|
ملتقى الفنون الأدبية شعر,نثر,خواطر,قصص,روايات وجميع الفنون الادبية |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
فضاء الجسد "الجنس الثالث"
الســــــــــــــلآم عليكم هذهـ الروايهـ من اروع الروايات التي قرئتها في حياتــي,,, تأتي الى هذه الدنيا لا تملك الخيار في ان تكون ما تتمنى ان تكون ومع هذا يسمح الآخرون لأنفسهم ان يحاسبوك نداء خطأ من اخطاء الطبيعة,عانت او عانى دون ان يكون له ذنب فبين حنان الأم وقسوة الأب والتسلط الذكوري الشرقي وعدم تقبلنا لما لا نفهم,ونبذنا لكل مختلف,وبين حق الآخر في تقرير مصائرنا وما يجب ان نكون,تبدأ المعاناة ويبدأ الألم النفسي. (هل تعتقد بأن الجنس الثالث هم شواذ جنسيا (مثليين) ؟,اذا عليك ان تقرأ هذه الرواية)..الرواية للكاتبة ثريا نافع.. ............................................. سألت أختي سحر التي تكبرني بخمس عشرة سنة: أتظنين بأن والدي فرح بالفعل عندما أتيت إلى الحياة؟ نظرت إلى بتعجب وتأفف وقالت: كم من مرة سألت هذا السؤال؟ - وما مشكلتك الدائمة في الرد علي؟! ردت بملل ونظرات الشفقة تطل من عينيها: لأنك حبيبي، وكل مرة توصلني معك إلى النتيجة ذاتها: كراهية الوالد لكِ؛ لأنه فشل في لمس الخلطة السرية الدفينة فيك، والتي لم يتعرف عليها أبداً.. وعلى كلٍ - وأقولها للمرة الألف - فقد صادف يوم ميلادك ثاني يوم من مذابح صبرا وشاتيلا.. بدايتك المبشرة واضحة طبعاً! كنا وقتها في بيت لحم؛ مدينتنا القديمة التي شهدت سنواتك الأولي. وما أزال أتذكر ذلك اليوم جيداً: صديقات أمي وزميلاتها في المدرسة: راشيل وعبلة وجمانة، الداية أم أحمد، صراخ أمي.. هلعي وأنا أستمع لصرخاتها بين الحين والآخر كلما اشتدت عليها انقباضات قرب الولادة، الحركة المتعجلة ما بين المطبخ وغرفة نوم أمي وأبي، الأواني الكبيرة والبخار يتصاعد منها، الوجوه القلقة التي انتظرت هذا اليوم الذي مر عليه أكثر من خمس عشرة سنة.. سنوات من الرجاء المتواصل في طفل آخر للجميلة الفنانة ساشا، الشركسية الوقورة، صاحبة وحبيبة كل نساء الحي. تنساب دموعي الصامتة كلما سمعت صرخات أمي والمصحف الكريم بين يدي مفتوح على سورة مريم التي كم أحببتها، تتراقص أمامي الحروف "وبرّاً بوالديه، ولم يكن جباراً عصياً" أبي يهديني حضنه الدافئ وهو يهمس لي: ستكون أمك بخير يا سحر، وستمنحك أخاً أو أختاً لتسعدي.. أذكره وهو يقرأ بنهم عناوين جريدة القدس العربي، ولست أدري من أين حصل عليها، لا أزال أحفظ - عن ظهر قلب - العنوان الذي كتب يومها على الصفحة الأولي في عددها الصادر في نفس اليوم لإطلالتك البهية على عالمنا التعيس: "رحيل رجال المقاومة الفلسطينية عن لبنان.. مصيبة كبرى على المدنيين العزل الذين لم ينجوا من بطش الصهاينة وأذنابهم". يثقلني انتظاري الذي طال لأخ أو أخت يشاركني أفراحي وأتراحي الصغيرة، وكلمات أبي والحزن يكبله على ما كان يحدث في صبرا وشاتيلا.. كلماته الحزينة التي لا تزال ترن في أذني رغم مرور السنوات: أيأتي هذا الطفل يا ربي في تلك الأيام السود!؟ أنسحب من الصالة وأقترب من غرفة نومه لأتابع الموقف عن قرب: أم أيمن عبلة تنهرني بصوت جاف: عيب على البنات أن يتلصصن.. اذهبي وانتظري مع والدك.. وأزاحتني من طريقها وهي تحمل فوطاً كثيرة، ولفة قطن عظيمة جعلتني أتساءل: ماذا يفعلون في الداخل؟ سحبت نفسي بعيداً، وعدت إلى والدي الذي كان يقرأ، ونظرت إلى الصحف العربية متناثرة بجانبه فوق الأرض بعد أن التهم صفحاتها كلمة كلمة. أمسكت إحداها وتصفحت صفحاتها التي تصدرتها عناوين نارية، تنعت العرب بالقصور والخيبة والضعف في تلك الأيام.. ولست أدري لم التصقت عناوينها في ذاكرتي ووجداني حتى الآن: - قبل أن يجف مداد التعهد الأمريكي لحماية أرواح الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة كانت خطة الانقضاض قد رسمت على العزّل من المدنيين.. سكان المعسكر من قبل شارون - وبالتعاون مع حزب الكتائب - فانقضوا بلا وازع على المخيم، ونفذوا إبادة جماعية لمدنيين عزل كان سوء حظهم أن جعلهم من ساكنيه! - اقتحام الدبابات الإسرائيلية المخيم بمساعدة الكتائبيين - وفي غياب تام للشرعية العربية - وصمت مهين كالعادة.. أعملوا في ساكنيه من النساء والأطفال والشيوخ قتلاً وحرقاً وذبحاً وتقطيعاً! لم أستوعب ما يحدث ولمصلحة من تلك الدماء؟ ما تزال الذكري البغيضة تلازمني كالهواء والماء.. وحتى بعد مرور خمسة وعشرين عاماً ما أزال أحيا هذا الكابوس الذي وقع يوم ميلادك؛ خاصة بعد أن استوعبت ما حدث. هذا ما تذكره لي أختي سحر كلما سألتها عن سيناريو يوم ميلادي، آملاً أن تغير فيه أو تحيد عن كلمة أو اثنتين.. ولكن بدون فائدة. بالطبع كان لا بد لي من التنويه، حتى نتعلم بأن البدايات دائماً ما يكون لها تأثير على النهايات.. أكملت سحر: - مع ارتفاع صراخ أمي ترك والدي الجريدة جانباً، واتجه إلى غرفة نومه وأنا في ذيله. قبل بلوغنا باب الغرفة سمعنا صوت الداية أم أحمد وهي تزغرد قائلة: ألف مبروك.. ولد يا ست ساشا. لم يطق والدي صبراً، واندفع ففتح باب الغرفة ليجد عشرة أزواج من العيون المنهكة تحدق فيه مندهشة.. قالت الداية أم أحمد بصوت عال: - انتظر في الخارج قليلاً حتى أستدعيك يا سيد أحمد.. لم يستمع أبي لكلامها, بل اتجه حيث راشيل التي كانت تحملك، وتناولك منها، وحملك بشوق السنين، وبرفق شديد، غير مبالٍ ببقايا الولادة وآثارها التي كانت تغطي جسدك الصغير، وصوت الزغاريد يتعالى من حولك، يومها همست بيني وبين نفسي - وأنا أقف بعيداً، خائفة من المنظر، ولا أحد يشعر بي: - سنوات طويلة من الدلال الخالص، والجلوس فوق عرش محبة أبي وأمي، لا ينازعني فيهما أحد.. أخيراً سيكون لي شريك منافس في تقاسم هذا العرش، يشاركني شوقي، وأفرغ فيه أمومتي المبكرة، وأسرد همومي؛ حتى لو كان بيني وبينه خمس عشرة سنة. لمست علامات الفرح والزهو واضحة فوق وجه الوالد وهو يقول لأمي: - مبروك علينا يا ساشا، أخيراً جاء من سيحمل اسمي، ويحافظ على أخته من بعدي، ومرة أخرى تعالت زغاريد صديقات أمي الدافئة الحنون، وازدان وجه الوالد بابتسامة مضيئة، رغم جهامة وجهه وعبوسه الدائم، وهو يحملك عارياً بين يديه لا يسترك شيء ويهمهم وهو يتأملك: أتيت للدنيا في يوم حزين يا نداء. ولا شعورياً اتجه بعينيه متفاخراً ليتأمل عضوك الذكري، ولكنه سأل الداية فجأة: - هل الولد طبيعي يا أم أحمد؟ - ردت: نعم بالطبع! - هل أنت متأكدة؟ إن عضوه يكاد أن يكون مختفياً؟ - طبيعي إن شاء الله.. بعض الأولاد يولدون وأعضاؤهم صغيرة، لكن يصبحون فيما بعد طبيعيين.. لا تخش شيئاً.. ولا تحاول أكل البشارة علي.. ابتسمت أمي الجميلة التي أسرت والدنا وجعلته كالخاتم في أصبعها، ولم لا؟ فهو الذي رفض الزواج عليها متحدياً إرادة عائلته، خاصة بعد أن أخبره الأطباء أن هناك خللاً تعاني منه، ولن يكون لديه سواي. وقد استكان أبي للأمر الواقع، ومنحني كل محبته، حتى أتيت أنت لندرك أن إرادة الله فوق الجميع، وكذب الأطباء ولو صدقوا. تناولتك أمي والإعياء واضح عليها، وانتبهت أخيراً لوجودي فقالت: - تعالي يا سحر، احملي أخاك وقبليه. لم تنس الداية أم أحمد أن توصي أمي قبل أن تغادر بأن تمسح جسدك كاملاً بزيت الزيتون مدة أربعين يوماً؛ لأنه من شجرة مباركة أبدية صبورة.. وكررت أن الزيت يصلب الطول، ويشد الأعصاب، ويقويها، وأن أشجار الزيتون ولله الحمد تحيط بنا من كل جانب، وعلى رأي المثل "كل الزيت وانطح الحيط". ثم مالت على أمي وهمست همساً مسموعاً بعد أن انسحب أبي من الغرفة تاركاً لهن الوقت لترتيبها وتنظيفها: لا تنسي يا ساشا بأن تركزي على تمسيد عضوه الذكري أيضاً لتخرجيه من مكمنه. صراع تكوينك الذي لم تكن تعرف عنه شيئاً أدخلك وإيانا جحيماً جديداً.. في البدء لم يكن شيئاً معقداً؛ لأن إدراكك أنت للتعقيد لم يكن قد تشكل بعد؛ فكيف تستطيع أن تفك طلاسم الحروف في أبجدية الحياة؟ لم تتعرف على الحروف الأولي لإشكاليات الحياة، ولم تتشكل أحاسيسك بالكلمات، لم تكن تعرف حينها قراءة أو كتابة، ولا تستطيع أن تقارن بين الجرة والمجرة.. وها أنت منذ بحبوحة الحياة مسكون بالآهة التي تشق الصدر بلا صوت، وتفك صندوق القلب ليذرف دمعاً بملمس الصبار، وطعم الصبار! وعلي ما يبدوقد كانت هناك يد عليا اتخذت قرارها بأن تجعلك ونحن نحيا في عالم تنسجه يد الأشرار. واضح ومن خلال سرد أختي سحر لبدايتي، أن المأساة قد بدأت تلف خيوطها حول رقبتي ورقبة أمي مدرّسة الرسم التي قدمت استقالتها لتتفرغ لرسم رعايتي، وتستنطق ألوان المستحيل لتزين بها لوحتي الباهتة! في غرفة أختي سحر انتقلت أمي للنوم معي.. بعد أن أبدى والدي تأففه من صراخي المتواصل، ناسياً المثل الذي يقول "الطفل إذا بكى يا جوع يا موجوع".. كانت أمي تخشى علي من كل شيء. وعندما تنشغل عني كانت تكل مهمة حراستي لأختي سحر إن كانت موجودة.. كان لي مهد بحمالتين طويلتين سهلتا على أمي حملي أينما ذهبت سواء كانت خارج البيت في زيارة لإحدى جاراتها، أم في المطبخ، أو عندما تجلس في الحديقة ترسم في النهارات الشتوية الدافئة فتضعني بجانبها ألتقط أشعة الشمس تحت العنبة التي أثقلتها أوراقها الخضراء وعناقيدها البلورية الشفافة.. كنت أول جدار يفصل بين أبي وأمي؛ ما دفع بالغيرة إلى صدره، فبعد خمس عشر سنة من المحبة الخالصة والانسجام بينهما جئت أنا، والذي عقّد المسائل بينهما رفض أمي أن تتركني أنام في غرفة أختي سحر، وتحت رعايتها – كما كان يطلب منها دائماً- وأصرت على أن تنام بجانبي، لذا كان من الطبيعي أن يتحامل علي حتى لو استغرق انتظاره لمجيئي ألف سنة.. وزاد الطين بلة أيضاً كثرة الشكوى والأنين من أمي، مع خوفها الشديد علي، وخاصة أنني كنت قد أتممت العام الرابع، وأنا لا أقوى على اللعب والحركة كبقية الأطفال! كنت ضعيف البنية، بالإضافة إلى صغر عضوي الذكري الذي شكل لأمي هاجساً لا يهدأ، وشكوى لا تنقطع.. كنت أبقى طريح الفراش أياماً طويلة ليس لي إلا السمع والنظر إلى كل شيء يعلوني، من أسقف مزخرفة، وسموات مفتوحة، وسحب مسافرة، وأوراق شجر تنبثق في حديقتنا تكاليف، وقمم جبال مدينتنا، والوجوه التي تنظر كانت ترمقني وأنا غير قادر على التحرك، أختي سحر وعينيها الذكيتين ووجهها الدقيق المنمنم وصوتها الجريء وهي تقرأ لي أو تسرد على حكاياتها الملونة بالفرح.. محاولاتها الدؤوبة في تلقيني كل معارفها والعديد من الكلمات والأناشيد، وبعض سور القرآن القصيرة، تسمعني كل أنواع الموسيقي التي تهواها.. وكم غفوت على صوت ناي شجي أو طبل حنون أو قطعة موسيقية، تنساب بجمل بديعة تحلق بي بعيداً وأرتوي منها كأرض ظامئة ما تلبث أن تحبل، واعدة بكل أنواع الثمر.. الصور الكثيرة التي استكانت فوق حائط غرفتها لشخصيات فنية وسياسية وتاريخية، والتي كنت أتقاسم وسامة وجوهها ونضارتها وتاريخها، وكم من مرات كنت أسألها: لماذا لا تعلق صورة أبي وأمي بدلاً من تلك الأوراق التي اصفرت أطرافها وغابت الأحرف من فوقها؟ وكانت ترد مبتسمة: عندما تكبر ستستوعب أهمية هؤلاء الأبطال بناة التواريخ الناصعة. من خلالها أحببت "تشي جيفارا ومرسيل خليفة ومحمود درويش وجمال عبد الناصر وأم كلثوم.. الكتب الكثيرة والمتنوعة التي ناءت بحملها الأرفف.. والمرابطة خلف صفحاتها تنهل من معارفها، وتصدرها لي بحكايات تزينها بضحكاتها وحنانها المتدفق. باختصار تعلمت الصبر صغيراً، ولاكته روحي، وألفت مرارته؛ بعد أن أدركت أنني لست طفلاً عادياً كبقية الأطفال، طفلاً بهي الطلعة ضعيف البنية، أتألم كثيراً من مواجع في جسدي لا أقوى على فهمها.. حتى الأطباء الذين كانت أمي تحملني إليهم بين الحين والآخر لم يفهموا مكمن وجعي! تمضي بي الأيام كما أنا، أجوب العالم وأتأمله من فوق فراشي الوثير، وأنثر على غيوم نفسي أفراحاً أتخيلها مطراً عبثياً يغرقني بحرارته.. لم أتعب من طرح الأسئلة على سحر وعلى نفسي: لماذا لست ككل الأطفال؛ أمرح وألعب وأجري؟ لِمَ ينهرني أبي دوماً كلما رآني ويصرخ: "استرجل يا ولد"؟ هل يكرهني أم يحبني؟ كيف تزوجته أمي الجميلة؟ لماذا لم يكن هناك سواي وسحر؟ لماذا لأمي وصديقاتها صدور ناهدة؟ لاحظت أن أختي سحر مثلهن، لها شيء يسبقها في المسير.. ولماذا يختلف أبي وأختلف أنا عنهن، ولماذا يصدر سطوته على كل من بالبيت؟ ومن الذي أعطاه تلك السلطة؟ تلك السحب، وما تزخر به من برق ورعد وعواصف تقض مضجعي، وتجعلني أرتعد لأزداد التصاقاً بجسد أمي الدافئ الذي يقطر حناناً.. ملايين من الأسئلة تفلق رأسي حتى أغمض عيني.. تلاحقني كوابيس أفزع منها، وكأني أري الشيطان "شمهورش" – كما تسميه أختي سحر - يجرجرني عبر أنفاق لا نهاية لها.. حاولت أمي أكثر من مرة أن تستحث والدي ليذهب بي إلى طبيب متخصص في الذكورة، ولكنه كان دائم الرفض.. وبشكل قاطع، بحجة أنني طبيعي ولا ينقصني سوى الشدة حتى أصبح أصلب وأقوي؛ فعلى الرغم من أنه كان قد أنهي المرحلة التعليمية المتوسطة ويعمل في مجال تصليح الإلكترونيات في شركة خاصة بمدينة "القدس" إلا أنني حتى الآن، لم أستوعب موقفه من عدم عرضي على طبيب ليشخص علتي التي تستشعرها أمي ولا تستوعبها.. إن رفضه الذهاب بي إلى طبيب في وقتها جعل حالتي تتأخر.. وربما لو كان فعلها في حينها لجنبني الكثير من التعقيدات والمشاكل.. كانت أمي - بعد كل عراك معه بسببي - تحملني بهشاشتي بين يديها لتغسلني بدموعها، وتهديني دفئها وحلمها وصبرها على هذا الرجل القاسي الذي كلما نظرت إلى عينيه ورأيت القسوة تجول فيهما أتعجب: كيف لله أن يطوع القلوب ويؤلف بينها!! وأنظر إلى أمي السيدة الرقيقة الجميلة وأعجب من هذا الارتباط، وأتساءل: كيف حصل أبي عليها، رغم سعة الفجوة بين شدته وقسوته ورقتها وجمال تمر السنوات وأنا مزروع في سريري كما ذكرت لي أختي سحر، لا أقوي على الحراك أو اللعب كبقية الأطفال الذين كنت أتميز عنهم باتساع مخيلتي الأسطورية, وقدرتي على قضاء ساعات وساعات طويلة بمفردي , هادئاً أحلل كل الأصوات التي تأتيني من داخل البيت أو خارجه , عندما تتركني أمي في الحديقة , أو تنشغل عني سحر بدراستها.. فحديقة منزلنا المطلة على الوادي، والممتلئة بكل أنواع الشجر المثمر وغير المثمر، وبكل أشكال الورود, كانت ملجأ آمناً، والسبيل الأول في معرفتي بالعالم المحسوس حولي.. أجلس تحت السدرة الكبيرة التي تغطي ساحة الحديقة الأمامية أو تحت العنبة القصيرة.. أستمع لوشوشة الرياح مع الشجر، وصوت البلابل وهي تمرح فوق أعشاشها، وخرير الماء الذي تصدره نافورة صغيرة توسطت الحديقة، وإذا كان الباب مفتوحاً فقد يأتي أطفال الجيران للعب حولي، شرط عدم مجاراتهم في القفز والجري حتى لا أجرح نفسي.. وكم جرجروني من فوق فراشي حتى أشاركهم لعبهم ولهوهم، فأنسى للحظات تحذيرات أمي بأني طفل مريض, وأمسك بالكرة، وقبل أن أحاول رميها بقدمي أشعر بروحي من الوجع تضيق، فأعود لمكاني أتتبعهم حتى تخرج أمي علينا بخبزها الدافئ المعجون برقتها "مناقيش زعتر ساخنة" فيبقي الأولاد حولي يأكلون وأنا معهم، ونظرات أمي تغطينا فرحة بي وبهم.. لـــي عودهـ~
|
2011- 9- 18 | #2 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
I'm Back كلما مرت أمامي عذابات الشجار في أرجاء الدار هممت بالصراخ: يا وردة الراحة، ويا قلب الذكورة النائمة في شجر الزيتون، ويا علقم التأوهات الغريبة.. هيئوا طقوسكم للاحتفاء بذكورتي على جذع نخلة، وعلموا الضوء أن يبدد عتمتي ووحشتي الشديدة..
عندما بلغت السادسة من عمري كنت أعاني من رقة مفرطة في الطبع والروح.. رقة لا تتناغم مع طفل يشق الغبار.. ويشاكس طواحين الهواء، وها هو يخاطب الأشباح وأشباه الرجال.. واختلال يعبث بروحي لا أفهمه، وآلام جسدية تلم بي بين الحين والآخر، ولكني بشكل عام صرت أفضل من ذي قبل، أصبحت أخرج من البيت لأمشي على غير هدى.. أستكشف ما حولي ماضياً عبر الأزقة الضيقة.. أمسح بيدي على الجدران القديمة لمدينتي حتى أجد أطراف أصابعي وقد تشققت، فألعق دماء مدينتي "بيت لحم" المدينة النبيلة الكريمة الشامخة "بيت الإله لاحاما" كما تذكر ألواح تل العمارنة.. مدينتي الخصبة التي تقبع تحت قدمي مدينة القدس مسقط رأس المسيح عليه السلام، تنتشر فيها حقول القمح والشعير والزيتون والكروم. "كانت سحر أختي تصر على تلقيني هذا الجزء التاريخي" منزلنا القديم الذي يقع وسط الحارات المتراصة والشوارع الضيقة يبهرني، يلهب روحي، ويناديني للمشي قربه وحوله.. غير مبالٍ بالأطفال من حولي يتضاحكون ويتصايحون ويتعاركون وأنا أنظر إليهم مذهولاً.. لم أتشاجر مع أحدهم البتة من قبل، لم أحاول حتى أن أستفز أي واحد منهم، خاصة أولئك الذين اعتادوا أن ينعتونني بـ "نداء البنوتة".. أنتهي من جولتي اليومية، ترافقني الوحدة التأمل في كل ما حولي، ثم أعود للبيت.. أغسل نفسي من أدران الناس والأطفال والشوارع التي علقت بي.. أنام في حضن أمي نوماً هنيئاً أصحو منه مذعوراً على صوت أبي وهو يهدر: - افهمي جيداً يا ساشا: أنا لن أرضى بأن أصبح لبانة تحت ضروس الجميع آخر عمري في المدينة.. نداء ولد يعني ولد.. وقد اتفقت مع المزين على ختانه. كانت أمي ترد عليه بصوت هامس حتى أظل نائماً كما تعتقد: - طبعاً يا أحمد "نداء ولد ونص كمان"، ولكن كل ما أطلبه منك هو أن نأخذه إلى طبيب لختانه، ولا داعي للعم "صالح" المزين.. - وما له صالح؟ كل شباب المدينة تختنوا على يديه! تعودت أن أسمع صراخهما وهما يتشاحنان؛ لإصرار أمي التي تتبع حاستها السادسة، وقلبها المفعم بالأمومة الرائقة، وهي تدرك بأن هناك خللاً في تركيبتي لا تعرفه، فتتمسك بعرضي على طبيب، وكانت - بعد أن تفشل محاولاتها في إقناعه - تطفئ نار دموعها بالنظر في عيني الضاحكتين، واحتضان جسدي الضعيف الصغير، محاولة أن تتناسى ما يؤرقها حول نوع جنسي - وعلى استحياء - وحتى تتأكد من صدق حدسها وهي تتحسسني قائلة: - ما رأيك في حمام دافئ أفرك فيه جسمك؟ تعلمت أن أرعى نفسي كشجرة منكسرة تداوي قلبها الجريح دون مساعدة أحد، وخاصة عندما كان أبي يداهم غرفتي ليلقي في وجهي بتلك الممنوعات، وأنا منكمش في فراشي، تفر دموعي فزعاً.. حتى إذا أدار ظهره أحتضن نفسي الممزقة، وأنكفئ على هواجسي وهلعي، مجترّاً اللامعني، ومرارة البحث عن وجود، وذكورة بعيدة جداً عن وعيي وإدراكي.. وعندما أحاول يائساً استدرار الرجولة الضائعة، وأتذكر شجار أبي وفزع أمي من ضجيجه، تتساقط دموعي جمرات في فراشي فلا أنام، ولا أقدر حتى على الرقاد. - ااااه يا أبتي.... أموت من عجزي عن إبهاجك، وأموت أكثر من حزني على أمي، وأتعجب من ممنوعاته ونواهيه لي ولها! النوم في حضن أمي ممنوع! الهمس في الكلام ممنوع! اللعب بلعب أختي سحر ممنوع! اللعب في الشارع مع الفتيات ممنوع! النوم في غير غرفتي مع أحد ممنوع! عند مخاطبتي أي أحد على أن أنظر إلى عينيه مباشرة! التحدث بصوت منخفض عندما أطلب أي شيء ممنوع! كانت تلك قوانينه التي لم أشعر بأهميتها يوماً، تجلدني بسياط الرجولة التي كثيراً ما كان يتشدق بها.. وكنت أعتقد بأن كلام الجيران وأصدقائه عند رؤيتي، وإصرارهم على أني غير طبيعي، وشكه الدائم في صحة كلام أمي بأني "ولد ونصف" كل هذا جعله يتعامل بشدة معي، رافضاً بكبريائه الذكوري أن تكون له نطفة مختلة، وضعت داخلي لسبب لا يعلمه. يا قرة عيني يا سحر: لن أنسي دموعك أنت وأمي بعد إصرار الوالد على دعوة أصدقائه لحضور حفل ختاني، وإخلاله بوعد أمي بأن يقوم طبيب بعملية الختان لي.. لن أنسي ما حييت الرعب الذي عشته للحظات ,وأنا مقيد عارياً إلا من خوفي وألمي وخجلي , وأنا أري كل العيون تقتحم حرمة جسدي وقدسية حياتي، متعلقة بعضوي الذكري الذي سيقوم بقطع جزء منه عمي صالح المزين.. حتى أتطهر كسنة نبينا محمد عليه السلام، كما قال لي الوالد، ثلاثة أيام بلياليها قبل تلك العملية، وأبي يجلس إلى ليكرر أحد نواهيه: إياك والبكاء فإنه ليس من شيم الرجال.. ولست أدري لم كل تلك الحماسة والفرح غير المبرر لقطع جزء مني بدون إرادتي وبلا حول ولا قوة وقد خلقني الله هكذا؟! ألم يكن قادراً على تجنبي الألم والمهانة على يد أقرب الناس لي؟ ألم يكن من المفروض أن أترك حتى أكبر وأقرر إذا كنت بالفعل أريد التخلص من تلك الجلدة أم لا؟ وما الحكمة من تلك الاحتفالية اللا إنسانية الموجعة، وأنا عاجز، وغير قادر على المقاومة، ولا حتى البكاء؟ أحكم أبي تقييد يدي، واحتضنني بقسوة من الخلف.. كادت أن تكسر أضلعي الضعيفة.. وأمسك عمي أسعد بقدمي اليمنى، وعمي محمود باليسرى، وأجلساني أرضاً أمام عمي صالح الذي نظر إلى عضوي، وهو يحمل سكيناً حادة، يلمع نصلها أمام عيني.. أمسك بالسكين وقلبه بين أصابعه، وجعل يهمهم بينه وبين نفسه.. وفجأة قال: - يا سيد أحمد: لا أستطيع أن أطهره؛ فعضوه أصغر من أن يقطع منه، عليك بطبيب مختص؛ فهذا أفضل.. رد والدي بجفاء: ماذا تعني؟ قل إنك أصبحت عجوزاً خرفاً أعمى، وصرت أجبن من أن تختن الآن.. نداء سليم ولا بد من تختينه.. أرخي عمي أسعد وعمي محمود من قبضتيهما.. لم أستطع حبس آلامي ودموعي.. سمعت أحدهم يقترح: خذه إلى المستشفي يا أحمد.. هذا أفضل.. فجأة نزلت كف الوالد فوق خدي ليطفئ خيبته وخجله أمام الجميع وصرخ في قائلاً: ألم أقل لك إن البكاء للنساء يا عرص؟ اختفيت لمدة يومين داخل ذاتي ، لم تقبل نفسي الطعام، خاصة وأنا أتذكر الرعب الذي لفني وأنا أرى سكين عمي صالح وهو يلوح بها أمامي.. وكم من مرات تخيلت الوجع والألم والدماء، لو تمت تلك العملية، فأنتفض من نومي جزعاً، لأجد أمي الصغيرة سحر بجانبي تهدهدني وتبكي معي.. رفض والدي الذهاب بي إلى طبيب.. تخلف عن عمله أياماً لا أدري عددها، بعد أن انتشر الأمر في المدينة، وكنت كثيراً ما أسمعه يتحدث مع نفسه بصوت عالٍ وهو يتساءل: ما هي حكمتك يا رب؟ أعلمني إياها حتى أفهم.. بعد خمس عشرة سنة من الحنين لنطفة مني تمشي على الأرض تعلي اسمي.. ترسل لي بحثالة لا هي ولد ولا هي بنت.. لماذا أنا؟! ثم يبكي بصوت عال يمزق نياط القلب، وأمي بجانبه تبكي صامتة ذاهلة عما حولها من شدة ما تعاني من ألم.. وعلى غير توقع مات أبي.. امتطى ظهر الموت فجأة ورحل.. رأيت جثمانه مسجًّى فوق السرير، والقسوة تلف وجهه رغم إغلاق عينيه، نافذتيه على العالم.. تري إلى أين سيُذهب به؟ إلى الجنة أم النار؟ أبعد كل هذا القهر الذي شربته منه يدخل الجنة؟ ولماذا تبدو ملامحه ساكنة، لا تنم عن شيء؟ هل سيلقى الله ويعاتبه على هديته التي لم يتقبلها يوماً؟ حاول بعض الرجال إخراجي من الغرفة، ولكني أصررت على البقاء حتى النهاية.. عم علي جارنا - زوج جمانة صديقة أمي - أحضر قماشاً كثيراً أبيض.. وأتي السيد محمود زوج راشيل بخليط من العطور العربية النفاذة.. أما حنا فقد كان يجيء ويذهب بين المطبخ وغرفة النوم محملاً بأوانٍ مليئة بالماء الدافئ.. حمل الرجلان جثة أبي ووضعاها على الأرض فوق قطعة قماش، وخلعا عنه ملابسه، وغطياه بقطعة أخرى من القماش من بداية منطقة الخصر.. انساب الماء الفاتر فوق بلاط الغرفة، وتعالت تمتمات السيد محمود وابن خال والدي آخر أقربائه بالأدعية التي تُقرأ أثناء التغسيل.. وبعد أن انتهيا من الماء، صبّا فوق جسده الكثير من الروائح التي لن تخرج من أنفي أبداً رغم السنين؛ فللموت رائحة.. جففا الجثة، وبدءا في عملية التكفين الأخيرة، حتى إذا انتهيا واختفى وجه والدي انفجرت بالبكاء.. خرجت من الغرفة، واتجهت حيث أمي التي التصقت بها سحر، كانتا تبكيانه ومعهما نساء أخريات.. قبلت يد أمي وقلت لها: أنا ذاهب مع بقية الرجال للصلاة ومن ثم سنتجه إلى مقابر البلدة.. كانت تلك أول مرة أشعر بمشاعر رجولية تنتابني، ولكن للضرورة أحكام. ارتفع صوت أمي بالبكاء، وانتحبت سحر، وصاحت بقية النساء.. اجتذبتني إحداهن وعصرتني في حضنها، من بين رائحة جسدها التي دهمتني، سمعتها تقول: شد حيلك يا نداء.. أنت الرجل بعد أبيك.. تخلصت منها بعد أن شعرت بالاختناق، وأنا أهمس بيني وبين نفسي: لا أريد أن أكون بديلاً لهذا الرجل الذي رحل فجأة بقسوة، غير مبالٍ بأمي وأختي.. كثيرٌ من الرجال مضوا خلف جنازته، ولأول مرة أدرك بأن غالبية سكان الحي قد أحبوه وأثنوا على أخلاقه. دُفن الوالد، وانتهت مراسم العزاء المملة، شعرت أخيراً بأني عصفور بغير جناحين.. أنتقل في كل ركن من أركان منزلنا بدون نظرة ازدراء أو استخفاف.. الحمد لله.. الآن ستبدأ الحياة.. الاخرون هم الجحيم ثمّ أمر لا يمكن إنكاره، كما لا يمكن الفرار منه؛ إنه الشارع وما أدراك ما الشارع؟ تلك المدرسة التي نتعلم فيها المستور والمحظور، المدرسة التي تذيـبنا كتلة واحدة.. نتقاسم في دهاليزها الضحكة الندية وهمومنا الصغيرة، نبلل جباهنا بعرق الجري خلف النضج البطيء، والخصوبة المتعثرة. السابعة من العمر المذبوح كانت بداية جديدة لكي أخرج من منزلي، وأواجه العالم، وأصبح مثل أي طفل آخر.. كم كانت فرحتي شديدة وأنا أرى أمي واستعداداتها لدخولي المدرسة، لكنها – ويا ليتها ما كانت - باتت من أشد السنوات إيلاماً لي وإذلالاً، فقد واجهت نذالة زملائي وأقراني من الأولاد الذين لا يختلفون في تكوينهم وطريقة تفكيرهم الفطري الذكوري عن المرأة.. عن السادة الكبار من الذكور، وإن تشدقوا بغير ذلك. من قال بأن الأطفال أبرياء!؟ إن عقدنا جميعاً تتشكل خلال تلك المرحلة ,وعبر تعليقاتهم؛ لتذكرنا بأنهم مثال حي على اللؤم والنذالة والاستغلال.. وها أنا ندااااء الذي لم تكن ملامحه الجميلة الأنثوية غير مقبولة، وأنا أدرس بجانب البنين في نفس المدرسة التي رفضتني في البداية، ولكن مع ضغط أمي قبلني المدير.. سبقتني قصة ختاني الفاشلة أينما يممت وجهي، وشهدت براعة في الإهانات من الطلاب، والتي تعلموها من مدرستهم الأولي "الأهل" وإساءات كانت تطحن نفسي أبسطها: ابتعد عنا؛ أنت لست ولداً! أمي قالت لي: لا تلعب مع البنات. بنت أنت أم ولد؟ لم تكن بيدي حيلة.. كنت أبكي كلما انفردت بنفسي.. وأنصت إلى قلبي وهو يكاد من الحزن يتوقف، وأدقق في شكلي ولا أستوعب شيئاً، وأتساءل بيني وبين نفسي: من أكون؟ أخليطاً من خير وشر؟ أم من رهبة وفتون؟ وعلى هزهزات الحيرة وشواطئها البعيدة الغامضة أغفو، تطاردني الكوابيس، فأصحو مذعوراً لأجد يدي وقد اندست تحت منامتي أتلمس عضوي الصغير وأداعبه، ثم فجأة تتردد صرخات أولاد المدرسة في غرفتي: أنت ملعون.. ابتعد عنا! أنتبه متلفتاً في فراشي، وساحباً يدي بسرعة، لأرى الجدران مطلية بضحكات الصغار، وانكسارات الفرحة في جوف أمي وأختي. مع هذه اللحظات الحارقة تعلقت بالوحدة، في وقت كنت أحتاج فيه إلى الرفقة واللهو مثل الأخرين.. لكن تهمتي لا تغتفر، ففي المجتمعات المجرمة لن نجد بريئاً. اتسعت دائرة الاتهامات والإهانات وتأليف النكات، ولم تقتصر على الطلبة فقط؛ بل امتدت إلى الأساتذة الكرام الذين استغلوني لتأديب الآخرين من الطلاب، والسخرية من نعومة وجمال ملامحي، فحرمت من المشاركة في أي نشاط طلابي أو تسلية جماعية تحت شعار: "ممنوع البنات" وهكذا تعلمت أن أكتم وجعي... أتدثر بالراحة فقط وقت الإجازات.. وما أدري، إذا يممت وجهاً أريـــــد الخـــير أيهـــــما يلينــي هــــل الخير الذي أنا أبتغيـه أم الشر الذي هو يبتغيني؟! (المثقب العبدي) كيف أزهو باقتطاف زهرة رابية، وأنا يا قارئي لم أتطهر بعد من رغوة الإثم الطافح في فناء المدرسة، وحجرة الناظر؟! تلك هي الحقيقة المرة، حقيقة أن يفاجئني صحو الزمان، فأندس تحت جلدي مدعياً التخفي، ولكن لا خفاء، ولا ظهور! منذ دخولي للمدرسة ولمسي طباع الأولاد الجافة التي لا براءة فيها أدركت أن هناك صنفين لا ثالث لهما: الأول من يسلم مؤخرته ليعيش بسلام، والآخر من يأخذها ليؤمن لهم الحماية.. في الصف الثالث الابتدائي طفح الكيل ولأنني كنت أقص على أختي (والدتي الصغيرة) سحر كل ما يدور معي من إساءات تزهق روحي، تقدمت هي بالشكوى للسيد مدير المدرسة، ذاكرة له عن مضايقات الطلاب لي.. استدعاني المدير الذي لم أكن أحبه إلى مكتبه، وبدأ حديثه معي، رابتاً بيده الغليظة فوق شعري المنسدل، وصوته المزعج يتسلل إلى أذني بجرأة وقحة: - لماذا لم تأت إليّ مباشرة، وتحكِ لي عن الذين يضايقونك؟ لم ينتظر إجابة مني، وتمعن في ملامحي وكأنه يراني لأول مرة وقال: أنت جميل جداً يا نداء، إذا استمعت لكلامي وفعلت ما سأطلبه منك سأجعل كل الطلاب يخافونك، ونظر في عيني وابتسامة خبيثة ترتسم فوق ملامحه الأربعينية، غضضت من بصري وبصوت هامس رددت: - أشكرك يا أستاذ.. كانت النزوة الشيطانية التي تشتعل جذوتها فجأة تجول في عينيه.. رأيته يتجه لباب الغرفة ويضع المفتاح في جيبه. توجست شرّاً وأنا أراه يتقدم تجاهي مبتسماً ابتسامة خبيثة، ثم بدأ يتحسس جسدي ووجهي باشتهاء! - نداء.. اخلع البنطلون؟ بهت واحتلني خوف مجهول وأجبت بضعف واستكانة: - أنا آسف يا أستاذ.. لا أستطيع. - ولم يا حبيبي أنا أريد الاطمئنان عليك.. - أنا آسف.. لا أستطيع.. أمي قالت لي: إياك أن يلمسك أحد.. تجهم وجهه وصرخ بحدة: - ماذا تعني ؟ عندما أقول لك شيئاً يجب أن تفعله وإلا.......... جذبني من شعري بغتة، وفح بأنفاسه اللاهثة، وحملني ثم كبني على وجهي فوق المكتب، وبدأ بنزع البنطلون عني فبدأت ابكي.. نزع بنطلونه بتوتر وهو يفح: إياك أن أسمع صوتك وإلا جلدتك. حاول اغتصابي وإصبعه الغليظ يخترق لحمي.. حتى الآن لا أذكر كيف استطعت التملص من يديه، والهرب عبر النافذة المطلة على الحديقة الخلفية.. أخذته المفاجأة وتردد صوته يهدر ورائي: - قسماً عظماً لأجعل أيامك هنا سوداء يا خ................... اختبأت في حمام المدرسة، وأغلقت الباب وجلست خلفه.. شعرت بنار تشتعل في جسدي وعقلي، فيما كنت أحس بخط من الدم ينسال، بكيت ما شاء لي البكاء. انتظرت حتى انتهاء الدوام وخروج كل الطلاب، وتسللت إلى الصف، حملت حقيبتي والخوف يشلني، وعندما رآني حارس المدرسة قال مشفقاً ومتعجباً: - أين كنت يا نداء؟ لقد ذهب كل الأولاد؟ فتح لي البوابة وحاول أن يربت فوق كتفي إلا أنني فزعت، وخرجت مسرعاً، ومشيت ومشيت.. لا أدري إلى أين! زالت معالم الأماكن.. ذابت.. وخطواتي الثقيلة الخائفة المتألمة تدق الأرض.. يلفني الارتياب والشك والخوف والوجع. حين وصلت منزلنا ورأتني أمي هلعت لمنظري واضطراب ملابسي، ولاحظت احمرار عيني، فأصرت على معرفة سبب بكائي، ولسبب لا أدركه حتى الآن لم أبح لها بالأمر.. غسلت بقايا الدماء التي علقت بسروالي الداخلي بسرية تامة، وتذكرت بإشفاق وجه أمي والهلع البادي عليه: آه يا أمي يا حبيبتي.. لا أريد لكِ أحزاناً فوق أحزانك.. لا أريد أن أرى نظرة ألم تتجول في عينيك الجميلتين.. أريد السكينة تورق داخل نفسك المعذبة بي.. أنت من يمسح دمعي.. ويجبر قلبي الكسير.. ترى من يأخذ بيدي لحدائق اليقين حتى أعرف من أنا؟ ولمن أشكو صدعي ومزيج الجراح المسكوب في قلبي؟ أثناء الطابور الصباحي في اليوم التالي لنجاتي من بين براثنه، أفقت على صوته ينادي اسمي عبر الميكروفون آمراً إياي بالصعود إلى المنصة.. تعثرت في خجلي والأسئلة تركض في رأسي: - ترى ماذا يريد مني بعد فعلته النكراء؟ باغتني أمام جموع الطلاب، وجذبني من شعري صارخاً: - مدرستنا لا مكان فيها للمخنثين! ( كانت تلك أول مرة أسمع فيها هذا التوصيف) مدرستنا مصنع الرجال وليست للبنات.. شعرك هذا سنتخلص منه اليوم؛ حتى تسترجل وتكون عبرة للآخرين لم يكن شعري أطول مما هو عليه عند الكثير من الطلبة الذين كان لديهم من الحظ ما يكفي لفصل جيناتهم عن أي سمة من السمات الأنثوية وقت تكوينهم؛ لكن في مجتمع يضم كل المظالم والبغضاء وانتهاك الآخر تموت النفوس ولا تحيا. وسط بكائي وضعفي وقلة حيلتي أمسك بمقص في يده، وراح يقص شعري وهو يسرد ويسهب للطلاب عن ماهية الفروق الأساسية بين الأولاد والبنات. بعد أن انتهى من انتصاره أمام الطلاب، قال لي: لا تذهب للصف وانتظرني في المكتب، ثم هددني متوعداً: إن نطقت بشيء عما حدث في اليوم السابق فسأقتلك.ما تزال ملامح هذا المدير محفورة في ذاكرتي، ولم أزل رغم السنين ألتقطها من زواياها، أحفظها، وأبقي عليها علامة من علامات الانحراف الخفي في مؤسساتنا التربوية، أسأل نفسي أحياناً: - كم من الطلاب راودهم المدير الفاضل عن أنفسهم؟ وكم واحداً منهم استطاع الهروب عبر النافذة. ما أبشع أن تستقر القساوة في قلوب البشر الذين تلقوا تعاليمهم الأخلاقية من دساتير الذئاب، فملكوا الاستعداد لنهشك - حتى لو كنت قديساً - بلا ذنب جنيته. رفضت الذهاب للمدرسة. وكان رفضي قاطعاً، على الرغم من ضغط الوالدة.. رضخت أمي لطلبي بعد موافقة أختي سحر التي كانت قد أنهت دراستها الجامعية بجامعة بير زيت، وبدأت الاستعداد لنيل الماجستير في اللغات.. حولت أمي أوراقي للدراسة المنزلية. وهكذا لم أكن أغادر منزلنا إلا للضرورة القصوى، وتحديداً وقت الامتحانات.. كانت أمي الصغيرة وقدوتي البديعة سحر خير معين لي.. وبمساعدتها حصلت على الابتدائية والإعدادية. كانت معظم أوقاتي فارغة كنفسي تماماً، جليستي ورفيقتي الوحدة، وصباحات من التعب والمرارة. مع وحدتي كنت أشعر بالهواء يتسلل تحت ثيابي وينحني؛ خشية أن يلامس جسدي غير المحدد الهوية، لأرحل مع هواجسي وسنواتي القليلة وأنا أتحسسه لأتعرف على سره الخفي، الذي لاك الرابعة عشرة من عمري بلا طائل.. وكان جسدي يشتعل بهدوء... ولسبب لا أدركه كانت تلك المرحلة لوحة من شقاء - بكل تفاصيلها - وواقعاً مريضاً متجهماً وصعباً، دعاني إلى الضجر والمرض والفتور؛ فقد أمضيت نصف وقتي أو – إن لم أبالغ - ثلاثة أرباعه ما بين المستشفيات العامة والعيادات الخاصة، أشكو أوجاعاً رهيبة في منطقة الحوض وحول البطن، جعلتني أشعر بروحي خالية، وكأنها تتجول بي في ضباب مزيف.. كنت أبكي ليل نهار آلامي التي انتشرت، وأعاني تعسف الأطباء وجهلهم، وإصرارهم على أنني أعاني من المرارة، أو ربما الزائدة؛ لذا اقتصرت كل الفحوصات على هذين الاحتمالين حتى اختفت الأوجاع فجأة.. وبلا مبرر.. تواريت ونفسي خلف الأيام.. وكم تمنيت أن تغرق في النوم السنوات حتى لا تقتلني الحسرات، وتلهبني بشظاياها التي فتحت سراديب من نار داخل شراييني لتلتهم الرابعة عشرة من عمري دون أن أدرك من أنا؟! شكوت لأمي الصغيرة سحر فهمست وهي تهدهدني: اسمع ما قاله الشاعر: لا تخشها يا أخي الصغير ادخلها بضراعة عصفور شتوي انس بأنك مريض وأنك ما بين ذكر وأنثي لا تنطفئ يا صديقي الصغير ولا تنم في نقاط خائفة سنواتي الأولى التي قضيتها ما بين النظر والتأمل جعلتني أبدو أكبر من عمري بكثير.. أنظر إلى أمي التي كنت أراها طيلة الوقت محنية فوق لوحاتها، أو مقرفصة في المطبخ وهي تعد الطعام دون أن تحتج.. كانت تنهض من وقت لآخر تتمطي كي تطرد الوجع، ولتنشر في البيت روائح طبخها الشهي.. تساعدها أحياناً أختي سحر إذا كانت غير مشغولة بدراستها في الجامعة أو بقراءاتها المتنوعة أو أساعدها، أنا أحيانا كي أطرد الملل. السيده الجسد ليست تلميذه للشيطان... في جلسات الصفا ووقت الفراغ كانت ترسم أوجاعها بالفرشاة، وتصب ألوانها الباهرة فوق لوحة، أو تدعو صديقاتها على صحن تبولة، وفنجان من القهوة، وبعض من فطائرها البديعة.. راشيل وعبلة وجمانة.. صديقاتها المقربات، وزميلاتها في التدريس، واللواتي أعرف عنهن وأزواجهن كل شيء؛ بحكم أنهن لا يخجلن مني؛ باعتباري جزءً منهن. عبلة المسيحية، ذات الوجه الطفولي البريء، والجسد الذي لا تطفئه نار، الجريئة دون حذر، الجميلة التي دوماً تشتكي عجلة زوجها، والذي ما استطاع أبداً أن يجعلها تتدفق أنهاراً بين يديه.. كانت غالباً ما تنهي شكواها بالسؤال المعتاد: - تري كم عدد النساء مثلي اللواتي لا يشعرن بثورة أجسادهن مع أزواجهن؟ ثم تبدأ موالها الحزين: آه ما أتعسني وأنا أعلم بأن هناك نساء تدور الدنيا بهن، ويتعلقن بالنجوم في كل مرة يأتيهن أزواجهن؟ ثم فجأة تضحك ضحكة لاهية، تداري بها ضيقها، ثم تسأل دون أن تنتظر الإجابة: ماذا أفعل، وحنا أبداً لا يرويني؟ تضحك أمي وراشيل وجمانة على أسئلة عبله وحديثها، ولا يبدين تعليقاً، فتستفزهن بكلماتها: والمسيح الحي لو كان فيه طلاق لطلقته. ترد راشيل اليهودية، الرقيقة كنسمة بحرية، والتي أحبت محموداً المسلم، وتزوجته، وعاشت معه في رفاهية وسعادة تحسدها عليهما كل قريباته المتزوجات وغير المتزوجات، لحسن خلقه، وقد تمنين أن يكون محمود الرجل الوسيم الأنيق الذي يمتلك محلاًّ بمدينة القدس ويتاجر في الأنتيكات من نصيبهن، غير أن راشيل كانت قد كبلت قلبه الذي لم يتسع لغيرها. ردت بهدوء ورزانة على عبله: مشكلتك يا عبلة فقط تكمن في أنك حتى الآن لم تحبي حنا، لذا فمن الطبيعي ألا تشعري بجسده مهما فعل لكِ.. وأعتقد أنه أدرك تلك الحقيقة فأصبح عجولاً عندما يأتيك حتى لا يشعر بضيقك لو أطال.. - والعذرا كلامك غير صحيح؛ فلو كان يستطيع أن يكون غير ذلك لفعل، ولكن تركيبة جسده صممت على ذلك، ولو أنه حاول ولو مرة مخاطبة مشاعري وأحاسيسي، وأشعرني بجمالي لكنت تسامحت في عدم إرضاء جسدي، وأحببته، ولكنه يأتيني مثل البهيمة، صامتاً لا يعرف من تضاريس جسدي سوى مكان واحد، يفرغ فيه شهوته، ويقوم سريعاً! تمسك بخيط الحديث جمانة ذات الجمال الآخاذ، القوية كنمرة لا تقاوم، زوجة الاستاذ "علي مدرس الفلسفة والمنطق في المدرسة الثانوية، وبهدوء شديد فتقول: |
2011- 9- 18 | #3 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
- أعتقد يا عبله أنك لم تحبي حنا، ولن تحبيه أبداً، لأنه أولاً لم يلامس الحس الأنثوي فيكِ حتى الآن، وثانياً: لأن غالبية النساء العربيات يكبتن مطالب أجسادهن تحت تابو لا يجب أن يخترق؛ ألا وهو الخجل من المبادرة.
- والله صدقت يا جمانة؛ طوال ست عشرة سنة لم أتجاوب معه إلا مرة واحدة، وكان من الممكن أن أطوع مشاعري لتصبح على الأقل رهينة لإرواء جسدي بعد تلك المرة، ولكن ما نطق به بعدها جعلني أستبدل به شيئاً صناعيّاً اكتشفت بيعه بالصدفة في محل بتل أبيب، أطفئ به ثورة جسدي المدفونة كلما اشتقت لرجل.. وتضحك عبلة بعصبية لتداري جرأتها وتقول: الله يسامحكن، قلبتم على المواجع.. لقد تذكرت الآن تلك الليلة اليتيمة: ذات يوم جاء حنا في المساء وقال إنه متعب، ويريد أن ينام. وبعد أن تعشى وأخذ حماماً دافئاً اندس في الفراش، أما أنا فقد جلست مع أيمن ولدنا حتى غفا وبعدها ذهبت إلى غرفة نومي، وأثناء تغيير ملابسي والضوء الخافت يرسل ظلاله الباهتة فوق حوائط الغرفة سمعت صوت حنا يهمس: عبلة: تعالي كما أنت، لا تلبسي شيئاً فإن جسدك يبهرني.. - ظننتك متعباً ونائماً! - حتى لو كنت متعباً وغارقاً في النوم، وصحوت فجأة، ورأيت هذا الجسد فلن أبالي بأي تعب.. كان يومها رقيقاً كهمس موجة تتعانق مع شطٍ طال ظمؤه، ولأول مرة أشعر بنفسي خفيفة كنسمة صيف، فاندفعت زاهية بين أحضانه، وانسابت الكلمات الحميمة على لساني دون أن أدري، واندفعت أشاركه إحساسه كأجمل ما يكون، حتى خلت نفسي امرأة أخرى غير تلك الخجلى، التي تخشى أن تعبر عن نفسها في الفراش، وارتويت منه ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت، حتى إذا انتهينا وتركنا جسدينا يرتاحان بعد عناق طويل إذا به يسألني فجأة: - من الذي علمك أن تكوني هكذا؟ - لم أدرك معنىً لسؤاله في بادئ الأمر ولكن بعد أن سأل مرة أخرى: - لماذا كنتِ إذن تتصنعين الخجل من قبل؟ كان جسدي ما يزال يلهث من الإثارة.. وبعد انتباه مفاجئ لما قد يدور بخلده قلت: الفرسة من خيالها يا حنا.. إن أراد فهي له مجرد وعاء، وإن أراد أيضاً فكلاهما يستطيع التمتع بالآخر.. ولأنني تربيت تربية متزمتة، وتعلمت أن الكلام عن الجنس قبح ورذيلة، وبأنه لا يجب أن نصرح بمطالب أجسادنا حتى لا يظن الرجال فينا الجرأة والوقاحة، ولأن أجسادنا من تراب فلا يجب أن نطيعها، من أجل كل تلك السخافات بقيت خرساء، أتركه يتناول طعامه، ويسد شبقه مني دون أن أرتوي، وأستعمل البديل الذي يرويني بصمت، ويشعرني بامتنان. تضحك مرة أخرى بتوتر، وهي ترى نظرات الشفقة تطل من أعينهن، فتقول ببراءة: - يلا أهي حياة.. وبتمر مش ضروري ناخد كل شي، حنا كريم لا يبخل علينا بشيء، وكأنه يعوضني على قبولي الزواج منه لأنه صانع توابيت، وقد رفضته الكثيرات قبلي؛ إلا أنني أعجبت كثيراً بعضلاته المفتولة ووجهه الصبيح، وربنا قادر يخليني أحبه وأرضيه ويرضيني في السرير. للحظات سمعت أنفاسهن تتردد بين صدورهن. وقبل أن تتكلم أمي سمعت صوتها يناديني بهمس حتى تتأكد من استغراقي في النوم.. كنت بالطبع لا أريد لهذا الحديث أن ينقطع؛ فلم أجبها لتطمئن بأني مستغرق في أحلامي تقول لها راشيل بصوت هامس: اتركيه يا ساشا، الصبي نائم، ولو كان مستيقظاً لتحدثت أمامه بكل ما يدور في نفسي، إن نداء تعبث داخله نسمات الأنوثة اللاهية بلا منطق، أكثر من حرائق الرجولة.. ثم تكمل: ها.. ماذا كنت تريدين أن تقولي؟ تهمس أمي بصوتها المبحوح الجميل: لقد تعود حنا على الأخذ دون العطاء، ومشكلتك يا عبلة أنك منذ البداية اعتدت على خنق رغبات جسدك؛ ما جعله يستهجن عندما نطقت وتحركت معه في السرير.. ردت راشيل: كان عليه أن يبتهج بدلاً من توجيه اللوم والشك السخيف. ألا يدرك الرجل أن حاجة جسد المرأة لجسده مثل حاجته لجسدها، وكلاهما ينادي الآخر في أي وقت وأي مكان؛ ليبعث البهجة ويوقد الأنوار داخله؟ تناولت جمانة رشفة من قهوتها، اخترق أذني صوتها وهي تقول بحزم: الخطأ دائماً أرجعه إلى المرأة فهي وان حققت نجاحات كثيرة، إلا أن تلك الأشياء ما هي إلا غلاف خارجي أنيق، سرعان ما نطرحه إذا مس جلدنا وتقاليدنا المتخلفة، فالمرأة تعيش التقاليد في الجزء العملي من حياتها، أما حاضرها المثقف ففي الجزء النظري، والنتيجة علاقات عرجاء، وزيف اجتماعي، وانفصام في الشخصية.. كما أنها تستمتع بتنكيس رايتها أمام الرجل مع أن حريتها ليست هبة يقدمها لها، بل منحة إنسانية لا بد من الحفاظ عليها! كم كنت أحب تلك السيدة وأتخيلها كثيراً في السرير، فكم هي مثيرة ومتمردة ورائعة، وكم تمنيت سعادتها مع عمي علي المتأنق الهادئ دوماً.. سمعت أمي تهمس وهي تتنهد - بعد أن تأكدت مرة أخرى من استغراقي في النوم -: لقد انقطعت علاقتي الحميمة بأبي نداء منذ ولادتي لنداء إلا ما ندر؛ لأنه كان يعتبرني المسؤولة عن الخلل الذي يعاني منه ولدنا.. ردت راشيل: هكذا الرجال دائماً تغلبهم الأنانية، فإن كانت نطفهم سليمة عبر أجساد أولادهم الفتية قالوا إنهم من نسلهم، وإن كان هناك خلل في أحدهم قالوا إنه منا.. رحمك الله أبا نداء، اطلبي له المغفرة. عبرت أختي سحر باب الحديقة، واتجهت حيث جلست أمي وصديقاتها. وبصوت ينسجم مع أصوات العصافير قالت: مساء الخير.. فروة من تقطعن الآن؟ عمي حنا، أم عمي محمود، أم عمي علي أم أبي رحمه الله؟ تفرقع عبلة ضحكة صاخبة وتردد: كلهم وحياة عينك يا سحر. تنظر إلى أمي وتستكمل: انظري يا ساشا وابتهجي، فسحر ابنتك بمائة من رجال هذا الزمان. أما نداء فسيكون بالعلاج سيد الرجال.. نسيت أن أسألك: ماذا قال لك الطبيب بعد أن رأي نتيجة التحاليل؟ رحلة الالف اه تبدأ بطبيب... عاد بي السؤال إلى الهم الأسود؛ فلم أكن على أدنى درجة من درجات العلم أو التوقع حتى أتيقن مما سيحدث.. فزيارات الأطباء المعتادة كانت من قبل بسيطة: إحصاء عدد ضربات القلب، الإصغاء بواسطة المكبر الصوتي إلى إيقاعات الشهيق والزفير، ميزان زئبقي للفم وآخر حول اليد، بعده يبدأ العمل بقائمة من الأدوية الضرورية أحياناً وغير الضرورية في كثير من الأحيان , ومن ثم تناول الأدوية حسب مواعيدها، والتوقف عن أي نشاط والإخلاد للراحة في الفراش لمدة يوم أو يومين على الأقل.. ولكن على غير المعتاد كانت زيارة الطبيب تلك المرة مختلفة تماماً عما سبقها من زيارات، وحتى هذا الطبيب الجديد الآتي بوسامته وعلمه من أميركا كان تخصصه في العقم والذكورة.. ولست أدري لماذا الذكورة بالتحديد؟ كنت قد قمت بزيارته أنا وأمي قبل تلك المرة، وأرسلني إلى مختبر خاص لأخذ عينات من دمي لقياس نسبة الهرمونات وعدد الكروموسومات، ومصطلحات أخرى جرت على لسانه لم أفهم منها الكثير، ولم أستوعبها حينها. إذن فلا بد وأن النتيجة لن تكون كالمعتاد؛ مجرد نزلة برد أو قلة نوم أو حتى هبوط الضغط أو ارتفاعه. مكره أخاك.. قدري أن أترك جسدي المنهك ليهتكوا ستره، وينثروا خجله فوق طاولاتهم المعقمة . الأطباء وما أدراك ما الاطباء ؟!... لن أنسى ما حييت الطبيب وهو يتملى وجه أمي الصبوح، أمي الرسامة الرقيقة صاحبة الوجه النضير، طاهرة الجبين والقلب الكبير التي كانت تسرق الوقت لتضيء منزلنا بألوانها العذبة المتناسقة، تكسو الجدران بآلامها المبهجة، وهي تقف بمفردها في مواجهة الحياة بعد موت والدي، لديها الكثير من الكنوز المخفية تلمسها وقت حاجتك، وأبداً لم تضن بها على أنا وسحر.. أمي ملاذي من الدنيا ومن التساؤلات التي تقهرني وتفتتني. تذكرت يومها نظرات الطبيب لها، ولمست إعجابه بها، وقد سعدت بهذا الشعور وتخيلت أمي بين يديه، وهو يتجول بعينيه فوق جسدها متنقلاً بيسر ما بين تلال ووديان تشع بالبهجة، يجبر قلبها المكسور، ويساندها في الحياة، أذكر كيف أفقت فجأة على صوته المشع بالفرح، وكأنه وقع على كنز، بعد أن تمعن في نتيجة الفحوصات المخبرية: - كل الفحوصات تشير إلى أن ابنك "كلاين فلتر" يا سيدتي... وجمت أمي للحظات ثم سألته: ماذا تعني يا دكتور؟ - الشرح طويل يا سيدتي ومعقد وعلمي وطبي أكثر من اللزوم. قالت أمي بإصرار: أرجوك يا دكتور، لا يهمني أمعقد هو أم غيره.. أريد أن أتفهم حالة ابني وبالتفصيل؛ حتى أستطيع التعامل معه. ما دام الأمر هكذا - ولو أنني أعتقد أنه قد جاء متأخراً - فسأشرح لك: من المعروف علميّاً أن في كل خلية من خلايا الجسم البشري 23 زوجاً من الكروموسومات، وكل واحد منها يحتوي على الجينات التي من شأنها أن تحدد لوننا وسماتنا، والجنس الذي سنصير إليه، كذكور أو إناث... ترث النساء كروموسوم "إكس" واحد من الأب وواحد من الأم وبالتالي تكون صيغتها الكروموسومية "إكس إكس 46" أما الرجال فيرثون كروموسوماً واحداً من أمهاتهم "إكس" وكروموسوماً واحداً من آبائهم "واي" فتكون الصيغة الكروموسومية للرجل "واي إكس 46" وفي بعض الحالات النادرة - مثل التي يعاني منها ولدك - يحدث الخلل بأن يرث بعض الذكور كروموسوماً إضافيّاً أو أكثر، ليصبح العدد في النهاية "واي إكس إكس 47" وحتى الآن لم يعرف السبب الرئيسي لهذا الخلل الوراثي الذي ينتج عن عدم الانفصال الكروموسومي، الذي من شأنه إحداث هذا الاختلال في الصفات الوراثية للمولود الذكر، ويطلق عليها طبيّاً متلازمة "كلاين فلتر" وهو اسم أول طبيب اكتشف تلك الحالة.. للحظات نسيت أمي وجود صديقاتها، فكانت تردد ما سمعته من الطبيب، والذي حفظته غيباً، وكأنها غير مصدقة لما قاله! بصوت حزين سألت عبلة: أليس لتلك الحالة علاج؟ - قال الدكتور بأن هناك حالة من هذا الخلل تحدث في كل ألف حالة، وحتى الآن لم يعرف لها علاج محدد إلا بالهرمونات لمحاولة تحديد الجنس الذي يكونه، على الرغم من أنه ليس حلاًّ قاطعاً وخطراً في الوقت نفسه، ولكن هذا هو ما يستطيعون وصفه لحاملي هذا المرض الوراثي، كما أن تحليلات نداء كلها تؤكد إصابته بهذا الخلل. قالت جمانة: ولماذا لم تسأليه عن أعراض هذا المرض، وتأثيره في الشكل العام؟ - سألته والله يا جمانة وقال لي: إن من يحمل هذه المتلازمة هو مبتلىً من رب العباد في الدنيا، وله الأجر إن صبر، وأعراض هذا المرض ظروف نفسية معينة، تجعله - بسبب هذا التناقض الجيني الحاصل في هويته – مضطرباً عاطفيّاً ونفسيّاً لأن عليه التعامل مع الناس كرجل، مع أن شكله يدل على أنه أنثي. وقد يحدث صراع بين هذا الرجل وذاته الأنثوية التي يشعر معها وكأنه امرأة في انفعالاته ووجدانه التكويني الذي فرضته عليه الجينات الدخيلة.. وأشكال أصحاب تلك المتلازمة يحملون ملامح متشابهة مع من هم مثلهم في طول القامة وانخفاض معدل نمو الشعر، سواء في الوجه أو في مناطق الجسم الأخرى، إضافة إلى نمو الصدر وتضخم الثدي وصغر حجم الخصيتين.. المهم أن تكوينهم الجسماني أنثوي الشكل؛ نظراً للضيق الواضح في الأكتاف واتساع الفخذين، وهذا هو الشكل العادي لجسد المرأة. همست راشيل بصوت مبلل بالدمع: تلك والله مصيبة. شعرت بها وهي تنتقل بيسر حيث أرقد، وتحسست وجهي وشعري وقالت: كم نحبك يا نداء! إني أراك والله أفضل بكثير من الرجال الأنذال.. كان لكلمتها مفعول السحر، ولمستها حركت في داخلي أشياء وأشياء لا أدري معانيها ودلالاتها. وتذكرت كيف كنت يومها أستمع لصوت الطبيب كأنه زجاج يتكسر، وكأن الأمر لا يعنيني، لم يهمني في الأمر سوي حزن أمي ودموعها التي لم تتوقف. وقد حاول الطبيب تهدئتها واضعاً يده فوق كتفها يربت بحنان ظاهر، متعاطفاً معها ومعي. - ألم تسأليه عن ميوله الجنسية يا ساشا، وهل سيحيض أم لا؟ - سألته يا عبلة فقال إن غالبيتهم يفرض عليهم الشذوذ، والانحراف في الطباع، وفي الميول الجنسية، وإذا وجد هذا الانحراف فهو غالباً ما يأتيهم نتيجة للانحراف الجيني اللا إرادي؛ بسبب اختلال الصفات الوراثية وشذوذ الكروموسومات التي تغير الرغبات الجنسية للمريض الرجل الذي يحمل أيضا في تكوينه الجيني الصفات الأنثوية، وأما الحيض فلا بالطبع. مصمصت عبلة شفتيها وسألت بإصرار: يعني هل سيمارس حياته الجنسية ويتزوج أم لا؟ وإذا كانت هناك انوثة تغلبه فهل يتزوج من رجل أم ماذا؟ وما هو العلاج؟ - قال إن بعضهم يميلون لإقامة علاقات شاذة مثلية، حيث يفرض تكوينه الجسماني عليه هذا الانحراف وطبعاً هذا مرفوض أخلاقيّاً ودينيّاً رغم أنه سلوك لا إرادي. ولا أدري والله: هل يسألون عن ذلك؟ هل يحاسبهم الله كما يحاسب الذين اختاروا الشذوذ بإرادتهم... أليسوا معذورين مقهورين؟ ليت أحداً يفتينا في ذلك.. فما ذنب هؤلاء الذين لم يختاروا هذا لأنفسهم؟! هل تدرين أيضاً يا عبلة؟ إن معظم أصحاب تلك الحالة من الرجال يشعر بأنه متزوج من تلك الجينات الأنثوية في داخله، لما يحس به من انقسام متلازم معه بين المثالية في شعور الذكورة، والنضوج الحسي الانفعالي أيضاً لمشاعر الأنوثة؛ لذلك لا تكون لديه رغبة قوية للارتباط؛ لإحساسه بأنه مرتبط أصلاً بأنثى تكبل إحساسه. ليت بالمقدور أن يكون بعضهم قابلاً للتحول الذاتي للذكورة أو الأنوثة الكاملة كما في بعض النباتات والأسماك.. يا ليت! هتفت عبلة في إلحاح: يعني مفيش حل؟ أو ليست هناك طريقة لإراحته، والتخفيف من هذه الأعراض؟ - ربما يستطيع الطبيب أن يحدد إحدى الوسائل الطبية التي تقلل من أعراض الحالة وليس التخلص منها؛ لأن ذلك أصلاً مستحيل، فهذه الحالة متلازمة وليست مرضاً مكتسباً بعد الولادة. غصت أمي بدموعها.. تمنيت احتضانها لولا تظاهري بالنوم العميق.. آه يا أمي الجميلة.. إنها تهب الأطباء عرقها لتجد لي حلاًّ، وتحميني من غوائل أزمنة لا ترحم. ترتدي ما تبقى لديها من الماضي لتشتري لي دواء يرمم ذاتي المنهزمة. أمي تخيط لنا قمصاناً من الورد مروية بدمعها. صرخت جمانة في أمي قائلة: ما لك يا ساشا؟ لم أشعر يوماً والله أن نداء ليس رجلاً، فهو مهذب ومفكر، رغم حداثة عمره. لقد أحسنت تربيته، وهو بعقله وأدبه ملء العين والقلب.. إياك أن أرى دموعك بعد اليوم، ولتكوني قوية به وبسحر.. حاولت خالتي جمانه الجميلة تغيير الجو فسألت: سحر: متى سنفرح بك؛ لقد طال انتظار المهندس سعيد. كركرت سحر للتغيير المفاجئ من موضوع لآخر وقالت: بصراحة يا خالتي أنا لا أحبذ فكرة الزواج الآن، فما يزال الوقت مبكراً.. ردت عبله بجرأة فجة: والله إذا كان المهندس سعيد مثل عمك علي، يدفع بعمود من النور داخلك مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، ويطفئ لهيبك، فأهلا به.. ضحكن جميعاً ما عدا أمي التي قالت بصوت منخفض: انتبهي يا عبلة.. سحر هنا. وردت جمانة: تلك هي عبلة، ترمي كلامها ولا تبالي.. عبلة: آه منك يا جمانة.. طوال أيامك تأكلين حتى تغصي من علي، ولا تفكرين في أختك البائسة التي تستجدي لمسة حانية من صانع التوابيت الأناني.. تخيلت أختي سحر وقد احمر وجهها، وهي تتلمس طريقها إلى داخل المنزل وهي تقول: معذرة أنا عندي عمل، أراكم على خير.. قالت راشيل: ربنا يحميها ويوفقها، والله إنها بنت بمائة من رجال الزمن الطيب، ربنا يسعدها ويسعدك بها يا ساشا، ويشفي لكِ نداء.. انقضى الوقت سريعاً، وبدأن الاستعداد للرحيل، وكل منهن تواسي أمي بكلمة قبل رحيلها. لبست ثوب العيش لم أُستشر"عمر الخيام" أما أنا اليقظ النائم، الممتص لكل همسة وكلمة تدور في فلكي فكان يطيب لي أن أتخيل أني مع إحدى صديقات أمي وخاصة جمانة الجميلة، وكنت أحاول تفصيل الواقع على قياس ما أريد، ولكني لا أجد شيئاً يتحرك هناك؛ وكأن جسدي قد خلق من صخر لا حياة فيه قررت أن أبحث وأتساءل: لماذا أنا هكذا؟ ولإدراكي البسيط بأني لا أدرك، انتقلت لمدارج الحيرة، ومحطات جديدة للبحث والاستفسار حول حقيقتي. توزع بحثي بين المراجع القديمة والأطباء، مروراً بالسحرة والدجالين والحكايات الشعبية وانتهاء بالتأويلات الفلكلورية التي كم جرحني توصيفها: الخنثى من الشيطان، يأتي عندما يجامع الزوج زوجته دون أن يذكر اسم الله قبلها / الخنثى بنت الشيطان تأتي بعدم ذكر اسم الله عمداً فيدخل الشيطان جسد الرجل ويشاركه الجماع! وترن في أذني تعليقات الأولاد الساخرة، وأزداد حيرة! إن الشرور تنبع من بين جوانبنا "لويس الرابع عشر" آه يا أبتي.. لم أسمعك تردد اسم الله؛ إلا في أواخر أيامك! هل ذكرته عندما أتيت أمي في أختي ونسيته معي؟ أعشقني شيطانك؟ أتعمدت أن أكون بلا هوية؟ كم تؤلمني أناي.. وطوفان الأسئلة يغرقني.. ولماذا نسيانك لم يُصب إلاي؟ من أكون....؟ كم أنا متعب........... سامحك الله يا أبتي؟ تذكرت أمي ودموعها وهي تسأل الطبيب: لو أعطيناه الهرمونات كما ينصح الطب: هل من الممكن أن يتحدد جنسه؟ وقد وعيت رده يومها تماماً عندما قال لها: إن الهرمونات تؤخذ للتخفيف من الأعراض الأنثوية لديه أو الذكورية، وحسب اختياره. ولكن غالبيتهم لا يشفون 100 % من تلك المتلازمة.. لا أزال أذكر كيف علا نشيجها وهي تحتضنتي بشدة وقد أحرقت دموعها قلبي.. آه يا حبيبتي.. ليتني كنت سليماً حتى أبعد عن وجهك الجميل الأحزان. ليتني كنت قادراً على تغيير جيناتي من أجل عينيك، ولكن ليس الأمر بيدي.. بكيت معها، وأخفيت وجهي في حضنها كعصفور هذه الهلع في عالم لا يؤمن إلا بالضجيج. ها هو عبء جديد ستحمله "ترتق الثقوب التي ستحدث في نفسي" لا أزال أذكر كيف انهالت بأسئلتها من بين دموعها: وكيف أتعامل معه يا دكتور؟ - كفي عن البكاء لأنه بخير، كما أن من غير المستحسن البكاء أمامه.. أريدك أن تعلمي أن تلك الحالات قد تتفاوت في نسبة حدوثها بين كل حالة وأخرى، فهناك الحالة التي ينتج عنها تخلف في مستوي التعليم، وصعوبة في التواصل والتخاطب مع الآخرين، وحالات أخرى يعاني أصحابها من الاكتئاب الحاد لعدم تقبلهم واقعهم. ثم قال: دورك من أهم الأدوار في توجيهه والتخفيف عنه بالنصح والمتابعة.. كما أن من الضروري أن تعرضيه على طبيب نفسي ليصف له أدوية مضادة لحالات الاكتئاب التي سيمر بها, لأن حامل هذه المتلازمة القدرية غالبّاً ما يكون منهكاً من التناقض بين المشاعر والوجدان، وفي صراع دائم غامض ومتخبط بين أحاسيس الرجولة والأنوثة الدخيلة التي يشعر بأنها تمكنت من اغتصاب الرجل داخله، وتغلغلت في جسده عبر جيناتها الأنثوية الفتاكة، التي استطاعت الإيقاع به فغيرت أهواءه ورغباته، لتعلمه أنها قادرة على النيل منه، والقضاء على فحولته. وسط دهشتي واكتئابي كنت أستمع إلى ما يقوله الطبيب، وقد راودني شيء لم أجرؤ على البوح به أمام أمي بنشيجها المتقطع، والدكتور بتحليلاته وتفسيراته العلمية.. من قال بأني أريد دحر الأنثى داخلي، وهي التي تضيئني بإحساس بريء، وتشعرني بآلام الآخرين وأحزانهم؟! هذا ما كنت أود الصراخ به، لكنني ضبطت نفسي، وقمعتها أكثر من مرة، فكلما انفجرت مساحة من الصمت بين حديثهما، هممت بالصرخة، لكني سرعان ما أخرسها وأكتمها في عروقي حيث إنني الوحيد الذي أعلم أني أتصرف بسلوك أنثوي لا أكون مدفوعاً له، والغريب أنني لا أشعر في قرارة نفسي أنه تصرف خاطئ، لأنه كان يحدث في نطاق ضيق، وبشكل غير متعمد، وبشعور فطري كالميل إلى ملابس البنات مثلاً , والوقوف أمام المرآة لتأمل تفاصيل وجهي الناعم، وأمنياتي بأن أكون بنتاً جميلة، ولكن تلك الأمنيات كانت مستحيلة؛ تحت كرباج مراقبة الوالد الصارمة لي، وانتهاكه لحرمة جسدي أكثر من مرة، وهو يمسك بي عندما يسمعني أهمس بطلب شيء من أمي، لأجده فجأة وقد مزق لي سروالي، وأمسكني من عضوي صارخاً فيّ: - أليس هذا كافياً لتصبح رجلا؟! وكم من مرة ضربني ضرباً مبرحاً تاركاً آثار قسوته على جسدي الضعيف وروحي الكسيرة؛ لتزداد وحشتي، وتكبر كراهيتي له بين ضلوعي، حتى تكاد تعلن عن نفسها صارخة به: تلك كلها آثامك صبت داخلي. لم يكن لأحد أن يستوعب هذا التناقض الغريب في أمرين متضاربين: الجرأة والخجل، وذلك الخليط العجيب ما بين الصبغة الأنثوية والذكرية على الصعيدين: النفسي والجسدي. كم كان يؤلمني شعوري بالحرج من الرجال أو الأولاد في سني، وإحساسي الأنثوي تجاههم، وعدم فهم والدي لحالتي، وقسوته علي بدون مبرر منه: تلكم هي الذكرى وذلكم هو الأب ما أوجع الذكرى!............. "نجيب باوزير" غبت عن أمي والطبيب أكثر من مرة، حتى أفقت على صوته وهو يقول: - المهم الاختيار الآن، ولو أنه جاء متأخراً؛ إلا إنه ضروري جداً للتخفيف عنه. لست أدري: لماذا خطر على بالي الموت في تلك اللحظة ولكن انسابت كلمات ميخائيل نعيمة تهدهد كياني: إن بليت بداءٍ.. وقيل داءٌ عياءٌ أغمض جفونك.. تبصر في الداء كل الدواء رجولة.. أنوثة... فماذا تختار أو تختارين؟ هذا ما كان يردده الطبيب على مسمع أمي! كادت الدهشة تقتلني، للحظات غبت عما يدور حولي، وتساءلت: هل أمي هي التي عليها أن تختار؟ وهل ستكون الهرمونات الذكرية هي الخيار الأول في لعبة التحديد الجنسي؟ هل ستختار ما يمليه عليها المجتمع؛ دون حساب للضرر أو النفع؟ وما هو المفروض طبيّاً، وما غير مفروض؟! يُدهَش الإنسان أحياناً إلى حد الغضب، حينما تواجهه الطبيعة بوجه غير مألوف، فينزعج حينها إلى حد الخوف، لينتابه الشك في البديهيات، ثم لتنهار حتميتها، وثباتها، واستقرارها، وتسقط مصداقيتها لينقبض حتى النخاع؛ إذ يرى وجه البراءة وقد عكره قناع شيطان، ولكن "الشكوى لأهل البصيرة عيب". بدا الأمر لي عبثيّاً.. وقد تملكني الملل، ولعل من البديهي أن السكوت الذي يحدثه الملل ليس كالسكوت الذي يصنعه الألم، إن قلبي يتناثر من الوجع.. وقد رق من الخراب الذي بداخلي.. واهتز جزعاً من رياح عاتية ستهب لتأخذ منه ولا تعطيه. حاولت أن أنفعل، ولكن يبدو أنني فقدت القدرة حتى على الانفعال! نظرت إلى الطبيب، وتذكرت من سبقه من الأطباء تجار الأجساد، ونحن بضاعتهم - إلا من رحم ربي ــ وفى نفسه نطفة من ضمير متيقظ، يراعي من خلالها القسم الذي أقسمه. لا تتعب نفسك في أن ترقى أعلى هذا الدرج ... الأمر إذن واقع ثقيل، ليس فيه أي مسحة من خيال! أنا مصاب بخلل كروموسومي.. مرحباً بك يا نداء في عالم الثنائيات، الشيء ونقيضه / الحلو المر / القوي الضعيف / الرجل المرأة / الخنثى المُشكل! أنا ثلثا أنثي وثلث رجل.. وما على سوى الاختيار للتعديل المحتمل غير الأكيد ما بين الرجولة أم الأنوثة. كنت أصغر من أن أستوعب أن قراراً كهذا سيكون في يدي أو حتى في يد أمي التي ترتجف وجلاً كلما فكرت فيما سيجلبه الغد لي. أمسكت ما تبقى مني بعد تلك الكلمات، واحتضنت أمي لتنسكب دموعي، حارقة ما تبقى لي من أمل.. وخرجت من عند الطبيب مهزوماً مصدوماً. وعلى الرغم من إدراكي القليل؛ إلا أنني كنت آمل أن يقول بأنني أنثى، وأن هناك خللاً بسيطاً قابلاً للإصلاح، أو يقول إنني ذكر، والخلل أيضاً قابل للفصل في القضية، ولكن أن يقول لي بأنني اثنان في واحد / خنثى، فهذا ما لا أستطيع أن أتفهمه! نظرت إلى أمي أنشد دفئها، فرأيت دموعاً تخط أسطراً من الألم المزيج بالحزن فوق الوجه المليح! أمسكت يدها، وتلمست جزعها وأرقها وقلقها، وقد اهتزت ثقتها في الحاضر، واطمئنانها للمستقبل. ومرة أخرى مر الموت على بالي: يا اللــه.. إن لكـل جـرح ساحـلاً وأنا جراحاتي بغـير سواحل كل الأماكن لا تبدد وحشتي ما دام وجعي الكبير بداخلي "نزار قباني" وتسللت كلمات عمر الخيام داخلي وأنا استمع إليها بصوت أمي الشجي الحنون الرائق.. لربما تمسح هزائمي التي بلا نهاية: سر الحياة لو أنه يبدو لنا لبدا لنا سرُّ المماتِ المبهـم لم تعلمن وأنت حي سرها فغدا إذا مـا مت ماذا تعلم؟ لم أكن أستوعب معاني تلك الكلمات، بينما كنت أستمتع بالشجن المشحون داخل كل حرف من حروفها، وصوت أمي الذي يهز بقايا الصبر داخلي فينثره هباءً منثوراً لتتجول روحي بين أودية مغمورة بالسكون والعتمة والموت. نظرت إليها طويلاً علها تغيثني بالحل يطل فوق شفتيها بأن أصبح أختاً لأختي، ولكن تجسدت في عينيها الرغبة بأن أكون أخاً لأختي!! البكاء المضحك ... ها أنا أضحك وأبكي نفسي، وأتذكر برجسون، عندما قال: الضحكة نزهة المقهور، توارى خوفه وتخفي شعوره! وتعجبت من نفسي وقد تملكتني نوبة من الضحك بلا توقف، وتعجبت من حكمة كاسترو عندما قال: إن حكم أمة أسهل من إضحاكها! وتساءلت كيف يكون الضحك صعباً.. ها أنا أخيراً أضحك - ومن كل قلبي - بعد أن أمضيت يومين صامتاً مذهولاً عما حولي.. يومين قضيتهما في سكون وهدوء، وبلا حركة، وبدون أمر الطبيب، وحشد من الأسئلة ينهال فوق رأسي، وسيل من التساؤلات يحيط بي؛ دون أي بصيص لأمل أو إجابة تشفي فضولي، وأنتهي منها بضحكة صافية تخرج من قلبي كلما تحسست بروز ثديي واكتناز مؤخرتي. مع التدرج الواضح في الإحساس وتلك المشاعر المخيفة، والتي يصادرها مجتمعي، ويعاديها، تلك التي كنت أشعر بها، من ميل للذكور الذين كنت محسوباً عليهم نظريّاً، وعلى الرغم من تربيتي المتشددة، وإصرار الكل على معاملتي كولد إلا أن تلك المشاعر كانت تجتاحني ما بين الحين والآخر. والغريب في الأمر أنني لم أكن أعجب بأي شخص، إلا أن يكون بمواصفات خاصة، فأتصوره معي بأي شكل، مع رغبة أنثوية عارمة تجتاح جسدي! وعلى الرغم من اعتزازي الضئيل بكوني رجلاً فإنني كنت أرى أن من حقي أن يكون لي علاقة بأحدهم، يحبني وأحبه. آه كم هذا الشعور قاتل ومريع.. كم كانت تقتلني الغيرة عندما كنت أرى إحداهن وقد تعلقت بيد شاب وسيم، تختال به ويختال بها، وأنا وحيد يرفرف قلبي متألماً لا يجد من يتعلق به. وكم كان يصدمني هذا، ويتركني غريقاً في بحار من الحيرة، أناشده أن يصمت عن الدق داخل أضلعي؛ لأن ظلام الليل لن يحفل بهمس أوجاعه.. وعلى تصارع الأفكار في رأسي أنام متعباً في أحضان الأحلام البهية، فأرى الزنابق البيضاء، تتيه ببياضها أمام عيني ويغرد الشحرور منشداً أغاني الفرح، وتتراقص في خيالي الحوريات؛ لأصحو فجأة على هاجس مرير، وسؤال يلح: ما اختيارك؟ أذكراً أم أنثي؟؟ آآآآآآه.. لو كانت أيامي أخف وطأة وصدمة! لو شاركني أحدهم الأنين. لو كانت حياتي أقل اشتعالاً بالأسئلة. لو كانت تلك المصيبة التي وقعت فوق رأس أمي أكثر رحمة. آآآآآآه.. لو كان لي مأوىً في قلب أحد غير أختي وأمي، أتدثر بعطفه وحبه وحنانه ضد عواصف الزمن! ولكني كنت وحيداً مع أرقي وألمي ومشكلتي التي تجثم فوق صدري بلا حل. وأفق ضائع يطويني، وأحزاني نهر يتدفق داخل شراييني. وآلام الأكوان كلها اختبأت في قلبي المحزون المرهق لتسكرني فيزداد أنيني! أخيراً - وبعد عناء - قررت أن أقدم نفسي قرباناً للتقاليد البالية، ولأمثالنا التي سادت وملأت أفقنا كله: "البنت اللي ما تجبش العار تجيب العدو لحد الدار، علم ابنك تشوف حالك، علم بنتك تشغل بالك، لما قالوا دي بنيه انهد ركن البيت عليا، البنت نام وقوم وعد هموم، هم البنات للممات، الرجل ديك فرفور والمرأة جناح مكسور "عبارات وأقوال وأمثلة توارثناها أباً عن جد ترفع من قدر الرجل وتقلل من شأن المرأة.." فهل بقي هناك مجال للاختيار! |
2011- 9- 18 | #4 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
مرحباً بالرجل الذي يريدون! 4 الهرمونات الذكرية اختياري؛ حتى لو كانت كل ميولي وصفاتي أنثوية. الهرمونات الذكرية اختياري؛ حتى أصبح ذكراً، ضمن الملايين السفلة الذين يحكمون العالم بعنجهية وغرور. الهرمونات الذكرية اختياري؛ من أجل أمي وأختي والعائلة والناس والمجتمع والدولة والعالم كله، ما عداي أنا! لتتحول العصافير المغردة داخلي إلى شظايا، وأصير أنا إنساناً قتلته النقائض، وفتته عار كونه يريد أن يصبح الأنثى التي يريد، في واقع يرفع الذكر على الأنثى.. مرحباً إذن بالراحة الأبدية، بعد خمسة عشر عاماً مرت من عمري ضعيفاً هشّاً مندهشاً غريباً وحيداً صامتاً، أدير معاركي مع نفسي في صراع شرس لم يرحمني لإثبات هويتي.. أخيراً سأعلن انضمامي لعالم الرجال الأنذال لأصبح واحداً منهم، وأتناسى ما كان يحدث في جسدي من تحولات شفافة طرية. أخيراً سأكون حجراً من حجارة أعمدة القوة التي لا ترضى إلا بالقنابل ألفاظاً، وبالمدافع ألسنة؛ لتبسط جناح الغدر، والقوة المزيفة على العالم وفوق رؤوس النساء. آه.. ما أشد عبثية الحياة، إنها جرثومة غير عذراء، جعلتني أتقبلها لتحفر في ذاكرتي السلوكيات والضغوط التي جعلتني مرفوضاً في كلا المجتمعين الذكوري والأنثوي.. عن غير قصد مني كنت، وعن غير رغبة سأكون؟! ليكن الاختيار إذن للأقوى الذي حكمته مفاهيم مغلوطة عن الفرق بين الرجل والمرأة، وما أملته نفسي الحائرة علي... قررت الدخول بصدري إلى المعركة، وأصبحت أمي تنفق كل ما تجود به أيامها على تلك الهرمونات باهظة الثمن! وبمرور الأيام لاحظت أن تلك الأدوية لم تفلح كثيراً باستثناء أن صوتي مال إلى الخشونة قليلاً، وبدأ شعر الوجه بالظهور والقليل منه على الجسم، وازداد طولي قليلاً، وانخفض صدري قليلاً! مـن ذاق عـرف... لا أزال أدرس في المنزل، مبتعداً عن نظرات الآخرين، وأصبحت أكثر نضوجاً، وصرت أستمتع أكثر وأكثر بالصمت والقراءة.. أصبحت لدي قدرة وموهبة في تحويل المعاناة إلى إبداع.. لم تقف مأساتي في طريقي؛ بل كانت معلماً صارماً لا يرحم.. أجبرتني الوحدة على التعمق في القراءة والبحث في شتى بحار العلم، فتوسعت آفاقي، وأدركت بأني يمكن أن أقاوم أعراض مرضي التقليدية - الصعوبة في حفظ المعاني، وصعوبة التعبير عن النفس والدفاع عنها، والأخطاء اللغوية والإملائية - بالانخراط في المعرفة، والعمل الجاد، والإيمان بالله. من هنا بدأت، ومن هنا كان التحدي الذي لم يمنع أن أتكئ أحياناً على سواعد أمي وأختي الجميلة سحر. كانت القراءة بالنسبة لي كلمة غائمة المفهوم، غامضة الدلالة، واسعة النطاق، يصعب أن يحدها تفسير معين، ولكني شغفت بها، فوجدت من خلال قراءاتي أن القيم والمفاهيم والمعلومات والعقائد والفلسفات والأخلاق، وكل المكونات الثقافية للقراءة تبقى صوراً تجريدية ذهنية، ما لم تظهر على أرض الواقع، وتتجسد في مصداقية علمية ومادية أشعر بها وأتحسسها. وعلى الرغم من أن فكرة القراءة في حد ذاتها لم تكن تروقني إلا أن إصراري على تجاوز محنتي كان الشعاع الذي ينير لي دروبي؛ فولجت إلى عالم القراءة بشغف خاص تغلغل داخل روحي، لتتوهج به كلما نثرت الكلمات المقروءة في طريقها لتصقلني بتجارب الآخرين وخبراتهم. وهكذا وقعت في غرام القراءة، وأدركت أهمية أن تكون لي مكتبتي الخاصة، وأصدقاء من كل أنحاء العالم، أنعم بصحبتهم الصامتة.. أصدقاء من مختلف الاتجاهات والمشارب، يصبون - بلا سخط - أجزاء من أرواحهم داخل روحي.. ووجدتني بعد وقت قصير واقعاً في إشكالية محيرة: ماذا أقرأ؟ تلك المشكلة كانت بالنسبة لي أعمق وأكبر من أن أوجزها بكلمات تعطيها التفسير الصحيح , حيث تخضع العملية لمدى إقبالي على قراءة العلوم والآداب المختلفة، والتبحر في قراءتها بدون ملل. أأقرأ كل ما تميل إليه نفسي بدون تنظيم أو ترتيب؟ وهل على أن أتمثل ما أقرؤه فكراً وسلوكاً؟ وأن أبشر بما أقرأ للآخرين الذين لا وجود لهم في حياتي؟ أم إنه يجب أن أقرأ لنفسي، ولنفسي فقط؟ التهام كل ما وقع تحت يدي من معارف كان قراراً صائباً، غزوت مكتبة أختي سحر التي تضم مئات الكتب وبلغات أربع، نظراً لتخصصها في دراسة اللغات. ما أجمل أن تقرأ.. وما أروع أن تفتح صناديق مغلقة! كنت كلما رأيت أختي سحر تقرأ - وأنا صغير - أعتقد أنها مجنونة، وأتساءل: ماذا تقرأ؟ وماذا ستفعل بكل هذا العدد الكبير من الكتب؟ وهل صديقاتها يفعلن مثلها؟ لم أرها يوماً أمام المرآة، وكانت دوماً تقول لي: اقرأ تتعرف عل نفسك أكثر، وتعش معها بسلام... كانت الفتيات في مثل عمرها يحلمن برجال يحملوهن على أحصنة بيضاء ويفكرن بتوم كروز، ويعلقن صور العندليب الأسمر, ويطلقن على أنفسهن أسماء من نوع العاشقة س والمفتونة ص، وكان محمود درويش فتى أحلامها... ومرسيل خليفة مطربها المفضل، وعبد الناصر ثائرها الأوحد.. تعلق صورهم في كل مكان... كانت سحر محط ثقة وحب أبي وأمي، لم تشغلهما يوماً بقصص البنات العادية، ولم نجد يوماً تحت وسادتها رسائل حب وغرام.. عشقت القراءة، وهامت بالفلسفة والتصوف والشعر واللغات، وأحبت شعبيات نجيب محفوظ، وتجليات حافظ الشيرازي، ونمنمات محمد راسم! أعانتني بعقلها الواسع على اجتياز حواجز الخوف من الآخرين، وفهم نفسي، والتصالح معها. كثيراً ما كانت تأخذني في أحضانها وتهمس: سامحك الله يا أبي. ومع رحلاتي وصولاتي مع أصدقائي الكتاب والشعراء والعلماء والسياسيين أدركت أن الوقت الذي أضعته من عمري وأنا بعيد عن هذا العالم الضوضائي الصامت المذهل كان طويلاً.. تغيرت أجزائي وتجمعت أشلائي المبعثرة مع كل كتاب؛ لأصبح أقوى على مواجهة حياتي. وعلى الرغم من قراءاتي الكثيرة والمتنوعة فإن نطقي للأحرف لم يتحسن كثيراً، وما أزال أجد صعوبة في نطق بعض الكلمات.. |
2011- 9- 18 | #5 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
من خلال القراءة بصوت عالٍ، وبالكثير من التمرين، استطعت اجتياز هذه المسألة، التي سهلها وجود مترادفات كثيرة في العربية يمكن الاستعاضة بها عن الكلمات الصعبة التي لا أستطيع نطقها. تفتحت روحي على ثقافات العالم، وتكونت لي شخصية، صنعتها بنفسي فتبدلت كثيراً، وأصبحت أدافع بشراسة عن مبادئي بعد أن تحررت من الخوف كثيراً! أثناء تلك الفترة أنهيت الصفين الأول والثاني الثانويين منازل بنجاح مخزٍ؛ لأن طاغور ونجيب محفوظ وغادة السمان وغسان كنفاني وفولتير وبسمارك وبوشكين وإيل زولا وغارسيا وإمبرتو إيجو وإيزابل الليندي وشوقي والمتنبي وعمر الخيام والشيرازي وأحمد مطر ونزار قباني وتولستوي وشكسبير كانوا أهم عندي من تلك المناهج المدرسية التي تدمر عقلي وتزهق روحي.. من قال بأني في حاجة لاستيعاب الأكاذيب التي اندست في تاريخنا.. ومعرفة كيف كنا.. وماذا فعلنا بأنفسنا؟ كان الأهم عندي معرفة أين نحن من هذا العالم الهادر، وإلى أين وصلنا؟ باختصار جعلني أصدقائي الصامتون الهادرون بأفكارهم ومبادئهم وحكاياتهم وأشعارهم واختلافاتهم، الجائلين في روحي ودمي ليل نهار، جعلوني أكثر تماسكاً وقوة، فلم أعد نداء، ذلك الكائن الهش التعيس! مقابل كل نور ظلمة، ومقابل كل وجود عدم... شعرت برغبة أمي بأن أعود للمدرسة النظامية الصباحية؛ فلربما تحسن مجموعي بعد أن لمست التغيير في شخصيتي وقدرتي التي اكتسبتها في مواجهة الآخرين. وكان كل أملها أن أدخل كلية الطب؛ لأتعرف على حالتي أكثر، ولربما أجد حلاً لها، خاصة وأنها أصبحت لا تثق في الأطباء الذين كان يريد كل واحد منهم أن يحقق مكسباً ما من توصيف جديد لحالتي! وكم كان يصدمها جهل بعض الأطباء الذين توقفوا عند دراستهم الأولى، غير عابئين بالمتابعة اليومية لكل ما هو جديد في عالم الطب السريع التطور.. هذا بالإضافة إلى ارتفاع ثمن الزيارة الأسبوعية للطبيب، والتحليلات الهرمونية الدورية لمتابعة التغييرات التي تحدثها الأدوية في جسدي، ثم الأسعار الفلكية التي كانت تأكل كل مجهودها وراتبها الشهري الضئيل وجزءاً من راتب أختي سحر. لجأت أمي جوهرتي الشفافة - وحتى توفر لي ثمن أدويتي - للرسم الحر في الفترة المسائية، وبيع لوحاتها المبهجة للمقربين من الناس، بجانب عملها. فكيف لي أن أرفض لها طلباً! وهكذا التحقت بإحدى المدارس الثانوية.. وفي اليوم الأول - وفور دخولي من البوابة بطولي الفارع وشكلي المختلط - تحلق الطلاب بفجاجتهم وغلظتهم حولي، يدققون في شكلي، والسؤال يحوم في عيونهم: ما هذا؟ أولد أم بنت؟ ولست أدري لماذا مت خوفاً؛ رغم تدربي كثيراً على هذا الموقف أمام المرآة مراراً وتكراراً.. التصقت بالحائط وأمسكت بحقيبتي بكلتا يدي، وغطيت بها ما يمكن أن يفضحني.... ولم تكن نظرة الطلاب تختلف كثيراً عني... لمست بعض الخوف في عيونهم وهذا ما طمأنني قليلاً، اقترب أحدهم وسأل: - من أين أنت.. آسف إنتي.. أتتحدث العربية.. أنتِ ولد أم بنت؟ وجاء آخر، وبحذر شديد لمس كتفي، وللحظات تخيل أنه سيصاب بمس كهربائي.. ثم أتاني كبيرهم وزعيمهم على ما يبدو وغسلني ببحر عينيه وقال: ما شاء الله، كل الحلاوة دي عندنا؟ يا مرحبا يا مرحبا.. اسمك يا حلوه؟ أنقذني أحد الأساتذة وفرق الطلاب عني قائلاً: إلى الفصل منك له.. وأنت يا عين أمك تعال معي.. وبحكم عزلتي الطويلة وشكلي أدركت خطأ وجودي بين الطلاب من جديد، ولكنها المحاولة، وحسب المثل الانجليزي " Don’t say you cant but try" مضيت خلف الأستاذ حتى غرفة المشرف الاجتماعي الذي أطال في تنبيهي لتفادي الاختلاط بالطلاب حتى لا يضايقوني. الحب الأول أبريلـي... في الصف أصبحت الفاكهة التي يتصبحون بها.. ومحط التعليقات التي تسليهم وتجرحني: - قشطة يا نداء.. ثم يمد يده ليتحسس صدري غامزاً بعينيه.. - صباحك أنس يا أبيض.. ثم يلمس مؤخرتي! - جميل جمال، مالوش مثال، ولا في الخيال، زي الغزال. وكانت الطامة الكبرى في زميلي سعفان، الهائم الحيران، عندليب المدرسة، صاحب القامة الرشيقة، والصوت الشجي، الذي - لسوء حظه - وقع في غرامي، وأصبح كل يوم يكتب لي أغنية لحليم على ورق وردي اللون، مشحونٍ بعواطفه الملتهبة، معتقداً أنني فتاة أحلامه التي وجدها في مكان لم يكن يتخيل أن يلتقيها فيه: المدرسة الثانوية للبنين. لم يجد سعفان أية استجابة مني، وكنت كثيراً ما أتهرب من نظراته الوالهة. وكان كلما رآني يضع كتبه أرضاً، ويبدأ في استعراض عضلاته أمامي، صارخاً حتى يسمعه بقية الطلاب "ندائي" اسمع دي، ويبدأ يغني بصوته الحنون الدافئ "القلب اللي بسهمك مجروح.. فين يهرب من حبك ويروح" ثم يتنهد وينصرف مكسوراً عندما يراني قد انشغلت عنه في الحديث مع زميل آخر! كان هناك الكثير من الطلاب والأساتذة الذين ظنوني صيداً سهلاً لإرضاء نزواتهم الشاذة، وقد ساعدهم في ذلك جاذبية ملامحي، والصفات الجمالية التي اكتسبتها من أمي الأرمنية، مع خجلي الواضح واحمرار وجهي كلما عاكسني أحدهم. كنت أضحك منهم، وأحب طريقة مغازلتهم لي باللهجة المصرية التي أعشقها وأحب جرسها الموسيقي، والتي تكاد تكون لغة في حد ذاتها؛ لسهولة نطقها وطغيانها الإعلامي. "تقول أختي سحر: بأن اللغات مثل الكائنات الحية، منها ما تعشق الاستماع لجرسها حتى لو لم تفهمها، ومنها ما لا يطربك جرسها، ولا يشجيك"! تعودت مع الأيام على سخافاتهم وسطحيتهم.. وبمرور الأيام تجاوزت محنة الاختلاط، واستطعت إثبات قدرتي على مواجهة الطلاب، حتى أصابهم الملل أخيراً من الأسئلة التي لم يجدوا إجابات عنها فقرر بعضهم التعامل معي على أني بنت، وآخرون تعاملوا معي على أني خليط من ذكر وأنثى! واكتشف الكل خفة دمي وثقافتي المتسعة التي كنت أتباهي بها حتى على الأساتذة أنفسهم، فأطلقوا علي لقب "المعجزة البيضاء" وأصبحوا لطفاء ودودين في التعامل معي، بل دافع عني بعضهم ضد سفالة الآخرين.. فارتفعت أسهمي، وأصبح الكل يهب لنجدتي وحمايتي! أطياف الجنون... أخيراً شعرت بثقة في نفسي، وشكرت أمي لمساعدتها لي لأخوض تلك التجربة. إن العقل والجنون متضادان، لكن حدودهما مختلطة، ولا يعرف أحد أين ينتهي العقل، وأين يبدأ الجنون! فجأة وعلى غير انتظار تفتح القلب حروفاً من نور، وحاصرتني أطياف جنون، وطاردتني هاتفات ظنون، فعلى الرغم من رفضي لحب زميلي سعفان وجدت شعوراً مباغتاً مبهجاً وحزيناً وغضّاً - ولأول مرة - يجتاحني تجاه زميلي جهاد، عميد الراسبين في الثانوية العامة، بعضلاته المفتولة، ووجهه الوسيم لتنساب المشاعر الدافئة الخضراء، فتغطي مساحات القلب الوحيد.. هزمتني أحاسيسي المتدفقة نحوه؛ خاصة أنني لم أستطع البوح بها إذ كان يصر على اعتباري رجلاً، فينثر أمامي وأمام الآخرين أنباء مغامراته العاطفية مع ابنة الجيران وغيرها من الفتيات اللواتي وقعن صريعات لطفه ورجولته المباشرة.. وكنت كلما اشتدت وطأة مشاعري تجاهه أترك كلماتي تفيض غير عابئة بما أعاني؛ لتخط له أسطراً من وهج دمي، وأدسها دون أن يشعر بين إحدى كراساته، والغريب في الأمر انه عندما كان يعثر عل إحدى الرسائل يأتيني بها قائلاً: - واد يا نداء: إنت بتفهم في الشعر طبعاً! - نعم ماذا تريد؟ - ممكن تشرح لي هذه الأبيات يا احمد يا شوقي؟ - ممن هذه الرسالة؟ فيقول لا مبالياً: لست أدري.. أنا أعرف الكثيرات.. إحداهن وضعتها في كراسة الإنشاء والتعبير.. أتناول الرسالة منه وأقرأ - بصوت هامس حزين - كلماتي وروحي المنسابة عبرها.. كم تعرضت لعينيك لكي أحظى بنظرة وتلويت.. لكي ألمس من جعدك شعرة وتمر بي وكأني.. لست موجوداً بقربك وكأني ما ملأت الكون أشعاراً.. بحبك لست أدري لماذا خلقت الحب يا ربي غشوما؟ وملأت القلب بالإحساس والوجد جحيما؟ لو مسخت القلب صخراًعاش كالصخر كريما أصمت بعد انتهائي من القراءة، وفي عيني دمع شفيف، فأسمع صوته هادراً: والنبي البنات دول هايفين.. فيها أيه لما تيجي وتقولي بحبك وخلاص.. لازم تعقدني بفصاحتها.. آل شعر وسخام آل.. ما له الهمس ثم اللمس المباشر.. واد يا ندوه عجبك الشعر؟ يحمر وجهي خجلاً وأهمس: بالطبع يا جاهل يا للي معندكش إحساس.. صدمني لا مبالته وهو يقول: طيب يا ناعم، مبروك عليك الجواب، بله واشرب كلامه. ثم يبدأ في سرد حكايته مع صديقته المتزوجة الحسناء فيقول وهو يضع يديه فوق قلبه: ولك يا نداء: لو شفتها لوقع الجزء الرجولي الصغير والمنغرس فيك صريع هواها.. أنتظر منه أن يسكت، ولكن من يوقف سيل الكلمات المتدفق من لسانه! - واد يا ندوه: إنها تعلمني أشياء وأشياء.. لقد أصبحت أسير جسدها وسريرها، أنتظر عودتها من دوامها الصباحي في المدرسة.. على فكرة، هي معلمة.. أتسكع حول منزلها حتى يخرج زوجها مصطحباً ابنه البغل إلى الورشة ليأخذ درس الرياضيات هناك من معلمنا الثقيل أبي صالح الطماع، الذي يدرسنا في المدرسة، وخوفاً على زوجته منه، وعنها يا ندوة.. في الغياب تذوب الأجساد، فأسرع لأجدها ساخنة كفطيرة تنتظر آكلها على مهل، تعبث بروحي فأغيب متمنياً ألا أخرج منها أبداً، وما تزال تستحث كل جزء في جسدي فتهلكني، حتى إذا نال منا التعب تهرع إلى بكأس بارد من الويسكي لأنتشي مرة أخرى، وأعود إليها من جديد.. وفجأة يضحك كالمجنون ويقول: حنا صانع التوابيت الغبي الذي لا يشبعها أبداً يخشي عليها من معلم المدرسة هههههههه.. تصدمني كلماته وأسأله بلهفة: ما اسمها ياجهاد؟ فيرد غير مبال: عبلة ياجميل. جاء قراري الصعب بالصمت والتستر على ما سمعت من جهاد، بعد صدمتي المذهلة في صديقة أمي، وبدأت في قرارة نفسي أختلق المبرر تلو الآخر لها.. وابتدا.. ابتدا المشوار 5 أنهيت مشوار الثانوية العامة بمجموع ضعيف، لم يؤهلني لتحقيق أمل أمي بأن أصبح طبيباً فانتسبت لإحدى الجامعات الأهلية لدراسة هندسة الكمبيوتر.. ولكن كيف للحظ أن يبتسم؟! لم أكمل ستة أشهر حتى زادت مصاعب أمي المادية، فتوقفت عن الدراسة الباهظة التكاليف.. وحان وقت الغوص في بحار المشقة للبحث عن لقمة العيش.. يبعد العمل عنا ثلاث سيئات: الضجر، الرزيلة، الحاجة "فولتير"! قانون أبي: سندريلا لا.. سوبرمان نعم! مع توقفي عن الدراسة قررت أن أغزو الحياة العملية حتى أشارك أمي وأختي حملهما الثقيل لارتفاع ثمن الهرمونات التي كان من المفترض أن أتناولها بدون انقطاع.. ولمعت الفكرة في رأسي حيث كان أبي رحمه الله يمتلك النوعين من أجهزة الفيديو: الأول لعرض الأشرطة من الحجم الكبير، وكان هو الشائع.. والثاني للأشرطة ذات الحجم الصغير.. وكانت العائلات التي تقتني الفيديو هي الأكثر حظّاً لغلاء ثمنه... وإذا كان من الصعب وجود فيديو واحد في المنزل، فما بالك باثنين؟ وقد كان للفيديو قبل الفضائيات والصحون اللاقطة وزن في عالم الإلكترونيات الحديث، وقبل غزو النت لعالمنا.. تذكرت كم من مرة أصبت بالهلع عندما كان يأتي الوالد مباغتة إلى المنزل ويجدني جالساً أتابع شريط قصة سندريلا، فيبدأ في الصراخ بعد أن يمسك بي من أذني اليمنى وأنا أرتعش خوفاً: - كل آمالك يا خنيث أن تصبح سندريلا؟! ألا تريد يوماً أن تكون سوبرمان؟ ألا تريد أن تصبح سندباد؟ ولم لا تحب الباتمان يا حبيب أمك؟! أأقتلك وأرتاح منك ومن عارك الأبدي؟ تأتي أمي مسرعة على صوته الهادر تحاول تهدئته: مالك يا أحمد؟ ولماذا تنسى أنه طفل، ولا داعي لأن يسمع هذا الكلام السيئ؟! لم يكن أبداً ليهدأ.. أنظر إلى عينيه الباردتين مثل جليد، والحاقدتين على العالم , مرعوباً أنتظر انتهاء السيناريو المكرر، وأرتعش وأنا أعلم بأنه سيحرق وجهي بلطماته المتتابعة حتى يكل، وأنا أبكي بلا صوت وبلا دموع؛ لأنها محرمة على الرجال - كما كان يقول لي - وخوفاً من استفزازه أكثر وأكثر، وإعطائه المبرر لطحني تحت يديه الثقيلتين.. تنزعني أمي بعد كفاح من بين يديه وهي تصرخ: حرام عليك! من أين لك بكل تلك القسوة؟ ألا تدرك بأن حالته محنة واختبار لك من عند الله؟ يجلس أبي واضعاً رأسه بين يديه مردداً بصوت باكٍ: - ولم اختصني أنا بهذه المحنة والاختبار القاسي الأليم؟ ألا يحق لي بعد طول الانتظار أن يكون لي ابن طبيعي؟ ابن أفاخر به الآخرين ولا أخجل من كونه معي.. ابن لا تلهبني النظرات والأسئلة إذا ما خرجت معه لأي مكان؟ لم أحب يوماً أبي.. كنت كثيراً ما أتمني أن يتركني أرحل؛ ليغمر روحي شعور بالدفء، وأنا بعيد عنه، فلا أعود أستمع لتعليقاته المحرجة كل يوم. لم يحاول أن يتفهم حالتي أبداً.. أغلق أذنيه عن الاستماع لأمي بأنه من الضروري أن يتابعني طبيب حتى يعرف الخلل.. كيف كان للغرور أن ينحني، وللقسوة أن تلين، وللشموخ أن يسقط من عليائه؟! كانت وصيته الدائمة لأمي أن تكون شديدة في التعامل معي؛ إذ هي السبب في إفسادي بتدليلها إياي! وبأنني لن أصبح رجلاً إلا إذا قست علي.. وكنت كلما رأيت أمي دامعة العينين أعجب لأمرها، وأبرر لها مشاعرها الدافئة التي كانت تحملها له، وهو الذي ما أحب عليها أخرى قط. حتى أختي سحر حزنت عليه حزناً شديداً، وسامحتني لما كنت أحمله له من مشاعر البغض، وبررتها بقسوته علي.. أما الآن - ومع تقدمي في العمر، وإدراكي لأشياء كثيرة - فقد بدأت أهمس لنفسي "سامحه الله" الوحل يخفي الياقوتة.. لكن لا يلطخها ... انسالت كل تلك الذكريات فجأة، بعد أن قررت بأن يكون الفيديو مصدر دخل لنا، فتفتق ذهني لاستغلاله في مجال نسخ الأشرطة لمن أعرفهم من الطلاب أصدقائي الذين توطدت علاقتي بالكثير منهم أثناء انتظامي في المدرسة الثانوية. كنت في البداية أنسخ أفلام الرعب والعنف والآكشن والخيال العلمي، حتى طلب مني أحدهم نسخ شريط قال إنه ثقافي.. ولم أفهم معنى كلمة ثقافي حتى رأيته! كان هذا الشريط الذي شاهدته كاملاً فيلماً جنسيّاً صارخاً، لا مواربة فيه ولا أقنعة! لكم صدمتني الآلية البشعة في تلك العلاقة التي من المفترض أن تكون حميمة وسرية للحفاظ على تألقها. رفضت في البداية نسخه، ولكن السعر المرتفع الذي عرضه على جعلني أوافق، مع حاجتي الملحة للنقود لشراء الدواء. ازداد عدد طلاب الشرائط (الثقافية) المستنسخة، وكان الزبائن الذين يطلبونها من كل الشرائح! وقد أصبح بيني وبينهم حالة نشطة من العرض، والطلب، والمصالح المتبادلة. كم أذهلني تهافت أولئكم على وضع الأقنعة، والتظاهر بالأدب والاحترام بين الناس، وهم غير ذلك. ما علينا على رأي صديقي جهاد الذي زعق فيّ لما رأى في بعض التردد: وانت مالك؟ يا رب يولعوا بكاز، المهم المصاري، بدِّناش أدب ولا زفت. أصبحت أفلام الجنس أهم الأشرطة عندي، واحتلت المرتبة الأولى في التداول والنسخ! كان الجميع يتهافتون عليها، لا فرق بين رجل وامرأة؛ فالخجل نثر خارج عتبتي، إذ اعتبرتني الفتيات واحدة منهن، واعتبرني الرجال منتمياً لعالمهم، فوجدت الجرأة من الطرفين. وكانوا يفاصلون في الثمن، رغم أن السعر الذي أطالب به أقل من نصف سعر السوق! توطدت علاقتي بزبائني، واختفت علامات الاستهجان عند رؤيتي، وتحولت لنظرات إعجاب؛ رغم أنني كنت أشمئز من سلوكي هذا! قال لي حبي الأول جهاد ذات يوم - وهو يتسلم مني شريطه المستنسخ -: أيوه يا عم الله ينور.. شغال نار.. انسخ واقبض.. وحوش على قلبك، واستطرد متسائلاً: ولك يا نداء: شو بيحصلك لما تشوف الشرايط الثقافية؟ بتحب تكون مع النسوان ولا الرجال؟ وشو اللي بعجبك فيهم؟ ما جربت تنام مع حدا؟ أعتقد انك تنفع للتنين.. النسوان والرجال!؟ كان عندما يجد نظرة الاستهجان تطل من عيني يضحك ضحكة عالية صافية، وعلى غرة يمسك بي، ويقرصني من ثديي، وينظر في عيني ويقول: - والله أنت أحلى من ميت مره، ليش أنت خجلان هيك؟ ارمي البنت اللي جواك بالصرمه يا زلمه، دوق اللي عمرك ما تشبع منه. آه من عينيك وشقاوتك يا جهاد.. وآه لو تشعر بي ولو مرة.. ولكنك تتعامل معي كأخيك الرجل الصغير! اعتراني الخجل من أسئلته، واحمر وجهي وقلت: - هل تصدقني؟ - طبعا وليش لأ ؟ - أنا لست مثلك، لا أفكر مثلك إلا في الجنس وبس.. هناك هموم كثيرة تحرقني غير هذا الهم. - اطلع من هادول يا ساهي، بدك تفهمني انك حمار وما بتحس، يخرب بيتك إن شاالله. - والله يا جهاد لو بدي ما في أسهل منها، فكم من مرات ومرات أمسكت نفسي، رافضاً العروض التي يوفرها لي بعض الذكور الأنذال لممارسة الشذوذ معهم، في مجتمعات تلبس قناع الفضيلة والدين، وكم من فتيات ونساء عرضن على أنفسهن دون فائدة، فلي هدف آخر هو عملية التحويل؛ على الأقل أكون بنت كاملة.. منشان هيك أنا بدي جسمي طاهر وعفيف. مرة أخرى كركر جهاد بضحكة عالية معلقاً على كلامي: عفيفة؟ يادي المصيبة.. الواد عاوز يبقى عفيفة يا جدعان.. آه يا أهبل.. لو جربت أن تذيب جسدك في جسد إحداهن.. بصرك وهو يزوغ.. النار وهي تشتعل تدريجيّاً.. نعومة الحرير.. الحركة المتناغمة بينكما.. عناق واشتهاء في الليل تغطيكما عباءة الحب والجنس.. ثم جنونكما وهو ينثر في الهواء، وأفق بلا نهاية.. آل عفيفة آل! يا سيدي جرب قبل ما تعمل العملية وبعدها يحلها حلال.. بس ربك والحق يا مضروب أنت بدون عمليه تحل على مشنقه، يعني باختصار أنت فلقة قمر. تبخرت كقطرة ماء انتظرت بصبر لحظات تبخرها حتى تعود للأرض في شكل غيمة من المطر، وتساءلت بيني وبين نفسي: - إلى متى ستغلبني الفتاة التي أحب أن أكونها تتجول بحرية داخلي؟ وإلى متي سيبقي قلبي أسير هذا الجهاد؟ ما أسوأ أن يخفق قلبك لمن لا يشعر بك! كيف أثبت له بأنني بكر لم يمسسني بشر؟ تمنيت أن أبوح له بحبي، وأن أغوص في عينيه البحريتين الجميلتين، وأهمس له باحتراقي في أتون حبه، وأشرح كم تخيلت نفسي في أحضانه، وكم من مرات غبت عن الكون معه في الخيال، وأن أجهر بآلامي الخرساء التي لا ينوء بها سواي لتضيء مغارات نفسي السحيقة التي تعكس ظلمتها أوجاعاً تنسل وتحط ساكنة فوق قلبي، ولكن فجأة صحوت على صوته وهو يسأل: ماذا كان يريد منك أبو أسعد بالأمس؟ ضحكت للانتقال غير المنطقي في الحديث وقلت له: جاء للمساومة.. رجل عملي.. يريد أن يطبق ما يراه من أفلام شاذة، يرجو الوصال معي، فإن وافقت سيجعلني أعيش في بحبوحة ليوم الدين.. - مش فاهم.. شو قصدك ؟ - طلب مني أن أذهب معه إلى شقته الخاصة!! - نعم.. شو بتقول!؟ وشو راح يعمل بيك أبو أسعد أكبر تاجر في بيت لحم.. صاحب الشركات الكثيرة.. المتدين الذي لا يفوت فرض في المسجد.. المتزوج من مره يشتهيها كل الرجال، لجمالها العبقري؟! - روح اسأله.. ليش بتسألني أنا ؟ - واد يا نداء أنت تكذب.. ولاده ما شاء الله عليهم، وبعدين هو كيف بده يتعامل معك وأنت مش مبين عليك لا هيك ولا هيك، هذا المتخلف لو قال يا بنات.. ستين ألف واحدة تجري وراه منشان فلوسه! الراجل انجن! - جهاد ما تنسي إني الوحيد الذي يستطيع أن يعرف كل واحد منكم على حقيقته، وبدون أن يخجل من الأقنعة الكاذبة التي يرتديها أمام الآخرين.. ثم لماذا أكذب عليك؟ هل بيني وبين أبي أسعد أي خصومة؟ على العكس.. هو عميل دائم وكريم ودائماً يعطيني أكثر مما أطلب. ثم لماذا لا تسأله ماذا يريد مني؛ فهو الأقدر على الإجابة؟ لست أدري لماذا قلت لجهاد ما حدث من أبي أسعد؟ ربما أردت أن أثير غيرته، وأن أكون شريراً مع أبي أسعد، وأنثر أسراره، عبر أفواه الكثيرين من الذين سيبلغهم جهاد بالحكاية، بعد أن أصابني القرف من طلبه، خاصة أنني جلست للمرة الألف أتساءل بيني وبين نفسي إن وافقت على طلب أحدهم: كيف سيتعامل معي؟ وبماذا سأشعر ؟ وكيف سأحصل على متعتي وأنا بين الرجل والمرأة؟ صور لي شيطاني أبا أسعد وهو ينظر إلى أعضائي المنكمشة، وكيف سيتحسس جسدي، وينبهر بصغر ثديي، وقد فتح عينيه عن آخرهما، وكأنه يحفر لتلك الصورة في ذاكرته؛ ليستدعيها كلما عن له أن يأتيني، هامساً:- استديري أيتها الجميلة. تناول جهاد شريطه "الثقافي" الذي طلب مني نسخه، وقال: الله يخرب بيتك يا بو أسعد.. دا انت طلعت زبالة.. صدمتني يا نداء فيه.. - ما تزعلش يا سيدي على غالي؛ دا مش بس أبو أسعد اللي طلب الطلب ده، هناك كثييييير.. تجولت سياط الدهشة في عيني جهاد، ونزلت عليه بقسوة لتجوب نفسه، وتثقلها بخدر غير مألوف لتصحو لحظة صدق ونقاء، فيردد بقلب موجوع: - برافو عليك يا نداء.. أنت أقوى مني؛ فأنا لا أستطيع مقاومة إغراء النساء. فرحت لإطرائه وقلت له: الله يهديك.. إيش أخبار ست عبلة معك؟ - من زمان ما شفتها، كنها شافت حدا غيري، كل ما اروح الها بعد ما يخرج زوجها، تقول لي ألف حجة: سيعود بعد قليل، أنا خايفة.. أخي جاي هلأ، المهم أنا زهقت من كل النسوان وبدي اشتغل، أمي وابويا تمللوا مني.. إيش رأيك تشوفلي شغل عند حدا من زباينك الكتار، حتى لو كان الزفت أبا أسعد.. وعدته خيراً قبل أن يغادرني، ازداد الإقبال علي، وقرر الجميع التعامل معي على أنني فتاة مسترجلة! وأصبح لي كياني التجاري ولم أبلغ التاسعة عشرة بعد.. وتطورت الأمور وأطلق علي لقب الألي، لتعلقي بالتكنولوجيا.. كان هذا اللقب أفضل بكثير من ألقابي السابقة (سالي وسلمى وساندي بل ولينا وفلونة والمعجزة البيضاء!) جميع بطلات أفلام الكرتون التي كانت تعرض وقتها، و هو على الأقل اسم ذكوري طالما تمنيته.. ازداد دخلي، واستطعت شراء الأدوية والهرمونات الضرورية، وأن أخفف عبء شرائها عن كاهل أمي.. أما الفحوص الشهرية لمتابعة التطورات في حالتي فقد كنت أجريها في مختبرات خاصة غالية السعر؛ لعدم استطاعتي التعامل مع المختبرات الحكومية القذرة والتي كانت مجانية، ولكنها لم تكن تتمتع بأي جانب إنساني... والمضحك في الأمر أن ضميري كان يشكوني إلى نفسي، ويلزمني بتتبع خطوات الشرف، ويمنعني من نسخ الشرائط الإباحية في حالة وجود فائض من أدويتي، والتي ما إن تنفد حتى تعود ريما لعادتها القديمة، وأرضي بتسجيل نفسي في سجل القوادين حتى أحصل على المال، لتبدأ دورة شراء الأدوية وتخزينها. أهدتني أختي سحر وزوجها سعيد "كمبيوتر" أصبح فيما بعد عالمي الذي لا أمل الجلوس إليه، أبثه شكواي دون تذمر منه. على الإنترنت أصبح اسمي "شمس" وكونت مجموعة خاصة لمن هم مثل حالتي؛ لأتعرف على نفسي من خلال الآخرين، ويا لهول ما وجدت! v v v v |
2011- 9- 18 | #6 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
خلال ستة أشهر التحق بالمجموعة أكثر من ستمائة شخص، يتبادلون حكاياتهم الأليمة، ومن كل البلدان العربية: سعوديين، كويتيين، لبنانيين، مصريين ومن كل الجنسيات العربية! تجرأت أكثر فكنت أدخل منتديات متعددة بعد أن أسجل في الموقع الذي أريد، وأشرح حالتي، وأتناقش فيها مع أطباء حول إمكانية تحويلي.. وكثيراً ما كنت أصدم بارتفاع تكاليف العملية، مع الكثير من المحاذير الأخلاقية المفروضة عليها في العالم العربي، كما هالني العدد الكبير الذي يعاني نفس الحالة في عالمنا العربي السعيد! وباعتبار أن هناك حالة بين كل ألف حالة، فإننا نشكل - وحسب تعداد العالم العربي – ربع مليون مشكلة؛ أي إن هناك شعباً بكامله يحتاج إلى التعاطف والشفقة والتوجيه الصحيح،لنصبح أداة فاعلة مؤثرة في المجتمعات! آه وألف آه.. كم نختلف عنهم..! انتسبت أون لاين لإحدى الجمعيات الأمريكية للـ "شي مال" كما يطلقون علينا، دخلت إلى منتدياتهم، وجدت المئات منهم، ولكن القليل منهم اهتم بتثقيف نفسه، وتحدى أعراض المرض؛ فأحاديثهم فارغة، وقصصهم مختصرة وسطحية وغير موجعة.. يتعايشون في مجتمعاتهم يعملون وينخرطون بحرية.. يعامَلون معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفر لهم دولهم الدعم من كل النواحي. مشاكلهم تبدأ وتنتهي حول الجنس، والغالبية منهم تقبله المجتمع، وتآلف مع نفسه! لم ألمس جراحهم، لم أتحسس مواجعهم وكآباتهم.. لم تعاقبهم تقاليدهم على شيء لم يرتكبوه بأنفسهم.. أجسادهم غير مشتاقة للموت مثلنا.. أوطانهم لم تصلبهم فوق حوائط اللامبالاة.. ذنوبهم خارج دائرة الاتهام.. ومع ذلك، فقدوا كل الأحاسيس المرهفة، وتعاملوا بأجسادهم كسلعة تدر عليهم الأموال. ذهلت لكثرة عدد الأعضاء المنتسبين لتلك الجمعيات، وسعدت لأني لم أكن وحيداً في هذا العالم على الرغم من عدم استطاعتي التمتع بالخدمات التي تقدمها تلك الجمعيات للمنتسبين إليها. أما نحن العرب فمكسورون كأعشاب الخريف.. عقولنا غارقة بالظلمة والجهل.. تدور بنا عجلات الزمان وننسى من نحن، ليذكرنا الآخرون بأننا من نسل الشيطان.... محرومون من أمانينا وأصواتنا وذكرياتنا.. مقتلعون كالحرام من قلوب أحبائنا.. نخاف من خليط أصواتنا وأشكالنا.. وعند الفجر يشهد أقرب الناس لقلوبنا - وبكل فرح وارتياح - محاولاتنا الانتحار.. لأننا عار على أسرنا ومجتمعاتنا.. كيف لا توجد ولا جمعية عربية واحدة تهتم بشؤوننا، وتعمل على بنائنا وغرس الإيمان في نفوسنا، وتوجيهنا نحو جمال وثبات قيمنا لتحمينا من غوائل الزمان!؟ هذا باختصار هو حالنا.. الأرض كلها وطني.. والعشيرة عشيرتي "جبران" ذات يوم جاءني جهاد عارضاً على الذهاب للعمل في مستعمرة "بتاح تكفا" لاحتياجهم الشديد لعمال من كل التخصصات. سألته بحدة: - أنا أعمل عند اليهود؟ إنت جنيت! - يا عم قول يا باسط؛ آلاف العمال من كل الجنسيات العربية يعملون هناك، عاجبك حالك هنا، والأفلام الزفت اللي بتنسخها، والله العمل في إسرائيل أشرف. - والله معك حق يا جهاد، ولكن ماذا سأعمل هناك؟ وهل سيتقبلون شكلي ووضعي؟ - وماله وضعك يا سيدي؟ ما انت متل القرد هيك، المهم نروح بالأول وبعدين يحلها ميت حلال، صاحبي حمدان السعدان بيلهف 100 شيكل باليوم، ويمكن أكثر. - أمي لن توافق على سفري.. - اترك أمك علي... بالرغم من تقبلي لفكرة السفر، واطمئناني لوجود جهاد معي، كنت دوماً أخشى التغيير والوجوه الجديدة، وطوفان الأسئلة الذي سيحاصرني، واضطراري لشرح حالتي لكل من طاف بباله أن يسألني أسئلة تجاوزتها من زمن بعيد.. بعد عناء شديد ومحاولات شتى لإقناع أمي وسحر بأن أسافر للعمل في إسرائيل مع جهاد، الذي وعدها بحمايتي، وتدبير العمل والسكن معه، وافقت؛ بشرط أن أواظب على الصلاة وقراءة القرآن، وأن أزور خالاً لها يسكن تل أبيب.. وعلى الرغم من أنني كثيرا ما كنت أكذب عليها بشأن الصلاة، مؤكداً لها أنني أواظب عليها، إلا أنني بيني وبين نفسي كنت على صدود كبير بسبب عادات لبست ثوب الدين، وتفننت في إيذاء مشاعري، ولكن لسبب لا أدركه قررت فجأة المواظبة على الصلاة كما أرادت بالضبط. ما أبعدَ الشيءَ إذا الشيءُ فُقد.. وما أقرب الشيء إذا الشيء وُجد"أبو العتاهية" استقبلنا حمدان صديق جهاد استقبالاً حارّاً وقال: لقد رتبت كل شيء مع رافاييل مدير الصالة.. وهو سيشرح لكم طبيعة عمل كل منكما.. - ومتى سنرى هذا الزفت رافاييل؟ - لسانك هاد بده قص يا جهاد، هون الناس محترمة وبدها شغل وبس. فجأة نظر إلى حمدان وغمز بعينه وقال: خليك حلو مثل القمر اللي بجنبك.. والله يا نداء حتصير هون في الصالة فاكهة الشباب.. ثم أكمل وكأنه لم يقل شيئاً: - الراتب 100 شيكل لكل منكما يوميّاً، وممنوع الحكي بالسياسة. ضحك جهاد ضحكته الصافية التي أحبها وبسرعه رد: - يعني هاذا شكل سياسيين، ولك يازلمه أنا ما بهفم غير لغة النسوان والفلوس! وعلي رأي المثل "خلصني وخذ عباتي". كانت صالة كلاسيكا للأفراح أكبر صالة أفراح في مستعمرة بتاح تكفا، تضم قاعتين كبيرتين تسع كل واحدة منهما خمسمائة مدعو، وكافتريا تفتح على مدار اليوم، وتقدم كل ما تشتهيه الأنفس بتخفيض خاص للعاملين فيها، كما تضم قاعة عرض سينمائي تتسع لمائتي شخص تعرض أحدث الأفلام العربية والأمريكية وحتى الهندية، خلف المبني يقوم سكن للعاملين فيها يضم عشرين غرفة بالحمام الخاص لكل منها ، مفروشة بأناقة لشخصين وبين كل سرير يفصل "بارتشن" لتحقيق الخصوصية، غالبية العاملين فيها من الشباب العربي الفلسطيني اللبناني السوري والمصري، وقلة من اليهود أتوا من مستعمرات أخرى للعمل في نظام الإضاءة.. سلمنا حمدان مفتاحين للحجرة التي ستضمني أنا وجهاد وقال: ارتاحا الآن وغداً تقابلان المعلم رفاييل ليعرفكما بقواعد الشغل. في طريقنا للغرفة تقابلنا مع كثير من الشباب الذين ألقوا التحية علينا سريعاً، ولكن أحدهم استوقفنا سائلاً: أهلاً وسهلاً؟ |
2011- 9- 18 | #7 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
ونظر إلى وقال: غريبة.. أول مره يسكنوا بنات معانا! دي أختك؟ رد جهاد الناطق الرسمي، وقد بدا الضيق في نبرات صوته: لأ يا سيدي دي بنت خالتي.. - وحتسكن ازاي لوحدها؟ دي كل أوده لاتنين، وما فيش حد بيسكن لوحده.. - ما فيش مشاكل عندنا، حنسكن سوا أنا وهي.. - هو انتم متجوزين؟ - لأ يا سيدي؛ أصحاب وحبايب. بقول لسيادتك إيه: هريتنا أسئلة: انت اسمك أيه؟ - أنا آسف اسمي، محمد عبد السلام من مصر، وبشتغل في الكافتريا.. - طيب يا سي محمد: نشوف وشك على خير مرة تانية، عشان إحنا عايزين ننام. سأل: طيب كام رقم أودتكم؟ بتأفف شديد أجاب جهاد: 26 - أنا آسف إن كنت ضايقتكم، بس كده احنا طلعنا جيران، وحنشوفكم كتير أنا وزيدان شريكي في الأوده دايماً بنكون في وقت الراحة في صالة التلفزيون أو المكتبة إذا حبيتم.. على فكرة: نسيت أسأل حضراتكم: انتم من فين؟ - من جهنم الحمرا عن إذنك.. سحبني جهاد من يدي وأدار ظهره. سمعنا صوت محمد يلاحقنا بالسؤال: اسم أختك أيه؟ - اللي ما تتسماش يا عنيا.. فتح جهاد الغرفة، ووقفنا بانبهار لشدة نظافتها وترتيبها.. فتحنا البلكونة التي تطل على مزارع البرتقال الممتدة.. ذهلت من جمال المنظر الذي اختلط برائحة الأرض، وغامت عيني بدموعها.. جعل جهاد يردد: الله ياخدكم ياليهود.. رددت أنا: والعرب لأ؟ دخلت الغرفة وجلست على كرسي وضع أمام السرير، ضحكت بعدما سمعت جهاد وهو يبرطم: بدأنا المشاكل يا سيدي، وشكلك الحلو حيكون مشكلة يا سي نداء؟ - أنا قلت لك خليني في مكاني أحسن.. - اسكت يا راجل؛ كان عاجبك شغل القوادة اللي بتشتغله؟ على الأقل هون شغل محترم.. - مش كنا رحنا نشتغل في أراضي السلطة..؟ - شو بتقول يا سي نداء؟ عند السلطة الحرامية؟ اللي كل واحد منهم مشغل قبيلته على حساب أموال الشعب المسروقة؟ والله اشتغل عند اليهود أحسن. - خلص.. اسكت.. مصيبة اللي تاخدهم، مثل ما أخدوا بلادنا، وبيبرطعوا فيها على كيفهم.. - ممنوع الحكي بالسياسة يا فالح، قوم خذ حمام منشان تنام أحسن لك.. فتحت شنطتي، وبدأت في ترتيب ما بها داخل خزانة صممت لتكون جزءاً من الحائط، وأمسكت بالمصحف الذي أهدتني إياه أمي وقبلته، ووضعته فوق رف في الخزانة، وعلى الكومودينو بجانب السرير وضعت صورة لي وأمي وسحر ونحن جالسون في حديقتنا. نظرت إلى أمي وانتابتني غصة، وعضضت على شفتي حتى لا تفلت دموعي؛ فزمن البكاء فوق صدرها الحنون قد انتهى.. استلقى جهاد فوق سريره بملابسه وغط في النوم، أخذت حمامي وخرجت لأجد شخير جهاد قد علا.. نظرت إلى تقاسيم وجهه البديع، واقتربت منه حتى أريح رأسه فوق الوسادة حتى ينقطع شخيره.. حملت رأسه كقطعة من قلبي أخشى عليها، وأرحته فوق المخدة.. خلعت له حذاءه، وغطيته بروحي، وأخذت مكاني على سريري.. تساءلت بيني وبين نفسي: هل سأنجح في العمل هنا؟ وهل المجتمع اليهودي سيتعامل بنذالة معي مثل مجتمعنا العربي؟ غرقت في بحار سود من النوم المتقطع، والكوابيس التي تدوس فوق صدري، وعاودني ثعبان كبير برأسين يلتف حول رقبتي، ويفح في وجهي قائلاً: ليس لك مكان في هذا العالم.. استيقظت مرتعباً وغادرت السرير واتجهت إلى الحمام، وفتحت الماء فوق رأسي حتى أفقت، نظرت إلى جهاد وهو ما يزال يغط في النوم وحسدته على خلو باله، خرجت إلى البلكونة أتنفس عبير الليمون والبرتقال الذي أحاط بي من كل الجهات.. وللحظات تذكرت رائحة منزلنا في بيت لحم، نظرت إلى المدينة الكبيرة بأنوارها المتناثرة هنا وهناك فاستشعرت سكونها داخل نفسي، وتعجبت من كبر هذه المستعمرة التي تعد من أقدم المستعمرات الصهيونية التي أنشئت في فلسطين، ونبشت في أرفف عقلي لتنسال المعلومات عنها أمام عيني؛ حيث ساعد جمال المناخ وخصوبة التربة المعطاءة في إنجاح الزراعة لتصبح أكبر مستعمرة تزرع العنب والحمضيات.. وبعد تحسن اقتصادها باستثمار الأموال اليهودية، وبعد أن نجحوا في زراعة مساحة كبيرة من أراضيها، زاد عدد سكانها تدريجيّاً، وامتد العمران فيها حتى تحولت إلى مدينة، وأصبحت عقدة مواصلات هامة تتصل بالمدن الرئيسية مثل كفار سابا وهرتسليا ونتانيا والخضيره وحيفا، وبالمدن الرئيسية الجنوبية مثل اللد الرملة ورحبوت وبير السبع.. أمعنت النظر، وقد دهمت جسدي المشتعل دوماً بالأسئلة لسعة من البرد: لماذا ينجحون في كل شيء، ونحن منذ سنين ينخر الفساد في أجسادنا، ومكانك سر. كم كنت فيما مضى وعندما اقرأ عن كيفية بناء المستعمرات أعجب من سرعتهم في البناء والتطور والنمو! بتاح تكفا التي بنيت في زمن قياسي تعتبر المستعمرة الأكبر والأهم، وفيها عدد كبير من المستشفيات والمدارس الزراعية والدينية، بجانب محطة لمراقبة الإشعاعات النووية، كما أنها أصبحت مجمعاً صناعيّاً هامّاً، وتشتهر أيضاً بمنتجاتها الزراعية المتنوعة! شعرت بالذكريات نصلاً يخترق جلدي، ويصل إلى روحي فيمزقها.. أقفلت البلكونة وتمددت على سريري مرة أخرى في انتظار انبلاج النهار، على أنغام الشخير العالي الذي كان يصدره جهاد.. فيما يعرف بمرحلة السلام، اكتشفت أن الآلاف من الشباب العربي العاطل عن الأمل والعمل يعمل داخل إسرائيل، ويعلق آماله على الكسب هناك.. في الصباح تناولنا الإفطار داخل الكافتريا مع جموع من الشباب من مختلف الجنسيات العربية، وكانوا يلقون علينا تحية الصباح بمودة ظاهرة.. فكلنا هنا غرباء عن أنفسنا وأوطاننا. ومن المؤكد أن الكل كان يسأل نفسه: لم تقذف بنا بلادنا ليلتقطنا عدونا، ويظهر أنه أرفق بنا، ويجعلنا نكفر بفكرة خدمة الوطن والحفاظ على كرامتنا ؟! كنت أحس بالنظرات تخترقني، مستهجنة من ملامحي، حاسدة جهاد على رفقته الجميلة. ظهر حمدان مزلزلاً القاعة بصوته وقال: - هه.. هادا انتو هون يا ملاعين.. صباح الخير كيفكم؟ نمتوا منيح؟ - والله أنا ما دريت بنفسي يا حمدان إلا ونداء يوقظني من أحلى نومة.. - أوكي.. هلحين بدنا نقابل رافاييل، منشان يشرح الكم شو حتشتغلوا. ذهبنا إلى المعلم رافاييل كما يطلق عليه كل الشباب: رجل في العقد الرابع.. مهندم ببساطة.. سمرته ساحرة.. عيناه خضروان.. ملامحه بشكل عام تدل على النبل.. دعانا للجلوس، وتفحصني جيداً وبإنجليزية سليمة وتلقائية سألني: - هل إنت خو...........؟ - لا يا معلم، أنا لست كما سألت، إنما أعاني من اختلاط الهوية فقط.. لم يبد عليه أي تأثر أو استهجان، فسأل: - ما اسمك؟ - نداء.. - أوكي نداء.. عملك سيكون مع العملاء الذين يأتون لحجز قاعات الأفراح، وستسجل كل ما يريدون من أنواع الديكور: ألوانه.. قوائم الطعام.. الزهور، ومن ثم ستسلم القائمة للمسؤول المباشر ديفيد، الذي سيقوم بتوزيعها على من يختص بها.. - ولكن بأي لغة سنتفاهم؟ - ستجد كل اللغات.. فهناك من يتحدث العربية، وهناك من يتحدث الإنجليزية والعبرية والفرنسية وحتى الفارسية.. وعلى فكرة: رئيسك أنت وجهاد يجيد العربية، وعلى كل نحن هنا نتعامل بكل اللغات.. نهاية كل أسبوع سنعطيك 700 شيكل.. من حقك يوم إجازة في الأسبوع تحدده أنت مع المسوؤل المباشر عليك.. قام من مقعده خلف المكتب ليبدو طوله الفارع الآسر، ونظر إلى جهاد وقال: - أما أنت يا سيد... - جهاد معلمي.. - أوكي.. لدينا مخزن كبير تابع للقاعة فيه عدة أقسام.. ستكون مسؤولاً عن قسم مستلزمات الموائد من مفارش وأوانٍ وأكواب وصحون وملاعق وشوك.. وكل ما يخص أدوات الموائد.. سيكون لديك أسبوع دوام ليلي وأسبوع صباحي.. مسؤولك المباشر اسمه مردخاي، سيجرد معك الموجودات، وتوقع على قائمة الاستلام، وكلما خرجت قطعة عليك بتسجيلها حتى تتسلمها، وستتبادل معه الدور، وحسبما تتفقان.. عليكما بتقسيم الدوام بينكما، وتحديد الإجازة الأسبوعية لكل منكما.. نطق حمدان أخيراً بالعبرية التي يجيدها وسأل: آخذهم هلأ يشوفوا المكان، ويتعرفوا على الشباب ويبدؤن اليوم؟ عرفت فيما بعد أن حمدان يعمل كوسيط بينهم وبين الشباب الفلسطيني الذي يقنعه بالعمل في إسرائيل، ويأخذ على كل رأس يأتي به 300 شيكل، كما أنه يقوم بأعمال الصيانة الصحية للقاعة فهو سباك ماهر.. وجدت تقبلاً كبيراً لشكلي، ولم ينظر لي أحدهم باستهجان، كما كانوا يفعلون عندما كنت أتمشى داخل بلدتنا، وفي كل خطوة أخطوها فوق أرض وطني، وكأني كائن فضائي غزا الأرض... واكتشفت الفرق بين الحديث عن الحياة الاجتماعية والحياة السياسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي... التعامل داخل إسرائيل يختلف كليّاً للأسف عن طريقة التعامل في الشأن السياسي الصلف التي اعتدنا عليه من زعماء الصهاينة الذين يعيشون على قتل إخوتنا وأحبابنا، وعلى خداعنا. بحكم عملي تعرفت على نساء ورجال كثيرين من اليهود، منهم الحقير المتعصب، ومنهم المسالم الطيب..كما تعرفت على الكثيرين من عرب الـ 48... استطعت في فترة وجيزة أن أحقق نجاحاً في عملي، وأن أتقن اللغة العبرية.. كانت تقارير العمل التي يرفعها ديفيد عني لرافاييل ممتازة؛ حتى إنني تسلمت رسالة شكر من الإدارة، وزيادة في الراتب بعد مرور ستة أشهر من بداية عملي.. كنت كل جمعة عندما أذهب لأمي أضع في يدها 500 شيكل، وأصرف المبلغ المتبقي في شراء بعض الأدوية البديلة أو أي شيء آخر.. وكانت أمي تقوم بتوفير المبلغ لي حتى إذا احتجته آخذه منها.. وقد استقر رأيي بيني وبين نفسي بأن أجري عملية التغيير حتى أصبح أنثى غير كاملة، ولكن على الأقل التي أريدها وأن أكونها.. أوصاني ديفيد بعد أن قصصت عليه قصتي بالذهاب إلى عيادة الدكتور حاييم المتخصص في أمراض العقم والذكورة في نفس المستعمرة، والمشهور جداً في عمليات التحويل.. استقبلني الدكتور حاييم بدفء ومودة شديدة، رابتاً على كتفي.. سلمته كل نتائج الفحوصات التي قمت بها في السابق، ووصفات الهرمونات والبدائل التي أتناولها حتى الآن.. تفحص كل شيء بأناة وهدوء، وكأني المريض الوحيد الذي يزوره؛ رغم ازدحام العيادة.. سألني: لماذا وقع اختيارك على الهرمونات الذكرية، وليس العكس؟ - إنها قصة طويلة يا دكتور، فهذا الاختيار هو اختيار أبي وأمي والجيران والأصحاب وكل البشر، ما عداي. ابتسم الدكتور وقال: أنتم العرب تحبون الأولاد أكثر، وعلى كلٍّ سنجري فحوصات جديدة الآن لمعرفة مستوى التستيرون، ثم ستبدأ برنامجاً تأهيليّاً لمدة عام، قبل إجراء العملية، حيث سيكون اختلاطك بالنساء والبنات أكثر، كما أنك سترتدي ملابسهن، ولك استشارة نفسية أسبوعية لمدة عام.. - واين سأجري العملية؟ - في مستشفي هداسا.. - هل أجريت تلك العملية كثيراً دكتور؟ - أعتقد بأنك تعلم أن كل حالة من ألف حالة لا بد وأن تكون كثيرة. وعلى كل فلقد أجريت العملية لاثنتين وعشرين حالة وبنجاح.. - وكم تكلفتها تقريباً؟ - 75ألف دولار، شاملة كل شيء، ما عدا البرنامج التأهيلي الذي تدفع الدولة الإسرائيلية مصروفاته كاملة تبرعاً منها.. - ألا توجد جهة تجري تلك العملية مجاناً.. - نعم.. هناك الجمعية الإسرائيلية لفاقدي الهوية أو للـ "شي مال" فإذا كنت منتسباً لها فستقوم بها على نفقتها.. صدمني المبلغ فشكرت الطبيب، وقررت بيني وبين نفسي أن أنسى الأمر لحين ميسرة، وألا أخبر أحداً - حتى جهاد - وسألت الدكتور حاييم إذا كان يسمح لي أن أتصل به للاستشارة في أي أمر يجد على حالتي، فرحب تماماً وقال لي: أنا أقدر حالتك وصعوبتها؛ لأن اختيار الهرمونات الذكرية من البداية كان خطأً، ولكن على أية حال سأقرر لك علاجاً جديداً، بعد أن تجري التحاليل التي أشرت إليها، وأهلا بك في أي وقت.. لم أكن التقي بجهاد نظراً لتعارض أوقات الدوام إلا يوم الإجازة، والتي اتفقنا على أن تكون في اليوم نفسه؛ حتى نستطيع أن نقطع "السيجر" أو الحاجز مبكراً؛ لنقضي اليوم كاملاً في أحضان أرضنا وعائلتنا.. كنا محسودين من جميع الشباب الذي لا يستطيع العودة إلى بلاده إلا بعد مرور عام أو أكثر؛ نظراً لغلاء تذاكر السفر، وبعد المسافة.. كنت ذات يوم أغط في نومي بمفردي عندما صحوت على دقات متتالية على الباب.. كان من الواضح إصرار صاحبها على إيقاظي.. قمت ومن خلف الباب سألت: من؟ سمعت صوت ديفيد هامساً: أنا.. فتحت الباب فدخل وأسرع بإغلاق الباب.. قلت له: ماذا حدث؟ وبعربيته الركيكة قال: أنا أهبك يا نداء.. ديفيد جيلدمان رجل يختصر المسافات، ويصل سريعاً إلى قلوب من حوله، بضحكته الرائقة.. يعيش بمفرده في المستعمرة، بعد أن ماتت زوجته بسرطان الرئة.. لا يبدو أبداً في السادسة والثلاثين من عمره.. شعره الأشقر الكثيف يعطيه سحراً خاصّاً، مع جبينه الضيق، وعينيه اللوزيتين المبتسمتين، واللتين تجعلانك لا تخشي الهبوط فيهما بسلام.. درس هندسة الديكور في واشنطن حيث ولد.. كان وحيد أبويه.. بعد وفاة أمه قرر والده أن يهجر كل أمريكا لأنها دوًما تذكره بزوجته.. أراد أن يموت في أرض السلام! فسأل ديفيد أن يصطحبه.. وافق ديفيد على أن يأتي إلى فلسطين.. استقر ووالده في بتاح تكفا، ولم يغادرها عائداً إلى أمريكا بعد أن مات والده هو الآخر.. تعرف ديفيد على زوجته سافيون، وتزوجها، لكنها لم تعش طويلاً بسبب مرضها. من خلال حديثه فهمت أنه يريدني بشدة، ويفكر في ليل نهار. وحتى لا يموت جسده من الوحدة كان يريد أن ينقذه بي، بعد أن مل الساقطات من كل الجنسيات، واللاتي تزخر بهن إسرائيل.. كما أنه يريد تجربة شيء جديد! واجهته بالرفض القاطع، ولكنه لم ييأس، ونزل على ركبتيه أمامي وسأل: - ألأنني يهودي؟ - ليس للأمر شأن بكونك يهوديّاً أو غيره.. ولكني فقط لا أستطيع.. - لماذا؟ هل أنت مرتبط؟ - كيف أكون مرتبطاً، وحالتي أنت تعرفها بالتفصيل؟ - أولست على علاقة بجهاد؟ - لا.. إذن فلأنني يهودي؛ أنا أعلم بأنكم تكرهونا، ولكني من جماعة السلام.. وأنت تعلم........ حاول ديفيد تقبيلي بقوة فأزحته عن طريقي، مهدداً إياه بإبلاغ رافاييل، بينما كانت أنفاسه الحارة تشعل وجهي.. ابتعد عني لاهثاً وقال: أوكي.. دعني فقط ألمس صدرك؛ فهو يثيرني جدّاً. - ديفيد: أريد أن أنام.. - من فضلك يا نداء: لا تكسر قلبي.. لا تنس تقاريري الممتازة التي أكتبها عنك.. - لا تكتب تقارير ممتازة بعد اليوم؛ إن كنت لا أستحقها.. - هل تريدني أن أكون أبله، وأصدق أنك لا تعاشر جهاداً؟! - ديفيد: أرجوك؛ أريد أن أنام، فلدي عمل كثير غداً.. - كيف تطيق أن تحيا بلا حياة....؟ وفجأة وسط دموعي التي لم أستطع أن أمسكها وجدتني أقول: ومن قال لك يا ديفيد إني حي؟ إنني كل يوم أموت ألف مرة، أموت من أمثالك، من شكلي من نظرات الاستهجان لدى رؤيتي، من حيرتي فيمن أكون.. من فقري، من ضعفي وقلة حيلتي، من غربتي وعزلتي التي أتعمدها حتى لا أختلط بأحد.. عدم فهمي لحكمة ربي في خلقي هكذا، أموت من كل شيء وأي شيء! رأيت الهلع والدهشة تحط فوق ملامحه، وكأنه استيقظ من غيبوبة ليرى من حوله.. وفجأة قام وأوقفني مقابله، ورفع عيني أمام وجهه، ولف ذراعيه القويتين حولي، ضمني برفق، شعرت بأصابعه الدافئة تلمس جلدة رأسي، وتمتم: أنا آسف يا نداء، اعذرني من فضلك. الغريب في الأمر أنني استكنت لحضنه الصادق، وللحظات شعرت باستكانة الأنثى داخلي، وحاجتها لدفء تنثره في أجوائها، تغذي فيه روحها الظمأى من سنين وسنين.. لم يستغل ديفيد لحظات ضعفي على الرغم من وضوح تقبل جسدي لحضنه الدافئ، ولكنه قبلني قبلة من شفتيه الرطبتين والمتحفزتين للاستسلام لشفتين أخريين فوق جبيني وقال: اعتبرني صديقا لك.. أنا آسف.. وانسحب بهدوء.. لم يغمض لي جفن وأنا أستشعر اللحظات الدافئة التي غبت فيها بين أحضان ديفيد، وكيف غدا جسدي قطعة من نار، وأنا لا أدري تحديداً أيهما فيّ الذي استثير: هل هي الأنثى أم هو الرجل؟! غزا نور الفجر مساحة كبيرة من غرفتي، وحين عاد جهاد من نوبته الليلية تعجب من أنني لا أزال فوق السرير، وآثار البكاء واضحة على وجهي. - نداء شو صار؟ انت تعبان ؟ حاولت أن أخفي ما حدث فقلت له: قول صباح الخير بالأول. - ما هادي أول مرة أشوفك بعد مناوبتي الليلية، شو القصة تعبان، ولا شيء؟ ولست أدري أيضاً لم قصصت عليه ما دار بيني وبين ديفيد.. رفع حاجبيه متعجباً وقال: بالله عليك هادا اللي صار؟ - إنت تعرف إني ما بكذب؟ - والله لأنزل أكسر لك راسه هادا الشاذ.. - اسكت يا جهاد؛ ليش إنت دايماً عصبي هيك.. خلص.. ما في مشكله، والرجل احترم رفضي.. - غريبة يا أخي ليش الشذوذ منتشر كتير هالأيام؟ يقطعهم قول آمين!! بس أنا مش عارف شو بيعجبهم فيك؟ أوكي وجهك حلو، بس يا أخي ما فيك لحم.. وكتير ضعيف، وحتى صدرك إذا كانوا بيهتموا بالصدر كمشة يد.. يخرب بيتهم شو بهايم! والله لو إنت آخر واحد في الكون ما باجي جنبك. نظرت إليه وتمليت وجهه الوسيم، وحزنت على نفسي وتساءلت: كأني خرافة تصحو وتقوم.. من أكون؟ لاحظ جهاد حزني فقال: يا أخي أنا بموت في النسوان وبس.. أوعك تزعل مني.. إنت عارف أنا أديش بحبك.. ولو عاوزني إنزل أكسرلك راس ديفيد الآن بنزل.. وبعدين بدناش هالشغل.. بنروح نشتغل في مكان تاني. وفجأة فرقع ضحكة عالية وقال: هههههههه.. الله يخرب بيتك يا ديفيد.. دا النسوان في إسرائيل ما فيش أجمل منهم.. ولا اكتر منهم.. - وإيش اللي عرفك يا سيدي.. - بعدين بقولك بدي أنام هالحين.. قبل أن أنزل للعمل تندر جهاد كثيراً على ديفيد.. تركته لينام وخرجت.. عندما قابلت ديفيد كنت أظن بأن رفضي له سيغير من طريقة معاملته لي، ولكنه همس: أنت الآن في العمل؛ عليك بنسيان كل ما دار بيننا.. لا تحزن بنـي؛ فالحزن نحلة تمتص رحيق الشباب.. 6 لم أصدق أن كل هؤلاء الناس أتوا في عزاء أمي وهم يذكرون طيبها وحسن جوارها.. بكتها صديقاتها جمانة وراشيل وعبلة بكاء يفطر القلب.. زملائي في العمل لم ينقطع اتصالهم للاطمئنان عل حالي: محمد المصري وزيدان السوري وطوني اللبناني؛ وحتى ديفيد والمعلم رفاييل. أما جهاد صديقي فقد (استرخص) ليكون معي طوال فترة العزاء؛حتى إنه نام عندي بعد توصية من سحر أختي وزوجها بأن يبقى معي، وقد اطمأنا لوجوده بجانبي.. قبل أن يغادرني بعد انقضاء أسبوع على العزاء سألني: هل ستعود للعمل أم ماذا ستفعل؟ قلت له: اعتذر نيابة عني لديفيد ورفاييل؛ لأن أختي سحر مصرة على ألا أعمل، وأن أكمل تعليمي.. فرح جداً وقال: تمام وربنا ينفخ في صورتي أنا كمان وأكمل الزفت التعليم. بعد أن عاد جهاد إلى بتاح تكفا رفضت بشدة وإصرار طلب سحر وزوجها بأن أبيت في بيتهما.. آه يا أمي، يا سيدة الألوان البهية.. يا نغماً ارتعش عبر روحي، وقنديلاً أضاء جوانب نفسي المحطمة.. كيف سأقاوم شوقي إليك بعد الآن وقد أصبحت بعيدة كنجمة بازغة في سماء مفقودة وأرض مراوغة؟ أتساءل: لِمَ لم يمهلها الله يوماً واحداً حتى أراها؟ أسلمت أمي روحها وهي جالسة تحضر لطعامي الذي أحب: فطائر معجونة بروحها وأنفاسها العطرة.. آه يا حبيبتي! يأبى الدهر إلا أن يقهرني ويذلني.. بعد مغادرة جهاد، وقد انفض الجميع، وخلا البيت علي وحدي أخذت أستمع إلى رجع موسيقى صوت أمي الحنون الذي كان.. وأتعلق بقسمات وجه أمي النقي، عبر صورة رسمتها لنفسها.. ما كان أجملك يا أمي! أخذت أدور في البيت الذي شهد أيامي الأولى، وفي كل ركن من أركانه تحيا ذكريات وذكريات.. تلمست خزانة أمي وفتحتها، شممت عبير عطر أمي الخاص الذي كان خليطاً من كل الزهور.. أحسست برأسي يدور ويدور، وفاضت عيناي ببحر من الدموع.. اسودت الدنيا أمامي، وتذكرت كلمات جبران خليل جبران: أمرُّ ما في أحزان يومنا ذكرى أفراح أمسنا! لم أقوّ على الصمود.. وكانت تلك أول مرة أصل فيها لأعلى درجة من درجات القرار الذي اختمر في خلاياي.. فابتلعت 100 حبة من البنادول، ونمت كوردة في عروة فستان أمي لعلي ألحق بها. أفقت على دمعة ملتهبة سقطت فوق وجهي من بين جفون أختي سحر، وسمعت صوتها ما بين اليقظة والنوم يردد: لماذا يا نداء؟ أتريد أن تفجعني فيك وأنت الباقي لي؟ دفء يدها الناعمة تدفق إلى جسدي حارّاً لأفيق باكياً، ولتختلط دموعي ودموعها فرحة بعودتي إلى الحياة.. كان جهاد قد اتصل بسحر دون علمي، وقال لها بأنه سوف يغادر، وإن عليها أن تحضر حتى تبقى معي.. كانت الساعة الثانية عشرة عندما غادرني جهاد.. اتصلت بي سحر لتطمئن علي.. رن جرس التليفون كثيراً بدون رد، أيقظت زوجها واتجها سريعاً إلى منزلنا، كسرا الباب بمساعدة الجيران، ونقلوني إلى المستشفى حيث غسيل المعدة وأسئلة كثيرة لئلا تكون هناك شبهه جنائية؟ حتى الموت لا يأتي لمن يريده سهلاً!.. أفٍ لتلك الحياة.. حاولت أن أقنع سحر أن تسكن في بيتنا بعد أن تجدده على مزاجها، عدا غرفة أمي التي ستبقي كما هي، والتي سأقيم فيها وقت إجازتي، رفضت في البداية نظراً لبعد منزلنا عن مكان عملها كمترجمة ومحاضرة في جامعة بير زيت، وبعد أن ألححت وألححت، وافقت وزوجها على أن يسكناه.. شرط أن تغطي وزوجها كافة مصاريفي الجامعية.. وقالت لي: سأبقى دوماً أنتظر عودتك، وعندما يحين لك الاستقرار ستجد البيت في انتظارك، وسنعود نحن إلى منزلنا في القدس.. اتفق زوجها مع صديقه أيمن في عمان بأن يؤجرني حجرة مفروشة في فيلته الكبيرة. كما أنها اختارت لي كلية أمريكية متخصصة في دراسة الكمبيوتر.. التخصص الذي كنت أحلم به، ويتوافق مع تكويني النفسي والعقلي... وهو المستقبل.. هو العلم المجرد بلا عواطف.. هو البوابة المطلة على العلم والعالم.. على الإنترنت.. هو الفن والإبداع.. ومن خلاله تستطيع أن تكون كيفما تشاء بنتاً.. ولداً.. رجلاً.. امرأة.. كن ما شئت ولا تخش الملام! قلــب العـلم بيتٌ فيه مصباح.. لا يضيق مــن تظاهر النور فيه، بل يتسع للنظر والتأمل , ويزيدك ضياء.. "كسرى أنوشروان" نظراً للعبء الجديد الذي أضفته على أعباء أختي سحر المالية قررت أن أدفع فقط للأقساط الرئيسية.. ولم أهتم بشراء الكتب لارتفاع أسعارها؛ معتمداً على ذاكرتي وشبكة الإنترنت. انتظمت في الكلية بادئاً مرحلة جديدة، وأنا أكثر نضجاً وتوحداً، حيث تؤلمني وتقلقني البدايات والتجمعات الجديدة.. وسط إعجاب كبير، واستهجان طلابي ذكوري قليل، وقرف وغيرة أنثوية، مضت أيامي في الكلية، لا أعرف سوى الدراسة.. لم أصاحب أحداً أو أثق في أحد.. لم أرتبط اجتماعياً إلا بأستاذ البرمجيات الذي كنت كثيراً ما أقضي معه الوقت في نقاشات حامية في كل شيء وأي شيء؛ خاصة وأنه قارئ نهم في شتى المجالات؛ ما حببني فيه وجعلني آنس إليه دون خوف.. ذات يوم وبعد انتهاء محاضرته أسر في أذني بأنه يريدني أن أفطر معه في غرفته الخاصة بمبنى الكلية، بعيداً عن ضوضاء الكافتريا.. مشينا وكالعادة وسط نظرات مرتابة من الطلاب وبعض الأساتذة حتى وصلنا إلى غرفته الخاصة.. أخرج من مكتبه كيساً من البلاستيك ذكي الرائحة وقال: - الوالدة عملت لك شوية مناقيش زعتر وفطائر سبانخ وجبنة، وأصرت أن تفطر معي، وتأخذ الباقي كله معك.. - ولماذا كل هذا التعب يا أستاذ فارس.. اشكرها وقبل لي يدها.. مع الرائحة التي عادت بي إلى حضن أمي رحمها الله انتابتني غصة فغامت عيناي بالدموع.. - ما لك يا نداء؟ هل ضايقك أحد؟ - لا بل تذكرت فطائر أمي.. - رحمها الله.. سكت أستاذي فارس قليلاً ثم قال: نويت تكون الأول هذا العام أيضاً؟ - هذا كل همي.. - برافو نداء؛ رغم كل ظروفك التي حدثتني عنها فإنك بالفعل أجدع من مائة رجل.. آسف ولو أني اعتبرك بمقاييس الرجال أحسن بكثير من أشباه الرجال، كما أنك في جمالك وتفصيل جسدك أجمل من نساء كثيرات، أما إذا اعتمدنا الجوهر فلن نجد مثلك الكثيرين وأنا أطبق عليك قول ديوي: ليست الأمانة والشجاعة والدأب وحسن الخلق ممتلكات خاصة للفرد، ولكنها تكييف للقدرات الشخصية مع القوى المحيطة.. ومن خلال معرفتي بك أجدك قد ربيت نفسك، وكيفتها، وأدبتها لتقبل قبح ما حولك.. والله إني فخور بك.. - أشكرك يا أستاذ؛ هذا كله بفضل تشجيعك.. مد الأستاذ فارس يده بفطيرة وقال: يلا.. وين نفسك المفتوحة.. بدي اياك تاكل كل الفطاير.. - أشكرك أستاذ.. - أنت تستاهل يا نداء.. هل تعلم أنك أكثر من واحد على الصعيد النفسي.. - كيف؟ - انت - بحكم حالتك - تحتاج إلى قدر كبير من الجدل لإقناع الناس بحالتك وفهمها، ومن كثرة تعرضك للأسئلة - حتى الصامتة منها - ونظراً للتناقضات التي تحملها في بنائك الشخصي، فإنك أصبحت شخصاً انطوائيّاً أكثر منك انبساطيّاً.. فلا تريد أن تتكيف بسرعة مع المواقف الجديدة، وليس لديك ثقة في نفسك؛ على الرغم من نبوغك واطلاعك على ثقافات عدة، تنقد ذاتك بشدة، وتستفسر عنها كثيراً، ولا تبتعد عما يؤلم نفسك، وهذا في حد ذاته شيء يكسر الروح. - حسب ما يقول علم النفس يا أستاذ فارس فإن لكل منا شيئاً يحيا من أجله، يصبح مع الأيام هدفاً تتحدد به كل سلوكياتنا ومن كل النواحي، ونتوجه لتحقيقه حتى ينعكس تحقيقه على ذواتنا، فيضفي على حياتنا المعنى، ويزيدنا تعلقاً بها، وحبّاً لها، وسعياً للمزيد منها.. ولكني أشعر بالحيرة والتخوف من البشر؛ نتيجة تراكم المواقف المشينة من شخصيات شاذة تعرضت لي بالسوء، وحطمت في أشياء وأشياء. وعلى الرغم من انغماسي في التعلم والقراءة، أفتقد الصحبة الصادقة التي تتعامل مع جوهري دون شكلي.. كذلك أدرك أن لكل إنسان عدة أهداف يسعي لتحقيقها.. ولكن ما حيلتي؟ فلا البنت تقبل بي، ولا الرجل أيضاً! أنا أبدو كلعبة غريبة يمكن أن تجرب جنسيّاً مرة أو ربما مرات، ثم ترمى بعيداً.. - لا أريد منك كل هذا التشاؤم؛ فما يزال في الدنيا أخيار كثيرون، ولكن الذي أريده منك هو عدم المبالاة بالنظرات والكلمات المستهجنة والأسئلة الغبية.. |
2011- 9- 18 | #8 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
- يا أستاذ فارس: أنت تتحدث وكأنك لا تعرفني.. إنني لا أشتاق للصحبة.. بل أشتاق للمسة من صديق حقيقي، لا يخشي كلام الناس، أو أن أحسب عليه.. - هل تعلم أن زميلاتي البنات اللواتي أحسب عليهن أكثر من البنين يستغللنني فقط عندما يحتجن إلى شرح شيء غمض فهمه عليهن، ثم يبتعدن وكأني غير موجود؟! إنهن يخشين على أنفسهن، كما يغرن مني! وأنا ألحظ تلك الغيرة في ابتعادهن وإبعاد أصدقائهن الشباب عني، إن تكوين علاقة بلا أهداف لهو أمر شائك مع حالتي يا أستاذ.. ثم هل نسيت ما حدث السنة الماضية عندما كان أحمد رضوان هو الوحيد الذي يكلمني، ويقف معي، حتى اتهمه الشباب بأنه يعاشرني.. وعندما سمع هذا الكلام توقف حتى عن إلقاء تحية الصباح؟! على كل أنا راضٍ بنصيبي وقدري ووحدتي.. - أنا لا أؤمن بالهزيمة يا نداء.. يجب أن نغير المجتمع حولنا.. فلست وحدك الذى يعامل بهذا الشكل فحتى ذوو الاحتياجات الخاصة لا نعرف كيف نعامل معهم ونستهجن وجودهم ونعتبرهم عقابا من الله لذويهم لذا نحارب لنتعلم كيف نتعامل مع كل الحالات المختلفة دون أن يحرجها المجتمع ويساهم في تعذيبها.. - إسمح لي أستاذ فارس أن أقول إننا نحن العرب تحديداً ليس لدينا ثقافة استيعاب الآخر، وتقبل اختلافه كما هو.. - تلك هي مهمتنا يا نداء: أن نجعل الآخرين يستوعبون اختلافاتنا وعيوبنا الخلقية التى لا دخل لنا فيها .. - أنا شخصيّاً متشائم، وأتمني لو أن الله يتيح لي فرصة الخروج من بلادنا، والذهاب إلى بلاد تحترم حريتي، وتقيمني على أساس عملي، لا على شكلي. - ولماذا لا تقدم على الهجرة؟ - أنا أحاول أن أجمع المبلغ اللازم للهجرة أولاً، حتى أجري عملية التغيير هناك بمساعدة جمعيات جندر بندر، المختصة بهذا الخلل الجيني.. - وهل بالفعل تنوي أن تفعلها؟ - وهل لي سوى أن أفعلها حتى أعيش حياة واحدة؟ - طبعا ستغير اختيارك الآن؛ خاصة وأنا أرى الأنثى تطل بوضوح من عينيك. - سأعدل الوضع الذي أخطأت فيه منذ البداية، وسأكون الأنثى التي يريدها كل الرجال. - والله ستكون أحلى من ألف واحدة.. بس اوعى لما تعملها ما أشوفِك.. - أول واحد سأفكر في زيارته بعد العملية في عالمنا هذا هو أنت.. - يعني أستطيع أن أقول إنك معجب بي.. - أنت الرجل الذي تحلم به كل أنثى يا أستاذ.. احمر وجه الأستاذ فارس، ووقف طويلاً مباهياً بجسده الفارع، ومد يده إلى قال: أتمني لك التوفيق، فلا تقطعني، وأطلعني على أخبارك دائماً، وحاول أن تعمل أثناء فراغك.. - نسيت أن أقول لك أستاذي إنني استطعت أن أحصل على وظيفة محرر لمعالجة المشكلات الاجتماعية في جريدة محلية، وقد فتح ذاك أمامي مجالاً واسعاً في معرفة الطبائع البشرية عن بعد، كما أن بعض القراء الآن يخاطبني عبر الإيميل الخاص بي، ممن يتعامل مع الكومبيوتر، والآخرون يبعثون برسائلهم على الجريدة. - برافو والله يا نداء، المفروض أن يعتمد شبابنا على نفسه، ويعمل أي عمل يوفر له العيش الكريم دون أن يضغط على أهله.. أما من ناحيتي فإذا احتجتني في أي شيء ستجدني.. أعطاني الأستاذ فارس ما تبقى من الفطائر وقال لي: تعال بكره نفطر سوا وندردش.. الحظ ملكة تسأم المقام دوماً بقرب الأشخاص أنفسهم "يوربييدس" الكل يسأل ويستفسر عن العريس والعروس، والمال والحب، والصحة وفرص الكسب السريع.. |
2011- 9- 18 | #9 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
أدهشتني الرسائل التي كانت تأتي من كل صوب وحدب لمحرر صفحة (مشاكل)، الذي لا يعرفون هل هو رجل أم امرأة! وقد أعجبتني فكرة أن بعضاً منهم ومنهن يحلل شخصيتي من خلال اسمي.. وقد اكتشفت من خلال هذا الباب أن النساء هن من يربطن القيود في معاصمهن، لا فرق في ذلك بين العاملات وغير العاملات، والمتعلمات وغيرهن، ممن ينصب جل انتباههن على إيجاد رجل، متصورات أنه الاختيار الأسلم والأسهل.. اكتشفت أننا شعوب تؤمن بالحظ وضرباته؛ مفرحة كانت أم محزنة.. ذات يوم استدعاني مدير التحرير وقال: - ما رأيك أن تشارك زميلك حساناً في إعداد صفحة المنوعات؟ - علي راسي سيدنا.. - أعلم أنك ستنجح بإمداد الجريدة بأخبار نادرة؛ خاصة أنك تعمل على النت بامتياز.. وكالعادة نجحت، واكتشفت أن لي موهبة لم أكن أعلم بوجودها: كيفية التعامل - عن بعد - مع كلا الطرفين - النساء والرجال - والكل يمدني بأطرف الأخبار وأندرها.. استعنت بالشبكة العنكبوتية لإرسال أخبار لا تخطر على بال، وكنت أدرك ما يريده الشباب، وما تريده الفتيات والرجال البالغون والنساء، مع المزج بينهما؛ ليخرج الخبر وعنوانه، بالإضافة إلى مجموعة من الصور الفريدة التي تدعم الخبر وتلفت نظر القارئ وتأسره! اكتسبت أصوات النساء في مبنى الجريدة، وأعجبن بعملي واسمي المستعار "بدائع" الذي كان يؤكد ثلثي الأنثى بداخلي.. لكن.. يا فرحة ما تمت: استقال مدير الجريدة وحل محله أحد أقرباء صاحبها.. والبقاء دائماً في عالمنا للأقرب! وكما يحدث في السلطة يحدث في الإدارات كلها؛ فعندما تتغير الإدارة تجيء الجديدة بكوادرها الموالية لها, لتهدم كل ما بنى سابقا , حتى لو كان ايجابيا لتبدأ من جديد وصلة تفتيش عن سقطات النظام القديم , لتقع فريسة عدم التطور والنمو ! أعفاني المدير الجديد من مهامي بعد أن قال: - اذهب يا بني الله يستر عليك.. وهكذا - وقبل انتهائي من دراستي في تصميم المواقع بثلاثة أشهر - خسرت عملي في الجريدة، وبدأت رحلة البحث عن عمل آخر. كن ينبوعاً, يروي الغليل ولا ُيُشكر "ل. دي. غاراغازون" أختي سحر ينبوع محبة لا ينضب.. عندما علمت بتوقفي عن العمل تحدثت مع صديقة لها اسمها "شذا" تسكن عمان، وتمتلك محلاً لبيع أدوات التجميل في أجمل منطقة فيها "عبدون" سألتها بأن أدير لها المحل فترة بعد الظهر؛ لأنها تعلم بانشغالها بطفلها الجديد.. وافقت شذا، خاصة وأنها تثق في أختي المنحدرة من بيت طيب كما كانت تقول لها. حدثتني سحر في الأمر فوافقت بسرعة لأنه استهواني؛ خاصة وأنني أميل للتعامل مع المرأة أكثر من الرجل، بحكم ميلي الطبيعي.. وهكذا تسلمت عرشاً أنثويّاً خالصاً، ودخلت عالم حواء الحقيقي.. استطعت كسبهن واستغللت حالتي، فكانت النساء والفتيات من مختلف الاتجاهات يأتين للمحل للتعامل معي والتحدث بالساعات والساعات عن كل شيء وأي شيء، المسنة والصغيرة.. الجميلة والقبيحة.. الثرية والفقيرة.. المحترمة وغير المحترمة. وكان منهن كثيرات من الفنانات اللواتي كنت أشاهدهن في التلفاز، واللواتي أعجبن بطريقتي في جذبهن.. الخطيئة الأولى توسد سرير الثانية"مثل تشيكي" الساقطات وما أدراك ما الساقطات! كم أعجب من تلك التسمية، في مجتمعات يموج في أحشائها السقوط! بائعات الهوى.. ساقطات الأمة، ومن خلفهن رجال أعمال، ومستثمرون، وسوقة وكل أشكال من يطلق عليهم اسم رجال.. عن قرب تحادثت معهن.. حاورتهن.. دخلت على استحياء عالمهن! لديهن أحاسيسهن الخاصة.. لهن فلسفتهن ووعيهن بما يفعلن.. هن راضيات مجبرات في الوقت ذاته على حياة رسمت من أجلهن بنصل سكين؛ إن حدن عنها نزفن حتى الموت، ودون أن يمسح جراحهن أحد! يؤمن بأن الله أنعم عليهن بالعذاب بلسماً قدسيّاً لدناساتهن.. يبكين أعمارهن الربيعية التي يزحف إليها الخريف بلا رحمة.. الكون كله غير مبال بآلامهن.. لا وقت للأشواق في دقائق حياتهن.. هن مداس لكل ساقط ولاقط من الرجال الذين يستغلون حاجتهن للحياة، في عالم يحركه أنصاف الرجال وأشباههم.. لا أحد يصغي لشكواهن الصامتة من عابري أسرتهن الكثر، وللقسوة ألف وجه ووجه في حياتهن! هن جزء كبير في مجتمعاتنا التي تدعي الطهر والنقاء، وهن في أعرافنا سافلات ساقطات! بائعات الهوى هن! تدربن على بيعه في مدرسة الحياة القبيحة.. قرأن أبجدياته من الفقر وقسوة الأهل , والمجتمع الذي لا يجد لهن حلولاً تقيهن شر الحاجة لبيع أغلى ما يملكن! هن حالة من صنع أيدينا! كانت لي علاقة وطيدة مع اثنتين منهن؛ بحكم أنهن زبونات للمحل.. كانتا تعملان بفندق قرب المتجر.. كشفت لهن أسراري وقصصت حكايتي المُرة.. وكشفتا لي أسرارهما! أطلعتاني على أسمائهن الحقيقية.. أبداً لم تحرجاني بأسئلة لا تنتهي، بل أحبتاني كما أنا.. قالت لي هويدا وهي تضحك : تُؤْبر ألبي نداء.. انت كتير جميل.. لو تشتغل معنا والله تكسب أكثر منا.. ردت آمال عليها: يا اختي بلا نيله! عاجبك اللي احنا فيه ده؟ كل يوم مع واحد شكل، إيشي مدهول، وإيشي حزين، وإيشي متنيل على عينه، وإيشي يحاسبك على المليم والدقيقة! أوعى تسمع كلامها يا واد يا نداء.. خليك زي ما انت؛ طاهر ونضيف. - ليش انتي بدك اياه يضل يشتغل بتراب المصاري، وما يقدر يعمل العمليه؟ - ليه يا اختي؟ ما هو زي القمر اهه، ويقدر يستغل شكله، ويضحك على رجال كتير، ومن غير ما حد يلمسه.. - كيف يا عيوني ؟ - ههههههه يلبس لبس ستات، وشوية مكياج على شخلعه، يفتكروه بنت، ويقبض مقدم، ولما يجييي وقت الجد انا متأكده ان تلات اربعهم حيهرب، ويسيب الفلوس وراه.. ضحكت كثيراً على نقاشهما، وشكرتهما قائلاً: لا تحملا همّاً؛ سأكون بخير إن شاء الله.. أصرتا على اصطحابي للعشاء في منزلهما بعد أن تنتهي آمال من نمرتها التي تؤديها في ملهي الأوتيل.. وعدتهما بالزيارة لأعطي لآمال بعض ما طلبته من "ميك آب" لم يكن موجوداً في المحل وقتها، حيث سأتيها به من المخزن. أخذت العنوان، ووعدتهما أن أكون عندهما فور إغلاقي المحل. ردت هويدا: أنا هلأ رايحه على البيت هانتظرك حتى تنتهي آمال، وتلحق بنا لأني سأنتظر ضيفاً على العشاء أيضاً. أول ارتعاشة إيروسية... بعد انتهائي من العمل أغلقت المحل، وقررت الذهاب إليهما حيث تقيمان في شقة في عمارة من طابقين أعلى جبل عمان.. كانت العمارة ملكاً لطبيب يعمل بإحدى دول الخليج.. احتلت هويدا وآمال الدور الثاني منها، أما الدور الأرضي فكان مغلقاً لا يسكنه أحد في انتظار طال لصاحبه الذي كان يأتي كل عام مدة لا تزيد على الأسبوعين.. ويحصل من آمال وهويدا إيجار أشهر الصيف، أما بقية أشهر السنة فقد كانتا ترسلانه مناصفة في حساب جارٍ باسم الدكتور الذي كان مرتاحاً لسكناهما؛ بعد أن أوضحتا له أنهما تعملان مضيفتين في فندق كبير، فأبدى سعادته لأنهما بمفردهما، ولن يكون هناك سوء استعمال للمكان! وصلت إلى المكان بسهولة.. صعدت إلى الدور الثاني.. كان الظلام مخيماً فلم أستطع أن أعرف مكان الجرس، وبعد أن تعودت عيناي على الظلمة تحسست المكان حتى تعثرت يدي بالجرس فتعالى صوته خلف الباب.. سمعت صوت هويدا تقول: أوكي أوكي.. هايني جايي.. غمر الضوء السلم، وعندما فتح الباب أخذتني بالأحضان، لأجد نفسي في صالة مبهجة واسعة مرتبة نظيفة، تلهو فيها الألوان الزاهية ذات الأثاث العصري البسيط. كانت هويدا رائعة جميلة، ينساب قميص نومها الأحمر الدموي الشفاف على جسد لا يوجد به أي خطأ.. كانت تلك أول مرة أراها بهذا الشكل المثير، ولأول مرة أُصاب بارتعاشة إيروسية وأنا منذهل من حسنها.. أخذتني من يدي لغرفة نومها حتى تريني إياها! كانت الغرفة قد كسيت جدرانها بورق حائط بدرجاته من الأحمر البركاني حتى آخر درجاته الباردة الوردية.. وقالت: كل هيدا من حبيب ألبي "أنطون". - أنطون فقط أم هناك غيره؟ - أنا هلأ مع أنطون وبس.. وهو حبيبي ليفرجها الله.. - ما راح تتزوجوا!؟ فرقعت ضحكة مبهجة كزقزقة العصافير وقالت: - ما بأدر على واحد وبس، أنا بحب التغيير، وبعدين ما انت شايف مشاكل المتزوجين، وكل اللي بييجوا عنا أكثرهم متزوجين.. حبيبي شو الفايده من الزواج في عالمنا إلا الغش والخداع؟! - الزواج ضرورة إنسانية واجتماعية.. ويحافظ على نقاء الأنساب والعروق. - خيي اتركك من هيدا الحديث.. شو تشرب قبل العشا. - شكرا لا شي الآن.. وخلينا نستني لما الست "آمال" تيجي.. - آمال بدها تيجي متأخره شوي، وأنا هلأ بده يمر علي أنطون.. أنت بدك تتصرف بالبيت كأنه إلك، وفي الصالة شرايط فيديو كتيرة.. كلها أفلام ومسرحيات بتعأّد.. وكمان فيه أفلام ثآفيِّه إذا بدك تشوفا.. رن جرس الباب بشدة، دخل رجل في العقد الرابع شديد استدارة الوجه، حدقتا عينيه شديدتا السواد، مع حاجبين بهيين، وفم صغير يغفو فوق شفته العليا شارب منمق استكان بترتيب، طويل أنيق في ملبسه.. عندما رآني سأل هويدا: من هيدي الحلوه؟! - هيدا نداء صديئنا.. قبل أن أمد له يدي بالسلام قلت: أهلاً بك سيد أنطون.. - دخيل اللي خلأك حبيبي على ها الخلأه شو حلوه، وها الصوت الخشن! إنتي بنت مسترجلة ولا شو بالزبط.. - لا هادا ولا هاد.. أنا هيك وهيك.. - هويدا صرعتيني , شو هيدا.. أخذته من يده على غرفتها وقالت: نداء: انبسط وشوف الأشرطة.. وإذا جعت الأكل في البراد.. كل اللي بدك اياه.. اختفت هويدا وأنطون لساعة داخل غرفة نومها، وقضيت الوقت في مشاهدة مدرسة المشاغبين، في انتظار عودة آمال لأسلمها الأشياء التي طلبتها، بكيت من شدة الضحك على المسرحية، وكأني بضحكي الباكي تذكرت نفسي فبكيت ضاحكاً على حالي مدركاً أن ارتعاشة الرجل فيّ لم تهمد، كما أن شوق الأنثى لرجل طغى على إحساسي بالوحدة والصمت.. وأنا على تلك الحال خرج أنطون من الغرفة بسرواله الداخلي، متجهاً نحو المطبخ لإحضار ماء، وفي طريق عودته وقع نظره علي وقد لاحظ احمرار عيني وآثار البكاء. نادى هويدا: حبيبتي: صاحبك عم يبكي، تعي لهون شوفي شو ماله.. جاءت هويدا سريعاً، وكانت منكوشة الشعر محاولة تهذيبه بيدها، وقد لمع بياض نهديها كالبرق، من خلال قميصها الممزق، وهي تحاول لملمته. احتضنت رأسي وأخفته في صدرها النافر العامر، قائلة: ما بدي أشوف دموعك أبداً. وقال أنطون: خليكي معه يا هويدا.. أنا فايت آخد دوش وبرجعلكم. - أنا آسف سيد أنطون.. خدوا راحتكم.. أنا سأغادر الحين.. - علي الطلاء ما انت رايح مكان.. إلا لما تتعشي معنا.. مسحت هويدا وجهي وقبلتني قبلة حانية، شعرت للحظات وكأنها من أمي.. قالت: خليك حبيبي هون.. بيكفي بكا.. إن شالله بتنحل. برجعلك بعد دّآيئ. دخلت الحمام وأغلقت الباب خلفها، سمعت صوت المياه تنساب فوق جسديهما، وصوت تأوهاتهما التي كانت هادئة في البداية ثم ما لبثت أن تسارعت، وعلت نبرتها حتى سكتا فجأة، وعادت المياه لتنساب مرة أخرى.. تخيلت جسد هويدا الندي الأملس، وحلمتي صدرها اللتين شعرت بهما عندما احتضنتي، كبرعمي زهريتين غافيتين تفتحتا على يد أنطون.. خرج أنطون في البداية وهو عار تماماً، وعندما رآني غمز لي بعينيه، ودلف إلى الغرفة، بعده خرجت هويدا أيضاً عارية، وقد كشفت عن جسد كجسد آلهة الجمال الإغريقي. عاد أنطون من الغرفة مرتدياً ملابسه كاملة، وقد زهت علامات الارتواء جلية فوق وجهه الوسيم وقال: أوعك تزعل حالك.. أنت أشرف بكثير من الأوساخ المعبيين عالمنا الآن.. وأحسن من أولاد الكلب اللي بيستعملوهم.. حالتك حبيبي ابتلاء من عند الله وان شالله بتشفى! وقبل أن تحضر هويدا مد يده وأخرج رزمة من الدولارات وقال: هيدي هديه مش من قيمتك يا نداء.. بهت، ورفضت رفضاً قاطعاً، حتى جاءت هويدا بحسنها ودلالها، ومالت على مرة أخرى لتطبع قبلة حانية فوق خدي قائلة: أوعك ترفض الهديه، فالسيد أنطون حبك كتير بعد ما حكيت له حكايتك.. تناولنا العشاء ونحن نتحدث عن حالتي، فأبدى أنطون رغبة في مساعدتي في تكاليف العملية.. وعندما استأذن ليغادر التقى بآمال ساعة دخولها البيت فبادرته بالسؤال: - على فين العزم؟ ما لسه بدري يا أنطون.. - بيكفي.. أنا صارلي زمان هون.. - لأ يا حبيبي قول الكلام ده لهويدا العبيطة.. إنت مش قادر تتأخر على الداخلية لا تنيّل عيشتك.. ضحك أنطون عالياً وقال لها: بوعدك المره الجاية أنام بيناتكن. كانت الساعة الثانية صباحاً.. وكانت آثار الإجهاد بادية على آمال.. قبلتني وقالت: إزيك يا واد يا نداء؟ وحشتني.. جبت الحاجه معاك.. - طبعا هو أنا اقدر أرفض لك طلب؟! ضحكت وهي تعلم أنني أقلدها وقالت: - طيب يا فالح حطهم عندك.. بص النهارده وقعت على زبون سُؤْع.. انهبل لما شافني برقص.. واتفقت معاه، وحييجي بعد شويه اسمه حمد، مش عارفه من أي مصيبه.. لكنه باين عليه خليجي . قالت هويدا: أنا تعبانه كتير.. وبدي ادخل نام. - طبعاً يا أختي.. ما هو بيهد حيلك كل ما ييجي، بس ربك والحق راجل طيب، بيدفع اللي عليه وزياده.. يكفي انه مخليكي له بس، وما بتنزليش الصاله بعد وصلتك.. روحي انخمدي يا أختي.. أنا حستنى حمد.. باين عليه محترم وابن ناس.. واياكْش يكون آخر المطاف.. واقدر أشنكله واتجوزه. - يارب يحقق أمانيك يا ست آمال.. - يخليك يا قمر.. ويصلح حالك.. ويا تبقي زينا يا زيهم.. حاولت أن أستأذن بعد أن سلمتها ما طلبت ولكنها قالت: - لأ ما فيش مرواح دلوقت.. الراجل جي، يعني اقعد معاه لوحدي!؟ وفرقعت ضحكة لاهية.. إياك تمشي.. أنا حستحمى واطلعلك.. جلست في انتظارها بمفردي بعد أن غادرتنا هويدا لتنام.. خرجت طازجة من الحمام، تفوح رائحة الياسمين من جسدها، وقد ارتدت قميصاً بلون العاج، أظهر كل مفاتنها دون حياء، وبادرتني بالسؤال: - إلا واد يا نداء منفسكش في راجل؟! - طيب ما أنا راجل.. - يا واد اطلع من دول.. وفجأة قفزت فوقي، وأمسكت بصدري، وقرصتني قرصة آلمتني قائلة: أمال ده بيعمل إيه هنا.. جذبتني من يدي، وأدخلتني غرفتها التي اختلط فيها الأزرق بالأخضر وقالت: - دي غرفة العمليات يا واد، تعالى أنا دلوقت حخليك طلقة.. استكانت الأنثى داخلي لها تماماً.. أجلستني أمام التسريحة، ورفعت شعري وأغلقته.. وحاولت أن تنزع شعر حاجبي، وهي تقول: - حواجبك جميله بس حاخد شوية شعر بسيط منها.. عشان تبقي مترتبة.. - لأ دخيلك ابعدي عن حواجبي.. عشان الناس.. - يلعن أبو الناس المهم إنت عاوز إيه.. بدأت في نزع الشعر غير مبالية بتوسلاتي.. استسلمت للمساتها الدافئة فوق وجهي، فأغمضت عيني حتى قالت: إفتح يا سمسم.. نظرت لنفسي غير مصدق؛ فالكحل فوق عيني، والأحمر الناري على شفتي، ليظهر اتساق وبياض أسناني، وشعري الغجري القصير، وصوت آمال يلعلع وهي تنظر لي: - يخرب عألك يا نداء. إيه الجمال ده، والله العظيم إنت أجمل واحدة شفتها في حياتي.. دا أنت يا واد أحلي مني.. تركتني منذهلاً أمام المرآة، وفتحت خزانتها، وتناولت فستاناً ورديّاً طويلاً مفتوح الصدر، رصع بشتى ألوان الحجارة اللامعة، وقالت: يلا البس ده.. خلينا النهارده نعمل خدعه لسي حمد.. اللي جاي وسانن سنانه.. ظللت مندهشاً من نفسي، ومن جمال خلقتي، وهمست: رحمك الله يا أبي.. كيف لم تدرك بأنني أنثى؟! رمت آمال الفستان على السرير.. وجاءتني مستغلة صمتي واندهاشي.. وفكت أزرار قميصي وأنا مستسلم لها تماماً، نفر صدري أمامها فلمسته بيدها الناعمة.. وصرخت وضحكتها تملأ المنزل: - آل راجل آل.. إِئْلع يا واد البنطلون.. خلعت البنطلون وكأني منوم مغناطيسيّاً.. وتناولت منها الفستان وارتديته.. وقفت مسحورة أمامي وهي تردد: يخرب بيت عألك يا نداء، يا نهار اسود لو حد من المخابيل الرجالة شافك كده.. ليقطعك من جمالك.. تناولت قرطاً ماسيّاً، ووضعته في أذني، وعقدا من اللؤلؤ، نثرته فوق رقبتي الملساء.. قبلتني مرة أخرى، وحضنتني، فاخترقني دفء ونعومة نهدها الذي لامسني بانسجام وهدوء. الغريب في الأمر أن جسدي كان ساكناً لا يتحرك.. حتى نبضاتي أظنها قد توقفت من الدهشة والصدمة. ابتعدت قليلاً.. وراحت تدقق النظر إلى.. وتنهدت وقالت: - ربنا يسامح اللي كان السبب.. دا انت ألف في الميه بنت.. ونحن على تلك الحال رن جرس الباب، قبل أن تتجه لفتحه قالت لي: - خليك زي ما انت لحد ما أناديلك.. جلست ساكناً أمام المرآة أتعجب من جمالي الفائق، حتى سمعت صوتها يناديني.. خرجت إليها فوجدت برفقتها رجل أسمر تدل ملامحه على الرجولة، عيناه تدوران بعدم ثقة، ولسان حاله يقول: هذا كمين أم ماذا؟ عرفته آمال بي وقالت عني إني صديقتها المفضلة نداء.. - ماشاللا عليها.. وايد حلوه صديقتش.. - شو اسمك؟ حاولت ترقيق صوتي وقلت وأنا أمد له يدي مصافحاً: - نداء.. بلع ريقه وقال: اليوم سهرتنا صباحي.. - اسمحي لي يا آمال.. سأمشي الآن.. - ما فيش مرواح انتي حتباتي النهارده عندي، وبعدين مش عاوزه تشوفي وصلة الرأص بتاعتي؟! - هادا هو الشغل العدل.. أبي بدله تريكيواز.. كان يحاول تقليد عادل إمام في شاهد ما شافش حاجه.. وهو يضحك من نفسه.. - من عنيا يا حموتّي.. بس تريكيواز؟! دانت تأمر.. حخليك تغرق النهارده في بحر التريكواز.. اختفت آمال لتغير ملابسها.. وعندما جاء حمد كان يرافقه شخص مستكين تبدو عليه علامات الذلة والمسكنة، حمل زجاجتين من الخمر، وعدة لفات ورقية فاحت منها رائحة البحر والأسماك.. وبعد أن رتب الأشياء على طاولة السفرة انحني باحترام لحمد وقال: سأنتظر أسفل العمارة.. تحرك حمد في المنزل وكأنه يعرفه منذ زمن بعيد، وأحضر الأكواب والثلج من الثلاجة أثناء غياب آمال.. صب لنفسه كأس ويسكي، وصب آخر لي ومد يده: - خذي يا جميلة اشربي - آسفة.. لا أشرب سيد حمد.. كان قد عب الكأس الأول جرعة واحدة، وصب الثاني وهو جالس بجانبي وقد رفع حاجبيه تعجباً من رفضي مشاركته الشرب وقال: كيف تعيشين دون أن تجربي التحليق في سموات النشوة.. تجوبين العالم على صهوة جواد وانت في مكانك لا تبرحينه.. - الله الله.. إنت شاعر سيد حمد! أطلقت الخمر لسانه، وأعجبه مديحي له فقال: - ورب الهوى المتألق البشرة، بذراعيه الناعمتين، يحوط قرني باخوس، معانقاً فتتطاير قطرات تلمس الصدور، وتنفذ إلى القلوب وكأنها سهامه.. - هل تعلم من قائل هذه الكلمات سيد حمد؟! - إش دعوة؟ أنا في مدرسه؟! أنا أحفظ كل الأشعار التي قيلت في الخمر يا ندوه.. بدءاً من الخيام مرورا بأوفيد معلم أصول الهوى وانتهاء بعمنا أبو نواس. - طيب أكملّك اللي قاله كمان: النبيذ يهب الشجاعة.. ويؤجج في الرجال لواعج العاطفة المشبوبة.. ينتحر الهم غريقاً في بحر من خمر.. ويطل الضحك.. حتى المعدم منا تشرق روحه.. ينبض فرحاً.. التفت إلى حمد.. ومد يده، ووضعها على يدي وهو يقول: - ما أصدق.. أشوف كل الحريم تافهة وسطحيات.. ما شاالله عليش جومر "قمر" وبعد تقولين الشعر؟! - أحفظ الشعر فقط ما أقوله.. بس مش كل الحريم متل ما قلت يا سيد حمد.. - علامك والسيد حمد.. أنا حمد يا طاغيه.. فهمت منه أنه رجل عسكري.. ويهوى الشعر بكل أنواعه.. تزوج اثنتين ولكنه غير سعيد بسبب مسؤولياته الكثيرة، ومحاولة كل واحدة منهما تحاول جذبه إليها وإلى أبنائها منه على حساب الأخرى، جاء للالتحاق بدورة عسكرية لم يفصح عن ماهيتها، وحتى يرتاح قليلاً من المشاكل رفض اصطحاب أي واحدة منهن.. خرجت آمال من غرفتها آسرة ساحرة تتوهج كنار في بدلتها التركوازية.. على أنغام موسيقي إنت عمري أبدعت.. واهتز طرباً عمنا حمد، فقام يشاركها رقصها، ويمسك بها في مناطق (ممنوع الاقتراب) منها، وأخذ يرمي عليها نقوداً كثيرة وهي تضحك، وقد اطمأنت إلى أنها سلبت لبه. عندما كان يشعر بالتعب، ويعجز عن مجاراتها في الحركة يعود ليجلس بجانبي محاولاً الالتصاق بي وهو يهمس: - عطيني رقم تليفونك؟ - ما عندي تليفون.. - ما عليكي.. أنا بجيبلك واحد.. - هاك رقم تليفوني اتصلي علي.. دس ورقة صغيرة في يدي.. كانت آمال غارقة في وصلتها تغمز لي كلما رأت عينيه تتجولان فوق جسدي وصدري على الأخص.. لأول مرة أشعر بنظرة إعجاب أحادية، فقد كاد حمد أن يلتهمني بعينيه.. أرضت نظراته غرور الأنثى داخلي.. بعد خمس وأربعين دقيقة أنهت آمال وصلتها البديعة، وذهبت لتبديل ثيابها. نظر حمد نحوي نظرة ملتاعة، وهجم على محاولاً تقبيلي من فمي، وهو يلهث ويردد - ورائحة الخمر تفوح من أنفاسه -: إنتي وايد حلوه نداء..تيننين "تجننين"! أزحته عني وقمت من جانبه.. خرجت آمال بقميص نوم فضي، وكأنها نجمة سقطت من السماء، مفصلاً تقاسيم جسدها العربي الممتلئ بلطف، تفوح منها روائح مبهجة أثارت قابلية حمد لتقبيلها بعنف أمامي. قالت آمال : تعالي يا نداء.. ساعديني في تحضير الترابيزه عشان نتعشي.. - تفضلو أنتم لأني اتعشيت مع هويدا. - أوكي إحنا حنتعشي.. وانتي خشي نامي في أودة الضيوف.. قال حمد: أبي أنام الأول وبعدين أتعشي.. قبل أن يدلف إلى غرفة النوم قال: اسمحيلي نداء.. أنا بتأسف. لا تزعليين مني.. أبي أشوفك باشر "باكر" إذا أمكن.. اتصلي علي.. أخرج من جيبه حافظة أثقلت بالنقود.. وفتحها.. وتناول منها أوراقاً مالية كثيرة وقال: هاك اشتري لتش "لك" أي شي.. وترك النقود على الطاولة بجانبي.. أدار ظهره بسرعة.. واختفى في غرفة نوم آمال.. أما هي فقد جاءت لتقول: أيوه يا عم.. عملت شغل الله ينور من غير ما تعمل أي حاجة.. مش قلت لك الرجاله دول مهاويس.. - بس أنا بديش أخدهم.. - ياخد عدوينك يا رب.. هو انت سرقتهم؟ دول جولك من عند ربنا يا مدهول! - طيب ناوليني ملابسي من عندك.. - أنا حطتهم في أودة الضيوف، نام هنا لحد الصبح.. الوقت اتأخر.. وفاضل ساعات قليلة على الصباح.. - ضروري أروح منشان أغير ملابسي.. واستحم.. وأروح الجامعة.. - شوف يا حبيبي: البيت بيتك.. خش خد حمام، وغير لبسك، وافطر.. وإذا حبيت ترُوح حتلائي اللي ما يتسمى سواق حمد تحت في العربية.. خليه يوصلك مطرح ما انت عايز؛ لأن البيه حيقعد للضهر عندي.. - وإمتى حترتاحي وتنامي.. - آه وألف آه.. هو فيه راحة إلا في الموت يا ألبي.. خليها على الله.. يا عالم إذا كان كمان في الموت راحة ولا لأ.. يا رب سامحني.. إيه يا نداء: هو أنا ناقصاك؟ طيرت النيلة اللي شربتها من نافوخي، روُح يا عمرو يا خالد قبل ما أتوب يا خويا.. - ربنا يتوب عليك من هالشغلانه الزفت.. ويهديكي بصحيح.. - طيب ادعيلي اطبّأ عمك حمد.. وأكون الزوجة نمرة تلاته.. ووحياتك لأمشي على العجين ما الخبطه أبداً بعد كده.. - ياستي ربنا يديكي على قدّ نيتك إنتي وهويدا.. - يلا اسحب يا عين أمك.. وحشوفك في المحل.. ومتنساش تروح مع السواق. - معقول الغلبان حيستني حمد في السياره لحد الظهر؟! شو هاي "عبودية" ليش ما يروح وبعدين يجيله لما يخلص معك؟! - وانت مال أهلك يا واد؟! هو راضي.. هو فين حيلاقي واحد في كرم عمك حمد بيقبضه آخر النهار مبلغ وقدره؟! احتضنتي فجأة وقبلتني قبلتين وقالت: يلا اخلع.. أشوفك بعدين.. على أبواب الفجر... بعد أن غسلت وجهي حتى أمحو آثار المكياج وأبدلت ملابسي خرجت على أبواب الفجر.. لفحتني هبات من الهواء البارد.. وبدا قليل من النور يتسرب من كتل الغيوم المتراصة بعناية لتغطي وجه السماء.. وجدت سيارة حمد المرسيدس تنتظر أمام العمارة.. أيقظت السائق الذي كان يغط في نوم غير مريح على الكرسي، وطلبت منه توصيلي حسب أوامر السيد حمد.. حملني بكل أدب وبدون أي كلمة.. في الطريق أخرجت المبلغ الذي أعطاني إياه السيد أنطون والسيد حمد لأفاجأ بألفين ومائتي دولار أمريكي وسبعمائة دينار أردني! بهت؛ فتلك أول مرة أمسك بمثل هذا المبلغ في يدي.. وتعجبت من سخاء بعض الرجال وهوسهم بنساء غير زوجاتهم، واستعدادهم لصرف كل ما يملكون من أجلهن؛ دون أن تربطهم بهن أحياناً أي مشاعر سوى ارتعاشة لا تدوم.. وهل هناك ضرورة لسن قانون يمنع الخلل الذي يعاني منه الرجل، واتباعه أهواءه أينما ذهب؟ وخاصة أنه يستظل بعباءة نظام الزواج الذي من المفروض أن يكون مقدساً! إيه.. دنيا عجيبة.. صعب فيها تطويع النفس ورضاها بالمقسوم.. أغمضت عيني أثناء صعود السيارة الطريق الجبلي المتعرج، وقد فتحت عصا سحرية الخزانة الخاصة لكل حكايات هويدا وآمال، وانسال الوجع إلى وجداني وأنا أتأمل طريق الآلام التي مضيا خلالها، وأوصلتهما لما وصلتا إليه: آمال طفلة التسع سنوات، التي انتزعت من أحضان أمها، ومن المدرسة، لتعمل خادمة في شقة عائلة خليجية في القاهرة.. استعبدت طوال خمس سنوات لم تكن ترى إخوتها أو أمها سوى ساعات قليلة كل عام، أما والدها القاسي فقد كان يأتي ليحصل أجرتها الشهرية دون أن تراه أحياناً.. كانت جميلة، وجسدها جسد امرأة صغيرة، رغم الأربعة عشر ربيعاً.. ذات يوم رآها رجل في الستين من عمره كان في زيارة العائلة التي تعمل عندهم.. وقع في حب جسدها الفائر، عرض على والدها الزواج منها، ودفع له الكثير بمقياس أبيها الفقير والقليل جداً بمقياسه.. وافق الأب الجشع، واستخرج لها شهادة ميلاد مزورة لتصبح بموجبها بنت سبعة عشر عاماً، وتم الزواج دون أن تدري؛ رغم معارضة أمها وبكائها وتوسلاتها الكثيرة، وآمالها في أن تراها عروساً لشخص يلائمها.. تم شحنها مع زوجها المتصابي العجوز إلى الخليج، شرط ألا يقترب منها إلا حين بلوغها السادسة عشرة.. في الطائرة حذرها العجوز من أن تنطق بأي شيء عن كونها زوجته.. في منزله الكبير الذي ضم ثلاث زوجات وواحداً وعشرين بنتاً وولداً من كل الأعمار.. أراد استرضاء زوجته الأولى التي ليس لها أولاد، فقال لها: لقد أتيت لك بفتاة صغيرة وقوية لتبقى بجانبك ليل نهار.. وكانت تلك السيدة الطيبة تحظى بمنزلة عالية بين زوجتيه، ويحترمها الأولاد والبنات وينادونها "أمي العُودة".. عندما رأتها أول مرة قالت لزوجها: أنت جايب النار جنب الحطب؟ إنها صغيرة وجميلة، وأخاف عليها من الأولاد.. ضحك الزوج العجوز الكاذب وقال لها: إن الأولاد تربيتك، وهم يخافون ربهم، ثم إنك عندما تنتهين منها لن تنام مع الخدم خارج المنزل، بل ستسكن الغرفة التي فوق السطح، والمتصلة بجرس في غرفتك لاستدعائها أي وقت تريدين.. سعدت الزوجة الحنون التي كانت تعاملها كابنة لها، فأحبتها آمال، وجعلتها ملجأ لها وقت الضيق، تبكي على صدرها، وتسمعها تردد: - سود الله وجه أبوك يا آمال.. كم هو قاس وشرير.. كانت آمال لا تخرج إلا معها وبأمرها، وفي نهاية اليوم تصعد إلى غرفتها فوق سطح المنزل مهدودة، تخاف وحدتها وغربتها؛ رغم طيب تلك السيدة الحنون، وتنزل في الصباح الباكر فتذهب إلى المطبخ الخارجي، وتتناول من الطباخ إفطار سيدتها، وتحظى هي بكوب من الشاي بالحليب وقطعة من الخبز المدهون بالجبن حسب طلبها، وتنتظر في غرفتها حتى تستدعيها سيدتها بجرس منها.. ذات يوم صحت آمال من نومها مذعورة على صوت طرق على الباب.. قامت من نومها: - مين بيخبط؟ - افتحي. ميزت صوت سيدها، فلملمت نفسها وفتحت بسرعة، وهي متعجبة من زيارته الليلية.. دخل بسرعة وأغلق الباب وقال: كيفك آمال؟ - الحمد لله يا سيدي.. - ما تجولين سيدي.. أنا زوجك يا آمال.. لم تكن تستوعب معنى الكلمة إلا بعد أن همس لها: - ادخلي الحمام وتسبحي ، البسي هذا.. كان في يده قميص شفاف لونه سماوي فاتح، له روب من الدانتيل.. - ولكن يا سيدي.... - ما ابغي كلام.. يلا روحي تسبحي .. ابتعدت عنه باكية وهي تردد: الست لو شافتك هنا يا سيدي حتدبحني.. - أنا صاحب البيت هنى .. وأجولش أنا زوجك.. خرجت من الحمام وشعرها الطويل المنسدل مبلل.. غفا القميص السماوي فوق جسدها الندي الأملس، ووقفت في زاوية الغرفة خجلى من عري لم تعتده.. نظر إليها العجوز باشتهاء وقال لها: ما أروعك.. وايد جميله يا آمال.. تعالي. نظرت إليه بخوف، ولأول مرة تراه عارياً، والشهوة تطل من عينيه. اقترب منها ودفعها إلى السرير.. هجم عليها بقسوة.. لم يرحمها.. شرب من عذابها ووجعها مرة واثنتين وثلاثاً حتى ارتوى وتركها خلفه تنزف حتى الصباح، وعندما استدعتها سيدتها لم ترد.. صعدت إليها لتجدها عائمة في بركة من الدماء، صرخت صرخة عالية، صعدت على أثرها الزوجتان الصغيرتان وبناتهن وأولادهن. - اتصلن بالإسعاف.. |
2011- 9- 18 | #10 |
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
فتحت عينيها لتجد سيدتها معها في الغرفة تمسك بيدها، وهي تقول: لا بارك الله في الفياجرا وفيك يا مبارك.. هذت آمال تحت تأثير البنج بما حدث لها على يد زوجها مبارك.. كان شرط السيدة حتى ترضى أن يطلق مبارك آمال ويرجعها إلى أهلها، لم تصدق آمال أنها عائدة إلى وطنها، وفرحت كثيراً.. ولكنها قررت ألا تعود لأهلها.. حاولت أن تعمل في أي مجال آخر غير خدمة البيوت.. التقطتها يد محتال آثم أوهمها بالمجد والزواج، وقدمها لترقص في ملهى صديق له، ومن يومها أصبحت تنتقل من يد ليد، حتى حطت بها الرحال في الأردن مع زوجها المحتال الذي نهب كل ما وفرته من مال ومصاغ وتركها وهرب.. رفعت قضية طلاق من زوجها الفار.. وما تزال القضية معلقة لحين حضور الزوج! عملت راقصة في ملهى ليلي.. وما تزال حتى الآن تنتقم من كل الرجال، في شخص مبارك العجوز، ووالدها الجشع، وزوجها المحتال.. أما هويدا التي اضطرت للعيش مع عمتها بعد موت والديها على أثر انفجار قنبلة في الباص الذي كان يقلهما إلى بيروت لشراء بعض الحاجيات الضرورية، وقد تركا هويدا يومها حتى لا تغيب عن مدرستها عند الجيران، كانت إذ ذاك في العاشرة من عمرها، تدرس في الصف الخامس الابتدائي، في جنوب لبنان بمنطقة تسمى "علما" عندما ذهبت إلى عمتها التي كانت تقيم في قرية صغيرة لا تبعد كثيراً عن قريتها الجميلة وأهلها الطيبين في منطقة "دير ميماس" حيث عاشت هناك بمفردها؛ لأنها كانت قبيحة الشكل واللسان، وكل من حولها كان يشكو سوء خلقها.. كانت تعيش على بيع بعض الأشغال اليدوية التي تقوم بصناعتها.. كثيرة التأفف.. ولا يرضيها أي شيء في الحياة التي ملأتها حنقاً على كل البشر.. ولعدم وجود أقارب آخرين يقومون على رعاية هويدا اضطرت أن تقوم بتلك المهمة الصعبة عليها.. انصب كل تفكيرها على أن تهب هويدا للكنيسة، لتصبح راهبة، وتخفف من الإنفاق عليها، خاصة أنها منعتها من الذهاب إلى المدرسة، واعتمدت عليها في عمل كل شيء في المنزل؛ حتى تعمل بأكلتها كما كانت تقول لها، ويا ويلها لو أنها رفضت أن تذهب معها إلى الكنيسة لأداء الصلوات.. ولكن كان لهويدا رأي آخر، حيث وقعت في حب ابن الجيران بسام، الدرزي الذي أيقظ فيها حس المرأة، برسائله الملتهبة.. هربت معه إلى بيروت حيث يعمل، وكانت إذ ذاك قد أتمت السابعة عشرة من سنوات الشظف والقسوة والقهر مع عمتها.. وهناك تزوجا - بعيداً عن أهله وعمتها - زواجاً مدنيّاً.. ذاقت هويدا الحب، ونهلت منه صغيرة على يد زوجها وحبيبها الرائع الحنون.. مضت سنتان على زواجها، ولم تعرف عن عمتها أية أخبار.. ولم تحاول أن تعرف.. أما بسام فلم يقطع عادته في الذهاب إلى أهله أسبوعيّاً؛ على الرغم من عدم استقبالهم له، وإصرارهم على طلب واحد - إذا أراد صلحاً معهم - أن يطلقها ويعود إليهم، ولكن أبداً لم يكن يفكر سوى في إسعادها.. لم يكن ينغص عليهما إلا تأخر الحمل؛ حتى كان اليوم الذي ذهبت إلى الطبيب الذي أخبرها بحملها بعد إجراء الفحص لها.. لم تصدق يومها أنها حامل، فأسرعت بالعودة من عند الطبيب، وأيقظت بساماً بقبلة طويلة، وأخبرته بالبشارة.. من فرحته حملها ودار بها في شقتهما الصغيرة، ولم ينزلها حتى تعب.. لم تمر أيام على فرحتهما حتى استقبلت خبر موته برصاص قناص، أثناء تراشق النار بين فصيلين، وهو عائد من عمله في مطبعة لإحدى الجرائد الشهيرة ببيروت.. رفض أهل بسام استلام جثمانه لدفنه هناك، فدفن بمساعدة زملائه في المطبعة، في مقابر الصدقة.. وبعد الانتهاء من كل الأمور المتعلقة بدفن بسام عادت إلى عمتها التي رفضت أن تستقبلها مثل أهل بسام أيضاً على الرغم من معرفتهم بأنها حامل، فاضطرت أن تعود إلى بيروت بحثاً عن عمل.. وجدت نفسها وحيدة وغريبة، بقلب جزع، وحيرة لا حدود لها؛ فقد كان بسام هو كل حياتها، لا تعرف أحداً غيره وصديقه فيصل المسلم السني الذي كان يزوره أحياناً، ويعمل معه في المطبعة نفسها.. اتصلت بفيصل، وطلبت منه أن يؤمن لها عملاً، فسألها: أين ستقيم؟ فقالت إنها لا تزال في شقتها، ولكنها ستنتقل منها قريباً.. خلال وقت قصير كان أمام باب الشقة يجمع حاجياتها، واستضافها في بيته القريب. كان فيصل يعمل في المطابع مثل بسام رحمه الله، يغيب عنها طوال الليل، ويأتيها في النهار بعد أن تكون قد انتبهت من نومها، فتعد له طعام الإفطار، فيشكرها ويدخل لينام حتى العصر، ليصحو منتعشاً منتصباً أمامها بقامته الفارعة، ووجهه الوسيم، محاولاً إضحاكها وتسليتها بشتى الوسائل، دون أن يأتي على ذكر صديقه.. وكثيراً ما كان يسألها في مرح: - تري ماذا أعد لنا الشيف على الغذاء؟ - كل اللي بدك اياه.. - كيف البيبي اليوم؟ - الحمد لله.. ما لاقيتلي شغل يا فيصل؟ أنا عم تَئِّل عليك.. - شو هيدا الكلام اللي بيزعل؟! هيدا البيت بيتك أولاً.. وأنا كلي تحت أمرك.. وإن شاء الله تجيبي لنا بسام الصغير.. وبعدها يحلها ألف حلال.. طفرت دموعها، وقد تذكرت ما هي فيه.. اقترب منها فيصل، وربت على يدها برفق قائلاً: أنا آسف هويدا.. ما كان قصدي. مسحت دموعها وهمست: ولا يهمك فيصل.. الله كريم.. تناولا الغذاء دون كلام، وشربا القهوة، واستأذن فيصل ليخرج إلى العمل، وقال لها: لا تنسي تسكري الباب منيح من جوه.. ولا تفتحي لحدا.. تلك كانت توصيته اليومية لها، ثم يغادرها بعد أن يترك لها بعض النقود، حتى إذا احتاجت شيئا تستطيع أن تشتريه.. كان منزل فيصل الصغير في منطقة مزدحمة بالأسواق والمقاهي التي كانت تغلق أبوابها مبكراً؛ خوفاً من اشتعال فتيل القتال بين الفصائل المختلفة في أي وقت، ودون سابق إنذار.. وكانت تستطيع أن تطلب أي شيء من الناطور الذي تعامل معها برفق شديد، وكأنها ابنته؛ شاكراً السيد فيصل على حسن أخلاقه.. كانت تتسلي وقت غياب فيصل بتنظيف البيت، وإعداد الطعام، ومن ثم ترخي العنان لدموعها الساخنة، وهي تسترجع قراءة قصاقيص الورق التي كان بسام المثقف الغارق في أوجاع الوطن الممزق يرسلها لها، عندما كان يأتي لزيارة أهله، مبدياً فيها ولعه بها وبحبها، وأحياناً كانت تستعصي عليها كلماته الفصحى الحانية فتنتظر حتى يأتي ليفسرها لها.. تنساب الذكريات أمامها، وهي تمسك بالرسائل المختصرة القصيرة، النافذة كسهم والتي كان يعطرها بأنفاسه قبل أن يبعثها لها، تفتحها على مهل، وتمسك برسالته الأولى التي توالت بعدها الرسائل من طرفه فقط؛ لأنها كانت تقول له دوماً: بحر كلماتك الجميل يغرقني، وأخشى أن أرد عليك فتهرب مني.. تتذكر كيف كان يحتضنها بجانب النبع - مكان لقائهما - وهو يردد: سأعد عشر رسائل فقط؛ وإن لم تتزوجيني بعدها راحت عليكي.. وبالفعل قد تزوجا بعد رسالته العاشرة لها! تتصفح الرسائل بترتيبها رسالة رسالة.. وتستغرق مع سحر المشاعر: الرسالة الأولى: أميرتي الجميلة: المسافة بين الزمن المحال واللحظة الممكنة هي المسافة نفسها بين نبضك الساحر وقلبك الشفاف.. بين العين وحدود الرؤية؛ فإلى متى ستظل قارورة عطرك الأثير وجسدك الكريستالي يشاكس شبكة الصياد؟! أسيرة الزمن المحال: لقد وقعت أسيرك وانتهيت؛ فهل من يد تمسح عن وجهي سطوة الاختلاف؟! الرسالة الثانية: حبيبتي هويدا: لماذا تبخلين علي؟ هل يجب أن تكون الأميرات الجميلات بخيلات وقاسيات، وهل كل الهويدات متعبات؟ هل لأن أرض أيامك كفت عن الدوران، بعد مسيرة ربيع السابعة عشرة، وأعطتك من خصبها، وجعلتك نجمة في ليالي؟ ألآن شمسك تضاعف نارها داخلي، ولأنك قادرة على أن تؤدبي الحزن بابتسامة منك، وقادرة على أن تطعمي جسدك الكريستالي بالكبرياء إلى حد التخمة، ولأنك غير قادرة على إيقاف تدفق حبي على أرضك السهلة المنيعة؟! الرسالة الثالثة: مطر عباءتك يدق نافذة روحي! وعطر جسدك يحرضني على أن أعبئ جيوبي بالنجوم، وأترقب طلتك من الشباك لأنثر ما في جيوبي من دراري يسعدها لو أشبهتك.. أفكر فيك.. الرسالة الرابعة: ها أنت تفرضين حصاراً جديداً علي، حصار اختلاف ديانتينا الذي لا يود الاختباء بين الأوراق، كيف يلتقي في أعرافنا درزي ومسيحية؟! دعينا نتوضأ بعبير الإنسانية يا أميرتي.. يا أميرة العطر المشاكس. الرسالة الخامسة: أنا لا أملك إنكار كرمك حبيبتي حتى في امتلائك بالأسئلة، وأشعر بأنها المرة الأولى التي أتذوق فيها قبلة من أميرة معبأة بالأسئلة.. أليس غريباً أن يقتلني العطش، وفي عطر جسدك يكمن الغرق؟ أليس غريباً أن يفرقنا دين ينص على المحبة؟! صباحك وردي الحضور. الرسالة السادسة: دفء يديك تركته يتنزه في أوردة الوجد، فهو وحده القادر على أن يزرع الابتسامة في قلوب البسطاء مثلي، وأن يجعل النشوة تنام مطمئنة فوق أناملي! الرسالة السابعة: أسألك بالله الذي نجله أجمعين: هل هناك فرق بين الوردة والعطر الذي ينسكب منها؟ هل هناك فرق بيني وبينك كوني درزيّاً وكونك مسيحية؟ إننا نخبئ الدين بين الضلوع , وردة تمرح بطفولة , على أرجوحة من نور في حنايا القلب.. الرسالة الثامنة: سأقايضك: امنحيني قبضة من عطرك، ونذراً بأن تكوني لي.. وسأمنحك مسافة من أوردة الوجد، أو حتى إقطاعية من قلب أخضر! سأفخر بأننا قادرون على أن نبني قصراً من الرمال تحت زخات المطر، وأن نبني مدينة من الثلج تحت خط الاستواء؛ لأن بريق عينيك، وسحر ابتسامتك وتفاصيلك المستأثرة بكل الجمال دون نساء الأرض، جرفت البقية الباقية من صمودي الهش أمام جاذبيتك؛ فكيف لا أعرف أن أغرق في حبك وبهائك؟ الرسالة التاسعة: موافقتك أخيراً على الزواج كفيلة بأن تجعلني عاشقاً أبديّاً لتضاريس جسدك وقلبك، وأسير لذة قادمة لا تنتهي؛ لأهديك من قلب قلبي وردة الثريا، تنير عتمة الروح، وحتى نلتقي تكفيني قطرة من عطر يدك، لتصافحني وتنعشني إذا مست جبهتي , وتمنحني نوراً بألف نور؛ لأن في داخلي حنيناً إلى حنان يديك، وشوقاً لعينيك، نافذتي للروح العطشى للارتواء.. الرسالة العاشرة: اليوم موعدنا حبيبتي.. قلبي في انتظارك مساءً، يهدهد أشياءه العطشى إليك.. ويفتفت على وجنتيك تحية: أ ح ب ك.. أ م ي ر ت ي غامت في عيني هويدا الجميلتين الدموع، ونامت محتضنة ذكرى حبيبها.. في الشهر الثامن جاءها المخاض.. أسرع بها فيصل إلى المستشفي حيث وضعت طفلاً ذكراً ولكنه.. ويا للحسرة.. كان ميتاً.. بكته كثيراً وهزتها الأحزان.. وطلبت من فيصل أن تغادر، حتى لا يسيء له ولها الجيران.. أسعدها الله بطلب فيصل ليدها قائلاً إنه كان ينتظر أن تضع حملها.. تعجبت من نفسها وهي توافق على الزواج منه، وكأنها نسيت حبها الكبير لبسام.. عاشت مع فيصل حتى سن السادسة والعشرين حياة هادئة هانئة.. كان جمالها قرة عين فيصل..لم تحمل مرة أخرى فظن أن العيب منه، وبدأ يتابع الأطباء الذين أكدوا أنه لا ولن يستطيع أن يكون له ولد لعيب خلقي غير قابل للعلاج. طلقها طلقة بائنة دون أن تدري، حتى تتزوج وتحيا حياتها كما قال لها.. كان سخيّاً فلم يظلمها، وطلب منها إن هي احتاجت له فسيكون تحت أمرها، حيث سيعود لقريته قرب سهل عكار.. بعد طلاقها من فيصل تقاذفتها الأيام والظروف التعيسة.. مرت بها ظروف تجبر الصخر على الانحناء.. ولأنها لم تكن تملك سوى جمالها فقد تقاذفتها الأيادي القذرة، ورضيت أن يلتهمها الذئاب لقمة سائغة، وذهبت إلى الأردن على يد إحداهن كانت تعمل راقصة هناك، قامت باستخراج جواز سفر لها، وأرسلتها لتعمل في ملهىً ليلي، مضيفة وراقصة - إن احتاج الأمر - ومسلية للزبائن.. هناك التقت بآمال فأصبحتا صديقتين، تتاجران بجسديهما، وتحرقهما الغربة في أتونها، وتلسعهما الحاجة للحياة الكريمة بنارها، دون العثور عليها.. شعر نداء بدموعه حارة تهمي، فبكى نفسه وبكى من أجلهما.. عندما وصل إلى غرفته وجد صديقه جهاداً جالساً في انتظاره أمام الباب، وقد رآه ينزل من السيارة المرسيدس فقال: ولك نداء وين كنت يا عرص.. شو بتشتغل من ورايا.. احتضن نداء صديقه وهو يضحك، وتنفس أريج أرضه من خلاله.. - تعا ادخل هلأ بنحكي.. دخلا الغرفة التي كانت ذات مدخل خاص، بمعزل عن الفيلا الكبيرة وكأنها بنيت من أجل عزلة نداء.. أفرغ جهاد شنطته وهو يقول: - والله حلوة غرفتك يا ملعون.. جبت لك شوية عنب على دين كيفك من بتاح تكفا، وكمان شوية برتقال وفطاير مشكلة وكعك بالتمر ومعمول من الوالدة وسلامات وأشواج من أختك سحر ومن ديفيد ورافاييل وزيدان السوري ومحمد عبد السلام المصري.. - أوكي حط كل إشي على جنب.. واحكيلي شو اللي جابك.. - يخرب ذوقك.. شو ما بدك تشوفني؟ هادا جزائي اللي بدي أطمن على أحوالك؟ على كل أنا ما راح أطول عندك.. - يا غبي بدي اياك تطول.. أنا مشتأجلك كتيير.. - شوف يا سيدي: أنا جاي استشيرك بشغله مهمة.. أنا بدي اتزوج! - مبروك.. ومين المحظوظه إن شا الله؟ - راحيل.. إبنة المعلم رافاييل.. - شو !؟ واو.. آخرتك يهودية يا مصخمط على عينك؟ خلصوا بنات العرب؟ - الحب يا نداء.. أنا كثير بحبها.. وهي حامل كمان.. وأبوي وأمي مش موافجين وبدهم يزوجوني بنت عمي. - وعرفوا إنها حامل؟ - إنت هبيلة ولا هبيله؟ كيف بدي أجولّهم؟ لو عرفوا لطخُّوني.. - وين كنت تشوفها؟ واتأكدت أن الحمل منك يا حمار؟ - آه يا عرص.. أنا حمار؟ ولك ما انخلق لسه اللي يضحك علي، وبالذات في هادي الأمور، اطمئن أنا بالفعل كنت أول واحد.. وأنت عارف هدول ما بيكذبوا، إذا كان قبلك ألف فحيقولولك ما بيهمهم.. بناتنا بس اللي بيكذبوا، بيعملوا عمليات الترقيع طول الوجت، والرجل العربي الحمار المغفل بيصدق إنه الأول والأخير! - لا تحكي عن بناتنا ولا تجمع وحياة أبوك.. ضَلّك يا خويا في إسرائيل، بس لا تجيب سيرة بناتنا.. - ما شاالله.. والله صاير مصلح اجتماعي كمان.. - متى حتتزوجها يا فالح؟ - ما بعرف.. بدها شي ست شهور بس تخلص كليتها.. - راح تسلم ولا بدك تتزوج زواج مدني إنتا التاني؟ ما هي موضه هالأيام.. - وانت حتجول فيها.. هي بالفعل تقرا الآن عن الدين الإسلامي، وجالت لي اتركني كما أنا حتى اقتنع.. وأنا بموت فيها، سواء أسلمت أم لم تسلم.. - حلوه يا جهاد؟ - يا سلام! هادا سؤال تسأله؟ أخوك ما بيوجع غير واجف.. فلقة قمر.. مره بحق الله.. تعطيك حلاوة الدنيا لتتجرعها في لحظة.. في السرير فرس، لا تنتظر المبادرة مني كنسائنا العربيات.. هي تخترقني كل وقت وأي وقت يحلو لها.. صريحة في حبها.. شافتني عند أبوها، ومن يومها واحنا بنشوف بعض في المخزن أو في غرفتي لما يكون محمد عبد السلام في المناوبة، تيجي لعندي، وترجع الفجر منشان يشوفها أبوها قبل ما يروح شغله، وهي تروح على جامعتها.. وازيدك من الشعر بيت: جالت لابوها إنها حامل وبدها تتزوجني.. زعل شوي منها، وبعدين جالها إنتي حرة.. هادا اختيارك.. - ما شاء الله.. ربنا يزيدك من نعيمه يا سيدي.. وكمان بدك تتزوج جامعية وانت ما معك إلا ثانوية.. - الحب ما بده شهادات ولا خبرة عمل، الحب ما بده يكون وهم وحلم بعيد المنال.. - وكمان صرت شاعر يا زفت.. - أنا الآن أتسلى بالقراءة.. فقد فتحت راحيل قريحتى على أشياء وأشياء.. - يا سبحان الله.. - وبدي كمان أكمل بالجامعة انتساب لأي داهية.. لأنها بتدرس سياسة واقتصاد.. يعني فضيحه يا زلمه.. - والله انها هبله اللي حبتك.. - بتعرف محمد عبد السلام؟ تزوج عربيه من عرب الـ48 وما بده يرجع لمصر أبداً. - وليش؟ هو ممنوع يرجع؟ - لأ بس لانه الناس هناك ما راح تفهم انه تزوج عربية بل سيقولون إنها يهودية وخاصة إنها تحمل الهوية الإسرائيلية،، ومصر تحديداً وعلى المستوي الشعبي لا تقبل أي تطبيع لعلاقات مع اليهود فما بالك بالزواج.. وخاصة أن عرب الـ48 ينظر إليهم من الطرفين سواء من العرب أم من اليهود بحذر شديد.. - وكمان صرت تفهم في السياسة؟ - طبعا كله من راحيل يا واد.. - طيب إيه رأيك تروح معي الكلية بعد شوي، نفطر هناك، وبعدين نتمشي شويه في عمان، تشوفها وتشتري اللي خاطرك فيه.. - لأ أنا تعبان الآن.. بدي أنام.. روح على كليتك، ولما ترجع نروح أي مكان نتمشى لأنه ضروري أكون على الجسر بكره الفجر.. منشان عندي شغل كتير.. - أوكي.. الغرفة غرفتك.. تصرف متل ما بدك حتى ارجع.. خرجت إلى الطريق أفكر في جهاد وقصة حبه، وأحرقت قلبي الحسرات، الكل يحب ويُحَب وأنا مكانك سر.. محتار بين منطقتين.. لا حول ولا قوة إلا بالله. فجأة قررت ألا أذهب إلى الكلية، وأعرج على السوق لأشتري بعض الأغراض وأوصي على منسف من محلات جبري، حتى أكرم صديقي جهاداً.. انتهيت من رحلة التسوق سريعاً وعدت إلى البيت.. كان جهاد لا يزال نائماً.. وضعت الأشياء التي اشتريتها في مكانها، وجلست أمام الكمبيوتر في انتظار أن يأتي الغداء لأوقظ جهاداً الذي علا شخيره كالعادة.. في الواحدة دق جرس الباب، وتناولت الطعام من صبي المطعم وأعطيته النقود. رتبت الأكل على الطاولة وناديت على جهاد حتى يصحو ففوجئ بما أحضرت وغضب مني قائلاً: - شو هادا اللي سويته؟ هو انا غريب، الله لا يعطيك عافيه؛ خربت ميزانيتك هالأسبوع. - يا عمي قول يا باسط: أنا ولله الحمد بدرس وبشتغل براتب كويس، وما بحتاج حتى أختي سحر إلا في النادر.. - برافو عليك يا نداء.. رجل ولا كل الرجال.. والله العظيم أنا بحبك جداً.. إنت نعم الصديق، واللي مش عارف بيقول كف عدس لأنا بنحكم على الناس بالمظاهر.. شو هادا القرف؟ امتى حنتغير ونصير رجال؟ جلسنا إلى الطعام نأكل صامتين، حتى قطع جهاد الصمت بسؤال: - شو ما في إيشي جديد في حياتك.. لا عملية.. لا نسوان.. ولا حتى رجال.. - الشهادة أولاً.. وبعدين الشغل وبعدين العملية شو رأيك بهالحياة.. - تسكر النفس.. وان شاء الله ما بعيش حياة متلها أبداً.. بس أنا مش مصدقك وإذا كانت هادي حياتك وين كنت امبارح للفجر.. قص نداء كالعادة القصة كاملة على جهاد، وهو الذي ما اعتاد أن يخفي عنه شيئاً.. وما حدث له مع آمال وهويدا في تلك الليلة بالتفصيل. ضحك جهاد حتى دمعت عيناه وهو يقول: والله فكرة حلوه يا نداء، إنت بالفعل مثل القمر، ولما تلبس متل البنات متأكد إنك حتكون صرعه.. - أنا مش فاضي لهادي الأشياء، على الرغم من ربحها الوفير والمضمون؛ فأمامي أهداف محددة، ولن أحيد عنها.. كما أني أدرك أن لشكلي فائدة اقتصادية، وللجمال سطوة كما تعلم.. ولأسلوب التعامل أيضاً سلطة، وأستطيع أن أجني ذهباً من هذا، لكن لا أرضاه لنفسي.. وأين أذهب بعلمي وثقافتي وإخلاصي وحبي لله.. قد لا يكون الأمر لكوني متديناً أم لا، لكن تلك حدود وخطوط حمراء، وضعتها بنفسي ولا أستطيع تجاوزها.. قام جهاد من مكانه واحتضنني وقال: يخرب عقلك، والله بألف رجل من اللي مسجلين في شهادات ميلادهم "رجل"، بالفعل أنت يفخر بك من يعرفك والنعم منك يا نداء.. لم أذهب إلى المحل أيضاً في ذلك اليوم، واعتذرت للسيدة "شذا" بسبب وجود صديقي جهاد.. تجولنا في عمان حتى المساء، اشترى صديقي بعض الهدايا، وقميص نوم أبيض أوصيته بشرائه ليوم الدخلة على راحيل.. قرصني في مؤخرتي وهو يكركر: - دماتك خفاف يالملعون.. غادر جهاد إلى إسرائيل مارّاً بأهله مرة ثانية، وعدت كما كنت إلى الدراسة والعمل.. أنهيت دراستي بنجاح، وحصلت على شهادة دبلوم في تصميم المواقع بتميز، بل فزت كذلك في مسابقة طرحتها شركة ميكروسوفت عن أجمل تصميم يعبر عن تداعيات ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر وتأثيره الكوني.. وقد كان مركزي السابع على العالم من بين آلاف المتسابقين، فوصلتني شهادة موقعة من بيل جيتس شخصيّاً، وشيك بعشرة آلاف دولار! فرحت كثيراً بالمبلغ، واعتبرته نواة للتوفير من أجل العملية؛ هذا بالإضافة إلى المبلغ الذي منحني إياه أنطون وحمد.. كانوا تقريباً ثلاثة عشر ألف دولار.. وقبل زيارتي إلى بيت لحم اشتريت طقم ذهب لحبيبتي وأمي سحر ومجموعة كرافتات لزوجها الغالي أرفقتها بدعوات من قلبي بأن يرزقهما الله ولو طفلاً واحداً يلون حياتهما بالبهجة التي يستحقانها، كما اشتريت خاتماً جميلاً لزوجة جهاد، وزجاجة عطر له.. بعد حصولي على المركز السابع ونشر صوري في الجرائد التي أفاضت في الحديث عن عبقريتي وإبداعي، تهافتت شركات التصميم علي.. اخترت واحدة منها، واشترطت أن يكون دوامي نصف دوام فقط.. تابعت عملي صباحاً في الشركة ومساءً في المحل وتوسعت علاقاتي، ونجحت في اجتذاب عدد كبير من الزبونات للمحل.. ومع إعجاب الرجال بشكلي الفاشن أصبحت مدمناً لجمالي، وتقاطيع وجهي، ولون عيني الرمادي، ونهدي المشتعلين باستدارة بديعة، وبشرتي البيضاء الملساء الصافية.. وخلعتُ قشرة الرجل ... آه منك يا آمال! ماذا فعلت بي؟ الله يسامحك.. منذ أن فعلت بي ما فعلت، وخلعت قشرة الرجل عني في منزلها، وأنا أسير للمرأة داخلي: أتأملها.. أتحسسها في جسدي.. وعندما أنفرد بنفسي أجدني أرتدي الملابس النسائية الزاهية الألوان والشفافة والمفتوحة عند الصدر، لتظهر جماله الذي كنت أخفيه عن أعين الرجال بملابسي الرجالية الواسعة.. وأظل أدور في انتشاء أمام المرآة..والنار تأكل جوارحي! لا معنى لشيء في هذه الحياة إلا الوحدة والموت "إيرمان سالاكرو" في تلك الفترة كان جسدي كله يؤلمني، ولا أدري السبب؟ ذات يوم اعتمدت قليلاً على يدي فإذا بها تتفتت، وكأن عظامي أصبحت كتلة من تراب.. أسرعت بالاتصال بالدكتور حاييم بعد أن تم تجبيس يدي في مستشفي الحسين بعمان، وكان السؤال الملح: لماذا تتفتت عظامي؟ هل هي الآثار الجانبية للهرمونات الذكرية التي أتناولها؟ سألته كذلك عن عصبيتي التي أصبحت واستثارتي من أي شيء، وكل شيء، وكرهي الشديد للناس مع أنه كره في رأيي مبرر. قال لي الدكتور حاييم إن كل ما يحدث لي هو شيء طبيعي؛ لأن الهرمونات الذكرية لم تناسب حالتي منذ البداية، كما أنها لن تناسبني فيما بعد.. وتكسر العظام والمزاج السيئ كلها أمور طبيعية في هذه الحالة حيث أعاني من حالة أكثر تعقيداً من الكلاين فلتر تسمى: Partial Androgen Insensitivity Syndrome وتعني حالة تبلد الجسد، وعدم تفاعله مع الهرمونات الذكرية؛ فلقد خمل الهرمون، ولم ينجح في تقليل الأعراض الأنثوية. وأردف د. حاييم: لقد أثبت تحليل دمك قبل أن تغادر إسرائيل أن الهرمونات لا تعمل مع احتمال إصابتك باللوكيميا؛ لذلك أوصيك بعمل تحليل لدمك كل ثلاثة أشهر، وأن تتوقف عن تعاطي الهرمونات الذكرية فوراً.. وغيرها إلى الأنثوية، ثم تابع مع طبيب مختص بالأردن أو مصر؛ حيث إن من الممكن إجراء عمليات التحويل بعد عدة فحوصات، فحالتك واضحة لا لبس فيها.. صدمني ما قاله الدكتور حاييم.. إذن ها هو الموت يلوح لي. ترى هل كانت الهرمونات الأنثوية هي الأنسب منذ البداية؟ أكان من الممكن تلافي كل هذا لو ساعدتني أمي ومن حولي في الاختيار الصحيح؟ جن جنوني.. أصبت بالصدمة، وزادت كوابيسي حتى صار النوم رعباً.. ليس من المرض الذي ترك بصماته فوق جسدي الضعيف فحسب، ولكن من كل شيء وأي شيء. هدم أمام عيني كل ما بنيت.. آه يا روحي.. يا ذاتي المتعبة.. يا عمري الذي ضاع بين هذا وذاك.. تباً للجميع.. تباً لأبي.. تباً للمرض.. تباً لأمي.. تباً للذكورة والرجولة والأنوثة والعار.. تباً لي ولحياتي.. تباً لعزرائيل إن لم يغيبني بالموت.. لم لا تنقذني بالموت يا رباه.. أنقذني يا رب.. خذني عندك.. ترفق بعبدك الذي لم يسئ لأحد.. خذني لرحابك يا الله فأنا في حاجة إليك.. وبكيت ما شاء لي البكاء وحيداً منكسراً.. بئس ما فعلت بنفسي.. وبئس ما فعله المجتمع بي.. اختار جميع من حولي الهرمونات الذكرية إلا أنا.. يالله خضعت لإرادة الجميع غيري أنا.. صغر سني، ورغبة من حولي أخطأت بي الطريق.. يا حبيبي.. اعني يا معين.. على أن أبدأ من أول المشوار، وأتعاطى الهرمونات الأنثوية، وبمتابعة طبيب في عمان.. لم يكن باليد حيلة.. اتكلت على الله.. وماذا سيحدث لي أكثر مما حدث بعد خيانة كل من حولي.. مرت الأيام بي مملة ثقيلة.. أتعاطى الهرمونات، وأعمل وأعمل حتى أنسى.. أراوح ما بين الشركة في الصباح والمحل في المساء.. أنستني الأيام ما أنا فيه وكنت أتابع تغييرات جسدي والتحليلات الدورية.. اكتسبت خبرة ممتازة في التصميم، وطورت نفسي، وأبحرت عميقاً في عالم الكمبيوتر.. كنت أظل ساعات طويلة أمامه.. جعلته صديقي الحميم أتوافق معه تارة، وأتشاجر تارة أخرى. تعاملت معه كإنسان عاقل.. أحادثه بصمت.. وهو يستمع ويطيع.. - اشتغل، اخرس، يلا حبيبي، والله إزا ما بتشتغل يا اخو الـ 60 شر... بيكفِّي بلادة.. وبعدين معك.. أصبح جزءاً مني وأصبحت جزءاً منه.. هكذا كنت أقضي أيامي.. في الشارع ربع رجل، يبحث عن عيون النساء، وفي المنزل ثلاثة أرباع امرأة بجمال صارخ فتاك، تبحث عن صدر رجل تدفن فيه همومها، وخوفها من المجهول.. آه ما أصعبها من حياة.. كم أتمني أن يزورني الموت.. إذا كان الشيطان وراء الباب فإن إغلاق الشباك لا يفيد شيئاً"كوستلو" كنت جالساً في المحل أقرأ في كتاب يتميز بركاكة الترجمة وسوءها "سيارة الليكساس وشجرة الزيتون".. وهو محاولة من توماس فريدمان لفهم العولمة. باغتني صوت نسائي رقيق يقول: إنه تافه لا يستحق القراءة؛ لأنه يمجد أمريكا؛ إذ يقول فيه: تتطلب العولمة القابلة للاستمرار هيكلاً مستقرّاً للقوة.. ولا توجد دولة أكثر قابلية لذلك من الولايات المتحدة!! شفت أكتر من هيك استفزاز. رفعت بصري فرأيت صبية مكتملة شهية، تمسحني بعينين جريئتين من أسفل لأعلى.. وقفت وتركت الكتاب جانباً وقلت: أول مرة أعرف أن هناك جمالاً يقرأ ويحفظ أيضاً.. أمرك. رأيت نظرتها وقد تسمرت فوق صدري وأعتقد أنها كانت تخمن: ما أنا على التحديد؟ وبالفعل سألتني: أنت رجل أم امرأة؟ لست أعرف سبب الجرأة التي هبطت فجأه علي؛ فلأول مرة في حياتي أنطقها صريحة دون أي تردد: أنا الاثنين.. أنا الذكر.. وأنا الأنثى.. فمن تريدين منهما؟ قالت: مع أن الصوت لذكر فإنني أرغب في الأنثى. اعتقدت في البداية أنها تريد التحدث معي بأسلوب الأنثى التي تقدر على فهم الأنثى.. لكن اعترافي الصريح كانت نتيجته صراحة متبادلة. أكملت حديثها: أنا لا أحب الرجال.. ومن الواضح أن للمرأة فيك حظّاً كبيراً؛ فليكن تعاملي إذن مع أنثاك التي تحياها، وأتمنى لو أصبحنا صديقتين.. - اسمي نهال.. - تشرفنا. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|