ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

قد يبدو الموضوع غريبا وغير مالوف..وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها قبل بدء الحديث
فما سنحاول اماطة اللثام عنه يعتبر من الامور المعقدة من الناحية الفلسفية والعلمية ان لم
يكن اكثر الامور تعقيدا على الاطلاق

دعونا نبدأ الحديث بهذا السؤال الماكر..
ما الزمن؟؟
اننا لا نملك اجابة واحدة كافية لهذا السؤال..ولعل موضوعنا ونقاشنا يساعدنا في التقدم قليلا
لايجاد تعريف واضح وكاف لهذا المصطلح

يشير قاموس اكسفورد الى الزمن ويعرفه على النحو التالي:
انه التقدم المستمر وغير المحدد للوجود الاحداث..
وهذا تفسير جيد لكنه ليس مقنعا بما فيه الكفاية
..فهل نتعامل مع الزمن كموضوع ام كمفهوم..؟؟
الحقيقة انه لا يمكن لنا التعامل مع الزمن كموضوع لاننا لا يمكن لنا تحديد ماهيته بالظبط
وعلى وجه الدقة ..وكل ما نقوم به ليس الا تخمينا قائما على القياس في التغير..وهذا التغير في الأشياء وحركتها هو ما يجعلنا نشعر ونحس بالزمن ..

فلو تصورنا ان كل مافي الكون جامد لا يتغير وثابت ..عندها لن يكون للزمن اي معنى..لان الزمن يعتمد على الحركة ومقدار التغير الحاصل سواء كان تغير كميا او كيفيا مباشرا او غير
مباشر...

اي ان الزمن ماهو الا قيمة نسبية..تعتمد على التناسب ومقدار التغير الحاصل في الشيء
..
اننا بهذا الجدل سوف نشعل نار فتنة لم تخمد من قبل اشعلها قبلنا الكثير من الفلاسفة وعلماء الطبيعة والفيزياء...عدا فئة فئة واحدة اسقطت الزمن من حسابها ولم يرد في معيطات عملها الا وهي فئة الرياضيين والحساب...ولا تثريب عليهم فعملهم يعتمد على منطق الاشتقاقات الرياضية الجامدة ذات البعد الواحد والبعدين
حسنا...

كيف نثبت ان الزمن ماهو الا مقدار التغير في حركة الشيء وتقدمه؟؟
دعونا ناخذ بعض الامثلة للتأكيد..

اليوم عبارة عن 24 ساعة على المستوى الارضي..لكن هذا المفهوم نسبي فهو يعتمد على حركة وتغير موقع الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس وعليه فان الزمن الأرضي ليس الا حسابا لمقدار التغير الكمي في حركة الأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس..فلو تصورنا ان الارض جامدة ثابتة فان مفهوم الزمن اليومي والسنوي سينعدم لانه لن يكون هناك تغير ملحوظ يمكن حسابه وقياسه وبالتالي لن يكون هناك زمن..

مثال آخر..
عندما يسافر شخص ما من مدينته الى مدينة اخرى..فانه يتحرك وهذا التحرك يعتبر تغيرا كميا في المسافة او البعد المكاني وعليه فان الزمن المستغرق للرحلة ليس حاصل مقدار التغير في البعد المكاني او المسافة ..

مثال ثالث:
العمر..عمر الانسان يعتمد اساسا على التغير في الشكل والنمو الجسدي الى جانب التغير الحركي لكوكب الارض وعدد الايام والسنين التي مرت..فلو كانت ارضنا جامدة فلن نستطيع معرفة الزمن الذي انقضى من اعمارنا ولهرمنا دون ان نعي ذلك...

من هذه الامثلة نستطيع ان نقول ان الزمن ليس الا مفهوما عقليا وحسابيا اكثر من كونه مادة موضوعية..اي انك لن تستطيع القبض على الزمن كمادة في يدك لتصفها لنا..لكنك تستخدم الزمن كمفهوم حسابي ورياضي لوصف اي نوع من التغير الذي يطرأ عليك او علي المحيط من حولك...
وعليه يمكن لنا القول ان الزمن ليس الا تصورا عقليا محضا نلجأ اليه كمقدار نسبي نصف به التغير الحاصل في كافة امور حياتنا..

في الفيزياء الكلاسيكية يعرف الزمن على انه حاصل قسمة التغير المكاني على السرعة..اي ان الزمن هو حاصل قسمة المسافة على السرعة ولا شيء غير ذلك..
حتى الفيزياء لم تعرف الزمن الا من خلال علاقة المسافة بالسرعة..وعندما نقول السرعة فاننا نشير الى كمية حركية ونحن نعلم ان اي حركة لابد ان ينشأ عنها تغير نسبي مرتبط ..
ف= ز *س
ز=ف\س
اذا يمكن لنا القول وباطمئنان نسبي ان الزمن ليس الا مقدار التغير ايا كان نوعه...

لماذا قلنا عنه انه مفهوم عقلي؟؟
الحقيقة ان الزمن ليس موضوعيا او ماديا كماهية مستقلة بل هو مفهوم نصف به التغير وعندما نصف به التغير علينا ان ننتبه جيدا..

لان التغير يقتضي الانتقال من حالة 1 الى حالة اخرى جديدة 2 سواء كان التغير مكانيا او معنويا ..اي ان التغير يقتضي الانتقال من حالة ماضية الى حالة حاضرة...وهذا يرتبط بالذاكرة الانسانية في قدرتها على التخزين واسترجاع الذكريات وتحديد مقدار التغير الحاصل..
ولن نكون مغالين عندما نقول ان الزمن هو مفهوم ذاكرتي في الاساس اي انه عقلي بحت...

هب انك انتقلت من منزلك الى السوبرماركت واستغرقت 10 دقائق حسب ساعتك..نقطة الماضى تمثل وجودك في المنزل والحاضر هو لحظة وصولك الى السوبرماركت ..لكن وبعدان تنظر الى ساعتك وتعرف الوقت المستغرق ثم تمضي لشانك فانك قد انتقلت من نقطة ماض 1 الى ماض 2 ليصبح الحاضر هو نقطة عودتك للمنزل.. وهكذا ..فالزمن يقيس مقدار تغير حركتك بين الماضي والحاضر ويتم تخزينه ذاكرتيا في اشكال ماضية فقط..

هل الزمن مطلق ام نسبي ؟؟

كان الجميع والى ماقبل عام 1914 يعتقدون ان الزمن مطلق وانه ثابت وبنفس الوحدات في اي مكان من الكون..
الى جاءت النظرية النسبية لتنسف هذا المفهوم وتقلبه راسا على عقب..ولتؤكد ان الزمن نسبي هو الآخر شانه شان اي مفهوم كوني ..
ونحن نعلم قصة اينشتاين مع المصعد والتوأمين المسافرين عبر الزمن..لكن الفيزياء لم تقف عند هذا الحد بل اتت الينا بما هو اكثر رعبا وتشويقا ...

وبحسب الفيزياء الفلكية..فان كل جسيم له حركته حول محوره وحول مركز مجموعته ونقصد بها الكواكب..وعليه وبما ان الحركة مختلفة ومتغيرة في الكم والمقدار فان الزمن متغير ومختلف القيمة..وعليه فان سنة على كوكب الارض لن تساوي سنة على عطارد بل اكثر وان العامل المؤثر هنا ليس المكان بل سرعة التحرك..

فكلما زادت السرعة وتعاظمت لتصل وتقترب من سرعة الضوء فان الزمن يتوقف وينعدم وعندها فقط ينعدم الاحساس بالتغير المكاني فينعدم الزمن..لانك ان كنت تسير بسرعة الضوء فانك تستطيع اختراق المسافات العظمى في لمح البصر وعندها لايكاد يلحظ التغير في المكان...
وبالتالي فلكل زمانه الخاص المعتمد على حركته وسرعته..

ماذا عن الدين؟؟
الدين والنص القرآني قد سبقا الفيزياء الحديثة بمراحل في تاكيد نسبية الزمن واختلاف الزمن بحساب اختلاف المكان الفلكي...وان لكل زمانه الخاص وسرعته الخاصه ويظهر ذلك في قوله تعالى
(ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)
وهي آية صريحة تؤكد على اختلاف المقياس الزمني بين العالم الارضي وبين عالم الرب ولا تحتاج لمزيد من الجدل
اما اختلاف السرعات واثرها في اختلاف المقياس الزمني فنجدها في قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة )

نعود الى زمننا الارضي ونقول..انه مرتبط بالذاكرة في الاساس وبدونها لا معنى للزمن..لاننا ومن اجل فهم الزمن وقياسه نحتاج الى سجل كبير وواسع بامكانه استيعاب معظم التغيرات الحاصلة في حياتنا وتحركاتنا ولن نجد خيرا من الذاكرة البشرية كوسيلة للتدوين والتسجيل والمتابعة...
دعونا نتخيل حالة المصابين بفقدان للذاكرة او امراض فقد الذاكرة..نجدهم غير قادرين على التعامل مع الزمن او تسجيل الاحداث وبالتالي ينعدم لديهم الاحساس بالزمن وتصبح حياتهم بلا معنى..الا من رحم ربي...

على المستوى الصغير يعرف الزمن على انه مقدار التغير الكمي الحاصل في الحركة والمكان..لكن على المستوى الكبير واقصد به المسافات الفلكية والنجوم والكواكب للزمن تعريف آخر اكثر رعبا...
انه يتحد مع الابعاد المكانية الثلاثة (الطول -العرض- الارتفاع) ليتكون لدينا نموذج جديد نطلق عليه منحنى الزمكان ..ذو الابعاد الاربعة...وهذا يقتضي ان كل مادة الكون ذات بعد زمني نسبي خاص بها ولا وجود لزمن مطلق شامل..
هذه الارهاصات ستكون مثار حديثنا في الحلقة المقبلة...

الى اللقاء...