عرض مشاركة واحدة
قديم 2014- 3- 3   #122
Noooralgamar
متميزة بالمستوى الثامن - ادارة اعمال
 
الصورة الرمزية Noooralgamar
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 149399
تاريخ التسجيل: Tue Jul 2013
المشاركات: 3,244
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 646817
مؤشر المستوى: 727
Noooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond reputeNoooralgamar has a reputation beyond repute
بيانات الطالب:
الكلية: Business Administration
الدراسة: انتساب
التخصص: Business Administration
المستوى: خريج جامعي
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
Noooralgamar غير متواجد حالياً
".. المحاضره الخامسه .."







الإلزام والمسؤولية والجزاء الاخلاقي


أولاً : الإلزام
- تعريف الإلزام الخُلُقي:

الإلزام بصورة عامة هو الفرض والإيجاب. أي؛ ما فرضه الشرع وأوجبه علينا من أمرٍ أو نهي, سواءٌ
أكان ذلك في باب العقائد, أم العبادات, أم المعاملات, أم الأخلاق... .
وفي باب الأخلاق يمكن أن يُعَرَّف الإلزام بأنه: تكليفٌ بتشريع خُلُقي.
أو بعبارة أخرى: أمرٌ صادرٌ من الشرع للمكلفين بامتثال خُلُقٍ محمودٍ, أو اجتنابِ خُلُقٍ مذموم.
أي أنه أمرٌ من الله سبحانه, أو من رسوله صلى الله عليه وسلم, للبالغِ العاقلِ,
يوجب عليه التحلي بخُلُقٍ محمودٍ كالصدقِ والعدلِ ونحوها, أو الابتعادِ والتخلي عن خُلُقٍ مذمومٍ كالكذبِ والرياءِ ونحوها.


- مصادر الإلزام الخلقي:~
إن مصدر الإلزام الخلقي –كغيره من الأحكام الشرعية- إنما هو الله سبحانه,
قال تعالى: {إنْ الحُكْمُ إلَّا لِله} (يوسف: 40), وقال جل جلاله: {ألَا لهُ الخَلْقُ والأَمْرُ} (الأعراف: 54).
والعقولُ وإنْ كانت تدرك أحياناً الحسن والقبح في الأشياء؛
كأن تدرك أن الصِّدْقَ حَسَنٌ, والكذبَ قبيحٌ, والأمانةَ حسنةٌ, والخيانة قبيحةٌ,
إلا أن مناط الثواب والعقاب هو الشرع, وليس العقل, فإن فالتشريع حقٌ لله وحده.
ثم إن الله تعالى أمرنا باتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،
فقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ, وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7),
وقال أيضاً: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الكَافِرِينَ} (آل عمران: 32).
فاتباعنا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو استجابةٌ وامتثالٌ لأمر الله سبحانه.
وقد بعثه الله إلينا بالقرآن الكريم والسنة المطهرة, وأقام بهما الحجة على العباد.
قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء:165).


- العوامل التي تعين على تحقيق الالتزام:~

ذكرنا أن مصدر الإلزام هو الشرع, غير أن هناك أموراً تعين على تحقيق الالتزام في حياة الناس,
وهي متفرعة عن الشرع, ومنضبطة به. وتتمثل في
عوامل داخلية: (وهي: الإيمان والعقل والفطرة والضمير الخلقي).
وعوامل خارجية: (وهي: المجتمع والسلطة الحاكمة).
العوامل الداخلية للإلزام:~
وتتمثل كما أسلفنا آنفاً في:
1- الإيمان بالله وباليوم الآخر: إن كثيراً من الممارسات الخلقية الحميدة لا تقوم إلا على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر،
والطمع بالثواب والرضا من الله تبارك وتعالى وليس من البشر, وذلك كما في مقابلة الإساءة بالإحسان،
والصبر على الظلم مع القدرة على الرد، والإنفاق على الأيتام والمحتاجين من غير انتظار الجزاء منهم،
والتضحية بالمال مع شدة الحاجة إليه،
كما قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً, إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}
(الإنسان:8-9). يقول ابن القيم رحمه الله: "الإيمان هو روح الأعمال, وهو الباعث عليها,
والآمر بأحسنها, والناهي عن أقبحها, وعلى قدر قوة الإيمان يكون أمره ونهيه لصاحبه, وائتمار صاحبه وانتهاؤه”
2- العقل: وذلك أن الإنسان إذا رأى أن عاقبة فعله ستكون نافعةً ومفيدةً أقْدَمَ عليه.
وإذا رأى أنها ستكون ضارةً أو أليمةً أحجمَ عنه. أي أن العقل كثيراً ما يكون وراء الإقدام على التصرفات الأخلاقية الحميدة,
والإحجام عن التصرفات المشينة, فالعقل يقود صاحبه إلى الخلق الحميد, وتعطيله يقوده إلى العكس.
وفي هذا جاء إخبار الله عن أهل النار بقوله: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك: 10).
يقول ابن القيم رحمه الله: "أما العقل فقد وضع الله سبحانه في العقول والفِطَرِ استحسانُ الصدقِ والعدل والإحسان والبر والعفة
والشجاعة, ومكارم الأخلاق, وأداء الأمانات, وصلة الأرحام, ونصيحة الخَلْق, والوفاء بالعهد, وحفظ الجوار, ونصر المظلوم,
والإعانة على نوائب الحق, وقِرى الضيف, وحمل الكَلِّ, ونحو ذلك. ووضع في العقولِ والفِطَرِ استقباحُ أضداد ذلك“.
3- الفطرة: الإنسان بفطرته السوية السليمة يهتدي إلى الأخلاق الحميدة، ويرتاح لها قلبه وضميره, فالعفة والسخاء
والحياء والصدق والشجاعة والإحسان والحلم والأناة كلها قيم أخلاقية راقية تهفو إليها الفِطَر السوية,
وتسعى للتحلي بها, على العكس من أضداد تلك الصفات كالخِسَّة وصفاقة الوجه,
والجبن, وبذاءة اللسان فإن الفِطَر السليمة تستقبحها وتنفر منها, والإسلام دين الفطرة,
قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} (الرُّوم: 30),
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه
كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء).
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}".
يقول ابن القيم: "والله سبحانه قد أنعم على عباده من جملة إحسانه ونعمه بأمرين هما أصل السعادة, أحدهما:
أنْ خَلَقَهم في أصل النشأة على الفِطرة السليمة, فكل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يخرجانه عنها...
فإذا تركت النفس وفطرتها لم تُؤْثِرْ على محبة باريها وفاطرها وعبادته وحده شيئاً, ولم تشرك به,
ولم تجحد كمال ربوبيته, وكان أحبَّ شيءٍ إليها, وأطوعَ شيءٍ لها, وآثر شيء عندها".
4- الضمير أو الوازع الديني: ونعني به ذلك الشعور الخفي الذي نحس به في أعماق نفوسنا,
ينادينا ويدفعنا إلى ممارسة فعل أو الكف عنه. وحين نستجيب له يغمرنا شعور عارم بالراحة واللذة.
وأما إذا تجاهلناه حصل معنا العكس تماماً, فنشعر بالانقباض والألم النفسي (ويسمى بوخز الضمير),
ونلوم أنفسنا على ذلك التقصير, ولا نريد أن يطلع عليه أحد. وهذا الضمير إنما يتكون في الفرد في أولى سِنِي حياته,
ومن خلال القيم التي تغرس فيه, والثقافة التي ينشأ عليها, والتربية التي يتلقاها, والبيئة المحيطة به.
ومن هنا كان دور الدين قوياً بل أساساً في نشأته وصياغته في المجتمع الإسلامي.
ولعل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ, والإِثْمُ ما حَاكَ في صَدْرِكَ, وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه الناس),
ما يشير إلى هذا الضمير الخفي, أو الوازع الديني الذي يكون رقيباً على تصرفات المسلم,
فيدفعه إلى طيب الأفعال والأقوال, ولو لم تكن نصوص الشرع آمرةً بها, وتكفه عن الفعل الذي لا يليق,
ولو لم تكن نصوص الشرع ناهيةً عنها.


ثانياً : العوامل الخارجية:~

1- المجتمع: أمر الله سبحانه جماعة المسلمين أن يراقبوا سلوك الأفراد داخل المجتمع،
وأن يأخذوا على يد الشارد منهم, والمنحرف عن جادة الحق، وأن يعاقبوه إذا ارتكب من المحظورات
ما يستدعي معاقبته ليكون زاجراً له ورادعاً لغيره.
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ} (المائدة: 38),
وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ} (النور: 2),
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
فالأمة كلها مطالبة بأن تراقب أفعال أبنائها وتصرفاتهم؛ فتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر،
وتأخذ على يد الظالم والعابث، وإلا نال جميعهم شؤم المعصية وشرورها.
قال تعالى محذراً من ذلك: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال:25).
2- السلطة الحاكمة: إن أهم واجبات السلطة الحاكمة (والمتمثلة بولي الأمر أو من ينوب عنه)
هو حملُ الناسِ على الالتزام بحدود الشرع الحنيف أمراً ونهياً، والتحلي بالأخلاق النبيلة،
والابتعاد عن السلوك المنحرف. وهو ما عبر عنه الإمام الماوردي رحمه الله بأربع كلمات فقال:
" الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا".
وحراسة الدين إنما تكون بتطبيق الشريعة, وردع الخارج عليها. وسياسة الدنيا تكون بمنع المنازعات,
وقطع الخصومات, وتحقيق العدل بين الرعية, وإيصال الحقوق إلى أصحابها.
ولا شك أن الإمام (أو ولي الأمر) لن يستطيع أن يحقق ذلك كله بمفرده, بل لا بد من معاونة الجهاز المشارك له في إدارة البلاد,
والذي يمثل بمجموعه السلطة الحاكمة.


- خصائص الإلزام الخُلُقي:

يمتاز الإلزام الخلقي في الإسلام بجملة من الخصائص أهمها:
أنه إلزام بقدر الاستطاعة. فلا تكليف إلا بما يُطاق.
قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة:286).
وهذا مبدأ يقتضيه العدل الإلهي, كما يقتضيه الخلق القويم.
أنه إلزام بما فيه يُسر على الناس, ويسهل تطبيقه. ومن ثَمَّ فلا تكليف بما فيه حرج أو مشقة لم تعتدها نفوس الناس.
قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} (البقرة: 185).
وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78).
أنه إلزام روعيت فيه الأحوال الاستثنائية, كما في إعفاء ذوي الأعذار من العجزة والضعفاء والمرضى عن الجهاد.
قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ} (الفتح: 17).
وكما في الترخص بالتلفظ بالكفر باللسان مع بقاء القلب مطمئناً بالإيمان.
قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْراً} (النحل: 106).


ثانياً: المسؤولية الخلقية:

تعريف المسؤولية: إذا صدر الإلزام من طرفٍ, نتج عنه بالضرورة مسؤولية الطرف الآخر عمَّا أُلزم به.
وإلا لم يكن إلزاماً, بل اختيارٌ, ويكون تسميته بالإلزام خطأً.
وقد عرفت المسؤولية بأنها: "التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً".
أو: تحمل الشخص النتائج المترتبة على ما التزم به من قولٍ أو عملٍ أو تركٍ.
شروط المسؤولية: ليس كلُّ إنسانٍ مسؤولاً عن أفعاله وأقواله,
بل هناك شروط لابد من توافرها حتى تترتب المسؤولية على الفاعل, ويمكن إجمالها فيما يلي:
1- البلوغُ: وإلا فلو كان صغيراً فلا تكليف ولا مسؤولية عليه, لقصور فهمه عن إدراك معاني خطاب الشرع.
2- العَقْل: وإلا فلو كان مجنوناً فلا تكليف ولا مسؤولية، لأنَّه لا يعقِل أمر الشرع ونهيه.
ودليل الاثنين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق،
وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ
).
3- الاختيار: أي أن يكون العمل نابعاً من إرادته، حراً مختاراً فيه؛ وإلا فلو كان مكرهاً على العمل,
لم يتحمل صاحبه مسؤولية تصرفه؛ لأنه بذلك يكون قد تحول إلى آلة لتنفيذ الفعل, ولا يُنسب الفعل إليه.
قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْراً} (النحل: 106).
فبين أن الإثم مرفوع عن المكره ولو نطق بكلمة الكفر مادام يجد قلبه مطمئناً بالإيمان.
وفي الحديث أيضاً يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عن أمتي الخطأ والنسيَانَ وما استُكْرِهُوا عليه).
4- النية, إذ المسؤولية الحقيقية عند الله إنما هي على نية وقصد المرء دون ظاهر سلوكه.
بمعنى أن العمل لو صدر من الشخص بإرادته, ولم يكن ينوي النتيجة التي ترتبت عليه,
فإن الله سبحانه يحاسبه على نيته الحقيقية وليس على ظاهر عمله.
فمن تصدق على فقير ونيته السمعة والرياء فإنه لا ثواب له عند الله, ومن رمى صيداً فأصاب إنساناً,
فإن الله لا يؤاخذه على فعله هذا, ولا يحاسبه على أنه قاتل لإنسان معصوم الدم. وأما نحن في الدنيا فنحكم
بظاهر الفعل أو القول؛ لأن النية من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها غير الله سبحانه.
قال الله تعالى في بيان هذه الحقيقة: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (البقرة: 225).
واللغو قول: لا والله. بلى والله. لا يريد الحلف حقيقة, بل سبقه إليه لسانه لتعوده عليه. فهذا لا يؤاخذ,
وإنما يؤاخذ من يريد اليمين. عازمٌ عليه قلبه.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى).
5- العلم بالعمل المطلوب منه وبحكمه الشرعي هل هو محرم أم واجب. أو إمكانية العلم بذلك,
بأن تكون فرصة معرفة الحكم متاحة له بالتعلم المباشر أو السؤال. وإلا فلو لم يسأل عن الحكم,
ولم يسع لتعلمه, فإنه يؤاخذ قطعاً؛ لأن المرء لا يُعذر بجهله. والجهل عذر في حق من لم تبلغه دعوة الإسلام,
ولم يمكنه التعرف عليه, ولا السؤال عنه. ولم يكن منه التقصير,
فهذا هو الذي لا يؤاخذه الله, لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15).
6- كون العمل مما يطاق, أي أنه بمقدوره فعل الشيء أو تركه,
وإلا فمتى كان العمل فوق طاقته لم يحاسبه الله عليه, وتسقط مسؤوليته عنه.
قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286).


خصائص المسؤولية:~

تتسم المسؤولية في الإسلام بأنها شخصية (أو فردية) بالدرجة الأولى. بمعنى؛
أن الإنسان يتحمل مسؤولية تصرفاته فحسب, دون تصرفات غيره أياً كان, ومهما كانت درجة قرابته.
فلو قتل الأب شخصاً وحُكم عليه بالقصاص, لم يجز الاقتصاص من الولد ولو رضي,
بل القصاص على القاتل فحسب. ولو شرب رجلٌ خمراً لم يجلد ولده أو والده عنه ولو طلبوا ذلك ورضوا به.
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر: 38),
وقال تعالى: {مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} (الإسراء: 15).
غير أن هناك مسؤولية أخرى ملقاة على عاتق الفرد, أو مسؤوليات متعددة,
منها: المسؤولية التقصيرية عن مَنْ هُم تحت ولايته, كالأب في الأسرة, ومدير الدرسة في مدرسته,
وضابط الجيش في قطعته, ومدير الشركة في شركته, وولي الأمر
فيما تحت ولايته. يقول عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
ومنها ما يمكننا أن نسميها المسؤولية الاجتماعية –أو التكافلية- وهي مسؤولية كل فرد مكلف في المجتمع عن القيام بواجب الأمر بالمعروف,
والنهي عن المنكر, والأخذ على يد المنحرف.
يقول عليه الصلاة والسلام: (من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).



أنواع المسؤولية:~
تنقسم المسؤولية إلى ثلاثة أنواع:
المسؤولية الأخلاقية المحضة:
وتعني التزام المرء أمام نفسه وضميره بالإتيان بشيء أو الانتهاء عنه.
المسؤولية الاجتماعية:
وتعني التزامه تجاه أبناء المجتمع, وما يفرضه المجتمع من قواعد.
المسؤولية الدينية:
وتعني التزامه أمام اللّه تعالى.


ثالثاً
: الجزاء الأخلاقي:

- تعريف الجزاء الأخلاقي:
يُقصد بالجزاء الأخلاقي: المكافأة أو الأثر المترتب على الفعل الأخلاقي.
سواءٌ أكان ظاهراً كالسجن والضرب, أم باطناً كتأنيب الضمير. وسواءٌ أكان في الدنيا كالعقوبات المقررة شرعاً على الجنح والجرائم,
أم في الآخرة كنعيم الجنة أو عذاب النار.

- أنواع الجزاء الأخلاقي:
يتمثل الجزاء في: الشعور النفسي, والعقوبات الشرعية, والجزاء الإلهي.
1- الشعور النفسي:
ونعني به ما يلمسه المسلم من نفسه من الرضا عند الطاعة والألم عند المعصية
-وهو ما يسمى برضا الضمير أو وخزه- وقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك الشعور واعتبره من علامات الإيمان,
فقال: (من سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فذلك الْمُؤْمِنُ). وهذا الشعور خاص بالمؤمن,
وأما غير المؤمن فلا يبالي بما فعل.
يقول عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عليه,
وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ على أَنْفِهِ فقال بِهِ هَكَذَا. قال أبو شِهَابٍ بيده فَوْقَ أَنْفِهِ).
2- العقوبات الشرعية:
وهي العقوبات التي أقرها الشرع لأولئك الذين يتعدون حدود اللّه. والغاية من هذا الجزاء معاقبة المجرم وردعه,
وردع غيره ممن تسول له نفسه فعل مثل ذلك. وهذه العقوبات على نوعين:
حدود: وهي جزاءات حددها الشرع على جرائم معينة كحد الزنا، والسرقة، والقذف, ولا مجال للاجتهاد فيها.
وتعزيرات: وهي عقوبات تأديبية يُعَاقَبُ بها من ارتكب جناية لم يحدد الشرع لها عقوبةً.
3- الجزاء الإلهي:
ونعني به الجزاء الذي يكون من الله سبحانه في الدنيا أو الآخرة.
ففي حالة الطاعة يكون له من الله سبحانه في الدنيا الرضا والحفظ وتيسير الأمور والنصرة والعزة.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2- 3).
وقال جل جلاله: {إن تنصروا الله ينصركم} (محمد: 7). وفي الآخرة له الجنة والكرامة.
قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً} (الكهف: 107).
وفي حالة المعصية والاستمرار عليها يكون له في الدنيا ضنك العيش والمصائب من الله.
قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112).
وقال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} (طه: 124).
وفي الآخرة له نار جهنم وله الإهانة والسخط من الله.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ} (البيِّنة: 6).
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx المحاضرة الخامسه.docx‏ (31.9 كيلوبايت, المشاهدات 229) تحميل الملفإضافة الملف لمفضلتكعرض الملف