ثابت
2016- 1- 26, 07:20 PM
الحب .. ابتسامة الأيام .. غنوة الذكريات .. تهادي النسمات .. لهفة الوجدان.الحب .. رحلة تتجول في رؤاها الأحلام .. وقصيدة تنسج خيوطها الأيام .. وأنغام تتراقص على إيقاعها الأجفان.الحب .. حكاية تُزهر على أطرافها شتلات الشوق والتضحية والعطاء .. فتتحول إلى خمائل من البهجة والارتواء .. وإلى حقول من الوله والانتشاء. وإلى كروم من الترنم والغناء.الحب .. كتابٌ غلافه ورد ..ومحتواه ورد .. ورائحة ورقه ورد.الحب .. التماعة النجوم .. رقة الندى .. كرم السحاب .. الحب غامضٌ معناه .. عميقٌ سره ..بعيدٌ مداه .. لا يدرك كنهه ولا يسبر غوره إلا من اكتوى بناره .. واصطلى بسعيره ..واحترق بلظاه.
من يلوم المجنون في حبه .. من يلوم جميلا أو عنترة .. من يلوم كثّير وآخرين غيرهم.. ممن تمكن الحب منهم وصاروا مضرب المثل بالجنون وتجاوُز المعقول في الحب والهيام .. حتى أن قصص عشقهم تناقلتها الركبان وسُودت بحكايات حبهم الصحائف والكتب.حين تقرأ قصص هؤلاء العشاق وغيرهم وكيف آلت بهم الحال وانتهى بهم المآل لتتعجب أشد العجب .. فكيف سيطر الحب على عقولهم، وتمكن من قلوبهم وأرواحهم حتى زال عقل بعضهم وهام على وجهه في الصحاري لايجري على لسانه إلا ذكر معشوقته.رُوي أنه ذُهب بمجنون ليلى قيس بن الملوح إلى الحج لكي يدعو الله أن يشفيه مما ألمّ به، وقيل له: تعلّق بأستارالكعبة وادعُ الله أن يشفيك من حب ليلى، فتعلق قيس بأستار الكعبة وقال: "اللهم زدني لليلي حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا ".وهو الذي يقول:خليليا إن ضنو بليلى فقربا ليا ..النعش والأكفان واستغفرا لياهنا يخبر أن لا خيار لديه في الحياة إلا ليلى أو الموت، وهو ما حصل له حين تزوجت ليلى بآخر، ورحلت بعيدا عن الديار، فقد وُجد ملقىً بين الأحجار وهو ميت، ووجدوا بيتين من الشعر عند راسه خطهما بإصبعه على الرمال يقول فيهما:تَوَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِةِ وَالْقَفْرِ .. وَمَاتَ جَريحَ الْقَلْب منْدَمِلَ الصَّدْرِفيا ليت هذا الحب يعشق مرةً .. فيعلمَ ما يلقى المحبُ من الهجرِ
فما هذا الحب الذي أذهب عقل هذا الرجل وما هذا العشق الذي أودى بحياته بين الصخور حتى أنه لم يعد يشعر بما يقول، فما الحال الذي وصل إليه إنسان يذهب إلى الحج لأداء فرضه والتقرب إلى ربه فلا يذكرهناك إلا ليلى وحبها، بل ويدعو أن يزيده الله حبا وتعلقا بها بدلا من دعائه بالمغفرة والرحمة والشفاء مما أصابه .. إنه الجنون ولا غيره.وممن شغف العشق قلبه، وأذاب الوجد حاله، وأسقم الغرام روحه، جميل بن معمر أو جميل بثينة كما اشتهر. افتتن جميل ببثينة وتشبب بها، فانتشر خبرهما بين الناس، ثم تقدم للزواج بها فرفضه والدها. وسبب ذلك أن من عادة العرب رفض من يتشبب ببناتهم. ومما زاد في ألمه وأضرم النار في جوفه وجعله يكابد قهرا وحرقة أن والد بثينة قَبِل زواجها بآخر، فزاد جميلٌ هياما بها، وانطلق ينشد بها شعرا، حتى صار شعره متداولا على كل لسان. ثم ما لبث بعد أن يئس أن هاجر إلى مصر وتُوفي بعد وقت هناك.ويروى أنه وهو على فراش الموت أرسل هذه الأبيات إلى بثينة:صَدَعَ النعيُّ وَما كَنى بجَمِيلِ .. وَثَوَى بمِصرَ ثَوَاءَ غَيرِ قَفُولِ.وَلقد أجرُّ الذّيلَ في وَادِي القُرَى .. نَشوَانَ بَينَ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ.قُومي بُثَيْنَةُ، فَاندُبي بعَوِيلِ .. وَابكي خَليلَكِ دونَ كلّ خليلِ.
ومما قاله جميل يحكي فيه قصة حبه لبثينة ومدى تعلقه وكلفه بها:علقت الهوى منها وليدا فلم يزل .. إلى اليوم ينمى حبها ويزيدوأفنيت عمرى في انتظار نوالها .. وأبليت فيها الدهر وهو جديدفقد تلتقى الأشتات بعد تفرق .. وقد تدرك الحاجات وهى بعيديموت الهوى منى إذا ما لقيتها .. ويحيا إذا فارقتها فيعود
هذا الحب الممزوج بالرفض والآلام والخيبات، ظل صامدا في قلب جميل وبثينة حتى وفاتهما، وربما لم يكن بمقدورهما ـ لوأرادا ـ إزاحة هذا الحب من قلبيهما ونسيانه، لأنه تمكن منهما بشكل عجيب، جعل قصتهما خالدة عبر الأجيال.
يروى أن بثينة دخلت على عبد الملك بن مروان فقال لها: والله يا بثينة ما أرى فيكِ شيئا مما كان يقول جميل!قالت: يا أمير المؤمنين؛ إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك!
هذان المثالين ـ قيس وجميل ـ من أشهر أمثلة الحب لدى العرب. هذا الحب الذي سمي عذريا قد تسامى على النظرة الحسية للمحبوب وأظهر مشاعر صادقة طاهرة عفيفة واتسم بالوفاء والتفاني والإخلاص. وسمي عذريا نسبة لقبيلة عُذرة التي خرج منها أشهر العشاق الذين قيل فيهم أنهم إذا أحبو ماتوا.
يعرّف الناقد المصري د. محمد غنيمي هلال الحب العذري بأنَّه: عاطفة مشبوبة يهيم فيها المحب بحبيبته، ويرجوالحظوة بوصالها، ولكن تتضاءل لديه النظرة إلى المتع الحسية، إذ يطغى عليها حرص المحب على استدامة عاطفته في ذاتها، وعلى اعتزازه بها مع التضحية في سبيل البقاء عليها بما يستطيع بذله من جهد وآلام.
قصص رائعة لكنها لم تكتمل وتتوج بزواج المحبين، قد حالت دون ذلك حواجز وموانع، ربما تكون هي الوقود الذي أشعل جذوة هذا الحب، فتوقدت القلوب جوىً ولوعة، فانثال الشعر تعبيرا عما تعانيه وتكابده، وذاع صيت هؤلاء العشاق بما مروا به من حرمان ومواقف ظلت خالدة وتُحكى على مرالتاريخ.بقلم/ ثابت
من يلوم المجنون في حبه .. من يلوم جميلا أو عنترة .. من يلوم كثّير وآخرين غيرهم.. ممن تمكن الحب منهم وصاروا مضرب المثل بالجنون وتجاوُز المعقول في الحب والهيام .. حتى أن قصص عشقهم تناقلتها الركبان وسُودت بحكايات حبهم الصحائف والكتب.حين تقرأ قصص هؤلاء العشاق وغيرهم وكيف آلت بهم الحال وانتهى بهم المآل لتتعجب أشد العجب .. فكيف سيطر الحب على عقولهم، وتمكن من قلوبهم وأرواحهم حتى زال عقل بعضهم وهام على وجهه في الصحاري لايجري على لسانه إلا ذكر معشوقته.رُوي أنه ذُهب بمجنون ليلى قيس بن الملوح إلى الحج لكي يدعو الله أن يشفيه مما ألمّ به، وقيل له: تعلّق بأستارالكعبة وادعُ الله أن يشفيك من حب ليلى، فتعلق قيس بأستار الكعبة وقال: "اللهم زدني لليلي حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا ".وهو الذي يقول:خليليا إن ضنو بليلى فقربا ليا ..النعش والأكفان واستغفرا لياهنا يخبر أن لا خيار لديه في الحياة إلا ليلى أو الموت، وهو ما حصل له حين تزوجت ليلى بآخر، ورحلت بعيدا عن الديار، فقد وُجد ملقىً بين الأحجار وهو ميت، ووجدوا بيتين من الشعر عند راسه خطهما بإصبعه على الرمال يقول فيهما:تَوَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِةِ وَالْقَفْرِ .. وَمَاتَ جَريحَ الْقَلْب منْدَمِلَ الصَّدْرِفيا ليت هذا الحب يعشق مرةً .. فيعلمَ ما يلقى المحبُ من الهجرِ
فما هذا الحب الذي أذهب عقل هذا الرجل وما هذا العشق الذي أودى بحياته بين الصخور حتى أنه لم يعد يشعر بما يقول، فما الحال الذي وصل إليه إنسان يذهب إلى الحج لأداء فرضه والتقرب إلى ربه فلا يذكرهناك إلا ليلى وحبها، بل ويدعو أن يزيده الله حبا وتعلقا بها بدلا من دعائه بالمغفرة والرحمة والشفاء مما أصابه .. إنه الجنون ولا غيره.وممن شغف العشق قلبه، وأذاب الوجد حاله، وأسقم الغرام روحه، جميل بن معمر أو جميل بثينة كما اشتهر. افتتن جميل ببثينة وتشبب بها، فانتشر خبرهما بين الناس، ثم تقدم للزواج بها فرفضه والدها. وسبب ذلك أن من عادة العرب رفض من يتشبب ببناتهم. ومما زاد في ألمه وأضرم النار في جوفه وجعله يكابد قهرا وحرقة أن والد بثينة قَبِل زواجها بآخر، فزاد جميلٌ هياما بها، وانطلق ينشد بها شعرا، حتى صار شعره متداولا على كل لسان. ثم ما لبث بعد أن يئس أن هاجر إلى مصر وتُوفي بعد وقت هناك.ويروى أنه وهو على فراش الموت أرسل هذه الأبيات إلى بثينة:صَدَعَ النعيُّ وَما كَنى بجَمِيلِ .. وَثَوَى بمِصرَ ثَوَاءَ غَيرِ قَفُولِ.وَلقد أجرُّ الذّيلَ في وَادِي القُرَى .. نَشوَانَ بَينَ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ.قُومي بُثَيْنَةُ، فَاندُبي بعَوِيلِ .. وَابكي خَليلَكِ دونَ كلّ خليلِ.
ومما قاله جميل يحكي فيه قصة حبه لبثينة ومدى تعلقه وكلفه بها:علقت الهوى منها وليدا فلم يزل .. إلى اليوم ينمى حبها ويزيدوأفنيت عمرى في انتظار نوالها .. وأبليت فيها الدهر وهو جديدفقد تلتقى الأشتات بعد تفرق .. وقد تدرك الحاجات وهى بعيديموت الهوى منى إذا ما لقيتها .. ويحيا إذا فارقتها فيعود
هذا الحب الممزوج بالرفض والآلام والخيبات، ظل صامدا في قلب جميل وبثينة حتى وفاتهما، وربما لم يكن بمقدورهما ـ لوأرادا ـ إزاحة هذا الحب من قلبيهما ونسيانه، لأنه تمكن منهما بشكل عجيب، جعل قصتهما خالدة عبر الأجيال.
يروى أن بثينة دخلت على عبد الملك بن مروان فقال لها: والله يا بثينة ما أرى فيكِ شيئا مما كان يقول جميل!قالت: يا أمير المؤمنين؛ إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك!
هذان المثالين ـ قيس وجميل ـ من أشهر أمثلة الحب لدى العرب. هذا الحب الذي سمي عذريا قد تسامى على النظرة الحسية للمحبوب وأظهر مشاعر صادقة طاهرة عفيفة واتسم بالوفاء والتفاني والإخلاص. وسمي عذريا نسبة لقبيلة عُذرة التي خرج منها أشهر العشاق الذين قيل فيهم أنهم إذا أحبو ماتوا.
يعرّف الناقد المصري د. محمد غنيمي هلال الحب العذري بأنَّه: عاطفة مشبوبة يهيم فيها المحب بحبيبته، ويرجوالحظوة بوصالها، ولكن تتضاءل لديه النظرة إلى المتع الحسية، إذ يطغى عليها حرص المحب على استدامة عاطفته في ذاتها، وعلى اعتزازه بها مع التضحية في سبيل البقاء عليها بما يستطيع بذله من جهد وآلام.
قصص رائعة لكنها لم تكتمل وتتوج بزواج المحبين، قد حالت دون ذلك حواجز وموانع، ربما تكون هي الوقود الذي أشعل جذوة هذا الحب، فتوقدت القلوب جوىً ولوعة، فانثال الشعر تعبيرا عما تعانيه وتكابده، وذاع صيت هؤلاء العشاق بما مروا به من حرمان ومواقف ظلت خالدة وتُحكى على مرالتاريخ.بقلم/ ثابت