|
ملتقى المواضيع العامة منتدى المواضيع العامة والنقاش الهادف |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
رواء الروح .. ,
هنا تفسير سورة الفاتحة والبقرة اليوم سأبتدي من سورة الفاتحة إلى سورة البقرة آية 59 ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار حسيت بتأنيب الضمير ..
اني ماقدرت اكمل التفسير لكل الكتاب الكريم التعديل الأخير تم بواسطة أشواااااق ; 2012- 10- 3 الساعة 04:22 PM |
2012- 4- 5 | #2 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
وما ادراك انها رقية !!
تفسير سورة الفاتحة عدد آياتها 7وهي مكية {1-7} {بِسْمِ اللَّهِ} أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى, ﻷن لفظ {*اسم*} مفرد مضاف, فيعم جميع اﻷسماء [الحسنى]. {*اللَّهِ*} هو المألوه المعبود, المستحق ﻹفراده بالعبادة, لما اتصف به من صفات اﻷلوهية وهي صفات الكمال. {*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*} اسمان داﻻن على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين ﻷنبيائه ورسله. فهؤﻻء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم* نصيب منها.واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف اﻷمة وأئمتها, اﻹيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات.فيؤمنون مثﻼ, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر اﻷسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء. {*الْحَمْدُ لِلَّهِ*} [هو] الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه. {*رَبِّ الْعَالَمِينَ*} الرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده لهم اﻵﻻت, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى.وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.والخاصة: تربيته ﻷوليائه, فيربيهم باﻹيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية اﻷنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.فدل قوله {*رَبِّ الْعَالَمِينَ*} على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه, وتمام فقر العالمين إليه, بكل وجه واعتبار. {*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*} المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات, وأضاف الملك ليوم الدين, وهو يوم القيامة, يوم يدان الناس فيه بأعمالهم, خيرها وشرها, ﻷن في ذلك اليوم, يظهر للخلق تمام الظهور, كمال ملكه وعدله وحكمته, وانقطاع أمﻼك الخﻼئق. حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم, الملوك والرعايا والعبيد واﻷحرار.كلهم مذعنون لعظمته, خاضعون لعزته, منتظرون لمجازاته, راجون ثوابه, خائفون من عقابه, فلذلك خصه بالذكر, وإﻻ, فهو المالك ليوم الدين ولغيره من اﻷيام. وقوله {*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*} أي: نخصك وحدك بالعبادةواﻻستعانة, ﻷن تقديم المعمول يفيد الحصر, وهو إثبات الحكم للمذكور, ونفيه عما عداه. فكأنه يقول: نعبدك, وﻻ نعبد غيرك, ونستعين بك, وﻻ نستعين بغيرك.وقدم* العبادة على اﻻستعانة, من باب تقديم العام على الخاص, واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده.و {*العبادة*} اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من اﻷعمال, واﻷقوال الظاهرة والباطنة. و {*اﻻستعانة*} هي اﻻعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.والقيام بعبادة الله واﻻستعانة به هو الوسيلة للسعادة اﻷبدية, والنجاة من جميع الشرور, فﻼ سبيل إلى النجاة إﻻ بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة, إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله. فبهذين اﻷمرين تكون عبادة, وذكر {*اﻻستعانة} بعد {*العبادة*} مع دخولها فيها, ﻻحتياج العبد في جميع عباداته إلى اﻻستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل اﻷوامر, واجتناب النواهي. ثم قال تعالى: {*اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*} أي: دلنا وأرشدنا, ووفقنا للصراط المستقيم, وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته, وهو معرفة الحق والعمل به, فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين اﻹسﻼم, وترك ما سواه من اﻷديان, والهداية في الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعمﻼ. فهذا الدعاء من أجمع اﻷدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على اﻹنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صﻼته, لضرورته إلى ذلك.وهذا الصراط المستقيم هو: {*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ*} من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. {*غَيْرِ*} صراط {*الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ*} الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط {*الضَّالِّينَ*} الذين تركوا الحق على جهل وضﻼل, كالنصارى ونحوهم. فهذه السورة على إيجازها, قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن, فتضمنت أنواع التوحيد الثﻼثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: {*رَبِّ الْعَالَمِينَ*}وتوحيد اﻹلهية وهو إفراد الله بالعبادة, يؤخذ من لفظ: {*اللَّهِ*} ومن قوله: {*إِيَّاكَ نَعْبُدُ*} وتوحيد اﻷسماء والصفات, وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى, التي أثبتها لنفسه, وأثبتها له رسوله من غير تعطيل وﻻ تمثيل وﻻ تشبيه, وقد دل على ذلك لفظ {*الْحَمْدُ*} كما تقدم. وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {*اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*} ﻷن ذلك ممتنع بدون الرسالة.وإثبات الجزاء على اﻷعمال في قوله: {*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*} وأن الجزاء يكون بالعدل, ﻷن الدين معناه الجزاء بالعدل.وتضمنت إثبات القدر, وأن العبد فاعل حقيقة, خﻼفا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضﻼل] في قوله: {*اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*} ﻷنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك.وتضمنت إخﻼص الدين لله تعالى, عبادة واستعانة في قوله: {*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*} فالحمد لله رب العالمين . |
2012- 4- 5 | #3 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
تفسير سورة البقرة
عدد آياتها 286 وهي مدنية {1-5} تقدم الكﻼم على البسملة. وأما الحروف المقطعة في أوائل السور, فاﻷسلم فيها, السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي], مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة ﻻ نعلمها. وقوله {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم,والحق المبين. فـ {لَا رَيْبَ فِيهِ} وﻻ شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه, يستلزم ضده, إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة, أن النفي المقصود به المدح, ﻻ بد أن يكون متضمنا لضدة, وهو الكمال, ﻷن النفي عدم, والعدم المحض, ﻻ مدح فيه.فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية ﻻ تحصل إﻻ باليقين قال: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} والهدى: ما تحصل به الهداية من الضﻼلة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة. وقال {هُدًى} وحذف المعمول, فلم يقل هدى للمصلحة الفﻼنية, وﻻ للشيء الفﻼني, ﻹرادة العموم, وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل اﻷصولية والفروعية, ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم.وقال في موضع آخر: {هُدًى لِلنَّاسِ} فعمم. وفي هذا الموضع وغيره {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ﻷنه في نفسه هدى لجميع الخلق.فاﻷشقياء لم يرفعوا به رأسا. ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب اﻷكبر, لحصول الهداية, وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية اﻻنتفاع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} فالمتقون هم المنتفعون باﻵيات القرآنية, واﻵيات الكونية.وﻷن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية [تامة].ثم وصف المتقين بالعقائد واﻷعمال الباطنة, واﻷعمال الظاهرة, لتضمن التقوى لذلك فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} حقيقة اﻹيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل, المتضمن ﻻنقياد الجوارح، وليس الشأن في اﻹيمان باﻷشياء المشاهدة بالحس, فإنه ﻻ يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في اﻹيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله وخبر رسوله. فهذا اﻹيمان الذي يميز به المسلم من الكافر, ﻷنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخﻼف الزنادقة والمكذبين باﻷمور الغيبية, ﻷن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم, ومرجت أحﻼمهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.ويدخل في اﻹيمان بالغيب, [اﻹيمان بـ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة, وأحوال اﻵخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها, [وما أخبرت به الرسل من ذلك] فيؤمنون بصفات الله ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها. ثم قال: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} لم يقل: يفعلون الصﻼة, أو يأتون بالصﻼة, ﻷنه ﻻ يكفي فيها مجرد اﻹتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصﻼة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصﻼة هي التي قال الله فيها: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وهي التي يترتب عليها الثواب. فﻼ ثواب لﻺنسان من صﻼته, إﻻ ما عقل منها، ويدخل في الصﻼة فرائضها ونوافلها.ثم قال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة على الزوجات واﻷقارب, والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, وﻷن النفقة من حيث هي, قربة إلى الله، وأتى بـ " من " الدالة على التبعيض, لينبههم أنه لم يرد منهم إﻻ جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم وﻻ مثقل, بل ينتفعون هم بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم.وفي قوله: {رَزَقْنَاهُمْ} إشارة إلى أن هذه اﻷموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي رزق الله الذي خولكم, وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده, فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين.وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصﻼة والزكاة في القرآن, ﻷن الصﻼة متضمنة لﻺخﻼص للمعبود, والزكاة والنفقة متضمنة لﻺحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخﻼصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين اﻷمرين منه, فﻼ إخﻼص وﻻ إحسان. ثم قال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وهو القرآن والسنة، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول, وﻻ يفرقون بين بعض ما أنزل إليه, فيؤمنون ببعضه, وﻻ يؤمنون ببعضه, إما بجحده أو تأويله, على غير مراد الله ورسوله, كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة, الذين يؤولون النصوص الدالة على خﻼف قولهم, بما حاصله عدم التصديق بمعناها, وإن صدقوا بلفظها, فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا.وقوله: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} يشمل اﻹيمان بالكتب السابقة، ويتضمن اﻹيمان بالكتب اﻹيمان بالرسل وبما اشتملت عليه, خصوصا التوراة واﻹنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فﻼ يفرقون بين أحد منهم. ثم قال: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} و " اﻵخرة " اسم لما يكون بعد الموت، وخصه [بالذكر] بعد العموم, ﻷن اﻹيمان باليوم اﻵخر, أحد أركان اﻹيمان؛ وﻷنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين " هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل. {أُولَئِكَ} أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أي: على هدى عظيم, ﻷن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة واﻷعمال المستقيمة، وهل الهداية [الحقيقية] إﻻ هدايتهم، وما سواها [مما خالفها]، فهو ضﻼلة.وأتى بـ " على " في هذا الموضع, الدالة على اﻻستعﻼء, وفي الضﻼلة يأتي بـ " في " كما في قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ﻷن صاحب الهدى مستعل بالهدى, مرتفع به, وصاحب الضﻼل منغمس فيه محتقر. ثم قال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} والفﻼح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفﻼح فيهم؛ ﻷنه ﻻ سبيل إلى الفﻼح إﻻ بسلوك سبيلهم, وما عدا تلك السبيل, فهي سبل الشقاء والهﻼك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهﻼك. |
2012- 4- 5 | #4 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
*
{*6 - 7*} {*إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*} فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا, ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول فقال: {*إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*} يخبر تعالى أن الذين كفروا, أي: اتصفوا بالكفر, وانصبغوا به, وصار وصفا لهم ﻻزما, ﻻ يردعهم عنه رادع, وﻻ ينجع فيهم وعظ، إنهم مستمرون على كفرهم, فسواء عليهم أأنذرتهم, أم لم تنذرهم ﻻ يؤمنون، وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول, أو جحد بعضه، فهؤﻻء الكفار ﻻ تفيدهم الدعوة إﻻ إقامة الحجة, وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم, وأنك ﻻ تأس عليهم, وﻻ تذهب نفسك عليهم حسرات.ثم ذكر الموانع المانعة لهم من اﻹيمان فقال: {*خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ*} أي: طبع عليها بطابع ﻻ يدخلها اﻹيمان, وﻻ ينفذ فيها، فﻼ يعون ما ينفعهم, وﻻ يسمعون ما يفيدهم. {*وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ*} أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم, وهذه طرق العلم والخير, قد سدت عليهم, فﻼ مطمع فيهم, وﻻ خير يرجى عندهم، وإنما منعوا ذلك, وسدت عنهم أبواب اﻹيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق, كما قال تعالى: {*وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ*} وهذا عقاب عاجل.ثم ذكر العقاب اﻵجل، فقال: {*وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*} وهو عذاب النار, وسخط الجبار المستمر الدائم. يتبع << |
2012- 4- 5 | #5 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم اﻹسﻼم وباطنهم الكفر فقال
:{8 - 10} {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ*} واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق اﻻعتقادي, والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " آية المنافق ثﻼت: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان " وفي رواية: " وإذا خاصم فجر "وأما النفاق اﻻعتقادي المخرج عن دائرة اﻹسﻼم, فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة, وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم, فأظهر بعضهم اﻹسﻼم خوفا ومخادعة, ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم, فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم, وفي الحقيقة ليسوا منهم.فمن لطف الله بالمؤمنين, أن جﻼ أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها, لئﻼ يغتر بهم المؤمنون, ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [قال تعالى]: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ*} فوصفهم الله بأصل النفاق فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ*} فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ*} ﻷن اﻹيمان الحقيقي, ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين.والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا, ويبطن خﻼفه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤﻻء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن* هذا من العجائب؛ ﻷن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد* أو يسلم, ﻻ له وﻻ عليه، وهؤﻻء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم* يعملون ما يعملون من المكر ﻹهﻼك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ ﻷن الله تعالى ﻻ يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون, ﻻ يضرهم كيدهم شيئا، فﻼ يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون اﻹيمان, فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم, وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة.ثم في اﻵخرة لهم العذاب اﻷليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم, والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم ﻻ يشعرون بذلك. وقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ*} والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، ﻷن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة, ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع, كلها من مرض الشبهات، والزنا, ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها, من مرض الشهوات ، كما قال تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين, فحصل له اليقين واﻹيمان, والصبر عن كل معصية, فرفل في أثواب العافية.وفي قوله عن المنافقين: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا*} بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي الﻼحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ*} وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ*} وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ*} فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها، قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى*} {11 - 12} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ*} أي: إذا نهي هؤﻻء المنافقون عن اﻹفساد في اﻷرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي, ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم ومواﻻتهم للكافرين {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*} فجمعوا بين العمل بالفساد في اﻷرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصﻼح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسﻼمة, وأرجى لرجوعه.ولما كان في قولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*} حصر لﻺصﻼح في جانبهم - وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل اﻹصﻼح - قلب الله عليهم دعواهم بقوله: {أﻻ إنهم هم المفسدون*} فإنه ﻻ أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك أن هذا إصﻼح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟" ولكن ﻻ يعلمون علما ينفعهم, وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل بالمعاصي في اﻷرض إفسادا, ﻷنه يتضمن فساد ما على وجه اﻷرض من الحبوب والثمار واﻷشجار, والنبات, بما يحصل فيها من اﻵفات بسبب المعاصي، وﻷن اﻹصﻼح في اﻷرض أن تعمر بطاعة الله واﻹيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في اﻷرض, وأدر لهم اﻷرزاق, ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته]، فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له. {13} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ*} أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس, أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو اﻹيمان بالقلب واللسان, قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة رضي الله عنهم, بزعمهم أن سفههم أوجب لهم اﻹيمان, وترك اﻷوطان, ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك, فنسبوهم إلى السفه; وفي ضمنه أنهم هم العقﻼء أرباب الحجى والنهى.فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة, ﻷن حقيقة السفه جهل اﻹنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا, معرفة اﻹنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, و[في] دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة باﻷوصاف والبرهان, ﻻ بالدعاوى المجردة, واﻷقوال الفارغة. ثم قال تعالى: {14 - 15} {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ*} هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين, أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم, فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا: إنا معكم في الحقيقة, وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم, أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة, وﻻ يحيق المكر السيئ إﻻ بأهله.قال تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ*} وهذا جزاء لهم, على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة,حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين, لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة, أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا, فإذا مشي المؤمنون بنورهم, طفئ نور المنافقين, وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين, فما أعظم اليأس بعد الطمع، {*يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ*} اﻵية. قوله: {*وَيَمُدُّهُمْ*} أي: يزيدهم {*فِي طُغْيَانِهِمْ*} أي: فجورهم وكفرهم، {*يَعْمَهُونَ*} أي: حائرون مترددون, وهذا من استهزائه تعالى بهم.ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم: {*16*} {*أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ*} أولئك, أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات {*الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى*} أي: رغبوا في الضﻼلة, رغبة المشتري بالسلعة, التي من رغبته فيها يبذل فيها اﻷثمان* النفيسة. وهذا من أحسن اﻷمثلة, فإنه جعل الضﻼلة, التي هي غاية الشر, كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصﻼح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضﻼلة رغبة فيها، فهذه تجارتهم, فبئس التجارة, وبئس الصفقة صفقتهم*وإذا كان من بذل* دينارا في مقابلة درهم خاسرا, فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضﻼلة, واختار الشقاء على السعادة, ورغب في سافل اﻷمور عن عاليها* ؟" فما ربحت تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة. {*قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ*}وقوله: {*وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ*} تحقيق لضﻼلهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء, فهذه أوصافهم القبيحة. |
2012- 4- 5 | #6 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
ثم ذكر مثلهم الكاشف لها غاية الكشف، فقال: {17 - 20} {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*} أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة عظيمة, وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره, ولم تكن عنده معدة, بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه, وما فيه من المخاوف وأمنها, وانتفع بتلك النار, وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها, فبينما هو كذلك, إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور, وذهب معه السرور, وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة, فذهب ما فيها من اﻹشراق, وبقي ما فيها من اﻹحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور, فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤﻻء المنافقون, استوقدوا نار اﻹيمان من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم, فانتفعوا بها* وحقنت بذلك دماؤهم, وسلمت أموالهم, وحصل لهم نوع من اﻷمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك* إذ هجم عليهم الموت, فسلبهم اﻻنتفاع بذلك النور, وحصل لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر, وظلمة الكفر, وظلمة النفاق, وظلم* المعاصي على اختﻼف أنواعها, وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار]. فلهذا قال تعالى [عنهم]: {صُمٌّ} أي: عن سماع الخير، {بُكْمٌ} [أي]: عن النطق به، {عُمْيٌ} عن رؤية الحق، {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} ﻷنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه, فﻼ يرجعون إليه، بخﻼف من ترك الحق عن جهل وضﻼل, فإنه ﻻ يعقل, وهو أقرب رجوعا منهم. ثم قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب, أي: ينزل بكثرة، {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر، {وَرَعْدٌ} وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، {وَبَرْقٌ} وهو الضوء [الﻼمع] المشاهد مع السحاب.{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ} البرق في تلك الظلمات {مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي: وقفوا.فهكذا حال* المنافقين, إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده, جعلوا أصابعهم في آذانهم, وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده, فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم, ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد, ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت, فهذا تمكن له السﻼمة. وأما المنافقون فأنى لهم السﻼمة, وهو تعالى محيط بهم, قدرة وعلما فﻼ يفوتونه وﻻ يعجزونه, بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها أتم الجزاء.ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي, ومسدودة عليهم طرق اﻹيمان، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} أي: الحسية, ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا, فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فﻼ يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع وﻻ معارض.وفي هذه اﻵية وما أشبهها, رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى, ﻷن أفعالهم من جملة اﻷشياء الداخلة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*} *}21 - 22*} {*يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ*}هذا أمر عام لكل* الناس, بأمر عام, وهو العبادة الجامعة, ﻻمتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه, وتصديق خبره, فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: {*وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*}ثم استدل على وجوب عبادته وحده, بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم, فخلقكم بعد العدم, وخلق الذين من قبلكم, وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة, فجعل لكم اﻷرض فراشا تستقرون عليها, وتنتفعون باﻷبنية, والزراعة, والحراثة, والسلوك من محل إلى محل, وغير ذلك من أنواع* اﻻنتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم, وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم, كالشمس, والقمر, والنجوم.{*وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً*} والسماء: [هو] كل ما عﻼ فوقك فهو سماء, ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، {*فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ*} كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه, [وزروع] وغيرها {*رِزْقًا لَكُمْ*} به ترتزقون, وتقوتون وتعيشون وتفكهون.{*فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا*} أي: نظراء وأشباها من المخلوقين, فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله, وهم مثلكم, مخلوقون, مرزوقون مدبرون, ﻻ يملكون مثقال ذرة في السماء وﻻ في اﻷرض، وﻻ ينفعونكم وﻻ يضرون، {*وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ*} أن الله ليس له شريك, وﻻ نظير, ﻻ في الخلق, والرزق, والتدبير, وﻻ في العبادة* فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه.وهذه اﻵية جمعت بين اﻷمر بعبادة الله وحده, والنهي عن عبادة ما سواه, وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته, وبطﻼن عبادة من سواه, وهو [ذكر] توحيد الربوبية, المتضمن ﻻنفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك, فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] ﻻ شريك له في العبادة, وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطﻼن الشرك.وقوله تعالى: {*لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*} يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده, اتقيتم بذلك سخطه وعذابه, ﻷنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله, صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى, وكﻼ المعنيين صحيح, وهما متﻼزمان، فمن أتى بالعبادة كاملة, كان من المتقين، ومن كان من المتقين, حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه. يتبع<< |
التعديل الأخير تم بواسطة الغَـدَقْ ; 2012- 4- 6 الساعة 12:01 AM |
|
2012- 4- 6 | #7 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
ثم قال تعالى: {23 - 24} {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ*} وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال: {وإن كنتم} معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه, مما نزلنا على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم وﻻ بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, ﻻ يكتب وﻻ يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان اﻷمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله, واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم, فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة, والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله, فهو كما زعمتم, وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز, ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه اﻹنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه, واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة], أن كانت وقودها الناس والحجارة, ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب, وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله, بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.وهذه اﻵية ونحوها يسمونها آيات التحدي, وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا*}وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كﻼمه ككﻼم رب اﻷرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكﻼم ككﻼم الكامل, الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في اﻹمكان, وﻻ في قدرة اﻹنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكﻼم, إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كﻼم البلغاء, ظهر له الفرق العظيم.وفي قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} إلى آخره, دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضﻼلة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضﻼل، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه, فهذا ﻻ يمكن رجوعه, ﻷنه ترك الحق بعد ما تبين له, لم يتركه عن جهل, فﻼ حيلة فيه.وكذلك الشاك غير الصادق* في طلب الحق, بل هو معرض غير مجتهد في طلبه, فهذا في الغالب أنه ﻻ يوفق.وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم, دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم, قيامه بالعبودية, التي ﻻ يلحقه فيها أحد من اﻷولين واﻵخرين.كما وصفه بالعبودية في مقام اﻹسراء، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وفي مقام اﻹنزال، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}وفي قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ونحوها من اﻵيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الجنة والنار مخلوقتان خﻼفا للمعتزلة، وفيها أيضا, أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر ﻻ يخلدون في النار, ﻷنه قال: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها, لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خﻼفا للخوارج والمعتزلة.وفيها دﻻلة على أن العذاب مستحق بأسبابه, وهو الكفر, وأنواع المعاصي على اختﻼفها. |
2012- 4- 6 | #8 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
}25{ }وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*} لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر جزاء المؤمنين, أهل اﻷعمال الصالحات, على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب, ليكون العبد راغبا راهبا, خائفا راجيا فقال: {وَبَشِّرِ} أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] {الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم, فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة.ووصفت أعمال الخير بالصالحات, ﻷن بها تصلح أحوال العبد, وأمور دينه ودنياه, وحياته الدنيوية واﻷخروية, ويزول بها عنه فساد اﻷحوال, فيكون بذلك من الصالحين, الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته.فبشرهم {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} أي: بساتين جامعة من اﻷشجار العجيبة, والثمار اﻷنيقة, والظل المديد, [واﻷغصان واﻷفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها, وينعم فيها ساكنها.{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: أنهار الماء, واللبن, والعسل, والخمر، يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها أين أرادوا, وتشرب منها تلك اﻷشجار فتنبت أصناف الثمار.{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: هذا من جنسه, وعلى وصفه, كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة, فهم دائما متلذذون بأكلها.وقوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قيل: متشابها في اﻻسم, مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون, مختلفا في اﻻسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا, في الحسن, واللذة, والفكاهة, ولعل هذا الصحيح ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم, ذكر أزواجهم, فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه فقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} فلم يقل " مطهرة من العيب الفﻼني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات اﻷخﻼق, مطهرات الخلق, مطهرات اللسان, مطهرات اﻷبصار، فأخﻼقهن, أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن, وحسن التبعل, واﻷدب القولي والفعلي, ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني, والبول والغائط, والمخاط والبصاق, والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا, بكمال الجمال, فليس فيهن عيب, وﻻ دمامة خلق, بل هن خيرات حسان, مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن, وقاصرات ألسنتهن عن كل كﻼم قبيح.ففي هذه اﻵية الكريمة, ذكر المبشِّر والمبشَّر, والمبشَّرُ به, والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك, هو اﻹيمان والعمل الصالح، فﻼ سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة, إﻻ بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق, بأفضل اﻷسباب.وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على اﻷعمال بذكر جزائها [وثمراتها], فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة لﻺنسان, توفيقه لﻺيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم. {26 - 27} {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ*} يقول تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} أي: أيَّ مثل كان {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ﻻشتمال اﻷمثال على الحكمة, وإيضاح الحق, والله ﻻ يستحيي من الحق، وكأن في هذا, جوابا لمن أنكر ضرب اﻷمثال في اﻷشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} فيتفهمونها، ويتفكرون فيها.فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإﻻ علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة.{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول اﻵيات القرآنية. قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} فﻼ أعظم نعمة على العباد من نزول اﻵيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضﻼلة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية واﻹضﻼل.ثم ذكر حكمته في إضﻼل من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ*} أي: الخارجين عن طاعة الله; المعاندين لرسل الله; الذين صار الفسق وصفهم; فﻼ يبغون به بدﻻ، فاقتضت حكمته تعالى إضﻼلهم لعدم صﻼحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف باﻹيمان وتحلى باﻷعمال الصالحة.والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من اﻹيمان; كالمذكور في هذه اﻵية ونحوها، ونوع غير مخرج من اﻹيمان كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا*} [اﻵية].ثم وصف الفاسقين فقال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة واﻹلزامات، فﻼ يبالون بتلك المواثيق; بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق.{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ*} وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه باﻹيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله باﻹيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين واﻷقارب واﻷصحاب; وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها.فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم; معتاضين عنها بالفسق والقطيعة; والعمل بالمعاصي; وهو: اﻹفساد في اﻷرض.فـ {فَأُولَئِكَ} أي: من هذه صفته {هُمُ الْخَاسِرُونَ*} في الدنيا واﻵخرة، فحصر الخسارة فيهم; ﻷن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح؛ ﻷن كل عمل صالح شرطه اﻹيمان; فمن ﻻ إيمان له ﻻ عمل له; وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية; وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*} فهذا عام لكل مخلوق; إﻻ من اتصف باﻹيمان والعمل الصالح; والتواصي بالحق; والتواصي بالصبر; وحقيقة فوات الخير; الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه. يتبع<< |
2012- 4- 6 | #9 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
{28} ثم قال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*} هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ واﻹنكار، أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله; الذي خلقكم من العدم; وأنعم عليكم بأصناف النعم; ثم يميتكم عند استكمال آجالكم; ويجازيكم في القبور; ثم يحييكم بعد البعث والنشور; ثم إليه ترجعون; فيجازيكم الجزاء اﻷوفى، فإذا كنتم في تصرفه; وتدبيره; وبره; وتحت أوامره الدينية; ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي; أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل هذا إﻻ جهل عظيم وسفه وحماقة ؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه. {29} {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ*}{*هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا*} أي: خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على اﻷرض, لﻼنتفاع واﻻستمتاع واﻻعتبار.وفي هذه اﻵية العظيمة* دليل على أن اﻷصل في اﻷشياء اﻹباحة والطهارة, ﻷنها سيقت في معرض اﻻمتنان، يخرج بذلك الخبائث, فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى اﻵية, ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر, فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث, تنزيها لنا. وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ*}{اسْتَوَى} ترد في القرآن على ثﻼثة معاني: فتارة ﻻ تعدى بالحرف، فيكون معناها, الكمال والتمام, كما في قوله عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} وتارة تكون بمعنى " عﻼ " و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى " كما في هذه اﻵية، أي: لما خلق تعالى اﻷرض, قصد إلى خلق السماوات {فسواهن سبع سماوات} فخلقها وأحكمها, وأتقنها, {وهو بكل شيء عليم} فـ {يعلم ما يلج في اﻷرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} و {يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} يعلم السر وأخفى.وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه اﻵية, وكما في قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ*} ﻷن خلقه للمخلوقات, أدل دليل على علمه, وحكمته, وقدرته. |
2012- 4- 6 | #10 |
أكـاديـمـي مـشـارك
|
أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة !!
{30 - 34} {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ*} هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السﻼم أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر المﻼئكة بذلك, وأن الله مستخلفه في اﻷرض.فقالت المﻼئكة عليهم السﻼم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} بالمعاصي {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [و]هذا تخصيص بعد تعميم, لبيان [شدة] مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في اﻷرض سيحدث منه ذلك, فنزهوا الباري عن ذلك, وعظموه, وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي: ننزهك التنزيه الﻼئق بحمدك وجﻼلك، {وَنُقَدِّسُ لَكَ} يحتمل أن معناها: ونقدسك, فتكون الﻼم مفيدة للتخصيص واﻹخﻼص، ويحتمل أن يكون: ونقدس لك أنفسنا، أي: نطهرها باﻷخﻼق الجميلة, كمحبة الله وخشيته وتعظيمه, ونطهرها من اﻷخﻼق الرذيلة.قال الله تعالى للمﻼئكة: {إِنِّي أَعْلَمُ} من هذا الخليفة {مَا لَا تَعْلَمُونَ*} ؛ ﻷن كﻼمكم بحسب ما ظننتم, وأنا عالم بالظواهر والسرائر, وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة, أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك, إﻻ أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم اﻷنبياء والصديقين, والشهداء والصالحين, ولتظهر آياته للخلق, ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة, كالجهاد وغيره, وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر باﻻمتحان, وليتبين عدوه من وليه, وحزبه من حربه, وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه, واتصف به, فهذه حكم عظيمة, يكفي بعضها في ذلك.ثم لما كان قول المﻼئكة عليهم السﻼم, فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في اﻷرض, أراد الله تعالى, أن يبين لهم من فضل آدم, ما يعرفون به فضله, وكمال حكمة الله وعلمه فـ {عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أي: أسماء اﻷشياء, وما هو مسمى بها، فعلمه اﻻسم والمسمى, أي: اﻷلفاظ والمعاني, حتى المكبر من اﻷسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة.{ثُمَّ عَرَضَهُمْ} أي: عرض المسميات {عَلَى الْمَلَائِكَةِ} امتحانا لهم, هل يعرفونها أم ﻻ؟.{فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*} في قولكم وظنكم, أنكم أفضل من هذا الخليفة.{قَالُوا سُبْحَانَكَ} أي: ننزهك من اﻻعتراض منا عليك, ومخالفة أمرك. {لَا عِلْمَ لَنَا} بوجه من الوجوه {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} إياه, فضﻼ منك وجودا، {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ*} العليم الذي أحاط علما بكل شيء, فﻼ يغيب عنه وﻻ يعزب مثقال ذرة في السماوات واﻷرض, وﻻ أصغر من ذلك وﻻ أكبر.الحكيم: من له الحكمة التامة التي ﻻ يخرج عنها مخلوق, وﻻ يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إﻻ لحكمة: وﻻ أمر بشيء إﻻ لحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه الﻼئق به، فأقروا, واعترفوا بعلم الله وحكمته, وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم; وتعليمه إياهم ما ﻻ يعلمون.فحينئذ قال الله: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} أي: أسماء المسميات التي عرضها الله على المﻼئكة; فعجزوا عنها، {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ*} تبين للمﻼئكة فضل آدم عليهم; وحكمة الباري وعلمه في استخﻼف هذا الخليفة، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ*} وهو ما غاب عنا; فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب; فالشهادة من باب أولى، {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} أي: تظهرون {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ*}ثم أمرهم تعالى بالسجود ﻵدم; إكراما له وتعظيما; وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله; وبادروا كلهم بالسجود، {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} امتنع عن السجود; واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} وهذا اﻹباء منه واﻻستكبار; نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه; فتبينت حينئذ عداوته لله وﻵدم وكفره واستكباره.وفي هذه اﻵيات من العبر واﻵيات; إثبات الكﻼم لله تعالى; وأنه لم يزل متكلما; يقول ما شاء; ويتكلم بما شاء; وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه; التسليم; واتهام عقله; واﻹقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن المﻼئكة; وإحسانه بهم; بتعليمهم ما جهلوا; وتنبيههم على ما لم يعلموه.وفيه فضيلة العلم من وجوه:منها: أن الله تعرف لمﻼئكته; بعلمه وحكمته ، ومنها: أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم; وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها: أن الله أمرهم بالسجود ﻵدم; إكراما له; لما بان فضل علمه، ومنها: أن اﻻمتحان للغير; إذا عجزوا عما امتحنوا به; ثم عرفه صاحب الفضيلة; فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها: اﻻعتبار بحال أبوي اﻹنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال الله عليه; وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر. {35 - 36} {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ*} لما خلق الله آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها; ويستأنس بها; وأمرهما بسكنى الجنة; واﻷكل منها رغدا; أي: واسعا هنيئا، {حَيْثُ شِئْتُمَا} أي: من أصناف الثمار والفواكه; وقال الله له: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى*}{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} نوع من أنواع شجر الجنة; الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتﻼء [أو لحكمة غير معلومة لنا] {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ*} دل على أن النهي للتحريم; ﻷنه رتب عليه الظلم.فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه; حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه. {وَقَاسَمَهُمَا} بالله {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ*} فاغترا به وأطاعاه; فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد; وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي: آدم وذريته; أعداء ﻹبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو; يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق; وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا, تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ*} {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا*}ثم ذكر منتهى اﻹهباط إلى اﻷرض، فقال: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} أي: مسكن وقرار، {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ*} انقضاء آجالكم, ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها, وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة, مؤقتة عارضة, ليست مسكنا حقيقيا, وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار, وﻻ تعمر لﻼستقرار. {37} {فَتَلَقَّى آدَمُ} أي: تلقف وتلقن, وألهمه الله {مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} وهي قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} اﻵية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته {فَتَابَ} الله {عَلَيْهِ} ورحمه {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ} لمن تاب إليه وأناب.وتوبته نوعان: توفيقه أوﻻ, ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا.{الرَّحِيمِ*} بعباده, ومن رحمته بهم, أن وفقهم للتوبة, وعفا عنهم وصفح. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الروح, رواء |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[ الدراسات الأسلامية ] : تلخيص محاضرات مقرر "العقيدة3" للدكتور محمد عبدالدايم ~ | .،؛مجرد أنثى؛،. | منتدى كلية الآداب بالأحساء | 4 | 2012- 6- 1 09:24 PM |
[ اللغة الانجليزية ] : second year " old plan " 2nd term | maziona | منتدى كلية الآداب بالدمام | 1629 | 2011- 6- 29 12:55 PM |
سلسلة مراجعة محاضرات الإدارة التربوية اجتهاد صبا زهران | صبا زهران | ارشيف المستوى 2 تربية خاصة | 103 | 2011- 5- 30 04:52 AM |
مدخل إلى صعوبات التعلم | جوري الملتقى | ارشيف المستوى 4 تربية خاصة | 73 | 2011- 5- 17 10:37 AM |
ممكن محاضره صعوبات التعلم14 | نجداويه | ارشيف المستوى 4 تربية خاصة | 7 | 2011- 5- 17 01:18 AM |