٍأو رواية؟
في بداياتي، وأمام كلّ سؤالٍ من هذا النوع كنتُ أرد: من قال بأن الأدب بلا فائدة؟ الأدب هو الرحمُ الخصيبُ الذي
تتواشج فيه جميع منابع المعرفةالإنسانية، من فلسفة وفكر وعلم نفس وميثولوجيا وتاريخ، فكيف لا يكون الأدب مفيداً؟!
لقد وقعتُ في ذات الخطأ، كيف لا وأنا ربيبة ذات المجتمع الذي يفكّربطريقة تجاريّة حتى عندما يتعلق الأمر بقصيدةٍ،
أو لوحة، أو ربما وردة! الثقافةالتي تجعلُ الجمال في مرتبةٍ لاحقة على المنفعة، وعندما أقول المنفعة، فأنا أعنيها
بالشكل البراغماتي والملموس، ورغم صواب ما قلتهُ، إلا أنني وقعتُ في خطأ البحث عن معنى الأدب خارج وعاء أدبيّته،
وكأنه يستقي قيمته من هذه المعارف الأخرى، التي نحبها ونشغفُ بها، ولكننا لا نعتقدُ بأنها قادرة على أن
تغنينا ولو قليلاً، عن الآفاق اللانهائية من الجمال التي تبعثها في أرواحنا تلك القصيدة الصغيرة من ثلاثةِأسطر.
الجمالُ ليس ترفاً، ومن العارِ أن نكرّس مفهوماً من هذا النوع، ونحنُ المسلمون نعرفُ أصلاً بأن الله جميلٌ يحب الجمال،
فكيف لا نحبه نحن ونحن صنيعته؟وكيف نعتبر حبنا له وشغفنا به من قبيل الترف البرجوازي، أو اللغو، أو مضيعة الوقت؟
وماذا سيحلّ بأرواحنا المتعبة والمنتهكة من فرطِ مادية هذا العالم وفجاجته. بدون الشعر، وبدون الرواية،
وبدون اللوحةِ الجميلة؟ ماذا عسانا نفعلُ من دونك أيهاالفن؟
سئل العقادُ مرة: هل الفنون الجميلة من ضروراتِ الحياة، أم هي كمالياتٌ تأتى بعد لقمة العيش؟» فأجاب: «بوسعنا
العيش دون مَلكة النظر سبعين عامًادون أن نهلك، ولا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف، ولم يقل أحدٌ لهذا إن
الرغيفَ أهمُّ من البصر. وبتقييم السوق: الرغيفُ أرخصُ من الكتاب، والتمثالُ أغلَى من الثوب. فقيمةُ الشيء لا تتعلق
بقدر الحاجة إليه، بل بقدر ما نصبح عليه إذاحصَّلناه. فتحصيلُنا الرغيفَ يساوينا بسائر الأحياء، ولكنْ تحصيلُنا الجمالَ
لايجعلُنا أحياءً وحسب، بل يجعلنا بشرًا ممتازين في أمَّة ممتازة، تُحِسُّ وتُحسنُ التعبيرَ عن إحساسها. الضروراتُ توكلُنا
بالأدنَى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون».
ــــــــــــــــــ
بثينة العيسى
نشرت في الصدى الاماراتية
:icon1: