عندما أريد أن أجيب على مثل هذا التساؤل
أحب التركيز جداً
ولا أحب أن أهذي بما لا أدري
أو أن تكون المشاركة ركيكة بلا عمق
إن كان الخطأ من المهندس أو الطبيب نعتبرها ذنبٌ وجب عليه المحاسبة
لكي يكون عضة وعبرة ..
فكيف بمن كانت جراءته على رب الأرباب .. هُنا جراءة أعظم وذنب أوجب العقوبة الأنكى والأشد
ففي هذه الأزمان ظهر المتجرؤون على الفتيا, والراكبون ظهور العاصفة, ظنوا العاصفة ترفعهم ونسوا انها قاصفة تُردي!!, فنفثوا الفتاوى, ونشروا الفوضى, وأظهروا كل عوراء وعرجا من شاذ الفتاوى ومستنكر الأقوال. وراحوا يبعثون الأقوال المهجورة والأوابد, ويتتبعون الرُّخص, ومن تتبع الرُّخص اجتمع فيه الشَّر كلُّه.
إذا كانت الفتوى بيانٌ لأحكام الله تعالى، والمفتي في ذلك موقِّعٌ عن الله، فإن الجرأة والقول على الله تعالى بغير علم من أعظم المحرمات، لما فيه من افتراء على الله، وإغواء وإضلال للناس، وهو من كبائر الإثم. أما أنه من كبائر الإثم، فلقول الحق تبارك وتعالى: {
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33]. فقد قرن الله تعالى القول عليه بغير علم بالفواحش الظاهرة والباطنة، والإثم والبغي والشرك، للدلالة على عظم هذا الذنب، وقبح هذا الفعل.
قال ابن القيم : « وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها ، وبعد أن ساق الآية التي أوردناها قال : فرتب المحرمات أربع مراتب:
- بدأ بأسهلها وهو الفواحش.
- ثم ثنَّى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم.
- ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريماً منها وهو الشرك به سبحانه.
- ثم ربَّع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله ، وفي دينه وشرعه.
ومما يدل أيضاً على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى: {
وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل: 116-117]. فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه: هذا حرام، ولما لم يحله: هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أنَّ الله سبحانه وتعالى أحلَّه وحرَّمه. (4)
هذا ما يتعلق بكونه من كبائر الإثم.
- وأما كونه إغراءً وإضلالاً للناس ، فَلِما روى الشيخان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ، قال: "
إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
لهذا هاب الفتيا كثير من الصحابة، وتدافعوها بينهم لِمَا جعل الله في قلوبهم من الخوف والرقابة.
- فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "
أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدهم عن المسألة فيردَّها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول"، وفي رواية : "ما منهم من أحد يُحدِّث بحديث إلا ودَّ أخاه كفاه إياه ، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا"
- وعن الشعبي و الحسن و أبي حَصين بفتح الحاء قالوا : "إن أحدكم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر"
وقد كان كثير من السلف الصالح إذا سئل عن مسألة لا يعلم حكمها قال للسائل: لا أدري ، أو قال : الله أعلم ، عملاً بما:
- روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : سمع النبي قوماً يتمارون في القرآن ، فقال: "
إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً ، ولا يكذب بعضه بعضاً ، فما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم منه فكِلوه إلى عالمه" [رواه أحمد (6741) وحسنه الألباني].
- وقال ابن مسعود :"من كان عنده علم فليقل به ، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم ، فإن الله قال لنبيه : {
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]
تقبل مروري

ممتنة جداً لهذا الموضوع الحساس والمثير جداً
ودي لكَ وللجميع

