|
اجتماع 3 طلاب وطالبات المستوى الثالث التعليم عن بعد علم اجتماع جامعة الملك فيصل |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
محتوي الاخلاق الاسلامية واداب المهنة 1 - 5
المحاضرة الأولى تعريف الخُلُق و طبيعته ومكانته في الإسلام الخُلُق لغة: بضم الخاء واللام الطبع والسجية. أي ما جُبِل عليه الإنسان من الطَّبع. وجمعه أخلاقٌ. وهو - أي الخُلُق – يمثل صورة الإنسان الباطنة، التي هي نفسه التي بين جنبيه وأوصافها ومعانيها المختصَّة بها. كما أن الخَلْق يمثل صورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها(). واصطلاحاً:حالٌ للنفس راسخةٌ تصدر عنها الأفعال من خيرٍ أو شرٍ من غير حاجةٍ إلى فِكرٍ و رَوِيَّةٍ.() وبهذا المعنى ورد قول الله سبحانه في مدح نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم}. وقد يطلق الخُلُقعلى نفس المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل. وبهذا المعنى ورد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق). شرح التعريف وتوضيحه: أما التعريف الأخير فواضح لا لبس فيه, إذ إن الصدق والسخاء والرحمة والعدل وحب الخير للناس كلها أخلاق حميدة, وفضائل مسلَّمة, يسعى عقلاء الناس للتحلي بها, وتربية أبنائهم عليها. وأما التعريف الأول فهو الذي يكتنفه بعض الغموض, ويحتاج إلى توضيح, فنقول: يُقصد بـ (الحال) : الهيئة والصفة للنفس الإنسانية. و (راسخة) : أي ثابتة بعمق. وهو ما يعني أن الأفعال تتكرر من صاحبها على نسق واحد حتى تصبح عادة مستقرة لديه. ومن ثمَّ كان مَنْ ينفق المال مرة أو مرتين أو ثلاث مرات على المحتاجين لا يوصف بخلق السخاء والجود, بل لابد من تكرره منه بحيث يصبح عادة له. • و (من غير حاجةٍ إلى فِكرٍ و رَوِيَّةٍ) : أي من غير تكلف أو مجاهدة نفس , بل بسهولة ويسر وبطريقة تلقائية. • يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "الخَلْق والخُلُق عبارتان مستعملتان معاً, يقال: فلانٌ حسنُ الخُلُق والخَلْق. أي: حسن الباطن والظاهر. فيراد بالخَلْق الصورة الظاهرة, ويراد بالخُلُق الصورة الباطنة. وذلك لأن الإنسان مركبٌ من جسدٍ مدرك بالبصر, ومن روحٍ ونفسٍ مدركٍ بالبصيرة. ولكل واحد منهما هيئةٌ وصورةٌ: إما قبيحةٌ, وإما جميلةٌ. فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدراً من الجسد المدرك بالبصر,ولذلك عظم الله أمره بإضافته إليه, إذ قال تعالى: {إني خالقٌ بشراً من طين, فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين, والروح إلى رب العالمين, والمراد بالروح والنفس في هذا المقام واحد"(). ثانياً- موضوع علم الأخلاق: يبحث علم الأخلاق في الأحكام القيمية المتعلقة بالأعمال التي توصف بالخير أو الشر, أو توصف بالحسن أو القبح, وهذا ما يميز الأخلاق عن الغرائز والدوافع؛ لأن الغرائز والدوافع هي الحاجات التي فطر الله الإنسان عليها كحاجته للأكل والشرب والنكاح والنوم... وهي أشياء لا تستوجب لصاحبها مدحاً ولا ذماً, ولا ثواباً ولا عقاباً, فإن مُدح الإنسان أو ذُم على شيء من ذلك, كان المقصود ليس نفس الفعل, وإنما طريقة صاحبه في تلبية تلك الحاجة, أو إشباع تلك الرغبة. فمن يأكل لا يمدح ولا يذم على فعله ذاك, وإنما يمدح إن أكل مما يليه وبهدوءٍ, ومضغ الطعام جيداً, وبدأ باسم الله, وانتهى بحمد الله, فهذا يحمد على فعله هذا, بخلاف من أكل بشراهة, وأدخل اللقمة على اللقمة, وجالت يده في القصعة ... فإنه يذم على فعله ذاك. ثالثاً- أقسام الخلق: يمكن تقسيم الخلق إلى قسمين اثنين باعتبارين مختلفين: !أولهما باعتبار الفطرة والاكتساب: وبهذا الاعتبار ينقسم الخلق إلى: 1- أخلاق فطرية: جُبِلَ الإنسانُ عليها أي هي هبة ومنحة من الله تعالى, وليس للإنسان أي دور في اكتسابها. مثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأشج عبد القيس المنذر بن عائذ وكان وافد عبد القيس وقائدهم ورئيسهم - وعبد القيس قبيلة- ( إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم, والأناة ) فقال: أشيءٌ جُبِلتُ عليه, أم شيءٌ حدث لي؟ فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (بل شيء جبلت عليه). فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله". () قال النووي: الحلم هو العقل. والأناة هي التثبت وترك العجلة. وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا إلى المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه () 2- أخلاق مكتسبة: يسعى الإنسان في تحصيلها بالتدريب والممارسة العملية, ومن خلال مجاهدته لنفسه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح: ( العلم بالتعلم, والحلم بالتحلم). !ثانيهما باعتبار القبول وعدمه شرعاً: وبهذا الاعتبار ينقسم الخلق إلى: 1- خلق حسن: وهو الأدب والفضيلة وتنتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلا وشرعا. 2- خلق سيئ:وهو سوء الأدب والرذيلة وتنتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلا وشرعا. • ولقد جاءت دعوته r إلى فضائل الأخلاق، فقد أسامة بن شريك قال: (كنا جلوساً عند النبي r كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله تعالى؟ قال: (أحسنهم خلقاً) وحسن الخلق من أكثر الوسائل وأفضلها إيصالا للمرء للفوز بمحبة رسول الله r والظفر بقربه يوم القيامة حيث يقول: ( إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً) () . رابعاً: مكانة الأخلاق في الإسلام يقسم كثير من الباحثين المعاصرين ما جاء به الإسلام من تشريعات وأحكام إلى شعب أربعة هي: عقائد, وعبادات, ومعاملات, وأخلاق. وربما قسمها بعضهم إلى ثلاث شعب فدمجوا بين العبادات والمعاملات, فقالوا: عقيدة, وشريعة, وأخلاق. وهذا التقسيم إنما يصح بالنظر إلى الجهة الغالبة في تلك القضايا والمسائل التي تناولتها نصوص الشرع, وإلا فعند التأمل وإنعام النظر نجد أن هذه الشعب الثلاث أو الأربع لا تنفك عن بعضها, وأنها متداخلة متعاضدة كالبنيان يشد بعضها بعضاً. فالأخلاق التي يرد ذكرها في آخر الشعب لا تنفك عن العقيدة والعبادات والمعاملات, وهي في نفس درجاتها ومستوياتها من الأهمية والطلب. بل إنها تمثل جوهر رسالة الإسلام ولب شريعتها، بكل ما تحمله كلمة الأخلاق من عمق وشمول. ! وبيان ذلك من وجوه : • حث الإسلام على الفضائل وحذر من الرذائل في نصوص لا تحصى من القرآن والسنة, ووصل فيها إلى أعلى درجات الإلزام، ورتب عليها أعظم مراتب الجزاء، ثواباً وعقاباً، في الدنيا والآخرة. فالصدق يهدي إلى البر, والبر يهدي إلى الجنة, والكذب يهدي إلى الفجور, والفجور يهدي إلى النار. وامرأة دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها, ولا هي دعتها تأكل من خشاش الأرض. وبغي دخلت الجنة في كلب سقته. والمرء يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم لا يفطر, والقائم لا يفتر. ... • بلغ من عناية الإسلام بالأخلاق أن الله سبحانه حين أثنى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلمفي القرآن الكريم اختار الثناء عليه من جهة أخلاقه ليُعلمنا أنه لا أبلغ ولا أرفع من هذه الصفة. فقال تعالى:{وإنك لعلى خلق عظيم}. • جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الغاية والهدف من رسالته إتمام البناء الأخلاقي الذي بدأه من سبقه من الأنبياء والمرسلين, فقال فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)(). • في باب العقائد نجد أن الإسلام يضفي على التوحيد صبغة خُلُقية، فيعتبره من باب "العدل" وهو فضيلة خلقية، كما يعتبر الشرك من باب "الظلم" وهو رذيلة خلقية, فيقول سبحانه: {إن الشرك لظلم عظيم} وذاك لأنه وضعٌ للعبادة في غير موضعها، وتوجه بها إلى من لا يستحقها. بل اعتبر القرآن الكريم الكفر بكل أنواعه ظلما، فقال تعالى: {والكافرون هم الظالمون}. • والعبادات الإسلامية الكبرى ذات أهداف أخلاقية جلية منصوص عليها في كتاب الله: • فالصلاة وهي العبادة الأهم في حياة المسلم، لها وظيفة سامية في تكوين الوازع الذاتي، وتربية الضمير الديني على الابتعاد عن الرذائل. قال تعالى: {وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} وهي كذلك تعين المسلم على مواجهة متاعب الحياة. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}. • والزكاة وهي العبادة التي تلي الصلاة في الأهمية, وسيلة لتطهير وتزكية النفس, وهما من الأهمية بمكان في عالم الأخلاق. قال تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. • والصيام إنما يقصد به تدريب النفس على الكف عن شهواتها، وإدخال صاحبها في سلك المتقين, وهي جماع الأخلاق الإسلامية. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} • والحج تدريب للمسلم على التطهر والتجرد والترفع عن زخارف الحياة, وضبط الجوارح. قال تعالى: {الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}. • وفي مجال المال والاقتصاد كان للأخلاق حضورها سواءٌ في ميدان الإنتاج أم التداول أم التوزيع أم الاستهلاك. • ففي مجال الإنتاج يجب أن تكون السلعة المنتجة نافعة مفيدة, وأما ما كان ضاراً بالناس أو مؤذياً لهم فلا يجوز إنتاجه مهما كان سيجلب لصاحبه من أرباحٍ ماديةٍ. قال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}. • وفي مجال التبادل يحرم الإسلام الاحتكار والغش وكتمان العيب, وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب, واستغلال حاجة الآخرين أو استغلال بساطتهم أو طيشهم لخداعهم ففي الحديث الصحيح: "لا يحتكر إلا خاطئ" أي آثم. وفيه أيضاً: "من غش فليس منا". وفيه: "الحلف الكاذب منفقة للسلعة ممحقة للبركة. والتملك، لا يجوز للمسلم أن يتملك ثروة من طريق خبيث، ولا يحل له أن يأخذ ما ليس له بحق لا بالعدوان ولا بالحيلة.كما لا يحل للمسلم الملك بطريق خبيث، لا يحل له تنمية ملكه بطريق خبيث كذلك.لهذا حرم الله الربا والميسر، وأكل أموال الناس بالباطل، والظلم بكل صوره، والضرر والضرار بكل ألوانه. • وفى مجال التوزيع أمر بالعدل بين الأولاد في العطية من الوالدين, كما وضع نظاماً دقيقاً في توزيع الميراث, والصدقات المفروضة, والغنائم والفيء والخراج والجزية وعطايا بيت المال. فقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) • وفي مجال الاستهلاك والإنفاق أمر الإسلام بالاعتدال والتوسط, والابتعاد عن الترف, والتبذير والإسراف والتقتير. قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً}. وقال أيضاً: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين}. ومن هذا الباب تحريمه لاستعمال أواني الذهب والفضة مطلقاً، وكذا تحريمه لبس الذهب والحرير على الرجال. • وفي مجال السياسة ربط الإسلام السياسة بالأخلاق، فرفض كل الأساليب القذرة للوصول إلى الغايات مهما كانت تلك الغايات نبيلة, ورفض مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" وجعله سياسته مبنية على الصدق والرحمة والعدل والإنصاف والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات والعقوبات، وفرض احترام الاتفاقات، والوفاء fالعهود. قال تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} وقال جل شأنه: {وبعهد الله أوفوا ..} وقال أيضاً {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}. • وفي مجال الحرب لم تنفصل سياسة الإسلام عن الأخلاق, بل بقيت كما في السلم مبنية على العدل والرحمة والصدق والوفاء. قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} , وقال جل في علاه: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام، أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. وجعل الغاية من الحرب إعلاء كلمة الله, والانتصار للحق والخير. قال تعالى: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان} وقال جل جلاله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين}. وفي السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي أصحابه إذا توجهوا للقتال بقوله: "اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً) وكذلك كان الخلفاء الراشدون المهديون من بعده يوصون قوادهم: "ألا يقتلوا شيخا، ولا صبيا، ولا امرأة، وألا يقطعوا شجرا، ولا يهدموا بناءً". • وهكذا فما من مجال من مجالات الحياة يعيشها المسلم بمعزل عن القيم الأخلاقية والضوابط السلوكية, وما هذا الذي ذكرناه إلا غيض من فيض. |
2011- 10- 30 | #2 |
أكـاديـمـي نــشـط
|
رد: محتوي الاخلاق الاسلامية واداب المهنة 1 - 5
المحاضرة الثانية أسس الأخلاق في الإسلام يقوم النظام الأخلاقي في الإسلام على ثلاثة أسس هي: الأساس الاعتقادي, والأساس الواقعي والعلمي, ومراعاة الطبيعة الإنسانية. ! يتمثل الأساس الاعتقادي للأخلاق الإسلامية في ثلاثة أركان هي: • الركن الأول: الإيمان بوجود الله تعالى الذي خلق الكون وخلق الإنسان وخلق الموت والحياة وهو بكل شيء من الماضي والحاضر والمستقبل عليم, حتى إنه ليعلم ما يدور في خلجات الأنفس من خير أو شر كما قال تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] • الركن الثاني: إن الله عز وجل منذ أن خلق الإنسان فوق هذه الأرض عرَّفه بنفسه, وعرفه بطريق الخير والشر, وطريق الحق والباطل, من خلال رسالات أوحى بها إلى من اختارهم من أنبيائه ورسله. قال تعالى: [أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ, وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ, وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ] وقال سبحانه: [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا, فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا], ثم إن الله سبحانه قد خلق في الإنسان قدرة لإدراك تلك الحقائق, ونصب دلائل على جميع ذلك في هذه الطبيعة يدركها من تأمل فيها وبحث عنها في ثنايا هذا الكون, قال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ] وبناء على ذلك كلفهم الله سبحانه باتباع الحق والخير, واجتناب الشر والباطل, كما بين واجباتهم تجاه خالقهم, وتجاه المخلوقات الأخرى, وبين لهم المحرمات التي يجب عليهم اجتنابها. • الركن الثالث: هو وجود الحياة بعد الموت, وهذه الحياة إما نعيم وإما جحيم. فالأولى يكافأ بها من اتبع الحق, وفعل الخير واجتنب الشر وما حرمه الله تعالى عليه, والثانية يجازى بها من اتبع الباطل وارتكب ما حرم الله. وهذه وتلك تكون بعد حساب دقيق يقوم به الخالق يوم القيامة, كما قال سبحانه: [إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ] وقال جل جلاله: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ, وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] • إذن فهذه الحياة ميدان عمل واختبار للإنسان لمن يريد الخير, ولمن يريد الشر, قال تعالى: [الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا], والحياة الأخرى للحساب والجزاء, قال تعالى: [وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ], وقال أيضاً: [اليَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ اليَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ] • وهذا الأساس بهذا المفهوم في غاية الأهمية في الاتجاه الأخلاقي في الإسلام, وهو السند الذي يُعتمدُ عليه في إقامة النظام الخلقي, وفي عملية الالتزام به. فبدون هذا الأساس تفقد الأخلاق قدسيتها وتأثيرها الكبير في الإنسان, ولا يمكن أن تطبق تطبيقاً عملياً دقيقاً في السر والعلن, إلا إذا اتخذ هذا الأساس في قلوب البشر مكاناً, وآمنوا به إيماناً صادقاً. وليس هذا أساس للسلوك الأخلاقي فحسب, بل كذلك للحياة, إذ لا معنى للحياة –في الحقيقة- دون وجود هذا الأساس ودون الاعتماد عليه. • إن الذي يقرأ كتابات الوجوديين وأمثالهم من الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر يجد أنهم يعانون من قلق وحيرة واضطراب في أعماق قلوبهم, ثم يسعون إلى تعميمه على البشر كلهم بدعوى أنه من مستلزمات الوجود الإنساني, وأن طبيعة الحياة تقتضيه. • وهو ادعاءٌ باطلٌ, بدليل أن غيرهم ممن ليس على شاكلتهم لا يعاني من تلك الظاهرة, ولعله ناتج عن انعدام الإيمان لديهم. والسر فيه أن في طبيعة الحياة الإنسانية جانباً لا يملؤه إلا الإيمان, فمن انعدم لديه الإيمان عانى من الفراغ في هذا الجانب, فأحس بالقلق والاضطراب, وهو ما يدفعهم إما إلى الانتحار والتخلص من الحياة بطريق مباشر, أو الوقوع في شرك المخدرات أو المسكرات, ليقتل نفسه بطريق غير مباشر. والأمر الذي يؤكد صحة هذا التفسير هو أن هؤلاء الناس لا يعانون فقراً أو حرماناً أو مرضاً, بل هم أغنياء أصحاء, وإنما يعانون من فقدان الطمأنينة التي تجلبها العقيدة الصحيحة والإيمان القويم. • إن اعتماد الأخلاق على أساس من العقيدة يضفي عليها طابعاً مميزاً من القداسة, وتدفع بالإنسان إلى فعل الخير, والابتعاد عن الشر, وتجعله صاحب ضمير حي, وقد اعترف بهذا الدكتور ألكسيس كاريل حيث يقول: "الفكرة المجردة لا تصبح عاملاً فعالاً إلا إذا تضمنت عنصراً دينياً, وهذا هو السبب في أن الأخلاق الدينية أقوى من الأخلاق المدنية إلى حد تستحيل معه المقارنة, ولذلك لا يتحمس الإنسان في الخضوع لقواعد السلوك القائم على المنطق إلا إذا نظر إلى قوانين الحياة على أنها أوامر منزلة من الذات الإلهية". ثانياً - الأساس الواقعي والعلمي: إذا كان الإسلام قد دعا إلى المثالية والسمو الروحي, وذم الذين أخلدوا إلى الأرض وشهواتها, فإن دعوته إلى المثالية كانت واقعية وكانت وسطاً بين نظرتين متطرفتين هما: • أولهما: دعوات روحية تدعو الإنسان إلى محاربة الطبيعة, وعدم الاستسلام لها, مهما جابهته ضغوطات الحياة ومهما كانت شدتها؛ وذلك لأن سعادة الإنسان وسموه الروحي وخلاصه من آلام الحياة -في نظرهم- إنما تتم بمحاربة الطبيعة والتسامي على واقعها. • ثانيهما: دعوات للطبيعيين الذين أخلدوا إلى الأرض, وقدموا الطاعة لدواعيها ومتطلباتها؛ لأن الحياة معها -في نظرهم- هي الحياة السليمة التي تصل بالإنسان إلى السعادة. !فجاء موقف الإسلام نحو الطبيعة واقعياً وسطاً معتدلاً بين هاتين النظرتين, وقد تجلى ذلك في: 1- دعوته إلى الاستعلاء على الطبيعة وعدم الاستسلام لها؛ وذلك بدعوته الإنسان إلى أن يكون سيداً على الطبيعة, فيسخر مواردها في عمران الأرض, ونفع العباد, كما قال تعالى: [هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا] وأن يكون كذلك سيداً على نفسه, فيضبط ميوله ورغباته ويوجهها وفقاً للمثل العليا التي جاء بها الإسلام. 2- دعوته إلى التأقلم والانسجام مع الطبيعة ومع الواقع, وعدم التصادم معها, وذلك عن طريق اتخاذ قواعد للسلوك تنسجم تمام الانسجام مع القوانين الأساسية للحياة البشرية, وهي القوانين الثلاثة التالية: قانون المحافظة على الحياة, وقانون تكاثر النوع الإنساني, وقانون الارتقاء العقلي والروحي, وفي هذه القوانين يتجلى الأساس العلمي الذي أقام الإسلام نظامه الأخلاقي عليه. !ففيما يتعلق بالقانون الأول – الذي هو المحافظة على الحياة- فإن الإسلام اعتبر كل سلوك من شأنه أن يحافظ على الحياة وينميها, سلوكاً أخلاقياً. وكل سلوك يضاد الحياة أو يعوقها بصورة من الصور يعد سلوكاً غير أخلاقي. فمن هنا كان القتل حراماً أخلاقياً, وكذا تهديد الآخرين وإخافتهم, والتحاسد والتباغض والتدابر. وكان من الواجب احترام الناس والمحافظة على أرواحهم وأعراضهم ودمائهم, والسعي لنفعهم. !وفيما يتعلق بالقانون الثاني – الذي هو تكاثر النوع- فإن الإسلام اعتبر كل سلوك من شأنه أن يؤدي إلى إبقاء النوع وتحسينه سلوكاً أخلاقياً راقياً. فشرع الزواج وحث عليه, ونهى عن التبتل أو الرهبانية كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها. فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).() كما حث على حسن اختيار الزوجة, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم).() وحث الآباء على تزويج بناتهم من أناس صالحين, فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاَّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد).() ثم إن الإسلام حرم كل سلوك من شأنه أن يعوق استمرار التناسل؛ لأنه يعد منعاً لاستمرار النوع, ومن ثمَّ فقد حرم الإسلام الخِصاء, كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك".() فالإسلام يعد الخروج على القوانين الطبيعية والأخلاقية تعدياً وخروجاً عن جادة الحياة المستقيمة. !وفيما يتعلق بالقانون الثالث – الذي هو الارتقاء العقلي والروحي- فإن الإسلام اعتبر كل سلوك من شأنه أن يؤدي إلى السعادة والإقبال على الحياة بمحبة وانشراح وينمي العقل ويحافظ عليه سلوكاً أخلاقياً راقياً, وكل سلوك يضاد ذلك كأن يجعل الإنسان يعيش في عزلة من الناس متشائماً قلقاً, أو يضر بعقله ويجعله مريضاً أو متخلفاً مستسلماً للجهل والخرافات سلوكاً غير أخلاقي. ومن ثم فقد وجدناه يحث على العلم وصلة الرحم ومحبة الآخرين والرحمة بهم, والرضا بقضاء الله وقدره, كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)() أو قوله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيراً له)() أو في تحريمه للانتحار, أو تعاطي المسكرات أو المخدرات أو ما من شأنه أن يضر بصحة الإنسان البدنية أو بعقله فقال تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا] وقوله سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ , إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ] ومثلها من النصوص كثير جداً. ثالثاً – مراعاة الطبيعة الإنسانية: • وهذا الأساس مهم في الدراسات الأخلاقية, وذلك لوجود ارتباط وثيق بين السلوك وطبيعة الإنسان, ولتوقف نجاح النظام الأخلاقي على مدى انسجامه مع واقع هذه الطبيعة. • فالإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه روح وجسد, وعقل وقلب ومشاعر وعواطف, وأن هناك صراعاً بين طبيعة الإنسان وتكوينه المادي الذي يميل إلى الأرض والتراب الذي خلق منه, فيستجيب للأهواء والشهوات وينساق لها, وروحه العلوية التي هي من نفخ الإله, وتدعو إلى السمو والرقي والمثالية. • والمطلوب هو التنسيق بين هاتين الطبيعتين في الإنسان, وتوجيهه إلى السلوك الذي يليق به بصفته أشرف مخلوق على ظهر الأرض, وصاحب رسالة خُلِق من أجلها في هذه الدنيا. • والمرجع في هذا التنسيق هو رب العالمين تبارك وتعالى. |
2011- 10- 30 | #3 |
أكـاديـمـي نــشـط
|
رد: محتوي الاخلاق الاسلامية واداب المهنة 1 - 5
المحاضرة الثالثة خصائص الأخلاق الإسلامية الانبثاق عن عقيدة الإسلام: أي أنها مرتبطة بالعقيدة ارتباطاً قوياً وعميقاً بحيث يستحيل الفصل بينهما, وما أكثر النصوص التي تربط بين الإيمان وحسن الخُلُق. حتى إنها لتجعل الإيمان, هو نفسه حسن الخُلُق, كيف لا؛ وحسن الخلق يقتضي شُكر المنْعِم (الإله), والاعتراف بفضله, والثناء عليه, والوقوف عند حدوده بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه. وأي عقوق أعظم من أن يتمرد الإنسان على خالقه ومولاه, ويتنكر لجميله, ويخالف أمره ونهيه, كما هو الشأن في الكفار والمنافقين. يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "حسن الخلق هو الإيمان, وسوء الخلق هو النفاق, وقد ذكر الله تعالى صفات المؤمنين والمنافقين في كتابه, وهي بجملتها ثمرة حُسْن الخلق, وسوء الخلق, فلنورد جملة من ذلك لتعلم آية حسن الخلق. قال الله تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ, الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ...], وقال تعالى: [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا...]{ من أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات, فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق, وفقد جميعها علامة سوء الخلق, ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون البعض, فليشتغل بتحصيل ما فقده, وحفظ ما وجده. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بصفات كثيرة, وأشار بجميعها إلى محاسن الأخلاق, فقال صلى الله عليه وسلم:(من كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ). وقال: (لَا يُؤْمِنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ). وقال: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً). ويقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى: "الإيمان قوة عاصمة عن الدنايا, دافعة إلى المكرمات ومن ثمَّ فإن الله عندما يدعو عباده إلى خير أو ينفرهم من شر, يجعل ذلك مقتضى الإيمان المستقر في قلوبهم. وما أكثر ما يقول في كتابه: " يا أيها الذين آمنوا " ثم يذكر بعدُ ما يُكلفهم به, مثل قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا] .. وقد وضح صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أن الإيمان القوي, يلد الخلق القوي حتماً, وأن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان, أو فقدانه, بحسب تفاقم الشر أو تفاهته.. فالرجل الصفيق الوجه, المعوج السلوك الذي يقترف الرذائل غير آبه لأحد, يقول رسول الإسلام في وصف حاله: "الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"!. • والرجل الذي ينكب جيرانه ويرميهم بالسوء, يحكم الدين عليه حكما قاسياً فيقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : (والله لَا يُؤْمِنُ والله لَا يُؤْمِنُ والله لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ قال الذي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه). وتجد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يعلم أتباعه الإعراض عن اللغو, ومجانبة الثرثرة والهذر يقول: (وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ). وهكذا يمضى في غرس الفضائل وتعهدها حتى تؤتى ثمارها, معتمداً على صدق الإيمان وكماله..". • إذاً فالدين هو منبت الأخلاق, وهو مصدر الرقابة عليها, وهو المقوِّم لها إذا انحرفت, وهما متلازمان لإقامة كل مدنية فاضلة خيرة في مصلحة الإنسان. الشمول: حيث تشمل جميع المجالات, فهناك خلق مع الله ومع رسله عليهم السلام, قال تعالى: [إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ], وهناك خلق مع المسلمين يقول صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه) وخلق مع غير المسلم, قال تعالى: [لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] وقال صلى الله عليه وسلم: (من آذى ذمياً فقد آذاني) وهناك خلق الكبير والصغير (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) وخلق مع الحاكم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] ومع الوالدين والأبناء والبنات والزوج والقرابة, ومع الضيف والمعلم والصديق, ومع البهائم والجماد, . يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى: "قد تكون لكل دين شعائر خاصة به, تعتبر سمات مميزة له. ولا شك أن في الإسلام طاعات معينة, ألزم بها أتباعه, وتعتبر فيما بينهم أموراً مقررة لا صلة لغيرهم بها, غير أن التعاليم الخُلُقية ليست من هذا القبيل؛ فالمسلم مكلف أن يلقى أهل الأرض قاطبة بفضائل لا ترقى إليها شبهة, فالصدق واجب على المسلم مع المسلم وغيره, والسماحة والوفاء والمروءة والتعاون والكرم.. الخ. وقد أمر القرآن الكريم ألا نتورط مع اليهود أو النصارى في مجادلات تهيج الخصومات ولا تجدي الأديان شيئاً. قال الله تعالى: [وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] واستغرب من أتباع موسى وعيسى أن يشتبكوا مع المسلمين في منازعات من هذا النوع الحاد:[قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ]. وحدث أن يهودياً كان له دَيْنٌ على النبي, فجاء يتقاضاه قائلاً : إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطل!! فرأى عمر بن الخطاب أن يُؤدب هذا المتطاول على مقام الرسول, وهَمَّ بسيفه يبغي قتله. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أسكتعمر قائلاً: (أنا وهو أولى منك بغير هذا, تأمره بحُسن التقاضي, وتأمرني بحُسن الأداء), وقد أمر الإسلام بالعدل ولو مع فاجر أو كافر. قال عليه الصلاة والسلام: "دعوة المظلوم مُستجابة, وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه) ... وبهذه النصوص, مَنع الإسلام أبناءه أن يقترفوا أية إساءة نحو مخالفيهم في الدين. ومن آيات حسن الخلق مع أهل الأديان الأخرى ما ورد عن ابن عمر: أنه ذبحت له شاة في أهله ? فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).. • أما من الناحية العامة, فقد قرر الإسلام أن بقاء الأمم وازدهار حضارتها, واستدامة منعتها, إنما يُكفل لها إذا ضمنت حياة الأخلاق فيها, فإذا سقطت الخلق سقطت الدولة معه. • وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ويؤكد هذه الحقيقة حديث الرسول لقومه وعشيرته, فقد رشحتهم مكانتهم في جزيرة العرب لسيادتها, وتولي مقاليد الحكم بها. ولكن النبي أفهمهم ألا دوام لملكهم إلا بالخُلُق وحده. فعن أنس بن مالك قال: "كنا في بيت فيه نفر من المهاجرين والأنصار? فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل كل رجل يوسع رجاء أن يجلس إلى جنبه.. ثم قام إلى الباب فأخذ بعضادتيه,فقال: (الأُمَرَاءُ من قُرَيْشٍ ثَلاَثاً ما فَعَلُوا ثَلاَثاً ما حَكَمُوا فَعَدَلُوا وَاسْتُرْحِمُوا فَرَحِمُوا وَعَاهَدُوا فَوَفَوْا فَمَنْ لم يَفْعَلْ ذلك منهم فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). هذا الحديث حاسم في أنه لا مكانة لأمة ولا لدولة ولا لأسرة إلا بمقدار ما تمثل في العالم من صفات عالية, وما تحقق من أهداف كريمة. فلو أن حكماً حمل طابع الإسلام والقرآن, ثم نظر الناس إليه فوجدوه لا يعدل في قضية, ولا يرحم في حاجة, ولا يوفي في معاهدة, فهو باسم الإسلام والقرآن قد انسلخ عن مقوماته الفاضلة, وأصبح أهلاً لأن يلعن في فجاج الأرض وآفاق السماء. ومن أقوال الإمام ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة, وإن كانت كافرة, ولا يقيم الدولة الظالمة, وإن كانت مسلمة" . إن الخلق في منابع الإسلام الأولى من كتاب وسنة هو الدين كله, وهو الدنيا كلها, فإن نقصت أمة حظاً من رفعة في صلتها بالله, أو في مكانتها بين الناس, فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها". الثبات: ويقصد بالثبات أن الفضائل الأساسية للمجتمع من صدق ووفاء وأمانة وعفة وإيثار مرتبطة بنظام الشريعة العامة، وهي أمور لا يستغني عنها مجتمع كريم، مهما تطورت الحياة، وتقدم العلم بل تظل قيماً فاضلة ثابتة. • إن الأخلاق في الإسلام لا تتغير ولا تتطور تبعا للظروف الاجتماعية والأحوال الاقتصادية، بل هي حواجز متينة ضد الفوضى والظلم والشر، كما قال الله تعالى: [تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] • وأما السبب الذي يجعل أخلاق الإسلام ثابتة فهو: ارتباطها بالفطرة البشرية التي تتصف بالثبات ويرثها الأحفاد عن الآباء والأجداد (كل مولود يولد على الفطرة) فالخلق فطرة. • وكونها نابعة عن الدين، وإذا كان الدين يصلح لجميع الناس، ويهدف إلى الخير المطلق، لأنه من الله سبحانه وتعالى، وقد راعى فيه الخير العام. قال تعالى: [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] فكذلك الأخلاق الإسلامية. • ويترتب على خاصية الثبات هذه أن الأخلاق مختلفة عن التقاليد؛ لأن التقاليد تتغير بين الفينة والأخرى, بتغير مبررات وجودها، وليس كذلك الأخلاق، لأنها تقوم على أسس ثابتة كالحق والعدل والخير. • كما أن الثبات في الأخلاق من شأنه أن يبعث الطمأنينة في حياة الفرد، وفي حياة المجتمع, بخلاف من ينظر إلى الأخلاق على أنها تتطور وتتبدل بتبدل الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, فإن من شأنها أن تجعل الإنسان يعيش من غير قيم عليا, وفي اضطراب وقلق. الجمع بين الواقعية والمثالية: فأما كونها واقعية فتعني أنها عملية وقابلة للتطبيق, ولا يستعصي على أحد من الناس تطبيقها وتجسيدها في حياته, ولكنها في ذات الوقت مثالية أيضاً. بمعنى أن من الناس من تتوق نفسه إلى معالي الأمور, و لا يرضى لنفسه بأن يكون كسائر الناس, ولا يشبع ذلك نهمه ورغبته في التسامي بخلقه, ورغبته في التحلي بالفضائل, ولكن ليس كل الناس يطيق ذلك, فجاء الإسلام وراعى بتشريعه استعدادات هذا وذاك, ولم يحمل الناس على ما لا يطيقون, وما يمكن أن تمله نفوسهم وتتقاصر عنه, فشرع العدل وذلك بأن يصل كل ذي حق إلى حقه, ولكن دعاه في الوقت ذاته إلى الإحسان وهي مرتبة أعلى من العدل فيها التضحية والصفح والتجاوز, فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] وقال أيضاً:[وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ] وهذا يختلف عن الدعوات المثالية التي نادى بها بعض الفلاسفة من أمثال أفلاطون في كتابه الجمهورية الفاضلة, وكذلك النصارى في الوصايا التي نسبوها إلى نبي الله عيسى عليه السلام, وهي مستعصية على التطبيق, ولا تستقيم معها حياة الإنسان, وسرعان ما يملها, وتسأم نفسه من فعله لما فيها من تكلف شديد. قال عليه الصلاة والسلام: (عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا). وفي معناه قوله تعالى: [فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ] الوسطية: ! وتعني كون الأخلاق الإسلامية وسطاً بين طرفين متضادين, وهذه الوسطية والاعتدال جلية في جوانب الدين الإسلامي كله؛ ففي نظرته إلى تكوين الإنسان كان وسطاً بين: • غلاة المثاليين الذين يعتبرون الإنسان روحاً علوية محبوسةً في الجسد ويجب عليه أن يتحرر منه. • غلاة الواقعيين الذين يعتبرون الإنسان جسداً فقط ويتنكرون للروح ومتطلباته. فجاء الإسلام وقرر أن الإنسان مخلوق مركب من عقل وشهوة, وفيه استعداد للتقوى والفجور, وقد بين الله له طريق الخير وطريق الشر بوساطة أنبيائه ورسله, ثم ترك له حرية , فقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}. !وفي نظرة الإسلام إلى الحياة كان وسطاً بين طرفين متقابلين هما: • من يرى أن الحياة هي هذه الدنيا التي نعيشها فقط. • وأولئك الذين يتنكرون لهذه الحياة الدنيوية ومتعها, ويرون أن السعي يجب أن يكون للآخرة فقط. فجاء الإسلام ليقرر الانسجام والتوافق بين الحياتين, وأن الدنيا مزرعة للآخرة, ويجب للإنسان أن يعمل لها ويسعى في عمارتها لأنها تمثل جزءاً من المهمة التي خلق الله عز وجل البشر من أجلها. قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }, أي طلب منكم عمارتها, وقال أيضاً: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ! وفي دعوته إلى التحلي بالفضائل الخلقية كان وسطاً لا يقبل الزيادة ولا النقصان, فعلى سبيل المثال لا الحصر, حث على: • الحكمة واعتبرها فضيلة, قال تعالى: [يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا] ولكنها تأتي بين رذيلتين هما: الخِبُّ والبَلَه. والخب: إفراطٌ وزيادة من جهة الاتصاف بالمكر والحيلة وسوء الظن. والبله: تفريط ونقصان عن الاعتدال, وسذاجة وسفه. • والسخاء واعتبره خلقاً كريماً, لكنه بين أنه يأتي بين رذيلتين, هما: الإسراف والتقتير, قال تعالى: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا] وقال: [وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا] • والشجاعة وهي وسطٌ بين رذيلتي التهور والجبن. فالتهور زيادة عن الاعتدال، ويقدم بها الإنسان على الأمور المحظورة، التي يجب في العقل الإحجام عنها, قال تعالى: [وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]. والجبن نقصان عن الاعتدال, قال تعالى في وصف المنافقين: [رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ] • والعفة وهي وسط بين رذيلتي الشره والخمود. فالشره هو إفراط الشهوة إلى المبالغة في اللذات. والخمود هو خمود الشهوة عن الانبعاث إلى ما يقتضي العقل نيله وتحصيله. • والحياء وهو وسط بين رذيلتي الوقاحة وصفاقة الوجه من جهة, والخور والمهانة من جهة أخرى. • والتواضع وهو وسط بين رذيلتي الكبر والعلو من جهة, والذلة والحقارة من جهة أخرى. • والعدل هو التوسط المحمود في كل شيء, بأن يعطي كل ذي حق حقه, من غير غبن وتغابن. والغبن إفراط أي أن يأخذ ما ليس له، والتغابن تفريط, أي أن يعطي في المعاملة ما ليس عليه حمد وأجر. |
2011- 10- 30 | #4 |
أكـاديـمـي نــشـط
|
رد: محتوي الاخلاق الاسلامية واداب المهنة 1 - 5
المحاضرة الرابعة وسائل اكتساب الأخلاق ذكرنا فيما تقدم أن هناك أخلاقاً فطرية, بمعنى أن بعض الناس تشمله العناية الإلهية فيولد سليم الفطرة, كامل العقل, حسن الخُلق, عالِماً مؤدَّباً بغير معلِّمٍ أو مؤدِّبٍ كما هو الحال في الأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام الذين اصطفاهم الله واختارهم, وجعلهم بفضله قدوات صالحة تمثل قمة الكمال البشري. وهناك من يمُنُّ الله عليه ببعض الصفات الخلقية الحميدة كما في حديث أشج عبد القيس حين أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله, الحلم والأناة". وحين سأله أهما من كسبه أم جبله الله عليهما؟ قال: "بل الله جبلك عليهما".() فإذا ما استثنينا هذه الحالات فإن الصفات الخلقية الحميدة تحتاج إلى وسائل لاكتسابها والاتصاف بها, ومن أهم هذه الوسائل: !التدريب العملي والرياضة النفسية: وذلك من خلال مجاهدة النفس, وحملها على الأعمال التي يقتضيها الخُلق المطلوب. فمن أراد مثلاً أن يُحَصِّلَ لنفسه خُلُق الجود, فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد, وهو بذل المال, فلا يزال يطالب نفسه, ويواظب عليه تكلفاً, مجاهداً نفسه فيه حتى يصير ذلك طبعاً له, ويتيسر عليه, فيصير به جواداً. وكذا من أراد أن يُحَصِّلَ لنفسه خُلُق التواضع وقد غلب عليه الكِبْر, فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة, وهو فيها مجاهد نفسه, ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقاً له وطبعاً, فيتيسر عليه. وجميع الأخلاق المحمودة شرعاً تحصل بهذا الطريق, وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذاً. فالسخي: هو الذي يَسْتلِّذ بذلَ المال الذي يبذله, دون الذي يبذله عن كراهة. و المتواضع: هو الذي يَسْتلِّذ التواضع. وفي هذا المعنى جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة), ويجب أن يكون هذا الاستلذاذ للطاعة واستكراه المعصية على الدوام وفي جملة العمر, وكلما كان العمر أطول, كانت الفضيلة أرسخ وأكمل, ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: (من طال عمره, وحسن عمله), وهو ما كان يجعل الأنبياء والصالحين من العباد يكرهون الموت, فإن الدنيا مزرعة الآخرة, وكلما كانت العبادات أكثر بطول العمر, كان الثواب أجزل, والنفس أزكى وأطهر, والأخلاق أقوى وأرسخ. فإذن يمكن اكتساب الأخلاق الجميلة بالرياضة, بتكلف الأفعال الصادرة عنها ابتداءً لتصير طبعاً انتهاءً, وهذا من أثر العلاقة بين القلب والجوارح. أي النفس والبدن. فإن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها, وكل فعل يجري على الجوارح فإنه قد يرتفع منه أثر إلى القلب, والأمر فيه دور. ويعرف ذلك بمثال؛ وهو: أن من أراد أن يصير حاذقاً في الكتابة (خطاطاً) فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب الحاذق, ويواظب عليه مدة طويلة, يحاكي الخط الحسن, فإن فعل الكاتب هو الخط الحسن, فيتشبه بالكاتب تكلفاً ثم لا يزال يواظب عليه, حتى يصير صفة راسخة في نفسه, فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعاً, كما كان يصدر منه في الابتداء تكلفاً. وكذلك من أراد أن يصير فقيه النفس, فلا طريق له إلا أن يتعاطى أفعال الفقهاء, وهو التكرار للفقه, حتى تنعطف منه على قلبه صفة الفقه, فيصير فقيه النفس. وكذلك من أراد أن يصير سخياً عفيف النفس حليماً متواضعاً فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفاً حتى يصير ذلك طبعاً له فلا علاج له إلا ذلك. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة فقال: (مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ،وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ). أي أن من درب نفسه وحملها على ما يريد, وجد الاستجابة له بإذن الله. فالبداية من العبد, ثم يأتيه التوفيق من الله تعالى. فكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً, وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء, فكذلك النفس تخلق ناقصة, قابلة للكمال. وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق, والتغذية بالعلم. !البيئة الصالحة والجليس الصالح: وذلك بمشاهدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم, وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح, إذ الطبع يسرق من الطبع الشرَّ والخيرَ جميعاً. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً). قال النووي: "في الحديث تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فُجْرُه وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة". وقال الشيخ ناصر السعدي رحمه الله: "اشتمل هذا الحديث على الحث على اختيار الأصحاب الصالحين، والتحذير من ضدهم, ومثل النبي صلى الله عليه وسلم بهذين المثالين، مبيناً أن الجليس الصالح: جميع أحوالك معه, وأنت في مغنم وخير، كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك: إما بهبة، أو بعوض. وأقل ذلك: مدة جلوسك معه، وأنت قرير النفس برائحة المسك فالخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذفر، فإنه إما أن يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك، أو يهدي لك نصيحة، أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك. فيحثك على طاعة الله, وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويبصرك بعيوب نفسك، ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله. فإن الإنسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه، والطباع والأرواح جنود مجندة، يقود بعضها بعضاً إلى الخير، أو إلى ضده. وأما مصاحبة الأشرار: فإنها بضد جميع ما ذكرنا، وهم مضرة من جميع الوجوه على من صَاحَبَهُمْ، وشر على من خالطهم. فكم هلك بسببهم أقوام. وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون. ولهذا كان من أعظم نعم الله على العبد المؤمن: أن يوفقه لصحبة الأخيار. ومن عقوبته لعبده: أن يبتليه بصحبة الأشرار. صحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين. صحبة الأخيار توجب له العلوم النافعة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة. وصحبة الأشرار: تحرمه ذلك أجمع: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا , يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا , لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } إن أقل ما تستفيده من الجليس الصالح - وهي فائدة لا يستهان بها - أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي، رعاية للصحبة، ومنافسة في الخير، وترفعاً عن الشر، وأن يحفظك في حضرتك ومغيبك، وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك، وأن يدافع عنك بسبب اتصاله بك، ومحبته لك. وتلك أمور لا تباشر أنت مدافعتها، كما أنه قد يصلك بأشخاص وأعمال ينفعك اتصالك بهم. وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى. وحسب المرء أن يعتبر بقرينه، وأن يكون على دين خليله. وفي حديث آخر بين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثر البيئة الفاسدة والبيئة الصالحة على المرء, فقَالَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ. فَقَالَ: لا. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ. فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ: مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ: مَلائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَط. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَه. ُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ) قال النووي: "قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدى بهم وينتفَع بصحبتهم" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ) !القدوة الحسنة: الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد, وهذا أمر واقعٌ مشاهد في دنيا الناس, فإذا نظرت إلى كثير من الكافرين وجدت أن كفرهم كان تقليداً لآبائهم وكبرائهم, [وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ]. وإذا كان هذا الأمر مشاهداً ومسلَّماً في حياة الناس, إذاً فليتخذ الإنسان العاقل من أكمل الخَلْق إيماناً وأخلاقاً القدوة في حياته, وهو رسول الله الذي ارتضاه الله لنا قدوة, وأمرنا بالتأسي به, فقال تعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] فهو خير قدوة يقتدي بها الأفراد ، وخصوصاً الطامحون لبلوغ الكمال الإنساني في السلوك. ولئن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه فإن الله قد حفظ لنا سنته، وبقيت سيرته خالدة شاهدة على سمو روحه وكمال نفسه ورفعة أخلاقه ، فما على من أراد التأسي به إلا مطالعتها والعمل بما كان عليه صلى الله عليه وسلم. • إن المسلم إذا أُبرزت أمامه القدوات الطيبة, والنماذج الراقية, فإنه يسارع إلى تقليدها والتأسي بها. وإنه مطالب بالتأسي بالنماذج الطيبة المرضية عند الله تعالى، وقد وجدنا القرآن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تحدث عن بعض الأنبياء والمرسلين. [أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ] • وهذه القدوة الصالحة لها تأثير عجيب في اكتساب الفضائل لأسباب متعددة.. منها: • كون هذه القدوة محل تقدير وإعجاب كبير من الناس، مما يولد في الفرد المحروم من أسباب هذا المجد حوافز قوية تدفعه إلى تقليد هذه القدوة الصالحة ومحاكاتها في أخلاقها وسلوكها، مما يحولها مع الوقت إلى خلق مكتسب. • وجود القدوات الصالحة والنماذج الحسنة يعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل أمر ممكن فيدفع إلى محاولة التخلق بمثل أخلاقه. • أن النفس البشرية تتأثر بالأمور العملية أكثر بكثير من تأثرها بالأمور النظرية ؛ولهذا وجدنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها تشير على النبي أن يبدأ بحلق رأسه بعد صلح الحديبية في وقت امتنع فيه كثير من المسلمين عن الحلق فلما رأوا رسول الله حلق تسابقوا إلى الحلق تأسيا به صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أيضا أثر عن بعض السلف قوله:إن فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل. • إن من واجب المصلحين والدعاة المربين : أن يبرزوا للناس وخصوصاً للشباب والنشء النماذج الصالحة أسلافنا, من صحابة رسول الله وتابعيهم بإحسان, فيبرزوا سير العلماء الربانيين, والزهاد الأتقياء العابدين, والقادة الأفذاذ الفاتحين, والمربين الناجحين المؤثرين لتتحرك الهمم نحو التأسي بهم, والسير على نهجهم. !الضغط الاجتماعي: ونعني بذلك المجتمع المسلم, بما يشكله من رقابة على سلوك الأفراد, وإلزامهم بفضائل الأخلاق. وذلك أن الفرد يعيش مع الناس داخل هذا المجتمع, يحتاجهم في شؤون حياته, ولا يستغني عنهم, ويحتاج منهم التقدير والاحترام, فإذا ما أقدم على تصرف سيء فسيجد من يحاسبه على سلوكه ذاك, وسيشعره بأنه أقدم على سلوك غير مقبول, ومن ثم فإن عليه أن لا يعاوده. ويوماً بعد يوم, ومع هذه الرقابة من المجتمع والضغط الذي يشكله على سلوكه, فإنه سيهجر هذا التصرف السيئ وسيبدله بتصرف آخر مقبولاً ويجلب له الرضا والاحترام والتقدير ممن حوله. والفرق بين هذا وبين ما سبق من تأثير البيئة الصالحة, هو أن البيئة: هي تلك المجموعة من الناس الذين يعيش معهم بشكل مباشر كل يوم, وبصورة مستمرة. هنا فالضغط الاجتماعي: يعني ما هو أعم. إنه المجتمع بكل طبقاته وأطيافه وفئاته. فهناك رقابة من المجتمع على وسائل الإعلام المختلفة من جرائد ومجلات وكتب وإذاعات وخطب ومقالات ومواعظ وحوارات, فيقوم مستمعوه وقراؤه, بمحاسبته على أقواله وتصرفاته المخالفة للفضائل الخلقية. فالمسؤولية اجتماعية, وفي بيان ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ثُمَّ قَالَ كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا) رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما. ويؤيد الحديث الآخر: (مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَصَارَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، وَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعاً، وَإنْ أخَذُوا عَلَى أيدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوْا جَميعاً) رواه البخاري. ومعنى (القَائِم في حُدُودِ اللهِ تَعَالَى): المنكر للوقوع فيها، والقائم في دفعِها وإزالتِها، وَالمُرادُ بالحُدُودِ: مَا نَهَى الله عَنْهُ. ومعنى: اسْتَهَمُوا: اقْتَرَعُوا !سلطان الدولة: ونعني بها السلطة الحاكمة بما تملكه من قوة ردع, وأجهزة رقابة, وفي بيان أثر هذه الرقابة من الدولة يقول الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). أي أن الله يدفع بالسلطان أناساً عن اقتراف المنكر, وذلك خوفاً من عقوبته, لأن القرآن الكريم لا يدفعهم ولا يؤثر فيهم, فقلوبهم ميتة, وإيمانهم ضعيف, وعقولهم معطلة, وما يردعهم هو خوف العقوبة فقط. |
2011- 10- 30 | #5 |
أكـاديـمـي نــشـط
|
رد: محتوي الاخلاق الاسلامية واداب المهنة 1 - 5
المحاضرة الخامسة المسؤولية عن السلوك الأخلاقي وهي على الترتيب : الإلزام, ثم المسؤولية, ثم الجزاء. بمعنى أن : الإلزام يكون أولاً, ثم تتبعه المسؤولية, ثم يتبعهما الجزاء أخيراً. أولاً – الإلزام: تعريفه: يمكن تعريف الإلزام في باب الأخلاق بأنه: تكليفٌ بتشريع خُلُقي.() أو بعبارة أوضح: أمرٌ صادرٌ من الشرع للمكلفِ بامتثال خُلُقٍ محمودٍ, أو اجتنابِ خُلُقٍ مذموم. والمقصود بالمكلف هو الشخص : البالغ العاقل. مصادر الإلزام الخلقي: يذهب عامة المسلمين إلى أن مصدر الإلزام الخلقي كغيره من الأحكام الشرعية- إنما هو نصوص الشريعة من كتابٍ وسنةٍ. قال تعالى: [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ] وقال أيضاً: [وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا], فالآيتان تدلان بوضوح على أنه لا محاسبة, ولا عقاب قبل إرسال الرسل, وإقامة الحجة من الله تعالى على العباد. وما اتباعنا للرسول صلى الله عليه وسلم, إلا لامتثال أمره سبحانه, حيث قال: [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا], وقال أيضاً: [قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الكَافِرِينَ].وإذا كان مصدر الإلزام هو الشرع, فإن هناك أموراً تعين على تحقيق الالتزام في حياة الناس, وهي متفرعة عن الشرع, ومنضبطة به, وتتمثل في عوامل خارجية كالمجتمع والسلطة الحاكمة, وعوامل داخلية كالإيمان والعقل والفطرة والضمير الخلقي.() ! وفيما يلي بيان موجز بكل واحدة منها: الإيمان بالله: إن كثيراً من الممارسات الخلقية الحميدة لا تقوم إلا على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر, كما في مقابلة الإساءة بالإحسان, والصبر على الظلم مع القدرة على الرد, والإنفاق على الأيتام والمحتاجين من غير انتظار الجزاء منهم, والتضحية بالمال مع شدة الحاجة إليه, كما قال تعالى: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً, إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً] يقول ابن القيم رحمه الله: " الإيمان هو روح الأعمال, وهو الباعث عليها والآمر بأحسنها والناهي عن أقبحها, وعلى قدر قوة الإيمان يكون أمره ونهيه لصاحبه, وائتمار صاحبه وانتهاؤه". العقل: وذلك أن الإنسان إذا رأى أن عاقبة فعله ستكون نافعة مفيدة أقدم عليه, وإذا رأى أنها ستكون ضارة أو أليمة أحجم عنه. قال تعالى مخبراً عن أهل النار: [وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ] يقول ابن القيم رحمه الله: " أما العقل فقد وضع الله سبحانه في العقول والفطر استحسان الصدق والعدل والإحسان والبر والعفة والشجاعة ومكارم الأخلاق وأداء الأمانات وصلة الأرحام ونصيحة الخلق والوفاء بالعهد وحفظ الجوار ونصر المظلوم والإعانة على نوائب الحق وقرى الضيف وحمل الكل ونحو ذلك ووضع في العقول والفطر استقباح أضداد ذلك ونسبة هذا الاستحسان والاستقباح إلى العقول والفطر كنسبة استحسان شرب الماء البارد عند الظمأ وأكل الطعام اللذيذ النافع عند الجوع ولبس ما يدفئه عند البرد فكما لا يمكنه أن يدفع عن نفسه وطبعه استحسان ذلك ونفعه فكذلك لا يدفع عن نفسه وفطرته استحسان صفات الكمال ونفعها واستقباح أضدادها ومن قال : إن ذلك لا يعلم بالعقل ولا بالفطرة وإنما عرف بمجرد السمع فقوله باطل". الفطرة: فالإنسان بفطرته السليمة يهتدي إلى الأخلاق الحميدة, ويرتاح لها, قال تعالى: [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ], ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه واقرؤوا إن شئتم: { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}. يقول ابن القيم: "الله سبحانه قد أنعم على عباده من جملة إحسانه ونعمه ... أن خلقهم في أصل النشأة على الفطرة السليمة. فكل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يخرجانه عنها كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم وشبه ذلك بخروج البهيمة صحيحة سالمة حتى يجدعها صاحبها". المجتمع: فقد أمر الله سبحانه جماعة المسلمين أن يراقبوا سلوك الأفراد داخل المجتمع, وأن يأخذوا على يد الشارد منهم عن جادة الحق, ويعاقبوا المنحرف. قال تعالى: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ], وقال تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان).() فالأمة كلها مكلفة بأن تراقب أفعال الناس وتصرفاتهم, فتأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر, وتأخذ على يد الظالم والعابث, وإلا نال جميع أبنائها شؤم المعصية. قال تعالى محذراً من ذلك: [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً] ولي الأمر (أو السلطان) :فإن من واجبه حمل الناس على الالتزام بحدود الشرع الحنيف, والتحلي بالأخلاق الفاضلة, والابتعاد عن السلوكيات المنحرفة والمحرمة. فمهمته الرئيسة في حكمه هي "حراسة الدين, وسياسة الدنيا" وعليه أن يستعين في سبيل تحقيق ذلك بالأعوان الصالحين, فإن في الناس من لا يردعه إلا الخوف من العقوبة. خصائص الإلزام الخُلُقي: يمتاز الإلزام الخلقي في الإسلام بجملة من الخصائص أهمها: 1- الإلزام بقدر الاستطاعة, [لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا], فلا تكليف إلا بقدر الطاقة والاستطاعة, وهذا مبدأ يقتضيه العدل الإلهي, كما يقتضيه الخلق القويم. 2- اليسر في التطبيق, [يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ], إذ لم يشرع لنا من التكاليف ما من شأنه أن يوقعنا في الحرج والمشقة. 3- مراعاة الأحوال الاستثنائية, كما في إعفاء العجزة والضعفاء والمرضى عن الجهاد, [لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ] والرخصة للمكره على الكفر, بالتلفظ بلسانه بما هو كفر مع بقاء قلبه مطمئناً بالإيمان, [مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْراً] . ثانياً: المسؤولية: تعريفها: هي "التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً".() أو هي: "تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والسلبية أمام اللّه".() شروطها: تتمثل الشروط الضرورية لمسئولياتنا أمام اللّه ثم أمام أنفسنا فيما يلي: 1- أن يكون أهلاً لتحمل المسؤولية (أي بالغاً عاقلاً) فلو كان مجنوناً أو صغيراً دون البلوغ لحديث (رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق, وعن الصبي حتى يحتلم, وعن النائم حتى يستيقظ). 2- أن يكون العمل نابعاً من إرادته, وإلا فلو كان العمل لا إرادياً كما في الخطأ أو في حالة النائم, أو كان صاحبه مكرهاً لم يتحمل مسؤولية تصرفه. لحديث: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). 3- النية, إذ المسؤولية الحقيقية عند الله إنما هي على النية والقصد دون ظاهر السلوك, أي أن تتجه النية من الشخص إلى العمل, وأن يعمل حقيقة. وهذا هو المطلوب من الإنسان, وبه ينتهي مجال الفعل الأخلاقي، وأما النتائج والمعطيات فلسنا مسؤولين عنها, بل أمرها بيد اللّه تعالى.يقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيان هذه الحقيقة: (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى), ويؤكد قول الله تعالى: [لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ] هذه الحقيقة. وعليه فإن الإنسان غير مسؤول عن أعماله اللاإرادية, لأنه لا مسؤولية من غير إرادة، كما أنه غير مسؤول عن فعله الذي وقع خطأ منه, لعدم توافر نية الشر لديه, وفي بيان ذلك يقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}. 4- العلم بالعمل, وبما يؤدي إليه من خير أو شر, أو إمكانية العلم حتى وإن قصر ولم يتعلم, قال تعالى: [وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا] و لا يعني هذا عدم مؤاخذة الإنسان بما يجهل, بل المقصود أنه لا يؤاخذ حتى تقوم عليه الحجة, فإذا أمكنه التعلم, ثم قصر ولم يتعلم, فإنه لا يُعذر بجهله. كون العمل مستطاع الفعل والترك, [لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا] خصائص المسؤولية: تتسم المسؤولية في الإسلام بأنها ذات طابع شخصي، بمعنى أن الإنسان مسؤول عن تصرفاته فقط, دون غيره, وهناك آيات كثيرة من كتاب الله تؤكد هذه الحقيقة منها: {مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}, ومنها: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى}. وعلى تصرفاته من الأقوال والأفعال يأتي الثواب والعقاب. إلا أن هذه المسئولية الفردية لا تمنع الفرد أن يكون مسؤولاً عن انحراف مسلك أبنائه أو أقرانه، أو من له ولاية عليه, والمسؤولية هنا ليس من أجل الفعل, بل من أجل التقصير في واجبه فيما وكل إليه (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته), أو لتقاعسه عن واجبه الذي فرضه عليه الشرع, قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهمون عن المنكر}. أنواع المسئولية: 1- المسئولية الأخلاقية المحضة: وتعني الالتزام الذاتي من الإنسان نفسه على الإتيان بشيء أو الانتهاء عن فعل شيء. 2- المسئولية الاجتماعية: وتعني الالتزام تجاه الآخرين وما يفرضه المجتمع من قواعد. 3- المسئولية الدينية: وتعني الالتزام أمام اللّه تعالى. ثالثاً - الجزاء: تعريفه: هو الأثر المترتب على الفعل الإنساني؛ ظاهراً أو باطناً، في الدنيا أو في الآخرة. أنواعه: للجزاء ثلاثة أنواع هي: الجزاء الأخلاقي, والجزاء الشرعي, والجزاء الإلهي. 1- الجزاء الأخلاقي: ويعني ما يلاحظه الإنسان من نفسه جراء إقدامه على عمل طبقا لما يعرفه من الأحكام والتشريعات والقواعد ويحس بها، كالرضا في حالة النجاح، والألم في حالة الإخفاق. يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن). حديث صحيح. ففي هذا الحديث ترجمة وتحديد للإيمان الخلقي. 2- الجزاء الشرعي: ونعني به العقوبات التي أقرتها الشريعة الإسلامية لأولئك الذين يتعدون حدود اللّه، فيظلمون بذلك أنفسهم، ويظلمون غيرهم. والغاية من هذا الجزاء الشرعي معاقبة المجرم وردعه, وكذا ردع الآخرين ممن يمكن أن تسول له نفسه ارتكاب مثل تلك الجرائم. وهذه العقوبات على نوعين: حدود: وهي جزاءات حددها الشرع كحد الزنا، والسرقة، والقذف... . وتعزيرات: أي عقوبات تأديبية يفرضها القاضي على جناية أو معصية لم يحدد الشرع فيها عقوبة. 3- الجزاء الإلهي: إذا كان النوعان السابقان من الجزاء يقعان في الدنيا، فإن الجزاء الإلهي له طبيعته وامتداداته من الدنيا وإلى الحياة الآخرة. في حالة الطاعة والامتثال له في الدنيا الرضا من الله والتوفيق والحفظ وتيسير الأمور والنصر والعزة , وهناك آيات كثيرة تؤكد هذا منها: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ومنها { إن تنصروا الله ينصركم}. وفي حالة المعصية والاستمرار عليها وعدم التوبة منها له في الدنيا ضنك العيش والمصائب والسخط من الله, قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ}, وقال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}. وفي الحياة الأخرى للمؤمن الجنة والرضا, قال تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً..} وقال تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً}. وللكافر والمنافق نار جهنم والسخط من الله, قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ]. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
محتوى, المهنة, الاخلاق, الاسلامية, واداب |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مناقشات مادة الاخلاق الاسلامية واداب المهنة | al-otibi | E3 | 18 | 2011- 12- 5 08:47 AM |
واجب الاخلاق الاسلاميه واداب المهنة | طالبة مغفرة ربي | الدراسات الإسلامية | 4 | 2011- 10- 17 08:26 PM |
محاضرة مباشرة اليوم السبت المادة الاخلاق الاسلامية واداب المهنه اول محاضرة مباشرة البنات والشباب | بنت الأسلام | ارشيف المستوى 3 تربية خاصة | 266 | 2011- 10- 8 07:38 PM |
الأخلاق الاسلامية واداب المهنة.. مالقيتها في جدول المحاضرات المباشرة | New Vision | E3 | 7 | 2011- 10- 8 07:34 PM |
السلام مين عنده اسئلة اختبار الاخلاق كامله | دلع بنات11 | الدراسات الإسلامية | 11 | 2011- 9- 25 01:30 AM |