|
ملتقى المواضيع العامة منتدى المواضيع العامة والنقاش الهادف |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كالنسيم في رقته
أ قبلَ الصَّغيرُ إلى أُمِّهِ فَرِحًا مُبتَسِمًا ،يقولُ لها : انظري ماذا فعلتُ يا أُمِّي : ) فدَفَعَتهُ بيدِها قائلَةً : ابتعِـد عَنِّي . فاختَفَت ابتسامَتُهُ ، وبدا عليهِ الحُزنُ مِن هذا الموقِف . فلم يكُن يتوقَّعُ هذا الصغيرُ أن تكونَ هذه رَدَّةُ فِعلِ أُمِّهِ . قلتُ لها : لا تنهريهِ ، وشَجِّعيه ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ ،فما كان ينتظِرُ مِنكِ هذا . والحقيقةُ أنَّ كثيرًا مِنَ الناسِ يتعاملون مع مَن حولهم بهذه الطريقةِ ؛ فلا يقبلونَ منهم كلمةً ، ولا يشكرونَ لهم فِعلاً ، ولا يبتسِمونَ في وجوهِهم ،فإذا أقبلَ عليهم أحدٌ مُبتسِمًا ، عَبَسُوا في وجهِهِ ،وإذا قال كلمةً لم تُعجِبهم غضِبوا عليه ، ورُبَّما خاصَموه ولم يُكلِّموه ، بل قد تَجِدُ الواحِدَ منهم يتعامَلُ بنفسِ الطريقةِ هذه في بيتِهِ ، فلا يَلِينُ لأهلِهِ ، ولا يقولُ كلمةً طيبةً لأبنائِهِ ، ويرفعُ صوتَه عليهم لأتفهِ الأسباب ، ورُبَّما شَتَمَهم وضَرَبَهم . ولم يكن هذا خُلُقَ النَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -مع أهلِهِ ولا مع أصحابِهِ ، بل حتى مع مَن حوله مِن الكُفَّارِ والمُنافقين وغيرِهم ، فقد كان - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - رفيقًا بهم ، ليِّنًا معهم ، ولم يكُن فظًّا ولا غليظًا ، فهو القائِلُ عنه رَبُّهُ سُبحانَهُ وتعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ القلم/4 . والرِّفْقُ : هو التَّلَطُّفُ والِّلينُ وخَفْضُ الجَناحِ ، وعدمُ الشِّدَّةِ والغِلْظَةِ والعُنْفِ . وهو خُلُقٌ فاضِلٌ دعا إليهِ الإسلامُ ، وحَثَّ عليه . قال اللهُ - عَزَّ وجلَّ – لنبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الحِجر/88 ، وقال سُبحانه : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الشعراء/215 . ومِـن صُــــــوَرِ الرِّفْـــــــقِ : • رِفْقُ المُسلِمِ بنَفسِهِ : فلا يُحَمِّلها المُسلِمُ ما لا تُطيقُ مِنَ العِباداتِ أو غيرها مِنَ الأعمال والأحمال . قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( اكلَفُوا مِنَ العملِ ما تُطيقون ، فإنَّ خيرَ العملِ أَدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ ) صحيح الجامع . ومِن رِفْقِ الإنسانِ بنَفسِهِ : أن يرفُقَ بجوارِحِهِ ؛فلا يستخدمها في الحرام ، مِن غيبةٍ ونميمةٍ وكذبٍ وقَذفٍ بلسانِهِ ، أو سرقةٍ أو بَطشٍ أو قتلٍ بيدِه ، أو مُشاهدةٍ للمُحرَّماتِ في التلفاز والحاسوب وغيرهما بعينيه ، أو سماعٍ لِمَاحرَّمَ اللهُ بأُذُنَيْه ، أو مشيٍ إلى أماكن المعاصي والفُسُوقِ برِجلَيْه ، بل يفعلُ بجوارِحِهِ ما يُنقِذُهُ مِنَ النار ، وما يتقرَّبُ بهِ إلى اللهِ عَزَّ وجلَّ . • رِفْقُ الزَّوجِ بزوجتِهِ وأولادِه : وقد كان نبيُّنا محمدٌ– صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – رفيقًا بزوجاتِهِ ، يسمعُ لَهُنَّ ، ويحترِمُ كلامَهنَّ ، ولا يُعَنِّفُ واحِدةً منهنَّ على خطأٍ بدَرَ منها دُونَ قَصدٍ . فها هو – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يسمعُ لزوجِهِ عائشة - رَضِيَ اللهُ عنها – وهِيَ تَقُصُّ عليهِ حديثَ الإحدى عشرةَ نِسوة دُونَ سأمٍ مِن كلامِها ، ودُونَ أن يُقاطِعَها ، أو يُغلِظَ لها القول . كما كان - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يتحمَّلُ مايدورُ بين زوجاتِهِ من مواقف يكونُ سببها الغَيْرَة ، بل ويدعوا الواحدةَ منهنّ للاقتصاصِ مِنَ الأخرى إذا استدعى الأمرُ ذلك ، كما وقع بين عائشة وسَوْدَة رَضِيَ اللهُ عنهما . وكان – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – رفيقًا بأبنائِهِ وبناتِهِ ، فقد دَمَعَت عيناهُ لموتِ ابنِهِ ، وكان يتلطَّفُ مع فاطمة ابنتِهِ ، ويَفرحُ بقُدومِها . ** • رِفْقُ المُعلِّمِ بتلامِيذِه : فيُحسِنُ إليهم ، ولايبخلُ عليهم بعِلمِهِ ، ويتلطَّفُ مع ضعيفِ التحصيلِ منهم ، ولا يُوَبِّخه أمام زُملائِهِ ، ويُشَجِّعُ النَّابِغَ منهم ، ويحترمُهم ولو خالفوه الرأيَ . وقد كان النبيُّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يتلطَّفُ مع أصحابِهِ ، ويُعلِّمُهم بلا ضَجَر ، فهذا عبد الله بن مسعودٍ – رَضِيَ اللهُ عنه –يقول : ( عَلَّمَنِي رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - التَّشَهُّدَ ، كَفِّي بين كَفَّيْهِ ، كما يُعَلِّمُني السورةَ مِنَ القُرآن ... ) رواه مُسلم . • الرِّفْقُ في تعليمِ الجاهِل : وذلك بالصَّبرِ عليه ،وعدم نَهره ، أو السُّخريةِ منه ، أو الاستهزاءِ به ،وقد كان هذا هَدْيَ نبيِّنا محمدٍ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – في تعليمِ الجاهل . جاء رجلٌ إلى النبيِّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -فقال : ( إنِّي لا أستطيعُ أن آخُذَ شيئًا مِنَ القُرآن ، فعَلِّمني ما يُجزئُني ، فقال : قُل :سُبحانَ الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلَّا الله ،واللهُ أكبر ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله ) حَسَّنه الألبانيُّ . وعن أبي هُريرةَ – رَضِيَ اللهُ عنه – ( أنَّ النبيَّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - دخل المَسجدَ ،فدخل رجلٌ فصلَّى ، ثُمَّ جاء فسَلَّمَ على الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، فَرَدَّ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - عليه السَّلامُ ، فقال :ارجِع فصَلِّ ، فإنَّكَ لم تُصَلِّ . فصلَّى ، ثُمَّ جاء فسَلَّم على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ،فقال : ارجِع فصَلِّ ، فإنَّكَ لم تُصَلِّ ، ثلاثًا ،فقال : والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ ، فما أُحسِنُ غيرَهُ ، فعَلِّمنِي ، قال : إذا قُمتَ إلى الصلاةِ فكَبِّر ، واقرأ ما تيسَّر معكَ مِنَ القُرآن ، ثُمَّ اركع حتى تَطمئِنَّ راكِعًا ، ثُمَّ ارفع حتى تَعتدِلَ قائِمًا ، ثُمَّ اسجُد حتى تَطمئِنَّ ساجِدًا ، ثُمَّ ارفع حتى تَطمئِنَّ جالِسًا ، ثُمَّ اسجُد حتى تَطمئِنَّ ساجِدًا ، ثُمَّ افعل ذلك في صلاتِكَ كُلِّها ) مُتفقٌ عليه . ** • رِفْقُ الدَّاعيةِ بالمَدعُوُّيين : فلا يكونُ فظًّا جافيًا في حديثِهِ ونُصحِه ، وقد قال رَبُّنا– جَلَّ وعلا – لنبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ آل عِمران/159 . فلو أنَّ داعيةً بدأ يُرَهِّبُ الناسَ مِنَ النارِ ،ويُعَنِّفُهم ، وينصحُهم بشِدَّةٍ وجفاء ، لرأيتَ الناسَ عنه مُبتعدين ، ولنصائحِهِ غيرَ مُستمعين ، بعكسِ مَن ألان لهم القولَ ، وبعد أن رَهَّبَهم مِنَ النار رغَّبَهم في الجنةِ ، وما فيها مِنَ النعيم ،ودعاهم إلى التوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ بأسلوبٍ لَيِّنٍ رقيق .وقد قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( يَسِّروا ولا تُعَسِّروا ، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا ) مُتفقٌ عليه . وعن أبي هُريرة – رَضِيَ اللهُ عنه – قال : بالأعرابيٌّ في المسجدِ ، فقام الناسُ إليه لِيَقعوا فيه ،فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( دَعُوهُ وأريقواعلى بَوْلِهِ سَجْلاً مِن ماء ، أو ذَنُوبًا مِن ماء ، فإنَّما بُعِثتُم مُيَسِّرين ، ولم تُبعَثوا مُعَسِّرين ) رواه البُخاريُّ . • الرِّفْقُ بالخَدَم : بأنْ يُطعِمَهم المُسلِمُ مِمَّا يَطعَم ،ويُلبِسَهم مِمَّا يَلبس ، ولا يُعنّفهم ، ولا يزدريهم أويتكبَّر عليهم ، أو يُكَلّفهم ما لا يُطيقونَ مِنَ الأعمال .قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إذا أتى أحدَكم خادِمُهُ بطعامه ، فإن لم يُجلِسه معه ، فليُناوله لُقمةً أو لُقمتين ، أو أكلةً أو أكلتين ... ) رواه البُخاريّ ، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( إخوانُكم خَوَلُكم ، جعلهم اللهُ تحت أيديكم ، فمَن كان أخوه تحت يده ،فليُطعمه مِمَّا يأكل ، وليُلبسه مِمَّا يَلبس ، ولاتُكَلِّفُوهم ما يَغلِبُهم ، فإن كَلَّفتموهم فأعينوهم ) مُتفقٌ عليه . قال القاضي عِياض في ( مشارق الأنوار ) :" خَوَلكم - بفتح الواو - أي خَدَمُكم وعَبيدُكم الذين يتخوَّلون أموركم ، أي يُصلحونها ،ويتخوَّلونهم أي يُسَخِّرونهم " .وقال أنسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه : ( خدمتُ- النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - عَشرَ سِنين ،فما قال لي أُفٍّ قَط ، وما قال لي لشيءٍ لمأفعله : ألَا كُنتَ فعلتَه ؟ ولا لشيءٍ فعلتُه : لِمَ فعلتَه ؟ ) صَحَّحه الألبانيُّ . ** • رِفْقُ الرئيسِ بمَرءوسيه : بألَّا يَشُقَّ عليهم ، ولايتعالى عليهم بمَنصبه ، ولا يَحرمهم مِن مُستحَقَّاتِهم بدونِ سَبَبٍ واضِحٍ ، سواءٌ أكان رئيسَ دولةٍ ، أو مُديرَ مَصلحةٍ ، وقد قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( اللهم مَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتي شيئًا ، فشَقَّ عليهم ، فاشقُق عليه ، ومَن وَلِىَ مِن أمرِ أُمَّتي شيئًا ،فرَفَقَ بهم ، فارفُق به ) رواه مُسلم . ** • الرِّفْقُ بغيرِ المُسلمين المُسالِمين ما لم يُؤذُواالمُسلمين : وذلك بحُسنِ مُعاملتِهم ، وعدمِ الإساءةِ لهم بقولٍ أو فِعل ، والعَدلِ معهم ،وعدم ظُلمِهم ، قال اللهُ تعالى : ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ المُمتحِنة/8 . وهذا لا يعني مُشاركتَهم في أعيادِهم ، أو تَهنئَتَهم بها ؛ لأنَّ هذا يُعَدُّ موالاةً لهم ، وتأييدًا لهم على باطِلِهم . وكذلك لا يعني التَّشَبُّهَ بهم في أفعالِهم المُخالِفةِ لدينِ اللهِ عزَّ وجل . قال رَبُّنا سُبحانه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ المائدة/51 ، وقال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَن تشبَّهَ بقومٍ فهو مِنهم ) صحيح الجامِع . • الرِّفْقُ في المَعيشة : ويكونُ بأن يعيشَ المُسلِمُ على قَدر إمكانياتِهِ المَادِية ، فلا يُنفِقُ الكثيرَ مِنَ الأموالِ في الطعامِ والشرابِ واللباسِ والمَسكنِ وغير ذلك مِنَ الكمالياتِ أو الأشياء الثانوية التي لا حاجةَ لها في البيت ، بل يُنفِقُ على قَدرِ حاجتِه . وفي نفسِ الوقتِ لا يَقتُرُ على نَفسِه أو على أهلِ بيتِهِ ،قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( دِينارٌ أنفقتَه في سبيل الله ، ودِينارٌ أنفقتَه في رقبة ، ودِينارٌ تصدَّقتَ به على مِسكين ، ودِينارٌ أنفقتَه على أهلِكَ ، أعظمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِكَ ) رواه مُسلِم . وللأسف ، كثيرٌ مِنَ المُسلمين اليوم لا يعرفون الرِّفقَ في مَعيشتِهم ؛ فيشترونَ كُلَّ جديدٍ في السُّوق ،ويجرون وراء المَوضة والمُوديلات ، بل قد يشترون مِنَ المأكولات ما لا يُحِبُّونه أو يشتهـونـه ، ويسعون لامتلاكِ العقارات والسيارات ، وغيرِها مِمَّا لا حاجةَ لهم فيه ، فيُصبحون بذلك مِنَ المُبذِّرين ، الذين قالَ اللهُ – تعالى – عنهم : ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ الإسراء/27 . والرِّفْقُ في المَعيشةِ مَطلوبٌ مِنَ المُسلِمِ ؛حتى يَسعَدَ في حياتِهِ ، ولا يَشقَى بكثرةِ حاجِيَّاتِهِ ومُتطلباتِه . ** • الرِّفْقُ بالحيوانات والطيور : ويكونُ ذلك بعدم ضربها ، أو حَبسِها ، أو وضعِ أحمالٍ ثقيلةٍ عليها ؛كالحِمَارِ والجَمَلِ والحِصَان ، وكذلك بتوفيرِ طعامِها وشرابها . عن عبد الله بن جعفر قال : ( أردفني رسولُ اللهِ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - خلفه ذات يومٍ ، فأَسَرَّ إليَّ حديثًا لا أُحَدِّثُ به أحدًا مِنَ الناس ، وكان أَحَبَّ ما استَتَر به رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - لحاجتِهِ هَدفٌ أو حائِشُ نَخلٍ ، فدخل حائطًا لرجلٍ مِنَ الأنصار ، فإذا جَمَلٌ ، فلَمَّا رأى النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - حَنَّ وذَرَفَت عيناه ، فأتاه النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - فمَسَحَ ذفراه ، فسَكَتَ ، فقال : مَن رَبُّ هذا الجَمَل ؟ لِمَن هذا الجَمَل ؟ فجاء فتىً مِنَ الأنصار فقال : لي يا رسولَ الله ، فقال : أفلا تَتَّقِي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إيَّاها ، فإنَّه شكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُهُ وتُدئِبُه ) يعني : تُتعِبُه وتُكِدُّه .. رواه أبو داود ، وصَحَّحه الألبانيُّ . وقد ( عُذِّبَت امرأةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتها حتى ماتت ،فدخلت فيها النار ، لا هِيَ أطعمتها ولا سقتها إذحَبَسَتها ، ولا هِيَ تركتها تأكلُ مِن خَشاشِ الأرض ) مُتفقٌ عليه . وقال أنسُ بنُ مالِكٍ – رَضِيَ اللهُ عنه – لغِلمانٍ أو فِتيانٍ نَصَبُوا دجاجةً يرمونها : ( نَهَى النبيُّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – أنْ تُصبَرَ البهائِمُ ) مُتفقٌ عليه . قال العُلماءُ : صَبْرُ البهائِمِ : أنْ تُحبَسَ وهِيَ حَيَّةٌ ؛ لِتُقتَلَ بالرَّمي ونَحْوِهِ . ومِن الرِّفقِ بالحيوانِ أيضًا : الإحسانُ في ذَبْحِهِ ، وهو ما ورد في حديثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :( إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحسانَ على كُلِّ شيء ، فإذا قَتَلتُم فأحسِنُوا القِتْلَة ، وإذا ذَبَحتُم فأحسِنُوا الذِّبْحَة ، وليُحِدّ أحدُكم شَفرتَه ، وليُرِح ذَبيحتَه ) رواه مُسلم . • الرِّفْقُ بالجَمَادات : وذلك بالمُحافظةِ على ما يمتلِكُه المُسلِمُ مِن أدواتٍ وأجهزةٍ وأثاث ، وعدم إتلافِها ، أو إهمالِها ، أو إساءةِ استعمالِها . وانظري لهذه التي أرادت أن تُطيلَ عباءَتها قليلاً ،فبدأت تَفُكُّ الثنيةَ الموجودةَ بها بِشِدَّة ، فانقطعت عباءَتُها ، فعضَّت على شَفَتِها ، وقالت : لو تعاملتُ معها برِفقٍ لَمَا حَدَثَ هذا . وهذا الذي أغلقَ البابَ بعُنفٍ ، فجُرِحَت يدُه . ونبيُّنا – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يقول : ( إنَّ الرِّفْقَ لا يكونُ في شئٍ إلَّا زانَه ، ولا يُنزَعُ مِن شئٍ إلَّا شانَه ) رواه مُسلم . والرِّفْقُ في حياتِنا يُشبِهُ النَّسيمَ في رِقَّتِه ، والماءَ في عُذوبَتِهِ ، والعسلَ في حلاوتِهِ . و ( مَن يُحرَم الرِّفْقَ ، يُحرَم الخيرَ كُلَّه ) رواه مُسلم ، كما أخبر بذلك نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم . ومِن ثمــراتِ الرِّفْق : أنَّه يُؤلِّفُ بين القلوبِ ، ويُزيلُ ما بها مِن غِلٍّ وبُغضٍ وشحناء . كما أنَّه يَمنحُ صاحِبَه راحةً نفسيةً ، وطُمأنينةً قلبيةً ، ويُوجِدُ مَحَبَّتَهُ في قلوبِ الناس . والرِّفْقُ يجعلُ المُسلِمَ لا ينتقِمُ لنفسِهِ أبدًا ، ولا يَغضبُ لها ، بل يغضبُ للهِ إذا انتُهِكَت حُرُماتُه ، وقد كان هذا خُلُقَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ؛ قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها :( ... وما انتقمَ رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – لنفسِهِ في شئٍ قَط ، إلَّا أنْ تُنتَهَكَ حُرمَةُ الله ، فينتقِم للهِ تعالى ) مُتفقٌ عليه ومِن ثمــراتِ الرِّفْقِ أيضًا : أنَّ الإنسانَ الرَّفيقَ ينجو مِنَ النارِ بإذن الله سُبحانه ؛ لقولِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( ألَا أُخبركُم بِمَن يَحْرُمُ على النار ، أو بِمَن تَحْرُمُ عليهِ النار ؟ تَحْرُمُ على كُلِّ قريبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهلٍ ) صحيح الجامِع فلنتحلَّى جميعًا بهذا الخُلُقِ الحميد ، ولنبتعِد عن الغضبِ والشِّدَّةِ والعُنف .
ولنتذكَّر وَصيَّةَ نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتِنا - مُحمدبن عبد الله - عليه الصلاةُ والسَّلامُ - لِمَن طلبَ منهُ الوصيةَ : ( لا تَغضَب ) ، بل لم يكتفِ بقولِها مرةً واحدةً ، ( فرَدَّدَ مِرارًا قال : لا تَغضَب ) رواه البُخاريُّ . ولنتأمَّل مَلِيًّا هذا الحديث : ( إنَّ اللهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ ، وما لا يُعطي على ما سِواه ) رواه مُسلِم . فإذا كان اللهُ عَزَّ وجلَّ يُحِبُّ هذه الصِّفةَ الجميلةَ ، وهذا الخُلُقَ الحَسَنَ ، فكيف لانتَّصِفُ به دائمًا ، ولا نتخلَّقُ به ؟!! وكيف نجعلُ الغضبَ والغِلظةَ مُلازِمَيْنِ لنا في كُلِّ موقفٍ ؟!! فلنستخدِم الرِّفقَ في كُلِّ شئونِ حياتِنا ؛ حتى نسعَدَ ونُسعِدَ مَن حولنا ، بجميلِ أخلاقِنا ، وبتطبيقنا لِهذا الخُلُقِ الذي تخلَّقَ به نبيُّناوحبيبُنا – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – وحَثَّنا عليه . رَزَقنا اللهُ وإيَّاكنَّ الرِّفقَ وحًسنَ الخُلُق ، وجعلنا هُداةً مُهتدين ، غيرَ ضالِّين ولا مُضِلِّين . |
2012- 12- 2 | #2 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
رد: كالنسيم في رقته
جزبت خيرآآ
|
2012- 12- 2 | #3 |
متميزة كلية الاداب _علم اجتماع
|
رد: كالنسيم في رقته
كلام جميل ونسائم شاملة
راق لي الله يعطيك الصحة والعافية |
2012- 12- 2 | #4 |
مشرفة عامة سابقاً
|
رد: كالنسيم في رقته
عليه الصلاه والسلام
موضووووع رائع جدااااا الله يعطيك العافيه على هذا الطرح القيم والمفيد.... دمت بسعاده وخير.... |
2012- 12- 2 | #5 |
أكـاديـمـي فـضـي
|
رد: كالنسيم في رقته
لله درك ..
|
2012- 12- 2 | #6 |
متميزة في علم الاجتماع مستوى 8
|
رد: كالنسيم في رقته
ما شاء الله
طرح رائـع وقلم معطاء ،، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد .. بارك المولى فيك وسدد خطاك يا أبوعبدالله♥ |
2012- 12- 3 | #7 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
رد: كالنسيم في رقته
نسائم فاضت برقتها عنان السماء
فهطلت على قلوبنا فكانت كالمطر يسقي نبع اعجابنا سلمت اناملك اخوي أبو عبدالله13 وجميل جدا ما سطرته يداك لك مني اعجاب و ++ تقييم ++ تقبل مروري |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|