2012- 10- 9
#5
أكـاديـمـي مـشـارك
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 49231
تاريخ التسجيل: Thu Mar 2010
العمر: 32
المشاركات: 2,299
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 41440
مؤشر المستوى: 123
بيانات الطالب:
الكلية: كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع
الدراسة: غير طالب
التخصص: محاسبة
المستوى: خريج جامعي
لـ غريب ؟
-
رسَالة لـ غريب ()
أشعُر أنّي تَائهة في البدايات دائماً ، أحتضَارات النهاية تؤرقني ، منْ بؤرَة البداية التي تفتُحُ في عقلي يتسللُ لِي الأندثار في تنبؤات المستقبَل ، أفكرُ كثيراً الى انْ أجدنِي قد وصلْت النهَاية دون ان أشعُر ، وصلت و قدْ وقَع ما أخشَاه ، وَ أبدأ مرّة أخرَى في أندثارٍ آخر . وَ ها أنا أعود لك بـ بداية . لكنها مختلفَة هذه المرّة ، لا خشيَة من نهايتها لأنه لم يعَد لدي ما أخاف فقدانه .
المُقدمَات لا تلِيق بِي الآن . كنتُ أُجيدهَا كثيراً معَك حِين أحَاول أنْ أتشَبث بـ صَبرِي قبْل أنْ تُسقِطَ مفَاجئتِي عَجلة لسَاني ، كُنتُ أحبهَا كثيراً و أنَا أرَى استبَاق عينَك قبَل أذنك لـ تترنَح بغيةً في التقاف فكرة قدْ تمسكك خيطاً يوصلكَ لشيئاً ممَا سَأقول . تستدِرج صمتِي ، وَ حتى تلكَ اللحظَة المخبأة فِي التقاطِي أنفاسِي . وَ النظرة السريعَة عَلى ما حولي ، تُفضِي زحَامَ الأحرفَ عنْ فَمْي ، تلقَي شغفَكَ علَى ما تبّقى . هِي الكلمَة ذاتهَا . هِي الـ أحبْك تشّع نوراً يُجهرّ عيني البؤس . هِي الـ أحبك منْ الطفلَة التي لا تخَافْ إلا الرحيل . هِي الـ أحبْك التِي تقَالُ للمرّةِ الألف بـ نشوة المرّة الأولَى . وَ تعلَمْ بَأني لا أحملْ ما قدْ اسميهِ مفاجأةً إلا حبّك . وَ أراك رغم ذلك تبدِي الدهشَة ذاتهَا كل مرّة ، وَ الدفءْ ذَاته ، وَ الابتسَامة التي تزهرُ في قلبي بستاناً منْ فرَحٍ ذاتها .
أكتبُ إليكَ الآن وَ قدْ كُسِرَ فِي يدِي مَا كُسِرَ من الأقلَام ، وَ قدِ تمزّق من الأورَاقَ ما تمّزق . ربمَا يجدرُ بي أنْ أعرّفك بنفسِي أولاً ، وَ قدْ ترَى بأني قلتُ يجدَر ، لأننا اعتدْنا كثيراً عَلى اتبّاع ما سَار به منْ سبقنَا بحريّة ، دعكَ من ذلك . أنَـا منْ تسميهَا قلبْك ، الصبيّة الغارقة في عينيك . التي تحبكْ وَ انشغالهَا في أنّها تحبّك ، وَ رحلَت عنْ صحبهَا لأنهَا تحبّك ، وَ استعدت للموت لأنهَا تحبّك . أنَا فيروزْك الهَادئة . وَ وردتْك الودِيعة . أنَا منْ تحملُ في أذنهَا أقراطاً منكَ في عيدهَا العشرين . وَ عقداً منكَ لرُبمَا كَان اعتذاراً لمحاولة غضَب فاشلَة . لا ! انتظر ! سأعيد تعريفي مرةً آخرَى قاتلةً به الماضي ، وَ لو كَان أجمَل : أنَـا الكذبَة البيضاء التِي أنقذتَ بهَا غيري . أنَـا الشهِيق اللا متبوعَ بـ زفيرِ في صدر وَاقعك . أنَـا نقطَة الأمَلِ المختومُ بهَا سَطراً في رواية يأس . أنا قصيدَة الشاعر الأولى منسكبةً بِحُزن لا وزناً يقوّمُ شطرَ لقَاء ، و لا قافيَةً توحدُ أبيَات أُنسْ . أنا الصوتْ الذي يمتّد إلى هَاوية رحيلك . وَ الظلُ الذي لا يتبعُ شخصاً . أكتبُ إليك و لا أبكِي ، أخشَى الغرباء ، أخشَى حتى أنْ أبكِي لأجلهُم . أكتبُ وَ أمررُ أصَابع يدي الآخرَى على صورة تجمعنِي بك وَ قد اقتصصتُ ملامحي منهَا . أتحسسُ بهَا عينيك وَ لا تدمَع ، أبحثُ عنْ نَفَسٍ حوَل فاك و لا أجّد ، أتتبعُ ذقنَك عَلى وجهَك و لا أشعر به . أبتسَم و أراكْ تبتسم ، أشتمكَ و أنت تبتسِم ، أحلّفكَ بـ جَاهِ الروح التي لا ترضَى أن تموت ألاّ تبتسم ، وَ تبتسمْ !
فِي الحجرَة التي أسمعُ للسقف فيهَا شيئاً منْك ، التي تمطرْ شرراً من غضبك المفتعَل لخلقِ حجةٍ للفرَاق ، النَافذة المفتقدة رائحة قهوتك صباحاً ، القطَة خلفهَا التي لمْ ينهرهَا أحداً منذُ ذاك اليوم المشئوم . الحجرَة التي تختبأ في زاويتها جمعٌ منْ نِسوَة ، أسمعُ لهنّ نحيباً ، و أرآهنّ يضحكْن ، لَا يحركْن ساكناً وَ خطوَاتهن تزعجني . حتى أنّي أوجستُ أعتقاداً بأن تعويذةً أُلقت منذُ زمن هنَا ، تعويذةً تلقَى على أنثَى وَ رجَل ، أنثَى تهوِي تضحيةً بـ قلبهَا أمامَهُ ، وَ ينجو رجُل . لتقضِي العُمرَ تنتحِب ، وَ تلعَن الروحَ التي تأبى الانسلاخ من الذكريَات . أخافُ عليّ منكْ و منهن ، أخافُ المآل لحالهنّ ، أخافُ أنْ أفقدَ عمراً لـ رجَل ، وَ أخافُ أنْ رجلاً قتَل قبائلاً مِن الرجَالِ في عيني يقتلني أيضاً . لا أعلَم حَقاً مَا الذِي دفعنِي لأكتب لك ، لا أعلَم ما الذِي قد أرمِي اليهْ في جُوف كُل نقطَة من هذهِ الأحرف . جُلّ ما أعلمُه أنّي أخبأك عَن عَينِ أمّي ، أُطهّرُ لسَانِي من أسمَكْ خوفاً منْ تسللَه لأذن أبِي ، أتخيّلكَ بجَانبي دائماً لكِي لا أهوَى باكيةً إفتقادكَ فِي اجتماعاتنَا يوماً . أحشرُ قلبِي تحتَ جنَاحْ طَائر ، يبنِي عشاً لَه عَلى غصنٍ مِن صَمت ، سيظَلّ وَحيداً فِي الشتَاء ، إلا أنّ أسرَاب الطيورْ ستصبْح أصدقاءْه يوماً ، وَ سيطِير ، وَ قلبِي انْ حالفهُ حظاً سيطِير قَبل أنْ يسقُط .
يا الله أشعرْ أنّي منهَكة ، وَ لطَالما كانت خطوَاتي الأولَى تُرهقني فِي تصرفٍ أوّل ، كُنت أوشِّم كلْ خطوَة بنقطَة سودَاء ، حتَى لا أفقَد ما تبقَى بّي ، لا أدَع الأمَل يلتفِت إليّ . أسِير بخطَى الثكلَى التي تلاحِق طيفاً لأبنهَا أنْ استطَاعت إمساكَه فهيَ خطوَة ناجحَة أولَى وَ أخيرَة ، وَ أن لمْ تمسِكه كمَا سيحدُث فلَن تفقِد شيئاً ، نقطَة الأمَل السَوداءْ لنْ تؤثر عَليها جداً لِحَدّ الفُقد .
أتعلَم ! أُشفقُ عَلى حالي كثيراً . منْ كَان يشعرْ بي خُيّر بين الرحيلِ وَ أنا و أخْتَار ، وَ منْ كَاد أن يشعرْ بِي أجبرُوه عَلى الرحيل وَ لم يختَار . كَان يأتِي لذاكَ الرصِيف كُل يَوم ، مُرتدِياً معطَفُه الأسوَد وَ قبعةً قدْ تخفِي الكثير فِي رأسْه ، فرشَاته فِي يده ، ألوَانهُ بجوارِه ، وَ اللوحَة سَئمت منْ الأسوَد ، وَ الأبيَض بحاجة لبهجَة . كلْ منْ يوّد الحصول عَلى لوحَةً لَه يجلِس أمَامه مبتسماً ، وَ إنْ كَان يصطنَع تِلك الابتسَامة فَهو قدّ يرغَب برؤيَتهَا وَ الأحتفَاظ بهَا ، وَ يرِيدْ أنْ يجمّد تِلك اللحظَة لأنهَا قدْ لا تتكرر. أنَا فِي المقهَى لا زِلت أُراقب هدوئه ، صَمتَه يثير فضولي ، فرشَاته تنسَاب بحرّية عَلى الورَق ، يجيد رسمَ الأعينْ بلْ أنّهُ قد يقرأهَا لدرجَة أستنسَاخه لتلكْ التجَاعيد أسفلهَا ، وَ كأنهُ يروِي حكايةً في كل واحدة منهَا ، عندْ الابتسَامَة هوَ يقفْ ، هذهِ المرّة فرشَاتْه تفقِدْ حريّتهَا ، هوُ يأسرهَا ليخفي ملامِح تلكْ الفرحة المُصطنعة ، همْ لَنْ تثيرهُم دهشَة ، لَن يبدوُ الفَرق كبيراً ، بَل سيكونون سعدَاء بهَا لأنهَا تشبِه الحقيقَة . إلا تِلك الطفلَة كَانتْ اللوحَة الفريدَة ، اللوحَة التي سَتكسر رتابَة ذَاك الحُزن ، لمْ تبتسِم ، إلا أنّهُ كَان يقترِب منْ شفتيهَا عَلى الورَق و يبتسِم ، لَا يلقِي بالاً لتلِك الألوَان ، فرشَاته طليقَة ، هُوَ مشغولاً فقَط بنشوتِه ، يلعَق صبرَه الفرَح ، لا يرَى أحداً وَ لا يسمَع ، يعِيد لعصَافير قلبَه أجنحتهَا وَ تحلّق بعيداً أسرَاباً ، لا تُعلِن فِي السمَاء إلا بشرَى ميلَادٍ لأمل فِي قلبِ وَحيد ، شَارف عَلى الانتهَاء ، وَالدة الطفلَة تأتي علَى عجالة مِن أمرهَا وَ تأخذ بيدّ ابنتهَا رَاحلـة ، وَ هو لمْ ينتهي . يقتل بهجَة الأبيض بالأسوَد وَ يعوُد ليخفي تلك الابتسَامة الأخيرة عَن وجهه ، أوَ بالأحرَى نصف الابتسَامة ، يدخلُ وحيداً مرّة أخرى فِي نوبَة بكَاء ، وَ يتركْ كل شيءٍ خلفه . رغبت بالصُراخ في وجَه تلْك الأم : هُو حزينٌ مثلِي ، وَ كَادَ أن يبتسِم . أردْت البكَاء في وجوههمْ جميعاً : لا يحتَأج لنقلهَا منْ أفوَاهكُم لورَقة ، لمْ يرد منكُم إلا وقتاً لرسمهَا عَلى وجهه . لمْ أملِك إلا انتظَاره كل يوم ، مضى عَام وَ أنا في المقهَى ذاته وَ الزاوية ذاتهَا و بيدِي لوحَةً لَهُ يبتسِم ، كُنتْ أتمنَى مجيئه لأهديهَا له ، لمْ يأتِي وَ لا أحداً حتَى يشبههُ بدَى لي عابراً .
الآن السَاعة الخَامسة صباحاً : رغمَ أنّي أرَى الوقتْ متوقفاً عندَ دقيقَة ودَاعك اللا حقِيقي . أنّها سَاعة الصبَاح الأولى ، التي يصرّ قلبِي علَى أنّها العاشرَة مساءً . يا صبَاح الخذلان المبعثَر عَلَى وجهِي وَ أنَا أشحذُ الشمسَ نوراً ، يَا صبَاح الحِيرَة التِي تكسُو عقلِي وَ هوْ يبحثُ عنْ وجهةٍ قدْ يقصدهَا غيرْ الأنزوَاء تحتْ معطَف الصَمت وَ الخلوُد فِي نومٍ عمِيق . سأنتظرّ رداً سأحلُم بَكَ تعدنِي بـ لقاء ، روزنَامتِي ستأمَل أنْ أدوّن عليهَا موعداً لِي معَك . وَ كما جرَت العَادة لا حيلَةً لبائس إلاّ الانتظَار .