ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام - بين أروقة قسم الرياضيااات حيث تكمن الإثارة...!!

الجزء الخامس... رحلة استكشافية داخل المعمل...

غداً هو موعد الامتحان العملي لمقرر الكيمياء... لا يحتاج منا الامتحان مذاكرة مسبقة لأن المذكّرة ستكون معنا في أثناء الاختبار.. يمكننا فتحها وتقليب صفحاتها.. حيث ستُعطى كل طالبة كمية من ملح مجهول... وعليها تطبيق التجارب التي درستها خلال الفصل على هذا الملح لتتمكن من اكتشافه..

قبل انصرافي من الكلية والعودة إلى المنزل.. طلبت من حوراء مجموعة أنابيب الاختبار الخاصة بها.. حيث إنه لم يكن لدي سوى انبوبتان وقد كُسِرت إحاهما في احدى التجارب.. ومن الصعب عليّ أداء الامتحان بأنبوبة واحدة فقط...!!

في اليوم التالي وحينما أقترب موعد الاختبار.. أخذت الأنابيب من حوراء وتوجهت نحو المعمل.. كنا حينها في شهر رمضان المبارك وكنت امقت رائحة المعامل و اشعر أنها تصيبني بالغثيان.. ارتدت كل واحدة منا معطفها الأبيض و اُعطيت عينة من ملح مجهول لتبدأ به رحلتها الاستكشافيه..

فوجئت بطالبتين اقتسمتا عيّنات الملح فيما بينهما.. لتقوم كل واحدة منهما بإجراء التجربة لها ولزميلتها في آنٍ معاً.. فيختصرن الوقت إلى النصف... وفِعلاً ما إن مضت خمسة عشر دقيقة من زمن الاختبار حتى توصلتا إلى نتيجة ملحهما المجهول و سلّماها وخرجن من المعمل..

بينما أنا لازلت في التجارب الأولى من واقع اربعين تجربة تقريباً.. مضى نصف الوقت دون أن اصل إلى نتيجة.. بدأت بالأرتباك بعض الشيء وانتشرت في المعمل روائح أشبه بالسموم بالنسبة لي... الطالبات منهمكات بإجراء التجارب.. و أعدادهنّ في تناقص مستمر.. لم يتبقى سوى عشر دقائق من وقت الاختبار وطالبتان فقط... قالت لنا الأستاذه:
- هيّا بسرعة إن لم تصلا إلى نتيجة الملح ستحصلان على صفر.. كما إنه ليس هناك عيّنة أخرى لمن تنفذ عينتها..

ليتها التزمت الصمت أنذاك ولم تنطق بأي كلمة.. مضيت أكمل تجاربي والملح أوشك على النفاذ.. حاولت التقليل من كميته في كل تجربة لأتمكن من المواصلة... بدأ اليأس يدب في كياني...

وأخيراً تغير لون اللهب إلى اللون الأصفر الذهبي.. إنه ملح الطعام.. بعد كل هذا العناء.. ملح الطعام...!!
انفرجت أساريري .. وبدأت بكتابة التجربة والنتيجة وتسليمها للأستاذة.. خرجت من المعمل وما إن ابتعدت عنه قليلاً حتى أخذت نفساً عميقاً.. لعلي اشعر بأنفاس نقية.. مضت ساعة الاختبار وكأنها دهراً بالنسبة لي.. التقيت حين خروجي ببيان.. وبادرتني بالسؤال عن الاختبار.. حمدت الله و قلت لها..
- لقد كانت لحظات الامتحان صعيبة عليّ.. أحسست بالإنهيار.. كيف لهم أن يجعلوا وقت الامتحان 50 دقيقة دون أن يضعوا في عين الاعتبار سيئة الحظ مثلي ممن لن تصل إلى النتيجة إلا في التجربة الآخيرة أو قريباً منها.. مما يعني إنجاز كل تجربة في دقيقة وربع الدقيقة.. ليس أكثر من ذلك.. هذا بالإضافة إلى تزاحم الطالبات على المركبات والأحماض..و مواقد اللهب...!!

بعد ذلك اليوم وفور انتهاء المحاضرة .. توجهت نحو حوراء وسلمت عليها... ثم اعطيتها مجموعة الأنابيب التي استعرتها منها.. شكرتها على ذلك واقترحت عليها أن نجلس معاً ما دمنا سنبقى في الكلية وليس لدينا محاضرات حتى نهاية الدوام...لم تُبدِ أي اعتراض .. بل رحبت بالفكرة..

كانت المرة الأولى التي نجلس فيها معاً نتبادل أحاديث خارجة عن إطار المحاضرات الدراسية.. فقد كانت لقاءتنا السابقة لا تعدو عن استفهام بخصوص مسألة توقفنا عندها... أو نقطة لم نفهمها..!! لكن هذه المرة اتخذ حديثنا مجالاً أوسع.. اخبرتني عن حبها للرياضيات ورغبتها في مواصلة الدراسة لما بعد البكالوريوس.. وتحدثنا عن أيام الثانوية و عن طموحاتنا وعن الكلية و واقعها... والكثير..

انضمت إلينا بيان وتمشينا معاً في صالة الكلية وفي أثناء ذلك.. تقدمت نحونا احدى الطالبات و اعطت لبيان دفترها الكشكول - المسودة- و شكرتها ثم انصرفت.. قالت بيان وهي مبتسمة:
- لم يقتصر الأمر على دفاتر التمارين والنظري بل حتى الكشكول..!!
تعجبنا وقلنا لها:
- حتى دفتر الكشكول صوره منك الطالبات يا بيان..؟!!
- بلى..
أمرُ غريب حقاً.. وإلى يومنا هذا لا أعرف تفسيره...!! من يدري قد يحوي معلومات هامة سيشملها الاختبار...

أوشك الدوام على الانتهاء وقاربت الساعة الثانية عشرة.. أوصلنا بيان إلى البوابة الرئيسية و توجهنا أنا وحوراء نحو بوابة الباصات.. افترقنا بعدما قصدت هي الباص الذي يخص مدينتها و توجهت أنا نحو باصي المألوف.. جلست على أحد المقاعد.. و وضعت رأسي على النافذة كما في كل مرة.. ولكن هذه المرة لم ارحل إلى عالم أحلامي البعيد بل إلى عالم حوراء..

إنها تختلف كثيراً عن بقية الطالبات ممن أعرفهنّ.. لها هدف واضح وقناعات محددة.. تمضي قدماً في طريقها بثقة وثبات.. تفكر بطريقة مختلفة عن الآخريات... قد يتصور البعض انطوائيتها وعزلتها.. ولكنها على العكس من ذلك تماماً.. كل ما في الأمر أن لها عالمها الخاص الذي تعيشه... لا تريد أن تكون كما يريد الآخرون و إنما كما تريد هي أن تكون.. ولا يهم بالنسبة لها إن سار الجميع على خلاف طريقها... بل ستواصل مسيرها على ذات الطريق... لأنها مقتنعة بكل خطوة من خطواتها..

في الواقع اُعجبت بها كثيراً وألِفتها روحي....

و الآن في أمان الله و إلى لقاء قريب بإذن الله...