عرض مشاركة واحدة
قديم 2011- 1- 3   #10
حلا دنيتي
:: مراقبة عام سابقاً ::
جامعة الملك فيصل
 
الصورة الرمزية حلا دنيتي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 35400
تاريخ التسجيل: Thu Sep 2009
المشاركات: 9,884
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 18602
مؤشر المستوى: 176
حلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond reputeحلا دنيتي has a reputation beyond repute
بيانات الطالب:
الكلية: جامعة الملك فيصل
الدراسة: انتظام
التخصص: علم اجتماع
المستوى: المستوى الخامس
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
حلا دنيتي غير متواجد حالياً
رد: معليش للكل ممكن مساعدة

المحاضرة الثامنة
أخلاق المهنة ومدى الحاجة إلى دراستها
مفهوم المهنة:المِهنَة لغة:بكسر الميم وفتحها, والفتح أشهر. وتطلق على بذل النفس في الخدمة والحذق فيها. وبهذا المعنى ورد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما على أَحَدِكم لو اشترى ثَوْبَيْن ليوم جمعته سوى ثَوْبَي مَهْنَته). أي سوى ثوبي الخدمة والعمل, إذ إن ثوب الخدمة والعمل يكون مبتذلاً ولا يصان, ولا تتم المحافظة على نظافته. وبهذا المعنى أيضاً ما ورد عَنْ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, حين سئلت عن مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: "كَانَ يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ, فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ". وفي حديث آخر قالت: "كان يفعل ما يفعل أحدكم في مهنة أهله, يخصف نعله, ويخيط ثوبه, ويرقع دلوه".
وتطلق المهنة في اللغة أيضاً على الحذق والمهارة في العمل أو الحرفة التي يمتهنها صاحبها.
والمهنة في الاصطلاح المعاصر تطلق على: الحرفة التي تشتمل على مجموعة من المعـارف العقلية ومجموعة من الممارسـات والخبرات التدريبية, يؤديها الفرد من خلال ممارسته للعمل. أو هي: عمل يحتاج إلى معارف عقلية وخبرة ميدانية. كالطب, والهندسة, والتدريس, والمحاسبة.

مرادفات لفظ المهنة:
هناك ألفاظ قريبة في معناها من المهنة وربما التبست بها, وهي:
الحرفة:
الحِرفة لغةً: بالكسر؛ الصنعة أو وسيلة الكسب التي يَرْتزق منها المرء بصفة مستمرة, من زراعة أو صناعة أو تجارة, وتحتاج إلى تدريب قصير. وسميت بذلك لأنه مُنْحرِف إليها. ويقال حِرْفَتُهُ أنْ يفعل كذا: أي؛ دأبه وديدنه. والاحتراف: هو الاكتساب. وليس لها معنى اصطلاحي خارج عن المعنى اللغوي. وغالباً ما تستعمل في الأعمال اليدوية سواء كانت بآلة أو بغير آلة.
من ذلك ما ورد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما استُخْلِف, وكان تاجراً, فأراد أن يخرج لتجارته, فقال له عمر: إلى أين؟ قال: أحترف لأهلي. قال: ومن لمصالح المسلمين وإدارة شؤونهم. ارجع ويُصرف لك من بيت المال حاجتك, فرجع فجعلوا له ألفين. فقال: زيدوني فإن لي عيالاً, وقد شغلتموني عن التجارة, فزادوه خمسمائة. وقال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه "لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي, وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ, فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ, وَيَحتَرِفُ –أي أبو بكر- لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ". فعمل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كان في التجارة, وقد سماه حرفة.
العمل:العمل لغةً: يُطلق على المهنة، وعلى الفعل.
والفارق بينه وبين المهنة أو الحرفة:
أن العمل قد يكون من الإنسان أو الحيوان والحرفة لا تكون إلا من الإنسان. فالثور الذي يحرث الأرض يعمل, والطائر الذي يبني لنفسه عشاً يعمل, ولكن لا يُقال إنه محترفٌ أو ذو مهنة.
العمل قد يكون ذهنياً, وقد يكون بدنياً, وأما الحرفة فالغالب أنها تُطلق على الأعمال اليدوية.
العمل يستعمل للمرة الواحدة ولأكثر, ولا يحتاج إلى التدريب, بخلاف المهنة أو الحرفة فلا بد فيها من التدريب والاستمرارية.
الصنعة:الصنعة لغة: ترتيب العمل وإحْكامه على النحو الذي تعلمه, وبما يوصل إلى المقصود منه. فيقال للنجار صانع, ولا يقال للتاجر صانع؛ لان النجار قد سبق علمه بما يريد عمله من سرير أو باب وبالأسباب التي توصل إلى المقصود منه, والتاجر لا يعلم إذا اتجر أنه سيصل إلى ما يريده من الربح أو لا.
فالعمل لا يقتضي العلم بما يعمل له, بخلاف الصنعة فإن.
الفرق بين الصنعة والعمل:
العمل يُطلق على ما يصدر من الإنسان أو الحيوان, بينما لا تُطلق الصنعة إلا على ما صدر من الإنسان فحسب.
العمل يُطلق على ما يكون بقصد وعلم, والصنعة لا تُطلق إلا على ما كان بإجادة, وفيه معنى الحرفة.
فالصنعة أخص والعمل أعم. وكل صنعةٍ عملٌ، وليس كل عملٍ صنعةً.
الوظيفة:الوظيفة لغةً: ما يقدَّر من عمل أو طعام أو رزق في زمن معيَّن، وتأتي أيضاً بمعنى الخدمة المعيَّنة.
وفي الاصطلاح المعاصر: تطلق على وحدة من وحدات العمل, تتكون من عدة أنشطة مجتمعة مع بعضها في المضمون والشكل, ويمكن أن يقوم بها موظف واحد أو أكثر. كالمحاسبة في شركة مثلاً فإنها وظيفة, تحتوي على مجموعة من الأنشطة من جمع للبيانات والفواتير, وتصنيفها وإدخالها في الحاسوب, وجمعها, وإجراء المقابلة والمقاصة بين الوارد والصادر ثم إخراج النتيجة النهائية لليوم, ثم للشهر, ثم للسنة, وهكذا... وقد يكون للشركة محاسب واحد أو مجموعة من المحاسبين.
خصائص المهنة:للمهنة جملة من الخصائص أهمها:
  • تقديم خدمات أساسية ومفيدة للمجتمع.
  • حاجتها إلى الإعداد العلمي من خلال برامج ذات أهداف محددة واضحة, ومن جهات علمية معترف بها.
  • لكل مهنة معارف ومهارات خاصة بها.
  • لكل مهنة قوانين وآداب تنظم وتحكم العمل بها.
  • غالباً ما توجد في وقتنا الحالي تجمع للعاملين بالمهنة يتحدث باسمها ويدافع عنها.
  • لكل مهنة معالمها الواضحة تميزها عن غيرها من المهن.
الحكم الشرعي للمهنة:إن من يقرأ في كتاب الله تعالى, أو في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, يجد أن الإسلام يحث على العمل, ويرفع من شأنه. كما أن من يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة, أو غيره من الأنبياء, أو يقرأ في سير الخلفاء الراشدين, أو الصحابة الكرام رضوان الله عليهم, أو في سير سلف الأمة وأئمتها, يجد أنهم جميعاً قد مارسوا مختلف المهن من تجارة ورعي وزراعة وخياطة وحدادة وغيرها. من ذلك:
قوله تعالى عن نبيه داود عليه السلام: [وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ] {الأنبياء:80} واللبوس: الدروع.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده, وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده). ويقول: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة). فهذه النصوص تدل على مدى حث الشريعة على العمل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "كان آدم عليه السلام حراثاً (زراعاً), وكان إدريس خياطاً, وكان نوح نجاراً, وكان هود تاجراً, وكان إبراهيم راعياً (وورد بزازاً أي تاجراً يبيع الملابس), وكان داود زراداً (أي حداداً), وكان سليمان خواصاً, وكان موسى (راعياً) أجيراً, وكان عيسى سياحاً, وعمل محمد صلى الله عليه وسلم في التجارة والرعي كما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم".
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا؛ سقط من عيني". وفي هذا القدر كفاية, إذ ليس الغرض الحصر والاستقصاء.
تعريف أخلاق المهنة:تعني أخلاق المهنة تلك التوجيهات النابعة من القيم والمبادئ التي يؤمن بها أفراد المجتمع, والتي ينبغي للشخص أن يتحلى بها أثناء ممارسته للمهنة.
الفرق بين أخلاق المهنة وأنظمتها:
عرفنا آنفاً أخلاق المهنة, وأما أنظمتها فهي تلك القوانين والتشريعات التي تحدد وتنظم عمل الممارسين للمهنة.
أي أن أخلاق المهنة تهتم بما ينبغي فعله، وأما أنظمة المهنة فتهتم بما يجب فعله.
وعليه فإن من يخالف الأخلاق يستحق اللوم والعتاب, وأما من يخالف الأنظمة فإنه يستحق العقوبة أيضاً مضافاً إلى اللوم والعتاب.
مصادر أخلاق المهنة: إن مصدر أخلاق المهنة عندنا نحن المسلمين إنما هو ديننا الحنيف. فالدين بما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، وإتقان العمل, ومراقبة الله عز وجل في كل شأن، هو مصدر الأحكام والأخلاق. وهو المصدر لكل شيء مستحسن في الحياة, وهو المرشد والموجه. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] {الأنفال:24} [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {النحل:97} [قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ, يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {المائدة:15-16}, فهذه الآيات وغيرها كثير, تؤكد أن الحياة السعيدة الهانئة الطيبة إنما هي في اتباع شرع الله, وليس غيره, ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وإذا كانت هناك آداب وأخلاقيات للمهنة مستوحاة من الأعراف, أو مما لدى الأمم الأخرى, فإنه لا مانع منها, ما دامت لا تتعارض مع ما جاء به الشرع؛ لأن الشرع قد أذن بذلك.
مدى الحاجة إلى دراسة أخلاق المهنة:لكل مهنة أخلاق وآداب عامة تحددها القوانين واللوائح الخاصة بها, ومن خلال مراعاتها تتم المحافظة على المهنة ومكانتها. وكثيراً ما تجمع هذه الآداب والأخلاق في وثيقة واحدة, يطلق عليها ميثاق الشرف المهني.
ومن المعلوم أن مجموع المهن في المجتمع هي الأداة المنفذة لأهداف وتطلعات أبنائه, فإذا فقد العاملون فيها الآداب والأخلاق, كان ذلك نذير شؤم عليهم, ودليلاً على قرب نهايتهم, إذ كما قال الشاعر: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وتزداد أهمية أخلاق المهنة في عصرنا الحالي, نظراً لاتساع سلطان العلم وما رافقه من تقنيات معاصرة بشكل مذهل, ولتضاعف مجالات العمل أضعافاً كثيرة عن العصور السابقة, وقد رأينا كيف أن العلم استغل استغلالاً سيئاً من قبل بعض المجتمعات, فأصبح وسيلة للإفساد والتدمير والعبث بمصير البشرية والبشر, فمن القنابل النووية إلى الهيدروجينية, إلى الصواريخ العابرة للقارات, إلى غزو الفضاء من خلال الأقمار التجسسية, إلى التلاعب بالجينات الوراثية والاستنساخ ... وهكذا.
وقد شعر كثيرون من رجال العلم والفكر في العالم بخطورة الأمر, فدعوا إلى وضع ميثاق شرف أخلاقي لكل مهنة, من شأنه أن يحمي سمعتها, ويحافظ عليها من الانحراف والاستغلال.
صفات الميثاق الأخلاقي:
لكي يحقق الميثاق الأخلاقي أهدافه يجب أن يتصف بما يلي:
  • أن تكون مواده منسجمة مع قيم المجتمع ومبادئه.
  • أن تكون مختصرة.
  • أن تكون سهلة وواضحة.
  • أن تكون معقولة ومقبولة من الناحية العملية.
  • أن تكون شاملة.
  • أن تكون إيجابية.
وسيكون لنا في محاضرات قادمة وقفة مع بعض من هذه المواثيق بمشيئة الله تعالى.
المحاضرة التاسعة
الأخلاق الجامعة للمهنة
التمهيد:للمهنة عناصر أربعة هي: العامل ورب العمل والمستفيد والمجتمع. ويُقصد بأخلاق المهنة هنا تلك الصفات التي تنشد الكمال في هذه العناصر الأربعة.
ولما كانت ممارسة المهنة تتم في إطار التزام قانوني أو تعاقدي فإنه غالباً ما يشتمل هذا القانون أو العقد على بعض الخصال باعتبارها التزاماً واجباً. ومن ثمَّ فإننا سنستبعد هذه الخصال عن محل البحث. كما سنستبعد الأخلاق العامة كبر الوالدين والإحسان للجار بل سنقتصر على ما له صلة بكمال المهنة كما أسلفنا.
وسنجمع هذه الأخلاق (أخلاق المهنة) في خمس مجموعات هي:
الطهارة المهنية, الاستقامة المهنية, التعاون المهني, الأمانة المهنية, المحبة المهنية.
الطهارة المهنية
الطهارة لغة: مصدر يدلّ على النقاء والنظافة وزوال الدنس والتنزه.
والطّهارة في الاصطلاح: لا تخرج عن المعنى اللغوي.
وهي على ضربين: طهارة حسية, وطهارة معنوية.
الطهارة الحسية: وتتحقق برفع الحدث أو إزالة النجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما.
الطهارة المعنوية: وتتحقق بترك الذّنب وتنقية النّفس من العيوب.
ويدخل تحت هذا الضرب الأخير أيضاً الطهارة المهنية. أي؛ تطهيرها وتنزيهها عن النقائص. ويتحقق ذلك من خلال المحافظة على أمرين:
1 - السمعة الطيبة: وذلك من خلال التنزه والتطهر للمهنة من قبل من يقدمها.
2 - جودة الأداء: وذلك من خلال تنزيه المهنة نفسها عن العيوب والنواقص.
شروط الطهارة المهنية:يشترط في المهنة لتتصف بالطهارة أن تتوافر فيها ما يأتي:
1- أن يكون كل من العامل ورب العمل صاحب صفحة بيضاء في سجل المهنة, ويحرص على استمرارها كذلك (شهادة حسن سلوك). فلو عرف عن قاض قبوله للهدية تلوثت صفحته المهنية, ولو عرف عن طبيب تتبعه لعورات النساء تلوثت صفحته المهنية ... وهكذا الموظف الذي يرتشي, والتاجر الغشاش.
2- أن يلتزم كل من طرفي المهنة العامل ورب العمل بالقواعد المنظمة لممارستها, فرب العمل يحصل على ترخيص مزاولة المهنة قبل ممارستها, ولا يتعاقد مع غير المستوفين لشروط التعيين (من مثل السن القانونية والمؤهل الدراسي وغيرها) وإلا تلوثت صفحته المهنية. والعامل يكون حاصلاً على المؤهل الدراسي في المهن التي تشترطه كالطب والصيدلة مثلاً.
3- أن يكون لدى العامل خبرة كافية في الأعمال التي يستلزم ممارستها تلك الخبرة كالعمليات الجراحية مثلاً فلا يقوم بها إلا ممارس, وكالمناقصات أو المزايدات الكبيرة فلا يقوم بها عامل مبتدئ, وكإنتاج المصنوعات التي تحتاج إلى تقنية عالية فلا يشرف عليها إلا خبير.
4- أن يشتهر عن صاحب المهنة (سواء أكان عاملاً أو رب عمل) الحرص على الإتقان وعدم إجازة المنتج إلا في درجة عالية من الجودة.
فإذا افتقد أي شرط من هذه الشروط كان ذلك مسَّاً بخلق الطهارة المهنية.
التوجيه الفقهي لخلق الطهارة المهنية:لا تقوم مهنة معتبرة بغير طهارة, ومن ثَمَّ كان الحد الأدنى من هذه الطهارة ضرورة لازمة, لعدم قيام المهنة إلا به. وهو ما استلزم مع مرور الزمن وتطور الأحوال صدور القوانين المنظمة للمهن, كما تطلَّب وضع صيغٍ للعقود تتضمن نصوصاً في شكل بنود إلزامية مباشرة, أو غير مباشرة كالإحالة إلى عرف ونحوه, فتحولت تلك الصفات الأخلاقية الحميدة من كونها أخلاقاً كريمة إلى التزام يوجب مخالفته مساءلة قضائية بعد أن تم النص عليها.
ولما كان من غير الممكن الإحاطة بخصال الطهارة المهنية من خلال تلك القوانين والعقود, كان الحد الزائد عن الواجب هو المراد بخصال الطهارة المهنية, وهو الذي يدخل في أخلاق وآداب المهنة, ويترتب على الإخلال بها المساءلة الأخلاقية دون القضائية.
وهنا يجب علينا أن ننبه لأمرين :
أولهما- لكل مهنة ما يناسبها من أخلاق الطهارة المهنية, فما هو مطلوب لمهنة القضاء قد يختلف عن ما هو مطلوب لمهنة الطب أو الصيدلة أو التجارة وهكذا. وما يلزم للقاضي للحفاظ على سمعته الطيبة, يختلف عن الذي يلزم للطبيب, أو للتاجر, ويقال الشيء نفسه عن آداب ممارسة المهنة.
ثانيهما- المقصود هنا ما يؤثر على سمعة المهنة وطهارتها, وليس الأوجه التي لا شأن لها بالمهنة كسمعته بين أهله أو لدى جيرانه مثلاً.
أدلة الطهارة المهنية: يدل لخلق الطهارة المهنية آيات عديدة من كتاب الله وأحاديث كثيرة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, منها:
1- قول الله تعالى: {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} {النمل:88} والإتقان والجودة معنى من معاني الطهارة المهنية. ومنها قوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام, وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}, ومنها: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً, وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} وغيرها كثير.
2- قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). وهذا في معنى الآية السابقة من حيث الدلالة على طلب الإتقان في العمل, وجودة الأداء.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير...). فيه الدلالة على أهمية السمعة الطيبة والسلوك القويم, وهو من معاني الطهارة المهنية كما تقدم, وقوله عليه الصلاة والسلام: (من غش فليس منا).
مظاهر الطهارة المهنية عند الفقهاء:تكلم الفقهاء عن الطهارة المهنية التي تعني السمعة الطيبة, والسيرة الحميدة, وجودة الأداء والإتقان. ولنأخذ أمثلة من باب القضاء على سبيل التمثيل والبيان وليس الحصر:
- قال الفقهاء ببطلان تولية الفاسق القضاء مع وجود العادل للحفاظ على سمعة القضاء وسمعة القاضي, ولتحقيق جودة الأداء في الحكم, ولا يخفى أنهما من خصال الطهارة المهنية.
- وقال الفقهاء يحرم تولية الجاهل القضاء مع وجود العالم للحفاظ على جودة الأداء وهي من خصال الطهارة المهنية.
- ومثلهما ما ذهبوا إليه من كراهة تولية المفضول القضاء مع وجود الفاضل (أو الأفضل) للحفاظ على جودة الأداء أيضاً.
ومثل هذه المسائل نجدها أيضاً في باب الإمامة في الصلاة, وفي الولاية في النكاح, وفي الولاية على المال للقصر (من مجانين وسفهاء ويتامى), وفي ناظر الوقف, وفي ولاية الحسبة وغيرها.
ومن هذا الباب ما نجده من طلب جهات التعاقد شهادة حسن السلوك من الطالب والمدرس والموظف, ومنه ما نجده في بعض المواثيق من النص على أنه يفصل من العمل من يرتكب ما يخل بالآداب العامة في مكان الوظيفة, كسرقة مثلاً, أو جريمة تمس الشرف أو الأخلاق أو الأمانة من غير حاجة إلى إعلان. وهكذا.
المحاضرة العاشرة
الاستقامة المهنية
معنى الاستقامة :الاستقامة لغة: مشتقة من القيام, وتعني الثبات والدوام والملازمة والاستمرار على الشيء, كما أنها تفيد معنى الاعتدال والاستواء.
فمن الأول قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} {التوبة:7}, أي: فما استمر وثبت أولئك المشركون معكم على العهد, فاستمروا أنتم معهم واثبتوا.
ومن الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم للمأمومين خلفه في صلاة الجماعة: (أقيموا صفوفكم). أي اعتدلوا واستووا ولا تختلفوا.
والاستقامة المهنية في معناها الاصطلاحي : تعني الاعتدال والاستواء في أداء المهنة من جهة, ومن جهة أخرى ملازمة المهنة والوفاء بمصالحها من الطاعة والمشورة والصدق.

شروط الاستقامة المهنية:لكي تتحقق الاستقامة المهنية (أي الاعتدال والاستقرار والوفاء بمصالحها) لابد من توافر الشروط التالية:
1- أن يحرص كل طرف منهما (العامل ورب العمل) على الآخر. ففي الحديث القدسي يروي النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه: (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه, فإذا خانه خرجت من بينهما).
2- مطاوعة الزملاء في العمل. ففي الحديث أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بعث أَبَا مُوسى الأشعري وَمُعَاذ ابن جبل إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ لهما: (يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا ولا تختلفا).
3- طاعة الرؤساء في المهنة. قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] {النساء:59}.
4- عدم التغيب عن العمل إلا في حالات الضرورة لأن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود, وهو من مقتضى الوفاء بالعقود. قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ] {المائدة:1} .
5- الالتزام بمنهج الشورى في الوظائف التي تصنع السياسات المهنية وتضع الخطط, وعدم الاستبداد بالرأي لقول الله تعالى مخاطبا نبيه: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] {آل عمران:159}, فإذا كا ن النبي وهو المسدد بالوحي مطالباً بالشورى فكيف بغيره.
6- الالتزام بالصدق لقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] {التوبة:119} .
التوجيه الفقهي لخلق الاستقامة المهنية:
ما أسلفناه في حديثنا عن الطهارة المهنية من ضرورة توافر الحد الأدنى منها يقال هنا أيضاً وفي كل خصال أخلاق المهنة, فالحد الأدنى لا بد منه, وقد نصت القوانين والعقود عليه, فخرج من مجرد خصال أخلاقيات إلى واجبات ملزمة يترتب على الإخلال بها مسؤولية قضائية, غير أن القوانين والعقود لا تستطيع أن تفي بكل خصال الاستقامة المهنية, لأن العقود تستحدث باستمرار والوقائع تتجدد دائماً, فكان الناس بحاجة إلى المزيد من هذا الخلق, بحيث يتحقق المقصد من هذا الخلق.
وننبه هنا أيضاً إلى ما أسلفناه في خلق الطهارة المهنية من أن:
1- الاستقامة المهنية تختلف في بعض جوانبها من مهنة إلى أخرى, أي أن الاستقامة المهنية المطلوبة من القاضي تختلف في بعض جوانبها عن المطلوبة من الطبيب أو التاجر أو المدرس.
2- كما أننا لا نبحث هنا إلا في الاستقامة ذات العلاقة بالمهنة وما يؤثر فيها, ولا شأن لنا بعلاقاته الأسرية أو الاجتماعية.
أدلة الاستقامة المهنية:دلت آيات وأحاديث كثيرة على طلب هذا الخلق من المسلم من ذلك:
قوله تعالى: [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {هود:112} فالآية تطلب الاتصاف بهذا الخلق صراحة من الرسول وممن معه من المؤمنين, وهي عامة, ويدخل فيها الاستقامة المهنية لأنها فرع عنها. وفي هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حين جاء إليه يقول: يَا رَسُولَ اللهِ ، قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ قَالَ : قُلْ : (آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ).
قوله تعالى في صفات عباد الرحمن: [وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا] {الفرقان:67} أي اعتدلوا من غير إفراط ولا تفريط, وهذا من خلق الاستقامة.
قوله تعالى: : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] {التوبة:119} , وكذا ما ورد في طاعة ولاة الأمر والتزام منهج الشورى وقد تقدمت تلك الآيات, كما أنها جميعاً قد تأكدت بالأحاديث الواردة في معناها والتي تدل على طلب هذه الخصال الخلقية.
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) (وعليكم بالسمع والطاعة وإن أُمِّرَ عليكم عبد حبشي ..) وغيرها كثير.
مظاهر الاستقامة المهنية عند الفقهاء:تكلم الفقهاء عن مظاهر الاستقامة من خلال ذكرهم للفروع الفقهية وتناولهم لأحكامها, وفيما يلي ذكر لبعض هذه المظاهر:
1- الغبن في المعاوضات المالية:
والغبن يعني الخديعة, ويترتب عليه عدم التعادل في التزامات الطرفين حيث يتم استغلال أحدهما للآخر نتيجة لاسترساله وعدم معرفته بأصول المعاملة وقواعدها. وقد حرم الإسلام هذا السلوك لمنافاته للعدل فقال صلى الله عليه وسلم (غبن المسترسل حرام), وورد في بعض الروايات: (ربا). وحين أخبره شخص أنه يغبن في بيعه فقال: (إذا بايعت فقُلْ لَا خِلَابَةَ) أي لا خديعة. أي اشتريت منك بشرط أن لا تكون قد خدعتني, فإذا تبين أنك قد خدعتني فلي الخيار في إبطال البيع إلى ثلاثة أيام.
2-التطفيف في المكيال والميزان: ويعني التلاعب بها ببخسها وأكل أموال الآخرين بغير حق وهو ظلمٌ وينافي العدل الذي أمر الله به. قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} وقال تعالى: { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}.
فالتطفيف ينافي خلق الاستقامة المهنية التي من خصالها العدل والمساواة.
3- الالتزام في المهنة: أجمع الفقهاء على وجوب الالتزام بأداء المهنة على وجهها المعروف في صور المعاوضات, وعدم الإخلال بمتطلباتها لقولة تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ] {المائدة:1} . ولا يخفى ما لهذا من أثر طيب وإيجابي على تحقيق الثبوت والدوام والاستقرار للمعاملات, وهي من خصال خلق الاستقامة المهنية.
4- الشورى في المهنة: والشورى مراجعة الآخرين من أهل الاختصاص والخبرة لأخذ رأيهم في الموضوع الذي ينظر فيه للعمل بموجبها. وهي من خصال خلق الاستقامة المهنية, ومطلوبة لقوله تعالى : {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله}. ولقوله نعالى في صفات المؤمنين: {وأمرهم شورى بينهم} وقد رأينا صوراً كثيرة من ذلك في سيرة الرسول وخلفائه الراشدين.


منقول