مشاهدة النسخة كاملة : مقرر التذوق الأدبي
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:13 PM
المحاضرة الأولى
النَّصُ القرآنيُّ
مقطعٌ من سورةِ ( لُقْمَانَ )
” أربعُ آياتٍ : من آية 16 : 19“
النَّصُّ القُرآنيُّ ” لقمانُ يعظُ اِبنَهُ ” :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) ))
[ سورة لقمان : 16-19 ] .
ثانيًا : معاني الكلمات :
- مِثْقَالٌ : واحد (مَثَاقِيل) الذَّهبِ، ومثقالُ الشيءِ : ميزانُهُ من مثله0
- خَرْدلٌ : الخردلُ: معروفٌ، الواحدةُ منه : ” خردلةٌ ” 0
- عَزمُ الأمورِ : عَزَمَ على كذا، أراد فِعْلَهَُ، وعَزْمُ الأمورِ : هنا
صريمةُ الأمور 0
- تُصَعِّر : ” الصَّعَرُ ” الميلُ في الخَدِّ ، وقد صعَّرَ خَدَّهُ ” تصعيرًا “
وَصَاعَرَهُ: أي أمالَهُ من الكِبْرِ 0
- الخَدُّ : الشِّقُّ الأيمنُ أو الأيسرُ من الوجهِ ، وتسمَّى المِخَدَّةُ : بهذا الاسم ، لأنَّها توضعُ تحتَ الخَدِّ
- مُخْتالٌ : مُنتشٍ متبَختِرٌ 0
- اِقصِدْ : القصدُ إتيان الشَّيءِ ، والمُرادُ به هنا : اِعْتَدِلْ 0
- اُغْضُضْ : ( غَضَّ ) طرفَهُ خَفَضَهُ 0
- وكذلك : غَضَّ من صوتِهِ : أي أخفضَهُ
:ثالثًا : المضمون
جاءَ المضمونُ على النَّحو الآتي :
1 – قدرة الله سبحانهُ وَتَعَالَى على إحصاءِ واِستقصاءِ كلِّ شيءٍ ،كَبُرَ أو صَغُرَ ( في صخرةٍ صَمَّاءَ أو في السَّمواتِ أو في الأرضِ ) 0
2 – لُطْفُ اللهِ بعبادِهِ وعلمُهُ بِأَحوالِهِم 0
3 – إقامةُ الصَّلاةِ، والحثُّ على المعروفِ، وتجَنُّبُ المنكرِ، والصَّبرُ
على المُصيبةِ 0
4 - الابتعادُ عن تَصْعِيرِِ الخَدِّ ، والْمَشْيِِ المُتَبَخْتِرِِ المَرحِ 0
5 – بُغْضُ الخالقِ ( سبحانَهُ وتعالى) للمختالين الفخورين، وحبُّهُ للطَّائعينَ المتواضعينَ 0
6 - القصدُ في المشي وغضُّ الصَّوتِ 0
7 – تجنُّبُ الصَّوتِ الصَّاخبِ الفاحشِ
رابعًا : أهدافُ النَّصِّ :
1 – لَفْتُ الانتباهِ إلى قدرةِ اللهِ وعظمتِهِ وقوَّتِهِ ، فضلاً عن لُطْفِهِ وسماحَتِهِ 0
2 – التَّنبيهُ على إقامةِ الصَّلاةِ ، والأمرِ بالمعروف ، والنَّهي عن المنكرِ ، كروافدَ دينيَّةٍ ” فاعلةٍ ” في مسيرةِ الإنسانِ 0
3 – الإلحاحُ على تحمُّلِ المصائبِ والاصطبارِِ عليها 0
4 – دربةُ النَّفسِ على الاعتزازِ والثِّقةِ ، دون الاغترارِ أو المذلَّة 0
5 – اِلتزامُ السُّلوكِ ” الإنسانيِّ ” المعتدلِ من خلال معاملة الإنسانِ وتعامله ، أو بالأحري مشيه وصوته 0
خامسا : المعطياتُ الُّلُغويَّةُ والجماليَّةُُ في النَّصِّ :
1 – الَّلفظةُ القُرآنيَّةُ ( بينَ الإفرادِ والتَّركيبِ ) :
- أوَّلاً : من ناحيةِ الإفرادِ :
تَبْدُو كلُّ لفظةٍ من جملةِ الألفاظِ الواردةِ أَنَّها تحملُ موقفًا لغويًّا ، بمعنى أنَّ انتقاءَهَا – من جهةِ الإفرادِ – جاء مرتبطًا بدلالةٍ بِعَيْنِهَا ، تنهضُ هذه الدِّلالةُ بتكملةِ جانبٍ معنويٍّ مرادٍ 0
- ثانيًا : من جانب التَّركيبِ :
أمَّا من جهةِ التَّركيبِ فيميلُ هذا النَّصُّ القرآنيُّ في مُجْمَلِهِ إلى الإنشاءِ ، حيثُ نلحظُ ذلكَ المُعْطَى الإنشائيَّ ممتدًّا من بَدْءِ النَّصِّ إلى مُنْتَهَاهُ ، نلمَسُهُ في النِّداءِ ، والشَّرطِ ، والأمرِ ، والنَّهي ، فضلاً عن التَّأكيدِ والنَّفيِ المُغْرضين 0
عَلَى أنَّنا نَلْحَظُُ – كما سَبَقَ أنْ أَشَرْنَا – أَرْبَعَ جُمَلٍ اِسميَّةٍ ” خبريَّةٍ ” مسبوقةٍ بمؤكَّدٍ ناصبٍ ،وقد التزمتْ هذه المُؤكِّداتُ الأربعةُ الآياتِ الأربعَ،ممَّا يعكسُ قدرةَ الإعجازِ القرآنيِّ ،الَّتي تعادلُ بين الآياتِ بمؤكِّداتٍ
متوازيةٍ دلالةً ولغةً وخبرًا وإنشاءً
2 – الأسلوبُ :
يَبْدُو الأسلوبُ فى الآياتِ الأربعِ السَّابقةِ فصيحًا ميسَّرًا ، يتناسبُ مَعَ جُمُوعِ البشرِ من جهةٍ وتفاوتِ الأزمنةِ من جهةٍ ثانيةٍ، وتباعُدِ الأمكنةِ من جهةٍ ثالثةٍ 0 وقد جاءَ هذا الأسلوبُ عَبْرَ المؤكِّداتِ الأربعةِ ، وكلُّ مؤكِّدٍ منها يختتمُ آيتَهُ ، ويأخذُ بتلابيبِ الفاصلةِ القرآنيَّةِ ، وينتهي بها صوتًا ” موسيقيًّا ” ودلالةً ، بما يعني أنَّ كلَّ مؤكَّدٍ من هذه المؤكِّداتِ الأربعةِ يستوعبُ ” بُعْدًا ” دِلالِيًّا لِتَأكيدِ قدرةِ اللهِ وطلاقَةِ معجزاتِهِ في كونِهِ وعبادِهِ 0
- والمؤكداتُ الأربعةُ على التَّرتيبِ هِيَ :
1 – ” إِِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبيرٌ “ــــــــــ مؤكَّدٌ لقدرةِ اللهِ وعلمِهِ ولطفِهِ 0
2 – ” إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ” ـــــــــــــ مُؤكَّدٌ لمقوِّماتِ الإنسانِ المتديِّنِ 0
3 – ” إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ” ــــــــــ مُؤكَّدٌ لِحُبِّ اللهِ لعباده المتواضعينَ 0
4 – ” إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ” ـــ مؤكّدٌ لإنكارِ الأصواتِ الصَّاخِبَةِ الفاحشةِ 0
3 – التَّأكِيدُ :
يجيءُ التَّأكيدُ في هذا النَّصِّ على نَمَطَيْنِ :
- النَّمطُ الأوَّلُ : ورودُ أداةِ التَّأكيدِ بصيغَتِهَا النَّصَّيَّةِ ” إِنَّ ” وبشكلٍ مكرورٍ :
- ” إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ” 0
- ” إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ” 0
- ” إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ” 0
-” إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ” 0
- ” إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ” 0
تَعلِيقٌ :
يَبْدُو من تكرارِ حَرْفِ التَّأكيدِ ” إِنَّ ” خمس مرَّاتٍ أنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ ) يؤكِّـــدُ من جهةٍ لوازِمَ قدرتِـــهِ ولطفهِ وعلمِهِ ، ومـن جهةٍ أخرى يثبتُ - بهذا التَّأكيــــــــدِ – بل يؤكِّــــدُ رضاهُ للطَّائعينَ المتواضعينَ ، وبغضَهُ المختالينَ الفخورين الصَّاخبينَ بأصواتِهِِم0
- النَّمطُ الثَّاني : التَّأكيدُ بلفظِ الجلالةِ ” اللهِ ” وصفاتِهِ :
يَبْرُزُ لفظُ الجلالةِ ” الله ” أكثرَ من ثلاثِ مرَّاتٍ ، ثمَّ جــــاءت لوازم هــــذا الَّلفظ الجليلِ ممثَّلةً في ” لطيفٍ ” ، ” خبيرٍ ” مرَّتينِ ، بمعنى أنَّ هذا الَّلَفظَ الكريمَ بلازمَيْهِ يؤكِّدُ طلاقةَ ربِّ العالمينَ في القدرةِ والقُوَّةِ والاحتواءِ والجبروتِ مع لُطفِهِ وحِلمِهِ 0
4 – النِّداءُ :
جاءَ النِّداءُ هنا عبرَ صيغتينِ منسوختينِ وموجَّهتينِ توجيهًا خاصًّا إِلى أقرَبِ النَّاسِ إلى ” لُقمانَ ” نفسِهِ ” يَا بُنَيَّ ” :
- لقد أَبْرَزَ النِّدَاءُ الأوَّلُ – الَّذي جاءَ على لِسانِِ ” لُقمانَ ” – تنبيهًا بل تأكيدًا على قدرةِ اللهِ ( سبحانَهُ وَتَعَالَى ) على كُلِّ شيءٍ وطلاقَتِهِ في الكونِ ( بأرضهِ وسمائِهِ إنسانِهِ وحيوانِهِ ) ، ولو كان الأمرُ مثقالَ ذرَّةٍ 0 وهذا يشير إلى وحدانيَّةِ اللهِ ( جلَّ عُلاهُ ) ومن ثّمَّ توحيدهُ 0 أو بالأحرى يُبرزُعلاقةَ العبدِ بربِّهِ ” الخالقِ “0
تابع النِّداءِ
- النِّداءُ الآخرُ : جاءَ ذلك النِّداءُ على لسانِ سيِّدنا ” لُقمانَ ” أيضًا، ولَكِنَّهُ وُجِّهَ هذه المرَّة إلى اِبْنِهِ في سياقِ لوازمِ تلك العبادةِ المطلوبةِ الموحِّدةِ : من إقامةِ الصَّلاةِ ، والأمرِ بالمعروفِ ، والنَّهي عن المنكرِ ، والصَّبر على المصيبةِ ، والبعدِ عن تصعير الخَدِّ ، وتجنُّبِ المشي في تبختُرٍ وخُيلاءِ ، ثُمَّ القصدِ في المشيِ ، وكذلك الأمرُ بِغََضِّ الصَّوتِ 0 وهذا كلُّهُ يُشيرُ في جانبٍ خفيٍّ إلى مقوِّماتِ العبادةِ لذلك الابنِ ” المنصوحِ ”، بل المأمورِ ، وهي بالطَّبعِِ مرهونةٌ بالأمرِ مرَّةً ، وبالنَّهيِ مرّةً أُخْرَى 0
5 – الأمر :
جاء الأمرُ في الآياتِ الأربعِ الكريماتِ سِتَّ مَرَّاتٍ وعبرَ تَوجُّهيْنِ : التَّوجُّهُ الأوَّلُ : ( منوطٌ ببعضِ العبادات الإسلاميَّةِ وما يتبعها ) :
- مثالُ ذلكَ :
1 – أَقِمِ الصَّلاةَ ـــــــــــــــــــ ( لإِقامَةُ الصَّلاةِ ) 0
2 – وَامُرْ بالمَعْرُوفِ ــــــــــــــ ( لِلأمربالمعروفِ ) 0
3 – وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ـــــــــــــــــ ( لِلنَّهيُ عنِ المنكَرِ ) 0
التَّعليقُ على التوجُّهِ الأوَّلِ :
إِنَّ التَّوجُّهات الثلاثةَ ” الآمرةَ ” الأولى منوطـــةٌ بعباداتٍ ” ماديَّةٍ ” ملموســـةٍ ، أَما التَّوجُّهُ الرَّابعُ والأخيرُ فَيَغْدُو حالةً من العبــادةِ المعنويَّةِ ، لأَنَّ أَمرَهَا جاءَ عَبْرَ رافِدٍ معنويٍّ، أَلا وَهُـــوَ الصَّبــرُ ،وبوجهٍ خاصٍّ الصَّبرعلى المصائبِ والنَّوائبِ 0
التَّوجُّهُ الآخرُ :
- هذا التَّوجُّهُ منوطٌ بالسُّلوكِ الإنسانيِّ المعتدلِ :
- جاء منه على سبيلِ المثالِ :
- ” وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ 000 ” 0
- ” وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ 000 ” 0
تَعليقٌ : الأمرُ الأوَّلُ هُنَا مرتبطٌ بالتَّواضعِ والاعتدالِ في المَشْيِ 0
الأمرُ الآخرُ : منوطٌ بالحياءِ أوِ الاستحياءِ في خفضِ الصَّوتِ
الخلاصةُ في ” الأمر ” :
إِنَّ التَّوجُّهينِ ( الأمرينِ ) معًا يُكملانِ مسيرَةَ الإنسانِ في حياتِهِ بأدائِهِ للعباداتِ المفروضةِ، واِلتزامِهِ السلوكَ المُسْتَقِيمَ ، من خلالِ الأوامرِالمفروضةِ عليهِ من قِبَلِ أَبيهِ والَّتي سطرتها الآياتُ الأربعُ الكريماتُ بتوجيهٍ ربَّانيٍّ خالصٍ وهادفٍ 0
6 – النَّهْيُ :
- جاءَ النَّهْيُ هنا في سياقِ السُّلوكِ الإنسانِيِّ العامِّ ، مِنْهُ :
أ – ” لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ 000 ” 0
ب – ” وَ لاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا 0000 ” 0
تعليق :
جَاءَ النَّهيُ الأوَّلُ لازمًا لفعلٍِ ” مُضعَّفِ ” العينِ ” تُصَعِّرْ ” ومُوجَّـهًا لِلنَّاس جميعًا ، وَذَلِـــــكَ التَّضعيفُ – ثُمَّ عمومُ النَّاسِ – يمثِّلُ زيـادةً في المَبْنَى ، وكما قال الصَّرفِيُّونَ : زيادةُ المبنَى زيادةٌ في المعني
- النَّهيُ الثَّاني :
يلزمُ هذا النَّهيُ الفعلَ المُضارعَ المجزومَ المعتلَّ ” يَمْشِ ” ، وهـــــــذا الاعتلالُ يشيرُ في جانبٍ خفيٍّ إلى التَّبختُرِ والمرحِ والاختيالِ الَّذي يلازِم ذلك المُعتلِّ في سلوكِهِ وتصرُّفاتِهِ 0 يعضِّدُ تلكَ الرُّؤيَـــــــةَ السَّابقةَ مَجِيءُ مختَتَمِ الآيـــــةِ على صيغَةِ مبالغةٍ ” فَخُور ” مِمَّا يُعَمِّقُ الإحساسَ بِلُزُومِ النَّهْيِ وَوُجُوبِهِ إِزَاءَ ذلكَ السّلوكِ الإنسانِيِّ المُشينِ 0
7 – الصُّورة القرآنيَّةُ :
- تَغْدُو صورةُ بل صورُ هذا النَّصِّ ” القُرآنيِّ ” لُغويَّةً أَقرَبَ إلى الواقعِ منها إلى الخيالِ، بمعنى أَنَّها صورةٌ واقعيَّةٌ، وليست خياليَّةً ” بيانيَّةً ” ؛ لذا ينطبق عليها مصطلحُ ” الصُّورةِ المُقتَرَحَةِ ”، لأنَّها لم تتشكَّل بعدُ ، وإِنْ تَشَكَّلتْ فتشكُّلُهَا لا يَزَالُ في حينِهِ ، لأنَّ صيغَ تلكَ الصُّورةِ ، بل تلك الصّورِ جَاءَتْ مُسْتَشْرَفَةً بفعلِ الأمرِ، على النَّحو الآتي :
- الصُّورةُ الأولى : ” أَقِمِ الصًّلاةَ ” 0
- الصُّورة الثَّانيةُ ” وَاْمُرْ بالمعروفِ ” 0
تابعُ الصُّورةِ القُرآنيَّةِ :
- الصُّورةُ الثَّالثَةُ : ” وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ ” 0
- الصُّورة الرَّابعةُ : ” وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ” 0
- الصُّورةُ الخامسةُ : ” وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ” 0
- الصُّورة السَّادسةُ : ” وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ”0
- الصُّورةُ السَّابعةُ : ” وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ” 0
- الصُّورةُ الثَّامنةُ : ” وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ”
التعليقُ :
إِنَّ هذه الصُّورَ القُرآنيَّةَ ” الثَّمانيَ ” في جملتِهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ بعدُ ، فَهِيَ صــــورٌ لُغويَّةٌ ” واقعيَّةٌ ” مُقترحَةٌ ، في سبيلِهَا إلى التَّحقيقِ ، لأَنَّـــــــــــــــها جميعًا مَسبوقةٌ بفعلِ الأمرِ ” المكرورِ ” مِنْ جِهَةٍ، و“ المُتنوِّعِ ” من جهةٍ أخرى 0 وفعلُ الأمرِ كما نعرِفُهُ في أثَرِهِ أو تأثيرِهِ كالفعلِ ” المُضارِعِ ” تمامًا، إذ يقعُ جُـــــزْءٌ منه في الحالِ ، ويمتدُّ بقيَّتُهُ، أو الجزءُ الأكبرُ منه إلى الاستقبالِ 0 وذلك يُبِينُ سِرَّ الإعجازِ القرآنيِّ في تشكيلِ صورةِ الإنسانِ المثاليَّةِ والفاعلةِ
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:14 PM
المحاضرة الثَّانية
النَّصُُّ النَّبويُّ
” خطبةُ النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) الواعظةُ ”
من بلاغة النَّبيِّ ” صلَّى الله عليه وسلَّم ” في وعظ النَّاسِ
يقولُ النبيُّ الكريمُ ( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) :
” أَيُّهَا النَّاسُ : إِنَّ لَكُمْ مَعَالِـــــمَ فَانْتَهُوا إِلَى مَعَالِمِكُمْ ، وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ ؛ فَإِنَّ الْعَبْـــــدَ بَيْنََ مَخَافَتَيْنِ : أَجَلٍ قَـدْ مَضَى لاَ يَدْرِي مَا اَللهُ صَانِعٌ بِهِ ، وَأَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يَدْرِي مَا اللهُ قَاضٍ فِيهِ ؛ فَلْيَأْخُذِ اَلْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ ، وَمِنَ الشَّبِيبَةِ قَبْلَ اَلْكِبَرِ ، وَمِنَ اَلْحَيَاةِ قَبْــــلَ اَلْمَمَاتِ ؛ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ ، وَلاَ بَعْدَ الدُّنْيَا مِنْ دَارٍ إِلاَّ اَلْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ ” 0
معاني الكلمات :
1 – مَعَالِمُ : مُفردُها : مَعْلَمٌ ، وهو الأثرُ يُستَدَلُّ به على الطَّريقِ 0
2 – المخافتان : المخافةُ أو الخيفةُ من الخوفِ والفزعِ 0
3 – الشَّبيبَةُ : يُعْنَى بها حداثةَ الشَّبابِ ، وهو خلافُ الشَّيبِ 0
4 – الكِبَرُ : تقدُّمُ العمرِ 0
5 – مُستَعْتَبٌ : اِستَعْتَبَ وأَعْتَبَ بمعنىً واحدٍ ، وهو سرَّهُ بعدما ساءَهُ0
ويقالُ أَيضًا : اِستَعْتَبَ : بمعنى طلب أَنْ يُعْتَبَ
مَضمونُ النَّصِّ :
يحمل هذا النَّصُّ ” النَّبويُّ ” مضمونًا إِنسانيًّا ” عامًّا ” ، يتوزَّعُ على جملةٍ من المضامينِ الجزئِيَّةِ ” الخاصَّةِ ” ، يتمثَّلُ هذا المضمونُ العامُّ في توجيه النَّاس وإرشادهم ، ودفعهم إلى الخيرِ والتَّحفيزبه وله ، وتحذيرهم بل ،وترهيبهم من الشَّرِّ وإبعادهم عنه ، من هذه المضامين الجزئيَّة ” الفرعيَّة ” ما يأتي :
1 – التَّذكيرُ بالآخرةِ والعملُ لها ومن أجلِها 0
2 – مخافتا الإنسان بين الماضي والمستقبلِ ، أو بالأحرى بينّ
المعلوم والغيبيِّ 0
3 – اِتِّعاظُ الإنسانِ بنفسِهِ ، ودنياهُ وشبيبتِهِ وحياتِهِ 0
4 – الدُّنيا عملٌ بلا حسابٍ ، والآخرةُ حسابٌ بلا عمَلٍ 0
أهداف النَّصِّ :
1- السَّعيُ إلى إثباتِ الخيرِ وإدراجِهِ والتحفيز له ومن أجله ، وفي المقابلِ التنفيرُ من الشَّرِّ بكلِّ أبعادِهِ ، جملةً وتفصيلاً 0
2 – إضاءة الحياةِ – من قبلِ النَّبيِّ ” صلَّى الله عليه وسلَّمَ ” – للنَّاس جميعًا والحثُّ على تخيُّرِ الطريق ” المثلى ” للخير 0
3 – الدَّفع بالنَّاسِ جميعًا إلى النَّجاةِ من ظلماتِ الدُّنيا وظُلاَّمها 0
4 – الحثُّ على طلبِ الآخرة والترغيبُ في جِنانِها ونعيمِها 0
5 – الإعلامُ بعملِ الدُّنيا دونَ حِسابٍ ، والتَّقريرُ بِحسابِ الآخرةِ دون العملِ 0
المعطياتُ الُّلغويَّةُ والجماليَّةُ في النَّصِّ النَّبويِّ :
- أوَّلاً : النِّداءُ :
يستهِلُّ النَّبيُّ ( صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ) خطبته تلك بنداءٍ عامٍّ ومُفصَّلٍ ، خصَّه بل خاطبَ بِهِ النَّاسَ جميعًا، وهذا بالطَّبع يتوافقُ والرِّسالة ” النبويَّة ” التي تستشرف مناطَ العالميَّةِ دون المحليَّة أو القبليَّةِ 0 والحقُّ أنَّ هذا النِّداءَ المتصدِّرَ يحملُ إلى جوانبِ عمومِه موقفًا دلاليًّا فاعلاً يتمثَّلُ في ” أَيُّ ” الَّذي يبدو مناديًا مبنيًّا على الضَّمِّ في محلِّ نصبٍ
، ثمَّ يمتدُّ التَّمثيلُ بــ ” ها ” كأداةِ أو حرف تنبيهٍ ، وينتهي التمثيلُ النِّدائيُّ بلفظةِ ” النَّاسِ ” كبدلٍ مرفوعٍ 0 إنَّ هذا الموقفَ يشيرُ دلاليًّا إلى قربِ النَّاسِ جميعًا من النبيِّ الكريمِ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” وإليهِ كذلك ، أو بالأحرى : أنَّ هذا النِّداءَ في عمومِهِ وتفصيلِه ، فضلاً عن تنبيهِهِ وتوجيهِهِ يتناسبُ تمامًا وتوجُّهَ رسالةِ الإسلامِ إلى النَّاسِ كافَّةً ، والبشرِيَّةِ جمعاء 0
ثانيًا : القسم :
ورد القَسَمُ في النَّصِّ النَّبويِّ الشَّريفِ مرَّةً واحدةً ، وعبرَ صيغةٍ بعينها هي ” فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ ” ، وما يمكنُ أَن نُشِيرُ إِليهِ هنا هو طبيعة هذا القسمِ ، أو بالأحرى ” نوعُهُ ” ، حيثُ وردَ كما هو واضحٌ مَرَّةً واحدةً ، ولكِنَّ هذه المّرَّةَ لَمْ تأْتِ عبرَ لفظةٍ واحدةٍ كَلفظِ الجلالَةِ ” الله ” مثلاً ، وإِنَّما جاءَت عبرَ صِيغَةٍ ممتدَّةٍ تبدَأُ بالفاءِ استئنافيَّةِ ” مُعجِّلةِ ”، وتمرُّ بصلَةِ الموصولِ ، الَّتي ”فوالَّذي ” ، ثُمَّ يعمِّقُ الإحساسَ بالصِّلةِ ؛ فيجيءُ بالمُتعلِّقِ ” نفسُ مُحمَّدٍ ” ، ثُمَّ يختتمُ ذلك القسمَ بمالكِ ذلك المصيرِ ورافِدِهِ ” بِيدِهِ ” ، وللهِ المثلُ الأعلى (سبحانَهُ وتعالى) 0
إِنَّ هذا القسمَ المُركَّبَ – حتَّى وَإنْ جاء مرَّةً واحدةً – يحملُ دلالةً قويَّةً معادلَةً لجملةِ السَّوابقِ والَّلَواحقِ من تأْكيداتٍ وعظيَّةٍ، وتَقريراتٍ إِرشاديَّةٍ ، كما يبدو في الوقتِ نفسِهِ مناسبًا للسِّياقِ المنوط به ،والَّذي جاءَ حاملاً لوازمَ التَّرهيبِ من مصير الإنسان الَّلاهي العاصي ، إِذا ما تخيَّرَ الدُّنيا بشهواتها ، وآثرها على الآخرة بنعيمِها وجِنانِها
ثالثًا : الأمرُ :
ورد الأمرُ عبرَ هذا النَّصِّ النَّبويِّ ” الشَّريفِ ” ثلاثَ مرَّاتٍِ أمَّا عنِ المرَّةِ الأولى والثَّانيةِ فقد جاءتا بصيغةٍ واحدةٍ مكرورةٍ ” فَانْتَهُوا ” ( من الفاءِ وفعل الأمرِ المُلحق بواوِ الجماعةِ ) 0 بَدَا ذلك الفعلُ في المرَّةِ الأولى منوطًا بالآثارِ ” المعالم ” ، وَغَدَا في المرَّةِ الثَّانيةِ مُرتبطًا بالنِّهايةِ ” الآخرة ” ، فتكرارُ فعلِ الأمرِ مع توحُّدِ لفظِهِ يتناسبُ تناسُبًا كلِّيًّا مع الوعظِ والإرشادِ ، خاصَّةً إِذا جاءَ على لسانِ سيِّدنا محمَّدٍ ( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) وفي سياق التَّذكيرِ بالأولى والآخرةِ 0
أمَّا مجيءُ الأمرِ في المرَّةِ الثَّالثةِ فقد تفارقَ في صيغتِهِ الَّلَفظيَّةِ ونوعِهِ ” فَلْيَأْخُذْ ” ، إِذِ اِنطوى على على لامِ الأمرِ ( السَّاكنةِ ) وفعلِ المضارعةِ ” يَأْخُذْ ” ، والفعلُ هذا معَ لامِ الأمرِ يتناسبانِ في ورودِهما على هذا النَّحوِ مع سياقِ الإرشادِ ، لأنَّهُ منوطٌ بحالِ ذلكَ المُرشَدِ الَّذي يتلقَّى الأوامرَ ، أو بالأحرى يستشرِفُ التَّرهيبَ والتَّرغيبَ في آنٍ واحدٍ 0
رابعًا المُحَسِّنُ البديعِيُّ :
أ – الطِّباقُ :
ورد الطِّباقُ قُرابةَ أربعَ مرَّاتٍ على النَّحو الآني : ” دنياهُ 00 آخرته “،
” الشَّبيبة 00 الكِبر ” ، ” الحياة 00 الممات ” ، ” الجنَّة 00 النَّار ” 0
إِنَّ هذه الطِّباقاتِ الأربعةَ جاءت في سياق ” التَّخييرِ ” ، عبرَ خطاب النَّبيِّ ” صلَّى الهُ عليه وسلَّمَ ” للعبدِ المسلم ،وإنْ أُستُهِلَّتْ هذه الطباقات بجملةِ الأمر ” فَلْيَأْخُذِ العَبْدُ من نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ” ، أَي أَنَّهُ بَدَأَ مِنَ النَّفسِ إِلى النَّفْسِ ، ثُمَّ من الشَّبيبةِ إلى الكِبَرِ ، وَمِنَ الحَياةِ إلى الموتِ أوِ المماتِ ، وأخيرًا من المماتِ إلى الجنَّةِ أو النَّارِ ، أي أنَّهُ ” صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ” منطق هذا التَّخييرَ ، وجعلهُ متراتبًا ، يمرُّ بجملةٍ من المراحل المتنامية ، من البدء إلى المنتهي ، أو من الأولى إلى الآخرةِ 0
ب – المُقابلةُ :
جاءتِ المقابلةُ مرَّةً واحدةً عبرَ هذا النَّصِّ النَّبويِّ وبصيغةٍ مَألوفةٍ ، هِيِ ” أَجَلٍ قَدْ مَضَى 00 وَأَجلٍ قَدْ بَقِيَ ” إِنَّ هذه المقابلةَ تقتسِمُ عُمرَ الإنسانِ بينَ الماضي من جهةٍ ، والحاضرِ،بل والمستقبلِ من جهةٍ أخرى 0 من هنا تكرَّرت لفظة ” أجل ” ، لكنَّها أخذت درجةَ التَّقابلِ مع تكرارِها، لأَنَّها في سياق المضمون المرادِ أَخذتْ توجُّهينِ : أحدهما إلى الماضي ، والآخر إلى المستقبلِ 0 وهذان التَّوجُّهانِ يعنيانِ المفارقةَ بل والتَّقابل في تصرُّفاتِ ذلك العبدِ المتلقِّي ” المنصوح ” ، وفقًا لحياتِهِ الإنسانيَّةِ المتطوِّرةِ المتقلِّبةِ من البدءِ حتَّى المنتهى
ج – التِّكرارُ :
بَدَا التِّكرارُ في ثنايا ذلك النَّصِّ ” النَّبويِّ ” الشَّريفِ حاملاً التَّنوُّعَ والاِمتدادَ ، نلحظُهُ على النَّحـــــوِ الآتي : ” مَعَالم 00 معالمكم ” ، و ” نِهاية 00 نهايتــــكم ” ، و ” أَجلٍ 00 أجلٍ ”، و“ يدري 00 يدري ”، و ” نفسه 00 لنفسه ”، و“ الممات 00 الموت“ 0يبدو من صيغِ هذا التِّكرارِ أَنَّهُ جاء هنا بنمطيْهِ : الَّلَفظي والمعنويِّ ، وهذا التِّكرارُ المجملُ المتنوِّعُ يعكسُ بالضَّرورةِ النَّغماتِ الصَّوتيَّةَ للدَّوالِّ أو الكلماتِ المكرورةِ ، والَّتي بدورها تعيدُ أسلوبَ الوعظِ وطرائقَهُ ، وتكرِّرُ وسائلَ النُّصحِ ودوافعَهُ ، بمعني أنَّ التِّكرارَ بلفظِهِ المكرورِ ونغماتِهِ المتراتبةِ المتماثلةِ يغدو إلحاحًا شديدًا على المعنى المراد من هذا التَّوجُّهِ ” المُرْشِدِ ” للإنسان في عمومِه والإنسانِ المسلمِ بوجهٍ خاصٍّ 0
د- النَّفيُ :
جاءَ النَّفيُ عبرَ هذا النَّصِّ ” النَّبويِّ ” الشَّريفِ أربعَ مَرَّاتٍ ، مرَّتينِ : في سياقِ النُّصحِ بتقديرِ الأجلِ ” أَجَلٍ 00 لاَ يدري مَا اللهُ صَانِعٌ بِهِ ” ،و ” أَجَلٍ 00 لاَ يَدْري مَا اللهُ قَاضٍ فِيهِ ” 0 كما جاءَ في المرَّتَيْنِ الأُخرَيَيْنِ في سياقِ عمر الإنسانِ وتماوجِهِ بين الدُّنيا والآخرةِ : ” وَمَا بعْدَ المَوتِ من مستَعْتَبٍ ” ، و ” لا بعدَ الدُّنيا من دارٍ إلاَّ الجنَّة أو النَّارَ ” 0 إِنَّ النَّفيَ هنا نفيٌّ إِيجابيٌّ وفاعلٌ وهادفٌ ؛ لأنَّهُ في البدءِ يدعو إلى التَّرغيبِ لهذا العبدِ ” المسلِمِ ” ،والتَّرهيبِ له من جهةٍ أخرى ، أَمَّا في المنتهى فهو يعلي من هذا التَّرغيب ، ويُنفِّرُ من هذا التَّرهيبِ ؛ وذلك حينما نراه يعقِّب بجملة من المظاهر المفارقة ” الحياة 00 الموت ” ، ” الأولى 00 الآخرة ” ، ” الجنَّة 00 النَّار ” ، وإن كانت الأخيرتانِ اِلتزمــــــتا أسلوبَ الاستثناءِ ” الحصريِّ ” الَّذي جاءَ ليؤكِّدَ دوافعَ التَّخيير الَّتي ساقها النَّبيِّ من قبلُ تحفيزًا لذلك العبدِ المسلِمِ 0
الخلاصةُ والاستنتاج :
إِنَّ هذا النَّصَّ يغدو نداءً عامًّا للنَّاسِ جميعًا ، يتناسبُ هذا النِّداءُ في عمومِهِ مع عالميَّة الإسلام المنشودةِِ الَّتي ارتضاها النَّبيُّ ” صلَّى الَّلهُ عليهِ وسلَّمَ ” سبيلاً لحياتِهِ ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لََهُمْ 000“ ، وسطَّرها هنا بجملةٍ من الوسائلِ الُّلُغويَّةِ المتعدِّدَةِ الَّتي تحملُ في طَيَّاتِها معانيَ ودلالاتٍ إيجابيَّةً وفاعلةً ، تتناسبُ تمامًا ومضمونَ ” الوعظِ ” أو بالأحرى ” التَّرغيب ” في الخير دونَ الشَّرِّ، ومن ثمَّ الجنَّة دون النَّار ، تأسيسًا على ما جاء به القرآنُ الكريمُ ” وَمَا (أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” ( سورة الأنبياء : آية 107
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:15 PM
المحاضرة الثَّالثةُ
الأدبُ وعمليَّةُ التَّذوُّقِ
( رؤيةٌ تاريخيَّةٌ أدبيَّةٌ بَيْنَ الماضي والحاضرِ)
:أَوَّلاً : العصورُ التَّاريخيَّةُُ للأدبِ
يتوزَّع تاريخُ الأدب إلى العصور الآتية :
- العصر الجاهلي :
ويشمل :( أ ) الجاهليَّةَ الأولى : لا ندري أَوَّلَ هذه المرحلة التَّاريخيَّةِ
وتنتهي بأوائل القرن الخامس الميلاديِّ ، ولم يصلْ من أدبها ما يُوثَقُ في صحَّتهِ 0
( ب ) الجاهليَّةُ الثَّانيةُ ، وهي جاهليةُ قُبَيْلَ الإسلامِ بنحو قرنيْنِ ، إلى ظهور الإسلام 0
- عصرُ صدر الإسلام :
يبدأُ هذا العصرُ بظهورِ الإسلامِ ، وينتهي بقيام ( الخلافة ) الدولةِ الأمويَّةِ سنـ 41ــة هـ
- العصرُ الأُمويُّ :
ويبدَأُ بقيامِ الخلافةِ ( الدَّولةِ ) الأُمويَّةِ ، وينتهي بقيام ( الخلافةِ ) الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ 0سنـ 132 ــةَ 0
- العصرُ العبَّاسيُّ :
وينقسم ذلك العصرُ إلى عصريْنِِ رئيسيْنِِ :
أ – العصر العبَّاسيّ الأوَّل : ويبدأُ بقيام الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ سنـ 132 ـةَ هـ 0إلى قيام الدَّولةِ البويهيَّةِ في العراقِ عامَ 334 هـ 0
ب – العصر العبَّاسي الثَّاني: ويبدأُ من قيامِ الدَّولةِ البويهيَّةِ 334هـ
وينتهي بدخول التَّتار بغدادَ سنة 656 هـ
- العصرُ التُّركيُّ :
يبدأُ هذا العصرُ من عام 656 هـ إلى عام 1220 هـ 0
وينطوي هذا العصرُ على عصريْنِ أو عهديْنِِ :
( أ ) عصر المماليك 0 ( ب ) العصر العثمانيّ 0
- العصر الحديث :
يبدأُ من عام 1220 هـ إلى وقتنا الرَّاهن أو قبله بقليلٍ
- تاريخ الأدب في الأندلس :
ينقسم تاريخ الأدب بالأندلسِ إلى ما يأتي :
- عصر الولاة : يبدأُ هذا العصرُ بدخولِ المسلمين الأندلُسِ عام 98 هـ إلى قيامِ دولةِ الأمويِّينَ هناك 0
- عصر ملوك بني أُمَيَّةَ وملوكِ الطوائفِ : يبدأُ هذا العصرُ عامَ 138 هـ ، وينتهي 484 هـ 0
- عصر المُرابطينَ والمُوحِّدينَ : يبدأُ عام 484 هـ ، وينتهي عامَ 630 هـ 0
- عصر دولة بني الأحمرِ : يبدأُ عامَ 630 هـ، وينتهي عام 897 هـ ، حيثُ طُرِدَ المسلمونَ من الأندلسِ 0
- مفهوم الأدب بين الُّلُغة والاصطلاحِ :
- الأدب ( لغةً ) :
الأدب : هو الظَّرفُ وحسن التَّناولِ ، وأدَّبَهَ : عَلَّمهُ فتأدَّبَ ، والأُدبةُ بضمِّ الهمزةِ، والمأْدُبَةُ بضمِّ الدَّالِ وفتحِها: طعامٌ صُنِعَ لدعوة 0
- الأدبُ ( اِصطلاحًا ) :
حُدِّدَ معنى الأدبِ اِصطلاحًا فأَصبحَ يدلُّ على التَّعبيرِ بالَّلفظِ الجميلِ ، عن المعنى المثيِرِ للعواطفِ ، المُؤثِّرِ في القارئ أو السَّامع أو المتلقِّي 0
- تعليقٌ :
لقد كان مفهومُ هذه الكلمةِِ ( أدب ) - من خلالِ الدَّوالِّ السَّابقة - يدلُّ على الدّعوةِ والتَّهذيبِ والتَّربيةِ والتَّعليم، لكنَّه اِتَّسع اصطلاحًا ؛ ليتشكلَ فيما تنتجه العقولُ من شعرٍ ونثرٍ 0
- أقسامُ الأدب :
ينقسم الأدبُ إلى قسمين رئيسين : هما :
( أ ) الشِّعر 0 ( ب ) النَّثر 0
ـــــ أَوَّلاً الشِّعرُ :
- س ما الشِّعر ؟
-ج الشِّعرُ فَنٌّ من الفنونِ الجميلةِ ، أساسُهُ الكلامُ الموزونُ المُقفَّى ،
المنبعثُ عن عاطفةٍ ، المُعبِّرُ عن المشاعرِِ والأخيلةِ، المثيرُ لعواطف ( مشاعرِ ) القرَّاءِ أو السَّامعين أو المتلقِّينَ 0
س ماذا عنِ الشِّعرِ المنثورِ والشِّعر المرسَلِ ؟
ج هناك لونٌ من النَّثرِ يحمل اِسمَ ” الشِّعر المنثورِ ” وهو ليس بشعرٍ ، لأنَّهُ وإنْ اِنبعثَ عن العاطفةِ، وعبَّر عَنِ المشاعرِ ،وأَثار العواطفَ إلاَّ أنَّهُ خَالٍ من الوزنِ والقافية ،وهذا وحده يكفي لإخراجه من دائرة الشِّعر 0
- أَمَّا الشِّعرُ المُرسلُ : فهو الشِّعرُ الّذي يعتمدُ الوزنَ ويخلو من القافيةِ 0
ثانيًا : النَّثرُ :
س ماذا يعنى بالنَّثرِ ؟
ج يعنى بالنَّثر ذلك الكلام المنمَّق الَّذي يطلق عليه النَّثرَ الفنِّيَّ ، أو النَّثرَ الأدبيَّ ،وهو أَيضًا الكلامُ المُنمَّقُ الخالي من الأوزانِ الشِّعريَّة المعروفةِ، يراعَى فيهِ تنسيق الألفاظ ، وترتيب الجملِ ، والأعتماد على العقلِ في تخيُّر المعاني وإبرازها ، بخــــــــــلاف الشِّعر ، فإنَّ الاعتمادَ فيه يكون على العاطفةِ والخيالِ أكثر مــــن الاعتماد على العقلِ 0
س ماذا عن أبرزِ أنواعِ النَّثر الفنِّيِّ ؟
ج أبرزُ أنواع النَّثر الفنِّيِّ : ( أ ) الخطابة 0( ب ) الكتابة
الأسواق العربيَّةُ القديمةُ وأَثرُها في الأدب :
طبيعةُ هذه الأسواقِ :
- كان للعربِ أسواقٌ في الجاهليَّة تقامُ للتِّجارةِ والمفاخرات والمنافراتِ وسماعِ الشِّعر 0
- سوقُ عكاظ مجالٌ خِصبٌ الشِّعر والخطابةِ :
بدت هذه الأسواقُ وبخاصَّةٍ سوق عكاظ مجالاً خِصبًا للشِّعر والخَطابةِ حيثُ تُقَدِّمُ القبائلُ مَنْ اُشْتُهِر بينَها بالفصاحةِ والبلاغَةِ مِنَ الشُّعراءِ وأَربابِ البيان للتَّفاخُرِ بِهِم 0
- النَّابغةُ الذُّبياني والحكم بين الشعراءِ :
- يقال : إنَّ رئاسةَ التَّحكيم الأدبيِّ داخلَ هذه الأسواقِ الأدبيَّةِ الجاهليَّةِ اِنتهتْ إِلى ” النَّابغةِ الذُّبيانيِّ ” ، إِذ كانت تُضربُ لَهُ قُبَّةٌ في السُّوقِ ، يجلـــسُ فيها وعليها ، ويُقَدَّمُ إليه الشُّعراءُ والخُطباءُ ؛ فَيحكمُ للمُجيدينَ منهم
الشِّعرُ أرقى أنواعِ الكلامِ :
يقولون : الشِّعرُ فَنٌ من الفنونِ الجميلةِ يترجم عَنِ المشاعِرِ، ويعتمدُ على العواطفِ ، ويخاطبُ أَحاسيسَ النُّفوسِ ومشاعرَها ، ومِنْ هُنا كانَ أَرقى أنواعِ الكلامِ 0
- ج / من خصائصِ الشِّعر الآتي :
- س ماذا عن خصائصِ الشِّعرِ ؟
1 – الوزنُ والقافية ، وقد أَحدثا وقعًا موسيقيًّا له أَثَرُهُ في إِثارةِ المشاعرِ 0
2 – الُّلُغة الشِّعريَّة ، وهي تلك الُّلُغةُ الَّتي يعبِّر بها الشَّاعرُ وتخَيَّرَ من ألفاظِها ما يُهَيِّجُ النُّفوس ويثيرها أدبيًّا وفنِّيًّا 0
3 – نداؤُهُ للعواطفِ وإلهَابُها 0
4 – تسجيلُ المشاعرِ والأفكارِ فيما يعرضُ ويُصَوَّرُ من لوازم النَّفسِ والحياةِ والمجتمع 0
5 – الخيال الَّذي يُحَلِّقُ بِهِ الشَّاعرُ في تصوير الإنسانِ والكون والطَّبيعةِ 0
- فنونُ الشِّعرِ :
- يرى جمعٌ من نُقَّادِنا القدامى والمحدثين أنَّ فنون الشِّعر كالآتي :
1 – شِعرُ الملاحم ِ :
وهو الشِّعرُ الَّذي يذكُرُ الوقائعَ ويتحدَّث عن الشُّعوبِ وأحوالِها الاجتماعيَّة وغيرِها ، ويصف سيرَ الأبطالِ 0
- س ماذا تعرِف ( تعرِفينَ ) عن الملحمَةِ ؟
- ج الملحمةُ قصيدةٌ واحدةٌ تبلُغُ أحيانًا آلافَ الأبياتِ من الشِّعرِ وتُعْنَى بتصويرِ البطولةِ ، وقد تحكي تاريخَ أمَّةٍ بأسرِها 0
- س هل مثلُ هذه القصائدِ يُمْكِنُ أن تُقَيَّدَ بوزنٍ أو قافيةٍ ؟
- ج مثلُ هذه القصائدِ لا يمكنُ أنْ تُقَيَّدَ بوزنٍ أو قافيةٍ ، وتَكْثُرَ فيها الأساطيرُ 0
- س هل عَرَفَ شِعرُنا العربيُّ هذا الَّلونِ من الشِّعرِ ؟
- ج لا لم يعرف شعرُنا العربيُّ هذا الَّلونَ من الشِّعرِ ، لأَنَّهُ تاريخٌ في صورةٍ شعريَّةٍ ، وشعراءُ العربِ القُدَامَى لم يعنوا كثيرًا بتدوين تاريخِهِم
2 – الشِّعرُ التَّمثيليُّ :
- س / ماذا تعرف (تعرفِينَ ) عن الشِّعرِ التَّمثيليِّ ؟
- ج / الشِّعرُ التّمثيليُّ هو : الَّذي يعتمدُ المحاورةَ بينَ قائلَيْنِ أو أكثرَ، والشَّاعرُ فيه يتخلَّى عن أسلوبِهِ الخاصِّ ، لِيتحدَّثَ عن كُلَِ شخصيَّةٍ بأسلوبِِهَا الَّــــــذي يتناسـبُ ومستواها العامّ والخاصّ 0
- س / هل عُرِفَ هذا الَّلون عند العربِ قديمًا ؟
- ج / الحقُّ أنَّ هذا الَّلونَ لم يُعرَفْ عندَ العربِ قديمًا 0
3 – الشِّعرُ الغنائيُّ :
- س / ماذا تعرف عنِ الشِّعرِ الغِنائيِّ ؟
- ج / هو ذلك الشِّعرُ الَّذي يصوِّر عواطفَ الفردِ المستمدَّةَ من إحساساتِهِ ، ويصفُ أهواءَهُ ، ويعبِّرُ عن تجارِبِهِ في الحياةِ ومِزاجِهِ في الواقعِ ، وإذا تحدَّثَ عن جماعةٍ فهو يصوِّر في حديثِهِ شخصيَّةَ الشَّاعرِ ، باِعتبارِ أنَّ شِعرَهُ يعكسُ حياةَ مجتمعه ووقائعِهِ 0
الشِّعرُ العربيُّ القديمُ ” شِعرٌ غنائيٌّ ”
س / هل يمكنُ لنا أن نَعُدَّ الشِّعرَ العربيَّ القديمَ شعرًا غنائيًّا ، مَثِّلْ ( مَثِّلي ) لذلك ؟
ج / نعم ، هناك جمعٌ من النُّقَّادِ يشيرونَ إلى أن جُلَّ الشِّعرِ العربيِّ القديمِ من هذا الَّلَون الشِّعريِّ ” الغِنائيِّ ” 0
- مِثال ذلك :
فخرُ الشَّاعرِ بنفسهِ إنَّما يصوِّرُ ذاتَهُ في نظَرِهِ ، وفخرُهُ بقبيلتِهِ وأمجادها يُعَدُّ مِرْآةً لحياةِ الجماعةِ الَّتي ينتمي إليها، والغزلُ أو التَّغزُّلُ والتَّشبيبُ بالنِّساءِ ووصفهنَّ يُعدُّ كُلُّ ذلك تصويرًا لِعواطفِ الشَّاعرِ 0
- خلاصةُ القولِ :
تشيرُ المقولة النَّقديَّةُ ” المعتدلةُ ” إلى أنَّ جُلَّ فنونِ شعرنا العربيِّ القديمِ من الهجاءِ والعتابِ والاستعطافِ والمدحِ والغزلِ والرِّثاءِ والحكمِ والفخرِ تُعَــــدُّ من الشِّعرِ الغنائيِّ 0
- أَساسُ القصيدةِ :
للقصيدة ثلاثةُ عناصرَ رئيسةٌ ، هي على النَّحو الآتي :
1 – الُّلغة 0
2 – الموضوعُ 0
3 – الموسيقى 0
- أَوَّلاً : الُّلُغةُ :
تنبني ” الُّلغةُ الشِّعريَّةُ ” على الاختيارات الأدبيَّة المثيرةِ ، سواءٌ تشكَّلَ هذا الاختيــــــار في المفردات الُّلغويَّةِ ( الدَّوالِّ الشِّعريَّةِ ) الَّتي تحـــدِّدُ المدلولَ الشِّعري وتبرزهُ ، أو تمثَّل الاختيارُ ذاتــــــــــهُ في التَّراكيبِ الُّلُغويةِ ” المُؤسْلَبَةِ ” الَّتي تؤكدُ المدلولَ الشِّعريَّ المرادَ ذاتهُ وتبدعُهُ0
ثانيًا : الموضوع ُ :
يُعنَى بالموضوعِ هنا : موضوع القصيدةِ أو الغرض الَّذي أُنشئتْ من أجله تلك القصيدةُ، وإن تضمَّنت إلى جانبِهِ موضوعاتِ أوأغراضًا أخرى مُساندة أو مفارقة،مثل الرِّثاء،أو المدح،أو الفخر00 إلخ 0
- س / ماذا لو تباينت ، بل وتعدَّدتْ الموضوعاتُ ” الأغراضُ ” في القصيدة الواحدة ؟
- ج / إنَّ جملةَ الأغــــــــراض الشِّعريَّة المتعدِّدةِ المتباينةِ تخضعُ في التقسيم النَّقدي المستحدثُ للفنِّ الشِّعـــريِّ ، ومن قبـــــلِه التَّصَوُّر النَّقدي القديـــــــم لِلَونٍ واحدٍ من الشِّـــعرِ هو ” الشّعر الغِنائيُّ ” ، أو ” الذَّاتيُّ ”، أو ” العاطفيُّ ” 0
ثالثًا : الموسيقى :
( أ ) الوزن الشِّعري :
- يُعْنَى بالأوزانِ الشِّــــــعريَّةِ تلك ” البحور الشِّعريَّة ” الَّتي جمَّعَها ” الُّلُغويُّ الكبيرُ : الخليلُ بن أحمد الفراهيديّ ” في العصر العبَّاسيِّ ، وََكَدَّ كثيـــــرًا في تجميعِهَا ، وانتـــهى به الأمرُ أنْ حَصَــــــــــــــــرَهَا في خمسةََ عشرَ بحرًا شعريًّا ، كالطَّويـــلِ ، والخفيفِ ، والكاملِ ، والبسيطِ ، والوافرِ ، والرَّمَلِ ، والمتقاربِ ، والمُتداركِ ، والسَّريعِ ، والهَزَجِِ ، والمديدِ ، ...إِلَخْ 0
( ب ) القافيةُ :
- وهي عبارة عن الحرف ” الرَّويِّ ” الَّذي يلتزمُهُ الشَّاعرُ في آخر البيتِ ، أو المقطوعة الشِّعريَّةِ ، فنقول مثـــلاً : ميميَّة ” عنترةَ العبسيِّ ” ، حينما نقرأُ بيتَهُ ” المنتهي ” بالميمِ المكسورةِ و القائلَ :
- هَلْ غَادَرَ الشُّعراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ توَهُّمِ
ملحوظة مُهمَّةٌ :
- هناك اِختلافٌ كبيرٌ في تحديد حرف أو حروف ِالقافيةِ ، فبعضُ العروضيِّين : جعلها الحرف الأخيرَ ، وبعضُهم الثَّاني : جعلها الحرفَ الأخيرَ مع المتحرِّكِ الَّذي يسبقُ الساكنَ الأخيرَ ، وبعضُهم الثَّالــــــثُ : جعلها في الكلمة الأخيرةَ
(كاملة) من البيت الشِّعري 0 المهمُّ لدينا أنَّها مركوزةٌ في آخر البيتِ الشِّعريِّ0
عودٌ على بَدْءٍ :
س / ما الَّذي دَعَا شعراءَ الجاهليَّة إلى تصدير قصائِدِهِم ” الشِّعريَّةِ ” بذكر المرأةِ المحبوبةِ ؟
ج / السَّببُ الَّذي دعا شعراء الجاهليَّةِ إلى تصدير قصائِدِهِم بذكر المرأةِ يعود إلى أَمرينِ ، هما :
1 – أنَّ الشَّاعرَ يريدُ إيقاظَ شاعريَّتَهُ وإثارةَ عاطفته ، وليس هناكَ شيءٌ أقدرَ على ذلك الأمرِ من ذكر المرأة وتذكُّرِها والوقوفِ على أطلاَلِِهَا وَدَرْسِهَا ونُؤيِها0
2 – أنَّ الشَّاعرَ يريدُ اِجتذابَ عواطفِ السَّامعِ المتلقِّي وإِثارة اِنتباههِ ، وحديث الحبِّ والوفاءِ خيرُ ما يثيرُ العواطفَ ويلفتُ الانتباهَ
- النُّقَّادُ وتنوُّعُ أغراض القصيدةِ :
س/ ما الَّذي أَخذَهُ النُّقَّادُ المُحدثونَ على تنوُّع الأغراضِ في القصيدة الواحدةِ؟
ج / أخذَ النُّقَّادُ المحدثونَ على ذلك النوع من القصائدِ ما يأتي :
1- تعدُّد الموضوع ِ:حيث نجد أكثرَهم ينادي بوجوبِ وحدة موضوع القصيدة ، مثالُ ذلك : أنَّ هؤلاءِ النُّقَّادَ يأخذون على القصيــــــــدةِ الجاهليِّةِ تناولِهَا لأكثـر من موضوعٍ أو غرضٍ شعريٍّ 0
2 – عدم الرَّبط بينَ الأغراضِ الشِّعرِيَّةِ الَّتي تناولتها القصيدة العربيَّة القديمة ، والقصيدة الجاهليَّة منها بشكلٍ خاصٍّ 0
الشِّعرُ الجاهليُّ : ( ألفاظهُ ، وأسلوبُه ، ومعانِيهِ ) :
- س / اِستعرِض ( اِستعرضي ) السماتِ الَّلَفظيَّةَ للشِّعرِ الجاهليِّ ؟
-ج/ 1- تغلبُ على ألفاظِ الشِّعر الجاهليِّ الجزالةُ 0
2 – يكثرُ فيهِ الغريبُ ، وبخاصَّةٍ عند وصف الصَّحراءِ 0
- س / هل اُستُعمِلتِ الألفاظ في معانيها الحقيقيَّةِِ أم تجاوزَتْها ؟
ج / كان الشُّعراءُ يستعملونَ الألفاظَ غالبًا في معانيها الحقيقيَّةِ الَّتي وُضعَت لها إلاَّ في الوصفِ والغزلِ وبعض المدائحِ ؛ فقد كانــــوا يكثرونَ في هذه الأغراضِ من التَّشبيهاتِ والكناياتِ 0
- س / هل نلحظُ في أشعار الجاهليِّين ألفاظًا أعجميَّةً ؟
- ج / خَلا شعرُ الجاهليِّينَ من الألفاظِ الأعجميَّةِ عدا شعر ” الأعشى ” ، فقد ظهـــرت فيه بعضُ الألفاظِ الأعجميَّة؛ نتيجةً لرحلاتِهِ إلى بلادِ الشَّام الَّتي كانت وثيقةَ الصِّلةِ بالرُّوم
تابع الشِّعرِ الجاهلىِّ ( ألفاظُهُ ، وأسلوبه ، ومعانيه ) :
س / ماذا عنِ المُحسِّناتِ البديعيَّةِ في الشِّعرِ الجاهليِّ ؟
- ج / أمَّا عنِ المحسِّنات البديعيَّةِ من مقابلةٍ وجناسٍ وطباقٍ وغيــرها فلم يكن يُعْنَى بزخارِفَهَا الشُّـــــــــعراءُ الجاهليُّون ، بل تركوا سجيَّتَهم الشِّعريَّةَ على طبيعتِها ، ولم يحفلوا كثيرًا بالزُّخرفِ الَّلفظيِّ ، أو البَهرجَةِ الشَّكليَّةِ0
- س / اِسْتَعْرِضْ ( اِسْتَعْرِضِي ) بإجمالٍ أسلوبَ الشِّعرِ الجاهليِّ ؟
- ج / أمَّا أسلوبُ الشِّعر الجاهليِّ فيبدو فيه عدم العنايةِ بترتيبِ الأفكار ، والرَّبط بين أجزاءِ الكلامِ ، وكثيرًا ما نراهم ينتقلون من موضوعٍ إلى موضوعٍ دون تمهيدٍ يُمَهِّدُ لهمِ عمليَّةَ ذلك الانتقالِ الأدبيِّ 0
- س / ما الَّذي يكثُرُ في الأساليبِ الشِّعريَّةِ الجاهليَّة ؟
- ج / الَّذي يكثُرُ في أساليبهم الشِّعريَّةِ :
1 - خطابُ غيرِ العاقلِ من الأطلالِ والدِّيارِ والحيوان 0
2 – كما يكثرُ في أساليبهم الشِّعريَّةِ الميلُ إلى الإيجازِ عند التَّعبير عن مشاهداتهم
س/ ماذا عن معاني وأخيلةِ الشِّعرِ الجاهليِّ ؟
- ج/ أمَّا المعاني والأخيلةُ فهما صورةٌ من طبيعةِ العربيِّ القديم الَّتي لا تعرفُ الغموضَ أو الغَورَ ، ولا تميــلُ إلى المبالغةِ والإســــراف ، وهما كذلك صورةٌ من أخلاقِــــــهِ الَّتي لا تعرفُ الكَــــذِبَ ، ومن عقله الَّذي لا يميلُ إلى قدحِ الفكر وإعمالِ القريحةِ 0
- س / هل يعني ذلك أنَّ معانِيَهُم وأخيلتَهُم جاءتا ساذجةً مبتذلةً ؟
- ج / لا، بل جاءت هذه وتلك واضحتينِ جليَّتين، مطابقتينِ للحقيقة، قريبتينِ من الواقع ، بعيدتينِ عن المبالغةِ والغلوِّ والإيهامِ 0
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:17 PM
المحاضرةُ الرَّابعةُ
نَصٌّ شعريٌّ جاهليٌّ
( جَوَادُ اِمْرِئ القَيْسِِ الأُسْطُورِيُّ )
أَوَّلاً : النَّصُّ ” أَربعَةُ أَبياتٍ من معلَّقة : اِمرئِ “القيسِ
يقولُ اِمرؤُ القيسِ في مقطعٍ من معلَّقتِهِ واصفًا جوادَهُ الأسطوريَّ:
وَقَدْ أَغْتَدِي والطّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا بِمُنْجَرِدٍ قَيْــــدِ الأَوَابِــــــــــدِ هَيْكَلِ
مِكَــــرٍّ مِفَـرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
لَهُ أَيْطَلا ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ وَإِرْخَاءُ سِـــــــــرْحَانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ
كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْرِهِ عُصَـــــــــارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْبٍ مُرَجَّــــلِ
ثانيًا معاني الكلماتٍ :
- - الوُكُناتُ : جمع وُكنةٍ ، بضمِّ الواوِ ، وهي عشُّ الطَّائرِ 0
- - مُنجردٌ : فرسٌ قصيرُ الشَّعر0 – الأَوابدُ : جمعُ آبدة ، وهي - الشَّاردةُ 0 – الهيكلُ : الفرس الطَويلُ 0 – المِكرُ : الَّذي يسرع في كرِّهِ 0 – المِفرُّ : بضمِّ الميمِ : السَّريعُ في فرِّهِ 0 – الجلمُودُ : الحَجَرُ الصُّلبُ 0 – الأَيطلُ : الخصْرُ 0 – الإرخاءُ : جريٌ غيرُ شديدٍ 0 – السِّرحانُ : بكسرِ السِّينِ : الذِّئبُ 0 – التَّقريبُ : رفع اليدينِ معًا عندَ الجريِ 0 – التَّتْفُلُ : ولدُ الثَّعلبِ 0 – الهادياتُ : المتقدِّماتُ 0 – المُرَجَّلُ : بتشديدِ الجيمِ : المُسرَّحُ 0
ثالثًا فكرةُ النَّصِّ :
تنبني فكرةُ هذا النَّصِّ على فكرة الاندماج والتَّوَحُّدِ بين الشَّاعرِ وفرسِهِ ، أو بالأحري بين الذَّاتِ والموضــــــــــــوعِ ، حيث يذهب الشَّاعرُ ” اِمرؤُ القيسِ ” هنا إلى وصف فرسِهِ ، ذلك الجــــــــوادُ النَّادرُ ، بما يكتنزه هذا الجوادُ من مقوِّماتٍ ” أسطوريَّةٍ ” تفــوق درجتَهُ الحيوانيَّةَ،وتمتزجُ صورة هذا الجوادِ - بوصفها أو بوصفِه موضوعًا - بذاتِ الشَّاعرِ ؛ ليصبِحَ الأخيرُ هو الجَــــــــــوادَ ذاتَهُ ، والجواد يصير الشَّاعرَ عينَهُ ، وربَّما لم تتأتَّ له هذه الفكرةُ إلاَّ بعدَ صراعهِ مع الثَّأْرِ، والسعي دومًا من أجلِهِ ، أَي أنَّه في سياق الحربِ والفروسيَّةِ والضَّربِ والطَّعنِ 0
رابعًا مضمونِ النَّصِّ :
ينطوي هذا النَّصُّ الشِّعريُّ على مضمونٍ أو موضوعٍ عامٍّ ألا وهو
” قوَّةُ الجواد ”، بَيْدَ أَنَّهُ ينشطرُ إلى جملةٍ من المضامينِ الجزئيَّةِ ، الَّتي تكتملُ ببعضها لِتُكَوِّنَ هذا المضمــونَ الرئـــــــيسَ ، من هذه المضامين الجزئيَّةِ :
- -اِغتداء الشَّاعر بفرسه المنجردِ وقتَ سكونِ الطير في وُكُناتها 0
- - قوَّةُ جوادِهِ بصفاتِهِ الأربع ( الكَرُّ / الفرُّ / الإقبالُ / الإدبارُ ) 0
- - اِكتنازُ فرسه لجملةٍ من جماليَّات الحيوانات الأخرى فضلاً عن ميزاتها الجسديَّةِ 0
- - قدرة فرسه على المواجهات الحربيَّة الَّتي دائمًا ينتصر فيها 0
خامسًا : أهداف النَّصِّ :
- من أهدافِ النَّصِّ ما يأتي :
- 1 – لَفْتُ الانتباهِ إلى شجاعة الشَّاعرِ وفروسيَّتِهِ 0
- 2 – لَفْتُ الانتباهِ إلى قوَّة الفرسِ الأسطوريَّة الخارقة 0
- 3 – إبراز جماليَّات الفرس العربي بتناسقِه كجلمود الصخر المتناسقِ0
- 4 – تصويرُ مكوِّناتِ البيئةِ الجاهليةِ وكشف مقوِّماتها 0
- 5 – الإبانة عن خيال الشَّاعرِ الخلاَّق الَّذي نقل فرسه بِهِ إلى درجة أسطوريَّةِ خارقةِ تفوق قدرات الحيوان مهما كان نوعُه أو حجمُهُ 0
سادسًا : المعطياتُ الُّلُغويَّةُ الأدبيَّةُ ” الجماليَّةُ ” :
أ – الأسلوب : ( بينَ الإفراد والتَّركيبِ )
- في البدءِ جاءتِ الألفاظُ منتقاةً ، متوافقةً تمامًا مع البيئةِ الجاهليَّةِ ، حيثُ نلحظُ ( الاغتداءَ / الطَّيرَ / الوُكُنات / الأوابد / الكَرَّ / الفرَّ / الإقبالَ / الإدبارَ / الصَّخرَ / الجلمودَ / السَّيلَ / والظَّبيَ / والسِّرحان / التَّتْفل / الهاديات ) ،وغيرَ ذلك من مفرداتٍ جاهليَّةٍ تتــواءم تمامًا مع البيئة الجاهليَّةِ المنوطة بالحرب والاعتداءِ 0 فهذه الألفاظُ في مجملِها تتوافـــــقُ مع المعجم الشِّعريِّ الجاهليِّ من جهةٍ ، والظَّـــــــــرف الجغرافيَّ والتَّاريخيِّ من جهةٍ ثانيةٍ ، والسِّياقَ الاجتماعيَّ من جهةٍ ثالثةٍ
ب – الأسلوب في سياقِ التَّركيبِ :
لقد جاءَ النَّصُّ في عمومه مفعمًا بالتركيباتِ النَّحْويَّةِ الدَّالةِ والمتنوِّعة،
حيثُ لَحَظَنَا الجملةَ الحاليَّةَ ” المُحقَّقَةَ ” مستهلَّةً صــــــدرَ ذلك النَّصِّ
” وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا ” ، ثُمَّ لَحَظَنَا أَيضًا جملةَ الفصلِ بينَ النَّعتِ والمنعوتِ ” بِمُنْجَرِدٍ 000 هَيْكَلِ ” ، إذ جاءت جملةِ الإضافةِ لِتفصِلَ بينهما ، ثُمَّ اِمتدَّ لَحْظُنَا إلى النَّعتِ المكـــرورِ ” مِكَرٍّ 00 مِفَرٍّ 00 مُقبِلٍ 00 مُدْبِرٍ00 معًا ” ، وتعمَّقَ هذا الَّلَحظُ إلى الجملةِ الفعليَّةِ المتأخِّرةِ ” حطَّهُ السَّيلُ من عِلِ ” المسبوقةِ بجملةِ الإضافةِ ” كجلمودِ صخرٍ ” ثُمَّ يعقبُهُما شبه الجملة كخبرٍ مُقدَّمٍ ” لَهُ أَيطَلا ظَبْيٍ ” ، ثمَّ يختتمُ النَّصُّ بالجملةِ الاسميَّة المؤكَّدَةِ بأداة ” كَأَنَّ ” المشَبِّهة المُؤكِّدةِ ” كَأَنَّ دِماءَ الهادياتِ ” ، وقد فصل بين اِسمِها ” دماء ” وخبرِها ” عصارة ” بالمضاف إليهِ وجملة الجرِّ 0
والخلاصةُ في الأسلوبِ هنا :
أنَّ هذا التنوُّعَ التَّركيبي يعكـــــــــــسُ حركيَّةَ النَّصِّ الشِّعري ” القيسيِّ ” الجاهليِّ من جهةٍ ، كما يشيرُ في الوقت نفــسه إلى حركيَّةِ ، بل فاعليَّةِ الشَّاعرِ الجاهلي في توظيــف لغتِهِ وأسلوبِهِ ، أو بالأحري توظيف مقوِّماتِهِ الُّلُغويَّةِ والجماليَّةِ جملةً وتفصيلاً
جماليَّاتُ الصُّورة الشِّعريَّةِ:
- أوَّلاً : التشبيهُ :
- - التّشبيهُ الأوَّلُ : ( تشبيهٌ مفصَّلٌ بالكافِ ) حيـــــــث شبَّه الشَّاعرُ فرسَه ( الكارَّ ، الفارَّ ، المقبلَ ، المدبرَ ) بجلمـــودِ الصَّخرِِ ، وهو تشبيه مفصَّلٌ ، يلــــــزمُ الأركانَ الأربعةََ ( المُشَبَّهَ ، والمُشَبَّهَ بِهِ ، وأداةََ التَّشبيهِ ، ووجهَ الشَّبَهِ )، وقد تعدّدَت رمــــــــــــوزُ المشَبَّهِ ( الفرس ) توافقًا مع أسطوريَّتِهِ الَّتي تعدلُ حـــــــــالة المشبَّه بِهِ ( جلمود صخرٍ ) ،لأنَّ وجــــــــــهَ الشَّبهِ بينهما ينطوي على القوَّةِ والتَّناسق 0
التَّشبيهُ الثَّاني : تشبيهٌ بليغٌ : -
شبَّهَ الشَّاعرُ فرسَهُ في البدءِ بالظَّبي من حيث الأيْطَل ” الخَصْر” ، ثُمَّ شبَّهَهُ في المرَّةِ الثّانيــــةِ بالنَّعامةِ ( وساقا نعامةٍ ) ، ثُمَّ شبَّهَه في المرَّة الثَّالثـــــــةِ بالسِّرحانِ في إرخائِهِ ، ثُمَّ شبَّههُ في المـــــــــرَّة الرَّابعة بالتَّتْفُلِ ( ولدِ الثَّعلبِ ) 0 والملاحظُُ في هذا التَّشبيهِ أنَّــــهُ يقابلَ سابِقَهُ من حيثُ توحُّدُ المشبَّهِ ( الفرسِ ) وتعَدُّدُ المشبَّه بِهِ ، ممَّا يعكسُ صورةََ هذا الفرسِ الَّتي توازي بل تتـــــوازنُ مع جملةٍ من صورِ الحيواناتِ القويَّة ، بل تفوقها قوَّةً وتناسُقًا وجمالاً 0
- التَّشبيهُ الثالثُ ( مفصَّلُ بأداةِ كَأَنَّ ) :
- لقد شبَّه الشَّاعــــــــرُ هنا ” دماءَ الهادياتِ ” بعصارة الحنَّاءِ الملطَّخة، وهذا التَّشبيهُ المفصَّلُ بأركانِــهِ الأربعةِ ، يقرِّبُ بل يوضِّحُ الصُّورةَ المرادةَ من تشكيل صــــــــــورة ذلك الفرسِ الأُسطوريِّ في سياق الصَّيد والطَّرد ، أو بالأحرى في سياق الحربِ الَّتي ينشدها طالبًا الثَّار من أعدائِه قتلةِ أبيهِ
ثانيًا : الكنايةُ :
- لقد وردت الكِنايةُ هنا حوالي سَبْع مرَّات ، على النَّحو الآتي :
- 1 - الأولى : ( وقد أَغتدي والطَّيرُ في وُكُناتها ) كنايةٌ عن التَّبكير واليقظةِ ، فضلاً عنِ الحيطةِ والإقدامِ 0
- 2 – الثَّانيةُ : ( مِكَرٍّ ، مِفَرٍّ ، مُقبلٍ ، مُدبرٍ ) كنايةٌ عنِ القوَّة والإسراعِ 0
- 3 – الثَّالثَةُ : ( كَأَنَّ دماءَ الهَادياتِ بِنحْرِهِ ) ، على الرَّغم أن الصيغةَ تدخل ضمن التَّشبيهاتِ السَّابقة ” المُفصَّلةِ ” ، فَإِنَّها في الوقت نفسهِ تنطوي على كنايةٍ خاصًّةٍ بذلك الفرسِ ، ألا وهي شجاعةُ ذلك الفرس ، ثمَّ إقدامُهُ 0
- 4 - الرَّابعةُ : ( لَهُ أَيْطَلا ظَبيٍ ) كنايةٌ عن جمالِ ذلك الخصر وتوافرِهِ 0
- 5 – ( وَسَاقَا نَعَامَةٍ ) كنايةٌ عن الطُّولِ فضلاً عن السُّرعةِ 0
- 6 – ( وَإِرْخَاءُ سِرْحَانٍ ) كنايةٌ عن مكرِ الثَّعلبِ 0
- 7 – ( تَقْرِيبُ تَتْفُلِ ) كنايةٌ عن الحَبْوِ فضلاً عنِ التَّعَلُّمِ
ثالثًا : الاستعارةُ :
وردت الاستعارة في هذا المقطعِ الشِّعريِّ مرَّتين ، على النَّحوِ الآتي :
1 – الأولى : ( قَيدِ الأوابدِ ) تلك صورةٌ اِستعاريَّةٌ ، إذ أَلزمَ الشَّاعِـــــــــرُ الأوابد قيدَ الإنسانٍ 0 بمعنى أنَّه نقلها من الطـــور المادي المُدركِ إلى
الطور التَّجسيميِّ ، بل إلى الطَّور التَّشخيصيِّ المنوطِ بالإنسانِ 0
2 – الثَّانيَةُ : ( حطَّهُ السَّيلُ مِنْ عَلِ ) : وتلك الصُّورة هي الأخـــــــــــرى صورة اِستعاريَّةٌ، أقــرب إلى المكنيَّة منها إلى التَّصريحيَّةِ، وقد زادهـا الشَّاعرُ تشخيصًا ؛ ليقوِّيَ بها صــــــورة فرسِهِ الَّتي تتحدَّى المقوِّماتِ البيئيَّة ، حتَّى وإن كانتِ الأخيرةُ جلمودًا أو صخرًا أو جبلاً بأكملِهِ 0
رابعًا : الرَّمْزُ الأُسطوريُّ :
يشملُ ذلك الرَّمزُ الأسطوريُّ صورةً واحدةً متمثِّلةً في الشِّطرِ الأوَّلِ من البيتِ الثَّاني ( مِكَرِّ ، مِفَرِّ، مُقْبِلٍ ، مُدْبِرِ معًأ )،إنَّ هذا الفرسَ قد يكرُّ ثُمَّ يفِرُّ بعدها ، وقد يقبلُ ثُمَّ يُدبِرُ بعدها ، وهو في كلِّ ذلك يحملُ سماتِ الإقدامِ والمُثابرةِ والسُرعةِ والاندفاع ، لَكِنَّ الشَّاعرَ جعلَ هذه التَّوجُّهات الأربعةَ ، ( الكَرَّ ، والفَرَّ ، والإقبالَ ، والإدبارَ ) في آنٍ واحِدٍ ، وللفرسِ ذاتِهِ ، وهذا من المُحال ، لأنَّ السِّياق َيتعذَّرُ عليه حملُ جملةٍ هذه التَّوجُّهاتِ في وقتٍ واحدٍ ، وهذا الَّذي يُدخلهُ مجالََه÷ الأُسطوريَّ بعيدًا عنِ الواقعِ المألوفِ 0
ج – المساواة الدِّلاليَّةُ والموسيقيَّةُ :
تجيءُ تلك المساواةُ عبرَ البيتِ الثَّالثِ والرَّابعِ تحديدًا ، حيثُ نجدُها متساويَةً في اِستخلاصِ الدِّلالةِ وتحصيلِ النَّغمةِ أو القفلةِ
الموسيقيَّةِ ، نلحظها على النَّحوِ الآتي :
- ( لَهُ أَيطَلاَ ظبْيٍ ) ــ اِنتَهَى بـدلالة ( الخصر الجميل للظَّبيِ ) كما اِنتهي بالقفلةِ الموسيقيَّةِ مجتمعةًً ( فعولن / مفاعيلن ) 0
- ( وساقَا نَعَامَةٍ ) ــ اِنتهى بدلالةِ ( الطُّولِ ) في النَّعامَةِ ، كما اِنتهى بالقفلةِ الموسيقيَّةِ ( فعولن / مفاعيلن ) 0
تابعُ المساواةِ الدِّلاليَّةِ والموسيقيَّةِ :
( وإِرْخَاءُ سِرْحَانٍ ) ــ اِنتهى بدلالةِ ( الإرخاءِ أو الدَّهاءِ ) كما اِنتهى بالقفلةِ الموسيقيَّةِ ( فعولن / مفاعيلن ) 0
- ( وتقريبُ تَتْفُلِ ) ــ اِنتهى بدلالةِ ( تشدُّق ولدِ الثعلبِ ) ، كما اِنتهى بالقفلةِ الموسيقَّةِ ( فعولن / مفاعيلن ) 0
- و( عُصارةُ حِنَّاءٍ ) ــ اِنتهى بدلالةِ ( لون الدَّمِ ) ، كما انتهى بالقفلةِ الموسيقيَّةِ ( فعولن / مفاعيلن ) 0
-
- و( بشيبٍ مُرَجَّــــلِ ) ــ انتهى بدلالةِ ( تشكيلِ الَّلونِ وتجسيمِه ) ، كما اِنتهى بالقفلةِ الموسيقيَّةِ ( فعولن / مفاعيلن ) 0
إنَّ المساواةَ ” المركَّبةَ ” هنا تعني شيئًا مهمًّا وهو تنبُّهُ الشَّاعــــرِ لِلْأخذِ بمعطياتِ المشبَّه ” الفرس ” الَّذي – بمفردِهِ – يُـــــــــوازي جملةً من (المُشبَّهِ بِهِ ) وهــــذا يعطي قوَّةً أُسطوريَّةً تضافُ إلى
مقوِّماتِ الفرسِ ” الحركيَّةِ ” الأولى 0 إنَّهُ بالجملةِ يشكِّلُ فرسًا أو حِصانًا مثاليًّا أقربَ إلى الخيالِ منه إلى الواقع ، وأوثقَ صلةً إلى الأسطورةِ منهُ إلى التَّاريخِ 0
د : المحسِّناتُ البديعيَّةُ ( الَّلفظيَّةُ والمعنويَّةُ ) :
- - أَوَّلاً : الطِّباقُ : نلمَسُ هذا الطِّباقَ فيما يأتي :
أ – ( مُنْجَرِدٍ : هَيْكَلِ ) ـــــــــــــــــ الطِّباقُ ( بين القِصَرِ والطُّولِ ) 0
ب – ( مِكَرٍّ : مِفَرٍّ ) ــــــــــــــــــــ الطِّباقُ ( بَيْنَ الكَرِّ والفَرِّ ) 0
ج – ( مُقْبِلٍ : مُدْبِرٍ ) ــــــــــــــــــ الطِّباقُ ( بينَ الإقبالِ والإدبارِ ) 0 د – ( قَيْدِ : إِرْخَاءِ ) ــــــــــــــــــــ الطِّباقُ ( بينَ القَيدِ والحرَكَةِ )0
- ثانيًا : الجناسُ : نلحظ الجناسَ واردًا فيما يأتي :
أ – ( مِكَرٍّ : مِفَرًّ ) ـــــــــــــــــــ ( جناسٌ ناقصٌ ) 0
ب – ( السَّيلُ : عَلِ ) ــــــــــــــــ ( حِناسٌ ناقِصٌ ) 0
ج – ( هَيْكَلِ : تَتْفُلِ ) ــــــــــــــــ ( جِناسٌ ناقِصٌ ) 0
ثالثًا : التَّقسيمُ : نلحظُهُ بصورةٍ لافتَةٍ للنَّظر على النَّحوِ الآتي :
أ – ( مِكَرٍّ – مِفَرٍّ ) ـــــــــــــــــــــــــ هنا ( توازٍ بين الكَرِّ والفَرِّ ) 0
ب – ( مُقبلٍ – مُدبِرٍ ) ــــــــــــــ هنا ( توازٍ بينَ الإقبالِ والإدبارِ ) 0
ج – ( أَيطلا ظَبْيٍ – سَاقَا نعَامَةٍ ) ـــ هنا ( توازٍ لمقوِّماتِ الطولِ بين الظَّبي والنعامةِ ) 0
د – ( إِرْخَاءِ سِرْحَانٍ – تَقريبِ تَتْفُلِ ) ــــ هنا ( توازٍ بينَ حركة كلٍّ من السِّرحانِ والتَّتْفُلِ ) 0
ه – ( عُصَارَةُ حِنَّاءٍ – شَيْبٍ مُرَجَّلِ ) ـــ هنا ( توازٍ بينَ لونِ المُشبَّهِ بِهِ وطبيعةِ أو شخصيَّةِ ذلك المُشَبَّهِ بِهِ ) 0
- خُلاصةُ المُحسِّناتِ البديعيَّةِ :
تشيرُ الخلاصة في هذا الجانبِ إلى أنَّ المُحسِّنَ البديعيَّ ” المتنوِّعَ ” جاءَ في سياقِ هذا النَّصِّ بعيدًا عنِ الزَّخرفـــــــةِ الّلََفظيَّةِ النَّابيـــــــــةِ أو البهرجةِ الشَّكليَّةِ الممجوجةِ، وإنَّما يحملُ مُعطىً دلاليًّا إِيجابيًّا يُقَوِّي فاعلية هـذا الجــــــــــواد ” القيسيِّ ” من جهةٍ ، ويُزَيِّنُ صورتَه الأسطوريَّةَ المُتفرِّدةَ من جهةٍ ثانيـــــــةٍ ، كما يُسَطِّرُ صورةَ الفارسِ ” الشَّاعرِ ” الجاهليِّ من جهةٍ ثالثةٍ 0
هـ - صوتُ الجوادِ وصوتُ الُّلُغةِ :
يتجلَّى في هذا النَّصِّ جملةٌ من الأصواتِ الّلغويَّةِ الفاعلةِ ، يجيءُ على رأسِها صوتان جهورانِ ممتدَّانِ ، هما : الألفُ والرَّاء 0
- أوَّلاً : صوتُ الأَلف :
نلحظ صوتَ الأَلفِ متواترًا بكثرةٍ لافتةٍ للنَّظَرِ ، منه على سبيلِ المثالِ :
( وُكُناتها – الأوابد – أَيطَلا – سَاقَا – إِرْخَاءِ – سِرْحَان – دِمَاءَ – الهَاديَاتِ – عُصارَةُ – وَحِنَّاء ) 0 إِنَّ صوتَ الألفِ تكرَّرَ هنا عَشْرَ مَرَّاتٍ ، وهذا التِّكرارُ بدورِهِ يَعنِي عُلُوَّ الصَّوتِ ( صوت ) الفارسِ والفرسِ من جهةٍ ، وامتـــــدادَ أَثَرِهِمَا ( اِنتصارِهما ) من جهةٍ أخرى؛ وذلك أمرٌ طبعيٌّ ، لأنَّ صوتَ الألفِ
أعلى الأصواتِ جهرًا وأَمَدَّها طولاً ، إِذْ يُعَدُّ رائِدًا لأصواتِ الِّلين والمَدِّ 0
- تابِعُ صوتِ الجوادِ وصوتِ الُّلُغةِ :
- ثانيًا : صوتُ الرَّاءِ :
نلحظُ صوتَ الرَّاءِ هو الآخر يتكرَّرُ بل يتردَّدُ كثيرًا – نلحظُهُ متواتـــــــــرًا على النَّحو الآتي :
( الطَّير – بمنجرِدٍ – مِكَرٍّ – مفَرٍّ – مُدْبِرٍّ – صخرٍ – إِرْخَاءِ – سِرْحَانٍ – تَقريبُ – بِنَحْرِهِ – عُصارةُ – مُرَجَّلِ ) لقد تكرَّرَ صوتُ ” الرَّاءِ ” هنا أَربعَ عـــشرةَ مرَّةًَ0 وهذا التِّكرارُ المتزايدُ يزيدُ من حركيَّةِ الصُّورةِ المُزدوجــةِ ( للفارسِ والفرسِ معًا ) ويردِّدُها ، لأَنَّهُ صوتٌ لُغويٌّ ” تردُّديٌّ ” مكرورٌ ، يحمـل في طَيَّاتِهِ الطُّول والجهرمعًا ويردِّدهُما في آنٍ واحدٍ 0ممَّا يعكـــــــــسُ بل يُجَلِّي طبيعةَ أو جماليَّاتِ تلك الصورة الفروسيَّة المُزدوجة 0
- اِستنتاج أو خلاصَةٌ عامَّةٌ :
س ما الَّــــــــــذي يمكن أن نستنتجه أو نستخلِصُه من هذا النَّصِّ ” الطَّرديِّ ” الجاهلي ؟
ج / نستخلِصُ من ذلك النَّصِّ ما يأتي :
1 – أَنَّهُ نَصٌّ من أصولِ الشِّعرِ الجاهليِ ، إذ يعدُّ مقطعًا من معلقة ” اِمرئ القيس ” المشهورة 0
2 – اِرتباطُ لُغةِ النَّصِّ بالبيئة الجاهليَّة التي يعيشُ في كنفِها الشَّاعرُ 0
3 – يمتازُ هذا النَّصُّ برقَّةِ أَلفاظِهِ واِنتقائِها ، وسلاسةِ أسلوبِِهِ وتفرُّدهِ 0
4 – يُعَدُّ الجوادُ ” الفرسُ ” قديمًا رمزيَّةَ حياةٍ للجاهليِّ - والشَّاعر منه بشكلٍ خاصٍّ - في سلمِهِ وحربِهِ 0
5 – النَّصُّ مُفعَمٌ بالصُّور البيانيَّةِ ( التَّشبيه – الاستعارة – الكِناية ) الإيجابيَّــــــةِ الفاعلةِ 0
6 – بهذا المقطعِ الشِّعريِّ ” المُجْتَزَئِ ” من المعلَّقة ، وبغيرِه من النُّصـــــــــوصِ الشِّعريَّة الأخرى يمكنُ أن نضعَ ” اِمرأَ القيسِ ” كما وُضِعَ – قديمًا وحديثًا – في صدارةِ الشِّعرِ الجاهليِّ وشُعرائِهِ 0
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:17 PM
المحاضرةُ الخامسةُ
عنترة العبسيُّ
( بَيْنَ فَرَسِهِ وقومِهِ والمعركَةِ )
أوَّلاً : النَّصُّ الشِّعرِيُّ : يقولُ عَنْتَرَةُ من معلَّقَتِهِ :
1 – لَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُمْ يَتَذَامَرُونَ كَرَرَتُ غَيْرَ مُذَمَّمِ
2 - يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا أَشْطَانُ بِئْــرٍ فِي لَبَانِ اَلْأَدْهَمِ
3 – مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ بِغُرَّةِ وَجْهِهِ وَلَبَانِهِ حَتَّى تَسَـــرْبَلَ بِالدَّمِ
4 – فَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ الْقَنَا بِلَبَانِهِ وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْـــــرَةً وَتَحَمْحُمِ
5 – لَوْ كَانَ يَدْرِي مَا الْمُحَاوَرَةُ اِشْتَكَ وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الْكَلاَمَ مُكَلِّمِي
6 – وَالْخَيْلُ تَقْتَحِمُ اَلْغِبَارَعَوَابِسًا مَا بَيْنَ شَيْظَمَةٍ وَأَجْرَدَ شَيْظَمِ
7 – وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا قِيلُ اَلْفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
مَعَانِي الْكَلِمَاتِ :
1 – يَتَذَامَرُونَ : يحُضُّ بعضُهم بعضًا على القِتالِ 0
2 – كَرَرْتُ : أَسرَعتُ وتَعَدَّيتُ 0 3 – غَيرَ مُذَمَّمِ : غيرَ مَذْمومِ جِدًّا0
4 – يَدْعُونَ : يصيحون 0 5 – أَشْطَانُ : جمعُ شَطْنٍٍ ، وهوَ الْحَبْلُ0
6 – الَّلَبَانُ : الصَّدْرُ 0 7 – الأَدْهَمُ : الأسْوَدُ 0 8 – الغُرَّةُ : بالضَّمِّ بياضٌ في جبهةِ الفرسِ فوقَ الدّرهم 0 9 – تَسَرْبَلَ : تغطَّى0
10 – اِزْوَرَّ : مَالَ 0 11 – الوقْعُُ صدمةُ الحربِ 0 12 – القَنَا : جمعُ قناةٍ ، وهيَ الرُّمْحُ ، وتجمعُ أَيضًا على قنواتٍ 0
13 – عَبْرَةٌ وتَحَمْحُمٌ : العَبْرَةُ : تَحَلُّبُ المَاءِ ، والتَّحَمْحُمُ : صوتُ الفَرس إذا طلبَ العَلَفَ 0 14 – الغِبارُ : آثارُ ترابِ المعركةِ 0 15 – عَوَابِسًا : جمعُ عابسةٍ ، وهي المتجهِّمَةُ 0 16 – الشََّيْظَمَةُ : الفرسةُ المُلتهبةُ الجرداءُ 0 17 – الأَجرَدُ : قصيرُ الشَّعرِ 0
18 – السُّقم : المرضُ، والسُّقْمُ والسَّقَمُ كالحُزْنِ والحَزَنِ 0 19 – الْقِيلُ : القولُ المُغْرِضُ0 20 – ويك : للتَّعَجُّبِ
ثالثًا : المضمونُ العَامُّ ( والمضامينُ الفرعيَّةُ ) :
ينطوي المضمونُ العامُّ لهذا النَّصِّ الشِّعريِّ على إِثباتِ فروسيَّةِ عنترةَ العبسيِّ من جهةٍ ، وقـــوَّةِ فرسهِ وَرِقَّتِـــهِ من جهةٍ ثانيـةٍ ، وعوز ِقبيلَتِهِ ، بل مجتمعه له وإليه ( بوصفِهِ فارسًا مغوارًا ) من جهةٍ ثالثةٍ 0
تابع المضمونُ العَامُّ ( والمضامينُ الفرعيَّةُ ) :
يتوزَّعُ ذلك المضمونُ العامّ إلى جملةٍ من المضاميـــــــــن الفرعيَّةِ الأخرى ، منها على سبيلِ المثالِ لا ألأحصر :
1 – إقبالُ القومِ واِندفاعُهم ثائرينَ في طلبِ ” عنترةَ ” وتحميسِه للدِّفاعِ عنهم وذويهم وحلفائهم،والكَرُّ في شجاعةٍ وإقدامٍ دون خوفٍ أو حذّر
2 – صيحةُ القومِ الدائمةُ لعنترةَ ودعوتهم له في ساحة المعركةِ ، حيث الرِّماحُ الطَّويلة في صدرِ فرسِه مَرَّةً ، وخيلِه مَرَّةً أخرى 0
3 – قُوَّةُ ” عنترةَ ” في رميِهِ للأعداءِ في ساحةِ المعركةِ، مواجهًا إِيَّاهم بفرسِهِ ” الجامحِ ” المتسربلِ بالدَّمِ 0
4 – اِستنفارُ فرسِ ”عنترةَ ” من المطاعنةِ والضَّرب والرَّمي في ساحة الوَغَى 0
5 – مشاركةُ الفرسِِ فارسه وتوحُّــــده بِــــه، من خلال شكايته له وتحمحُمِه بِهِ ومعه، وعبراته المنهمرة واِقترابه من نطق الكلام
6 – خيلُهُ وخيلُ قبيلتِه تقتحمُ - بقيادةِ فرسِه المتحمحمِ المتكلِّم - تقتحم المعركةَ في عبوسٍ وشدَّةٍ وغيظٍ ، مابين شيظمةٍ وأجردَ شيظَمِ0
7 – شفاءُ نفس الشَّاعرِ ” عنترةَ ” وبُرْؤُها من الدَّاءِ الدَّفينِ ، حيث الرِّقُّ والعبوديَّةُ ؛ وذلك بعد اِسْتِغَاثَتِهم به والتَّودُّد إليه للذَّود عنهم ودفع الظُّلم عنهم ، معترفين بِسيادتِه وفروسيَّتِهِ وشرَفِهِ 0
- رابعًا :المُعطياتُ الُّلُغويَّةُ والجماليَّةُ للنَّصِّ :
أ – المعجم الشِّعريُّ للنَّصِّ :
تضمَّنَ هذا النَّصَّ الشِّعريُّ - كما أشرتُ منذ قليلٍ – سياقًا حربيًّا ، وقد دفع هذا السِّياقُ الشَّاعرَ إلى اِستدعاءِ مُعجَمٍ شعريٍّ ثَرٍّ، يبدأُ بأدوات الحربِ وعلى رأسِها ” الرِّماح ”،وينتهي بالفرسانِ أوكما أشارهو صراحةً ”والفوارسُ ” ، وبينَ البدايةِ والنِّهايةِ يتوالى المعجَمُ ” الحربيُّ ” بجملةِ أبعادِهِ ولوازِمِهِ ، نلحظُهُ متمثِّلاً في الدَّوالِّ ” الألفاظِ ” الآتيةِ :
( أَقبلَ – جمعُهُم – يتذامرونَ – كَرَرْتُ – يَدعونَ – الرِّماحُ – الأدهم – أَرميهم – تسربلَ – بالدَّمِ – اِزْوَرَّ – وقع القَنا – الخيلُ – تقتحمُ – الغِبار- شيظَمةٍ – أجْرد شَيْظَم – أَبْرَأ – سُقمها – الفوارس )
- خلاصةُ المعجم الشِّعريِّ :
- إِنَّ هذا المُعجَمَ الشِّـــعريَّ يكتنزُ الكثير من الألفاظِ الحربيَّةِ المتنوِّعة،وجميعُها يشيرُ إلى دلالاتِ الكرِّ والفَرِّ والدِّماء والغبارِ والفوارسِ،وَكأنَّه يجسِّمُ تلكَ الحربَ بروافدِها الحربيَّةِ المتنوِّعةِ 0 وهذا بالطَّبعِ يعكسُ صنعةَ الشَّاعرِ العربيِّ القديمِ وحرفيَّتَهُ ، كما يعكسُ في الوقتِ ذاتِهِ فروسيَّتَهُ الَّتي تتجَلَّى بشاعريَّتِهِ تلكَ
ب –الوزنُ الشِّعريُّ :
جَاءَ الوزنُ الشِّعريَّ لهذا النَّصِّ الشِّعريِّ السَّابقِ على بحر ” الكاملِ ”
بتفعيلتِهِ المتكاملةِ ( مُتَفَاعِلُن - مُتَفَاعِلُن - مُتَفَاعِلُن ) ، ومِثلِها في الشَّـــــــطرِ الثَّاني 0 مِمَّا يعني أَنَّ هذا البحرَ ” الكامل ” جاءَ تامًّا وكاملاً في آنٍ واحــد، كاملاً من حيثُ تفعيلاتِهِ أونغماتِه الَّتي أكملت مُرادَ الشِّاعرِ ، وتامًّا لأنَّــهُ أتمَّ السِّياٌَقَ الحربيَّ بتفعيلتِهِ ” المتكاملةِ ” 0 أيْ أنَّ هــــــذا البحرُ جاءَ متوافقًا بتمامِهِ واِكتمالِهِ مع السِّياقِ الحربيِّ الَّذي جَسَّمّهُ الشَّاعرُ ” عنترةُ ” من خلال دعوةِ قومِهِ لَهُ في الحربِ وتلبيتِهِ دعوتِهِِم ” غيرَ مذمَّمِ ” 0 ِ
ج – الغرضُ الشِّعريُّ ووصفُ المعركَةِ :
ينطوي الغرضُ الشِّعريُّ لهذا النَّصِّ على ” الوصفِ ” ووصفِ الحربِ بشكلٍ خاصٍّ ، نلحظُ ذلك الوصفَ الحربيَّ من البَدِءِ حتَّى المنتهى 0
مثالُ ذلك :
- في البيتِ الأوَّلِ :يصفُ تجمُّعَ قومِهِ المُتذمِّرينَ، كما يصفُ ردّ فعلهِ هو ” كَرَرْتُ غيرَ مُذَمَّمِ ” 0
- في البيت الثَّاني : يصفُ جانبًا من الحربِ ” والرِّماحُ كَأَنَّهَا 00 أشطانُ بئر“ ، نتيجةً لاحتدامِ المعركةِ ، حتَّى وصـــــــلَ أثرُها إلى ” لَبَانِ الأدهمِ ” 0
- في البيتِ الثَّالثِ :يصف الشَّاعرُ حالَهُ هو شخصيًّا وهو في الحربِ ” مَا زِلْتُ أرميهِم بغرَّةِ وَجْهِهِ ” ،نتيجةً إقدامِهِ حتّى تسـربلَ بالدَّمِ0
- في البيتِ الرَّابعِ والخامسِ : ينتقِلُ الشَّاعِرُ إلى فرسِهِ فيصفُهُ ، وقد ” اِزْوَرَّ من وَقْعِ القَنَا ” ، ثُمَّ يُعَمِّقُ هذا الوصفَ ” وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ ” أي نقله من الحيوانيَّة إلى - من خلالِ تلك الشكوى – درجة الإنسانيَّةِ حتَّى كادَ أن يكلِّمَهُ ” ولكان لو علمَ الكلامَ مُكَلِّمي ”0
- - في البيتِ السَّادسِ : ينتقلُ فيهِ الشَّاعرُ من وصف فرسِهِ إلى وصفِ الخيلِ في المعركة ، ” والخيلُ تقتحمُ الغِبَارَ عوابسًا 0 ِ
- البيت الأخيرُ : يصفُ الشِّاعرُ حاله بعد اِنتصارهِ في المعركةِ واعتراف قومِهِ بفروسيَّتِهِ ، وردِّهم لاعتباره ونسبه وشرفه 0-
د : الصُّورةُ البيانيَّةُ الشِّعريَّةُ :
تجيءُ الصُّورة البيانيَّةُ الشِّعريَّةُ عبرَ هذا النَّصِّ الشِّعريِّ مُحمَّلةً بمقَوِّمـــــــاتِ الخيالِ الَّتي نقلتْ تلكَ الصُّـــــــــــور من مجالِها التجسيميِّ ( الجسدي ) إلى مجالِها التَّشخيصيِّ المنــــــــــوطِ بالإنسانِ ، أو بالأحرى حرَّكتْهَا من الطورِ الحيوانيِّ إلى الطَّورِ الإنسانيِّ ، وبوجْــــــهٍ خاصٍّ فيما وقع من صـــورٍ بين ”عنترةَ ” وفرسِهِ الشَّاكي المُتَحَمْحِمِ 0
- من هذهِ الصُّور البيانيَّةِ الخياليَّةِ :
1 – التَّشبيهُ :
- ” وَالرّمَاِحُ كَأَنَّهَا أَشْطَانُ بِئْرٍ ” 00 الشَّاعرُ هنا يُشَبِّهُ الرِّمـــــــاحَ بالأشطانِ ( الحبالِ ) من فرطِ الطُّولِ فضلاً عنِ القُوَّةِ،ويعَدُّ هذا التَّشبيهُ من التَّشبيهاتِ المُفصَّلةِ بأركانِها الأربعةِ ، المُشَبَّهِ ” الرِّماح ” ، والمُشَبَّهِ بِهِ ” أَشْطَانُ ” ،وأداةُ التَّشبيهِ ” كَأَنَّ ” ، ووجهُ الشَّبَهِ ” الطُّولُ والشِّدَّةُ والقُوَّةُ ” 0
2 – الكنايةُ :
نلحظُ وُرودَ الكِنايةِ في ثنايا هذا النَّصِّ الشِّعريِّ بشكلٍ لافتٍ للنَّظرِ،منها :
أ – ” أقبلَ جَمْعُهُمْ يَتَذَامَرُونَ ” ــــ كنايةٌ عنِ النَّجدَةِ والاستغاثةِ 0
ب – ” كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّمِ ” ــــــــــ كِنايةٌ عن سرعةِ التَّلبيةِ دون مذمَّةٍ 0
ج – ” تَسَرْبَلَ بالدَّمِ ” ــــ كنايةٌ عن شِدَّةِ الطَّعنِ ( وهي اِستعارةٌ أَيضًا ) 0
د - ” فَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنَا ” ــــــ ” كنايَةٌ عن تَعَبِهِ وَاِمتعاضِهِ وحُنْقِهِ 0
هـ - ” لَوْ كَانَ يَدْرِي مَا المُحَاورَةُ اِشْتَكَى ” ــــ كنايَةٌ عن شِدَّةِ تَحَمُّلِهِ 0
و – ” وَلَكَانَ لًوْ عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمِي ” ــــ كِنايَةٌ عن توجُّعِهِ وتأَلُّمِهِ 0
ز – ” والخَيلُ تقتحِمُ الغبارَ عَوَابِسًا ” ــ كنايةٌ عن جسارَتِها وتجاوُزِها0
ح – ” وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي 00 وأَبْرَأَ سُقْمَهَا 00 قِيلُ الفوارسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ ” ــــــــــ كنايةٌ عنِ الاستغاثَةِ ، فضلاً عنِ الفروسيَّةِ وَرَدِّ الاعتبار
- التَّعليقُ على الكِنايّةِ :
إنَّ جملةَ الكِناياتِ السَّابقة منوطةٌ بسياقِ الحربِ ، لَكِنَّها مُتَّجِهَةٌ هذه المَرَّةِ إلى الفارسِ وجوادِهِ ، أو بالأحرى إلى عنترةَ وفرسِهِ ، لأنَّ النَّصَّ في أساسِِهِ قائِمٌ على على المُواجهةِ بينَ عنترةَ وفرسِهِ من جِهَةٍ ، وقومِهِ وناكريهِ وأعدائِهِ من جِهَةٍ أخرى 0
3 – الاسْتِعَارةُ :
جاءتِ الاستعارةُ عبرَ هذا النَّصِّ الشِّعريِّ بوفرةٍ ،لَكِنَّها في الوقتِ نفسهِ تأتي منفردَةً بذاتِها مَرَّةً،وتَجِيءُ مُتشابكَةً مع الكِنايةِ مَرَّةً أُخرى،وسواءٌ جاءت على هذا النَّحوِ أو ذاك؛ فإِنَّ مجيئَهَا يعني المبالغةَ في وصفِ وتصويرِ المُعطيــــاتِ الحربيَّةِ المُتَفَشِّيَةِ في النَّصِّ بَدْءًا من الفارسِ الشَّاعرِ ، ومُــــرُورًا بالأشْطِانِ والَّلَبانِ والفَرَسِ والخيــلِ ، واِنتهاءً بالفَوارس واِعتِرافِهم به كفارسٍ ” سَيِّدٍ ” وشاعرٍ حُرٌّ ” مُجيدٍ ” 0
- تَجِيءُ الاستعارةُ هنا على النَّحو الآتي :
1 – ” مَا زِلْتُ أَرْمِيهِم بِغُرَّةِ وَجْهِهِ ” ــــــــــ تلك صورةٌ اِستعارِيَّةٌ
” تَصريحِيَّةٌ ” ، حيثُ شَبَّهَ الشَّاعرُ ” الرِّماحَ ” بغرَّة وَجْهِ الفرسِ وَلَبانِهِ ” ، وحذف ” المُشَبَّهَ ” وهو ” الرِّماح ” ، وجاءَ بالمُشَبَّهِ بِهِ صَراحةً ، وهو ” غُرَّةُ وَجْهِ الفرسِ أوَّلاً ، وَلَبَانِهِ ثانيًا ” 0
2 – ” حَتَّى تَسَرْبَلَ بالدَّمِ ” ــــــــ هذه صورةٌ اِستعاريَّةٌ ” تحملُ الوجهينِ معًا : الأول ” التَّصريحُ “ ــــ إذ شبَّهَ الشَّاعرُ ” عنترةُ ” الثَّوبَ أو الغطاء بالدَّمِ ،وذكرَ ” المشبَّهَ بِهِ ” صراحةً وهو الدَّمُ 0
- الثَّاني : ” التَّكَنِّي ” ـــ حيث شبَّهَ الشَّاعرُ فرسَهُ بإنسانٍ يتسربلُ أو يلبسُ ثوبًا وحذفَ المُشَبَّهّ بِهِ ” الإنسانَ ”وجاءَ بلازمِهِ ”التسربل”0
3 – ” فازْوَرَّ من وقعِ القَنا ” ـــ تلك صورةٌ اِستعاريَّةٌ ” مكنيَّةٌ ” حيثُ شبَّهَ الشَّاعرُ الفرسَ بالإنسانِ،وحذفَ المشَبَّهَ بِهِ ” الإنسانَ ” وجاءَ بإحدى لوازمِهِ وهي لازمةُ “ الازْوِِرَارِ” ،وهذه الصُّورةُ تميلُ بعضَ الشَّيْءِ إلى التَّشخيصِ 0
4 – ” وشكا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ ” ــ وتلك صورةٌ مكنيَّةٌ أُخرى،حيثُ شبَّهَ الشَّاعرُ فرَسَهُ بِإِنسانٍ يَشكُو،وحذف المُشَبَّهَ بِهِ،وجاءَ بإحدى لوازِمِهِ وهي الشَّكوى الحارقةُ المصحوبةُ بالعَبَرَاتِ والتَّحَمْحُمِ 0
5 – ”والخيلُ تقتحمُ الغِبَارَ عَوَابِسًا ” هذه الصُّورة - فوقَ أَنَّها كنايةٌ - اِستعارةٌ مكنيَّةٌ ، حيـــثُ شَبَّهَ الشَّاعرُالخيلَ بالفُرســانِ العبوسينَ ، وحذفَ المُشَبَّهَ بِهِ ، وجاءَ بإحدى لَوَازِمِهِ وهي ” العُبُوسُ ” 0
- تَابعُ : الصُّورةِ البيانيَّةِ الشِّعريَّةِ :
6 - ” وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا 00 قِيلُ الفوارسِ ” ــــــــ هذه صورة اِستعارِيَّةٌ ” تصريحيةٌ ” أُخْتُتِم َبها ذلك النَّصُّ الشِّعريُّ ، إِذ شَبَّهَ الشَّاعرُ الدَّواءَ أو العلاجَ - سبيلَ الشِّفاءِ – بالقولِ أوكما جاءَ بتصريحِهِ أو تعبيرهِ ” القِيل ” ، وقد صرَّحَ بالمُشَبَّهِ بِهِ ” وهو ” قِيلُ الفوارسِ ” ، حَتَّى لَكَأَنَّ علاجَ الشَّاعرِ هنا هو” قِيلُهُم ” أي تحقُّقُهم من شرفِهِ وسيادتِهِ من جهَةٍ ، واِعترافُهم بفروسيَّتِهِ قبلَ شاعرِيَّتِه من جهةٍ أخرى 0
هـ صوتُا الألفِ والرَّاءِ مع صوتِ المعركةِ :
يبدو من الوهلة الأولى أنَّ هذا النَّصَّ الشِّعريَّ يحملُ صوتينِ لُغَوِيَّيْنِ ” الألف 00 الرَّاء ” ، وهذان الصَّوتان يتـــــــوافقانِ تمامًا وسياقَ النَّصِّ المرتبطِ بالحربِ والمعركــةِ بما يحملانَه من كرٍّ وفرٍّ وإقبالٍ وإدبارٍ ، وكما صــــرَّح علماء الُّلُغةِ ، وعلماء الصَّوتِ منهم بشكلٍ خاصٍّ، أنَّ صــــوتً الألف هو أَمَدُّ الأصواتِ الُّلُغويَّةِ طولاً وأعلاها جهرًا ، وهذه الصِّفةُ وتلك تتناسبان تمامًا مع سياقِ الحــــــرب أو بالأحرى مع حركتِها ، كما أنَّ صــــــوتَ الرَّاءِ هو الآخــــــــرُ من الأصوات ” التَّردُّديَّةِ ” المكرورةِ والجهورة، وهو هنا – بما يحملُهُ من هذه الصِّفاتِ - يتناسبُ مع سياقٍ الحرب أَيضًا وحركًتِها 0
نتمثَّلُ صوتَ الألفِ ( بطولِهِ وجهرهِ ) في الألفاظِ الآتيةِ :
( يَتَذَامرونَ – الرِّماح – أَشطان – وَلَبَان – وَلَبَانه – والقنا - وبلَبَانِهِ – وشَكَا – والمُحاورة – واِشتكى – والكلام - والغِبار – وعوابِسًا – وشفى – وسُقمها – وأخيرًا الفوارس ) 0
- نلحظُ صوتَ الرَّاءِ بترديدِهِ بين الامتدادِ والجهرِ على النَّحو الآتي :
( رأَيت – ويتذامرونَ – وكرَرْتُ – وعنتر – والرِّماح – وبئر – وأَرميهم – وبغُرَّةِ – وتسربل – وفَازْوَرَّ – وبعبرةٍ – ويدري – والمُحاورةُ – والغِبار – وأجرد – وأبرأَ – والفوارس – وأخيرًا عنتر ) 0
الخلاصةُ : تقولُ :
إِنَّ هذين الصَّوتينِ الجهورينِ الممتدَّين يبعثانِ في النَّصِّ حركيَّةَ المعركةِ ، وعلو صوتها ، أو بالأحرى يجاريانِ المعركة تمامًا بما فيها من حركةٍ وصوتٍ وجلبةٍ وصراخٍ وعنفوانٍ وأنينٍ وبكاءٍ وعويلٍ وصياحٍ،وقد أجاد في بدئها بدعوة عنترةَ ” يدعون عنترَ ” ، وأحسنَ في مُختتمِها باستغاثَتِهِم بعنترة أيضًا ” وَيْكَ عَنْتِرَ أَقدِمِ ” ، أي أنَّ ” عنترةََ ” هو بيتُ القصيد ، وحجَرُ الزَّاويةِ وملجأُ عبسٍ في الشَّدائدِ والأزمات 0
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:18 PM
المحاضرة السَّادسةُ
• النَّصُّ النَّثريُّ الجاهليُّ
• ( بين التَّنظيرِ والتَّطبيقِِ )
• أوَّلاً : ( التَّنظيرُ )
- وجودُ النَّثرِ عندَ العربِ في جاهليَّتِهِم :
س / هلْ وُجِدَ النَّثْرُ الأدبيُّ عندَ العربِ في الجاهليَّةِ ، وَمَا مَدَى حاجتهم إليهِ ؟
ج / نَعَم ، وُجِدَ النَّثرُ الأدبيُّ أو الفنِّيُّ عندَ العربِ في العصر الجاهليِّ ، لأنَّهُم محتاجونَ إلى ما يعبِّرونَ بهِ عن شؤونِهِم ،وبخاصَّةِ في المُجتمعاتِ السَّاميةِ الَّتي تجمعُ عظَماءَهُم وكُبراءَهُم، حين يفدون على الملوكِ ، وزُعماءِ القبائلِ في مهامٍّ سياسيَّةٍ أو اِجتماعيَّةِ ، أو حتَّى قضايا إنسانيَّةٍ عامَّةٍ
س / أَلَمْ يَكْفِ الشِّعرُ حاجةَ الجاهليِّ بعيدًا عنِ النَّثر ؟
ج / الحقيقةُ الَّتي لا مِراءَ فيها أنَّ الشِّعرَ لا يستطيعُ أن ينهضَ بِكُلِّ ما تستدعيهِ هذه المجتمعاتُ وغيرها ، لأَنَّ قيودَ الوزنِ قَدْ لا تُمَكِّنُ المُتكلِّمَ من اِستعراضِ أو التَّعبيرِ عن كلِّ ما يغرضُ إليهِ ويبتغيهِ من قضايا سياسيَّة أو اجتماعيَّةِ هو وقبيلتُهُ ومجتمعُهُ قاطبةً
- دليلُ وجودِ النَّثرِ عندَ العَرَبِ :
س / مَا دليلُ وُجودِ النَّثرِ الأدبيِّ عندَ العربِ إِبَّانَ العصرِ الجاهليِّ ؟
ج / الدَّليلُ على وجودِ النَّثرِ الأدبيِّ أو الفنِّيِّ عندَ العربِ آنذاكَ أنَّ القُرْآنَ الكريم ( المعجزةَ الكبرى ) قد تحـــــدَّاهم بأسلُوبِهِ وبيانِهِ ، والقرآن كما نعرفُهُ نثرٌ ولكنَّه نثرٌ خاصٌّ،فلابُدَّ أن يكــــــــــــونَ لهم أو عندَهم نثرٌ جيِّدٌ ،إِذْ لا يَجِيءُ ،بل لا يتحقَّقُ التَّحـــدِّي إلاَّ إذا كانَ في جهةٍ يَزْعُمُ المرءُ أو الأُمَّةُ أَنَّ لَها فضلاً و نبوغًا فيها ، كانا معًا موضعَ فخرِهَا واِعتِزازِهَا 0
س / اِسْتَعْرِض ( اِستعرِضِي ) بعضَ مظاهِرِ هذا التَّحَدِّي ؟
ج / لاشكَّ أنَّ هؤلاءِ العربَ حينَ تحدَّاهُمُ القُرآنُ الكريمُ راحوا يقارنونَ بينَهُ وبينَ ما حفظهُ بعضُهُم مِمَّا عُرِفَ من نثرِ المفاخراتِ وغيرِها ؛ فالوليدُ بنُ المُغيرةِ حينَ قالَ في شَأْنِ الٌُقرْآنِ : ” إِنَّ لَهُ لَحَلاوَةً وإِنَّ عليهِ لَطَلاوَةً ” ، لاشكَّ أَنَّهُ هنا يوازِنُ بينَ ذلك القرآن العظيمِ وما تناقلتْهُ الأَلسنُ من أقوالِ فحولِ الخُطباء
- نَثرُ الجَاهِلِيِّينَ بَيْنَ الكَثرَةِ والقِلَّةِ :
س / هَل للجاهليِّينَ نَثْرٌ كثيرٌ ؟
ج / نعم ، للجاهلِيِّينَ نثرٌ كثيرٌ ، وتأتي كثرتُهُ تلك لِكثرةِ الدَّواعي والمجالاتِ الَّتي كانت سببًا في وجودِهِ ، ولَكِنْ لم يصلنا منهُ إلاَّ القليلُ ، وعدمُ وصولِ أكثرِهِ لا يدلُّ عدمِ وُجُودِهِ أو حتَّى قلَّتِهِ 0
س / لماذا لَمْ يَصِلْنا ذلكَ النَّثرُ ” الأدبيُّ ” الجاهليُّ الكثيرُ على وفرَتِهِ تلك ؟
ج / لم يصلْنا الكثيرُ من هذا النَّثرِ الأدبيِّ الجاهليِّ لسببيْنِ :
1 – كان العربُ – كما تشيرُ الرِّواياتُ التَّاريخيَّةُ – أُمِّيِّينَ ، ولم يكنْ بينَهم غيرُ نفرٍ قليل جدًّا مِمَّن يعرفونَ الكتابةَ ، ولم يُعْنَ أُولئِكَ بتدوينِ ذلك النَّثرِ الأدبيِّ الجاهليِّ 0
2 – لمْ تَكُنْ حافظتُهُم العقليَّةُ ” الذِّهنِيَّةُ ” مُتَّجِهَةً إلى حفظِ النَّثرِ كَقَسِيمِهِ ” الشِّعرِ ” ؛ وذلك لأَنَّ الأوزانَ - فضلاً عنِ القوافي - قد سهَّلت حفظَ الشِّعرِ ، أَمَّا النَّثرُ فقد خلا منها ، ورُبَّما منهما معًا ؛ ولذلكَ صَعُبَ حفظُهُ ، ولهذا وغيرِهِ لم يصلنا الكثيرُ من ذلك النَّثر الأدبيِّ الجاهليِّ 0
س / اِستعرضْ ( اِسْتَعْرِضِي ) بإِجمالٍ أنماطَ النَّثرِ في العصرِ الجاهليِّ ؟
ج / أَنماطُ النَّثر الجاهليِّ بصورةٍ مجملَةٍ على النَّحوِ الآتي :
أ – الخطابةُ ب – الوصايا ج – الحِكَمُ د – الأمثالُ
- أغراضُ النَّثرِ الجاهليِّ :
س / اِسْتَعْرِضْ ( اِسْتَعْرِضِي ) بشكلٍ مُجمَلٍ أغراضَ النَّثْرِ الجاهِلِيِّ ؟
ج / كانَ من أغراضِ النَّثرِ الجاهليِّ :
أ – التَّحريضُ على القتالِ والأخذِ بالثَّأْرِ 0
ب – إِصلاحُ ذاتِ البَيْنِ 0
ج – المنافراتُ والمفاخراتُ 0
د – السِّفاراتُ والوفودُ 0
ه – خُطَبُ النِّكاحِ 0
و – الوَصَايا 0
ز – الوعظُ والتَّوجيهُ 0
- بينَ الكِتابةِ والخَطَابةِ في العَصْرِِ الجَاهِلِيِّ :
س / وماذا عنِ الكتابَةِ ” النَّثرِيَّةِ ” في العصرِ الجاهليَِ ؟
ج / أمَّا الكتابةُ ” النَّثريَّة ” فلم يعرفْها العربُ في جاهليَّتِهِم ، لّكِنَّها وُجِدَتْ عندَ مُلُوكِ الحيرَةِ ، أو غساسِنَةِ الشَّام ، ولم يصلْ منها ما يشيرُ إلى وجودِها ، أو يُحَقَّقُ جنسَها ، أو يثبتُ دورَها 0
س / ماذا يُعْنَى بالخطابةِ ؟
ج / الخطابةُ : هي القولُ الَّذي يُلْقيهِ القائلُ ( الخطيبُ ) في مُجتمعٍ من النَّاسِ،لِيُقْنِعَهُم بِرَأْيِهِ أو يُثْبِتَ وُجْهَةَ نَظَرِهِ الفِكريَّةِ المقترحة0
- أََنْوَاعُ الخَطَابةِ :
س / اِستعرضْ ( اِسْتَعْرِضِي ) بِإِجمالٍ أَنواعَ الخطابةِ ؟
ج / لِلخطابةِ أنواعٌ أربعةٌ تجيءُ على النَّحوِ الآتي :
1 – الخطابةُ السِّياسيَّةُ : كَخُطبِ القادةِ والزُّعماءِ في المشاكلِ أو الأحداثِ السِّياسيَّةِ 0
2 – الخطابةُ الدِّينِيَّةُ : كَخُطَبِ الوَعْظِ والنُّصحِ والدَّعوةِ إلى الخير 0
3 – الخطابةُ الاجتماعِيَّةُ : كتلكَ الَّتي تتعرَّضُ لقضايا المُجتمعِ و مشاكلِهِ،وطرق حلِّ هذه ومُعالجة تلك، حتَّى يتَقَدَّمَ المجتمعُ 0
4 – الخطابةُ العلميَّةُ : تلكَ الخطابةُ الَّتي تُلْقَى في المؤتمراتِ العلميَّةِ ، والنَّدواتِ ، أو المنتدياتِ الثَّقافيَّةِ المتنوِّعة 0
- تَابِعُ الخطابةِ وأشهرُ رِجَالاتِهَا :
س / هلْ وُجِدَتْ جملةُ هذه الأنواعِ الخطابيَّةِ في العصرِ الجاهليِّ ؟
ج / الحقيقَةُ أَنَّهُ لم يُتَحَصَّلْ من هذه الأنواعِ الأربعَةِ في العصرِ الجاهليِّ سوى الخُطَبِ السِّياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ وبعضِ العظاتِ والتوجيهاتِ الإرشاديَّةِ الحكيمةِ 0
س / مَنْ هم أَشهر خطباءِ الجاهليَّةِ ؟
ج / أشهرُ خطباءِ العصرِ الجاهليِّ هم : قَسُّ بنُ ساعدةَ الإياديُّ ، وسحبانُ وائل الباهليُّ ، وزهيرُ بنُ جُناب ، ومُرثِدُ الخيرِ ، والحارث بنُ كعبِ المُذحجيُّ ، وقيسُ بنُ زهيرِ العبسيُُّ ، وأَكثمُ بنُ صيفيِّ التَّميميُّ ، وذو الإصبعِ العَدوانيُّ 0
- اَلْوَصَايَا الجَاهِلِيَّةُ ( طبيعتُهَا ومجالُهَا ) :
س / ماذا عن طبيعةِ الوصايا الجاهليَّةِ ؟
ج / تَغْدُو الوصايا الجاهليَّةِ في جملةٍ من الحِكَمِ والأمثال الهادفَةِ والمُدلِّلَةِ للموقفِ أو الحدثِ المُلِحِّ آنذاكَ 0
س / مَا المُحيطُ الإنسانيُّ لهذهِ الوصايا الجاهليَّةِ ؟
ج / لا تَتَجَاوزُ هذه الوصايا في مٌحيطِهَا الإنسانيِّ سِوَى عدَدٍ محدودٍ من النَّاسِ ،وقد تكـــونُ مُوجَّهَةً من أَبٍ لأبنائِهِ، أو من أُمٍّ لِبناتها، أو من حكيمٍ لقَومِــهِ ، أو من سيِّدٍ لِعَشِيرَتِهِ 0
س / وَمَا مَجَالُ هذه الوصايا ووقتُها ؟
ج / يَبدُو مجالُ هذه الوصايا ووقتُهَا غالبًا عند قربِِ الأجـــــــــــلِ ، أو الفرقة ( الفراقِ ) ، أو قضاء الحاجةِ ، أو موضع صلحٍ وتَآلفٍ 0
:- حِكَمُ العربِ في الجاهليَّةِ ( مفهومًا ومجالاً )
س / قَدِّمْ ( قَدِّمِي ) مفهومًا مُدَلِّلاً لِلحكمةِ ؟
ج / الحكمةُ عبارةٌ عن جملةِ من العباراتِ المُوجَزَةِ ، قويَّةِ الألفاظِ ، دقيقةِ المعاني، بارعةِ التَّصويرِ ، تُسْتَدْعَي للتَّعبيرِ عَنْ موقفٍ مُهِمٍّ من مواقفِ الحياةِ وحوادِثِها0
س / هَلْ عَرَفَ العربُ الحِكْمَةَ، وَمَنْ أَشْهَرُ حُكمائِهِمِ ، مَثِّلْ ( مَثِّلِي ) لِبعضِ حِكَمِهِمْ ؟
ج / عَرَفَ العَربُ الحِكمةَ ، بل برعوا في أدائِها ؛ لأنَّهم عُنوا أَوَّلَ ما عُنُوا بِصِناعَةِ الكلامِ وتجويدِهِ،وقد عُرِفَ من حُكمائهِم بل أشهرهم هو : ” لقمانُ الحكيمُ ” 0
- مثالٌ لبعضِ حِكَمِ ” لُقْمانَ ”: ” آخِرُ الدَّواءِ الكَيُّ ”
س / هلْ بَدَتِ الحِكَمُ الجاهليَّةُ في مُجْمَلِهَا قضايا إِنسانيَّةً صادقةً ؟
ج / لا ، ليست الحِكَمُ قضايا صادقةً ، مُسلَّمًا بها في كُلِّ الأوقاتِ ، بل يغلُبُ عليها طابَعُ الصِّدقِ 0
س / مَنْ مِنَ الشُّعراءِ الجاهلِيِّينَ عُرِفَ بالحِكمةِ واُشْتُهِرَ بِها ؟
ج / عُرِفَ نَفَرٌ من الشُّعراءِ الجاهلِيِّين بالحكمةِ ، بل واُشتُهِروا بها ، من أمثالِ هؤلاءِ الشُّعراءِ الحكماءِ – إن صحَّ ذلك التعبيرُ - :
1 – زهيرُ بنُ أَبي سُلْمَى 0
2 – طَرفةُ بنُ العَبْدِ 0
3 – أُمَيَّةُ بنُ أبي الصَّلتِ 0
- الأمثالُ العربيَّةُ في العصرِِ الجاهليِّ :
س / ماذا عنِ المثلِ كمفهومٍ ؟
ج المَثَلُ :عبارةٌ عن كلماتٍ،تُعبِّرُعن أفكارٍ نتيجةً للتَّجاربِ الطَّويلةِ0
س / وما الخصائصُ ” الأدبيَّةُ ” الَّتي يعتمدُ عليهَا المَثلُ ؟
ج / يعتمدُ المثلُ على الخصائصِ ” الأدبيَّةِ ” الآتيةِ :
- الإيجازِ وقوَّةِ الَّلَفظِ وروعةِ المعنى وبراعةِ التَّصويرِ 0
س عُرِفَ عندَ العربِ أناسٌ ضُرِبَ بهم المثلُ،استعرضْ ( اِسْتَعْرِضِي ) أشهرَهم ، وما ضُرِبُوا بِهِ مِنْ مَثَلٍ؟
ج / عُرِفَ عندَ العربِ أناسٌ بعينِهِم ضُرِبَ بهم المثلُ ، فقيلَ : أَخطبُ من سحبانَ وائل الباهليِّ ، أَبْخَلُ من مَادرٍ ، وَأَبْصَرُ من زَرْقَـــــــــاءِ اليَمَامَةِ، وَأَبْلَغُ من قَسٍّ، وَأَطْمَعُ من أَشْعَبَ، وَأَشْأَمُ مِنَ البَسُوسِ 0
- تابعُ الأمثالِ العربيَّةِ في العصرِ الجاهليِّ :
س / فَسِّرْ ( فَسِّرِي ) المثلَ الأخيرَ ( أَشْأَمَ مِنْ البَسُوسِ ) ؟
ج / ( أَشْأَمُ مِنْ البَسُوسِ ) : تلكَ صيغةٌ لُغويَّةٌ قصيرةٌ حملت في طَيَّاتِهَا الشُّؤْمَ الَّذي جَرَّتْهُ بل جَرَفَتْهُ البَسُوسُ على حَيَّيْنِ من العربِ ، اِشتعلتْ بينَهُمَا الحربُ أَربعينَ سَنَةً ، أُزْهِقَتْ فيها الأرواحُ ، وأُريقتْ فيها الدِّماءُ ، وَأَكلتْ بِها ومعها الأخضرَ واليابسَ 0
س / من أَيِّ منبَعٍ أُخِذَتْ الأمثالُ العربيَّةُ القديمةُ، مَثِّلْ ( مَثِّلِي ) لِذلكَ ؟
ج ( أ ) أُخِذَتْ الأمثالُ أو على الأقلِ الكَثيرُ منها من البيئةِ العربيَّةِ القديمةِ بجملةِ حيواتِها ، فقالوا : ” أَكْسَى مِنْ بَصَلَةٍ ، وَأَعْقَدُ مِنْ ذَنَبِ الضَّبِّ ، تََلْدَغُ العَقْرَبُ وَتُضِيءُ 0000 ” 0
( ب ) كما أَخَذُتِ العربُ بعضَ هذهِ الأمثالِ من حياتِهِم الحربيَّةِ ، وما يتعلَّقُ بِها ، فقالوا : ” أَفْـــــــوَقُ مِنَ السِّهامِ ، اِعْطِ القَوْسَ بَارِيهَا ، اِبدَأْهُمُ الصُّرَاخَ يَفِرُّوا 000 ” 0
س / هَلْ هناكَ أَمثالٌ أُخرى جَرَتْ على أَلْسِنَةِ الحيواناتِ والبَهَائِمِ ؟
ج / هناكَ أَمْثَالٌ جَرَتْ على أَلْسِنَةِ البَهَائِمِ تَخَيُّلاً في ” قِصصِ الحيوانِ ” أُريدَ بها النُّصْحُ والارشادُ والتَّوجيهُ ، ، كقولِهِم على لِسانِ الحَيَّةِ :
” كَيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا رَأْسُ فَأْسِكْ ؟ ” 0
س / اُذْكُرْ ( اُذْكُرِي ) أَشهَرَ مَنْ كَتَبَ عَنْ أَمثالِ العربِ القديمةِ ؟
ج / أَشْهَرُ مَنْ كَتَبَ عَنِ الأمثالِ العربيَّةِ وفيهَا :
1 – المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ، صاحِبُ كتابِ ” المفضَّلِيَّاتِ ” 0
2 – المَيدانِيُّ ، صاحبُ كِتابِ ” مجمعِ الأمثالِ ” 0
س هَلْ تُمَثِّلُ الأمثالُ العربيَّةُ شيئًا لَدَى العَرَبِيِّ القَدِيمِ ،وبخاصَّةٍ الجاهليُّ ؟ ج نَعَمُ، فقد قالَ جمعٌ من الرُّواةِ النُّقَّادِ :” أمثالُ العربِ مِرْآةٌ لِحَيَاتِهِمْ ”
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:19 PM
المحاضرة السَّابعةُ
” نموذجٌ تطبيقيٌّ من النَّثرِ الجاهليِّ ”
خطبةُ هانئٍ بنِ قُبيصَةَ
” في التَّحريض على القتالِ ”
أوَّلاً : نصُّ قبيصةَ النثريُّ في تحريضِ قومِهِ :
- يقولُ قبيصَةُ محرِّضًا قومَهُ على القتالِ :
” يَا مَعْشرَ بَكْرٍ : هَالِكٌ مَعْذورٌ ، خَيْــرٌ مِنْ نَاجٍ فَرُورٍ ، إِنَّ الحَذَرَ لا يُنْجِي مِنَ اَلْقََـــدَرِ ، وَإِنَّ الصَّبْرَ مِنْ أٍسْبَــابِ الظَّفَرِ ، المَنِيَّةُ ولا الدَّنِيَّةَ ، اِسْتِقْبَالُ المَــوْتِ خَيْرٌ مِنْ اِسْتِدْبارِهِ ،الطَّعْنُ في ثَغْرِِ النُّــــــحُورِ أَكْــــرَمُ مِنْهُ فِي الأعـجَازِ والظُّهُورِ ، يا آلَ بَكْرٍ : قَاتِلُوا فَمَا لِلْمَنَايَا بُدٌّ ” 0
ثانِيًا : معاني الكلماتِ :
- هالكٌ : تجمعُ على ” هلكَى ” و هُلاَّكِ ” ، وجــــــــاء في المثلِ : فلانٌ ” هالكٌ ” في الهَوَالِكِ : أَي أَلْقى حتفَهُ بنفسِهِ 0
- الفَرُورُ : كثيرُ الفِرَارِ 0 – الحَذَرُ : التَّحَرُّزُ 0 – الظَّفَرُ : الفوزُ على عَدُوِّهِ 0 – المَنِيَّةُ : المَوتُ 0 – الدَّنِيَّةُ : السَّقطَةُ الحقيرَةُ 0 – اِستدبارُ الشَّيءِ : ضدَ اِستقبالِهِ 0 – الثَّغْرُ : ما تَقَدَّمَ من الأسنانِ ، وهو أَيضًا مَوْضِعُ المَخافَةِ من فروجِ البلدانِ 0- النُّحورُ : مَوضِعُ القُلادةِ من الصَّدرِ ، وقيل : موضِعُ نَحْرِ الهديِ وغيرِهِ 0- الأعجازُ : مُفردُها ” عَجُزٌ ” وهو مُؤخَّرُ الشَّيْءِ ، يُذكَّرُ ويؤنَّثُ ، وهو للرَّجُلِ والمَرْأَةِ جميعًا 0 – المنايا : جمع منيَّة،وهو الموتُ 0 – البُدُّ : هو الفِراق أو العوضُ ، يقولون : لابُدَّ من كذا ، أي لا فراقَ منه وقيلَ لا عوض 0
ثالثًا : المضمون :
يتضمَّن هذا النَّصُّ القصيرُ تحريضًا على القتالِ وبثًّا للحَّمِيَّةِ الجاهليَّة الَّتي تدعو إلى المواجهةِ والإقدامِ ، وتنأى عن الهروبِ والفِرارِ ،ثمَّ يستخلصُ الخطيبُ هنا حكمةً رضيَّةً تؤكِّدُ كرمَ المواجهةِ وفضل الإقدام على الاستدارةِ بالظُّهورِ والأعجازِ ، واُختًتِمَ ذلك المضمونُ بأمرِ القتالِ ِ إذ هو حجرُ الزَّاوية وبيتُ القصيدِ ، ” فما للمنايا بُدُّ ” كما صرَّح هو بذلك 0 والخلاصةُ هنا أنَّ المضمون في جملتِهِ مناسب للتَّحريضِ 0
- رابعًا : الفكرةُ :
- رابعًا : الفكرةُ :
- تنبني فكرةُ ذلك النَّصِّ على الحرب أو القتالِ ، ومنذُ بدءِ النَّصِّ إلى نهايتِهِ نلحــــــــــــــظُ الخطيبَ مُتوجِّهًا إلى قومِه وعشيرتِهِ ، داعيًا بل آمرًا إِيَّاهم بالقتـــــــــــالِ والدِّفاعِ عن كرامتِهِم وعزَّتِهم سالِكًا في سبيل تحقيقِ هذه الفكرةِ عنصرَ التَّخييرِ بين الأمريْنِ ، أو بالأحرى التَّرغيب في المواجهةِ والإقدامِ، والتَّرهيبَ من الفرارِ والاستدبارِ 0 إِنَّها بالجملة : فكرةٌ قائمةٌ على جدليَّةٍ جاهليَّةٍ متناقضَةٍ 0
- خامسًا المعطياتُ الأدبيَّةُ ( الُّلُغويَّةُ والجماليَّةُ ) :
أ – الأسلوبُ : - يأخذُ الأسلوبُ هنا وجهتينِ :
- الوجهةُ الأولى : ( الأسلوبُ الخبريُّ ) :
لقدِ اِستخدمَ الخطيبُ الأسلوبَ الخبريَّ في أكثر من موضِعٍ، حيثُ نجدُهُ واردًا في صيغة ” هالكٌ معذورٌ خيرٌ من ناجٍ فَرُورٍ ”
و ” اِستقبالُ الموتِ خيرٌ من اِسْتِدْبارِهِ ” ، و ” الطَّعنُ في ثّغْرِ النُّحورِ أَكرَمُ منه في الأعجازِ والظُّهور ” 0
والحقُّ أنَّ جملةَ دلالات هذه الأساليب الخبريَّةِ تتوجَّهُ بالجملةِ إلى المُثابرةِ على القتالِ والا صطبارِ على مشاحناتهِ وعُقْباهُ 0
- الوجهةُ الثَّانيةُ : ( الأسلوبُ الإنشائِيُّ ) :
- لقد وظَّفَ الخطيبُ ” قبيصَةُ ” ذلكَ الأسلوبَ الإنشائيَّ توظيفًا فنِّيًّا جيِّدًا ؛ لأنَّه راحَ ينوِّعُهُ من جهةٍ ، كما أنَّه وزَّعه بوعيٍ ودِقَّةٍ من جهةٍ ثانيةِ ، ثُمَّ أخيرًا أبدعَ توظيفَه ومعالجَتَه من جهةٍ ثالثَةٍ 0 نلحظُ ذلك من بدءِ النَّصِّ إلى منتهاهُ على النَّحو الآتي :
- يَا مَعشرَ بَكْرٍ ـــــــ نداءٌ ـــــــــــ غايتُهُ : الحثُّ والمطالبَةُ 0
- إنَّ الحَذَر لا يُنجي من القَدَرِـــــ تأكيدٌ ونفيٌ ــــــ غايتهما : التَّقريرُ 0
- يَا آلَ بكْرٍ ـــــــــ نداءٌ ـــــــــــــ غايتُهُ : النَّجدةُ والإغاثَةُ 0
- قاتلوا ـــــــــــــ أمرٌ ــــــــــــــ غايتُهُ : الحضُّ و المطالبة 0
- فَمَا لِلْمَنَايَا بُدُّ ـــــــــ نفيٌ ـــــــــ غايتُهُ : التَّقريرُ والإثباتُ 0
- والخلاصةُ هنا : أنَّ هذا الأسلوبَ سواءٌ جاءَ خبريًّا أو إنشائيًّا ، فَإنَّهُ قد بدا جزلاً ومنسوجًا في ثوبٍ سجعيٍّ ليس غريبًا أو متخيَّلاً 0
ب - المُحَسِّنُ البديعيُّ :
1 – الطِّباق :
- نلحظُ ذلك الطِّباقَ فيما ياتي :
- المَنِيَّة: الدَّنيَّة ــــــــــ الطِّباقُ هنا بينَ التَّضحيةِ الكريمةِ والسَّقطةِ الَّلئيمةِ 0
- اِستقبال :اِستدبار ـــ الطباقُ هنا بين الإقدامِ والتَّراجُعِ 0
- الحذرُ : القَدَرُ ـــــــــــ الطِّباقُ هنا بين الحيطة والمُقَدَّرِ
2 – المقابلةُ :
- نلحظُ تلكَ المُقابلةَ في الصِّيغ الآتيةِ :
- هالكٌ معذورٌ : ناجٍ فَرُور ــــــــــ المقابلةُ ــــ هنا بين الموت المُكَرِّمِ المعذور والفرارِ المنجي المضرورِ 0
- والخلاصةُ : أنَّ الطِّباقَ والمُقابلةَ هنا يُبـــــرزانِ سياقَ الحـربِ من جهةٍ ،ويسطرانِ مفرداتِـــــــــــــــها من جهةٍ ثانيةٍ، ويعمِّقان دلالةَ التَّحريض الدَّاعيةَ إلى تلك الحربِ من جهة ثالثَةٍ
3 – الجناسُ :
- يتشكَّلُ الجناسُ هنا في الصِّيغِ الآتيةِ :
- الحَذَر :القدرُ ـــــــــ جناسٌ ناقصٌ ــ يحملُ نغمة موسيقيَّةً خفيفةً منتهيةً بصوتِ أو حرف الرَّاءِ التَّرَدُّدِيِّ المكرورِ ، كما يحملُ في الوقت نفسِهِ دلالةً المُفارقةً بينَ الحيطةِ والمُقدَّرِ لِلإنسانِ 0
- الصَّبر: الظَّفر ــــــــــ يحمل النَّغمةَ الموسيقيَّةَ السَّابقةَ ، كما يحملُ في الوقتِ نفسِهِ دلالةَ المطاوعةِ ؛ لأنَّ الصَّبر بطبيعةِ الحالِ يؤولُ إلى الظَّفرِ أو النَّصر 0
- المنيِّةُ : الدَّنيَّة ـــــــــــ يحملُ الجناسُ هنا نغمةً موسيقيَّة جهورة ومتراقصةً ، كما يحملُ في الوقتِ نفسهِ دلالة المفارقةِ بين الإقدام والهُروبِ 0
- النُّحور: الظُّهور ـــــ يحملُ الجناسُ هنا النغمةَ الموسيقيَّةَ المكرورة السَّابقةَ، كما يحملُ في الوقت نفسه رمزيَّةَ الحربِ بينّ المواجهةِ والفرار 0
4 – السجعُ :
- يغدو هذا السَّجعُ قريبًا من سجعِ الكُهَّانِ، نلحظُهُ على النَّحو الآتي
- ” هالكٌ معذور: ناجٍ فَرورِ ” 0
- ” إنَّ الحذرَ لا ينجي من القدَرِ :وإنَّ الصَّبرَ من أَسباب الظَّفر ” 0
- ” المنيَّةُ ولا الدَّنيَّةَ ” 0
- ” الطَّعنُ في ثغْرِ النُّحورِ : أكرمُ منه في الأعجازِ والصُّدورِ“ 0
- والخلاصة هنا : أنَّ هذه الأسجاعَ مُجتمعةً تشيرُ إلى شيئينِ مُهِمَّينِ ، الأوَّل: أنَّ هذه التَّركيباتِ الُّلُغويَّةَ المسجوعةَ تُعَدُّ اِمتدادًا طبيعيًّا لسجع الكُّهَّانِ الجاهليِّ 0 الآخر : أنَّ تلك الأسجاعَ تتناسبُ تمامًا وسياقاتِ المواجهة ، وعلى رأسِها سياقُ الحربِ 0
ج – المُشتقَّاتُ :
- وردت المشتقَّاتُ الُّلُغويَّةُ بشكلٍ لافتٍ للنَّظرِ ، نلحظها على النَّحو الآتي:
- 1 – اِسمُ الفاعلِ : ( هالك - ناجٍ ) ــــــ نلحظهما هنا رمزينِ مفارقينِ بينَ الهلاكِ والنَّجاةِ 0
2 – اسمُ المفعول : ( معذور ) جاءَ حاملاً الدِّلالةَ الإيجابيَّةَ للمواجهة
3 – صيغةُ المبالغَةِ : ( فَرور ) ــ جاءت هذه الَّلَفظةُ في سياقِ الفِرارِ ؛ لِتُدلَّلَ على المبالغةِ في طلبِ الحياةِ والهروب من المواجهةِ الجادَّةِ 0
4 – المصدرُ المتعدِّدُ : يبدو هذا المصدرُ في الدَّوالِّ الآتية :
( الحذر – القدر – الصَّبر – الظَّفر – اِستقبال – الموت – اِستدبار – الطَّعن ) ، لقد جاءَ المصدر هنا متنوَّعًا بين الثُّلاثيِّ والسَّداسيِّ 0و العجيبُ أنَّ المصدرَ الثُّلاثيَّ شملَ مقدِّماتِ الحربِ ولوازمها ومختتمها،أمَّا المصدرُ السُّداسيُّ فقد اِنطوى على لحظَتَينِ مفارقتينِ ( المواجهة والفرار )0 0
د – الجموع :
يَرِدُ الجمعُ هنا على النَّحوِ الآتي :
- ( أسبــــــــاب – النُّحور – الأعجاز – الظُّهور – المنايا ) 0 جـــاءت هذه الجموعُ حاملةً مفرداتِ الحـــــربِ بدءًا من الأسباب والدَّوافعِ ، ومرورًا بضـــــرب النُّحور والظُّهور والأعجازِ ، وانتهاءً بحدوثِ المنايا ، وشمول بل جموع الموتِ
ه – صوتُ الرَّاءِ وصوتُ المعركةِ :
إنَّ هذا الصَّوتُ الرَّائيَّ - بصورتِه اللافتةٍ للنَّظَرِ مع دلالته الصَّوتيَّة التَّردُّديَّةِ – يعادلُ سياقَ الحربِ في ثنايا هذا المقطعِ النَّثريِّ ، مِمَّا يعكس طبيعة هذه الوجهة الحربيَّة والتَّحريض على القتالِ ، نلحظه مُشِعًّا في الدَّوالِّ ” الألفاظِ ” الآتيةِ :
( معشر – بكر – معذور – خير – فرور – الحذر – القدر – الصَّبْر – الظَّفر – اِستدباره – ثغر – النُّحور – الظُّهور – ) ، الملاحظُ هنا أنَّ الدَّوالَّ السَّابقةَ تبرزُ صوتَ الرَّاءِ التَّردُّديَّ المكرورِ الجهور ، وبروزُهُ بل ترديده يردِّدُ هنا صوت المعركةِ الممتدِّ الجهور
- استنتاج :
نستنتج من هذا النَّصِّ النَّثريِّ جملةً من الأبعاد الآتيةِ :
1 – النَّصُّ في إطارِهِ العامِّ يعبِّرُ عن الأسلوبِ النَّثريِّ الجاهلي والسجعيّ منه بوجهٍ خاصٍّ 0
2 – النَّصُّ في قصره أو إيجازه يمثِّلُ قدرةَ العربيِّ الجاهليِّ على الإبلاغِ بأقلِّ الكلمات 0
3 – النَّصُّ في صورتِهِ الأدبيَّة الكلِّيَّةِ لايميلُ كثيرًٍا إلى اِستخدامِ الخيالِ الموهمِ ؛ لأنَّه يواقع بيئتَه الجاهليَّة 0
4 – النَّصُّ في مضمونِهِ العامِّ دعوةٌ للحربِ بما يكتنزه من معاني القتالِ والمواجهةِ 0
5 – النَّصُّ في لُغتِهِ يعبرُ عن معجم بل لغةِ الجاهليِّ المسجوعةِ أو قريبة السَّجع ؛ نتيجةً لمعاصرتها لجمعٍ من الكُهَّان السَّاجعين 0 َ
6 – النَّصُّ في حركيَّته الإيجابيَّةِ قد اِعتمدَ كثيرًا على الأسماءِ ، عدا فعلين، الأوَّل : مضارع منفيٌّ ( لا ينجي )والآخر : أمرٌ ( قاتلوا)0
7 – النَّصُّ في رمزيَّتهِ الأدبيَّةِ يبدأُ بنداءٍ عامٍّ ( يا معشرَ ) ، وينتهي بنداءٍ خاصٍّ ( يا آلَ بكر ) ، وهذا أمرٌ منطقيُّ ؛ لأنَّه لن يستمرَ معه في الحربِ ويذودَ عن مقدَّراتِهِ بل مقدِّراتهم سوى المقرَّبينَ منه ، وهم قومه ” بنو بكرٍ ”
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:20 PM
المحاضرة الثَّامنةُ
حَسَّانُ بنُ ثَابتٍ
” بينَ الواقع والأدبِ ”
س : مَنْ هُوَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” ؟
ج : هُوَ أَبو الوليدِ حسَّانُ بنُ ثابتٍ بنِ المنذرِ الأنصاريّ الخزرجيّ النَّجَّاريّ 0
س : أينَ يقف حسَّانُ بنُ ثابتٍ من سُلَّمِ الشِّعر ؟
ج : هو أَشعرُ شعراء النَّبيِّ والمسلمينَ آنذاكَ 0
س : ومَا الكُنيةُ الَّتي كُنِيَ بها في الإسلامِ ؟
ج : كُنِيَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” في إسلامِهِ بـــ ” أبي عبد الرَّحمنِ ” 0
س : ماذا عن بني النَّجَّارِ في السِّياق الإنسانيِّ والتَّاريخيِّ ؟
ج : بَنُو النَّجَّارِ هم أخوالُ النَّبيِّ الكريمِ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” ، لأَنَّ أُمَّ جَدِّهِ عبدِ المُطَّلِب منهم ، ؛ ولذلكَ كانَ لِحَسَّانَ صِلة قرابةٍ َ بالنَّبِيِّ ” صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ ” ، فوقَ صلةِ مدحِه لَهُ وذودِهِ عنهُ بشِعرِهِ 0
س : مَتَى وُلِدَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” وَأينَ ؟
ج : وُلِدَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” بالمدينةِ المُنَوَّرةِ قبلَ الهِجرةِ بنحوِ ستينَ عامًا ، ونشأَ بها، وأدركَ بعضَ وقائعِ قومِه ” الخزرجِ ” معَ ” الأوْسِ ” ؛ فكانَ شَاعِرَهُم 0
س : مَنْ شاعِرُ ” الأوْسِِ ” الَّذي كانَ يقارِعُهُ الشِّعرَ آنذاكَ ؟
ج : شاعِرُ ” الأوْسِِ ” الَّذي كانَ يقارِعُهُ الشِّعرَ آنذاكَ هو ” قيسُ بنُ الخطيم ” الأوْسِيِّ 0
س : مَا الَّذي كانَ بينَ ” حسَّانِ بنِ ثابتٍ ” و“ قيسِ بنِ الخطيم ” ؟
ج : كانت بينَ الشَّاعرينِ المذكورينِ ” حسانَ ” و “ قيسٍ ” مناقضةٌ وملاحاةٌ وَلَّدَتَا داخلَ ” حسَّانَ ” الفخرَ والحماسة قولاً لا فعلاً 0
س : ما الَّذي أقدمَ عليهِ ” حسَّان بن ثابتٍ ” بعدَ إحساسِهِ بالقُدرةِ على صوغ الشِّعرِ الجيِّدِ ؟
ج : لَمَّا أَحسَّ ” حسَّانُ ” بقدرتِهِ على صوغِ الشِّعرِ الجَيِّدِ ، ورأَى فحولَ الشُّعراءِ الجاهليِّينَ في زمانِهِ – كالنَّابغةِ والأعشَى والحُطيئةِ – يتكسَّبون بالشِّعرِ ويحترفونَ المَــــــدْحَ ، راحَ يَرُوضُ مدائحَهُ على ملوكِ العَرَبِ
س : إلى مَنْ وُجِّهَ مَدْحُ ” حسَّانِ بنِ ثابتٍ ” في جاهليَّتِه ؟
ج : لَقَدْ وَجَّهَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” مَدْحَهُ إلى ” آلِ جفنة ” ملوكِ ” غَسَّانَ ” بشَرقيِّ الشَّامِ ، وهم - كما تقول بعضُ الرِّواياتِ التَّاريخيَّةِ من الأزدِ أيضًا ، إذ كان يقصدُهُم بمدائحهِ عامًا ويقعدُ عنهم عامًا 0 وقيلَ : إنَّهم جعلوا له راتبًا سنويًّا يصلُ إليهِ ، وربَّما اِنتجعَ ” النُّعمانَ بنَ المنذرِ ” ، ملكَ الحيرة آنذاك فمدَحَهُ
س : مَنْ الَّذي حكمَ بينَ ” حَسَّانِ بنِ ثابتٍ ” و ” النَّابغةِ ” ؟
ج : الَّذي حكمَ بينَ الشَّاعِرَيْنِ هو ” جَبَلَةُ ” النَّاقدُ الرَّاوي ؛ وذلكَ حينما تلاقَيَا معًا ( حسَّان والنَّابغة ) عندَ ” جبلةَ ” هـــــذا ؛ فأنشدَهُ
” حسَّانُ ” لاميَّتَهُ المشهورةَ في حضورِ ” النَّابغةِ ” ، ففضَّلها ” جبلةُ ” على شعر ” النَّابغة ” 0
س : مَتى أسلَم ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” ؟
ج : أسلمَ ” حسَّانُ ” حينما هاجرَ الرَّســــولُ الكريمُ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ” إلى المدينة ، ومن حينِها لم يعدَم من لسَـــانِهِ نُصرةُ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” ، إذ لم يستطِعْ نصرتَه بسيفِهِ 0
س : مَنْ هم شعراء قريشٍ الَّذينَ هجوا النَّبيَّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” في جاهليَّتِهِم ؟
ج : شُعراءُ قريشٍ الَّذينَ هجوا النَّبيَّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” قبل إسلامِهِم هم : عبدُاللهِ بنُ الزِّبَعْرَى ، وأبو سفيان بنُ الحارثِ بنِ عبد المُطَّلِب ، وعمرو بنُ العاصِ 0
س : من هم شُعراءُ الأنصارِ الَّذين اِستنصرهم النَّبيُّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” لِلرَّدِّ على شعراءِ قريشٍ الهاجينَ ؟
ج : شُعراءُ الأنصارِ الذَّائِدُونَ عنِ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” هم : عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ ، وكعبُ بنُ مالكٍ ، وحسَّانُ بنُ ثابتٍ ، والأخيرُ أشعرُهُم 0
س : ما ردُّ ” حسَّانَ ” حينما خاطبهُ الرَّسُولُ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ” في هجاءِ قريشٍ ، كيفَ تهجوهم وأنا منهم ؟
ج : قالَ الرَّسولُ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” حينما أقدَمَ ” حسَّانُ ” على هجاءِ شعراءِ قريشٍ : كيفَ تهجوهم وأنا منهم ؟ فقالَ حسَّانُ : أَسِلُّكَ منهم كما تُسَلُّ الشَّعرةُ من العجينِ، فردَّ النبيُّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” : اِيت أبا بكرٍ فهو أعلمُ بالقومِ 0
س : ما هِيَ الخدمةُ الَّتي قدَّمها أبو بكرٍ الصِّدِّيق لحسَّان بنِ ثابتٍ حينما أقدمَ على هجاء شعراءِ قريشٍ ؟
ج : تمثَّلتِ الخدمةُ هنا في أنَّه أطلَعَهُ سيِّدُنا أبو بكرِ الصِّدِّيقُ على مخازيهم ، وما يُتَّهمونَ بِهِ في نسبهِم ؛ فهجاهم أوجعَ هجاء عليهمٍ في جاهليَّتِم ولم يمسّ رسولَ اللهِ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” من هجاءِ حسَّانٍ لهم شيءٌ 0
س : كيف عاشَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” شَطرَ حياتِهِ الأخيرَ ؟
ج : بقيَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” شطرَ حياتِهِ في الإسلامِ يعيشُ زمنَ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” وينالُ من عطاياهُ المعنوية والماديَّة على حدٍّ سواء
س : ما أبرزُ ما قدَّمه النَّبيُّ ” صلَّى اللهُ عليهَ وسلَّمَ ” لِحسَّان ؟
ج :أبرزُ ما قدَّمه النَّبيُّ ” صلَّى اللهُ عليهَ وسلَّمَ ” لِحسَّان هو أنَّه وهبَ له ” سيرينَ ” أختَ ” مارية ” القبطيَّةِ أم إبراهيمَ ولدِ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ” وهما معًا من الهدايا الَّتي أهداها المقَوقَسُ للنَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ” ؛ فأولدها ” حسَّانُ ” اِبنَهَ ” عبد الرَّحمن ” الَّذي كُنِيَ به 0
س: ما اِسمُ البناءِ الَّذي كان يقيمُ فيه ”حسَّان بن ثابتِ” في المدينةِ ؟
ج : كان لـ ” حسَّانِ بن ثابتٍ ” أُطُمٌ ( أي بناءٌ عالٍ ) يسكُنُهُ بالمدينةِ يُسمَّى ” فارعًا ” 0
س : ما مِقدارُ ما كان يفرضُه له الخلفاءُ الرَّاشِدونَ من العطاءِ بعدَ وفاةِ النَّبِيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” ؟
ج : كان يفرضُ الخلفاءُ الرَّاشدونَ ” لِحسَّانَ ” ما كان يُفْرَضُ لِكبارِ
الصَّحابةِ المقيمينَ في المدينةِ 0
س : ” يقولون : لقدْ عُمِّرَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” طويلاً ، كم كان عمرُهُ ، ومتى تُوفِّيَ ؟
ح : عُمِّرَ ” حسَّانُ ينُ ثابتٍ ” عمرًا طويلاً حتَّى كُفَّ بَصَرُه في حياتِهِ ، وعاشَ قرابةَ مائةً وعشرينَ عامًا وماتَ سنـ 64ــــة في زمنِ ” معاوية بنِ أبي سفيلنَ ” 0
س : هلْ كان لِـ ” حسَّانٍِ بنِ ثابتٍ ” أصولٌ شعريَّةٌ ؟
ج : نعم ، كانَ آلُ ” حسَّانِ بنِ ثابتٍ ” من أعرقِ بيوتِ العربِ في صوغِ الشِّعرِ، فكانَ أبوهُ وجَدُّهُ شاعرينِ،وكانَ ابنُهُ ” عبد الرَّحمن ” وحفيدُهُ ” سعيدُ بنُ عبدِ الرحمن ” شاعرينِ ، وكان ” حسَّانُ ” أشعرَ أهلِ بيتِهِ
س : ما الَّذي فُضِّلَ بِه ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” على سائرِ الشُّعراء ؟
ج : فُضِّلَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” على سائرِ الشُّعراء بثلاثِ خصالٍ هي :
1 – كان شاعرَ الأنصارِ في الجاهليَّةِ 0
2 – كان شاعرَ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” إبَّانَ عهدِ النُبوَّة 0
3 – كانَ شاعرَ اليمنِ كُلِّها في الإسلامِ 0
س : ما الَّذي أجمعتْ عليهِ العربُ تجاهَ ” حسَّانِ بنِ ثابتٍ ” ؟
ج : أجمعتِ العربُ على أنَّ ” حسَّانَ بنَ ثابتٍ ” أَشعرُ أهلِ المَدَرِ ، وهم أهلُ المدينةِ ومَكَّةِ والطَّائفِ وأهلِ قرى البَحرينِ من عبد قيسٍ 0
س : بِمَ وُصِفَ شِعرُهُ في الجاهليَّةِ ، مَثِّلْ ( مَثِّلِي ) لما تقول ؟
ج : كانَ أجزَل شعرِهِ وأقواهُ وأحصفَه ما قالهُ في شبيبتِهِ وكهولتِه في الجاهليَّةِ 0 مثالُ ذلك :
أ - ما ناقضَ به ” قيسَ بنَ الخطيمِ ” في وقائعِ الأوسِ والخزرَجَ 0
ب – ما مدحَ به ” آلَ جفنةَ ” و ” آلَ النُعمانِ بنِ المنذرِ ” 0
س : كم كانَ عمرُ ” حسَّانَ ” حينما أسلَمَ ، وهلْ أَثَّرَ ذلك في شِعرِهِ ؟
ج : لَمَّا أسلمَ ” حسَّانُ بنُ ثابتٍ ” كانَ قد مضى سِتُّونَ عامًا ( نصفُ عمرِهِ ) ، لَكنَّها لم تُطْفِئ من شُعلةِ شعرهِ شيئًا 0
س : هل دعا الرَّسولُ لِـ ” حسَّانَ ” وما الَّذي دعاه لَهُ وبهِ ؟
ج : نعم ، حيثُ وجدَ فيه الرَّسولُ الكريمُ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ”
بقيَّةً من النِّكايةِ بأعدائِهِ ، أبقاها فيهِ اِنطباعه على الهجاءِ منذ شَبِّهِ ، وقد دعا النَّبيُّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” اللهَ أن يؤيِّـــــــــــــدُ فيه ( أي في حسَّانَ ) البقيَّةَ الباقيةَ بـ ” روحِ القُدسِ ” 0
س : ما حكمةُ دعاءِ الرَّسولِ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ” بتأييدِ اللهِ له ؟
ج : حكمةُ دعاءِ الرَّسولِ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ” بتأييدِ اللهِ له في الهجاءِ - وهو سبابُ - أنَّ الهجاءَ كانَ عندَ العربِ من أقوى الأسبابِ الَّتي تكسْر شوكةِ عدُوّهم وتدخل الغمِّ والذُّلِّ على نُفوسهم ، فهي سلاحٌ من أقوى الأسلحةِ في توهينِ العدوِّ ودحضِهِ وكف أذاه
س : ما الَّذي كان يقولهُ الرَّسولُ “ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ” إذا سمع هجاءَ ” حسَّانَ ” لإعدائِهِ ؟
ج : كانَ الرَّسول ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” إذا سَمِعَ هجاءَ ” حسَّانِ ” في أعدائِهِ يقول : ” لَهَذَا أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ ” 0
س : هلْ بقِيَ شِعرُ ” حَسَّانَ ” قَوِيًّا حصيفًا بعدَ دُخولهِ الإسلامَ ؟
ج : يرى بعضُ العارفينَ من النُّقَّادِ المنصفينَ أنَّ شعرَهُ في الإسلامِ كانَ لا يزالُ كعهدِهِ في غلواءِ شبابِِهِ ، حصيفًا رصينًا في بعضِ المَواقفِ ، منها :
1 - هِجاؤُهُ المشركينَ ،
2 – عندَ هياجهِ بمعارضَةِ شعرِ المشركين من قريشٍ وغيرِها 0
3 – في فخرِهِ وحماسَتِهِ 0
س : ما الَّذي يراهُ العارفون في لينِ شعرِ ” حسَّانَ “ وضعفه مَثِّلْ
( مَثِّلي) بالشَّاهِدِ الدَّالِّ على ذلكَ ؟
ج : يرى هؤلاءِ العارفونَ أنَّ كثيرًا مِمَّا وُجِدَ من شعرِهِ ليِّنًا ضعيفًا لم تكن نسبتُهُ إليهِ صحيحةً ، وإنَّما هو مِمَّا وضعَهُ المُتَكَثِّرونَ من الشِّعرِ من رواةِ المغازي والسِّيرِ 0
- مثالُ ذلكَ :
قالَ الأصمعِيُّ مَرَّةً : ” حَسَّانُ ” أحدُ فحولِ الشُّعراءِ ، فقالَ أبو حاتِمٍ : تأتي لَهُ أشعارٌ لَيِّنَةٌ ، فقالَ الأصمَعِيُّ : تنسبُ لَهُ أشياءُ لا تصِحُّ عَنْهُ 0
س : مَا اسبابُ لِينِ شعرِ ” حسَّانَ ” في الإسلامِ ؟
ج : يمكنُ تعليلُ ذلك لأسبابٍ عِدَّةٍ ، منها :
1 – أنَّ سببَ لينه فيما يتعلَّقُ بعقائدِ الإسلامِ اِنبهارُهُ بما قالَهُ القرآنُ الكريمُ ، ونطقَ بِهِ أبلغُ العربِ بل الإنسانيَّةِ جمعاءَ ، ذلكَ النَّبيُّ الكريم ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” من خطبِهِ ومواعظِهِ وأحاديثِهِ في هذه الأغراضِ 0
2 – أنَّ الأصمعيَّ يعلِّلُ لِينَ شعرِ ” حسَّانَ ” في غيرِ الهِجاءِ ، وقُوَّتُهُ في الهجاءِ بأنَّ الشِّعرَ نَكِدٌ يَقْوَى فِي الشَّرِّ ، ويضعُفُ في الخيرِ ،وهو تعليق مقبولٌ في جملتِه إن لم يشبْه علائقُ الخير والشَّرِّ 0
3 – أنَّ لِينََ شعر ” حسَّانَ ” الإسلاميِّ علَّلَهُ ” حسَّانُ ” نفسُهُ ، فيما رُوِيَ عَنْهُ ، فقد قيلَ لَهُ : لاَنَ شِعرُكَ أو هرِِمَ في الإسلامِ يا أبا الحُسامِ ، فأجابَ قائلاً : إنَّ الإسلامَ يحجِزُ عنِ الكَذِبِ ، والشِّعرُ يُزَيِّنُهُ الكَذِبُ 0
4 – أنَّ كثيرًا من شعرِ“ حسانَ ” الإسلاميِّ قالَه بعدَما بلَغَت منهُ
السِّنُّ، والشِّعرُ صورةٌ من صورِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ،يشيخُ إذا شاختْ 0
5 – أنَّ كثيرًا من شعرِ ” حسَّانَ ” الإسلاميِّ قالَه اِرتجالاً عندَ وقوعِ الحوادثِ الدَّاعيةِ إليْهِ 0
س : اِستعرضْ (اِستعرِضِي ) في إيجازٍ أغراضَ ” حسَّانَ ” الشِّعريَّةَ ؟
ج : قالَ ” حسَّانُ ” الشِّعرَ في أكثرِ أغراضِهِ ، وأبرزُهَا : الهجاءُ ،والمدحُ ، والفخرُ ، والحكمةُ 0
س : ماذا عن مدحِ ” حسَّانَ ” الشِّعريِّ في الإسلامِ ؟
ج : إِنَّ مدحَهُ الشِّعريَّ في الإسلامِ قَلَّما أتي فيه بقصائدَ مُطوَّلَةٍ مُستقِلَّةٍ بالمدحِ وحدَهُ ، على غرارِ ما صنعَ ” كعبُ بنُ زهيرٍ ” في لامِيَّتِهِ المشهورةِ ، وإنَّما يأتي بمدحِهِ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” متَّصِلاً بهجائِهِ أَعداءَهُ من قريشٍ ؛ فيعيِّرُ المَهْجُوَّ بمعاداتِهِ النَّبيِّ الَّذي أتى بكذا وكذا وكذا ، وصفته كذا وكذا وكذا
س : ماذا عن هجاء ” حسَّانَ ” في الجاهليَّةِ والإسلامِ ؟
ج : أوَّلاً : هجاؤُهُ في الجاهليِّةِ :
- إنَّ هجاءَ ” حسَّان ” في الجاهلِيَّةِ عبارةٌ عن مناقَضَةٍ لـ ” قيسِ بنِ الخطيمِ ” ، ولم يكنِ الذَّمُّ فيها بينَ الشَّاعرينِ متناولاً معايبَـــــــهما الشَّخصيَّةَ،بل معايبَ القبيلتَيْنِِ ( الأوسِ والخزرَجِ ) حقًّا وباطلاً 0 - ثانيًا : هِجاؤُهُ في الإسلامِ :
لم يكن هجاءُ ” حسَّانَ ” آنذاكَ متناولاً قريشًا كلَّها ، بل المشركينَ منها بعامَّةٍ ، وأشدَّهم على الرَّسولِ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” بخاصَّةٍ ، من مثلِ : أبي جهلٍ ، وأبي لَهَبٍ ، وأبي سُفيانَ ، وهم من أقرَبِ قريشٍ نسبًا إليْهِ ، فكانَ هِجاؤُهُ لإحدهِم ليسَ بالطَّعنِ في أصلِ نسبِهِ وذمِّ عشيرتِهِ ، بل في نفي نسبِهِ عن نسبِهِم وأنَّهُ دَعِيٌّ فيهم أو
لصِيقٌ بهم،ثُمَّ يستعرضُ صفاتِهم الْخَلْقِيَّةَ و الْخُلُقِيَّةَ؛ فيصفهم بالُّلؤْمِ
وقطعِ الأرحامِ وخفَّةِ الحِلْمِ والجهلِ والبُخلِ والجبنِ والهُروبِ 0
س : ماذا عن فخرِ ” حسَّانَ ” الشِّعريِّ ؟
ج : فخرُ ” حسَّانَ ” كثيرٌ ، إذ نجدُهُ تارةً يذكرُ مآثِرَ قومِهِ ” الأنصارِ ” إذا دخلَ في هجاءِ قريشٍ أو ثقيفٍ ، أو هُذَيلٍ ؛ فيذكُرُ تنكيلَهم بقريشٍ في وقعة ” بدرٍ ” ، وتارةً أخرى يذكُرُ مآثِرَ الخزرجِ أو رهطِهِ ” بني النَّجَّارِ ” ؛ وذلك إذا لاحى ” قيسَ بنَ الخطيمِ ” شاعــــــــر الأوس في الجاهليَّةِ 0
س : ماذا عن فخرِهِ بنفسِهِ وذاتِهِ ؟
ج : إذا فخرَ ” حسَّانُ ” بنفسِهِ فَخَرَ بفصاحَةِ لسانِهِ وسيرورةِ شعرِهِ ، وإذا غلى مِرْجَلَ حماسَتِهِ نسيَ نفسَهُ ؛ فَادَّعى شجاعَتَهُ وإقدامَهُ 0
س : وماذا عن حكمتِهِ الشِّعريَّةِ وضربِهِ المثلَ ؟
ج : أمَّا عن حكمتِهِ وضربهِ المثلَ ؛ فذلك كان غريزةً فيهَ منذُ الجاهليَّةِ ، وزادَهُما الإسلامُ رونقًا وصوابًا ، وقلَّما تخلو قصيدةٌ من قصائدِهِ من حكمةٍ أو مثَلٍ أو موعظةٍ حسنَةٍ 0
س : وماذا عن نسيبِ ” حسَّانَ ” وغزلِه ؟
ج : كانَ له نسيبٌ وغزلٌ ، ولم يكن هذا أو ذاكَ ناشئًاِ من عشقٍ أو غرامٍ ، بل من محاكاتِهِ للشُّعراءِ في تقديمِهِم النسيبَ علي أغراضِهم،وكانَ يهتفُ في نسيبِهِ باِسمِ ” عَمْرَةَ ” واِسمِ ” شعْثَاءَ ” وكلتاهما زوجٌ له فيما يروى ، ويقالُ : إنَّهُ طلَّقَ الأولى 0
س : وماذا عن رثاءِ ” حسَّانَ ” ؟
ج : لحسَّانَ رثاءٌ قويٌّ يشجو القلبَ ويذرف العَبَراتِ ، فمنه القصائدُ المطوَّلَةُ الَّتي رثى بها النَّبيَّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” ـــــــــ
وقصائدُ متوسِّطةٌ ، وأخرى قصيرةٌ ، رثى بها بعضَ الخُلفاء ونفرًا من الصَّحابةِ الكرامِ 0
كالقمر وحيدة
2010- 5- 14, 05:22 PM
هل مادة المحتوى مانزل الا لما هنا
أول ماينزل الباقي أبشرو بنزله لكم
دعواتكم لي بالتوفيق
أختكم : كالقمر وحيدة
أبو نوت
2010- 5- 14, 06:47 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
كــتــكؤؤؤتــه
2010- 5- 14, 07:38 PM
وحيــــــــــــده
حبي
مشكوووره يا قلبي ع المجهوود ربي يوفقج دنيا وآخره
هاوووي الجنون
2010- 5- 14, 10:37 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ...
وموفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
كالقمر وحيدة
2010- 5- 17, 04:49 PM
المُحَاضَرَةُ التَّاسِعَةُ
حسَّانُ بنُ ثَابتٍ
وَالنَّصُّ الشِّعْرِيُّ الذَّائِدُ
أَوَّلاً : النََّصُّ الشِّعريُّ
- يقولُ حسانُ بن ثابتٍ مفتخرًا ومُهدِّدًا :
1 – تَظَلُّ جِيَـــــــادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ تُلَطِّمُــــــــهُنَّ بِالْخُمْرِ النِّسَاءُ
2 – فَإمَّا تُعْرِضُوا عَنَّا اِعْتَمَرْنَا وَكَانَ الفَتْحُ وَاِنْكَشَفَ الْغِـطَاءُ
3 – وَإِلاَّ فَاصْبِرُوا لِجِـــلاَدِ يَوْمٍ يُعِزُّ اللهُ فِيــــهِ مَنْ يَشَـــــــاءُ
4 – أَلاَ أَبْلِـــــغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي فَأَنْتَ مُجَـــوَّفٌ نَخْبٌ هَـــــوَاءُ
5 – بِأَنَّ سُيُوفَــــنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا وَعَبْـــدُ الدَّارِ سَادَتْـــهَا الإِمَاءُ
6 – هَجَوْتَ مُحمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعِنْــدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَـــــزَاءُ
7 – أَتَهْجُــوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِــــــــــدَاءُ
8 – فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِـي لَعِرْضُ مُحَمَّدٍ مِنْــكُمْ وَقــــــاءُ
9 – لِِسَانِي صَارِمٌ لاَ عيبَ فِيـهِ وَبَحْـــري لاَ تُكَـــــــدِّرُهُ الدِّلاَءُ
- ثانيًا : معاني الكلمات :
- جيادنا : خيولنا 0 – متمطِّرات : مسرعات 0 – تلطِّمُهنَّ : تضربنَ على الوجوهِ بأثوابهنَّ 0 – الخُمُرُ : بضمِّ الخاءِ والميم : جمع خِمار ، وهو ما تغطِّي به المرأةُ رأسَهَا 0 – تُعرضوا : تبعدوا 0 – اِعتمرنا : أدينا العُمرةَ 0 – الفتحُ : فتحُ مكَّةَ والظَّفرُ بالأعداءِ 0 – الغطاءُ : المستورُ 0 – الجِلادُ : التَّضاربُ بالسُّيوفِ 0 – المجوَّفُ : الجبانُ الَّذي لا قلب لَهُ ، وكأنَّه خالي الجوفِ من القلبِ ، وهواء : مثلُهُ 0 – هجوتَ : الهجاءُ ضدُّ المدحِ ، ومعناهُ : السَّبُّ والقذفُ 0 – النَّخبُ : يقالُ : جاءَ في نخبِ أصحابِهِ أي ← في خيارهم 0 – الإماءُ : جمعُ أمَةٍ ، والأمَة : ضدّ الحُرَّةَ ـــــ،( أي :العبدةُ ) 0 – الوقاءُ : الحفظُُ 0 – عبدُ الدَّارِ : بطنٌ من بطونِ قريشٍ 0 بحري : شعري 0
الصَّارمُ : السَّيف القاطعُ 0 تكدِّرهُ : تعكِّرهُ ، والكدرُ أو التَّكَدُّرُ : ضدّ الصَّفو 0 – الدِّلاءُ : جمعُ دلوٍ ، وهي الأوعيةُ الَّتي يُستَقى بها الماءُ ، وهي جمع كثرةٍ ، أمَّا جمع القلَّةِ منها فهو : ” أَدْلُ ”
ثالثًا : فكرةُ النَّصِّ :
تقوم فكرةُ هذا النَّصِّ الشِّعريِّ على معركةٍ حاميـــــــــــةِ الوَغَى بين المسلمين وكُفَّارِ قريشٍ ، واِنتصار المسلمينَ بقيادةِ النَّبيِّ ( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمّ )، وقد مهَّدَ الشَّاعرُ لهذه الفكرةِ ، من بدءِ القصيدةِ بإطلالةٍ جاهليَّةٍ ، حيثُ الوقوفُ على الأطلالِ ، أوعلى الأقلِّ تشكيل صورة الطَّلل الجاهلي ” دِيَارِ بَنِي اَلْحَسْحَاسِِ ” ، الَّتي تُعفِّيــــها الرَّوامسُ ( الرِّيَاحُ ) واِنتهاءً بعمليَّةِ الفتحِ ( فتحِ مكَّة) ، واِفتــــداء الشِّاعر بوالدِهِ وجَدِّهِ وعرضه ، بل وعرضهم جميعًا لِعرضِ محمَّدٍ ( صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) 0
- رابعًا : المضمون :
يتشكَّلُ المضمونُ الرَّئيسُ من معركة ، بل رحلةِ المسلمين لفتح مكَّةَ والدِّفاع عن دينهم ونبيِّهم ( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ) ، يتخلَّلُ هذا المضمون الرئيس جملةٌ من المضامين الفرعيَّة المُجتزئةِ منها على سبيل المثالِ : دفاع نساء المشركين وكفَّار قريشٍ وهروب رجالهم وفرسانهم من ساحة المعركةِ ، وإعراض المشركين حتَّى يتمَّ الفتحُ وينكشفَ المستورُ ، والرسالة الهاجية لأولئك الكفَّار وعلى رأسهم ” أبو سفيان ” 0 تلك الرِّسالة الَّتي تردُّ بقوَّةٍ وقسوةٍ على هجاء الأخير للنَّبيِّ الكريم ( صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) ، وأخيرًا رسالة الشَّاعرِ العائليَّة المُفَدِّيَة للنبيِّ بكلِّ شيء،من أبيه وجدِّه ونفسه
- خامسًا : الأبعادُ الُّلُغويَّةُ والفنِّيَّةُ والجماليَّةُ :
1 – الألفاظُ :
يبدو للنَّاظرِ من الوهلةِ الأولى إلى هذا النَّصِّ أنَّهُ لا يلحظُ غرابةً في ألفاظِهِ ،إذ إِنَّ مُعجمَ الشَّاعرِ الُّلغويَّ يحملُ ألفاظًا دالَّة مُيسَّرةً ،تتـــــــــوازى تمامًا مع السِّياقِ الاجتماعيِّ ” الإسلاميِّ ” الجديد المُستنيرِ ، لأنَّنا إذا نظرنا إلى تلك المفرداتِ الَّلَفظيَّةِ نظرةً متأنيةً، نجدُها لا تُستَغلقُ على القارئِ أو المُتلقِّي ، إذ نلحظُها تتناسبُ ولغَةَ القُرآنِ ، بل جاءَ بعضُها لابسًا ثوبَ بعضِ الآياتِ القُرآنيَّةِ المجيدة،مثل قوله هنا : ” يُعِزُّ اللهُ فِيهَا مَنْ يَشَاءُ ” و ” وشَرُّكُمَا لخيرِكُمَا الفِداءُ ” 0
2 – المعاني :
يشيرُ بعضُ النُّقَّادِ إلى أنَّ المعاني في هذا النَّصِّ الشِّعريِّ جاءت قويَّةً أو بالأحرى فيها شيءٌ من القُوَّةِ، وإِنِ اِبتعدت عنِ التَّعَمَُقِ أو الإيحاءِ المعنويِّ ، ففيها جانبٌ معنويٌّ من معاني الحربِ ، حيثُ نلحظُ الجيادَ المُتمطِّرات والنِّساء المختمرات المُتلطِّمات ، وفيها جانبٌ ثانٍٍ من معاني الفتحِ والنَّصرِ ، حيث الاعتمارُ والفتحُ وكشف المستورِ ، وفيها جانبٌ ثالثٌ من معاني الهجاءِ ، لأبي سُفيانَ تحديدًا ، حيثُ يصفُه بالجبن والخوفِ والهُروبِ ، وفيها جانبٌ معنويٌّ رابعٌ من معاني الدِّفاعِ ، حيثً الذَّودُ عن النبيِّ بالمال والنَّفسِ والعرضِ ، بل بلسانٍ شِعريٍّ قاطعٍ بتَّارٍ
3 – الأسلوبُ :
يبدو الأسلوبُ في هذا النَّصِّ الشِّعريِّ قويًّا ، وبخاصَّةٍ في وصفِ الأطلالِ وتصويرِ الخيلِ ، ثُمَّ يَأْخذُ في الِّلِينِ بعضَ الشّيءِ ؛ وذلك حينما يتَّجهُ الشَّاعرُ إلى الحديثِ عن الاعتمار والاصطبار والجلاد والفتح واِنكشاف الغطاءِ والمستور، والشَّرّ والخير والافتداء 0 على أنَّ بعضَ غير المنصفينَ من النُّقَّادِ والمُستشرقينَ صيَّروا ذلك الِّلِينَ الُّلُغويَّ ” الأسلوبيَّ ” ضعفًا أو هبوطًا أسلوبيًّا 0 وذلك لغطٌ كبيرٌ ؛ لأنَّ الحياةَ في صدر الإسلامِ قد لانت لِينًا ملحوظًا جملةً وتفصيلاً ، وكانَ لزامًا أن يُلازمها في ذلك الِّلِينِ أسلوبُها الُّلُغويُّ ، وإلاَّ لن يكونَ هناكَ توافقٌ بينهما أو حراكٌ 0
4 – الموسيقى الشِّعريَّةُ :
إنَّ هذا النَّصَّ الشِّعريَّ من النُّصوصِ المشهودة والمشهورةِ ، فقد مُثِّلَ بِهِ في كثيرٍ من السِّياقاتِ والمناهجِ الدِّراسيَّةِ الجامعيّةِ وغيرها ، مِمَّا أَكسبَهُ ذيوعًا وشُهرةً قويَّينِ – إِنَّ هذا النَّصَّ الشِّعريَّ يستقي تفعيلَتَهُ من بحرِ ” الوافرِ ” الشِّعرِيِّ ( مُفَاعَلَتُنْ - مُفَاعَلَتُنْ - ” مُفَاعَلْ ” أو فَعُولُنْ )، وهذا البحرُ من أيسرِ البحور الشِّعريَّةِ تذوُّقًا ، وأقربها إلى النَّفسِ اِلتصاقًا ، يأتي ذلك من دلالةِ مُسَمَّاهُ ” الوافر ” ، حيثُ تتوفَّرُ فيه النَّغمةُ الموسيقِيَّةُ المتراقصةُ ، وهو بنغمتِهِ تلكَ يتناسب وسياقَ القصيدةِ الَّذي جاءَ بحركيَّةِ الحربِ بين المسلمينَ والكُفَّار ، واِنتصار المسلمينَ في خاتمةِ الأمرِ وفتحهم لِمكَّةَ 0
تابعُ الموسيقى الشِّعريَّةِ : ( القافيةُ ) :
أَمَّا عن القافيةِ – قافية ذلك النَّصِّ – ، أو بالأحــــــرَى رويِّها ، فقد جاءَ ذلك الرَّوِيُّ بالهمزةِ المضمومةِ،وهو بهذه الحركة ” الضَّمَّةِ ” يزيدُ من حركيَّةِ وثراء البعد الموسيقيِّ المُختتم للبيت الشِّعريِّ من جهةٍ ، إذِ الضَّمُّ يمتدُّ بالنَّغمةِ الموسيقيَّةِ مسافةً زمنيَّةً أطــــــــــول ، ومساحةً مكانيَّةً أرحب ، كما يزيـــدُ من القوَّة بل الثَّراءِ الدِّلاليِّ ” المعنويِّ ” من جهةٍ أخرى ، لأنَّهُ بحركَتِهِ تلك ” الضَّمَّةِ ” يضمُّ مَكَّةَ وأهلَهَا إلى السِّياقِ الإسلاميِّ بفضلِ هذا الرَّويِّ المَضمومِ
5 – الصُّورةُ الشِّعريَّةُ البيانيَّةُ :
أ – الصُّورةُ التَّشبيهيَّةُ :
- التَّشبيهُ الأوَّلُ : يجيءُ هذا التَّشبيهُ مُمَثَّلاً في ” التَّشبيهِ البليغِ ” ، إذ ورد في البيت الرَّابعِ على النَّحوِ الآتي : ” فأنتَ مُجَوَّفٌ نَخْبٌ هَوَاءُ ” ، فجعل الشَّاعرُ المُشَبَّهَ ” أَبا سُفْيانَ ” مَرَّةً واحدةً ، وكَرَّرّ بل عَدَّدَ المُشبَّهَ بِهِ ” مُجَوَّفٌ نَخْبٌ هَوَاءُ ” ، بما يعني أنَّهُ شبَّهَهُ بالوعاءِ الفارغِ الَّذي لا يمتلئُ سوى بالهواءِ ، كما أنَّهُ لا قلبَ لَهُ في جوفِهِ ، وتكرارُ المُشبَّهِ بِهِ هنا يزيدُ من حركيَّةِ الدِّلالَةِ السَّلبيَّةِ ” لِأبي سُفْيَانَ ” المتعدَّدة الَّذي تطاولَ بها في هجائِهِ لسيِّدِنَا محمَّدٍ ” صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ” 0
- التَّشبيهُ الثَّاني :
يجيءُ هذا التَّشبيهُ بليغًا أيضًا عبرَ البيتِ الثَّامنِ ، نتمثَّلُه في قولِ الشَّاعرِ ” وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وَقَاءُ ” ، حيث شبَّهَ عِرضَهُ هنا بالوَقاءِ الَّذي يذودُ بِهِ عَنِ النَّبيِّ ” صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ”،وهذا الوقاءُ – وإنْ لم يَكُنْ حاملاً رمزًا ماديًّا – يحملُ شيئًا أبعدَ أَثرًا ، وأقوى حمايةً ، يتمثَّلُ في العِرْضِ النَّقيِّ ، والسَّريرةِ السَّمْحاءِ ، والدَّينِ القَيِّمِ 0
- التَّشبيهُ الثَّالثُ :
يَرِدُ التَّشبيهُ البليغُ للمرَّةِ الثالثةِ في ذلك النَّصِّ عبرَ البيتِ التَّاسعِ والأخيرِ ، حيث يقولُ الشَّاعرُ : ” لِساني صارمٌ لاَ عَيْبَ فيهِ ” ، إذ شبَّهَ الشَّاعرُ هنا لِسانَهُ الشِّعريَّ ” تجاوُزًا ” بالسَّيفِ القاطعِ البتَّارِ ، وهذا التَّشبيهُ يُبينُ بل يُعَمِّقُ من دلالةِ المُشبَّهِ بِهِ ؛ لأنَّهُ يجعلهُ هنا ” صارِمًا ” والصَّرامة هذه وفي سياقٍ كهذا تتوافقُ تمامًا معَ سِبَابِ ” أبي سُفانَ ” الَّلاذِعِ من جِهَةٍ ، وهجاءِ ” حسَّانَ ” القاتلِ ” لِأبي سُفيانَ ” من جِهَةٍ أخرى
ب – الصُّورةُ الاستعارِيَّةُ :
وَرَدَتْ الصّورةُ الاستعاريَّةُ هنا بشكلٍ لافتٍ للنَّظَرِ ، نلحظُها على النَّحو الآتي :
- الصُّورةُ الأولى : ” تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمْرِ النِّساءُ ” ، تبـــــــــدو هذه الصِّيغةُ ” صورةً اِستعارِيَّةً تصريحيَّةً ” ، حيثُ شَبَّهَ الشَّاعــــــــرُ الأَكُفَّ بالخُمْرِ ( في سياقِ الَّلَطمِ ) وَحَذَفَ المُشَبَّهَ ” الأَكُفَّ ” وجــــــــــــاءَ بالمُشَبَّهِ بِهِ
- ” الخُمر“، صَرَاحَةً ؛ لِيُدَلِّلَ على هـــــــــــولِ الواقِعَةِ الَّتي لم يملكْ معَها المُشركونَ سوى الهُروب والاختباء في الدُّورِ ودفـــــاع النِّساء عنهم وردّهنَّ للخيـــــــول بالخُمر ( أغطية الرُّؤُوس والأجساد ) 0 فهروبُ المُشركينَ من جهةٍ ، ودفاع نسائهم عنهم من جهةٍ أخرى يكشفانِ بل يُجَلِّيانِ دلالِيًّا قُوَّةَ المسلمينَ ” المُؤمنينَ ” يومَ فتحِ مكَّةَ العظيم 0
- الصُّورةُ الاستعاريَّةُ الثَّانيةُ :
تتمَثَّلُ تلكَ الصُّورة في قول الشِّاعر : ” وَبَحْرِي لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ ” ، تغدو تلك الصِّيغةُ هي الأخرى ” صورةً اِستعاريَّةً تصريحيَّةً ” ، حيث شبَّه الشَّاعرُ شِعرَهُ أو نظْمَهُ أو حتَّى منزلِتَهُ الأدبيَّةَ بالبحرِ وحذفَ المُشَبَّهَ ” الشِّعر أو النَّظم أو المنزلة الأدبيَّة ” ، وجاءَ بالمُشَبَّهِ بِهِ صراحةً ” البَحْر ” ؛ لِيُدَلَّلَ على عمقِ شعرهِ وغورِهِ وسَعتِهِ وقُوَّتِهِ إذا ما عاودَ ” أبو سُفيانَ ” الكَرَّةَ في الإقدامِ على هجاءِ النَّبِيِّ ( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) وسبَّه 0
- الصُّورةُ الاستعاريَّةُ الثَّالثَةُ :
ترِدُ هذه الصُّورةُ في صيغةِ ” وبحري لا تُكدِّرُهُ الدِّلاَءُ ” أيضًا ،حيثُ شَبَّهَ الشِّاعرُ هنا أشعارَ ” أبي سُفيانَ ” الهاجيةَ للنَّبيِّ ( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) بالدِّلاَءِ الَّتي تُلْقى في البحرِ العظيمِ ، وحــــــــذفَ المُشَبَّهَ ” الأشعار الهاجية ” وصَرَّحَ بالمُشبَّهِ بِهِ ” الدِّلاءِ ” ، وذِكْرُهُ للمُشَبَّهِ بِهِ هنا إنما يُدلِّلُ على حقيقةٍ دلاليَّةٍ قويَّـــــــــــةٍ ، مُفادُها أنَّ بحرَ ” حسَّان بن ثابتٍ ” الشِّعريَّ الغائرَ العميقَ لا تُعَـــــكِّرُ صفْوَهُ دِلاءُ ” أبي سفيانَ ” هذه ، الهاجيةُ أو أيَّةُ دِلاءٍ أخــــــرى ، مَهما تعالت صيحاتُها ، وهاجت فورتُها 0
ج – الصُّورةُ الكِنائيَّةُ :
تَرِدُ الصُّورةُ الكِنائيَّةُ هنا على النَّحو الآتي :
1 – ” تَظلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ” ـــــ كنايةٌ عنِ التَّعجُّلِ في طلبِ الِّلقاءِ 0
2 – ” تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمْرِ النِّساءُ ”ـ كنايةٌ عنِ اِختباءِ الرِّجالِ ومواجهة النِّساءِ0
3 – ” وَكَانَ الفَتْحُ وَاِنْكَشَفَ الغِطَاءُ ” ــ كنايةٌ عن الفوزِ والغلبةِ والانتصار0 4 – ” وَعَبْدُ الدَّارِ سادَتْهَا الإِمَاءُ ” ـ كنايةٌ عنِ المذلَّة الَّتي تَحصَّلت لِعبدِ الدَّارِ، من جرَّاءِ غزوةِ بدرٍ من قَبْلُ، وفتح مكَّةَ الآنَ،وسيادة الإماءِ لهم 0
5 – ” لِساني صارمٌ لا عيبَ فيهِ ” ــ كنايةٌ عن قُوَّة شِعرِهِ وصرامَتِهِ وحدَّتِهِ فضلاً عن سلامَتِهِ وصِحَّتِهِ ونَقائِهِ 0
6 – المُحَسِّنُ البديعيُّ :
- نلحظُ المحسِّنَ البديعيَّ واردًا في هذا النَّصِّ على النحوِ الآتي :
أ – الطِّباقُ :
نلحظُ ذلك الطِّباقَ واردًا في صيغةِ ” فَشَرُّكُمَا 000 لِخَيْرِكُمَا ” ، وقد تبدو تلك الصِّيغةُ معبِّرةً عن سياقِ الدُّعاءِ ، إذ يُعْنَى بِهمَا معًا أنْ يذهبَ الشَّرُّ منهما فِداءً للخير منهما ، وهذا يُقصَدُ بهِ مُجابهَةُ الخيرِ للشَّرِّ الَّذي اِستشرى من ” أبي سُفيانَ ” وغيرِه من المُشركينَ وكُفَّار قريشٍ 0
ب – الجناس التَّامُّ :
نلحظُ الجناسَ هنا واردًا في الصِّيغِ الآتيةِ :
- ” عبدًا : عبد الدَّارِ ” ــــ جعل الشَّاعرُ الَّلَفظةَ الأولى دلالةً على المذَلَّةِ والخزي والعارِ ، وصَيَّرَ الثَّانيةَ إلى عبد الدَّار ” كبطن من بطونِ قريشٍ ” اِمتدادًا ، بل تأكيدًا للمذلَّةِ الَّتي تلقَّاها ” أَبو سفيانَ ” في غزوة بدرٍ من قبلُ وستلقاها عبدُ الدَّارِ هنا في فتحِ مكَّة . إنَّ الشَّاعرَ هنا يمتدُّ بلفظةِ ” عَبْدٍ ” لِتأكيدِ قُوَّةِ المسلمينَ وضعفِ الكُفَّارِ من قريشٍ وغيرِها 0
ج – الجِناسُ النَّاقصُ :
يَأتي الجناسُ النَّاقصُ تاليًا للجناسِ التَّامِّ ، حيثُ نلحظُهُ في الصِّيغِ الآتيةِ :
” هجوتَ : أتَهْجُوهُ ” ، و ” عرضي : لِعرضِ ” ، الحقُّ أنَّ هذينِ الجناسِيْنِِ النَّاقِصَيْنِِ يبعثانِ جَرْسًا موسيقيًّا متناغمًا في سياقِ الدِّفاعِ عنِ النَّبيِّ ” صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ ” ومُهاجمةِ أعدائِه من كُفَّار قريشٍ وغيرهِم ، كما يُرْسلانِ في الوقت نفسِهِ رافدًا دلاليًّا في الهُجومِ والذَّودِ معًا،أو بالأحرى في الهِجاء والوقايةِ منه بكلِّ لوازم الشَّاعر الإنسانيَّة والماديَّة 0
7– الخبر والإنشاء :
جاءَ هذا النَّصُّ حاملاً نمطي الأسلوبِ الأدبيِّ ( الخبريَّ والإنشائيَّ ) ، أمَّا عنِ الأسلوبِ الخبريِّ ؛ فإنَّنا نلحظُهُ في البيتِ الأوَّلِ ” تظّلُّ جِيَادُنَا مُتمَطِّرَاتٍ ” ، و “ تُلطِّمُهُنَّ بِالْخُمْرِ النِّسَاءُ ” ، و الشَّطر الثَّاني من البيتِ الثَّاني ” وَكَانَ الفَتْحُ واِنْكَشَف الغِطَاءُ ” ، والشَّطر الثَّاني من البيتِ الرَّابعِ ” فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخْبٌ هَوَاءُ ” ، والشَّطرِ الثَّاني من البيتِ الخامِسِ ” وعبدُ الدَّار سادتها الإماءُ ” ، والبيتِ السَّادسِ ” هجوتَ مُحَمَّدًا ” ، والبيتِ الأخيرِ ” لِسَانِي صَارِمٌ 00 وَبَحْرِي لا تُكدِّرُهُ الدَّلاَءُ ” 0 إِنَّ جملةَ هذه الصِّيغِ الإخباريَّةِ تخبرُ عن حالِ المعركةِ بينَ المسلمينَ والكُفَّار من جهةٍ ، وصراع ” أبي سفيانَ ” - شعريًّا – مع حَسَّانِ بنِ ثابتٍ من جِهةٍ أخرى 0
وبينَ الجِهتينِ تتواردُ مُقوَّماتُ المعركــــــة بدءًا من اِستعداد ” الجياد ” وتمطُّرِها ، مرورًا بالهِجاءِ ، واِنتهاءً بالإخبــــارِ عن لِسانِهِ وبحرهِ القَويَّيْنِ . ِ
- الأسلوبُ الإنشائيُّ :
- نلحظُ هذا الأسلوبَ الإنشائيَّ على النَّحوِ الآتي :
1 – ” فَإمَّا تُعْرِضُوا عَنَّا اِعْتمَرْنَا ”، تجيءُ صِيغةُ ” فَإمَّا ” مُركَّبةً من ” إِنَّ ” الشَّرطيَّةِ و“ ما ” الزَّائدَةِ ، لأنَّها اِحتاجت إلى جملتينِ كما هو واضحٌ ، وهنا يشترط الاعتمارَ دون المُعارضة ، أي المباعدة 0
2 – ” وإِلاَّ فَاصْبِرُوا لِجِلادِ يَومٍ ” يبدو هذا الأسلوب مُركَّبًا من الشَّرطِ والاستثناِءِ،لأنَّ الجملةَ هنا مكوَّنةٌ من ” إِنِ ” الشرطيَّة ، و“ لا ” النَّافية ، وهنا يقدِّم الشَّاعر فعلاً مشروطًا إِذا لم يعترض كُفَّارُ قريشٍ طريقَ المسلمين 0
3– ” أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنَّا ” تعدُّ ” أَلاَ ” هنا حرف تنبيـــــهٍ للهاجي
” أبي سُفيانَ ”،وقد ناسبت سِّياقَ المُراسلةِ هنا بينَ الشَّاعرِ والأخير ، لأنَّها تدعوهُ للانتباه إلى من يهجوهُ 0
4 – ” لِساني صارمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ” ـ الجزءُ الأوَّل من تلك الصِّيغةِ أُسلوبٌ خبريٌّ ( مبتدأٌ وخبرٌ ) ، أمَّا الجزءُ الأخيرُ ( لا عَيبَ فِيهِ ) فيعدُّ أسلوبًا إنشائيًّا لأنَّهُ يعتمدُ النَّفيَ والنَّفيَ الإيجابيَّ منه بشكلٍ خاصٍّ،إذ يبعد عن شعرَه وذاتَه أيِّةَ سلبيَّةٍ أوعيب يشينُهُما0 ِ
5 – ” وَبَحْرِي لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاءُ ” ــ ما قيلَ في النُّقطةِ السَّابقةِ يقالُ هنا أيضًا ، - وَإنْ تفاوتت المواضعُ – حيـــث اُستُهِلَّت بمبتدأٍ،ثُمَّ جاء الخبرُ في الفعلِ المُضارعِ المنفيِّ ”لا تُكدِّرُهُ ” 0 وهنا كذلك ينفي عن بحــرِهِ الذَّاتيِّ أو الشِّعريِّ أَيَّ مكدِّرٍ آخرَ ، حتَّى وإنْ كانَ شعر “ أبي سفيانَ ” الهاجيَ
- خلاصةٌ واِستنتاجٌ :
1 – يشيرُ ذلك النَّصُّ كُليَّةً – بعيدًا عن المقطع المجتزئِ – إلى حضورِ الحياتينِ الجاهليَّةِ والإسلاميَّةِ في طيَّاتِهِ ، حيثُ نجد المُؤشِّراتِ ، بل الرُّموزَ الجاهليَّةَ في صدرِ القصيدةِ ، وإن تغلَّبت الحياةُ أو السِّياقُ الإسلاميُّ في خاتمةِ الأمر 0
2 – يغدو النَّصُّ سجلاً تاريخيًّا مُهِمًّا ، حيث نلحظُهُ يقدِّمُ جملةً من المواقفِ والأحداثِ بين المسلمينَ والكُفَّارِ ، منها على سبيلِ المثالِ : ملاطمةُ النِّساء للخيلِ بخمورِهِنَّ ،وهجاء ” أبي سفيانَ “ ، ومذلَّة المُشركين في موقعةِ بدرٍ ، وأخيرًا فتح مكَّةَ وانتصار المسلمين على الكفَّار في خاتمةِ الأمر 0
3 – يشكِّلُ النَّصُّ في لُغتِهِ وأسلوبِهِ صورةً لِيِّنةً من لينِ الإسلامِ ورحمتِه 0
4 – جاءَ النَّصُّ على بَحْرِ ” الوافرِ ” المُتراقصِ ؛ ليبينَ عن حركيَّةِ المعركة أو المواجهةِ المتعدِّدةِ المتنوِّعة 0
5 – يعكسُ هذا النَّصُّ الشِّعريُّ صورةَ الحربِ قديمًا ،سواءٌ بالصُّورةِ البيانِيَّةِ المتَعدِّدةِ أو الصُّورةِ الُّلُغويَّةِ الواقِعيَّةِ الملموسةِ 0
6 – لم يكثر حسَّانُ بنُ ثابتٍ من المُحسِّناتِ البديعيَّةِ ( الَّلَفظيَّةِ أو حتَّى المعنويَّةِ ) ؛ لأنَّه كان مشغولاً بوصف وتصويرِ الموقفِ الحربيِّ ، دون الحاجةِ إلى تكلُّفِ الُّلُغةِ وزخرفَتِها 0
7 – معاني النَّصِّ بل جملةُ مضامينِهِ جاءت متناسقةً تمامًا مع السِّياقِ الاجتماعيِّ ، بل والدِّينيِّ كذلك
8 – ينطوي ذلك النَّصُّ على الأسلوبينِ ( الخبريِّ والإنشائيِّ ) ، جاء الأوَّلُ مُخبرًا – بصدقٍ وأمانةٍ – عن الأحداث وكاشفًا إِيَّاها ، ثُمَّ تبعه الثّاني مؤكِّدًا لها ومعمِّقًا أثرها 0
9 – يميلُ النَّصُّ إلى اِقتباس بعض معاني الآيات القُرآنيَّةِ وصورها0
10 – كَشَفَ النَّصُّ عن تعدُّدِ أسلحةِ المسلمين في معارِكِهِم مع الكفَّار والمشركين ، سواء تجلَّى ذلك في السِّلاح المادي( السَّيف والرُّمح ) أو المعنويِّ ( الِّلِسان والشِّعرِ )0
كالقمر وحيدة
2010- 5- 17, 05:13 PM
المحاضرةُ العاشرةُ
” جرير والنَّصُ الشِّعريُّ الأمويُّ ”
س : مَنْ هو جريرٌ ؟
ج : جريرٌ : هو أبو حزرةَ جريرُ بن عَطيَّةَ بنِ الخطفَيِّ 0
س : ومَا الخطفيُّ هذا ؟
ج : هذا لقبٌ غَلَبَ على جَدِّهِ ” حذيفةَ ” ، ويعنَى بِهِ أو بها السَّير السَّريع 0
س : هل لُوحِظَ هذا الَّلقبُ في شعرِ جريرٍ ؟
ج : نعم ، لوحِظَ وجودُ هذا الَّلَفظِ في بعضِ أشعارِ جريرٍ مِمَّا يُؤَكِّدُ هذا الَّلَقبَ لِجَدِّهِ ” حُذيفةَ ” 0
س : إِلى أَيَّةِ بَطْنٍ أَو قبيلةٍ ينسبُ الشَّاعرُ جريرٌ ؟
ج : ينسبُ الشَّاعِرُ جريرٌ إِلى ” كُليبٍ ” ، وكليبٌ هذه حَيٌّ من يربوعٍ من بني تميمٍ
س : وأين كانت تنزلُ قبيلتُهُ أو قومُهُ ؟
ج : نزلَ قومُهُ قريةَ ” حَجْرٍ ” من قرى اليمامةِ بالجنوبِ الشَّرقيِّ من نجدٍ ، وهي المُسَمَّاةُ الآن بـ ” الرِّياض ” 0
س : ما الكُنيةُ الَّتي كُنِي بهَا جريرٌ ؟
ج : يُكْنى جريرٌ بـ ” أبي حَزْرَةَ ”( وهو ابنُهُ البِكرُ )،وابن المَراغةِ 0
س : وما المرَاغةُ هذه ؟!
ج : المراغةُ هذه من الأسماءِ القبيحة للأتانِ ، وهي كذلك لقبٌ نُبِزَت به أمُّهُ من أحد الشُّعراءِ الَّذينَ هاجوه،لأنَّ كُليبًا كانت رُعاةَ غنمٍ وحمير0
س : متى وأينَ وُلِدَ الشَّاعرُ ” جريرٌ ” ؟
ج : وُلِدَ ” جريرٌ” باليمامةِ في خلافةِ ” عثمانَ بنِ عَفَّانَ ” رضي اللهُ عنه0
س : كيفَ كانت نَشأةُ ” جريرٍ ” ؟
ج : نشأَ الشَّاعرُ ” جريرٌ ” بينَ عشيرتِهِ ” بني الخطفيِّ ” نشأةَ البدويِّ الفقيرِ، وكان يرعى على أبيه غنيماتٍ له من الضَّأْنِ والمَعزِيِّ 0
س : هل كانَ لقبيلَتِهِ أو أهلِهِ علاقةٌ بالإبداعِ الشِّعريِّ ؟
ج : كانَ أهلُ بيتهِ ” بنو الخطفيِّ ” على فقرهم يغلبُ عليهم الشِّعرُ ، ويتهاجونَ مع شعراءِ قومِهِم 0
س :هل تعرَّضَ ” جريرٌ ” لبعضِ شُعراءِ قومِهِ، وما موقفُ قومِهِ إِزاءَهُ ؟
ج : لقد ظهرَ في قوم ” جريرٍ ” شاعرٌ يُسَمَّى ” غسَّانَ السَّليطيَّ ” ، فرآهُ
” جريرٌ ” يهجو قومَهُ ، والنَّاس مُجتمعونَ عليهِ ، فَحَمِيَ ونطقَ بالشِّعرِ رجزًا هجاهُ بِهِ أفحَشَ هِجَاءٍ ، فطربَ لَهُ قومُهُ واِعتَزُّوا بِهِ 0
س : هل اِمتدَّ الهجاءُ بينَ ” جريرٍ ” واِبنِ عمومتِهِ ” غسَّانَ السَّليطي ” ؟
ج : نعم اِمتدَّ الهجاءُ بينَهُما ، ، بل تمادى ، وأصبحَ جريرٌ قويًّا عليهِ ، فأعانَ ” غسَّانَ ” شاعرٌ من بني مُجاشعٍ التَّميميِّ ، يُدْعى ” البَعِيثُ ” ، ومُجاشِعٌ هذا جَدُّ ” الفرزدق التَّميمِيِّ ” وسيِّدُ قبيلَتِهِ 0
س : وكيفَ كانَ ” الفرزدقُ ” في ذلك الحينِ ولماذا لم يشارِكْهُم الهِجاءَ ؟
ج : كانَ ” الفرزدقُ ” في ذلك الحينِ قد اُشتُهِرَ بالشِّعرِ وبَزَّ فيه الفُحُولَ ، ولم يشاركْ في ذلك الهجاءِ ؛ لأنَّهُ كانَ تائِبًا عن الهِجاءِ ،وقد قيَّدَ نفسَهُ بقيدٍ من حديد ليحافظ على دراسةِ القرآنِ وحفظِهِ 0
س : هل ظَلَّ ” الفرزدقُ ” على توبَتِهِ تلك وقيدِهِ هذا ؟
لقد آلى الفرزدقُ ألاَّ يبرحَ منزِلَه حتَّى يحفظَ القُرآن ؛فجاءته نساءُ مُجاشعٍ يَلُمْنَهُ على عُزلتِهِ وتركِه جريرًا ينهَشُ في أعراضِهِنَّ ؛ فحميَ لَهنَّ وقصَّ القيدَ ، وهجا جريرًا ، فَاحتدم بينهما الهِجَاءُ وسقط البَعيثُ
س : هل توقَّفَ ” جريرٌ ” عن هجائِهِ الفرزدقَ والأخطلَ ؟
ج : بقي جريرٌ يهاجي الفرزدقَ والأخطل حتَّى ماتَ الأخيرُ ( الأخطلُ ) ، وكان أكبرَهم سِنًّا 0وطالَ عمرُ الفرزدقِ وجريرٍ ؛ فغبرا طُولَ حياتِهما يتهاجيانِ حتَّى ماتَ الفرزدقُ سِنـ 110هـ ـــةَ،وماتَ بعدَهُ جريرٌ بستَّةِ أشهرٍ وكان ذلك باليمامةِ 0
س : كيف كانت أخلاقُ جريرٍ ؟
ج : لقد جمع جريرٌ في أخلاقِهِ بينَ النَّقيضينٍِ ، إذ تجيءُ أخلاقُهُ على النَّحوِ الآتي :
- أَوَّلاً : نشأَ في الباديةِ ، وشبَّ مُتخَلِّقًا بأخلاقِ أهلِها من الانتصافِ لإنفُسِهِم بِأيديهِم ، إن لم يستطيعوا فبألسنتِهِم ؛ فخرجَ مفطورًا على المبالغةِ بالسِّبابِ والمُهاجَاةِ 0
- ثانيًا : كانَ مع ميلِهِ للشَّرِّ شديدَ الفرقِ من أعوانِ السُّلطانِ 0
- ثالثًا : كانَ بخيلاً شحيحًا على غيرِ أهلِهِ وولَدِهِ ، ورُبَّما جرَّ عليه بخلُهُ
مهاجاةَ بعضِ الشُّعراءِ لَهُ 0
- رابِعًا : كانَ مُوجِعَ الهجاءِ ، كثيرَ الافتراءِ على الأبرياءِ ، لا يبالي بقذفِ المُحصناتِ العفيفاتِ 0
- خامسًا : كان على تلك الصِّفاتِ دَيِّنًا ، كثيرَ الصَّلاةِ والدُّعاءِ والتسبيحِ ، عفيفًا ، كثيرَ الاستغفارِ من قذفِه المُحصناتِ ، شديدَ الاعترافِ ، بل الاعتذارِ لَهُنَّ 0
س : ماذا لو عرَّضَ شاعرٌ بقومِهِ وذويهِ ؟
ج : الحقيقةُ تشيرُ إلى أنَّ جريرًا كانَ يَصُبُّ سوطَ هجائِهِ على مَنْ يُعَرِّضُ بِهِ أو بقومِهِ في حديثٍ أو شعرٍ ؛ فكانَ مُسرِفًا في العَدَاوةِ والانتقامِ والحقد إلى أَمدٍ بعيدٍ 0
س : اِستعرِضْ ( اِستعرِضي ) طبيعةَ شاعِرِيَّة ” جريرٍ ” ؟
ج : كانَ جريرٌ يقولُ الشِّعرَ عن سليقةٍ فيَّاضَةٍ ، وطبعٍ دفَّاقٍ ، يواتيهِ متى يشاءُ ، ويُصَرِّفُهُ كيفَ شاءَ ، فلا تكلُّفٌ ، ولا حشوٌ ، ولا تعقيدٌ ، ولا اِضطرابٌ ، ولا قَلَقٌ في قافيةٍ 0
س : أَبِنْ ( أَبينِي ) الفارقَ بينَهُ وبينَ الفرزْدَقِ ؟
ج : كانَ جريرٌ بسببِ اِتِّساقِ قوافيهِ واِئْتِلافِ ألفاظِهِ ومعانيهِ كمَنْ يقفُ على ساحلٍ أو بحرٍ يغترِفُ من نميرِهِ ، ويَصُبُّهُ في قوالب أرجازِهِ وقَصيدِهِ ؛ فيخرجُهُ مُتشَكِّلاً بما تغتبطُ بِهِ نَفسُهُ ، ويعجبُ بِهِ غيرُهُ 0 - أَمَّا الفرزدَقُ : فلمْ يكُنْ كذلِكَ ، إذْ يغدو كَزًّا في لَفظِهِ ، مُتَعَمِّقًا في معانيهِ ، يتعمَّدُ الفخامةَِ والمُعاظلةَ ( أي مُداخلة الألفاظِ بعضها في بعضٍ ) رغبةً في الإدهاشِ والتَّعجيزِ 0
س : قَدِّمْ ( قَدِّمِي ) خلاصةَ ذلك الفارق بينَ الشَّاعرينِ ؟
ج : كانَ مِن نتيجَةِ هذه المفارقةِ بينَهُما أنْ أُعْجِبَ عامَّةُ النَّاسِ بشعرِ جريرٍ ؛ فسارَ على ألسنتِهِم ، أَمَّا الفرزدقُ فقد بقي شعرُهُ لا يدورُ إلاَّ على ألسنَةِ العلماءِ والخاصَّةِ ، وهم بالطَّبعِ قليلٌ عديدهم في كلِّ زمانٍ وأَيِّ مكانٍ 0
س : مَا أَرَقُّ وَأَطْبَعُ شعرِ ” جريرٍ ” ؟
ج : قِيلَ : إِنَّ أَرَقَّ شعرِ ” جريرٍ ” وأطبَعَهُ ما كَانَ في تشبيبٍ أو عتابٍ 0
س : هلْ قالَ ” جريرٌ ” الشِّعرَ في كُلِّ الأغراضِ ؟
ج : لقد قالَ ” جريرٌ ” الشِّعرَ في كثيرٍ من أغراضِهِ وفنونِهِ ، غيرَ أنَّ أغلبَ ما تناولَ شعرُهُ : النَّسيبَ والهجاءَ والفخرَ والمدحَ ، ويتخلَّلُ جملةَ هذه الأغراضِ الوَصفُ بأشكالِهِ المُختلِفَةِ والمتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدَةِ
س : بِمَ اِمتازَ نسيبُ ” جريرٌ ” ؟
ج : اِمتازَ نسيبُ ” جريرٍ ” برقَّتِهِ ، وخفَّةِ وقْعِهِ في السَّمعِ ، وقوَّةِ حركتِهِ في النَّفسِ 0
س : ما طبيعَةُ هذا النَّسيبِ ؟
ج : كانَ ” جريرٌ ” لا يخرجُ عن مذهبِ النَّسيبِ عند شعراءِ الجاهليَّة والمخضرمينَ ، ولا ينحرفُ عن جادَّةِ طريقِهِم في التَّصَوُّنِ والتَّجَمُّلِ بما لم يخرجْ بِهِ عن وصفِ شعراءِ الباديةِ أزواجَهُمْ بقسامَةِ الوجْهِ، وملاحَةِ القَدِّ ، وطيبِ الحديثِ والرَّائحَةِ ، وأثرِ فِراقِ الأحِبَّةِ في أنفُسِهِم 0
س : وكيف جاءت لغةُ هذا النَّسيبِ الشِّعريِّ ومعناهُ ؟
ج : جاءَ نسيبُ ” جريرٍ ” الشِّعريُّ في لفظٍ جَزِلٍ ، ومعنىً شريفٍ ، وفحولةٍ في العبارةِ 0
س : وماذا عن غزلِ ” جريرٍ ” الشِّعريِّ ؟
ج : جاءَ غزلُ ” جريرٍ ” قريبًا من نسيبِهِ ، فلم يكن يتأنَّثُ في غزلِهِ ؛ فيحاكي النِّساءَ في أحاديثِهِنَّ وحواراتِهِنَّ وتدلُّلِهِنَّ ، وقصِّ القصص عنهنَّ ، على نحو ما كانَ يفعلُ الأحوصُ ، وعُمَرُ بنُ أبي ربيعةَ ، وأشباهُهُما من شعراء المُترفينَ ، أو يتهافتُ فيهِ تهافُتَ قيانِ الحجازِ وخلعاء الموالي والمغنِّينَ 0
س : هل صدرَ نسيبُ ” جريرٍ ” عن عِشْقٍ وهيامٍ ؟
ج : إِنَّ نسيبَ ” جريرٍ ” – كما تُشيرُ الرِّواياتُ الأدبيَّةُ – لم يَصْدُرْ عن عِشقٍ وهيامٍ، كما صدرَ عنِ الشُّعراءُ العُشَّاقِ ، ولو عَشِقَ مثلَهم لَكانَ إِمَامَ مَذهَبِهِم 0
س : اِستعْرِضْ ( اِستَعرِضي ) مقولَةَ ” جريرٍ ” عن عشْقِهِ ؟
ج : يقولُ ” جريرٌ ” عن نفسِهِ : ” مَا عَشِقْتُ قَطُّ ، وَلَوْ عَشِقْتُ لَنَسِبْتُ نَسِيبًا تسمَعُهُ العَجُوزُ فتبكي على شبابِهَا ”
س : اِستعْرِضْ ( اِستَعرِضي ) أَبرزَ الأشعارِ الَّتي رَقَّ نسيبُهُ فيها ؟
ج : جاءت بعضُ المقطوعاتِ الشِّعريَّةِ لتبينَ عن رِقَّة نسيبِهِ ، منها :
- إِنَّ العُيُونَ الَّتي في طَرْفِهَا حَوَرٌ قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِِينَ قَتْلاَنَا
- بعضُ معاني الكلماتِ :
- طَرْفُها : جمعُها أطراف ، وهي العيونُ 0 الحَوَرُ : شِدَّةُ بياضِ بياض العينِ ، وشِدَّةُ سوادِ سوادِهَا 0
- الصُّورةُ الشِّعريَّةُ :
- تتمَثَّلُ تلك الصُّورةُ الشِّعريَّةُ في قولِ جريرٍ ” قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيين قَتْلاَنَا ” فتلكَ صورةٌ اِستعاريَّةٌ ” مكنيَّةٌ ” حيثُ شبَّهَ ” جريرٌ ” العيونَ الَّتي في طَرْفِهَا حَوَرٌ بإِنسان قاتلٍ ، وحذف المُشَبَّهَ بِهِ ، وجاءَ بإحدَى لوازِمِه وهي القتلُ،ثُمَّ اِمتدَّ بتلكَ الصُّورةِ لينسبَ لها كذلك عدمَ إِحيائِها للقتلى 0
- وقولُهُ :
- وَدِّعْ أُمَامَــــــــةَ حَانَ مِنْكَ رَحِيلُ إِنَّ الوَدَاعَ لِمَنْ تُحٍـــبُ قَلِيلُ
- وقولُهُ :
- إِنَّ الَّذينَ غَـــــدَوْا بِلُبِّكَ غَــادَرُوا وَشَلاً بِعَيْنِكَ لاَ يَـــزَالُ مَعِينَا
- غَيَّضْنَ مِنْ عَبَرَاتِهِنَّ وَقُلْنَ لِي : مَاذَا لَقِيتَ مِنَ الْهَوَى وَلَقِينَا
- بعضُ معاني الكلماتِ :
- غَدَوا : اِنْطَلَقُوا مُصبِحينَ 0 - الُّلُبُّ : جمع ألبابٍ ، خالِصُ كُلِّ شيءِ ، والمُرادُ بِهِ هنا العقلُ 0 الوَشَلُ : جمعُ أوشالٍ ، وهو القليلُ من الدَّمعِ 0 المَعينُ : جمع مُعُناتٍ ومُعُنٍ ، وهو الماءُ الجاري 0 غيَّضْنَ : أَي حبسْنَ الدُّموعَ 0 العَبَرَاتُ : مفردُهَا : عَبْرَةٌ ، وهي الدَّمعة الجاريةُ 0
- الصُّورةُ الشِّعريَّة :
- الصُّورةُ الأولى : ” غَادَرُوا 000 وَشَلاً ” ــــــ تلكَ صورةٌ اِستعاريَّةٌ
” تَصريحيَّةٌ ” ، حيثُ شبَّهَ المكانَ أو حتَّى الإنسانَ الَّذي يُهجَرُ أو يُغََادَرُِ
بالْوَشَلِ ، وحذف المُشَبَّهَ ، وجاءَ بالمُشبَّهِ بِهِ صراحةً “ الوَشَل ” وهو الدَّمعُ القليلُ 0
- الصُّورةُ الثَّانيةُ : ” لا يزالُ مَعينًا ” ــــــــــ تلك صورةٌ اِستعاريَّةٌ
” تصريحيَّةٌ ” أخرى ، حيثُ شبَّهَ ” جريرٌ ” الوَشَلَ بعينِ الماءِ أو المَعينِ ، وذكرَ المشبَّهَ بِهِ صراحةً وهو ” المَعينُ ” 0
- الصُّورةُ الثَّالثةُ : ” غيَّضْنَ مِنْ عَبَرَاتِهِنَّ ” ــــــــ تلكَ صورةٌ اِستعاريَّةٌ
” مكنيَّةٌ ” ، حيثُ شبَّهَ العَبَرَاتِ بالماءِ المُتَرَقْرِقِ ، وحذفَ المُشَبَّهَ بِهِ وجاءَ بإحدى لوازِمِهِ وهي ” الغيضُ ”
س : ماذا عن هجاءِ ” جريرٍ ” ؟
ج : قالَ جريرٌ الشِّعرَ في غَرَضِ ” الهجاءِ ” اِنتقامًا مِمَّنْ ظلَمَهُ أو هجاهُ ، إذ لم يبدأْ بِهِ أحدًا ،ولَكِنَّهُ كان إذا اِشتبكَ معَ أَحَدٍ فيه لا يترُكُهُ إِلاَّ مُغَلَّبًا ساقطًا 0
س : مَنِ مِنَ الشُّعراءِ يُسْتَثْنَى من هذا المَوقفِ ؟
ج : يُسْتَثْنَى من هذا الموقفِ الهِجائيِّ ابنُ قبيلَتِهِ الشَّاعـــــــــــرُ التَّميميُّ
” الفرزدقُ ” ؛ فَإِنَّ الهِجاءَ اِستمرَ بينَهُما أكثرَ من نِصفِ قرنٍ من الزَّمان ولم يكفِهما عنه إِلاَّ المَوتُ 0
س : وماذا عن أكثرِ هجائِهِ ؟
ج : كانَ أكثرُ هِجائِهِ تَهَكُّمًا واِستِهْزَاءً وتعجُّبًا من مُكابرةِ خَصمِهِ لَهُ ، ومِن تَبَذُّلِهِ بينَ النَّاسِ ، ورَميِهِ بما يُضحكُ السَّامع بألفاظٍ يفهمُهَا الخاصَّةُ والعامَّةُ على السواءِ
س : اِستعْرِضْ ( اِسْتَعْرِضِي ) أَشهرَ الأبياتِ الشِّعريَّةِ الهاجيةِ لجريرٍ ؟
ج : أشهرُ أبياتِ جريرٍ الهاجيةِ جاءت على النَّحوِ الآتي :
- يقولُ جريرٌ هاجيًا ” الرَّاعِيَ النُّميريَّ ” :
- فَغُضِّ الطَّـرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ فَـلاَ كَعْبًا بَلَغْتَ وَلاَ كِــــلاَبَا
- وقولُهُ أيضًا مُتَهَكِّمًا منَ الفرزدقِ :
- زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سَيَقْتُلَ مِرْبَعًا أَبْشِرْ بِطُولِ سَلاَمَةٍ يَا مِرْبَعُ
س : ما الَّذي أغرى ” جريرًا ” بالفرزدقِ والأخطلِ ؟
ج : الَّذي أغرى جريرًا بالفرزدقِ والأخطلِ فِسْقُ الفرزدقِ ، ونَصرانيَّةُ الأخطلِ ، وشُرْبُهُ الخمرَ ، معَ عِفَّتِهِ هو وتَدَيُّنِهِ 0
س : ماذا عن نقائضَ ” جريرٍ ” و ” الفرزدقِ ” ونتاجِهَا ؟
ج : تبدو نقائضُ ” جريرٍ ” و ” الفرزدقِ ” – كما تشيرُ الرِّواياتُ الأدبيَّةُ - متمَثِّلَةً في ردِّ كُلِّ واحدٍ منهما على الآخرِ بقصيدةٍ هاجيةٍ،فَأصبحَ لجريرٍ والفرزدقِ نقائضُ مشهورةٌ يرويها الرُّواةُ ، فدوَّنــــــــــــــوها دواوينَ اِستخرجوا منها تاريخًا جِمًّا ، وتفصيلاً لأيَّامِ العرب بينَ الجاهليَّةِ والإسلامِ 0
س : ماذا عن فخرِ ” جريرٍ ” ؟
ج : لم يستطع ” جريرٌ ” أن يفخرَ بعشيرتِهِ من كُلَيبٍ ، لأنَّهم كانوا خاملي الشَّأْنِ في الجاهليَّةِ والإسلامِ ، فقراءَ ، سييئ الحالِ ، بُخلاءَ ، وبخاصَّةٍ أبوهُ عطيَّةَ 0
س : كيف اِحتالَ ” جريرٌ ” كي يفخرَ بقبيلَتِهِ ؟
ج : لمَّا اِستشعرَ ” جريرٌ ” ضآلةَ عشيرتِهِ تلكَ اِضْطَرَّ أن يعْدِلَ عن مُفاخرة الفرزدقِ ( وآباءُ الأخيرِ من ساداتِ تميمٍ ) ، بكليبٍ إلى مُفاخرَتِهِ إلى مُفاخَرَتِهِ بِبَنِي يربوعٍ وهم قبيلتُهُ العُليا ، وفيهم شرفٌ كبيرٌ ، ونباهَةُ شَأْنٍ ، وَشِدَّةُ بَأْسٍ في الجاهليَّةِ والإسلامِ 0
س : ماذا كانَ رَدُّ فعلِ الشُّعراءِ نتيجةَ فخرِهِ بغيرِ أهلِهِ ؟
ج : راحَ الشُّعراءُ يُعَيِّرونَ “ جريرًا ” بمفاخرَتِهِ بغيرِ أهلِ بيتِهِ الأدْنِينَ ؛ فكانَ ذلك من أشدِّ هجائِهم عليهِ،غيرَ أنَّ براعتَهُ في صناعتِهِ الشِّعريَّةِ غطَّتْ على ضِعَةِ أبيهِ وَهَوانِهِ وبُخلِهِ 0
س : كيفَ هَاجَى ” جريرٌ ” الأخطَلَ ؟
ج : كانَ ” جريرٌ ” إذا هاجَى الأخطلَ سامَى قومَهُ تَغلِبَ النَّصارَى بِمُضَرٍ ، وفيهمُ النُّبُوَّةُ والخلافَةُ
س : ماذا عن مَدْحِ جريرٍ ، وما الَّذي ميَّزَهُ عن الأخطلِ والفرزدقِ ؟
ج : كانَ الأخطلُ والفرزدقُ وجريرٌ أسبقَ تُجَّارِ المدحِ في الإسلامِ وأَحذقَهم في اِستخراجِ أموالِ الخلفاءِ والأُمراءِ والولاة 0لكنَّ ” جريرًا ” تميَّزَ عنهما في مدحِهِ باِستجلابِ رضا النَّاسِ ، ولم يَأْنَفْ من مَدْحِ غير بني أُمَيَّةَ كما أَنِفَ الأخطلُ من قبلُ 0
س : وما درجَةُ مَدْحِهِ بالقياسِ إلى مَدْحِ الفرزدقِ والأخطلِ ؟
ج : تظهَرُ درجةُ مَدحِهِ حينما يمدحُ نجدُهُ يستقصي صفاتِ الممدوحِ ويًُطيلُ في إبرازِها، ولا يخلِطُهُ بفخرٍ ولا هَجْوِ خُصومٍ ، كما كان يفعلُ الفرزدقُ،فهو في بابِ المدحِ أعرقُ من الفرزدقِ،ويفْضُلُهُ فيه الأخطلُ
س : ماذا عن مادَّةِ معاني ” جريرٍ ” الشِّعريَّةِ ؟
ج : نشأَ ” جريرٌ ” بالباديةِ وقضى فيها أكثرَ حياتِهِ ؛ فكانت مادَّةُ معانيِهِ مُستمَدَّةً من بيئةِ البدوِ ، مُضافًا إليهَا ما جـــاءَ بِهِ الإسلامُ من الشَّعائرِ والآدابِ والعبادةِ والموعظَةِ والحكمةِ ، فكان شعرُهُ وشعرُ الفرزدقِ يمثِّلانِ الحياةَ البدويَّةَ الإسلاميَّةَ كُلَّ التَّمثيلِ ، وبذلكَ سُمِّيَا هُما ونظراؤُهما من أهلِ ذلكَ العصرِ بالإسلامِيِّينَ 0
س : لماذا سُمِّي ” جريرٌ ” وأمثالُهُ بالشُّعراءِ الإسلامِيِّينَ ؟
ج : سُمُّوا بهذا الاسمِ ؛ لأنَّهم أَوَّلُ نابتةٍ من أهلِ الأدبِ في الإسلامِ ، ولم يَكُنْ قد دخلَ على الشِّعرِ شيءٌ من علومِ الأمم العريقةِ في مجالِهَا الحضاريِّ ( كالفرسِ واليونانِ والهنودِ ) ، الَّتي اِمتزجتْ بِأفكارِ الشُّعراءِ المُحدَثينَ ، من أمثالِ ” أبي تَمَّامِ ” و“ ابن الرُّوميِّ ”
و ” المتنبِّي ” و“ أبي العلاءِ المَعَرِّي ” 0
س : وَبِمَ وُصِفَتْ مَعانيهِ الشِّعريَّةُ ؟
ج : وُصفتْ معانيهِ بأَنَّها كانت فِطريَّةً قريبةَ مِنَ الخُطورِ بالبالِ ، غير بعيدةِ الغَوْرِ ، كَطَبعِ ” جريرٍ ” نفسِهِ في السَّماحةِ والِّلينِ ، على غيرِ ما كانَ عليه ” الفرزدقُ ” من التَّعمُّقِ في المعاني والإيحاء بِهَا 0
س : ماذا عن ألفاظِ ” جريرٍ ” الشِّعريَّةِ ؟
ج : يقولُ جمعٌ من النُّقَّادِ : إنَّ الَّذي جعلَ معاني ” جريرً ” الشِّعريَّةَ تَنبُلُ وتَكبُرُ في صُدورِ الرُّواةِ ، وتُوجِعُ أفئدةَ المَهجوِّينَ ، إنَّما هو قوالبُ الألفاظِ الجزلةِ الَّتي صُبَّتْ فيها فحولةُ الأساليبِ الَّتي تزمَّلت بها ، وتهويل عبارتِها واِنسجامُها ، وحُسنُ جرسِها ، وخِفَّةُ وَقْعِهَا على أسماعِ الخاصَّةِ والعامَّةِ على حَدٍّ سواء ، وتأثيرها في نفوسِ الجميعِ كُلِّيَّةً
الخلاصة في سُؤالٍ وإِجابَتِهِ :
س : اِستَعْرِضْ ( اِستَعْرِضِي ) شهادةَ كُلٍّ مِنَ الفرزدقِ والأخطلِ في شعر جريرٍ ؟
ج : قيلَ : اِجتمعَ الفرزدقُ والأخطلُ فتذاكرا شعر ” جريرٍ ” ؛ فَأقَرَّا أَنَّهُ أَسْيَرُ منهما شِعرًا ؛ لأنَّ شِعرَهُ يرويهِ الخواصُّ والعَوامُّ والسُّوقةُ ، وشِعرُهُما لا يرويهِ إِلاَّ حُكماءُ الرُّواةِ ، وعلماءُ الأدبِ
عاشق الترحال
2010- 5- 17, 05:41 PM
والله ما قصرتي يعطيك العافيه قموره
كالقمر وحيدة
2010- 5- 17, 05:55 PM
كالقمر وحيدة
2010- 5- 17, 05:57 PM
تسلم عاشق ماعملت غير الواجب
كالقمر وحيدة
2010- 5- 17, 05:58 PM
المحاضرةُ الثَّانية عشرةَ
عليُّ بن الجَهِمِ يرثي
الشَّاعرَ الكبيرَ ” أبَا تَمَّامٍ ”
- أوَّلاً : النَّصُّ الشِّعريُّ :
- يقولُ ”عليُّ بنُ الجَهِمِ ” في مَقطَعٍ من قصيدةٍ طويلةٍ راثيَا أُستاذَهُ
وَرَفيقَ دربِهِ الشَّاعرَ الكبيرَ ” أبا تَمَّامٍ ” :
1 – غَاضَـــــــــــتْ بَدَائِعُ فِطْنَةِ الأوْهَامِ وَعَــــــــــدَتْ عَلَيْهَا نَكْبَةُ الأيَّامِ
2 – وَغَدَا الْقَرِيضُ ضَئِيلَ شَخْصٍ بَاكِيًا يَشْــــكُو رَزِيَّـــــــتَهُ إِلى الأقْلاَمِ
3 – وَتَأَوَّهَتْ غُــــــــــرَرُ الْقَوَافِي بَعْدَهُ وَرَمَى الزَّمَـانُ صَحِيحَهَا بِسُِقَامِ
4 – أَوْدَى مُثَقِّفُهَا وَرَائِــــــــــدُ صَعْبِهَا وَغَدِيــــرُ رَوِضَــتِهَا ”أَبُو تَمَّامِ ”
- ثانيًا : معاني الكلماتِ :
- غاضتْ :غاضَ الماءَ قلَّ وَنضُبَ 0 بدائع : مخترعات0الفطنة :الفهم0 الأوهام : الظُّنونُ ، وقيلَ : المَغالط 0 عدت : جاوزت 0 نكبةُ الأيَّام : جمعُها نكباتٍ وهي المَصائبُ 0 غدا : الغُدُوُّ : الإبكارُ ما بينَ صلاةِ الغَدَاةِ وطُلُوعِ الشَّمسِ 0 القريضُ : نظمُ الشِّعرِ، أو هو الشِّعرُ ذاتُهُ 0 0ضئيل : من الفعل ضَؤُلَ، وهو النَّحيفُ أو صغيرُ الجسمِ 0 رزيَّته : جمعها رزايا ، وهي المصيبةُ 0الأقلامُ : المُراد بها هنا : الشُّعراء والكُتَّابُ 0 تأَوَّهت : توجَّعت 0 غُرَرُ القوافي : أوَّلُها وأكرَمُها 0 السُِّقام :المَرَضُ ،وكذا السُّقم والسَّقَم : كالحُزْنِ والحَزَنِ أودى : أودى الرَّجُلُ :أي هلكَ فهو“ مُودٍ ”0مُثَقِّفُهَا : ثَقُف الرَّجُلُ : من بابِ ” ظَرُفَ ” أي صارَ حاذِقًا خفيفًا 0 رائضُ صعبِها : المُرَوِّضُ لصعبِها وفعلها 0
- غدير : الغديرُ قطعةُ الماءِ يُغادِرُها السَّيلُ 0
- الرَّوضةُ : أرضٌ خضراءُ من البَقْل والعِنَبِ والعُشب ، تجمعُ على : رَوْضٍ ورِيَاضٍ
- ثالثًا : فكرةُ النَّصِّ :
- تقومُ فكرةُ النَّصِّ على الرِّثاءِ الشَّاكي الباكي من شاعرٍ مُحِبٍّ إلى شاعرٍ آخرَ مَحبوبٍ ، ينطوي هذا الرِّثاءُ على جملةِ الَّلَوازم المُكَمِّلَةِ له من جِهةٍ، والمُعمِّقةِ له من جِهةٍ أخرى، من بدء المَقطوعة إلى منتهاها ، وليسَ أدلَّ على ذلكَ من صدورِ الغيضِ، والأوهامِ، ونكبةِ الأيَّامِ، والضآلة، والبُكاءِ، والشَّكوى، والرَّزيَّة، والتَّأوُّهِ، والسُِّقامِ ،والإيداءِ ، وغيرها من تلك الَّلوازمِ الَّتي تُعَمِّقُ الإحساسَ لدى المتلقِّي بالمأساةِ الَّتي يعيشُها الشَّاعرُ ” ابنُ الجَهِمِ ” تجاهَ أستاذِهِ ورفيقِ دربِهِ الشَّاعرِ الكبيرِ والرَّائدِ البديعيِّ ” أبي تَمَّامٍ ” 0
- رابعًا : المضمونُ :
تنطوي هذه المقطوعةُ الشِّعريَّةُ على مضمونٍ رئيسٍ مُفادُهُ” الاستعذابُ “ بتلك المأساةِ ولها،وفي سياق هذا الاستعذابِ نلحظُ المضامينَ الفرعيَّة المتتابعة واحدًا بعدَ الآخَرِ ، من ذلك :غيضُ البدائعِ، وعدو نكبة الأيَّام ، وتحوُّلُ القريض إلى شخصٍ باكٍ ضعيفٍ ،وشكايته بعدَ ذلك الرَّزايا إلى الأقلامِ ( الكُتَّابِ والشُّعراءِ ) وتأَوُّه غررِ القوافي من رمي الزَّمانِ لصحيحِها بالدَّاءِ العُضالِ ، وفي الختامِ يهلك صاحبُ بل مصدرُ كلِّ ذلك ، وينأى الشِّعر بجانبِهِ بهلاكِ ذلك العلم الكبيرِ ” ابي تمَّامٍ ”
- خامِسًا : الألفاظ :
جاءتِ الألفاظُ – كمعجمٍ شعريٍّ – دالَّةً وقويَّةً، حيثُ اِنتقاها الشَّاعرُ انتقاءً جيِّدًا يبينُ عن حالةِ التَّوافقِ الَّتي يعيشُها الشَّاعرُ معَ لُغَتِهِ، والَّتي بدورها قادته إلى الانتقاءِ الصَّحيحِ والسَّليمِ ، نلحظُ هذا الانتقاءَ مُرتَكِزًا على المفرداتِ الدَّالَّةِ المعبِّرَةِ على النَّحو الآتي : ”غاضت، بدائع، عَدَت، نكبة، غدا، القريضِ، رزيَّتَه، وتأوَّهت، غرر، أودى، سقام، مثقِّفُها، رائضُ، غديرُ، وأخيرًا ” أبو تمَّامٍ ” 0 والحقيقةُ أنَّ هذه الألفاظَ، أوذلك المعجمَ الُّلغويَّ بَدَأَ بالغيضِ واِنتهى بالارْتِواءِ، في ظِلِّ الحدائقِ والرِّياضِ، بمعنى أنَّهُ بدَأَ بالسَّلب وانتهى بالإيجابِ ، لأنَّ الماءَ رمزُ الحياةِ والبقاء، إذا ما غابَ الماءُ غابتِ الحياةُ وإذا حضر أقبلتِ الحياةُ 0
سادسًا : المعاني :
جاءت معاني تلك المقطوعةِ قويَّةً وعميقةً ؛ قويَّةً لأنَّها اِنطوت على دلالاتِ الرِّثاءِ، إذ يتشَكَّلُ الغيضُ، وتعدو الأيَّامُ، ويشكو القريضُ، وتتأوَّه القوافي بل غُررُها كذلكَ ، ويرمي الزَّمانُ الصَّحيحَ منها بدائِه ” السُِّقامِ ” ، ويودي مُثَقِّفُها بالهلاك، ويُرَوَّضُ صعبُهَا العسيرُ 0 وعميقَةً لأنَّها جَسَّدت سياقَ الرِّثاء تمامًا، وعمَّقت آثارَهُ تراتبًا من الأدنَى إلى الأعلى ،حيث بَدأت بالغيضِ ومرَّت بالسُِّقامِ وَاِنتهت بالإيداءِ أو الهلاكِ 0 وهذا بالطَّبعِ يعكسُ فطنةِ الشَّاعرِ وقدرَتَهُ على صوغِ سياقٍ تراجيديٍّ مُحْزِنٍ ، على إثر وفاة الشَّاعرِ الكبيرِ ” أبي تمَّامِ ”0
- سابعًا : الأسلوبُ :
- النَّاظِرُ للوهلة الأولَى إلى هذه المَقطوعة الشِّعريَّة يلحظُ أنَّ أسلوبَها قد جاء في جملَتِهِ وتفصيلِهِ خبريًّا ، حيثُ اِعتمدَ في منطلقاتِهِ التَّركيبيَّة الجُمَلَ الخبريَّةَ، الَّتي تتشَكَّلُ عبرَ الأفعال الماضية والمضارعَة معًا، وإن مالت إلى الأفعالِ الماضيةِ وفقًا لسياقِ الرِّثاءِ نفسِهِ ، حيثُ يميلُ السِّياقُ في جملَتِهِ وتفصيلِهِ إلى الماضي ومآثِره بالنِّسبَةِ للمَرثِيّ 0 من هذه الجملِ الخبريَّةِ :
1- ” غَاضَتْ بَدَائِعُ فِطنةِ الأوهامِ ” 0
2 – ” وَعَدَتْ عَلَيْهَا نَكْبَةُ الأيَّامِ ” 0
3 – ” وَغَدَا القَرِيضُ ضَئيلَ شَخْصٍ بَاكِيًا ” 0
4 – ” يَشْكُو رَزِيَّتَهُ إِلَى الأقْلامِ ” 0
5 – ” وَتَأَوَّهَتْ غُرَرُ القَوَافِي بَعْدَهُ ” 0
6 – ” وَرَمَى الزَّمَانُ صَحِيحَهَا بِسُِقَامِ ” 0
7 – ” أَوْدَى مُثَقِّفُهَا وَرَائِضُ صَعْبِهَا00 وغَدِيرُ رَوْضَتِهَا أَبُو تَمَّامِ ” 0
إِنَّ هذه الجملَ السَّبع ،بلِ الثَّماني السَّابقةَ هي جملٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ بالدَّرجة الأولى ، وهي في واقع الأمر تَشملُ سبعة أشطرٍ شعريَّة ، أمَّا الشَّطرُ الثَّامنُ - المُكمِّلُ للأبياتِ الأربعَة – فهو جملةٌ اِسميَّةٌ ويَدخل هُوَ الآخرُ في عِدادِ الخبَرِ ، وهذا يشيرُ إلى أنَّ الشَّاعرَ يُريدُ الإخبارَ بجملَة أفعالِهِ الخبريَّةِ المُتنوِّعَةِ المتعدِّدَةِ عن حالِهِ مع الشَّاعرِ والعكس تماما
- ثامنًا : الفعلُ الماضي :
لقد أكثرَ الشَّاعرُ ” عليُّ بن الجَهِم “ من توظيفِ الفعلِ الماضي – بعد إيرادِهِ لَهُ – إِكثارًا لافِتًا للنَّظَرِ، يُعَبِّرُ بِقُوَّةٍ عن رؤيةٍ فنِّيَّةٍ جادَّةٍ تِجاهَ هذا الشِّاعر المرثيِّ ” أبي تَمَّامٍ ” ، إِذ إِنَّهُ في سياقِ الرِّثاءِ، والرِّثاءُ بدورِهِ يُنَقِّبُ عن محاسن المَيِّتِ، مهما كان اِسمُهُ أو شَخْصُهُ أو دورُهُ ، لأنَّ التَّنقيبَ عنها في الحاضِرِ ليسَ أمرًا منطقِيًّا ، من هنا نلحَظُهُ مُتَّكِئًا على الماضي لِيُقَدِّمَ لنا فعلاً ، بل جملَةً من الأفعالِ الماضيةِ المُؤثِّرةِ والمتنوِّعةِ ، تُشيرُ في مُجمَلِهَا – على تنوُّعِهَا الدِّلاليِّ – إلى ذكرِ فضائلِ ” أبي تَمَّامٍ ” ، نَلمسُ ذلك في قولِهِ :
” غَاضَتْ، عَدَتْ، غَدَا، تَأَوَّهَتْ، رَمَى، أََودَى ”
إنَّ هذه الأفعالَ السَّابقةَ في جملَتِهَا – وَإِنْ لم يَتَّصِلْ بعضُها مباشرةً إلى الشَّاعرِ -؛ فَإِنَّهَا تُلَمِّحُ من بعيدٍ إلى أثَرِهِ وتأثيرِهِ ، إِذْ قَلَّتِ البدائِعُ الشِّعريَّةُ ، ومن أجلِهِ عَدَتْ نَكْبَةُ الأيَّامِ 0000 إلى آخرِ كُلِّ ذلك من دلالاتِ الماضي الإيجابيِّ الفاعلِ لذلكَ الشَّاعر الكبيرِ المُتَوَهِّجِ ” أبِي تَمَّامِ ”
تاسِعًا : الفعلُ المُضارعُ :
أشرنا في النُّقطةِ السَّابقَة إلى أنَّ الفعلَ الماضيَ قد تغَلَّبَ بحدَثِهِ ” المُنقضي ” على الحاضر، وهذا يَنُمُّ عن ميلِ الشَّاعرِ ” عليِّ بنِ الجَهمِ ” للمَآثِــــــــرِ الماضيةِ – كأمرٍ بَدَهِيٍّ – للمَرْثِيِّ
” المُتَوَفَّى ” ، لَكِنَّ هذا الفعلَ ” يشكو ” يُمَثِّلُ هنا حالةَ الحاضِرِ أو سِيَاقِهِ، وسياقُهُ هنا ليسَ من المَرْثِيِّ مباشرةً – في شَخْصِهِ أو اِسمِهِ -، وإنَّما من القريضِ، الَّذي لا يَــــــــــزَالُ يبكِي الشَّاعرَ المَرثِيَّ، وبُكَاؤُهُ هنا أودَى بِهِ إلى الشَّكوى، وشَكوَى المُصيبةِ للشَّاعرِ المَادِحِ بِوْجْهٍ خَاصٍّ
- عاشِرًا : الصُّورةُ البيانيَّةُ :
- تَجِيءُ الصُّورةُ البيانِيَّةُ هنا متنوِّعةً إلى حَدٍّ ما، على النَّحو الآتي : الصُّورةُ الأولَى : تتجَلَّى تلك الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ ” غَاضَتْ بَدَائِعُ فَطْنَةِ الأوْهَامِ ”، فتلك صورةٌ اِستعاريَّةٌ ” مكْنِيَّةٌ ” حيثُ شَبَّهَ الشَّاعرُ ” البدَائِعَ ” قصائدَ ” أبي تَمَّامٍ ” بالماءِ، وحذفَ المُشبَّهَ بِهِ، وجاءَ بِإحدَى لَوَازِمِهِ ؛ وهي الغَيضُ، أو القلَّةُ، أو الحَبسُ، وهي صورةٌ ” مَكْنِيَّةٌ ” تلتزم التَّجسيمَ؛ لأنَّ الشَّاعرَ قد جعلَ للبدَائِعِ جسمًا 0
- الصُّورةُ الثَّانيةُ : تظهرُ تلك الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ ” وَعَدَتْ علَيْهَا نكْبَةُ الأيَّامِ ” ، وتلك صورةٌ اِستعاريَّةٌ ” مكنيَّّةٌ ” ، حيثُ شبّهَ الشَّاعرُ نكبةَ الأيَّامِ بِإِنسانٍ أو كائنٍ حَيٍّ ، وحذفَ المُشبَّهَ بِهِ ، وجاءَ بإحدَى لوَازِمِهِ ، وهي ” العَدْوُ ” ، وقد مالت تلك الصُّورةُ إلى ” التَّشخيصِ ”
- الصُّورةُ الثَّالثَةُ : تبدو تلكَ الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ ” وَغَدَا القَرِيضُ بَاكِيًا ”، فهذه صورةٌ اِستعارِيَّةٌ ” مكنيَّةٌ ” ثالثةٌ، حيثُ شبَّهَ الشِّاعرُ
” القريضَ ” بِإِنسانٍ يبكي وحذفَ المشبَّهَ بِِهِ، وجاء بِإِحدَى لَوَازِمِهِ، وهي البُكاءُ 0وتلتزمُ تلك الصُّورةُ عنصرَ التَّشخيضِ، لأنَّ البكاءَ – كما يقولُ علماءُ الإنسانيَّةِ - صِفةٌ من صفاتِ الكائنِ الحيِّ ، والإنسانِ منه بشكلٍ خاصٍّ 0
- الصُّورةُ الرَّابعةُ :تتشكَّلُ تلك الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ ” يشكو رَزيَّتَهُ ” – يقصدُ القريضَ - ،إذ شبَّهَ الشَّاعرُ القريضَ بِإنسانٍ شَاكٍ ، وحذف المُشَبَّهَ بِهِ ، وجاءَ بِإحــــــدى لوازمِه ِ، وهي الشَّكوَى ، وتلكَ صورة
” تشخيصيَّةٌ ” 0
- الصُّورةُ الخامسَة : تظهَرُ تلك الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ ” إلى الأقلامِ ”، فتلكَ صورةٌ بيانيَّةٌ ” مجازِيَّةٌ ” تغدو – تحديدًا – مجازًا مُرسلاً،علاقتهُ الجزئيَّة من جهةٍ، والسَّببيَّة من جهةٍ أخرَى، إذ راح يعبِّر بالجُزْء عن الكلِّ ، لأنَّ الأقلام رمزٌ للادباء والكُتَّابِ وجزءٌ لا يتَجَزَّأُ من كتابتِهِم 0
- الصُّورةُ السَّادسَةُ : تتشكَّلُ تلكَ الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ ” وَتَأَوَّهَتْ غُرَرُ القَوَافِي بعدَهُ ” ، وتلك صورةٌ اِستعاريَّةٌ ” مَكْنِيَّةٌ ” ، حيثُ شَبَّهَ الشَّاعرُ ” غُرَرَ القَوَافِي ” بالإنسانٍ ، وحذف المُشبَّهَ بِهِ ” الإنسان ” ، وجاءَ بِإحدَى لَوَازِمِهِ وهي ” التَّأَوُّهُ ” التَّوجُّعُ ، وقد مالت تلك الصُّورةُ إلى التَّشخيصِ كذلك 0
- الصُّورةُ السَّابعَةُ : تتشَكَّلُ في قولِ الشَّاعر ” وَرَمَى الزَّمانُ صحِيحَهَا بِسُِقَامِ ”،تلك صورة استعاريَّةٌ ” مركَّبَةٌ ”،فهي أوَّلاً : استعارةٌ ” مكنيَّةٌ ” ،وهي ثانيًا : استعارةٌ ” تصريحيَّةٌ ”0 هي ” مكنيَّةٌ ” لأنَّ الشَّاعر هنا شبَّهَ الزَّمانَ بـ “ إنسانِ ” وحذف ” الإنسانَ ”، وجاءَ بإجدى لََوَازِمِهِ وهي الرَّميُ، وهي ” تصريحيَّةٌ ” لأنَّ الشَّاعرَ شَبَّهَ (المَرْمِيَّ ) أي الشَّيء الَّذي يُرْمَى بـ ” السُِّقامِ ” الدَّاءِ، وحذف المُشَبَّهَ، وذكرَ المشَبَّهِ بِهِ ” السُِّقامَ ” صراحةً 0 وتلكَ الصُّورةُ المُرَكَّبةُ مالت إلى التجسيمِ والتَّشخيصِ معًا 0
- الصُّورةُ الثَّامنةُ :تتمَثَّلُ تلكَ الصُّورةُ في قولِ الشَّاعرِ“ وغَدِيرُ رَوْضَتِهَا أَبُو تَمَّامِ ”، تلكَ صورةٌ تَشبيهِيَّةٌ ” بليغَةٌ ”، حيثُ شَبَّهَ الشَّاعرُ ” اِبنُ الجَهِمِ ” أَستاذَهُ ورَفِيقَ دَرْبِهِ ” أَبَا تَمَّامٍ ” بِغديرِ الماءِ المُتَساقطِ ، الَّذي يعلو ربوةً منيفةً، وحذفَ أداةَ التَّشبيهِ مُبالغَةً ، ووجْهُ الشِّبَهِ بينَهُمَا ” الإحياءُ ” 0 لأنَّ ” أَبَا تَمِّامٍ ” يغدو مَوردَ ماءٍ للشِّعرِ ،إذ يرويهِ برُوحِهِ وفَنِّهِ ولُغَتِهِ وإبداعِهِ المُتَفَرِّدِ 0 وأنَّ الغديرَ – كما هو معلومٌ – مَوْرِدُ ماءٍ للرَّوضَةِ ، إِذ يروي، بل يُغّذِّي نبتَها وثمارَها و عشبَهَا ويُزَيِّنُهَا كذلك 0
- أحدَ عشر : المُحسِّن البديعِيُّ :
1– الجِناسُ النَّاقصُ :
- ظهرَ ذلك ” الجِناسُ النَّاقصُ ” بِدَورِهِ في الدَّوالِّ الآتية :
- ” الأوهام : الأيَّام ”، و ” أقلام : سُِقام ”، و“ صَعبها : صحيحَها ” 0إِنَّ جملةَ هذهِ الجناساتِ ” النَّاقصةِ ” تعطي جرسًا موسيقيَّا متناغِمًا وعاليًا ، لأنَّ مُعظَمَها اِنتهى بِرَوِيِِّ ” الميمِ المَكسورة ”، وهو من الأصواتِ الشَّبيهةِ بأصواتِ الِّلينِ والمّدِّ، لِيجيءَ البعدُ الموسيقِيُّ العالي متوافِقًا مع حالةِ الانكسارِِ الَّتي يعيشُها الشَّاعرُ بوفاةِ ” أبي تَمَّامٍ ”، فكسرُ الرَّويِّ يعطي دلالةَ الانكسارِ للشَّاعرِ الرَّاثي ، وصوتُ الميمِ كصوتٍ جهوريٍّ ممتَدٍّ يعلي من حالةِ الهَياجِ بل الصُّراخِ الَّتي انتابت الشَّاعرَ على مرثِيِّهِ ” أبي تَمَّام ” 0
2 – الطِّباقُ :
يبدو الطِّباق هنا في صيغةِ واحدة ” صحيحها : سُقام ” والحقُّ أنَّ هذا الطِّياقَ وإِنْ أبــــرزَ الدِّلالَتينِ المُتقابلَتَينِ
( الصِّحَّة / المرض أو السُّقام )، لَيُبينُ عن سياقِ الرِّثاءِ إِبانَةً دالَّةً، إذ لا تتكَشَّفُ دلالةُ هذا السِّياقِ ” التِّراجيديِّ ” إلاَّ بِحضُورِ هذا الطِّباقِ ، كما أنَّهُ يُحدثُ في الوقتِ نفسِهِ جرسًا موسيقيًّا خفيفًا ومقبولاً ، يستقطبُ صوتَ أو صياحَ تلك المأساةِ 0
اِثنا عشر : صيغةُ المبالغةِ :
- لقد أكثرَ ” اِبنُ الجهِمِ ” من صيغِ المبالغة، نلمسها في قولِهِ : ” القريض، ضئيل ، صحيح ، غدير ، سُِقام ” ، يضافُ إلى كُلِّ ذلك ” فِطْنَة – ونكبة – ومَثَقِّفُهَا ” ، فضلاً عن الفعلِ الماضي المُضَعَّفِ ” تَأَوَّهَتْ ”، لِيبدُوَ كلُّ ذلك سبيلاً إلى المبالغةِ في تصويرِ المأساة وتجسيدِهَا، ومن ثَمَّ الإحساس بالصِّدقِ في توصيلِ الرِّسالة الشِّعرِيَّةِ الهادفة0
- ثلاثَةَ عشرَ : صيغُ الجمعِ :
حاولَ الشَّاعرُ ” ابنُ الجَهِمِ ” أَنْ يُعَمِّقَ الإحساسَ بِمأساتِهِ في الشَّاعر ” أبي تَمَّامٍ ”؛ لِذَا وجدناهُ يكثرُ من صيغِ الجمعِ، نلمسُ ذلك في قولِهِ :
” بَدَائع ، أوهام ، أيَّام ، أقلام ، غُرر ، قوافي ”، فكلُّ هذه الجموعِ على تنوُّعها ، تكثِرُ بل تُكبرُ من حجمِ المأساةِ ، وكأَنَّهُ هنا يُصَوِّرُها مُشركًا معهُ القارئَ أو السَّامعَ أو المتلَقِّي، ويكشف بالتَّالي لَهُ عن حجمِها أو درجتِهَا الَّتي تتكاثرُ في صيغِ الجمعِ، بل في صيغِ مُنتَهى الجُمُوعِ ، بشكلٍ خاصٍّ ، ويتزايدُ حجمُهَا وطبيعَتُهَا ودرجتُها بتزايُدِ الجمعِ نفسِهِ على المستوى الكَمِّيِّ ” العَدَدِيِّ ” مــــــــرَّةً ، وعلى المُستوى البِنائيِّ ” الَّلَفظِيِّ ” مَرَّةً أخرى
تعابير طفله
2010- 5- 17, 07:06 PM
يعطيك العافيه اختي
جوري الملتقى
2010- 5- 17, 07:12 PM
مشكورة يالغلا على المجهود ^_^
هاوووي الجنون
2010- 5- 19, 01:05 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
سلمت اناملك على الطرح المميز
F -16
2010- 5- 28, 08:35 PM
كـ القمر وحيدهـ
مشكورهـ وماقصرتي على اهتمامك
لو سمحتي ممكن تفيديني من ناحية المذاكره ,,
دقرت في التذوق الأدبي ولا عرفت اذاكر ,, اخاف احفظ محاضره محاضرتين وتتبخر
مآدري اقراها بتركيز ؟ ولا احفظها ,, حتى المحاضرات المباشره للماده ماقدرت افهمها
الماده هذي بالذات عجزت اركز فيها
وابغى شورك من بعد الله وشور اخواني وخواتي ,,
كيف أبدأ بالمذاكره ؟ اقراها بتركيز ؟ احفظها ؟ الأسئله كلها موضوعيه ؟ ولا فيه مقآلي سؤآل سؤآلين
أرجـوا الرد اذا تكرمتم
أخوكم الصغير f - 16
هاوووي الجنون
2010- 5- 28, 09:36 PM
http://www.ckfu.org/vb/t74741.html
اف 16 ذاكر هذي الاسئلة للاختبار وان شاء الله تنجح وتتفوق وركز على الفهم ضروري للاستعارة والطباق ....موفق
هاوووي الجنون
2010- 5- 28, 09:38 PM
موضوعية الاسئلة ولكن صعبة ترى لانه لازم تفهم الفرق بين الطباق والمقابلة والاستعارة والسجع والجناس في النصوص الادبية انا ذاكرتها بس للاسف احس اني ما ذاكرت ربك يعين
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Ahmed Alfaifi