|
منتدى كلية العلوم منتدى كلية العلوم ; مساحة للتعاون و تبادل الخبرات بين طلاب و طالبات كلية العلوم و نقل آخر الأخبار و المستجدات . |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
لـ د. بدران محاضرات الأختبار النهائي المحاضرة 6 + 7 + 8 + 9 مع حفظ سورة الحجرآت .. التعديل الأخير تم بواسطة دمعة المآس ; 2011- 1- 26 الساعة 10:41 PM |
2011- 1- 26 | #2 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
المحاضرة السادسة والسابعة عناصر المحاضر: ثانياً: المهنة والعمل في الإسلام:أولا: مفهوم المهنة: ثالثاً: مبادئ وقيم العمل والمهنة في الإسلام رابعاً: تعريف أخلاق المهنة: خامساً: مصادر أخلاق المهنة: سادساً: مدى الحاجة إلى دراسة أخلاق المهنة: سابعاً: مبادئ السلوك المهني: ثامناً: وسائل ترسيخ أخلاقيات المهنة : تاسعاً: عقبات تطبيق أخلاقيات المهنة : أولا: مفهوم المهنة: المِهنَة لغة:بكسر الميم وفتحها، والفتح أشهر. وتطلق على بذل النفس في الخدمةوالحذق فيها. وبهذا المعنى ورد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما على أَحَدِكم لو اشترى ثَوْبَيْن ليوم جمعته سوى ثَوْبَيمَهْنَته". أي سوى ثوبي الخدمة والعمل، إذ إن ثوب الخدمة والعمل يكونمبتذلاً ولا يصان، ولا تتم المحافظة على نظافته. وبهذا المعنى أيضاً ما ورد عَنْ أمالمؤمنين عائشة رضي الله عنها، حين سئلت عن مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: "كَانَيَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْالصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ". وفي حديث آخر قالت: "كان يفعل ما يفعل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويرقعدلوه". وتطلق المهنة في اللغة أيضاً علىالحذق والمهارة في العمل أو الحرفة التي يمتهنها صاحبها. والمهنة في الاصطلاحالمعاصر تطلق على: الحرفة التي تشتمل علىمجموعة من المعـارف العقلية ومجموعة من الممارسـات والخبرات التدريبية، يؤديهاالفرد من خلال ممارسته للعمل. أو هي: عمل يحتاج إلى معارف عقلية وخبرة ميدانية؛ كالطب، والهندسة، والتدريس، والمحاسبة، وغيرها. مرادفات لفظ المهنة: هناك ألفاظ قريبة في معناها من المهنة وربما التبست بها، وهي: الحرفة: الحِرفة لغةً: بالكسر؛الصنعة أو وسيلة الكسب التي يَرْتزق منها المرء بصفة مستمرة، من زراعة أو صناعة أوتجارة، وتحتاج إلى تدريب قصير. ويقال حِرْفَتُهُأنْ يفعل كذا: أي دأبه وديدنه. والاحتراف: هو الاكتساب. وليس لها معنى اصطلاحيخارج عن المعنى اللغوي. وغالباً ما تستعمل في الأعمال اليدوية سواء أكانت بآلة أوبغير آلة. من ذلك ما ورد أن أبا بكر الصديق رضيالله عنه لما استُخْلِف، وكان تاجراً، فأراد أن يخرج لتجارته، فقال له عمر: إلىأين؟ قال: أحترف لأهلي. قال: ومن لمصالح المسلمين وإدارة شؤونهم. ارجع ويُصرف لك منبيت المال حاجتك، فرجع فجعلوا له ألفين. فقال: زيدوني فإن لي عيالاً، وقد شغلتمونيعن التجارة، فزادوه خمسمائة. وقال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: "لَقَدْ عَلِمَقَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُبِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَيَحتَرِفُ –أي أبو بكر- لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ". فعمل أبي بكر رضي الله عنهوأرضاه كان في التجارة، وقد سماه حرفة. العمل: العمل لغةً:يُطلق علىالمهنة، وعلى الفعل. وعرّف نظام العمل والعمال السعودي العمل بأنه: (( مجموعة المهمات التي يؤديها الفرد الواحد سواء كان ذلك بوسيلة واحدة أو عدة وسائل )). والفارق بينه وبين المهنة أو الحرفة: أن العمل قد يكون من الإنسان أو الحيوان، والحرفة لا تكون إلا منالإنسان. فالثور الذي يحرث الأرض يعمل، والطائر الذي يبني لنفسه عشاً يعمل، ولكن لايُقال إنه محترفٌ أو ذو مهنة. والعمل قد يكونذهنياً، وقد يكون بدنياً، وأما الحرفة فالغالب أنها تُطلق على الأعمالاليدوية. والعمل يستعمل للمرة الواحدة ولأكثر، ولايحتاج إلى التدريب، بخلاف المهنة أو الحرفة فلا بد فيها من التدريبوالاستمرارية. الصنعة: الصنعةلغة: ترتيب العمل وإحْكامه على النحو الذيتعلمه، وبما يوصل إلى المقصود منه. فيقال للنجار صانع، ولا يقال للتاجر صانع؛ لأنالنجار قد سبق علمه بما يريد عمله من سرير أو باب وبالأسباب التي توصل إلى المقصودمنه، والتاجر لا يعلم إذا اتجر أنه سيصل إلى ما يريده من الربح أو لا. فالعمل لا يقتضي العلم بما يعمل له، بخلافالصنعة فإن تتطلب العلم بها. الفرق بينالصنعة والعمل: العمل يُطلق على ما يصدرمن الإنسان أو الحيوان، بينما لا تُطلق الصنعة إلا على ما صدر من الإنسانفحسب. العمل يُطلق على ما يكون بقصد وعلم، والصنعة لا تُطلق إلا على ما كان بإجادة، وفيه معنى الحرفة. فالصنعة أخص والعمل أعم. وكل صنعةٍ عملٌ، وليس كل عملٍصنعةً. الوظيفة: الوظيفة لغةً:ما يقدَّر من عمل أو طعام أو رزق في زمن معيَّن، وتأتي أيضاًبمعنى الخدمة المعيَّنة. وفيالاصطلاح المعاصر: تطلق الوظيفة على وحدة من وحداتالعمل، تتكون من عدة أنشطة مجتمعة مع بعضها في المضمون والشكل، ويمكن أن يقوم بهاموظف واحد أو أكثر. كالمحاسبة في شركة مثلاً فإنها وظيفة، تحتوي على مجموعة منالأنشطة من جمع للبيانات والفواتير، وتصنيفها وإدخالها في الحاسوب، وجمعها، وإجراءالمقابلة والمقاصة بين الوارد والصادر، ثم إخراج النتيجة النهائية لليوم، ثم للشهر، ثم للسنة، وهكذا... وقد يكون للشركة محاسب واحد أو مجموعة من المحاسبين. خصائص المهنة: للمهنة جملة منالخصائص أهمها: · تقديم خدمات أساسية ومفيدة للمجتمع. · حاجتها إلى الإعداد العلمي من خلال برامج ذات أهدافمحددة واضحة, ومن جهات علمية معترف بها. · لكل مهنة معارف ومهارات خاصة بها. · لكل مهنة قوانين وآداب تنظم وتحكم العمل بها. · غالباً ما توجد في وقتنا الحالي تجمع للعاملين بالمهنةيتحدث باسمها ويدافع عنها. |
2011- 1- 26 | #3 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
ثانياً: المهنة والعمل في الإسلام: إن من يقرأ في كتاب الله تعالى،أو في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أن الإسلام يحث على العمل، ويرفع منشأنه. كما أن من يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة، أو غيره من الأنبياء، أو يقرأ في سير الخلفاء الراشدين، أو الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، أو في سيرسلف الأمة وأئمتها، يجد أنهم جميعاً قد مارسوا مختلف المهن من تجارة ورعي وزراعةوخياطة وحدادة وغيرها. وإن العامل المسلم يتفرد بأن العمل عنده له طابع تعبدي، فقد تضمن الإسلام تعليمات وإرشادات تختص بالكسب والعمل المشروع، وتحذر من العمل والكسب غير المشروع. قال تعالي "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" ( الملك آية 15 ) كما أن الإسلام لم يأمر الناس بالعبادة فقط، بل طلب إلى جانبها السعي في طلب الرزق الحلال قال تعالي: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" ( الجمعة آية10). وحث المصطفى على الاكتساب بقوله:" ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري. ويقول: "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاًفيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" وعن ابن عباس رضي اللهعنهما قال: "كان آدم عليه السلام حراثاً (زراعاً)، وكان إدريسخياطاً، وكان نوح نجاراً، وكان هود تاجراً، وكان إبراهيم راعياً (وورد بزازاً أيتاجراً يبيع الملابس)، وكان داود زراداً (أي حداداً)، وكان سليمان خواصاً، وكانموسى (راعياً) أجيراً، وكان عيسى سياحا، وعمل محمد صلى الله عليه وسلم في التجارةوالرعي كما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم". ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لأرىالرجل فيعجبني، فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا؛ سقط من عيني". هذه النصوص تدل على عناية الاسلام بالعمل والمهن والحرف، والحث عليها، وإعلاء مكانتها ومكانة العاملين والباذلين جهدهم. ثالثاً: مبادئ وقيم العمل والمهنة في الإسلام يمكن حصر بعض المبادئ والقيم ذات العلاقة بالعمل ومن أبرزها:- 1. الإتقان: الإتقان هو إنجاز العمل على الوجه الأكمل والنحو الأتم حتى يكتب له النجاح والاستمرار قال النبي (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه البيهقي في شعب الإيمان. وعنه أيضاً قال: "إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يُحْسِنَ" 2. التعاون مع الزملاء والرؤساء: قال تعالى: "(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)" ( المائدة، آية 2). وقال صلى "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " . 3. المسؤولية: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال ) كلكمراعوكلكممسئولعنرعيتهوالأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأةراعية على بيت زوجها وولدهفكلكمراعوكلكممسئولعنرعيته) صحيح البخاري. ومن المسئولية مكان العمل فعامله معاملتك لبيتك، فحافظ على الأثاث والمعدات والأدوات، واقتصد في استهلاكها، ولا تستخدمها إلا للعمل وليس للمصلحة الشخصية.4. حسن الخلق والتعامل: إن حسن الخلق والتعامل في العمل له أهمية كبرى حيث يجعل بيئة العمل مريحة ويعمل الجميع بروح الفريق، ولذلك نجد أن الرسول يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ويشرح الخلق في حديث آخر بأنه (كلمة طيبة ووجه طلق)، وفي حديثاً آخر (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون، ويألفون). 5.الأمانة: قال رسول : "إن الله يحب المحترف الأمين المغبون"، وكما في قوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين"(هود، 84-85) حدثنا حميد عن يوسف بن مالك المكي قال كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم فغالطوه بألف درهمفأداهاإليهم فأدركت لهم من مالهممثليها قال قلت أقبض الألف الذي ذهبوا به منك قال لا حدثني أبي أنه سمع رسول الله يقول (أدالأمانةإلى منائتمنكولاتخنمنخانك) رواه أبو داود. ومن الأمانة أوقات العمل فهو مال عام، أمانة في عنقك، إن أنتأنفقتها فيغير العمل،فقد تصرفت فيم اؤتمنت عليه . 6. العلم: وعن أنس بن مالك قال:قال رسول )طلبالعلمفريضةعلى كلمسلم...) رواه ابن ماجه. وقال (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) رواه مسلم والعلم المقصود به في الحديث كل علم شرعيا كان أو غيره، فتعلم اللغات الأخرى من سنن الإسلام، فرسول الله أمر (زيد بن ثابت ) بإجادة السريانية، ثم أمره بتعلم لغة اليهود حيث قال له لا آمن يهود على كتابي . 7. الصبر و المثابرة: حدثنا سعد بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال:) أحبالأعمالإلى الله عز وجلأدومهاوإنقَلَّ) رواه الإمام أحمد. __________________ |
2011- 1- 26 | #4 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
رابعاً: تعريف أخلاق المهنة: أخلاق المهنة هي تلك التوجيهات النابعة من القيم والمبادئ التييؤمن بها أفراد المجتمع، والتي ينبغي للشخص أن يتحلى بها أثناء ممارسته للمهنة. أو هي: عبارة عن توجيهات منشأها القيم والمبادئ، تعنى بالتصرف اللائق أثناء ممارسة الأنشطة المهنية. كما تعرف أخلاقيات المهنة بأنها " نظام المبادئ الأخلاقية وقواعد الممارسة التي أصبحت معياراً للسلوك المهني القويم". فلكل مهنة أخلاقياتها التي تشكلت وتنامت تدريجيا مع الزمن إلى أن تم الاعتراف بها وأصبحت معتمدة أدبياً وقانونياً. وتتضمن هذه الأنظمة الأسس والواجبات والحقوق والمحظورات التي يجب التقييد بها عند ممارسة عمل مهني محدد. الفرق بين أخلاق المهنةوأنظمتها: عرفنا آنفاً أخلاق المهنة، وأما أنظمتها فهي تلك القوانين والتشريعات التي تحدد وتنظم عمل الممارسينللمهنة. أي أن أخلاق المهنة تهتم بما ينبغي فعله،وأما أنظمة المهنة فتهتم بما يجب فعله. وعليهفإن من يخالف الأخلاق يستحق اللوم والعتاب، وأما من يخالف الأنظمة فإنه يستحقالعقوبة أيضاً مضافاً إلى اللوم والعتاب. أي أن أنظمة المهنة هي مجموعة من القوانين والتشريعات التي تنظم عمل الممارسين للمهنة وغالباً ما يترتب على انتهاكها عقوبات. ومن هنا فأخلاقيات المهنة تشير إلى ما ينبغي للطبيب فعله، بينما أنظمة المهنة تشير إلى ما يجب عليه فعله. ومن الواضح أن أنظمة المهنة تحتاج ابتداء إلى تقعيد وتأسيس من خلال أخلاقيات المهنة. خامساً: مصادر أخلاق المهنة: 1- أول وأهم مصدر تنبع منه الأخلاق والآداب المهنية هو الإسلام الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق، وإتقان العمل ومراقبة الله عز وجل في كل عمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وإنمصدر أخلاق المهنة عندنا نحن المسلمين إنما هو ديننا الحنيف. فالدين بما يدعو إليهمن مكارم الأخلاق، وإتقان العمل، ومراقبة الله عز وجل في كل شأن، هو مصدر الأحكاموالأخلاق. وهو المصدر لكل شيء مستحسن في الحياة، وهو المرشد والموجه. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِوَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُبَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (الأنفال:24). وقال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًوَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97). وقال تعالى: "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِنُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ, يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَالسَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِوَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (المائدة:15-16). فهذه الآيات وغيرها كثير، تؤكد أن الحياةالسعيدة الهانئة الطيبة إنما هي في اتباع شرع الله، وليس غيره. 2- ومن مصادر أخلاقيات المهنة ما تعارف عليه الناس من مكارم الأخلاق والأعراف والعادات السائدة في الموروث المحلي أو المكتسب من الحضارات الأخرى شريطة ألا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، 3- كما قد تستقى الآداب المهنية من نتائج البحث العلمي أيضاً، 4- وكذلك من أصول المهنة التي تبنى عليها الممارسة. ولقد اهتم العلماء المسلمون بأخلاقيات المهنة وآدابها وكتبوا عنها، فمنهم من أفرد لذلك كتاباً مثل (أخلاق الطبيب) لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت 313 هـ)، ومنهم من ضمّنها كتبه الطبية، ومنهم من نقلت عنه نصوصاً مأثورة دونت في ترجمته كما في (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لأحمد بن القاسم بن خليفة المعروف بابن أبي أصيبعة (ت 668هـ). بل حتى بعض الفقهاء أولى هذا الجانب أهمية، فهذا أبو عبدالله محمد بن محمد المالكي المعروف بابن الحاج (ت 737هـ) ألّف كتابه (المدخل) ضمّنه آداب الطبيب والتي تكاد تكون صورة مختصرة لما هو متفق عليه في عصرنا. هذا فضلاً عما ألّفه علماء المسلمين في الأخلاق، وهو تراث ضخم قد لا يوجد مثله في أي حضارة أخرى. سادساً: مدى الحاجة إلى دراسة أخلاق المهنة: لكل مهنة أخلاق وآداب عامة تحددهاالقوانين واللوائح الخاصة بها، ومن خلال مراعاتها تتم المحافظة على المهنةومكانتها. وكثيراً ما تجمع هذه الآداب والأخلاق في وثيقة واحدة، يطلق عليها ميثاقالشرف المهني. ومن المعلوم أن مجموع المهن فيالمجتمع هي الأداة المنفذة لأهداف وتطلعات أبنائه، فإذا فقد العاملون فيها الآدابوالأخلاق، كان ذلك نذير شؤم عليهم، ودليلاً على قرب نهايتهم، إذ كما قال الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهمذهبوا. وتزداد أهمية أخلاق المهنة في عصرناالحالي نظراً لاتساع سلطان العلم وما رافقه من تقنيات معاصرة بشكل مذهل، ولتضاعفمجالات العمل أضعافاً كثيرة عن العصور السابقة، وقد رأينا كيف أن العلم استغلاستغلالاً سيئاً من قبل بعض المجتمعات، فأصبح وسيلة للإفساد والتدمير والعبث بمصيرالبشرية والبشر، فمن القنابل النووية إلى الهيدروجينية، إلى الصواريخ العابرةللقارات، إلى غزو الفضاء من خلال الأقمار التجسسية، إلى التلاعب بالجينات الوراثيةوالاستنساخ ... وهكذا. وقد شعر كثيرون من رجالالعلم والفكر في العالم بخطورة الأمر، فدعوا إلى وضع ميثاق شرف أخلاقي لكل مهنة، منشأنه أن يحمي سمعتها، ويحافظ عليها من الانحراف والاستغلال. |
2011- 1- 26 | #5 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
صفات الميثاق الأخلاقي: لكي يحقق الميثاق الأخلاقي أهدافه يجب أنيتصف بما يلي: · أن تكون مواده منسجمة مع قيم المجتمع ومبادئه. · أن تكون مختصرة. · أن تكون سهلة وواضحة. · أن تكون معقولة ومقبولة من الناحية العملية. · أن تكون شاملة. · أن تكون إيجابية. سابعاً: مبادئ السلوك المهني: تشمل قواعد السلوك المهني بعض المبادئ العامة كما هناك بعض المبادئ الخاصة بكل مهنة على حدة ومن تلك المبادئ العامة. 1. التطوير الذاتي: على العامل السعي الدءوب لتحصيل المعارف والمهارات الأساسية والحديثة والمتطورة في تخصصه، من خلال القراءات الشخصية وحضور الندوات والمحاضرات المتخصصة وقراءة المجلات والأبحاث والمقالات ذات العلاقة بعمله، وكذلك حضور البرامج التدريبية المهنية، والاشتراك في عضوية الجمعيات والاتحادات الدولية المهنية، ومشاركة أعضاء تخصصه، والتشاور عبر شبكة الانترنت أو الاتصال الشخصي المتبادل. 2. الالتزام: يقصد به الالتزام بالتعليمات والسياسات والأهداف الاستراتيجية بعمله، والحفاظ على سرية المعلومات، وعدم استغلال المعلومات لتحقيق منافع شخصية، أو إيقاع الضرر بالآخرين، بالإضافة إلى تقدير خبرات وخلفيات زملائه بالمهنة، والتشاور المتبادل فيما يحقق الارتقاء بالعمل، 3. الموضوعية: يقصد بها عدم تأثير عواطفه الشخصية على اتخاذ قرار ممارسة سلوك يوقع الضرر بحقوق، المراجعين أو العملاء أو العمل، بما في ذلك التحيز الجنسي أو الطائفي أو العرقي أو الإقليمي أو العلمي، والاعتراف بالخطاء والرجوع عنه إذا حدث. 4. الصدق: يقصد به عدم التلاعب أو تغيير أو إخفاء أو العبث بمضمون الدراسات أو التقارير والمعلومات، وتقديم النصح بشكل شفاف، والحرص على جودة الخدمات أو المنتجات دون غش أو تدليس بالترويح أو البيع أو الاستخدام. وقد حذر الله عز وجل من التدليس والغش والإجحاف بحقوق الآخرين قال الله تعالي " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" ( التوبة، آية 119). وأشار النبي إلى ذلك في قوله: "من غشنا فليس منا)" وقوله: "من بات وفي قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط الله وأصبح كذلك وهو في سخط الله حتى يتوب أو يرجع، وقوله: "من غش مسلماً في شراء أو بيع فليس منا) . 5. عدم استخدام النفوذ: يمنع مطلقاً على العامل قبول أو دفع الهدايا أو الرشاوى أو الخدمات أو الضيافة، بهدف الحصول على ميزة معينة، بل يجب السعي لتحقيق مصالح المؤسسة أو الشركة دائما، سواء نص على ذلك أولم ينص. 6. الحفاظ على أصول المنشاة: يجب على العامل الحفاظ على أصول المنشأة وصيانتها ووصف التعامل معها دون إحداث أضرار أو تخريب، سواء داخل دائرة المسئولية أو خارجها، وكذلك الابتعاد عن استخدامها للأغراض الشخصية خارج أو داخل أوقات الدوام، إلا بإذنه سواء صغرت أو كبرت قيمتها. 7. عدم إفشاء أسرار العمل: يعتبر عدم إفشاء أسرار العمل من المبادئ المهمة في السلوك المهني إذ يحظر على الموظف إفشاء أسرار المنشأة التي يعمل بها أو التحدث والإدلاء ببعض المعلومات التي قد تمس العملاء داخل المنشاة . __________________ |
2011- 1- 26 | #6 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
ثامناً: وسائل ترسيخ أخلاقيات المهنة :
* تنمية الرقابة الذاتية : فالموظف الناجح هو الذي يراقب الله تعالى قبل أن يراقبه المسؤل، وهو الذي يراعي المصلحة الوطنية قبل المصلحة الشخصية، فإذا تكون هذا المفهوم الكبير في نفس الموظف فستنجح المؤسسة بلا شكّ؛ لأن الموظفين مخلصون لها . فالرقابة الذاتية هي التي كانت تدفع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتفقد رعيته في مسيراته الليلية المشهورة في المدينة المنورة . والرقابة الذاتية التي كانت ترقى بإيمان ذلك الراعي الذي مرّ به عبد الله بن عمر وطلب منه أن يذبح له شاة ويعطيه ابن عمر ثمنها ، فاعتذر الراعي بأن مولاه لم يأذن له ، فقال له ابن عمر يختبره : إذا سألك مولاك عنها قل له : أكلها الذئب ، فقال الراعي : فأين الله ؟! هذه الرقابة تمنع من الخيانة، وتعين على الأمانة، لذا فهي من المقومات المتفق عليها في العالم .... ففي استبيان أجرته مجموعة روبرت هاف انترناشيونال المحدودة ، على أكثر من 1400 موظف، أجاب 58 % منهم بأن الاستقامة والنزاهة هما أكثر صفتان تعجبهم في المرشَّحين للوظائف .( www.calcpa.org ) ويشتهر اليابانيون بجديتهم الذاتية في أداء العمل، حيث إن العمل هو وجود المواطن الياباني، وهو ما يعرف بالـ ( YORUKI ) أي: النزعة الذاتية للبحث عن الذات من خلال العمل . ولذا كانت نسبة الغياب عن العمل في اليابان ( 2 % ) ! وحاولت الحكومة اليابانية تخفيض ساعات العمل ففشلت ! لأن الموظفين يريدون بقاء ساعات العمل طويلة . ولتنمية الرقابة الذاتية وسائل: كتقوية الإيمان بالله والتقوى، وتعزيز الحس الوطني، وتحمل المسؤولية، والإقناع بأهمية الوظيفة وأدائها بشكل صحيح. * وضع الأنظمة الدقيقة التي تمنع الاجتهادات الفردية الخاطئة : لأن الممارسات الأخلاقية غير السوية تنتج أحياناً من ضعف النظام، أو عدم وضوحه. ويمكن للمؤسسة أن تخصص مكتباً خاصاً للاهتمام بأخلاق المهنة، يقوم عليه مجموعة من الموظفين، ولهذا الجهاز رقم هاتف خاص ساخن للتبليغ عن أي خلل في الأخلاق. وسيكون مردود هذا المكتب على أداء العمل رائعاً جداً . ومن وسائل التوعية بهذه الأنظمة: ما ورد في نظام العمل والعمال (مادة 9 من الفصل الأول): يجب على صاحب العمل والعامل معرفة أحكام نظام العمل بجميع محتوياته، ليكون كل منهما على بينة من أمره ... وعالماً بما له وبما عليه. ويجب فوق ذلك أن توضع في مكان ظاهر بكل مؤسسة تستخدم عشرين عاملاً فأكثر ... كما يجب أن توضع في مكان ظاهر بالمؤسسة لائحة للجزاءات تشتمل على الأفعال والمخالفات وعدم تنفيذ الأوامر والالتزامات المكلَّف بها العامل. * القدوة الحسنة : فإذا نظر العاملون إلى المدير وهو لا يلتزم بأخلاق المهنة، فهم كذلك من باب أولى. وقد قال الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه: ولِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني. لذا لما مات قال فيه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: رحمك الله يا أبا بكر، لقد أتعبت من بعدك. * تصحيح الفهم الديني والوطني للوظيفة : فإذا اقتنع العامل بأن العمل عبادة، وأن العمل وسيلة للتنمية الوطنية، وازدهار البلد، وتحسين مستوى الدخل زاد لديه الالتزام بأخلاق المهنة. * محاسبة المسؤلين والموظفين : فلا بدّ من المحاسبة للتأكد من تطبيق النظام، وهو ما يعرف بالأجهزة الرقابية التي تشرف على تطبيق النظام، وقد كان عمر رضي الله عنه يسأل الرعية: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنتُ قضيت ما عليّ؟ قالوا: نعم. قال: لا ، حتى أنظر في عمله، أعمِل بما أمرته أم لا. * التقييم المستمر للموظفين : مما يحفزِّهم على التطوير إذا علموا أن من يطوِّر نفسه يقيَّم تقييماً صحيحاً، وينال مكافأته على ذلك، والتقييم يعين المسؤل على معرفة مستويات موظفيه وكفاءاتهم ومواطن إبداعهم. وورد في نظام الخدمة المدنية / المادة 36 : تعدّ تقارير دورية عن كل موظف وفق لائحة يصدرها رئيس مجلس الخدمة المدنية. واللائحة هي "لائحة تقويم الأداء الوظيفي " الصادرة في عام 1404 هـ . تاسعاً: عقبات تطبيق أخلاقيات المهنة : * عدم تطبيق العقوبات : فمن أمن العقوبة أساء الأدب – كما يقول المثل -، والعقوبة لا تراد لذاتها، بل لتقويم سلوك الأفراد والمسؤلين المنحرف، وإعطاء الآخرين صورة عن الجدية في تطبيق النظام. * غياب القدوة الحسنة. * ضعف الحسّ الديني والوطني: وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. * عدم وجود، أو عدم وضوح، أو تفعيل النظام . * فقدان روح التفاهم بين المسؤل والموظفين. __________________ |
2011- 1- 26 | #7 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
|
2011- 1- 26 | #8 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
المحاضرة الثامنة أخلاقيات الوظيفة العامة في المملكة العربية السعودية مقدمــة : يعتبر السلوك الوظيفي اللاأخلاقي للموظف العام وإهماله وتسيبه من المشكلات الهامة التي تعوق التنمية السريعة في الدول النامية، بل إنه من أهم الأسباب التي ولدت لدى المستفيدين من الخدمات العامة مشاعر عدم الرضا وعدم الثقة تجاه الأجهزة الحكومية في هذه الدول، ومن الملاحظ أن هذا النمط السلوكي اللاأخلاقي يظهر في غالبية الدول النامية رغم تعدد الإجراءات والمحاولات المختلفة التي تقوم بها هذه الدول للحد من هذه الظاهرة، وتتمثل هذه الإجراءات في: · الاهتمام بتقنين العقوبات التأديبية التي توقع على الموظف العام باعتبارها وسيلة رئيسة لتقويم هذا السلوك والحد منه. · وضع أصول وقواعد دقيقة تحكم المخالفات التأديبية، أهمها عدم خضوعها لقاعدة "لا جريمة إلا بنص"حتى يمكن مساءلة الموظف عن كل سلوك يخل بمظهر وكرامة وظيفته أو يتنافى مع مقتضياتها. · كما حرصت الدول على النص في نظام الخدمة المدنية فيها على عدد من الواجبات والمحظورات السلوكية بما يتناسب مع ظروفها وبيئتها الخاصة، حيث استهدفت هذه النصوص التنبيه على الموظف العام بضرورة التمسك بهذه الواجبات السلوكية، فرغم هذه المحاولات والإجراءات ما زالت الشكوى مستمرة من تفشي الإهمال والرشوة والإنحراف بالسلطة بين موظفي الدولة. المبحث الأول: أخلاقيات الوظيفة العامة في الخدمة المدنية: من المسلم به أن جودة الخدمات العامة التي تقدمها أجهزة الخدمة المدنية في مختلف الدول، تتأثر بمدى تمسك الموظف العام بمجموعة من الأخلاقيات والسلوكيات الوظيفية، ويمكن القول إن هذه الأخلاقيات ترتبط بطبيعة نشاط ومهام أجهزة الخدمة المدينة، حيث لا تلعب هذا الدور الهام بالنسبة للأنشطة الاقتصادية أو التجارية التي يقوم بها قطاع الأعمال. وعلى ذلك فإن هذه المجموعة من الأخلاقيات يطلق عليها مجازاً "أخلاقيات الوظيفة العامة". فما هي هذه الأخلاقيات التي ارتبطت بالوظيفة العامة؟ وما أسباب هذه الإرتباط؟ للإجابة عن هذين السؤالين سنتناول فيما يلي تحديد الخصائص التي تميز طبيعة نشاط أجهزة الخدمة المدنية، وما يرتبط بها من أخلاقيات وظيفية: 1- الخدمة المدنية هي نظام إداري سياسي، بمعنى أنه لا يقتصر نشاطها على الجانب الفني والإداري إنما يمتزج به جانب سياسي، فرغم أنه قد ساد الفكر الإداري في مرحلة تاريخية سابقة، الاعتقاد بضرورة الفصل التام بين نشاط الخدمة المدنية والسياسية فإن هذا الفصل الحاد أصبح أمراً يتنافى مع الواقع، حيث إن الخدمة المدنية تقوم بدور سياسي قد يختلف حجمه من دولة إلى أخرى، كما يختلف هذا الدور من حيث قوته أو ضعفه وفقاً لنوع النشاط والموقع التنظيمي، ويظهر هذا الدور السياسي فيما تقوم به أجهزة الخدمة المدنية من تحديد لتفصيلات السياسة العامة وبرامج تنفيذها، فعادة ما يخرج النظام السياسي سياسته العامة في شكل قواعد وخطوط عامة يقوم الموظف العام بوضع التخطيط اللازم لتنفيذها. وغني عن القول أن التخطيط يعني التحديد الدقيق للأهداف الفرعية ووضع برامج العمل المحققة لها، أي أن الموظف العام له دور مؤثر في التحديد الدقيق للأهداف الفرعية للسياسة العامة وتحديد مسار تحقيقها. ومن الطبيعي أن يفرض هذا الدور ضرورة استيعاب الموظف العام للإطار الفلسفي للسياسة العامة والتزامه بالولاء له؛ حتى لا تخرج الأهداف الفرعية للسياسة العامة مناقضة لهذا الإطار. ومن هذا المنطلق نجد أن غالبية نظم الخدمة المدنية تنص صراحة على التزام الموظف العام بالولاء للنظام السياسي القائم في الدولة، ومن الأمثلة على ذلك: نظام الخدمة المدنية في جمهورية ألمانيا الاتحادية حيث ينص على التزام الموظف بولائه للنظام الديمقراطي الحر والعمل على المحافظة عليه. 2- تكفل النظم والقوانين تمتع الموظفين بالخدمة المدنية بسلطة تقديرية تسمح لهم بالمرونة في تطبيق وتنفيذ السياسة العامة بما يتلاءم مع الظروف البيئية المتغيرة، ولا يحدهم في ذلك سوى أن يكون التصرف للمصلحة العامة وفي حدود القانون، وهذه السلطة التقديرية تخفى في الحقيقة في طياتها نشاطاً سياسياً يتجلى في مفهوم المصلحة العامة باعتباره المعيار الذي يستهدف به الموظف العام في اتخاذ قراراته. ويشير بحق (د .أحمد رشيد): "أن المصلحة العامة التي تعبر عنها سياسة العامة تختلف في طبيعتها باختلاف النظام السياسي"، أي أن مفهوم المصلحة العامة له إطار فلسفي عام ومرن يتأثر بتغير ظروف المجتمع، فما يعتبر مصلحة عامة في ظروف معينة، قد لا يعتبر كذلك في ظروف أخرى. وهكذا لا بد وأن يمتزج النشاط الفني الإداري للموظف العام بحاسة سياسية تمكنه من التعامل مع المنظور السياسي السائد للمصلحة العامة والعمل على مساندته، ومن ثم فإنه من غير المقبول أن يسمح للموظف العام بانتقاد السياسات العامة المنفذة أو معارضتها، إذ إن ذلك يعبر عن عدم توحده مع مفهومها للمصلحة العامة التي يستهدي بها في قراراته. 3- يعمل النظام السياسي كغيره من النظم الاجتماعية الأخرى على المحافظة على كيانه واستقراره من خلال إخراج سياسة عامة تلقى المساندة والاحترام من أفراد المجتمع، وتعبر عن آمال ورغبات الأغلبية منهم. ولكن المساندة والإحترام المأمولين لا يتأثران فقط بجودة السياسة العامة، وإنما يلعب أيضاً أسلوب التنفيذ والوسائل المختارة لتحقيقها دوراً هاماً في التأثير في درجتها. فإذا أخفق القائمون على الجهاز الإداري في إدارة العملية التنفيذية أو قصروا في واجباتهم ولم يحسنوا التعامل مع متلقي الخدمة العامة، فإنه من المنتظر أن تنخفض درجة المساندة والاحترام المتوقعة من السياسة العامة رغم جودتها، بل وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة في سياسة النظام السياسي، وربما يتعدى أثره إلى زعزعة ثقة الدول الأخرى قيما تنادي به الدول وما تتبناه من سياسات. ومن هنا فإنه من الطبيعي أن يفرض النظام السياسي رقابة سياسية على الجهاز الإداري في الدولة سواء من خلال الوزراء أو بشكل مباشر، وذلك لضمان حسن تنفيذ السياسة العامة. ويشير كل من ( د.ليلي تكلا...ود. عبد الكريم درويش) إلى أن الموظف العام هو بمثابة سفير للحكومة (بمفهوم النظام السياسي) وأنه بهذه الصفة يجب أن يحرص على أن يكون خير ممثل قادر على توثيق الروابط وتعزيز الثقة وتحقيق التعاون بين الحكومة والجماهير. وكل ذلك يؤكد التئام سياسية التنفيذ مع السياسة العامة؛ ويفرض التزام الموظف بعدم الخروج على ما تقتضيه الوظيفة من احترام وثقة والتزام بقيم المجتمع السائدة. 4- ومن الخصائص التي تنفرد بها الخدمة المدنية أيضا" أن لها الحق في أن تظهر في تصرفاتها كسلطة عامة، بمعنى أنها تملك استخدام السلطة لتحقيق المصلحة العامة، وتتمثل هذه السلطة في الحق في إصدار قرارات ملزمة للتنفيذ المباشر ودون أن يتوقف ذلك على قبول الأفراد لها، كأن تصدر أوامر بنزع الملكية للمنفعة العامة، أو تنهى العقد الإداري إذا رأت حسب مقتضيات المصلحة العامة أن تنفيذه أصبح غير ضروري للصالح العام. وقد تتسع هذه السلطة في بعض الحالات فيجوز لها استخدام القوة الجبرية لتنفيذ قراراتها. وتتجلى خطورة هذه السلطات فيما يتمتع به القائمون على المنظمات الحكومية من سلطة تقديرية خلال ممارسة أنشطتهم الوظيفية فقد فرضت مقتضيات العمل وضرورات الحياة الإدارية تمكنهم من مواجهة كل حالة وفقاً لظروفها الخاصة ومواجهة الظروف المتغيرة، وذلك بترك قدر من الحرية لهم في التصرف يستعملونه وفقاً للظروف دون معقب. وتظهر هذه الحرية التقديرية في مجالات كثيرة. ولخطورة هذه السلطات فإنه من المنطقي أن يهتم نظم الخدمة المدنية بسلوك الموظف العام وتحذره من إساءة استخدام السلطة الوظيفية، أو استغلالها لتحقيق منفعته الشخصية أو الحزبية، وإلا تعرض للجزاء التأديبي. 5- يحتكر الجهاز الإداري في الدولة تقديم عدد من الخدمات الجوهرية التي لا غنى للجماعة عنها، ولا مفر لأفراد المجتمع من أن يقبلوا الخدمة كما تقدم لهم. وحتى نتجنب احتمالات التقصير في تقديم هذه الخدمات الحيوية أو توقف تقديمها، الأمر الذي سيؤدي إلى اضطراب حياة الأفراد وحدوث فوضى جماعية؛ كان لزاماً أن يخضع الجهاز الإداري لنظام قانوني خاص، وأن يهتم المشرع بسلوك الموظف العام حتى يضمن إستمرار تقديم الخدمة وعدم توقفها. ومن هنا كان طبيعياً أن يفرض نظام الخدمة المدنية عدداً من الواجبات والمحظورات للموظف العام ترتبط بهذه الطبيعة الاحتكارية لأنشطة المنظمات الحكومية، مثل: إلتزامه بأداء العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وكذلك أجازت بعض القوانين تكليفه بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، وعليه إطاعة رؤسائه، وعدم الانشغال بأعمال أخرى تؤثر في مستوى أدائه في تقديم الخدمة العامة. 6- وتعتبر قاعدة العدل والمساواة بين المنتفعين بالخدمات العامة أكثر القواعد رسوخاً بالنسبة للجهاز الحكومي فيلتزم هذا الجهاز بأن يراعي العدل في توزيع الخدمات العامة التي يقدمها للمواطنين، وأن يؤدي هذه الخدمات بنفس الشروط بحيث لا يكون هناك تميز لا مبرر له بين المنتفعين. ويشدد الإسلام على احترام قاعدة العدل والمساواة بين المواطنين أمام الخدمات العامة، ويعبر عن ذلك عمر بن الخطاب بقوله المأثور: "ويحك يا ابن الخطاب لو عثرت دابة على شاطئ الفرات لسألك الله عنها: " لمْ تمهد لها الطريق " ؟ أي يجب أن تؤدي الخدمات العامة لكل المواطنين فكل مكان في الدولة دون تمييز منطقة عن غيرها أو تمييز طائفة عن غيرها. ونلفت النظر هنا إلى أنه لا يعني وجوب إعمال قاعدة العدل والمساواة بين المنتفعين بالخدمات العامة، التزام الموظف العام بتقديم الخدمات العامة لجميع الأفراد دون قيد أو شرط، فلا يتنافى مع هذه القاعدة أن توضع شروط عامة للانتفاع بخدمات عامة معينة، ما دام القصد من تلك الشروط حق لهم انتفاعهم بالخدمة العامة دون تفرقة أو تمييز. وما يجب التأكيد عليه هنا أن تقدير مدى نجاح الوظيفة في إعمال هذه القاعدة لا يجب أن يتم على أساس عدالة الغاية والنتيجة فحسب، إنما أيضاً على أساس مدى سلامة وعدالة المراحل والإجراءات التي اتبعت للوصول إلى النتيجة، ونقصد من ذلك أنه يجب أن يراعي احترام هذه القاعدة في أسلوب العامل، أو سير الإجراءات؛ فالغاية والوسيلة كلتاهما تدخلان في مجال ضمان إعمال العدل والمساواة. ومن هذا المنطلق فإن القاعدة تفرض على الموظف العام عدم التحيز ومراعاة هذه القاعدة في كل تصرفاته وقراراته تجاه المواطنين، ويلتزم بحسن التعامل معهم، وهذا ما أكدته قوانين الخدمة العامة كما سنرى بعد. الواجبات والأعمال المحظورة على الموظف العام في المملكة العربية السعودية: أوضحنا في المبحث الأول كيف أن أخلاقيات الوظيفة العامة تعد نمطاً من السلوك الوظيفي فرضته طبيعة النشاط الحكومي، وأن تمسك الموظف العام بهذا النمط السلوكي من العوامل الرئيسة لنجاح الجهاز الإداري في الدولة في تحقيق رسالته. وهذه النتيجة تفسر لنا الاهتمام البالغ الذي أولته الدول المختلفة لأخلاقيات الوظيفة العامة، حتى أن كل دولة قد حرصت على إبراز عدد من الواجبات والمحظورات السلوكية وذلك بالنص عليها في نظام الخدمة المدنية فيها مراعية في ذلك ظروفها وبيئتها الخاصة. فهذه النصوص جاءت لتؤكد على أهمية تمسك الموظف العام بهذه الواجبات. ومن الطبيعي أن نتساءل في هذا المبحث عن موقف المملكة من أخلاقيات الوظيفة العامة، وما هي الواجبات والمحظورات التي اهتم نظام الخدمة المدينة أو ديوان المظالم فيها ؟ أورد نظام الخدمة المدنية في مادته رقم (11) عدداً من السلوكيات الواجبة على الموظف العام، كما أضافت اللائحة التنفيذية عدداً آخر منها، وأهم هذه السلوكيات هي: الترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة ومراعاة آداب اللياقة، وإطاعة الأوامر، والامتناع عن إساءة استعمال السلطة الوظيفية واستغلال النفوذ، وقبول الرشوة والهدايا والإكراميات، كما يحظر على الموظف توجيه النقد أو اللوم إلى الحكومة، وسوف نتناول هذه الواجبات والمحظورات بشيء من التفصيل فيما بعد. ويهمنا هنا أن نشير أن هناك تقارباً بين الدول العربية في تحديد ما تضمنته أخلاقيات الوظيفة العامة من واجبات ومحظورات، وإن كانت بعض الدول قد أضافت بعضاً آخر من الواجبات والمحظورات، فنجد أن مصر قد أضافت المحافظة على ممتلكات وأموال الوحدة الإدارية، والتعاون مع الزملاء، والامتناع عن الإهمال أو التقصير الذي يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة، كذلك يحظر على الموظف أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر إلا إذا كان مصرحاً له بذلك. |
2011- 1- 26 | #9 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
وجاءت واجبات الموظفين والأعمال المحظورة عليهم في قانون الخدمة المدنية لدولة الإمارات العربية متفقة مع ما أورده كل من المقنن السعودي والمصري، بيد أن المقنن في دولة الإمارات العربية قد أضاف المحظورات: أن ينتمي الموظف إلى إحدى المنظمات أو الهيئات أو أحد الأحزاب العاملة في مجال السياسة، أو أن يعمل لحسابها أو يشارك في الدعاية أو الترويج لها. وأضاف كذلك قانون الخدمة المدنية لسلطنة عمان أنه يحظر على الموظفين: الجمع بين وظيفتين في الجهاز الإداري، وتقبل هدية من شخص أو من جهة إذا كان في ذلك تأثير على عملهم أو شبهة التأثير عليه، والقيام بأي نشاط سياسي، ونرى في هذا الخصوص أن اصطلاح " نشاط سياسي"ذو مفهوم واسع مما قد يساء استخدامه ضد الموظفين، ومن ثم فإننا نحبذ ضرورة تحديده بالنص مثلاً على انه يحظر على الموظفين الإنتماء إلى إحدى المنظمات السياسية غير المشروعة أو العمل لحسابها.
هذا وجاءت قوائم الواجبات والمحظورات في باقي الدول العربية ملتقية في خطوطها العريضة، وإن كانت قد اختلفت في صياغتها بين الإيجاز والإسهاب، وما يجب التأكد عليه هو أن ما جاء من واجبات ومحظورات قد ورد على سبيل التخصيص والتمثيل وليس الحصر وأن هذه الواجبات لم تقف عند الأفعال المتعلقة بالوظيفة مباشرة، إنما امتدت إلى حياة الموظف الخاصة، إذ أنه لا يجوز للموظف أن يسلك سلوكاً معيباً في حياته الخاصة يمس بطريقة غير مباشرة كرامة المرفق الذي يعمل فيه أو يهز الثقة فيه لدى المواطنين. ونتناول فيما يلي أهم الواجبات والمحظورات الواردة في نظام الخدمة بالمملكة العربية السعودية بالشرح والإيضاح. أولاً – القيام بواجبات الوظيفة وفقا" للأصول الإدارية: إن التزام الموظف بالقيام بواجبات وظيفته أمر لا جدال فيه، فهو يعين في وظيفة معينة للقيام بأنشطتها وأعمالها، ويتحمل مسؤولياتها، ويحصل في مقابل ذلك على عدد من المزايا الأدبية والمادية، علاوة على أنه في مركز قانوني يفرض عليه الالتزام بالأنظمة واللوائح والأصول الإدارية المتعارف عليها أثناء إنجازه لأعمال وظيفته، ومن هنا فإنه لا يجوز للموظف الامتناع عن أداء الأعمال المكلف بها أو أن يهمل في إنجازها ويتفرع عن هذا الواجب عدة التزامات فرعية، أهمها: أ- الالتزام بأداء واجبات الوظيفة بنفسه، بمعنى أنه لا يجوز له أن يحل أحداً غيره في منصبه أو يفوض فيه إلا إذا أجازت اللوائح والنظم ذلك صراحة. وتشير هيئة التأديب في المملكة في هذا الخصوص أنه إذا كان من واجب الموظف مراجعة ومراقبة أعمال غيره من الموظفين تعين عليه القيام بهذا الواجب بنفسه، فإن التراخي في ذلك يستوجب المساءلة التأديبية دون جواز الإحتجاج بالثقة في الموظف المكلف بمراجعة أعماله ومراقبتها إذ إن معنى ذلك أن يتهرب من مسؤولياته الوظيفية ويتقاعس عن تأديتها. ب- لا يلتزم الموظف بأداء الأعمال بأي شكل إنما يتعين إنجاز العمل بإتقان بكل دقة وأمانة ويقول الرسول: "إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه". وتقضي الدقة أن يقوم الموظف بأداء ما يكلف به من أعمال بعناية ودون إهمال أو تقصير، كما يجب عليه أن يخصص وقته وجهوده خلال أوقات العمل لأداء ما كلف به وفي هذا أوردت هيئة التأديب أنه من أبرز واجبات الموظف أن ينتظم في عمله ويواظب عليه ويحترم مواعيده ..إذ ليس من المقبول أن يترك أمر العمل رهيناً بإدارة الموظف يحضر إليه متى شاء ويتخلف عنه حينما يريد، وإلا اضطرب سير العمل وتعطلت مصالح الناس التي تقوم مختلف المرافق على خدمتها. د- علاوة على ذلك فإن من واجبات الموظف أن يقوم بأداء الواجب الوظيفي بغير حاجة إلى طلب أو تنبيه في كل حالة، وإنما يتعين على الموظف أن يؤدي واجبه ويلتزم بأحكام سائر التعليمات والأنظمة بل ويتعين عليه كذلك أن يسعى من جانبه للوقوف على تلك الأحكام حتى يتسنى له أداء العمل المنوط به بالدقة الواجبة. ثانياً– طاعة الموظف لرؤسائه: ويعد من أبرز واجبات الموظف العام إطاعة رؤسائه وامتثاله لأوامرهم باعتبارهم أكثر إداركاً للعمل واحتياجاته، وبالتالي قدرة ودراية على مواجهة وحل مشكلاته، بالإضافة إلى أن الرئيس هو المسؤول الأول عن سير العمل في الوحدة إلي يرأسها فالطاعة في هذا المجال تحقق وحدة الجهاز الإداري وتضمن حسن سير العمل فيه بما يحقق أهداف المصلحة العامة. وقد حسم نظام التأديب في المملكة الخلاف الفقهي المتعلق بحدود واجب الموظف في طاعة رئيسه إذا أصدر إليه أمراً غير شرعي إذ أنه وفقاً لنظام تأديب الموظفين يجب أن يصارح الموظف رئيسه برأيه كتابة في المسائل التي تكون فيها مخالفة أوامر الرؤساء للنظم واللوائح مخالفة واضحة، ولا مجال للشك فيها وذلك قبل الطاعة وإلا وجبت مساءلته. ويستخلص مما سبق أن المقنن السعودي لم ير في مناقشة الموظف لرؤسائه فيما يصدرونه من أوامر ما يتعارض مع واجب الطاعة، وتقول محكمة القضاء الإداري المصرية في هذا الخصوص إن: "طاعة الرئيس لا تعني تجريد الموظف من شخصيته واستقلاله ولا تحرمه من التفكير السليم واستخلاص النتائج السليمة فلا تثريب على الموظف إذا كان معتزاً بنفسه، واثقاً من سلامة نظره، شجاعاً في إبداء رأيه، صريحاً في ذلك أمام رئيسه لا يداور ولا يرائي، ما يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار". ثالثاً – مراعاة آداب اللياقة: ولا يعنى السماح للموظف بمناقشة رئيسه أن يخرج عن حدود آداب اللياقة في تصرفاته ومناقشاته مع رؤسائه فلا تقف مظاهر الطاعة عند حد تنفيذ الأوامر، إنما هي تشمل كل ما يتعلق بآداب اللياقة في التصرفات مع الرؤساء. وقد حرص المقنن السعودي على تأكيد هذا الواجب بالنص في نظام الخدمة المدنية على أن الموظف يجب عليه أن يراعي آداب اللياقة في تصرفاته مع رؤسائه بل وقد أوجب عليه الالتزام بهذا السلوك مع الجمهور فيتعين على الموظف أن يلتزم الحدود النظامية التي تقتضيها أصول المعاملة والمخاطبة مع الجمهور والزملاء والمرؤوسين ودون أن يتجاوزها إلى التطاول أو التحدي أو التمرد أو التشهير. وتؤكد هيئة التأديب انه "يجب على الموظف أن يحترم رؤساءه ويوقرهم ويلتزم حدود الآداب واللياقة في مخاطبتهم ومعاملتهم وإن كان هذا الواجب لا يحول بين الموظف وبين حقه في الشكوى ومطالبته رؤساءه بما هو يراه حقاً له". رابعاً– عدم الخروج على ما تقتضيه كرامة الوظيفة وشرفها. قد يعتقد بعض الموظفين العموميين أن هناك انفصالاً كاملاً بين حياتهم الوظيفية وحياتهم الخاصة، وأنهم لذلك غير مسؤولين تأديبياً عما يصدر منهم من تصرفات معيبة ما دامت خارج نطاق الوظيفة، غير أنه من المسلم به فقهاً وقضاءً أن الحياة الخاصة للموظف تنعكس على الوظيفة العامة وتؤثر فيها بصورة أو بأخرى، فمن المعروف أن من شروط التعيين في الوظيفة العامة أن يتحلى المرشح بالسيرة الحميدة والسيرة الحسنة وتلك مجموعة من الصفات والخصال يتحلى بها الشخص فتجعله موضع ثقة المجتمع، ولا يكفي أن يكون الموظف متحلياً بذلك عند إلحاقه بالخدمة العامة، بل يجب أن يظل كذلك طوال مدتها وذلك لما للوظيفة العامة من سلطة ومقتضيات توجب على صاحبها أن يحافظ على كرامتها، ولا يخرج على مقتضياتها أو ينحرف عنها ". ولا يسوغ للموظف العام ولو كان خارج نطاق الوظيفة أن ينسى أو يتناسى أنه موظف تحوطه سمعة الدولة وترفرف عليه مثلها، والكثير من التصرفات الخاصة للموظف قد تؤثر تأثيراً بليغاً في حسن سير المرفق وسلامته ومنها ما قد يؤثر تأثيراً واضحاً في كرامة الوظيفة ورفعتها". ومن هذا المنطلق تقضي الخدمة المدنية في غالبية الدول وبصفة خاصة في الدول العربية بمعاقبة الموظف تأديبياً إذا ما قام بأفعال أو سلوكيات تشكل خروجاً على ما تقتضيه كرامة الوظيفة وشرفها سواء كان ذلك في محل العمل أو خارجه أو إذا صدر منه ما يفقده الثقة والاحترام الذي هو عدته في التمكين لسلطة الإدارة وبث هيبتها في النفوس. وفي هذا المعنى تشير هيئة التأديب في المملكة إلى أنه يجب على الموظف أن يبتعد عن كل ما يثير الشك في حسن سمعته وطيب خصاله التي يجب أن يتحلى بها الموظف العام وتشير أيضاً أنه مطالب على الدوام بالحرص على اعتبارات الوظيفة حتى ولو كان بعيدا" عن نطاق أعمالها. هذا ولا يوجد حصر لواجبات الموظف العام أو الأفعال المحظور عليه القيام بها خارج نطاق الوظيفة، كما أسلفنا، ومن ثم فإن إضفاء وصف المخالفات المسلكية على تصرفات معينة خارج نطاق الوظيفة لا يعدو في الواقع أن يكون مسألة تقديرية فيتعين النظر إلى كل تصرف يصدر من الموظف على حده وفي ضوء ملابساته وظروفه والمركز الذي يحتله الموظف وطبيعة وظيفته والقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد للبيئة المحيطة مع مراعاة مدى خطورة انعكاس السلوك المعيب على العمل الوظيفي وأثره على حسن سير العمل وثقة الجمهور في المرفق التابع له الموظف. وفي هذا المعنى تشير هيئة التأديب في المملكة إلى أن لبعض المرافق العامة حساسية ووضعاً متميزاً واتصالاً وثيقاً بالجمهور مما يتطلب من الموظفين التابعين لمثل هذه المرافق أن يكونوا على درجة عالية من السلوك القويم والحرص على أداء الواجب والابتعاد عن مواطن الريب درءاً للشبهات. خامساً – عدم توجيه النقد او اللوم للحكومة: إذا كان الموظف هو أداة الدولة والمنفذ لسياستها فإنه من المنطقي إذن أن يحظر عليه أن يتصرف بما يخالف هذه السياسة أو أن يوجه النقد أو اللوم إليها بأي وسيلة من وسائل الإعلام، إذ إن ذلك قد يهز الثقة في سياسة الحكومة لدى المواطنين وقد ورد هذا الحظر صراحة في اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية في المملكة مسايرة في ذلك الأصول العامة للوظيفة العامة وواجباتها. وتأسيساً على هذا الواجب قرر مجلس الوزراء في المملكة إحالة أحد الموظفين على التقاعد مع حرمانه من تولي الوظائف العامة في جميع المؤسسات العامة والدوائر الحكومية نظراً لاتهامه وزارة المالية والاقتصاد الوطني بوقوفها موقف العداء من القطاع الخاص في إحدى الصحف اليومية في المملكة وقد جاء في أسباب قرار الوزراء أن الموظف قد نشر "عبارات أقل ما توصف به أنها توجيه النقد واللوم للحكومة ولما لمس من المذكور من نزعات لا تتفق والصفات البناءة المطلوب توافرها في موظف الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة ". سادساً– عدم إفشاء الأسرار الوظيفية: يقف كثير من الموظفين على كثير من المعلومات والبيانات السرية التي لم يكن في مقدورهم الإطلاع عليها لولا وجودهم في الوظيفة العامة، وهذه المعلومات قد تتعلق بنواح سياسة أو اقتصادية أو علميه...الخ. ويرجع سبب السرية عليها لما يترتب على إعلانها من أضرار تلحق بالبلاد على وجه العموم، وبصفة خاصة إذا كانت الدولة في حالة حرب أو تتنافس اقتصادياً مع دولة أخرى. كما قد تتعلق هذه المعلومات والبيانات السرية بأدق خصوصيات المواطنين ويترتب على إفشائها الإضرار بهم اجتماعياً أو اقتصادياً، لذلك كان من الطبيعي أن تحظر نظم الخدمة المدنية على الموظف العام نشر هذه الأسرار الوظيفية حتى لا يضار الصالح العام أو مصالح الأفراد الذين تتعلق بهم هذه المعلومات بل ورغبة من المقنن في المحافظة على سرية هذه المعلومات فقد ألزم الموظف بعدم إفشائها حتى بعد تركه الخدمة العامة وإلا تعرض للعقاب والمساءلة التأديبية. |
2011- 1- 26 | #10 |
أكـاديـمـي
|
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة
سابعاً– حظر الاشتغال بالتجارة:
وفي هذه الناحية يساير المقنن السعودي أيضاً أغلب الدول العربية في النص على حظر الإشتغال بالتجارة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كذلك الامتناع عن الاشراك في تأسيس الشركات أو قبول عضوية مجالس إدارتها أو العمل فيها أو في محل تجاري إلا إذا كان معيناً من الحكومة. وترجع حكمة هذا الحظر إلى أن الوظيفة العامة تعتبر مهنة يجب أن يكرس لها الموظف كل وقته وجهده وينقطع لها بحيث يمكن للإدارة الاستفادة من خدماته في أي عمل وفي أي وقت، وعلى هذا الأساس تنص المادة (23) من نظام الخدمة المدنية على أنه يجوز بقرار من الوزير المختص تكليف الموظف بالقيام بأعمال وظيفة معينة أو القيام بمهمة رسمية، كما يجوز تكليفه بذلك مع قيامه بمهام وظيفته الأصلية ويسمح نظام الخدمة المدنية لذلك بتكليف الموظف خارج وقت الدوام الرسمي وأثناء العطل الرسمية. ومن هنا يستهدف حظر اشتغال الموظف بالتجارة تفرغ الموظف للوظيفة العامة، إذ لا بد من تغليب المصلحة العامة على مصلحة الأفراد، علاوة على ذلك فإن اشتغال الموظف بالتجارة وارتباط مصالحه الخاصة بالتعامل مع الشركات الخاصة والمحلات التجارية قد يؤثر في استقلاله وحياده في إتخاذ القرارات الإدارية. وتوضح اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية أنه يقصد بالإشتغال بالتجارة أن يزاول الموظف نشاطاً يؤدي إلى اكتساب صفة التاجر ، كما لو قام الموظف بأعمال البيع والشراء على سبيل الاحتراف، أو كان مقاولاً متعهداً للتوريد أو دلالاً أو صرافاً أو وكيلاً بالعمولة، هذا وقد تعرضت هيئة التأديب في عدد من قراراتها لما يعد اشتغالاً بالتجارة من عدمه. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
محاضرات, الأخلاق, المهنة, الإسلامية, وأداب |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|