ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

العودة   ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام > .: ساحة الطلاب والطالبات الغير أكاديمية :. > .: الـسـاحـة الـعـامـة :. > ملتقى المواضيع العامة
التسجيل الكويزاتإضافة كويزمواعيد التسجيل التعليمـــات المجموعات  

ملتقى المواضيع العامة منتدى المواضيع العامة والنقاش الهادف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2014- 11- 12
ساعد وطني
Banned
بيانات الطالب:
الكلية: خريج
الدراسة: غير طالب
التخصص: خريج
المستوى: خريج جامعي
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 1001
المشاركـات: 1
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 84395
تاريخ التسجيل: Thu Sep 2011
المشاركات: 62
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 59
مؤشر المستوى: 0
ساعد وطني will become famous soon enough
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
ساعد وطني غير متواجد حالياً
الأمن الفكري

[size="4"]مقدمة:
من المقطوع به أن صمام أمان المجتمع فكرياً وسلوكيا ونفسياً كائن في تطبيق أوامر القرآن ونواهيه، ولاشك أن حفَّاظ القرآن الكريم هم الحراس الشرفاء الذين يحملون لواء الحق ويبلغون عن الله رسالاته، وهم الذين يمسِّكون بالكتاب للعمل به وتوريثه للأجيار جيلا بعد جيل.
ولما كان لأهل القرآن هذا الشرف العظيم، كان من الفضل المبين أن أنال شرف مزاحمتهم بهذا البحث الموسوم بـ ” الأمن الفكري ” وهو ضمن المحور الأول: حفظ الأمن على مستوى الفرد. من محاور الملتقى الرابع للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية، المنعقد في الفترة من: 10:8/ 5/1429 هـ ـ إن شاء الله تعالى ـ بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة بالمملكة العربية السعودية.
توخيت في إعداده الربط المباشر بين موضوع الورقة وأهداف الملتقى، كما تم المزج بين الأمور النظرية والجوانب العملية التطبيقية، وذلك من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كما راعيت تنوع ثقافة المستهدفين وتفاوت مستوياتهم العلمية.
وقد قسمت هذا البحث إلى أربعة مطالب، وخاتمة وتوصيات:
المطلب الأول: غرس العقيدة الصحيحة في نفس حافظ القرآن الكريم .
المطلب الثاني: التطبيق العملي للدعوة المتكررة المنبعثة من القرآن التي تدور حول: التفكر ، والتعقل ، والتدبر .
المطلب الثالث: قصص القرآن و الأمن الفكر ي.
المطلب الرابع: دور معلمي الحلقات في المحافظة على فكر الطلاب
الخاتمة وقد تضمنت أهم النتائج والتوصيات وقد تضمنت ما أراه مهمَّاً يجب أن نوصي به.
المطلب الأول: غرس العقيدة الصحيحة في نفس حافظ القرآن الكريم :
مما يجدر بحافظ القرآن الكريم تطبيقه لتأمين فكره من الزيع والضلال:
غرس العقيدة الصحيحة في نفسه من خلال تفهمه لآيات العقيدة المسطورة في القرآن الكريم التي منها قوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{11} وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ{12} قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{13} قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي{14} فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{15} {الزمر }
وقوله تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163}{الأنعام}
المعنى: قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن صلاتي, ونسكي أي: ذبحي لله وحده, لا للأصنام, ولا للأموات, ولا للجن, ولا لغير ذلك مما تذبحونه لغير الله, وعلى غير اسمه كما تفعلون, وحياتي وموتي لله ـ تعالى ـ رب العالمين، لا شريك له في ألوهيته ولا في ربوبيته ولا في صفاته وأسمائه, وبذلك التوحيد الخالص أمرني ربي ـ جل وعلا ـ وأنا أول من أقر وانقاد لله من هذه الأمة.(1)
فالعقيدة الصحيحة المرضية تعني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت وبالإيمان بالقدر خيره وشره. ومن هنا عني القرآن الكريم ببناء العقيدة، فلا تكاد تخلو أيَّة سورة – مكية كانت أو مدنية- من شد الإنسان بكليته إلى ربه، وربط كل تصرف بهذه العقيدة التي تمثل القاعدة الأساس لهذا الدين الذي لا يقوم بدونها، ولقد كانت العقيدة هي الموضوع الأم الذي عالجته السور المكية.
ومن هنا نقول إن حافظ القرآن الكريم لا بد أن يكون مصحفا يمشي على الأرض بعقيدته السليمة المبنية على الإيمان بالله وبكل ما وصف الله به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والعقيدة السليمة تعني التوسط والاعتدال لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … }{البقرة143}
والعقيدة السليمة تعني التبري من الغلو الذي وقع فيه أهل الكتاب قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }{المائدة77}
يقول العلامة الزمخشري : ” غلت اليهود في حط المسيح ـ عليه السلام ـ عن منزلته حيث جعلته مولوداً لغير رشده، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلهاً . ” (2)
والعقيدة السليمة تعني عدم التشدد: كما حذرنا رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه عنه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ …”(3)
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني معلقاً على هذا الحديث:-
” والمشادة بالتشديد المغالبة، يُقال: يشاده شاده مشادة إذا قاواه، والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فَيُغْلَب.
قال ابن المُنَير: ” في هذا الحديث علَم من أعلام النبوة فقد رأينا، ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، .. وفي حديث محجن بن الأدرع رضي الله عنه عند أحمد: ” إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة.
والعقيدة السليمة تعني عدم التنطع لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “هلك المتنطعون” (4) أي: المنعمون الغالون المجاوزن الحدود في أقوالهم وأفعالهم.(5) وهيئة التنطع: خروج الكلام من أقصى الحلق تكبراً (6)
ومن هنا نجزم بـأن العقيدة السليمة هي التي تحمل الوحدانية لله رب العالمين، كما تحمل صفات الاعتدال والتوسط، وهي صمام الأمن الفكري للمجتمع بصفة عامة ولحافظ القرآن بصفة خاصة.
المطلب الثاني: التطبيق العملي لدعوة القرآن للتفكر، والتعقل، والتدبر
أولا: التفكر:
من الملاحظ أن آيات القرآن الكريم التي تحث على التفكر تدور في مجملها حول حماية المطبِّق لها من كل أنواع الانحراف وذلك كما يتضح من خلال النقاط التالية:
1.ذكر الله مقدمة للأمن الفكري:
قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }{آل عمران191}فقد بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن ذكر الله تعالى قياماً وقعوداً وعلى الجنب، أي: في كل الأحوال، يهدي الذاكر لنعمة التفكر في صنعة الله المتقنة، في خلق السماوات والأرض لينطق في نهاية الأمر بقوله{ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ }قد تنزهت عن العبث فقنا بفضلك عذاب النار، وهذا عين الأمن الفكري.
2.التفكُّر يؤدي إلى الوقوف على حقيقة الدنيا وهوانها:
قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }{يونس24}
والآية تبين أن فناء الدنيا قادم لا محالة، فكما بيَّن ـ سبحانه ـ للناس هذه الحقيقة، بيِّن حججه وأدلته لقوم يتفكرون في آيات الله فيتدبرون ما ينفعهم في آخرتهم.
3.التفكر يؤكد أن الآجال بيد الله وحده:
قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}{الزمر42}
أي: إن في حبسه تعالى نفس الميت وإرساله نفس النائم لَدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر، وعلم أن الآجال بيد الله وحده دون سواه.
4.التفكر في آلاء الله يؤدي إلى الاتعاظ وشكر المنعم:
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }{الرعد3 } أي: إن في ذلك المذكور ـ من مد الأرض، وتثبيتها بالجبال الرواسي، وشق الأنهار الجارية، وإغداقه تعالى علينا بكل صنوف الثمرات، وتغشي الليل النهار ـ لعظات لقوم يتفكرون فيها, فيتعظون ويشكرون المنعم سبحانه.
ومن ذلك قوله سبحانه:{يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}{النحل11 } ومن ذلك قوله تعالى في حق النحل {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }{النحل69} ومن ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}{الروم21 }
ومن ذلك قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}{الجاثية13 } و من هنا عيب على المكذبين عدم تفكرهم في خلق السماوات والأرض مما أدي بهم إلى حجود الإيمان بالمعاد قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}{الروم8 }
5.التفكر المؤدي إلى الهداية غاية من غايات إنزال القرآن:
التفكر المؤدي إلى الهداية غاية من غايات إنزال القرآن على قلب سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقوله تعالى: {.. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }{النحل44}
6.التفكر هو الطريق الذي به يفهم القرآن الكريم:
القرآن الكريم يثبت أن التفكر هو الطريق الأمثل لتفهم معاني القرآن والعمل به لقوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}{الحشر21 }
7.التفكر يؤدي إلى الإخلاص:
التفكير السوي فيما ضرب الله لنا من أمثال في القرآن الكريم يؤدي إلى إخلاص العمل لله تعالى: لقوله عز وجل: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}{البقرة266}
وهو مثل يحمل على حال غير المخلصين في نفقاتهم, فكما تحرق الريح المحملة بالنار البستان الذي تمر به، يأتي المنفق رياءً يوم القيامة ولا حسنة له، وقد ضرب الله لنا هذا المثل حماية لأفكارنا من الرياء، وغرساً لخلق الإخلاص في كل ما نفعله.
8.التفكر يقرب صاحبه مما ينفع:
التفكير الصحيح امتثالا لأمر الله ـ تعالى ـ يقرب صاحبه مما ينفع ويصده عما يضر، ومثال ذلك ما كان من أمر الخمر وامتناع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ عنها ومن بعدهم المسلمين ، لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }{البقرة219} أي: لكي تتفكروا فيما ينفعكم كالإنفاق ونحوه فتأتونه، وفيما يضركم كالخمر ومذهبات العقول فتجتنبونه.
9.التفكر المجرد يؤدي إلى الإيمان بنبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ثبت قرآنياً أن من استجاب لدعوة القرآن الكريم ففكر ملياً في أمر النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ لأداه ذلك إلى نفي ما ألصقه أعداء الإسلام بنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأثبت أنه ناصح أمين، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }{الأعراف184} تحمل الآية دعوة للتأمل وإعمال العقل تؤدي في نهاية الأمر إلى أنه ليس بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ جنون بل هو ناصح مبين.
هذا وكما دعانا القرآن الكريم إلى التفكر، فقد حثنا على التعقل والتدبر ودونك الحديث عنهما.
ثانياً: التعقل:
مما لا شك فيه أن القرآن الكريم تناول قضية العقل تناولا تضمن أسباب سلامة العقل المفكر، وأسباب انحرافه ومرضه، مما ينعكس إيجاباً و سلباً على الأمن الفكري لحافظ القرآن الكريم، بل على الأمة بأسرها.
وبتحليل الآيات التي ذكرت مادة العقل في القرآن الكريم نجد أنه تناولها من خلال منطلقين:
الأول: أسباب مرض العقل وانحرافه.
الثاني: أسباب سلامة العقل وصحته.
وقبل الشروع فيما أشرنا إليه نري أنه من المفيد النافع بيان أن:
حوارات الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مع أقوامهم تحمل دعوة صريحة لتعقل الأمور وتفهمها، ودليل ذلك:
ما جاء على لسان نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خطابه للكفار متحدثاً عن القرآن في قوله تعالى: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }{يونس16} أي: قل للمشركين يا محمد:… أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر، فتجزمون بأن القرآن حق أوحى الله به إليَّ فتؤمنون به، فقد مكثت فيكم زمنًا طويلا من قبل أن يوحيه إليَّ ربي؟!!
وما جاء على لسان نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ مقبحاً عبادة الأصنام بقوله: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }{الأنبياء67} أفلا تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه حتى صنعتم صنع المجانين؟!
ـ وما جاء على لسان هود ـ عليه السلام ـ حاثاً قومه على التعقل فيما حكاه سبحانه عنه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ {50} {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{51} {هود} أي: فتميِّزوا بين الحق والباطل؟
ـ وما جاء في محاجة نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ فرعون وملأه لعلهم يفهمون الحق ويتبعونه، فيوحدون الخالق ـ سبحانه ـ من قوله:{قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }{الشعراء28}
ـ كما نرى أن نزول القرآن بلغتنا العربية دعوة لإعمال العقل لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }{يوسف2} ولقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}{الزخرف3}أي: لعلكم تفهمون, وتتدبرون معانيه وحججه.
ومن هنا فإن العلماء لما أعملوا عقولهم كانوا الأقدر على فهم القرآن الكريم، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }{العنكبوت43}كما أن من لا يعقل أوامر الله ونواهيه أضل من الأنعام، لقوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }{الفرقان44} ومن هنا لفت الله تعالى أنظارنا وأفكارنا تجاه تدبر ما فيه عزنا وشرفنا ومجدنا فقال عز من قائل: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}{الأنبياء10 } أي: أفلا تعقلون ما فَضَّلْتكم به على غيركم؟
وبعد هذا التمهيد نتناول المنطلق الأول المتمثل في:
أبرز أسباب مرض العقل وانحرافه حسب ما جاء في القرآن الكريم كالآتي.
1ـ الكفر:
من أسباب مرض العقل الكفر لأنه يمثل إلغاءً للعقل لقوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }{البقرة171} حيث تصف الآية الكريمة الذين كفروا وداعيهم إلى الهدى والإيمان بوصف الراعي الذي يصيح بالبهائم ويزجرها, وهي لا تفهم معاني كلامه, وإنما تسمع منه مجرد النداء ودَوِيَّ الصوت فحسب، هؤلاء الكفار صُمٌّ لعدم التأثر بالحق, بُكْم حيث أخرسوا ألسنتهم عن النطق به, عُمْي لا ترى أعينهم إلا الباطل, فهم لا يعملون عقولهم فيما ينفعهم ومن هنا قال الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}{الأنفال22}
2ـ التشبه باليهود:
من أسباب مرض العقل التشبه باليهود قال تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إلا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}{الحشر14} والآية تحكي طرفاً من مخازي اليهود ذلك بأنهم لا يقاتلونكم يا معشر المسلمين مجتمعين إلا في قرى محصنة بالأسوار والخنادق, أو من خلف الحيطان, عداوتهم فيما بينهم ـ كيهود ـ شديدة, تحسبهم مجتمعين على كلمة واحدة, ولكن قلوبهم متشتتة، لأنهم قوم لا يعقلون عن الله أمره ولا يتدبرون آياته.
3ـ الابتداع:
من أسباب مرض العقل: الابتداع ومن أمثلة ذلك ما ابتدعه المشركون في بهيمة الأنعام افتراءً على الله، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }{المائدة103} (7) فقد نفى العقل عنهم بصنيعهم الموصوف في الآية.
4ـ الجهل:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم تمكن الجهل تقليداً لغير المهتدين قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}{البقرة170} والآية وصف لرد أهل الضلال ببيان موقفهم من نصح المؤمنين لهم باتباع ما أنزل الله من القرآن والهدى, وكونهم يصرون على تقليد أسلافهم المشركين ولو كانوا لا يعقلون عن الله شيئًا، ولا يهتدون سبيلا.
5ـ الاحتجاج بالباطل:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم الاحتجاج بالباطل، ومثال ذلك ما افتراه أهل الكتاب في حق خليل الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أنه كان يهودياً أو نصرانياً, وقد علموا أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاة خليل الرحمن بزمن طويل، من هنا كان الاستفهام الإنكاري التوبيخي الذي ذيلت به الآية الكريمة {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }{آل عمران65}
6ـ تعطيل العقل:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم تعطيله عن مهمة الفهم والطاعة لله سبحانه: قال تعالى على لسان الكافرين: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}{الملك10} أي: وقالوا معترفين: لو كنا نسمع سماع مَن يطلب الحق, أو نفكر فيما نُدْعى إليه, ما كنا في عداد أهل النار.
7ـ مخالفة العمل القول:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم مخالفة القول العمل ومثاله ما هو كائن في اليهود من تناقض واضح بين العمل والقول: قال تعالى في حقهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }{البقرة44} أي: أجننتم فلا تعقلون.
8ـ اتخاذ الكافرين أولياء :
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم اتخاذ البطانة الكافرة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }{آل عمران118} الآية تحمل تحذيراً لذوي العقول السليمة بعد اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين لأنهم لا يحملون إلا الفساد بين جوانبهم, بل ويفرحون بما يعنتكم, وقد ظهر البغض لكم من أقوالهم، والذي تخفيه صدورهم من الحقد عليكم أكبر وأعظم، والله بيَّن لكم ذلك محذراً إياكم كي تحطاتوا, إن كنتم تعقلون وتفهمون عن الله قوله.
9ـ الاستهزاء بالتكاليف الشرعية:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم الاستهزاء بالتكاليف الشرعية وذلك كصنيع اليهود والنصارى والمشركين عندما ننادي بالصلاة من السخرية والاستهزاء؛ وذلك بسبب جهلهم بربهم، وأنهم لا يعقلون، قال تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }{المائدة58}
10ـ تحريف كلام الله تعمداً:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم تحريف كلام الله بعد تحقق فهمه كما حدث من اليهود، قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }{البقرة75} ولنا أن نستنبط من هذا المركب الإضافي” كلام الله” أن اليهود لا يعبأون بأعظم الفوائد نفعاً طالما ليست منهم، أو يرونها مخالفة لهواهم، وبرهان ذلك أن النحاة قالوا: إن الكلام شرطه الإفادة، وهم ما أفادوا من كلام الله متعمدين(8)
11ـ عدم توقير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
من أسباب مرض العقل كما ورد في القرآن الكريم: عدم توقير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما حدث من جفاة بني تميم (9) من ندائهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خارج الحجرات وخلفها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ }{الحجرات4} أي: لغلبة الجهل عليهم وكثرة الجفاء في طباعهم.
مما سبق نستخلص أن الكفر، والابتداع، والجهل، والاحتجاج بالباطل، وتعطيل العقل، ومخالفة العمل القول، واتخاذ البطانة الكافرة، والاستهزاء بالتكاليف الشرعية، وتحريف كلام الله عمداً، وعدم توقير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل ما سبق ـ يمثل انحرافاً عقلياً ينتهي بجناية على عقل الفاعل مما يؤدي إلى سلب الأمن الفكري منه، بل ومن مجتمعه إن كان على شاكلته، ويكفي أن الله جعل العذاب والخزي على من لا يعقل قال تعالى: {.. وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}{يونس100}وعدم التعقل يمثِّل مرضا يحتاج صاحبه إلى العلاج، والعلاج يتجسد في أسباب سلامة العقل وصيانته من الخلل الذي اعتراه، والذي بموجبه يؤدي إلى أمن الفكر الذي نرجو سيادته في عموم المجتمع.
المنطلق الثاني: أبرز أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل:
وبعد التخلية المتمثلة في أسباب أمراض العقل واعتلاله، نعمد إلى التحلية المتمثلة في أسباب سلامة العقل حسب ما جاء في القرآن الكريم وهي كالآتي:
1ـ توحيد الخالق:
من أبرز أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل توحيد الخالق ـ جل وعلا ـ يتضح ذلك جليا في رد نبي الله موسي ـ عليه السلام ـ على فرعون عدو رب العالمين، قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ{23} قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ{24} قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ{25} قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ{26} قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ{27} قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{28} {الشعراء} أي: لأن العقل يستوجب الإيمان بالله وحده إن كنتم من أهل العقل والفهم!.
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ }{المؤمنون80} أي: أفلا تعقلون قدرته ووحدانيته ؟؟!! وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }{غافر67} .
2ـ إثبات قدرة الله الباهرة:
من أبرز أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: إثبات العاقل قدرة الله الباهرة، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }{الحديد17} أي: أن القادر على إحياء الأرض بالمطر قادر على إحياء الموتى لعلكم تفهمون أن الله وحده هو القادر.(10)
3ـ ترجيح أمر الآخرة على أمر الدنيا :
من أبرز أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: ترجيح أمر الآخرة على أمر الدنيا، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }{الأنعام32}(11) أي: وما الحياة الدنيا ـ يا معشر المشركين ـ في غالب أحوالها إلا لعب ولهو, ولدار الآخرة وما يعمل من أجلها خير للذين يتقون الله ويخشونه أفلا تعقلون ذلك.
4ـ تدبر آيات الله وإنفاذ وصاياه ـ سبحانه ـ:
من أبرز أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: تدبر آيات الله وإنفاذ وصاياه ـ سبحانه ـ قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}{الأنعام151} (12) بعد ذكره ـ سبحانه ـ طرفاً من وصاياه كالوصية بعدم الإشراك، والوصية بالإحسان للوالدين، وبعدم قتل الأولاد من أجل فقر حاضر، وبعدم ارتكاب الفواحش، وبعدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ـ بعد ذلك ـ قال تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: تفهمون أوامره ونواهيه.
5ـ التمييز بين الخير والشر:
من أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: التفريق بين الخير والشر، قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ }{القصص60}.أي: وما عند الله لأهل طاعته خير وأبقى، أفلا تكون لكم عقول تتدبرون بها, لتميزون الخير من الشر؟!!.
6ـ أخذ العبرة والعظة مما حل بالأمم السابقة:
من أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: أخذ العبرة والعظة مما حل بالأمم السابقة، قال تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ{137} وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ{138}{الصافات} والخطاب لأهل مكة تخويفاً لهم أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم لوط الذين يمرون عليهم صباحاً وليلا، وأنه عليهم أن يستعملوا عقولهم وإلا كانوا كالمجانين.
7ـ تجنب طاعة الشيطان الرجيم:
من أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: تجنب طاعة الشيطان الرجيم، قال تعالى في حق الشيطان الرجيم خطاباً لبني آدم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{60} وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{61} وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ{62} أي: ولقد أضلَّ الشيطان خلقًا كثيرًا من بني آدم، أفما كان لكم عقل أيها المشركون الضالون ينهاكم عن اتباعه؟!!
8ـ الحذر من الكافرين:
من أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: أخذ الحيطة والحذر من الكافرين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }{آل عمران118}.الآية تحمل تحذيراً للمؤمنين من اتخاذ الكافرين أولياء، لأن في هذا فساء عظيم يصيب المؤمنين منهم، فضلا عن فرحهم بما يصيب الموحدين من ضرر ومكروه, وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم, وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أعظم. ثم يختم الله ـ تعالى ـ الآية بقوله سبحانه: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} أي: قد بيَّنَّا لكم الحجج الدامغة, لتحذروا إن كنتم تعقلون عن الله أوامره ونواهيه.
9ـ هجر المعاصي:
من أسباب سلامة العقل وصيانته وأمنه من الزلل: هجر المعاصي، قال تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }{البقرة73} أي: فقلنا: اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة المذبوحة, فإن الله سيبعثه حيًا, ويخبركم عن قاتله. فضربوه ببعضها فأحياه الله وأخبر بقاتله. كذلك يُحيي الله الموتى يوم القيامة, ويريكم- يا بني إسرائيل- معجزاته الدالة على كمال قدرته تعالى; لكي تتفكروا بعقولكم, فتمتنعوا عن معاصيه. (13)
مما سبق نستخلص أن توحيد الخالق، وإثبات قدرة الله الباهرة، وترجيح أمر الآخرة على أمر الدنيا، وتدبر آيات الله وإنفاذ وصاياه ـ سبحانه ـ ، والتمييز بين الخير والشر، وأخذ العبرة والعظة مما حل بالأمم السابقة، وتجنب طاعة الشيطان الرجيم، والحذر من الكافرين، وهجر المعاصي ـ كل ما سبق ـ يمثل أمنا فكرياً عقلياً يؤدي إلى سيادة الأمن الفكري في المجتمع بالكلية.
المطلب الثالث: قصص القـــــــرآن والأمن الفكــــــري
مما لا شك فيه أن حافظ القرآن الكريم لن يعدم عشرات الأمثلة التي تثمر لدى من تدبرها تأمينا فكرياً يجد أثره في حياته كلها، فهذا نبأ مَن آتاه الله آياته فانسلخ منها فكان مصيره من السوء ما وصفه الله تعالى به، وهذه قصة تمثيل اليهود الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها بالحمار الذي يحمل كتبًا ولا يدري عنها شيئاً، وتلك التي ضُرب بها المثل قديما لكل من نقض العهد ولم يتعلم من القرآن الوفاء به، وهذه القصة التي تحصن المسلم ضد الشرك وادعاء الألوهية والمتمثلة في الذي حاجّ إبراهيم في ربه…. وهلم جراً من دواعي تأمين الفكر وتسديده.
1ـ قصة من آتاه الله آياته فانسلخ منها:
من القصص الذي نأخذ منه العبرة والعظة تأميناً لأفكارنا وبعداً عن الخطأ الذي أصاب بعض الناس رغم علمهم، قصة من آتاه الله العلم فلم ينتفع به بل انسلخ منه وانسل، فأتبعة الشيطان فكان من الغاوين قال الله تعالى في ذلك: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176} سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ{177}{الأعراف}
هذه أشد آية على العلماء (14) والآية مثل مضروب لكل منحرف عن الفطرة، ناقض لعهد الله المأخوذ عليه، ناكص عن آيات الله بعد رؤيتها والعلم بها . . يمثل ذلك هذا الذي آتاه الله آياته، فكانت في متناول نظره وفكره؛ ولكنه انسلخ منها، وتعرى عنها ولصق بالأرض، واتبع الهوى؛ فلم يستمسك بالميثاق الأول، ولا بالآيات الهادية؛ فاستولى عليه الشيطان؛ وأمسى مطروداً من حمى الله، لا يهدأ ولا يطمئن ولا يسكن إلى قرار . .
إنه مشهد من المشاهد العجيبة، إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع . . ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً. ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه؛ فهو ينسلخ منها بعنف وجهد ومشقة، انسلاخ الحي من أديمه اللاصق بكيانه. .. ها هو ذا ينسلخ من آيات الله؛ ويتجرد من الغطاء الواقي، والدرع الحامي؛ وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى؛ ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم؛ فيصبح غرضاً للشيطان لا يقيه منه واق، ولا يحميه منه حام؛ فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه . . ثم إذا نحن أولاء أمام مشهد مفزع بائس نكد . . إذا نحن بهذا المخلوق، لاصقاً بالأرض، ملوثاً بالطين . ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب، يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد . . كل هذه المشاهد المتحركة تتتابع وتتوالى؛ والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثر . . فإذا انتهى إلى المشهد الأخير منها . . مشهد اللهاث الذي لا ينقطع . . سمع التعليق المرهوب الموحي، على المشهد كله: {ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ذلك مثلهم! فلقد كانت آيات الهدى وموحيات الإيمان متلبسة بفطرتهم وكيانهم وبالوجود كله من حولهم. ثم إذا هم ينسلخون منها انسلاخاً. ثم إذا هم أمساخ شائهو الكيان، هابطون عن مكان « الإنسان » إلى مكان الحيوان . . مكان الكلب الذي يتمرغ في الطين .
وكان لهم من الإيمان جناح يرفعون به إلى عليين؛ وكانوا من فطرتهم الأولى في أحسن تقويم، فإذا هم ينحطون منها إلى أسفل سافلين!{ سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} وهل أسوأ من هذا المثل مثلاً؟ وهل أسوأ من الانسلاخ والتعري من الهدى؟وهل أسوأ من اللصوق بالأرض واتباع الهوى؟ وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا؟ من يعريها من الغطاء الواقي والدرع الحامي، ويدعها غرضاً للشيطان يلزمها ويركبها، ويهبط بها إلى عالم الحيوان اللاصق بالأرض، الحائر القلق، اللاهث لهاث الكلب أبداً!!!
وهل يبلغ قول قائل في وصف هذه الحالة وتصويرها على هذا النحو العجيب الفريد؛ إلا هذا القرآن العجيب الفريد!!
ما أكثر ما يتكرر هذا النبأ في حياة البشر؛ ما أكثر الذين يعطون علم دين الله، ثم لا يهتدون به، إنما يتخذون هذا العلم وسيلة لتحريف الكلم عن مواضعه. واتباع الهوى به. . هواهم وهوى المتسلطين الذين يملكون لهم – في وهمهم – عرض الحياة الدنيا.. .
إنه مثل لكل من آتاه الله من علم الله؛ فلم ينتفع بهذا العلم؛ ولم يستقم على طريق الإيمان. وانسلخ من نعمة الله. ليصبح تابعاً ذليلاً للشيطان. ولينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان!
هذا المثل جاء ليحذر الذين يعلمون من علم الله شيئاً أن ينتهوا إلى هذه النهاية البائسة؛ وأن يصيروا إلى هذا اللهاث الذي لا ينقطع أبداً؛ وأن يظلموا أنفسهم ذلك الظلم الذي لا يظلمه عدو لعدو. فإنهم لا يظلمون إلا أنفسهم بهذه النهاية النكدة!
هذا المثل جاء ميزاناً للحق تنضبط به عقول الناس ومداركهم، وتقاس به وتوزن اتجاهاتهم وحركاتهم وتصوراتهم، فما قبله منها هذا الميزان كان صحيحاً لتمضي فيه؛ وما رفضه هذا الميزان كان خاطئاً يجب الإقلاع عنه.
هذا هو المنهج القرآني في صياغة النفوس المسلمة والحياة الإسلامية . . أما الدراسة النظرية لمجرد الدراسة . فهذا هو العلم الذي لا يعصم من ثقلة الأرض ودفعة الهوى وإغواء الشيطان؛ ولا يقدم للحياة البشرية خيراً! (15) والآية بينت أن عدم الأمن الفكري يكمن فيمن أعطاه الله أدوات الفهم عنه سبحانه ثم يضل على علم ـ نعوذ بالله من الخذلان ـ .
2ـ قصة مثَل من لم ينتفع بعلمه:
من القصص الموحي بالأمن الفكري في القرآن الكريم: قصة تمثيل اليهود الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها, بالحمار الذي يحمل كتبًا لا يدري ما فيها، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}{الجمعة5}
هذا مثل ضربه الله لليهود وهو أنه شبههم بحمار، وشبه التوراة التي حمِّلوها أي: كلفوا العمل بما فيها بأسفار أي: كتب جامعة للعلوم النافعة، وشبه تكليفهم بالتوراة بحمل ذلك الحمار لتلك الأسفار، فكما أن الحمار لا ينتفع بتلك العلوم النافعة التي في تلك الكتب المحمولة على ظهره فكذلك اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة؛ لأنهم كلفوا باتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإظهار صفاته للناس فخانوا وحرفوا وبدلوا فلم ينفعهم ما في كتابهم من العلوم، ووجه الشبه عدم الانتفاع بما تحملوه من التوراة ، وهذه الآية أشد ما ينبغي الحذر منها وخاصة لطلاب العلم وحملته كما قال تعالى: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ } أي: تشبيههم في هذا المثل بهذا الحيوان المعروف، قال أهل المعاني: هذا المثل مثل من يفهم معاني القرآن ولم يعمل به وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه، ولهذا قال ميمون بن مهران: يا أهل القرآن اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم ثم تلا هذه الآية، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله وبئس المثل (16) إذن فالأمن الفكري يقتضي الانتفاع بالعلم والعمل بمقتضاه نفهم هذا من مضمون التحذير الكائن في الآية الكريمة.
3ـ قصة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً:
ومن الأمور الجالبة للأمن الفكري: تدبر المثل الذي يبين حال من يرجع في عهده, فيكون كهذه المرأة التي غزلت غَزْلا وأحكمته, ثم نقضته, بجعل الأيمان التي حلفها عند التعاهد خديعة لمن عاهده, ونقضاً للعهد عند وجود جماعة أكثر مالا ومنفعة من الذين عاهدها.
قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}{النحل92}.
الآية الكريمة تشنيع على الذين ينقضون العهد، فقد نُهوا عن أن يكونوا مَضْرِب مَثَلٍ معروف في العرب بالاستهزاء، وهو المرأة التي تَنقض غزلها بعد شَدّ فتله . فالتي نقضت غزلها امرأةٌ قرشية مشهورة اسمها رَيطة بنت سعد التيمية، وقد ذُكر من قصّتها أنها كانت امرأة خرقاء مختلّة العقل، ولها جوارٍ، وقد اتّخذت مِغْزلاً قدر ذراع وصِنّارَة مثل أصبع وَفَلْكَةً عظيمة على قدر ذلك، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فتنقض ما غزلته محكماً، وهكذا تفعل كل يوم، فكان حالها إفساد ما كان نافعاً محكماً من عملها وإرجاعه إلى عدم الصلاح، فنهوا عن أن يكون حالهم كحالها في نقضهم عهد الله وهو عهد الإيمان بالرجوع إلى الكفر وأعمال الجاهلية . ووجه الشّبه الرجوع إلى فساد بعد التلبّس بصلاح.
والدخَل بفتحتين: الفساد والمعنى: تجعلون أيمانكم الحقيقة بأن تكون معظّمة وصالحة فيجعلونها فاسدة كاذبة، فيكون وصف الأيمان بالدّخل حقيقة عقلية؛ أو تجعلونها سبب فساد بينكم إذ تجعلونها وسيلة للغَدر والمكر. (17) وكما هو معلوم أن الأمن الفكري يحتاج إلى الوفاء المطلق بالعهود والمواثيق، وهذا ما تعلمناه من النهي الصريح في الآية الكريمة.
4ـ قصة الذي حاج إبراهيم في ربه:
ومن الأمور الجالبة للأمن الفكري: تدبر حال المتكبرين، حذراً من مصيرهم ، قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }{البقرة258}
الآية الكريمة تحكي مخاصمة بين جبار كافر ونبي مرسل، أما الجبار المعاند الدعيّ قيل: هو نمرودُ بن فالخ، ملك بابل، خاصم في الله؛ لأن الله آتاه الملك، فبدلا من شكر الله جادل في الله، وأما النبي المرسل فهو خليل الرحمن إبراهيم ـ عليه السلام ـ يقول صاحب البحر:”ألم تر إلى من عمى عن أدلة الإيمان وجادل إبراهيم خليل الله في ألوهية ربه ووحدانيته، وكيف أخرجه غروره بملكه -الذى وهبه ربه-من نور الفطرة إلى ظلام الكفر فعندما قال له إبراهيم: إن الله يحيى ويميت، بنفخ الروح فى الجسم وإخراجها منه، قال: أنا أحيى وأميت بالعفو والقتل، فقال إبراهيم ليقطع مجادلته: إن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب إن كنت إلها كما تدعى. فتحير وانقطع جدله من قوة الحُجة التى كشفت عجزه وغروره، والله لا يوفق المصرِّين المعاندين لاتباع الحق.
إن إبراهيم ـ عليه السلام ـ ناظر ذلك الكافر فغلبه وقطعه، إذ كان الله وليه، وانقطع ذلك الكافر وبهت إذ كان وليه هو الطاغوت: {… فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }{المائدة56} {…أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }{المجادلة22}
ولكنّ إبراهيم لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه، ولكن انتقل إلى ما لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أول شيء، وهذا دليل على جواز الانتقال من حجة إلى حجة.
{فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ}قرر بذلك بأن ربه الذي يحيي ويميت هو الذي أوجدك وغيرك أيها الكافر، ولم يقل: فإن ربي يأتي بالشمس، ليبين أن إله العالم كله هو ربه الذي يعبدونه، ولأن العالم يسلمون أنه لا يأتي بها من المشرق إلاَّ إلههم.
{ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } فبهت إبراهيمُ الذي كفرَ وقيل: المعنى ، فَبَهَت الكافرُ إبراهيمَ، أي : سب إبراهيمَ حين انقطع ولم تكن له حيلة { والله لا يهدي القوم الظالمين } إخبار من الله تعالى بأن الظالم لا يهديه، وظاهره العموم، ..والذي يظهر أن هذا إخبار من الله بأن من حكم عليه، وقضى بأن يكون ظالماً أي: كافراً وقدّر أن لا يسلم، فإنه لا يمكن أن يقع هداية من الله له {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ }{الزمر19} (18)التدبر
من أدوات الأمن الفكري للمسلم بصفة عامة ولحافظ القرآن بصفة خاصة التدبر، والتدبر هو التفكر بإمعان ونظر ثاقب، وقد نزل القرآن بدعوته الصريحة للتأمل حيث قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }{ص29} والكتاب: القرآن، والخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والآية دعوة للتأمل في آيات القرآن، وللعمل بهداياته ودلالاته, وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.
ومن هنا فإن من ثمرات التدبر إثبات أن القرآن من عند الله تعالى، حيث إنه لو كان مِن عند غيره ـ سبحانه ـ لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا، قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }{النساء82}. ومن أثبت أن القرآن من عند الله وتدبرَه فإنه لا يُخترق أبداً؛ لأنه حاز الأمن كله فأني لأحد أن ينال منه؟!!.
المطلب الرابع :دور معلمي الحلقات في المحافظة على فكر الطلاب
مما لا يختلف عليه إثنان أن لمعلمي القرآن الكريم دوراً هاماً وفعالاً في بناء وتقويم فكر الطلاب، لأن المعلم هو القائم على تحفيظ التلاميذ أحسن الكلم، وأشرف الآداب من خلال كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين ولا من خلفه، كما قال تعالى في حق القرآن العظيم: {…وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42}{فصلت}
وهو ـ أيضاً ـ المربي الفاضل، والأب الحكيم ، والأخ الأكبر، والناصح الأمين ، ومن خلال هذا التشريف الذي يحمل في طياته عين التكريم والتكليف نستطيع أن نختصر دور معلم القرآن الفكري فيما يلي :
1ـ تصحيح نية التلاميذ:
معلوم من أبجديات ديننا الإسلامي أن الأعمال لابد من ارتباطها بنية عاملها ليكون الجزاء على قدر تصميم صاحبها وعزمه على الفعل، هذا ما أرسى دعائمه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه عُمَرُ بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ(19) ومن هنا يجب على المعلم في الحلقة أو المدرسة أو المعهد أو الجامعة أن يصحح لتلميذه نيته بتوجيهه الوجهة الصحيحة التي بها ينال الثواب من الله تعالى، وأن يحتسب حفظه للقرآن جهاداً في سبيل رفع راية هذا الدين العظيم ، بذا ينال الأستاذ المعلم الأجر العظيم من الله تعالى، كذا التلميذ المتحرِّز بالنية الصالحة، وفي هذا من التأمين الفكري للطالب ما فيه.
2ـ التذكير الدائم للطلاب:
التذكير الدائم للطلاب والنصح لهم تطبيقاً للمبدأ القرآني: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}{الذاريات55} قال صاحب الكشاف:” فإن الذكرى تنفع المؤمنين أي: تؤثر في الذين عرف الله منهم أنهم يدخلون في الإيمان أو يزيد الداخلين فيه إيمانا(20) وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ }{الغاشية21} فالتذكير نصح مهذب والنصيحة هي الدين كما قال سيد الأولين والآخرين فيما رواه تَمِيم الدَّارِيّ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم َـ قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ “(21) ومن هنا فالنصيحة تذكير للغافل ومعونة للعاقل، ومكمن للفوائد ومعقد للنفع.
3ـ تصويب الأفكار عند الطلاب أولا فأول:
من هذه الأفكار التي يجب تصويبها :
أـ فكرة عقوق الوالدين:
تحذير المعلَّم تلميذه من كبيرة عقوق الوالدين ببيان أن الله ـ تعالى ـ وصي الولد بوالديه في القرآن الكريم فقال عز من قائل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عندك الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}{الإسراء23}
وقد وصي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الولد ـ أيضاً ـ بوالديه في السنة النبوية المطهرة، وبين أن العاق محروم من الجنة ونعيمها وأنه بعقوقه اقترف كبيرة من كبائر الذنوب، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ ثَلَاثًا، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَالَ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ “(22) وبتأمين الطالب فكرياً ضد العقوق تنفسح له الدنيا وينال خيري الدنيا والآخرة.
ب ـ فكرة عدم احترام المعلم:
من التبعات الفكرية المناطة بالمعلم تجاه تلميذه: تصويبه لفكر تلاميذه فيما يخص النظرة إلى المعلم، وذلك بإشعار الأستاذ تلميذه أنه في مقام الابن منه، الابن الذي يتهلل وجه أبيه بشراً لتفوقه ، وأنه في مقام الأخ الأكبر الذي يفرح لفرح أخيه ويحزن لحزنه، وأن مصلحة التلميذ هي مصلحته، بل قد يجعلها قبل مصلحته، نتعلم ذلك من أخوةٍ هي مضرب المثل في القرآن الكريم من خلال نبي الله موسى وأخيه هارون ـ عليهما السلام ـ حيث قال موسي:{ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي{25} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي{26} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي{27} يَفْقَهُوا قَوْلِي{28} وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي{29} هَارُونَ أَخِي{30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي{31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي{32} كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً{33} وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً{34} إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً{35} قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى{36} {طه} وعندما يتيقن ذلك الطالب من خلال لسان حال المعلم المطابق للسان مقاله يثق ثقة كاملة في معلمه وهذا من غايات الأمن الفكري، ومن آثاره الفاعلة.
ج ـ عدم حب الوطن :
مما يقع على عاتق المعلم تجاه تلميذه فكرياً ترغيبه تلميذه في وطنه وبيانه أن الله ـ تعالى ـ جعل حب الوطن من الدين، وأن الخروج من الديار قرين قتل النفس، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}{النساء66} كما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نظر إلى مكة وهو مهاجر عنها وقال: عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الأرْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ” رواه أحمد 1796. والتلميذ الذي يَغرس فيه المعلم حبه لوطنه يكون تلميذاً مسلحاً ضد أيَّ اختراق يزعزع ثقته في بلده وولاة أمره.
د ـ التكاسل عن الصلاة:
مما يقع على عائق المعلم بيان فضل الصلاة، وأن الفارق بين الإيمان والكفر ترك الصلاة، وأن من منافع الصلاة التي تعود على المصلي أنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر لقوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}{العنكبوت45} وأنها إذا صلحت صلح سائر العمل وإذا فسدت فسد سائر العمل، مع تعميق الارتباط بالمسجد والركوع مع الراكعين لقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ }{البقرة43}مع إيضاح أن الويل للساهين المتكاسلين عن أداء الصلاة في أوقاتها لقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7}{الماعون} وأن الصلاة نور المؤمن لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أبو مَالِك الأشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالصَّلاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا”(23) وبجذب الطالب إلى بيوت الله نضمن له استقامة فكرية تامة على أمر الله تعالى.
هـ ـ النظر إلى النساء :
مما يجب على المعلم تجاه تلميذه في الحلقة أن يبين له أن المرأة هي أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو … ومن الواجب عليه تجاهها احترامها، ومن احترامها عدم النظر إليها بشهوة؛ لأن الله ـ تعالى ـ نهى عن ذلك فقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }{النور30}وبيان أن النظر إلى الأجنبيات يذهب بنور الوجه، ويضيِّع ما تم حفظه من القرآن، وهذا الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ يشكو قلة حفظه لأستاذه وكيع بن الجراح، فقال له:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلــم نــور *** ونور الله لا يهدى لعاص
كما أنه يشتت الفكر، ويجعل القلب في مرمى سهم الشياطين، ويذهب بالفراسة والفطنة ، وإذا كان حافظ القرآن في معزل عن مطالعة النساء في الشوارع والتجمعات، أو في التلفاز والفضائيات، أو على النت والمواقع المشبوهة ـ إذا كان كذلك ـ فهو عبد من عباد الله الصالحين، أوى إلى الله فآواه الله إليه.
كما أنه في سن الطلب تدور أفكار خاطئة بين الطلاب خاصة في مرحلة المراهقة مما حدا ببعضهم إلى الوصول إلى درك أسفل كالكتابة في أماكن القاذورات والحمامات بما لا يليق بعاقل أن يفعله، وطالب التحفيظ شأنه شأن غيره تدب فيه الشهوة وتجري عليه سنن الفطرة، ومن هنا كان في غاية الاحتياج إلى أستاذه ومعلمه ليوجهه التوجيه الصحيح في كل قضاياه وخاصة ما يتصل بمرحلة المراهقة وذلك ببيان أن الشاب الذي يؤمن بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً ورسولا يبتعد عن الحرام بواحد من اثنين إما بالصوم، وإما بالزواج لما رواه عبد الله ـ رضي الله عنهـ قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ(24) وبيان أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ” شاب نشأ في عبادة الله” فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الإمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ..” الحديث (25) ومن كان من الشباب الذين شبوا على عبادة الله وطاعته كان من الفائزين.
و ـ شرب الدخان :
مما يجب على المربي في حلقة التحفيظ المباركة تحذير التلاميذ من كل أنواع المسكرات والمفترات والمهلكات للصحة والمجتمع، وذلك ببيان أن من المهام العظيمة التي من أجلها بعث رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }{الأعراف157}
ومن الخبائث الدخان، وقد ثبت أن الدخان يقتل سنوياً أربعة ملايين شخص، وتقدِّر منظمة الصحة العالمية أن يصل العدد إلى عشرة ملايين شخص بحلول عام 2020م ، وأن 70% من هذه الوفيات من الدول النامية، هذا بالإضافة إلى مئات الملايين الذين يصابون بأمراض مختلفة بسبب استنشاق الدخان(26)ويبين المعلم أنه لا نهاية للطيبات أما الخبائث والمحرمات فقد بُيِّنت وحددت لقلتها وعدم نفعها،قال تعالى:{… وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ …}{الأنعام119} فكيف يليق بعاقل أن يبتعد عن الحلال الواسع ليهلك نفسه بالحرام الضيق؟؟؟!
ز ـ نبذ روح التناحر بين الأقران:
من واجبات المعلم تجاه طلابه أن يزكي روح التعاون والتنافس بين طلابه، وفي ذات الوقت عليه أن يخمد روح التدابر والتشاحن بين الأقران؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالتعاون فقال جل وعز: {… وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }{{المائدة2 }وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }{آل عمران103} كما أمرنا سبحانه بالتنافس في الصالحات، فقال تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}{المطففين26} :في ذلك النعيم فليتسابق المتسابقون، فالتنافس يرجع إلى النفاسة، والشيء النفيس هو الشيء القيِّم النافع ، أما التنازع والاختلاف فقد نهى الله عنه في مواطن متعددة من القرآن العظيم فقال تعالى : {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }{الأنفال46} وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }{آل عمران105} وقال ـ أيضاً ـ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }{الأنعام159} وبنبذ الفرقة والشحناء يسود الحب والتعاون والإخاء بين الطلاب، وطالب يحب زميله ويتعاون معه هو ذخر لأمته بأسرها، مسلحاً ضد العواصف الفكرية، يقي أمته ومجتمعه شر الدخيل الذي يريد اغتيالها من تحتها.
والله يقول الحق ويهدي السبيل.
———————-
الخاتمة
بعد هذه الومضات القرآنية المنبهة إلى الأمن الفكري، والمرشدة إلى إعانة العقل، واللافتة للنظر المتأمل، أستطيع تلخيص بحثي هذا في النقاط التالية:
1-أن العقيدة الصحيحة أساس الأمن والاستقرار على كل المستويات.
2-أن الأمن مرتبط بالإيمان ارتباطاً لا انفكاك له، كما أن الخوف مرتبط بالكفر ارتباطاً وثيقاً.
3-ملاحظة أن القرآن الكريم لم يترك مناسبة للفت الأنظار إلى الفكر الثاقب والرأي الراشد إلا وطرقها مذكِّراً وناصحاً بكل الأساليب الموصلة إلى الفهم.
4-ضرب القرآن الأمثال، وبيَّن المعقول في صورة المحسوس، كما ساق القصص لتأمين فكر كل مسلم ضد الخطأ بكل أطيافه ومسمياته.
5-كما أبرز البحث آلية استخراج كنوز المعرفة الموصلة إلى الأمن الفكري من خلال تقليب وجوه معاني الآيات المتحدثة عن الفكر وكل ما يشابهه في الدلالة .
أهم التوصيات:
1-ديمومة التذكير بدور القرآن وحفَّاظه والجمعيات المباركة القائمة على هذه المهمة الشريفة من خلال تعاقب المنتديات المنادية بذلك.
2-العمل على طبع البحوث ذات العلاقة وجعلها في متناول أيدي الناس للاستفادة منها وخاصة حملة القرآن الكريم وحفاظه.
3-دعوة أجهزة الإعلام، وممثلي مواقع الشبكة العالمية لحضور هذه الملتقيات للخروج بها إلى طور العالمية، مما ينتج مزيداً من النفع والتناصح في دين الله تعالى.
4-كما أوصي بترجمة الأوراق المميزة إلى اللغات الحيَّة غير العربية، لأن ذلك يعود على الإسلام والمسلمين بكل خير.بل يقلب الأفكار الضالة الملصقة بالإسلام ظلماً وزوراً رأساً على عقب.
5-عقد دورات تدريبية لمعلمي القرآن تحت عنوان ” فقه الحلقات وإدارتها من خلال القرآن والسنة” شريطة أن يقوم بالتدريس فيها أساتذة متخصصون في أصول الدين والقرآن وعلومه.
———————-
الهوامش :
(1)التفسير الميسر : 268.
(2) الكشاف 1/584 .
(3) البخاري ـ كتاب الإيمان ـ باب الدين يسر 1/78 .
(4) مسلم ـ كتاب العلم ـ باب النهي عن اتباع متشابه القرآن 11/437.
(5) النووي 11/437 .
(6) لسان العرب ، مادة نطع ، وشرح النووي لصحيح مسلم 16/220 .
(7)أما البحيرة فمأخوذة من البحر وهو الشق، ومن عادة العرب شق أذن الناقة التي نتجت عشرة أبطن فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر ويتركونها ترعى وترِد الماء ويحرم لحمها على النساء ويحلل للرجال، فنهى الله ـ تعالى ـ عن ذلك نهياً صريحاً {لسان العرب بحر 4/43} وأما السائبة من الأنعام: فهي ما كانت العرب تتخذها شكراً لله كالقُربة عند المريض يبرأ منه، والقدوم من السفر، وإذا نزل بأحدهم أمر يشكر الله عليه تقرب بأن يسيب ناقة فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر ولا غيره، يرون ذلك كعتق بني آدم، ذكره السدي وغيره، وكانت العرب تعتقد أن من عرض لهذه النُّوق فأخذها أو انتفع منها بشيء فإنه تلحقه عقوبة من الله { ابن عطية:2/248، الثعالبي:1/493} وأما الوصيلة فهي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة فكان آخر ذلك جديا ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة، وإن كانت عناقا استحيوها، وإن كانت جديا وعناقا استحيوا الجدي من أجل العناق فإنها وصيلة وصلت أخاها {الطبري: 7/91} وأما الحام : فالفحل يضرب في الإبل عشر سنين، ويقال: إذا ضرب ولد ولده قيل: قد حمي ظهره، فيتركونه لا يمس ولا ينحر أبدا ولا يمنع من كلأ يريده وهو من الأنعام التي حرمت ظهورها
(8)الدر المصون :1/440 .
(9)فتح القدير – الشوكاني 5/60.
(10) ومن ذلك قوله تعالى:{إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{164}.وقوله تعالى:”وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{الرعد:4 }وقوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{النحل: 12} وقوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{الروم24} وقوله تعالى: { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{الجاثية:5}.والعنكبوت63والروم24.
(11) ومن ذلك قوله تعالى:{… وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }{الأعراف169}وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }{يوسف109}
(12) ومن ذلك قوله تعالى:: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }{البقرة242} وقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)أي: وبمثل هذا التبيين يبيِّن الله لكم معالم دينه وآياته؛ لتعقلوها، وتعملوا بها.
(13) التفسير الميسر : 11.
(14)تفسير البغوي: 2/216.
(15) الظلال: تذكر بعض الروايات أنه نبأ رجل كان صالحاً في فلسطين – قبل دخول بني إسرائيل – وتروي بالتفصيل الطويل قصة انحرافه وانهياره؛ على نحو لا يأمن الذي تمرس بالإسرائيليات الكثيرة المدسوسة في كتب التفاسير ، أن يكون واحدة منها؛ ولا يطمئن على الأقل لكل تفصيلاته التي ورد فيها؛ ثم إن في هذه الروايات من الاختلاف والاضطراب ما يدعو إلى زيادة الحذر . . فقد روي أن الرجل من بني إسرائيل ( بلعام بن باعوراء ) ، وروي أنه كان من أهل فلسطين الجبابرة . وروي أنه كان من العرب ( أمية بن الصلت ) . وروي أنه كان من المعاصرين لبعثه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ( أبو عامر الفاسق ) وروي أنه كان معاصراً لموسى عليه السلام . وروي أنه كان بعده على عهد يوشع بن نون الذي حارب الجبارين ببني إسرائيل بعد تيه الأربعين سنة على إثر رفض بني إسرائيل الدخول ، وقولهم لموسى – عليه السلام – ما حكاه القرآن الكريم : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } كذلك روي في تفسير الآيات التي أعطيها أنه كان ( اسم الله العظيم ) الذي يدعو به فيجاب؛ كما روي أنه كتاب منزل وأنه كان نبياً . . ثم اختلفت تفصيلات النبأ بعد ذلك اختلافات شتى . .لذلك رأينا ألا ندخل في شيء من هذا كله . بما أنه ليس في النص القرآني منه شيء . ولم يرد من المرفوع إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنه شيء . وأن نأخذ من النبأ ما وراءه . فهو يمثل حال الذين يكذبون بآيات الله بعد أن تبين لهم فيعرفوها ثم لا يستقيموا عليها” الظلال: 2/450. .
(16) أضواء البيان :8/117. الكشاف:4/531 ، ومفاتيح الغيب:30/6 فائدة: ما الحكمة في تعيين الحمار من بين سائر الحيوانات : لأن الحمار كالعلم في الجهل، ومنها أن هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة، ومنها أن في الحمار من الذل والحقارة مالا يكون في الغير والغرض من الكلام في هذا المقام تعيير القوم بذلك وتحقيرهم فيكون تعيين الحمار أليق وأولى ومنها أن حمل الأسفار على الحمار أتم وأعم وأسهل وأسلم لكونه ذلولا سلس القياد لين الانقياد يتصرف فيه الصبي الغبي من غير كلفة ومشقة وهذا من جملة ما يوجب حسن الذكر بالنسبة إلى غيره فيكون ذكره أولى. مفاتيح الغيب:30/6.وروح المعاني: 28/95.
(17) التحرير والتنوير لابن عاشور: 2/499.
(18) البحر: 2/43.
(19)رواه البخاري كتاب:الإيمان باب: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة رقم: 52.ومسلم كتاب الإمارة باب: قوله تعالى: إنما الأعمال بالنية رقم: 3530.
(20)الكشاف: 4/408.
(21)رواه البخاري كتاب: الإيمان باب: بيان أن الدين النصيحة رقم: 82.
(22)رواه البخاري كتاب: الشهادات باب: ما قيل في شهادة الزور رقم: 2460.ومسلم كتاب الإيمان باب: بيان الكبائر وأكبرها رقم: 126.
(23)مسلم كتاب الطهارة باب: فضل الوضوء، رقم: 328.
(24)البخاري كتاب: الصوم باب: الصوم على من خاف على نفسه العزبة رقم: 1772 ومسلم كتاب النكاح باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم: 2486.
(25)البخاري كتاب: الآذان باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد رقم: 620. ومسلم كتاب الزكاة باب: فضل إخفاء الصدقة ، رقم: 1712.
(26)الإسلام وبناء المجتمع لمجموعة من المؤلفين ص: 90 . ط الرشد.
—————————————————-
الكاتب:الأستاذ الدكتور / عبد الفتاح بن محمد أحمد خضر
================
نقلاً عن ملتقى أهل التفسير ….

التعديل الأخير تم بواسطة الجفول* ; 2014- 11- 12 الساعة 11:28 PM سبب آخر: يُمنع وضع روابط لِ مواقع أخرى كالفيس بوك أو تويتر أو غيرها من المواقع وَ المنتديات
رد مع اقتباس
قديم 2014- 11- 16   #2
المحترمه
مشرفة عامة سابقاً
 
الصورة الرمزية المحترمه
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 64902
تاريخ التسجيل: Wed Nov 2010
المشاركات: 50,657
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 4968163
مؤشر المستوى: 5532
المحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond reputeالمحترمه has a reputation beyond repute
بيانات الطالب:
الكلية: جامعة الملك فيصل
الدراسة: انتساب
التخصص: إدارة أعمال
المستوى: خريج جامعي
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
المحترمه غير متواجد حالياً
رد: الأمن الفكري



يبقى القرآن بلسما وشفاءاً لكل روح .. وقاطعاً لـ دابر
أي شك يخترق صفحاته الطاهره ..

شكرآ لك عزيزي على هذا المتصفح القيّم
تقديري لك
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[ اعلان وظائف ] : الداخلية تعلن فتح التقديم في برنامج تأهيل الضباط للمتفوقين Dima ملتقى الخريجين 7 2014- 7- 22 07:27 PM
أصحاب الحَوَلْ الفكري منذو مبطي ملتقى المواضيع العامة 4 2014- 6- 20 09:45 PM
[ مواد مشتركة ] : محتاجه برنامج يحول استمارة التخرج لـ pdf the beat تربية خاصة 8 2 2014- 5- 16 01:31 AM
[ استفسار ] برنامج قارئ لكلمات الانقلش سفوره إدارة أعمال 2 0 2014- 5- 14 05:13 AM


All times are GMT +3. الوقت الآن حسب توقيت السعودية: 12:15 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جامعة الملك الفيصل,جامعة الدمام
المواضيع والمشاركات في الملتقى تمثل اصحابها.
يوجد في الملتقى تطوير وبرمجيات خاصة حقوقها خاصة بالملتقى
ملتزمون بحذف اي مادة فيها انتهاك للحقوق الفكرية بشرط مراسلتنا من مالك المادة او وكيل عنه