ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

العودة   ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام > .: ساحة الطلاب والطالبات الغير أكاديمية :. > .: الـسـاحـة الـعـامـة :. > مكتبة الملتقى
التسجيل الكويزاتإضافة كويزمواعيد التسجيل التعليمـــات المجموعات  

مكتبة الملتقى للكتب والإصدارات الأدبية والفكرية والفلسفيه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2013- 6- 29
الصورة الرمزية فنوُ *
فنوُ *
مشرفة سابقة
بيانات الطالب:
الكلية: متخرجة لا تكلمني..
الدراسة: غير طالب
التخصص: علم إجتماع و خدمة إجتماعية
المستوى: خريج جامعي
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 857
المشاركـات: 0
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 81551
تاريخ التسجيل: Fri Jul 2011
العمر: 34
المشاركات: 25,026
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 1291010
مؤشر المستوى: 1595
فنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond reputeفنوُ * has a reputation beyond repute
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
فنوُ * غير متواجد حالياً
Lightbulb تلخيص : [ كتاب الصيام ] .. من الشرح الممتع على زاد المستقنع ..

تلخيص : [ كتاب الصيام ] ..
من الشرح الممتع على زاد المستقنع ..
للشيخ العلّامة :
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

معاذ بن سامي آل عبدالقادر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ..


فهذا تلخيص لـ [ كتاب الصيام ] .. من الشرح الممتع على زاد المستقنع ، لشيخنا العلّامة : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، وقد اقتصرتُ فيه على ترجيحات الشيخ ، وعملتُ على ترقيم مسائله ؛ ليسهل للقارئ الرجوع إليها ، وقد اشتمل على [ مائة وإحدى عشرة ] مسألة ، وأتبعتُ كل مسألة بدليلها مع ذكر تخريجه .

[ كتاب الصيام ] ..

[ 1 ] الصيام في الشرع : هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب ، وسائر المفطرات ، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .

[ 2 ] وحكمه : الوجوب بالنص والإجماع .

[ 3 ] ويجب الصوم بأحد أمرين : الأول : رؤية هلال رمضان ، ولا يجب الصوم بمقتضى الحساب ، فلو قرر علماء الحساب المتابعون لمنازل القمر أن الليلة من رمضان ، ولكن لم يُرَ الهلال ، فإنه لا يصام ؛ لأن الشرع علق هذا الحكم بأمر محسوس وهو الرؤية . والرؤية تعم ما إذا رأيناه بالعين المجردة أو بالوسائل المقربة ؛ لأن الكل رؤية . والثاني : إتمام شعبان ثلاثين يومًا ؛ لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن يزيد عن ثلاثين يومًا ، ولا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يومًا .

[ 4 ] وإن حال دون رؤية الهلال غيم ( سحاب ) أو قتر ( تراب ) وغيرهما مما يمنع رؤيته ، حرم صومه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الشهر تسع وعشرون ليلة ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " . (1) ولكن إذا رأى الإمام وجوب صوم هذا اليومف ، وأمر الناس بصومه ، فإنه لا يُنابذ ، ويحصل عدم منابذته بألا يظهر الإنسان فطره ، وإنما يفطر سرًا ، وهذه المسألة لم يثبت فيها دخول الشهر ، أما لو حكم ولي الأمر بدخول الشهر فالصوم واجب .

[ 5 ] وإذا رأى الهلال أهل بلد لزمهم صومه ، فلا يجب إلا على من رآه ، أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال ، فإن لم تتفق فلا يجب الصوم ؛ لقوله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، والذين لا يوافقون من شاهده في المطالع لا يقال أنهم شاهدوه لا حقيقة ولا حكمًا . وكما أنه يختلف المسلمون في الإفطار والإمساك اليومي ، فيجب أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري ، وهذا قياس جلي .

[ 6 ] ويصام برؤية عدل ، فبذلك يثبت الشهر ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما : " تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه " . (2) والصيام بشهادة واحد مقتضى القياس ؛ لأن الناس يفطرون بأذان الواحد ويمسكون بأذان الواحد . والذي يُقبل من الشهادة ما يترجح أنه حق وصدق ، ويُشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه ، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته وإن كان عدلًا . وهلال شوال وغيره من الشهور لا يثبت إلا بشاهدين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا " . (3)

[ 7 ] وإن صام الناس بشهادة واحد ثلاثين يومًا لزمهم الفطر ؛ لأن الفطر تابع للصوم ومبني عليه ، والصوم ثبت بدليل شرعي وقد صاموا ثلاثين يومًا ، ولا يمكن أن يزيد الشهر على ثلاثين يومًا .

[ 8 ] ومن صام برؤية بلد ، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم ، وأتم هو ثلاثين يومًا ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها ، يصوم معهم ولو صام واحدًا وثلاثين يومًا ، وربما يقاس ذلك على ما لو سافر إلى بلد يتأخر غروب الشمس فيه ، فإنه يفطر حسب غروب الشمس في تلك البلد التي سافر إليها .

[ 9 ] وشروط من يلزمه الصوم خمسة :
الشرط الأول : الإسلام ، فالكافر لا يلزمه الصوم حال كفره ، ولا يُلزم بقضائه بعد إسلامه ، ويُعاقب على تركه في الآخرة ، وعلى ترك جميع واجبات الدين . والشرط الثاني : التكليف ، والمراد به : البلوغ والعقل . والشرط الثالث : القدرة على الصيام ، والعاجز ينقسم إلى قسمين : 1- عجز طارئ ، وهو الذي يُرجى زوال عجزه ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ، فينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي . 2- عجز دائم ، وهو الذي لا يُرجى زواله ، فيجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكينًا سواء أطعمهم أو ملَّكلهم . ويُطعم كل ما يُسمى طعامًا من تمر أو بر أو رز أو غيره . وأما مقداره فيرجع فيه إلى العرف ، وما يحصل به الإطعام ، فإذا غدّى المساكين أو عشّاهم كفاه ذلك عن الفدية . وعدد المساكين على عدد الأيام ، فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد . أما عن وقت الإطعام فهو بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه ، وإن شاء أخّر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه . ولا يُجزئ تقديم الإطعام . وإن أعسر المريض الذي لا يُرجى برؤه أو الكبير ، فإنها تسقط عنهما الكفارة ؛ لأنه لا واجب مع العجز . والشرط الرابع : الإقامة ، فإن كان مسافرًا فلا يجب عليه الصوم ؛ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ، وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر . والأفضل للمسافر والمريض أن يفعلا الأيسر ، فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حرامًا لقوله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } ، وإن كان الفطر والصيام سواء فالصيام أولى ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ، وإذا كان يشق عليه الصيام فالفطر أولى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن صام يوم شق على الناس الصيام في السفر : " أولئك العصاة أولئك العصاة " . (4) والشرط الخامس : الخلو من الموانع ، وهذا خاص بالنساء ، فالحائض والنفساء لا يلزمهما الصوم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم مُقررًا لذلك : " أليس إذا حاضت لم تُصل ولم تصم " . (5) فلا يلزمهما الصوم إجماعًا ولا يصح منهما إجماعًا ، ويلزمهما قضاؤه إجماعًا .

[ 10 ] ومن قام به سبب الوجوب أثناء نهار رمضان كأن يسلم الكافر أو يبلغ الصغير أو يفيق المجنون ، فإنه يلزمهم الإمساك دون القضاء ؛ لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أُمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف ، ومن أتى بما أُمر به لم يُكلف بالإعادة . أما إذا زال مانع الوجوب في أثناء النهار ، كالحائض والنفساء إذا طهرتا ، والمسافر إذا قدم مفطرًا والمريض إذا برئ ، فلا شك في وجوب القضاء ؛ لأنهم أفطروا في رمضان فلزمهم قضاء ما أفطروا . ولا يلزمهم الإمساك ؛ لما روي عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " من أكل أول النهار فليأكل آخره " . (6) والقاعدة : أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر ، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم .

[ 11 ] والمريض له ثلاث حالات : الأولى : ألا يتأثر بالصوم ، مثل الزكام اليسير ، أو الصداع اليسير ، أو وجع الضرس ، وما أشبه ذلك ، فهذا لا يحل له أن يفطر ويجب عليه الصوم . الثانية : أن يشق عليه الصوم ولا يضره ، فهذا يكره له أن يصوم ، ويسن له أن يفطر . الثالثة : أن يشق عليه الصوم ويضره ، كالمصاب بمرض الكلى أو السكر ، وما أشبه ذلك ، فيحرم عليه الصوم ، ولا يُجزئه لو صام ويجب عليه القضاء .

[ 12 ] والمسافر له ثلاث حالات : الأولى : ألا يكون لصومه مزية على فطره ، ولا لفطره مزية على صومه ، ففهي هذه الحالة يكون الصوم أفضل له ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ، ولأنه أسرع في إبراء الذمة ، ولأنه أسهل على المكلف غالبًا لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعدهم ، ولأنه يُدرك الزمان الفاضل وهو رمضان . الثانية : أن يكون الفطر أرفق به ، فالفطر أفضل ، وإذا شق عليه الصوم بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهًا ؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يُشعر بالعدول عن رخصة الله عز وجل . الثالثة : أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة ، فيكون الصوم في حقه حرامًا .

[ 13 ] وإن نوى حاضر صيام يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنه مسافر فيصدق عليه أنه ممن رُخِّص له بالفطر فيفطر . ولكن لا يفطر حتى يخرج من البلد .

[ 14 ] يجوز للحامل والمرضِع أن تفطرا ، سواء كان الفطر مراعاة لحالهما ، أو مراعاة لحال الولد ( الحمل أو الطفل ) ، أو مراعاة لحالهما مع الولد ، ويجب عليهما القضاء كالمريض والمسافر .

[ 15 ] الإفطار لمصلحة الغير له صور منها : الأولى : إنقاذ غريق ، مثل أن يسقط رجل معصوم في الماء ، ولا يستطيع أن يُخرجه إلا بعد أن يشرب ، فنقول : اشرب وأنقذه . الثانية : إطفاء الحريق ، كأن يقول : لا أستطيع أن أُطفئ الحريق حتى أشرب ، فنقول : اشرب وأطفئ الحريق . الثالثة : التبرع بالدم ، فلو أن شخصًا احتيج إلى دمه ، بحيث أصيب رجل آخر بحادث ونزف دمه ، وقالوا : إن دم هذا الصائم يصلح له ، وإن لم يتدارك هذا المريض فإنه يموت ، فله أن يأذن في استخراج دمه من أجل إنقاذ المريض . وللمُفطر في هذه الصور الثلاث أن يأكل ويشرب بقية اليوم ؛ لأنه أُذن له في فطر هذا اليوم ، فصار هذا اليوم في حقه من الأيام التي لا يجب إمساكها ، فيبقى مُفطرًا إلى آخر النهار ، ويجب القضاء .

[ 16 ] أحكام المجنون ، والمغمى عليه ، والنائم ، أولًا : المجنون : إذا جُنّ الإنسان جميع النهار في رمضان من قبل الفجر حتى غربت الشمس فلا يصح صومه ؛ لأنه ليس أهلًا للعبادة ، ومن شرط الوجوب والصحة العقل ، وعلى هذا فصومه غير صحيح ، ولا يلزمه القضاء ، لأنه ليس أهلًا للوجوب . ثانيًًا : المغمى عليه : إذا أُغمي عليه بحادث أو مرض - بعد أن تسحر - جميع النهار ، فلا يصح صومه ؛ لأنه ليس بعاقل ، ولا يلزمه القضاء ؛ لأنه مر عليه الوقت وهو ليس أهلًا للوجوب . ثالثًا : النائم : إذا تسحّر ونام من قبل أذان الفجر ، ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس ، فصومه صحيح ؛ لأنه من أهل التكليف ولم يوجد ما يُبطل صومه ، ولا قضاء عليه . والفرق بينه وبين المغمى عليه : أن النائم إذا أُوقظ يستيقظ بخلاف المغمى عليه .

[ 17 ] النية واجبة ، ويجب تعيينها أيضًا ، فينوي الصيام عن رمضان ، أو عن كفارة ، أو عن نذر ، أو ما أشبه ذلك .

[ 18 ] وينوي قبل طلوع الفجر لصيام الفرض ؛ لأن صوم اليوم كاملًا لا يتحقق إلا بهذا ، فمن نوى بعد طلوع الفجر لا يُقال إنه صام يومًا ، فلذلك يجب لصوم كل يوم واجب أن ينويه قبل طلوع الفجر . ولا يلزم أن تُبيِّت النية قبل أن تنام ، بل الواجب ألا يطلع الفجر إلا وقد نويت ؛ لحديث عائشة مرفوعًا : " من لم يُبيِّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له " . (7)

[ 19 ] ما يُشترط فيه التتابع ( كرمضان ) تكفي النية في أوله ، ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النية ، فإذا نوى إنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله ، فإنه يُجزئه عن الشهر كله ، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع ، كما لو سافر في أثناء رمضان ، فإنه إذا عاد للصوم يجب عليه أن يُجدد النية .

[ 20 ] إذا قال : أنا صائم غدًا إن شاء الله . فننظر إن كان مراده الإستعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده ، فصيامه صحيح لأن هذا ليس تعليقًا . وإن كان مُترددًا فلا يدري هل يصوم أو لا يصوم ، فإنه لا يصح ؛ لأن النية لابد فيها من الجزم ، فلا يصح صومه إن كان فرضًا ، إلا أن يستيقظ قبل الفجر وينوي .

[ 21 ] يصح صوم النفل بنية أثناء النهار ، ولكن بشرط أن لا يأتي مُفطِّرًا من بعد طلوع الفجر ، فإن أتى بمُفطر فإنه لا يصح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم على أهله فقال : " هل عندكم من شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فإني إذًا صائم " . (8) ولكنه لا يُثاب إلا من وقت النية فقط ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " . (9) وهذا الرجل لم ينوِ إلا أثناء النهار فيُحسب له الأجر من حين نيته . وبناءً على ذلك لو علق فضل الصوم باليوم مثل : صيام الأثنين ، وصيام الخميس ، وصيام البيض ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ونوى من أثناء النهار فإنه لا يحصل له ثواب ذلك اليوم ؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صام اليوم كاملًا .

[ 22 ] وإن نوى إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم ، فصومه صحيح إذا تبيَّن أنه من رمضان ، ولعل هذا يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن لك على ربك ما استثنيت " . (10) فهذا الرجل علقه لأنه لا يعلم أن غدًا من رمضان ، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر ، لا على التردد في النية . وكذلك لو قال في ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم وإلا فأنا مُفطر .

[ 23 ] ومن صام نفلًا ، ثم نوى الإفطار ، ثم نوى الصيام ، فيُكتب له أجر الصيام من النية الثانية ؛ لأنه قطع النية الأولى وصار مُفطرًا .

[ 24 ] ومن صام وعزم على أنه إن وجد ماء شربه ، فلا يفسد صومه ؛ لأن المحظور في العبادة لا تفسد العبادة به إلا بفعله ، ولا تفسد بنية الفعل .

[ 25 ] ومن نوى الإفطار فإنه يفطر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " ، فما دام ناويًا الصوم فهو صائم ، وإذا نوى الإفطار أفطر . وله أن يستمر في الفطر بالأكل والشرب وغيرهما من المُفطرات إن كان ممن يُباح له الفطر كالمريض والمسافر ، وإن كان لا يُباح له الفطر ، فيلزمه الإمساك والقضاء مع الإثم .

[ باب ما يُفسد الصَّوم ، ويُوجِب الكفَّارة ] ..

[ 26 ] أجمع العلماء على أن الأكل والشرب والجماع ، تُفسد الصوم ، وقد ذكرها الله عز وجل في قوله : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } .

[ 27 ] الأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم ، وهو عام ، فكل ما ابتلعه الإنسان من نافع أو ضار ، أو ما لا نفع فيه ولا ضرر فإنه مُفطر لإطلاق الآية : { كُلُوا وَاشْرَبُوا } . وكذلك الشرب ، فيشمل ما ينفع وما يضر ، وما لا نفع فيه ولا ضرر ، ويُلحق بالأكل والشرب ما كان في معناهما ، كالإبر المغذية التي تُغني عن الأكل والشرب .

[ 28 ] ومن تناول السعوط ، وهو ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف ، فإنه مُفطر ؛ لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا " . (11) فالمبالغة في الاستنشاق تكون سببًا لوصول الماء إلى المعدة وهذا مُخل بالصوم .

[ 29 ] الاحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر ، والحقنة لا تفطر مطلقًا ، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة ؛ لأنه لا يُطلق عليها اسم الأكل والشرب ، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف ، لكن الكتاب والسنة دلّّا على شيء معين وهو الأكل والشرب ، والأصل عدم الفطر إلا بدليل واضح .

[ 30 ] الاكتحال لا يُفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق ؛ لأنه لا يسمى أكلًا وشربًا ، ولا بمعنى الأكل والشرب ، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب ، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مُفطر ، والأصل عدم التفطير . وبناءً على هذا لو أنه قطر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه فإنه لا يفطر بذلك ، أما إذا وصل طعمها إلى الفم وابتلعها فقد صار أكلًا وشربًا .

[ 31 ] لو أن إنسانًا كان له فتحة في بطنه ، وأدخل إلى بطنه شيئًا عن طريق هذه الفتحة ، فإنه لا يفطر بذلك ، إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلًا عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المرئ أو تقرحه ونحو ذلك ، فيكون ما أدخل منها مُفطرًا كما لو أدخل من الفم .

[ 32 ] ومن استقاء عمدًا فإنه يفطر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من استقاء عمدًا فليقض ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه " . (12) ذرعه : أي غلبه . أما ما خرج بالتعتعة من الحلق فإنه لا يفطر ، فلا يفطر إلا ما خرج من المعدة ، سواء كان قليلًا أو كثيرًا . والحكمة تقتضي أن يكون مفطرًا ؛ لأن الإنسان إذا استقاء ضعف واحتاج إلى أكل وشرب ، فلا يحل لك في الصوم الواجب أن تتقيء إلا للضرورة ، فإن اضطررت إلى القيء فتقيأ ثم أعد على بدنك ما يحصل به القوة من الأكل والشرب .

[ 33 ] ومن استمنى بأي وسيلة ، فسد صومه ؛ لما في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم : " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " . (13) والاستمناء شهوة ، وخروج المني شهوة . ولو استمنى بدون إنزال فإنه لا يفطر .

[ 34 ] ومن باشر زوجته فإنه يفطر إذا أنزل ، سواء باشرها باليد ، أو بالوجه بتقبيل ، وإذا لم ينزل فلا يفطر .

[ 35 ] وخروج المذي لا يفسد الصوم ؛ لأن المذي دون المني لا بالنسبة للشهوة ولا بالنسبة لانحلال البدن ، ولا بالنسبة للأحكام الشرعية حيث يخالفه في كثير منها بل في أكثرها أو كلها ، فلا يمكن أن يُلحق به . ولا حُجة على إفساد الصوم به .

[ 36 ] إن كرر الصائم النظر حتى أنزل فسد صومه ، وإن أنزل بنظرة واحدة لم يفسد ، إلا أن يستمر حتى ينزل فيفسد صومه ؛ لأن الاستمرار كالتكرار ، بل قد يكون أقوى منه في استجلاب الشهوة والإنزال . وأما التفكير بأن فكر حتى أنزل فلا يفسد صومه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " . (14)

[ 37 ] ومن احتجم أو حجم غيره فإنه يفطر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " (15) والحكمة من إفطار المحجوم هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعف ، الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته ، لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل ، فكان من الحكمة أن يكون مفطرًا ، وعلى هذا فالحجامة للصائم لا تجوز في الصيام الواجب إلا عند الضرورة ، فإذا جازت للضرورة جاز له أن يفطر ، أما إذا كان الصوم نفلًا فلا بأس به ؛ لأن الصائم نفلًا له أن يخرج من صومه بدون عذر ، لكنه يكره لغير غرض صحيح . وأما الحكمة بالنسبة للحاجم فإن الحاجم عادة يمص قارورة الحجامة ، وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه ، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر فيكون بذلك مفطرًا ، ولو أنه حجم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مص ، فإنه لا يفطر بذلك . ويُلحق بالحجامة الفصد : وهو قطع العرق عرضًا ، والشرط : وهو شق العرق طولًا، فيفسدان الصوم ، وكذلك لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه ، بأن تعمد ذلك ليخف رأسه ، فإنه يفطر بذلك .

[ 38 ] يشترط لفساد الصوم ثلاثة شروط : الأول : أن يكون عامدًا ، وضده غير العامد ، وهو نوعان : 1/ أن يحصل المفطر بغير اختياره بلا إكراه ، مثل أن يطير إلى فمه غبار أو دخان أو حشرة أو يتمضمض فيدخل الماء بطنه بغير قصد فلا يفطر ؛ لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } ، وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد فيكون صومه صحيحًا . 2/ أن يفعل ما يُفطر مُكرهًا عليه فلا يفسد صومه ؛ لقوله تعالى : { مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، فإذا كان حكم الكفر يُعفى عنه مع الإكراه ، فما دون الكفر من باب أولى ، وعلى هذا فلو أكره الرجل زوجته على الجماع وهي صائمة ، وعجزت عن مدافعته ، فصيامها صحيح . الشرط الثاني : أن يكون ذاكرًا ، وضده الناسي . فلو فعل شيئًا من المُفطرات ناسيًا ، فلا شيء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من نسي وهو صائ فأكل أو شرب فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " . (16) وهذا يشمل الفريضة والنافلة . وإن ذكر أنه صائم واللقمة في فمه لزمه لفظها ؛ لأنه في الفم وهو في حكم الظاهر ، فلا يفسد صومه لو تعمد إخراجها ، أما لو ابتلعها حتى وصلت ما بين حنجرته ومعدته لم يلزمه إخراجها ، ولو حاول وأخرجها لفسد صومه لأنه تعمد القيء . الشرط الثالث : العلم ، وضد العلم الجهل ، والجهل ينقسم إلى قسمين : 1/ جهل بالحكم الشرعي ، أي : لا يدري أن هذا حرام . 2/ جهل بالحال ، أي : لا يدري أنه في حال يحرم عليه الأكل والشرب ، وكلاهما عذر . ودليل ذلك قوله تعالى : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } .

[ 39 ] من فكَّر في الجماع فأنزل ، فلا يفسد صومه ، سواء كان ذا زوجة ففكر في جماع زوجته ، أو لم يكن ذا زوجه ففكر في الجماع مطلقًا ؛ ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " ، وهذا لم يعمل ولم يتكلم وإنما حدّث نفسه وفكر فأنزل . أما لو حصل منه عمل حتى أنزل ، أو قبّل زوجته حتى أنزل ، أو ما أشبه ذلك فإنه يفطر .

[ 40 ] ومن احتلم لا يفطر ، حتى لو نام على تفكير ، واحتلم في أثناء النوم ؛ لأن النائم غير قاصد ، وقد رُفع عنه القلم .

[ 41 ] ومن اغتسل أو تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى حلقه ، فإنه لا يفطر ؛ لعدم القصد . وكذا لو بالغ في المضمضة أو الاستنشاق ، ودخل الماء حلقه فإنه لا يفطر بذلك ؛ لعدم القصد . ويُكره للصائم أن يُبالغ فيهما .

[ 42 ] يجوز للصائم أن يستعمل الفرشاة والمعجون ، لكن الأولى ألا يستعملهما ؛ لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق ، وبدل من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل .

[ 43 ] من أتى مُفطرًا كالأكل والشرب قبل طلوع الفجر له خمس حالات : الأولى : أن يتيقن أن الفجر لم يطلع ، فصومه صحيح . الثانية : أن يتيقن أن الفجر طلع ، فهذا صومه فاسد . الثالثة : أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا ، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع ، فصومه صحيح . الرابعة : أن يأكل ويشرب ، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع ، فصومه صحيح أيضًا . الخامسة : أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان ، فصومه صحيح . وكل هذا يؤخذ من قوله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } ، وضد التبين الشك والظن ، فما دمنا لم يتبين الفجر لنا فلنا أن نأكل ونشرب . ولو تبين له بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ، فصومه صحيح ؛ لأنه معذور بالجهل في هذه الحال .

[ 44 ] ومن أكل شاكًا في غروب الشمس ، فلا يصح صومه ؛ لأن الله تعالى يقول : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ، والفرق بين من أكل شاكًا في طلوع الفجر ، ومن أكل شاكًا في غروب الشمس ، أن الأول بانٍ على أصل وهو بقاء الليل ، والثاني أيضًا بانٍ على أصل وهو بقاء النهار ، فلا يجوز أن يأكل مع الشك في غروب الشمس ، وعليه القضاء . وإن علمنا أن أكله كان بعد الغروب ، فلا قضاء عليه . ويجوز أن يأكل إذا تيقن أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت ، فله أن يفطر ولا قضاء عليه . حتى لو تبين له بعد ذلك أنها لم تغرب . ودليل جواز الفطر بظن الغروب مع أن الأصل بقاء النهار حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : " أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم " . (17) وإفطارهم كان على ظن قطعًا ؛ لقولها في هذا الحديث : " ثم طلعت الشمس " .

[ 45 ] من غابت عليه الشمس وهو في الأرض وأفطر وطارت به الطائرة ثم رأى الشمس ، فلا يلزمه الإمساك ؛ لأن النهار في حقه انتهى ، والشمس لم تطلع عليه بل هو طلع عليها ، لكن لو أنها لم تغب وبقي خمس دقائق ثم طارت الطائرة ولما ارتفعت إذ الشمس باقٍ عليها ربع ساعة أو ثلث ، فإن صيامه يبقى ؛ لأنه ما زال عليه صومه .

[ 46 ] والجماع من مفطرات الصائم وأعظمها تحريمًا ، ودليله قوله تعالى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ، والإجماع منعقد على أنه مُفطر .

[ 47 ] ومن جامع في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة ، ويُشترط لذلك ثلاثة شروط : الأول : أن يكون ممن يلزمه الصوم ، فإن كان ممن لا يلزمه الصوم ، كالصغير ، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة . الثاني : ألا يكون هناك مُسقط للصوم ، كما لو كان في سفر وهو صائم فجامع زوجته ، فإنه لا إثم عليه ولا كفارة ، وعليه القضاء فقط ؛ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . الثالث : أن يكون في قُبل أو دُبر ، والقُبل يشمل الحلال والحرام ، فلو زنى فهو كما لو جامع في فرج حلال . والجماع في الدُبر غير جائز . فمن توفرت فيه الشروط السابقة وحصل منه الجماع ، فعليه القضاء ؛ لأنه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة ، وعليه الكفارة ؛ احترامًا للزمن ، ولحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: " ما لك؟ " قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا، قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين "، قال: لا، فقال: " فهل تجد إطعام ستين مسكينا ". قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق المكتل - قال: " أين السائل؟ " فقال: أنا، قال: " خذها، فتصدق به " فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: " أطعمه أهلك " . (18) وبناءً على هذا لو كان هذا في قضاء رمضان ، فعليه القضاء لهذا اليوم الذي جامع فيه وليس عليه كفارة ؛ لأنه خارج شهر رمضان . ولا فرق بين أن يُنزل أو لا يُنزل ، فإذا أولج الحشفة في القُبل أو الدُبر ، فإنه يلزمه القضاء والكفارة .

[ 48 ] وإذا جامع دون الفرج فأنزل ، فعليه القضاء دون الكفارة ؛ لأنه أفسد صومه بغير الجماع ، ومثاله أن يُجامع بين فخذي امرأته ويُنزل .

[ 49 ] المرأة كالرجل في الحكم ، فإن كانت مطاوعة فعليها القضاء والكفارة ؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل . وأما إذا كانت المرأة معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه ، فلا شيء عليها ، وكذلك الرجل إذا كان معذورًا بجهل أو نسيان أو إكراه .

[ 50 ] ومن كان صائمًا في سفره ، فجامع زوجته في نهار رمضان ، فهذا يفطر لأنه جامع ، والجماع من المفطرات ، وليس عليه كفارة ؛ لأنه لم ينتهك حرمة الصوم حيث إن الصوم لا يجب عليه في السفر ، ويلزمه القضاء .

[ 51 ] وإن جامع في يومين من رمضان ، بأن جامع في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني ، فإنه يلزمه كفارتان ، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات ، وإن جامع في كل يوم من الشهر فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون حسب أيام الشهر ؛ وذلك لأن كل يوم عبادة مستقلة .

[ 52 ] وإن جامع في يوم واحد مرتين ، فتلزمه كفارة واحدة عن الجماع الأول ، ولا تلزمه كفارة عن الجماع الثاني ؛ لأن الجماع الثاني لم يرد على صوم صحيح ، ولأنه ليس صائمًا الآن ، ويلزمه الإمساك ؛ لأن كل من أفطر لغير عذر حرم عليه أن يستمر في فطره . ولا فرق بين أن يكون الجماع واقعًا على امرأة واحدة أو اثنتين ، فلو جامع الأولى في أول النهار والثانية في آخره ، ولم يكفر عن الأول ، فعليه كفارة واحدة .

[ 53 ] وكفارة الوطء في نهار رمضان عتق رقبة ، فإن لم يجد رقبة أو لم يجد ثمنها فصيام شهرين متتابعين ، فلا يفطر بينهما يومًا واحدًا إلا لعذر شرعي كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة ، وكالعيدين وأيام التشريق ، أو لعذر حسّي كالمرض والسفر للرجل والمرأة ، بشرط ألا يُسافر لأجل أن يُفطر ، فإن سافر لأجل أن يُفطر انقطع التتابع . فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينًا ، وقد سبق دليل ذلك . والطعام في هذه المسألة لا يتقدر ، بل يُطعم بما يُعد إطعامًا ، فلو أنه جمعهم وغداهم أو عشاهم أجزأ ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان : هل تستطيع أن تُطعم ستين مسكينًا ؟ . فإن لم يجد سقطت الكفارة ، لقوله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } ، ولا واجب مع العجز ، فتبرأ ذمته ولا شيء عليه حتى لو أغناه الله في المستقبل ؛ لأن الكفارة سقطت عنه .

[ باب ما يُكره ، ويُستحب ، وحُكم القضاء ] ..

[ 54 ] لا يكره للصائم جمع ريقه وابتلاعه ، ولا يُقال إن الصوم نقص بذلك ، وعلى ذلك فلا يجب التفل بعد المضمضة ، ولا بعد شرب الماء عند أذان الفجر ، ولا عند جمع الريق بسبب القراءة ، فإنه لم يُعهد عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يتفل حتى يذهب طعم الماء ، بل هذا مما يسامح فيه ، لكن لو بقي طعم طعام كحلاوة تمر ، أو ما أشبه ذلك فهذا لا بد أن يتفله ولا يبتلعه .

[ 55 ] ويحرم بلع النخامة على الصائم وغير الصائم ؛ لأنها مستقذرة وربما تحمل أمراض خرجت من البدن ، ولكنها لا تفطر إذا وصلت إلى الفم وابتلعها ؛ لأنها لم تخرج من الفم ، ولا يُعد بلعها أكلًا ولا شربًا .

[ 56 ] والدم الذي يخرج من اللسان أو اللثة أو الأسنان ، لا يجوز بلعه لا للصائم ولا لغيره ؛ لعموم قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } ، وإذا وقع من الصائم فإنه يفطر .

[ 57 ] ويُكره أن يذوق الصائم طعامًا كالتمر والخبز والمرق ؛ لأنه ربما ينزل شيء من هذا الطعام إلى جوفه من غير أن يشعر به ، فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعريض لفساد الصوم ، إلا إذا كان لحاجة فلا بأس ، والحاجة مثل أن يكون طباخًا يحتاج أن يذوق الطعام لينظر ملحه أو حلاوته ، أو يشتري شيئًا من السوق يحتاج إلى ذوقه ، أو امرأة تمضغ لطفلها تمرة ، أو ما أشبه ذلك .

[ 58 ] ويُكره للصائم أن يمضغ علكًا قويًا ، والقوي هو الشديد الذي لا يتفتت ؛ لأنه ربما يتسرب إلى بطنه شيء من طعمه إن كان له طعم ، فإن لم يكن له طعم فلا وجه للكراهة ، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يمضغه أمام الناس ؛ لأنه يُساء به الظن فما الذي يُدريهم أنه علك قوي أو غير قوي ، أو أنه ليس فيه طعم أو فيه طعم ، وربما يقتدي به بعض الناس فيمضغ العلك دون اعتبار الطعم . وإن وجد طعم العلك القوي في حلقه أو الطعام الذي تذوقه لحاجة ، فإنه فلا يفطر ؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن مناط الحكم وصول الطعم إلى الحلق ، فأحيانًا يصل الطعم إلى الحلق ولكن لا يبتلعه ولا ينزل إلى الجوف .

[ 59 ] ويحرم العلك المتحلل إن بلع ريقه ، وهو الذي ليس بصلب بل إذا علكته تحلل وصار مثل التراب ، فهذا حرام على الصائم ؛ لأنه إذا علكه لا بد أن ينزل معه شيء لأنه متحلل يجري مع الريق ، ويفسد الصوم إذا بلع منه شيئًا . فإن لم يبلع ريقه فإنه لا يحرم ، كما لو كان الإنسان يعلك العلك فلما تحلل لَفَظَه ، أو كان يعلكه ويجمعه ثم يلفظه ولا يَنزل إلى الجوف .

[ 60 ] القُبلة للصائم تنقسم إلى قسمين : الأول : جائز ، وله صورتان : 1/ ألا يصحبها شهوة إطلاقًا ، مثل تقبيل الإنسان أولاده الصغار ، أو تقبيل القادم من السفر ، أو ما أشبه ذلك ، فهذه لا تؤثر ولا حُكم لها باعتبار الصوم ؛ لأن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع . 2/ أن تُحرك الشهوة ، ولكنه يأمن من إفساد الصوم بالإنزال ، فلا بأس بها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يُقبل وهو صائم " . (19) الثاني : محرم ، وهو إذا كان لا يأمن فساد صومه ، فيحرم إذا ظن الإنزال ، بأن يكون شابًا قوي الشهوة ، شديد المحبة لأهله ، فهذا لا شك أنه على خطر إذا قبّل زوجته في هذه الحال ، فهذا يحرم عليه أن يُقبل ؛ لأنه يُعرض صومه للفساد . ودواعي الوطء كالضم ونحوه حكمها حكم القُبلة ولا فرق .

[ 61 ] ويُسن لمن شتمه أحد أو قاتله ، أن يقول : إني صائم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم إني صائم " . (20)

[ 62 ] ويُسن السُّحور ، ويُسن تأخيره ؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتسابًا للخيرية التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطور وأخّروا السحور " . (21) وفي تأخيره رفقًا بالنفس ؛ لأنه إذا أخر السحور قلّت المدة التي يُمسك فيها ، ويُؤخره ما لم يخشَ طلوع الفجر ، فإن خشي طلوع الفجر فليبادر . ويُسن تعجيل الفطر ، والمبادرة به إذا غربت الشمس ؛ للحديث السابق .

[ 63 ] ويُسن أن يكون الفطور على رطب ، فإن عُدم فتمر ، فإن عُدم فماء ؛ لقول أنس بن مالك رضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يُصلي على رطبات فإن لم تكن فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء " . (22)

[ 64 ] ويُسن أن يقول ما ورد عند الفطور ، ومنه قول : " اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم " . (23) ووردت آثار أخرى في أسانيدها ما فيها ، لكن إذا قالها الإنسان فلا بأس . ومنها إذا كان اليوم حارًا وشرب بعد الفطور ، فإنه يقول : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " . (24)

[ 65 ] ويُسن التتابع في القضاء ، فلا يفطر بين أيام الصيام في القضاء ؛ وذلك لثلاثة أوجه : الأول : أن هذا أقرب إلى مشابهة الأداء ، لأن الأداء متتابع . الثاني : أنه أسرع في إبراء الذمة . الثالث : أنه أحوط ؛ لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له . فلهذا كان الأفضل أن يكون القضاء متتابعًا .

[ 66 ] ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان آخر ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان " . (25) أي : لا أستطيع شرعًا تأخيره إلى ما بعد رمضان . ويجوز القضاء في أي شهر متتابعًا أو متفرقًا ، بشرط ألا يكون الباقي من شعبان بقدر ما عليه ، فإذا بقي من شعبان بقدر ما عليه فحينئذٍ يلزمه أن يقضي متتابعًا . ولو أخّره إلى رمضان آخر لعذر فإنه جائز ، مثل أن يكون مسافرًا فيستمر به السفر أو مريضًا فيستمر به المرض أو تكون المرأة حاملًا ويستمر بها الحمل أو مُرضعًا تحتاج إلى الإفطار كل السنة ؛ لأنه إذا جاز أن يُفطر بهذه الأعذار في رمضان وهو أداء ، فجواز الإفطار في أيام القضاء من باب أولى .

[ 67 ] ويجوز التنفل بالصوم قبل القضاء ما دام الوقت واسعًا ، وصومه صحيح ولا يأثم ، ولكن الأولى أن يبدأ بالقضاء ، حتى لو مرّ عليه عشر ذي الحجة أو يوم عرفة ، فنقول : صم القضاء في هذه الأيام وربما تُدرك أجر القضاء وأجر الصيام في هذه الأيام ، وعلى فرض أنه لا يحصل أجر صيام هذه الأيام مع القضاء ، فإن القضاء أفضل من تقديم النفل .

[ 68 ] وأيام الست من شوال لا تُقدم على قضاء رمضان ، فلو قُدمت صارت نفلًا مُطلقًا ، ولم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر " . (26) وذلك لأن لفظ الحديث " من صام رمضان " ومن كان عليه قضاء لا يصدق عليه أنه صام رمضان .

[ 69 ] لو أخّر القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر كان آثمًا ، ويلزمه القضاء فقط ، فلا يلزمه الإطعام ؛ لعدم الدليل .

[ 70 ] ومن مات وعليه صيام من رمضان أو كفارة أو نذر استحب لوليّه قضاؤه ، ولا يجب ، وإنما يُستحب أن يقضيه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " . (27) فهذا أمر ، ويصرفه عن الوجوب قوله تعالى : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } ، فيُستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل ، أطعم عن كل يوم مسكينًا قياسًا على صوم الفريضة . والذي إذا مات كان القضاء واجبًا عليه هو الذي تمكن من القضاء فلم يفعل ، فإذا مات صام عنه وليه . والولي هو الوارث . ويُجزئ في هذه المسألة أن يقتسم الورثة الصوم ، فيصوم كل واحد منهم عدد من الأيام حتى تكتمل الأيام التي يجب قضاؤها .

[ 71 ] ومن مات وعليه حج نذر فإن وليه يحج عنه ؛ ودليله أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم : " أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت . فقال لها : أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ قالت : نعم . قال : اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " . (28) وكذلك أيضًا حج الفريضة ؛ ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن امرأة قالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده بالحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم . " . (29) فإذا جازت النيابة عن الحي لعدم قدرته على الحج ، فعن الميت من باب أولى .

[ 72 ] ولا يصح استئجار من يصوم عنه ؛ لأن مسائل القُرب لا يصح الاستئجار عليها .

[ باب صوم التطوُّع ] ..

[ 73 ] يُسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، سواء كانت متتابعة أو متفرقة ، والأفضل أن تكون أيام البيض ، وأيام البيض هي اليوم الثالث عشر من الشهر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامها . وهذه الثلاثة تُغني عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله " . (30)

[ 74 ] ويُسن صيام الأثنين والخميس ، وصوم الأثنين أوكد من الخميس ، فيُسن للإنسان أن يصوم يومي الأثنين والخميس من كل أسبوع ، وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك : " بأنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل ، قال : فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم " . (31)

[ 75 ] ولا يُسن صوم يوم الجمعة ، ويُكره أن يُفرد صومه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده " . (32)

[ 76 ] ويُسن صوم ست من شوال ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر " . (33) والأفضل أن تكون هذه الست بعد يوم العيد مباشرة ؛ لما في ذلك من السبق إلى الخيرات . والأفضل أن تكون متتابعة ؛ لأن ذلك أسهل غالبًا ، ولأن فيه سبقًا لفعل هذا الأمر المشروع . والسُّنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله ، فلو كان عليه قضاء ثم صام الستة قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها ، وقد تقدم دليل ذلك . ولو لم يتمكن من صيام الأيام الستة في شوال لعذر كمرض أو قضاء رمضان كاملًا حتى خرج شهر شوال ، فله أن يقضيها ويُكتب له أجرها .

[ 77 ] ويُسن صوم شهر المحرم ، وهو الذي يلي شهر ذي الحجة ، وصومه أفضل الصيام بعد رمضان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " . (34) . وآكد صوم شهر المحرم العاشر ثم التاسع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم : " سُئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله " . (35) ثم يليه التاسع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " لئن بقيت ، إلى قابل لأصومن التاسع " . (36) أي : مع العاشر . ولا يُكره إفراد العاشر بالصوم ، ولكن يفوت بإفراده أجر مخالفة اليهود .

[ 78 ] ويُسن صوم تسع ذي الحجة ، وتبدأ من أول أيام ذي الحجة وتنتهي باليوم التاسع وهو يوم عرفة ، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر " . (37) والصوم من العمل الصالح . وآكد تسع ذي الحجة صيام يوم عرفة لغير حاج بها ، ويوم عرفة هو اليوم التاسع ، وإنما كان آكد أيام العشر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال : " أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ". (38) وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم عاشرواء ؛ لأن يوم عاشوراء يُكفر السنة التي قبله فقط . ويُكره للحاج أن يصوم يوم عرفة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه وهو حاج ، ولأن هذا اليوم يوم دعاء وعمل ، ولا سيما أن أفضل زمن الدعاء هو آخر هذا اليوم ، فإذا صام الإنسان فسوف يأتيه آخر اليوم وهو في كسل وتعب ، فتزول الفائدة العظيمة الحاصلة بهذا اليوم .

[ 79 ] وأفضل صوم التطوع ، صوم يوم وفطر يوم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : " صُم يومًا وأفطر يومًا فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام " . (39)

[ 80 ] ويُكره إفراد رجب بالصوم ؛ لأنه من شعائر الجاهلية ، ولم يرد في السنة في تعظيمه شيء ، وكل ما يُروى في فضل صومه أو الصلاة فيه من الأحاديث فهي كذب باتفاق علماء الحديث .

[ 81 ] ويُكره إفراد يوم السبت بالصوم ؛ لحديث : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " . (40) وإن صح هذا الحديث فيُحمل على النهي عن إفراده ، وأما جمعه مع الجُمعة أو الأحد فلا بأس ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لجويرية وقد وجدها صائمة يوم الجمعة : " أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : أتصومين غداً ؟ قالت : لا ، قال فأفطري " . (41) فدل على أن صومه مع الجمعة لا بأس به . وإن أفرده لسبب فلا كراهة ، مثل أن يُصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء .

[ 82 ] ويحرم صوم يوم الشك ، وهو يوم الثلاثين من شعبان ، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال ، وأما إذا كانت السماء صحوًا فلا شك . ودليل حرمة صوم يوم الشك ، حديث عمار بن ياسر : " من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " . (42)

[ 83 ] ويحرم صوم العيدين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومي العيدين ، عيد الفطر وعيد الأضحى . (43) ولو كان صوم فرض ، كقضاء من رمضان أو نذر .

[ 84 ] ويحرم صيام أيام التشريق ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " . (44) وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر ، وهي : الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر . ويجوز صيامها للحاج المتمتع والقارن ممن عليه الهدي فلم يجد ، فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .

[ 85 ] ولا يلزم الإتمام في صيام النفل ؛ ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال : " هل عندكم شيء ؟ قالوا : نعم عندنا حيس ، قال : أرينيه - يقوله لعائشة - فلقد أصبحت صائمًا ، فأَرته إياه فأكل " . (45) فدل هذا على أن النفل أمره واسع وللإنسان أن يقطعه ، ولكن العلماء يقولون : لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرض صحيح .

[ 86 ] ولو فسد النفل ، فإنه لا يلزمه القضاء ؛ لأنه لو وجب القضاء لوجب الإتمام ، فإذا كان لا يجب الإتمام فلا يجب القضاء من باب أولى . إلا الحج فإنه يلزمه إتمامه ولو كان نفلًا ، ويجب قضاء فاسده ، ولو كان نفلًا ؛ لقوله تعالى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ، وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج ، ومع هذا أمر الله بإتمامهما مع أنهما نفل لم يُفرضا بعد ، ودلت السُّنة على وجوب قضائه .

[ باب الاعتكاف ] ..

[ 87 ] ثبتت الأحاديث أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ، وهي تتنقل فتكون عامًا ليلة إحدى وعشرين ، وعامًا ليلة تسع وعشرين ، وعامًا ليلة خمس وعشرين ، وعامًا ليلة أربع وعشرين ، وهكذا ؛ فبذلك يكون الجمع بين الأحاديث ، ولكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين . فينبغي للمسلم أن يجتهد في كل العشر .

[ 88 ] ومما جاء في فضل قيام ليلة القدر ، قوله صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه " . (46)

[ 89 ] وأوتار العشر آكد ؛ ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " . (47) وأوتاره هي : إحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع وعشرين ، وتسع وعشرين ، فهذه خمس ليال هي أرجاها ، وليس معناه أنها لا تكون إلا في الأوتار ، بل تكون في الأوتار وغير الأوتار . وليلة سبع وعشرين أبلغ الأوتار وأرجاها أن تكون ليلة القدر ، لكنها لا تتعين في هذه الليلة .

[ 90 ] وتخصيص ليلة القدر بالعمرة بدعة ؛ لأنه تخصيص لعبادة في زمن لم يُخصصه الشارع بها ، والذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر هو القيام ، ولم يُرغِّب في العمرة في تلك الليلة ، بل رغَّب فيها في الشهر ، فقال : " عمرة في رمضان تعدل حجة معي " . (48) فتخصيص العمرة بليلة القدر أو تخصيص ليلة القدر بعمرة من البدع .

[ 91 ] ومن علامات ليلة القدر : 1/ قوة الإضاء والنور في تلك الليلة . 2/ طمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن في هذه الليلة أكثر من بقية الليالي . 3/ تكون الرياح فيها ساكنة ، أي : لا يأتي فيها عواصف ، بل يكون الجو مناسبًا . 4/ أن الله يُري الإنسان الليلة في المنام ، كما حصل ذلك لبعض الصحابة . 5/ أن الإنسان يجد في القيام لذة ونشاطًا أكثر مما يجده في غيرها من الليالي . 6/ أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية ، ليس كعادتها في بقية الأيام .

[ 92 ] ويُستحب للمسلم أن يدعو فيها بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه : " اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعف عني " . (49) فهذا من الدعاء المأثور ، وكذلك أدعية كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يمنع الزيادة على ما ورد فالله تعالى يقول : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } وهذا مُطلق ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى شراك نعله " . (50) ولكن الأدعية الواردة خير وأكمل وأفضل من الأدعية المسجوعة التي يسجعها بعض الناس وتجده يُطيل ! فالدعاء الذي جاء في القرآن أو في السنة خير بكثير مما صُنع مسجوعًا .

[ 93 ] الاعتكاف هو لزوم مسجد لطاعة الله عز وجل ، فخرج بذلك لزوم الدار ، فلو اعتكف في بيته ، وقال : لا أخرج إلى الناس فأفتتن بالدنيا ، ولكن أبقى في بيتي مُعتكفًا ، فهذا ليس اعتكافًا شرعيًا ، بل يُسمى هذا عزلة . وخرج بذلك لزوم المصلى ، فلو أن قومًا في عمارة ولها مصلى وليس بمسجد ، فإن لزوم هذا المصلى لا يُعتبر اعتكافًا ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، فجعل محل الاعتكاف المسجد . ولزوم المسجد يكون لطاعة الله ، لا للانعزال عن الناس ، ولا من أجل أن يأتيه أصحابه ورفقاؤه يتحدثون عنده ، بل للتفرغ لطاعة الله عز وجل . وروح الاعتكاف أن تمكث في المسجد لطاعة الله عز وجل ، ويجوز للإنسان أن يتحدث عنده بعض أهله لأجلٍ ليس بكثير ؛ كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .

[ 94 ] والاعتكاف يكون للطاعات الخاصة ، كالصلاة والذكر وقراءة القرآن وما أشبه ذلك ، أما عن طلب العلم فلا شك أنه من طاعة الله ، فلا بأس ان يَحضر المعتكف درسًا أو درسين في يوم أو ليلة ؛ لأن هذا لا يُؤثر على الاعتكاف ، لكن مجالس العلم إن دامت ، وصار يُطالع دروسه ، ويحضر الجلسات الكثيرة التي تُشغله عن العبادة الخاصة ، فهذا لا شك أن في اعتكافه نقصًا ، ولكن هذا لا يُنافي الاعتكاف .

[ 95 ] هل العزلة عن الناس أفضل أم لا ؟ من كان في اجتماعه بالناس خير ، فترك العزلة أولى ، ومن خاف على نفسه باختلاطه بالناس لكونه سريع الافتتان قليل الإفادة للناس ، فبقاؤه في بيته خير ، والمؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم .

[ 96 ] والاعتكاف مسنون في كل مسجد ، فكل مساجد الدنيا مكان للاعتكاف ، وليس خاصًا بالمساجد الثلاثة ، ولا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل . ودليل سُنِّيَّة الاعتكاف قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام : { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } ، فالاعتكاف مشروع حتى في الأمم السابقة ، وقال تعالى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } . والسُّنة واضحة مشهورة مستفيضة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف ، واعتكف أصحابه معه . وقد نُقل الإجماع على ذلك .

[ 97 ] ولا يُسن الاعتكاف إلا في العشر الأواخر من رمضان فقط ؛ لأن الأحكام الشرعية تتلقى من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يعتكف الرسول صلى الله عليه وسلم في غير رمضان إلا قضاءً ، ولم يرد عنه لفظ عام أو مُطلق في مشروعية الاعتكاف كل وقت ، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن في الاعتكاف في غير رمضان ، بل وفي غير العشر الأواخر من رمضان سُّنة وأجرًا لبيَّنه للأمة حتى تعمل به . ولكن من تطوّع وأراد أن يعتكف في غير ذلك ، فإنه لا يُنهى عن ذلك ، ولا نقول إن فعله بدعة ؛ لما ورد أن عمر رضي الله عنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام ، فكيف ترى ؟ قال : اذهب فاعتكف يومًا " . (51) ولو كان هذا النذر مكروهًا أو حرامًا ، لم يأذن له بوفاء نذره ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك لأمته شرعًا عامًا ، فالأفضل أن نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم .

[ 98 ] ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تُقام في الجماعة ، ولا يُشترط أن تُقام فيه الجُمعة ؛ لأن المسجد الذي لا تُقام فيه الجماعة لا يصدق عليه كلمة مسجد ، ولو اعتكف في مسجد لا تُقام فيه الجماعة فإما أن يترك صلاة الجماعة وهذا يؤدي إلى ترك الواجب لفعل مسنون ، وإما أن يخرج كثيرًا لصلاة الجماعة ، والخروج الكثير يُنافي الاعتكاف .

[ 99 ] ويصح اعتكاف المرأة ويُسن في كل مسجد ؛ ودليل مشروعية اعتكاف النساء : اعتكاف زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته . (52) فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة ، فإن كان في اعتكافها فتنة فإنها لا تُمكَّن من هذا ؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يُمنع . ولو اعتكفت المرأة في مسجد لا تُقام فيه الجماعة ، فلا حرج عليها ؛ لأنه لا يجب عليها أن تُصلي مع الجماعة . ومن لا تجب عليه الجماعة كالمعذور بمرض أو بغيره مما يُبيح له ترك الجماعة ، لا بأس باعتكافه في مسجد لا تُقام فيه الجماعة .

[ 100 ] ولا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها ، وهو المكان الذي اتخذته مُصلى ؛ لأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حُكمًا .

[ 101 ] ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد مُعين ، لم يلزمه الاعتكاف أو الصلاة في المسجد الذي عيَّنه ، إلا إن كان للمسجد مزية شرعية ، فإنه لا يتنازل عنه إلا ما دونه في هذه المزية ، كما لو عيَّن المسجد الجامع ، وكان اعتكافه يتخلله جُمعة ، فلا يجوز في مسجد غير جامع ؛ لان المسجد الجامع له مزية ، وهو أنه تُقام فيه الجُمعة ، ولا يحتاج المعتكف إلى أن يخرج يخرج إلى مسجد آخر . وإلا إذا عيَّن أحد المساجد الثلاثة ، المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى ، فإنه يلزمه الاعتكاف أو الصلاة فيه ؛ لأن النذر يجب الوفاء به ، ولا يجوز العدول إلى ما دونه .

[ 102 ] ومن نذر زمنًا مُعيَّنًا ، دخل مُعتكفه قبل ليلته الأولى وخرج بعد آخره ، كما لو نذر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فإنه يدخل عند غروب الشمس من يوم عشرين من رمضان ، ويخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من الزمن الذي عيَّنه .

[ 103 ] ويصح الاعتكاف بلا صوم ؛ لأنهما عبادتان منفصلتان ، فلا يُشترط للواحدة وجود الأخرى .

[ 104 ] والصوم والاعتكاف يلزمان بالنذر ، فمن نذر أن يصوم يومًا لزمه ، ومن نذر أن يعتكف يومًا لزمه ، ومن نذر أن يصوم مُعتكفًا لزمه ، ومن نذر أن يعتكف صائمًا لزمه .

[ 105 ] والاعتكاف الذي على سبيل النفل ، يجوز قطعه ؛ لأن استمراره فيه سُنَّة ، ولكن المواصلة أفضل .

[ 106 ] وخروج المعتكف من المسجد الذي يعتكف فيه ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول : أن يخرج لما لا بد له منه حسًا أو شرعًا ، فهذا جائز سواء اشترطه أم لا . ومثال الحس : الأكل والشرب ، والحصول على زيادة الملابس إذا اشتد البرد ، وقضاء الحاجة من بول أو غائط ، فهذا مما لا بد له منه حسًا . ومثال الشرع : أن يخرج ليغتسل من جنابة ، أو يخرج ليتوضأ ، فهذا لا بد له منه شرعًا . القسم الثاني : أن يخرج لمقصود شرعي له منه بُد ، كعيادة المريض وشهود الجنازة ؛ لأن عيادة المريض له منها بُد لكونها سُنة يُمكن للإنسان أن يدعها ولا يأثم ، وكذلك شهود الجنازة ، لكن لو تعيَّن عليه أن يشهد جنازة بحيث لم نجد من يغسله أو من يحمله إلى المقبرة ، صار هذا من الذي لا بد منه . القسم الثاني : أن يخرج لما له منه بُد وليس فيه مقصود شرعي ، فهذا يبطل به الاعتكاف سواء اشترطه أم لا ، كأن يخرج للبيع والشراء والنزهة ومعاشرة أهله ونحو ذلك .

[ 107 ] ويجوز أن يشترط عيادة المريض أو شهود الجنازة في ابتداء الاعتكاف ، فإذا نوى الدخول في الاعتكاف ، قال : أستثني يا رب عيادة المريض أو شهود الجنازة . وليس هناك دليل واضح في المسألة إلا قياسًا على حديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها حيث جاءت تقول للرسول صلى الله عليه وسلم : إنها تريد الحج وهي شاكية ، فقال لها : " حُجِّي واشترطي أن محلي حيث حبستني ، فإن لك على ربك ما استثنيت " . (53) فيُؤخذ من هذا أن الإنسان إذا دخل في عبادة واشترط شيئًا لا يُنافي العبادة ، فلا بأس . ولكن هذا لا ينبغي ، والمحافظة على الاعتكاف أولى ، إلا إذا كان المريض أو من يتوقع موته له حق عليه ، فهنا الاشتراط أولى ، بأن كان المريض من أقاربه الذين يُعتبر عدم عيادتهم قطيعة رحم ، فهنا يستثني ، وكذلك شهود الجنازة .

[ 108 ] ولا تجوز مباشرة النساء حال الاعتكاف ، فلو جامع زوجته في فرج أو في غير فرج فأنزل بطل اعتكافه ؛ لقوله تعالى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، ولأنه فعل ما نُهي عنه بخصوصه ، وكل ما نُهي عنه بخصوصه في العبادة يبطلها .

[ 109 ] لو اشترط عند دخوله في المعتكف أن يُجامع أهله في اعتكافه ، لم يصح شرطه ؛ لأنه مُحلِّل لما حرَّم الله ، وكل شرط أحل ما حرم الله فهو باطل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط " . (54)

[ 110 ] ويُستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب ، وهي العبادات الخاصة ، كقراءة القرآن والذكر والصلاة في غير وقت نهي ، وما أشبه ذلك ، وهو أفضل من أن يذهب إلى حلقات العلم ، اللهم إلا أن تكون هذه الحلقات نادرة ، لا تحصل له في غير هذا الوقت ، فقد يكون طلب العلم في هذه الحال أفضل من الاشتغال بالعبادات الخاصة ؛ لأن هذا لا يُشغل عن مقصود الاعتكاف .

[ 111 ] ويجوز أن يزور المعتكفَ أحد من أقاربه ويتحدث إليه ساعة من الزمان ؛ لأن صفية بنت حيي زارت النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه ، وتحدثت إليه ساعة . (55) ولأنه إذا تحدث إلى أهله أدخل عليهم السرور ، وحصل بينهم الألفة ، وهذا أمر مقصود للشرع .

هذا ما تيسَّر ذكره من مسائل الصيام وما يتعلق بها ، فما كان فيه من صواب فهو من الله وفضله ، وما كان فيه من خطأ فهو من نفسي والشيطان ، وأستغفر الله العظيم .

وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا مُحمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين

تم بحمد الله في يوم الجُمعة الموافق :1434/8/5هـ

معاذ بن سامي آل عبدالقادر

-----------------------
( 1 ) : أخرجه البخاري (1907) .
( 2 ) : أخرجه أبو داود (2342) وصححه ابن حبان (3447) والحاكم (423/1) .
( 3 ) : أخرجه أحمد (321/4) والنسائي (133/4) والدارقطني (167/2) .
( 4 ) : أخرجه مسلم (1114) .
( 5 ) : أخرجه البخاري (304) .
( 6 ) : أخرجه ابن أبي شيبة (54/3) .
( 7 ) : أخرجه الدارقطني (172/2) والبيهقي (203/4) ووثق رواته الدارقطني وأقره البيهقي .
( 8 ) : أخرجه مسلم (1154) .
( 9 ) : أخرجه البخاري (1907) .
( 10 ) : أخرجه البخاري (5089) وأخرجه مسلم (1208) وأخرجه النسائي (168/5) .
( 11 ) : أخرجه أبو داود (142) والنسائي (66/1) والترمذي (788) وصححه ابن خزيمه (150) وابن حبان (1087) .
( 12 ) : أخرجه أحمد (498/2) وأبو داود (2380) والترمذي (720) وابن ماجه (1676) والنسائي (3117) وصححه ابن خزيمة (1960) وابن حبان (3518) والحاكم (427/1) .
( 13 ) : أخرجه البخاري (1894) ومسلم (1151) .
( 14 ) : أخرجه البخاري (2528) ومسلم (127) .
( 15 ) : أخرجه أحمد (123/4) وأبو داود (2368) والنسائي (3126) وابن ماجه (1681) وصححه ابن حبان (3533) والحاكم (428/1) .
( 16 ) : أخرجه البخاري (1933) ومسلم (1155) .
( 17 ) : أخرجه البخاري (1959) .
( 18 ) : أخرجه البخاري (1936) ومسلم (1111) .
( 19 ) : أخرجه البخاري (1927) ومسلم (1106) .
( 20 ) : أخرجه البخاري (1894) ومسلم (1151) .
( 21 ) : أخرجه البخاري (1957) ومسلم (1098) .
( 22 ) : أخرجه أحمد (164/3) وأبو داود (2356) والترمذي (699 والدارقطني (185/2) والحاكم (432/1) وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي .
( 23 ) : أخرجه الدارقطني (185/2) وضعفه ابن القيم في الزاد (51/2) والهيثمي في المجمع (156/3) .
( 24 ) : أخرجه أبو داود (2357) والدارقطني (185/2) والحاكم (422/1) وحسنه الدارقطني وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
( 25 ) : أخرجه البخاري (1950) ومسلم (1146) .
( 26 ) : أخرجه مسلم (1164) .
( 27 ) : أخرجه البخاري (1952) ومسلم (1147) .
( 28 ) : أخرجه البخاري (1852) .
( 29 ) : أخرجه البخاري (1513) ومسلم (1334) .
( 30 ) : أخرجه البخاري (1979) ومسلم (1159) .
( 31 ) : أخرجه أحمد (208،204،200/5) وأبو داود (2436) والترمذي (747) والنسائي (201/4) وحسنه الترمذي والمنذري وصححه في الإرواء (103/4) .
( 32 ) : أخرجه البخاري (1985) ومسلم (1144) .
( 33 ) : أخرجه مسلم (1164) .
( 34 ) : أخرجه مسلم (1163) .
( 35 ) : أخرجه مسلم (1162) .
( 36 ) : أخرجه مسلم (1134) .
( 37 ) : أخرجه البخاري (969) .
( 38 ) : أخرجه مسلم (1162) .
( 39 ) : أخرجه البخاري (1976) .
( 40 ) : أخرجه أحمد (368/6) وأبو داود (2421) والترمذي (744) والنسائي (2773) وابن ماجه (1726) .
( 41 ) : أخرجه البخاري (1986) .
( 42 ) : رواه البخاري في صحيحه معلقًا بصيغة الجزم ، ووصله أبو داود (2334) والترمذي (686) والنسائي (153/4) وابن ماجه (1645) وصححه ابن خزيمه (1914) وابن حبان (3585) وأخرجه وصححه الدارقطني (157/2) وصححه الترمذي .
( 43 ) : أخرجه البخاري (1993) ومسلم (1138) .
( 44 ) : أخرجه مسلم (1141) .
( 45 ) : أخرجه مسلم (1154) .
( 46 ) : أخرجه البخاري (3208) ومسلم (2643) .
( 47 ) : أخرجه البخاري (2017) ومسلم (1169) .
( 48 ) : أخرجه البخاري (1782) ومسلم (1256) .
( 49 ) : أخرجه أحمد (25497) والترمذي (3513) وابن ماجه (3850) والحاكم (530/1) .
( 50 ) : أخرجه الترمذي (3604) وابن حبان (894،895) .
( 51 ) : أخرجه البخاري (2032) ومسلم (1656) .
( 52 ) : أخرجه البخاري (2026) ومسلم (1172) .
( 53 ) : أخرجه البخاري (1207) ومسلم (1208) .
( 54 ) : أخرجه البخاري (2168) ومسلم (1504) .
( 55 ) : أخرجه البخاري (2035) ومسلم (2175) .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فهرس الكتب وفقا لتصنيفها + مكتبة المقالات والبحوث + قراءات في الكتب بيان باراس مكتبة الملتقى 61 2013- 5- 29 12:22 PM
حل جميع مناقشات مواد مستوى خامس علم اجتماع ~♥ رجوى* اجتماع 5 15 2013- 4- 23 01:44 PM
غرفـة المذاكره لمادة [تقويم المشروعات الاجتماعيه ]~ بنت حصه اجتماع 5 200 2012- 12- 23 04:18 PM
بسرعة منيف ارشيف المستوى 4 تربية خاصة 11 2012- 12- 22 12:59 PM


All times are GMT +3. الوقت الآن حسب توقيت السعودية: 06:52 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جامعة الملك الفيصل,جامعة الدمام
المواضيع والمشاركات في الملتقى تمثل اصحابها.
يوجد في الملتقى تطوير وبرمجيات خاصة حقوقها خاصة بالملتقى
ملتزمون بحذف اي مادة فيها انتهاك للحقوق الفكرية بشرط مراسلتنا من مالك المادة او وكيل عنه