وظيفة الخطة:
يعد مشروع البحث أو خطته أمرا جوهريا يتوقف عليه نجاح البحث كما يتوقف بناء المنزل مثلا علي الرسم الهندسي الذي يقدمه المهندس المعماري ،ولا يستطيع أحد البدء في تشيد المنزل من خلال الشروع في حفر بئر في الأرض من أجل تأسيسه ولكن قبل الإقدام علي حفر هذه الأرض علي هذا النحو، هناك تساؤلات كثيرة يجب الإجابة عليها، وقرارات عديدة لا بد من اتخاذها: أي نوع من المنازل تخطط لبنائه؟ هل سيكون من نموذج: منزل من طابقين ، أم مزرعة مواشى ؟ كيف سيكون وضع المنزل علي موقع البناء؟ أين سيكون اتجاه الفتحات؟ وهكذا يمكن أن نستمر في طرح التساؤلات.. ولكل واحد من هذه التساؤلات اهميته النسبية ويجب الإجابة علي واحد منها خاصة قبل أن نتمكن من البدء في تشيد المنزل ، وحتي بعد أن تتخذ كل من هذه القرارات، فلا يمكن أن نبدأ الحفر في الحال لأنه لا تزال هناك جوانب أولية أخرى .
فالمهندس المعماري يرسم خطة البناء كله، ويوضح بنسب معلومة بالضبط أين سيكون وضع كل جزئية تفصيلية ولا يترك أي شيء للصدفة، طالما كان كل ذلك ممكنا ، وهذا ما يفعله بالمثل كاتب مشروع أو خطة البحث .
ففي القسم من مشروعه الذي يكون عنوانه البيانات ومعالجتها مثلا يشير بدقة إلى كل تفاصيل البيانات ومعالجتها إحصائيا وتفسيرها ، ومع استمرار المماثلة بعمل المهندس المعماري ، فإنه يقوم بعد ذلك برسم المسقط الرأسي للبناء، الذي يوضح الوجه الخارجي لكل الجوانب ويحدد بدقة كيف سيبدو البناء عند الانتهاء منه ، وهذا ما يفعله الباحث بدقة في رسم معالم الدراسة المقترحة في ذلك القسم المخصص لمشروع البحث .
ذلك لأنه في بناء المنزل بطريقة أخرى غير التي فرغنا من وصفها ودون سند من التصميم ، يحتمل أن تزيد التكاليف ، والتعرض للخطأ ويفتح مجالا للتخبط، كما يترتب علي هذه الطريقة التي تستند علي المحاولة والخطأ، صرف مبالغ كبيرة من المال ، وهناك أيضا في إجراء البحث حاجة في استثمار الوقت والجهد والمال، الأمر الذى يصعب تحقيقه بدون تصميم مخطط بوضوح ، لا يمكن أن تترك إجراء البحث للنزوة أو للصدفة ، وإنما يجب أن تتخذ قرارات هادفة وحكيمة ، وينظر بعين الاعتبار وبعناية إلي تفاصيل الإجراءات الهامة ويوضع التصميم قبل أن يشرع في أي عمل لجمع البيانات .
وينبغي أن يتم التفكير في كل خطوة هامة من خطوات العملية الشاملة للبحث ، ويجب أن تحدد كتابة وبوضوح كما أنه لا بد من إخضاع كل ذلك لنوع من التقييم والدراسة الأولية قبل البدء الفعلي في هذا العمل ، وتتمثل وظيفة مشروع البحث في إتاحة الفرصة لهذه الموضوعية والتفكير النقدي .
أهمية التخطيط للبحث :
يعد التخطيط الواضح والمنسق أمرا جوهريا لإنجاح البحث علي كل مستوي وأهمية التخطيط لجهود البحث لا تقل عن أهمية البحث عن سبب المرض أو وصول الإنسان للقمر . وبرغم أن هذه المشروعات الأخيرة أكثر تعقيدا وتطورا عما قد تقوم بتخطيطه ، فإن هذا لا يغير الحقيقة القائلة بأن مشروع البحث محتاج إلى تخطيط منسق وشامل قبل أن يبدأ النشاط الفعلي ، ويعتبر مشروع البحث جوهر كل عمليات تخطيط البحث ، ويعد المشروع أمرا جوهريا لكل جهد يبذل في البحث مثلما يعتبر الرسم الهندسي أساسا لتشيد البناء فكل منهما عبارة عن خطة أساسية للعمل وكل منهما يتناول المشكلات ، ويحدد الموضوع ، والتعرف علي البيانات والمادة التي يجب استخدامها في حل الموضوع ويرسم معالم المنهج، الذي سيفاد به من المادة وسيتم به معالجة البيانات وتفسيرها .
ولمشروع البحث أهمية كبري من حيث أنه يمد البحث وغيره من المتهمين بالبحث بالفرصة لتقييم التصميم في جملته قبل إنفاق أي جهد ووقت أو استثمار أي مال في المشروع ، كما أن الفحص الواعي لمشروع البحث سيكشف عن قدرة الباحث علي التفكير في تفاصيل بحثه وسيوضح ما إذا كان قد استطاع تصور أبعاد هذه المهمة وما إذا كان قد أخذ في اعتباره المشكلات التي تنطوي عليه عملية التوصل إلي البيانات وما يلى ذلك من معالجة وتفسير .... ويحول مشروع البحث الجيد دون الوقوع في الخطأ، والشعور بالإحباط المترتب علي الجهد الذى أسئ توجيهه في بحث غير مفهوم، وكما تستطع النظر إلي الرسوم الهندسية وتوضح لنا ما إذا كان البناء المقترح سيكون كافيا للهدف الذي وضع من أجله ، فهكذا ومن خلال النظر بعناية إلى مشروع البحث يمكن أن يقول لنا الباحث ما إذا كانت مناهج البحث التي أشار إليها والبيانات التي سوف يوفرها ستؤدى إلي الحل المحتمل لمشكلته .
وتعتبر القدرة علي بناء مشروع بحث فعال بمثابة مهارة يتزايد الطلب عليها كما أن المقدرة علي عرض الأفكار من الاهمية بمكان مهما كان الميدان الذي يتخصص فيه الباحث . ويساعد كتابة مشروع البحث علي تركيز التفكير علي التفاصيل الهامة والحاسمة ، وعلي فصل القضايا المحورية وعلي الاهتداء إلي أفضل إجراء يمكن القيام به في حل المشاكل .