زهده في الدنيا :
دخل عليه عمر رضي الله عنه يوماً فرآه على حصير فد أثر في جنبه ورفع رأسه في البيت فلم يجد إلا إهاباً معلقاً ( الإهاب كيس من جلد ) وقبضة من شعير وحصيراً تكاد تبلى ، فبكى عمر .
فقال له : " ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ " .
قال عمر : يا نبي الله ! وما لي لا أبكي ، وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك كسرى وقيصر ، في الثمار والأنهار ، وأنت نبي الله وصفوته ؟
فقال عليه السلام : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " . ودخل عليه ابن مسعود رضي الله عنه مرة فرآه على تلك الحال .
فقال له : يا رسول الله ألا آذنتنا (أعملتنا) حتى نبسط لك على الحصير شيئاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لي وللدنيا ؟ إنما مثلي ومثل الدنيا ****ب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها " .
نفقاته وصدقاته :
وكان صلى الله عليه وسلم كثير النفقات والصدقات ، لا يدخر مالا ولا متاعا ، وكثيراً ما يستدين لينفق على بعض ذوي الحاجات ، وهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر كما قدمنا ، وقد توفي وليس عنده درهم ولا دينار ، وقد أوقف كل أرض كانت قد صارت إليه من الغنائم ، وفي ذلك يقول الحديث المشهور الذي خفي على بعض الطوائف سر روعته ودلالته على صدق نبوته وإخلاصه في رسالته : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقه " .
جاءه مرة مال كثير فأنفقه إلا بعضة دريهمات استبقاها ، إذ لم يجد لها طالباً ، فما عرف تلك الليلة النوم قلقاً مما بقي عنده ، وما كاد يصبح الصباح حتى سارع إلى إنفاقها .. وهكذا صح فيه قول صحابته : كان أجود ..الريح المرسلة .