كلمه عن وفاة الامير سلطان
كلمة عن وفاة الامير سلطان
الثرى اليوم على موعد مع نجم يصعد به إلى الثريا.. فإذا كانت النجوم تأفل فهي وحدها التي تجعل من الثرى ثريا، ومن التراب قيمة.. واليوم سلطان القلوب وسلطان الخير وسلطان الإنسانية يدخل قبره مودعا كل ألقابه الوظيفية ما عدا لقب واحد يستقبله به الرحمن الرحيم.. أبو الفقراء والمساكين.. سيد الجود.. وراعي الكرم والإحسان.. وأكثر من بنى على الأرض طوبا يعمر فيه للإنسانية خدمة وللبشرية احتواء فسموه الكريم باق فوق الأرض بما صنعت يداه من مؤسسات تنموية وإنسانية وخيرية.. باق أثره في الناس الذين انتفعوا من يمناه التي أعطت ما لا يبوح به لشماله!! هذا هو الراحل العظيم الذي لن يرحل بل عاش محبوبا ومات محبوبا وفي غيابه حي كما هو في حضوره بقدر ما كفل وأعطى وأسهم وساعد وأعان.. وبقدر ما أحب الخير أحبه الجميع.. واليوم السعودية كلها بشرقها وغربها وشمالها وجنوبها وهي تودعه الوداع الأخير تعرف أن شرخا أصاب سقف مظلة الخير بفقدها أبو الخير عون المساكين.. سلطان بن عبدالعزيز فهو الذي ليس كمثله أحد في العطاء والجود.. وهذا «الشاغر» بعده لن يكون فيه أحد يملؤه مثله! وحتى في موته ضرب لنا مثلا.. وأعطى لنا قدوة ففي حين أن العالم العربي يشهد سقوط زعماء تراهم شعوبهم رموزا للطغيان والاستبداد وعبادة الأنا.. يأتي سلطان مختلفا.. مكللا بالحب متوجا بالتكريم يبكي عليه القاصي والداني.. محاطا بالإجلال والتقدير والاحترام.. يفتقده الوطن بكل من فيه صغارا وكبارا حتى خارج الحدود يتحدثون عن إنسانياته عن مكارم أخلاقه عن محاسن صفاته.. ذلك لأنه كان من بين كل مناصبه يحرص على منصب واحد.. منصبه في القلوب.. حبيب اليتامى والمساكين ورفيق المبدعين والموهوبين ومعين المرضى والمكلومين وسيد العطاء الجميل الذي ينظر إلى الإنسان بما هو عليه وليس بما كان أبوه أو أمه! لا يكل ولا يمل مرافقة أحزان الناس قبل أفراحهم!
هذه الرياض اليوم تتشح حزنا.. وها هي في انتظار جنازة أول أمير لها من الأسرة المالكة تودعه حبا ووفاء وولاء وشغفا وعرفانا بجميل.. بينما غيرنا يلقي الحجر على جنائز زعمائه!! ونحن.. نحملها على أكتافنا.. نقبل من فيها قبل دخوله قبره ندعو له صادقين اللهم اغفر له وارحمه وأكرم نزله ووسع مدخله.. نحبهم لأنهم خافوا الله فينا وأحبونا فيه!! يا الرياض الدامعة هذا هو الوداع الأخير لمن تحبين.. الذي أضاء جنباتك ببسماته النقية.. والذي عبر دروبك بوجهه المشرق يزيدك إشراقا ونورا.. هذا هو الجبل فيك والنهر والبحر عوضك الله به عن كل ما في العواصم الأخرى من جبال وأنهار وبحار!! هذا هو الذي فتح قلبك للناس وجلس فيه يستقبلهم واحدا تلو الآخر يتفقدهم ويحنو عليهم فتطبعتِ منه وتطبع بك وكان فيه منك وفيك منه! دفء وحنان ومحبة.. اليوم الخير والتسامح والابتسام والطيب والجود والرفق واللين يمشون في جنازة عليها أطيب إنسان عرفته الإنسانية.. فإذا أنزلت الأكتاف نعشه الطاهر انتفض التراب للقاء كريم ابن كريم حفيد الأكرمين.. اللهم أكرم مثواه حبيب الملايين.
|