البيئة التي يقطنها الأطفال , بيئة تُوصف على أنها فريدة من نوعها , مختلفة عن أي بيئة أخرى على مستوى كافة الشرائح البشرية , والفئات العمرية , وحتى يتحركوا ساكني تلك البيئة الفريدة إلى حيث الجماليات , والنمو الجيد , والتنمية الحضارية بوجهٍ مميز لا يعترضه غمار القسوة المجنبة لزهو التربية الصحيحة , ولا الإهمال الذي يكسوه أمنيات الأب وآماله المستقبلية بتربية صحيحة, -مع إيمانه التام أنّ بكعس هذه الطريقة إنما يعزز فيه روح الفشل- فلا بد له من مراعاة اجتماعية ونفسية بجميع صورها , وإشكالها , وإلا فستجد ذلك الفشل قائد , ومسيطر عليها ومن إشكاله الفشل الذي جعل كثيراً من المجتمعات متشتتة اجتماعياً بين الضياع القهري , والإتكالية وبين الآمال الأخروية , وصناعة أجيالا لا تدرك سواء أنها في يومٍ من الأيام ستتوقف في نقطة النهاية التي رسمها المصدر الرئيسي لها (البيت + الوالدين ), لكون ذلك المربيان لا يحسنوا الاصطياد إلا في المياه العكرة , وهذا مما لاشك فيه لن يسمح ببروز المؤشرات الايجابية , ولن ينمي فيها قوة الإرادة , والطموح إلى الأحسن , وفي نهاية الأمر مع الاستمرارية يقتل فيه اسم النجاح , فهو كالسنبلة إنّ لم يحافظ عليها من طقوس الزمان , وبعض الكائنات , ويحرص على أنّ يجد البيئة والتربة المناسبة لها , فلن تجدها سواء شكلاً سنبله دون روحٍ ولا غنيمة بداخلها تكفيك وتشفع لك في ما قدمته لها فترة نباتها, وحصدتها بلا ثمرة.
إنّ البيئة المناسبة تجعل من الأنفس متسع لتقبل الفشل , إذ لا بد لكل ناجح من الفشل , وهذا يصنع للعظماء سلماً يساعدهم في الصعود إلى رأس الهرم , فإنّ لم يكن هناك طاقة حيوية لوجستيه مضادة تمنع ذلك الفشل من تمكنه على النفس , حتى لا يسيطر عليها ويجعلها أمام حاجز الوهم الذي صورته البيئة التنشيئة له فسينحسر عنه , ذلك المصدر الإشعاعي الثقافي المهم في حياة أي فرد , وذلك المصنع الحقيقي الذي يُخرج أجيالا تدفع بعجلة النمو والتنمية إلى الأمام , وذلك الابن المطيع الذي يحق لك أن تفتخر فيه يوما , ويرسم على ساحة النجاح بصمته التي ناضل من أجلها حتى حققها, فلا تقف حجر عثرة في طريق ابنك أيه الأب وأحسن التربية (أن الله يحب المحسنين ) , كما لا تُشعره بفقدان الأنُس , والحنان , والراحة , والثقة فإن لم يجدها في محيطه الخاص , فثق كل الثقة سيخرج باحثاً عنها في محيطات أخرى , وربما تصل إليه بطرق غير شرعية , فلإنسان بطبيعة الحال جُبل على حب البيئة العاطفية , حتى وإنّ كان من فئة عمرية متقدمه , ويعتبر ما ذكرناه آنفا من مقومات الحياة المعنوية لكل فرد, فليس جمال التربية يكمن في تلبية الطلبات , فإنّ لم يكن هناك في جانب تلبية الطلبات مغذيات الشغف العاطفي , وتوعية لكل طلباً على حده , فلن يعول بالنجاح , وهذا ما يفتقده كثيراً من الآباء بكونه يوفر جميع طلبات الأبناء , وينسى مقومات الحياة المعنوية , والتوعية , وطريقة الاستخدام الصحيحة , ومن دون مبالغة لو قلت أنّ عدم سد فجوات أوجه القصور جراء ما تخلفه تلك التقنيات التي يرى بعض الآباء أن بوجودها يكتمل جمال التربية , وإيضاح جوانب الإصلاح من عدمه في تلك التقنية , يفتقر إليه بعض الآباء , وبعض المعلمين الذين نعول عليهم آلية التعليم لذلك البرعم, فهو في الأصل بحاجة إلى التربية قبل أن يكون مربي للأجيال , فإذا كان كذلك لا يجيد استخدامها , فلو تم دخول احدهم على بعض المواقع التي زجت بكثير من المراهقين إلى مرمى الانحراف الإنساني الخُلقي, وما تشكل عنها من انعكاسات داخلية تُعمل على ارض الواقع , وانحرافات غير مسبوقة خصوصا في سنٍ مبكر, فليس لديه الوعي الكافي , والخبرة التي تقوده لمعرفة ما تخبئه تلك التقنيات , ومن هنا (حدث ولا حرج ) , كما إنني انوه بعدم المنع , لان بهذه الطريقة نعود قليلاً إلى الوراء , في ظل التقدم المبهر الذي يشهده العالم اليوم , ونؤصل النظرة السلبية في ثقافاتنا , وتعاليمنا المستمدة من الدين الحنيف , فمن الطبيعي عندما تفتقر التقنية إلى الإدارة الناجحة يُبان فشلها , ويشيع نسيمها في الأرجاء , لذلك عليك بحسن الإدارة والتعليم, وكما جمال التربية وثمرتها يعودان إلى تواجدك مع ابنك, ولكن تواجد ملحوظ مُفعل لا تواجدك وكأنك صنم فأنت في هذه الحالة بمثابة المخدر لأفكاره فلا سمحت له لتوسيع آفاق تفكيره , ولا صنعت له سلم نجاح , فكنت سبباً في حسره في حيزٍ بسيط لا يتجاوز كونك كنت معه , فأنت بنسبة له في هذه الحالة كمن أناخ غصن شجرة ليستظل بظله دون النظر إلى أغصانها الأخرى وثمارها لو أحسنت لها ماذا ستنتج ؟
إننا بصدد مشكلة كبيرة , فهذا العصر لم يعد كسابق العصور , البيئة كانت احد الأسباب المساعدة في التربية , واليوم اختلف الوضع كثيراً أصبحت البيئة احد أركان التربية الفاسدة , لذلك من المفترض على الآباء , والمدارس , والجامعات , والأنشطة الثقافة بلورة أفكار تتوافق مادياً , ومعنوياً مع البيئية , والتطورات الأخرى المصاحبة للنفسيات من نتاج التقدم العالمي وصناعة الفكرة التي تتناسق مع معطيات العصر الحديث , وتتواءم مع الأفكار والرؤى , والتمحور حول المحور الأساس وهو الارتقاء بالفرد , من خلال خلق الجو المناسب , وتقوية المهارات في كيفية التعامل مع معطيات الحياة , وفتح مساحات واسعة أمامه وبلورة الأفكار التي يمتلكها من مهارات , وهوايات , وخبرات حتى نصنع عن طريقها أجيالا تدفع بعجلة النمو , والتنمية إلى الإمام .
صالح الثرباني
2015- 2- 15
