الموضوع: المستوى الخامس محتوى مادة تاريخ الاندلس الاسلامي
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2014- 4- 28
ابو عبدالله 77
أكـاديـمـي نــشـط
بيانات الطالب:
الكلية: طالب
الدراسة: انتساب
التخصص: تاريخ
المستوى: المستوى الثالث
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 4099
المشاركـات: 4
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 185117
تاريخ التسجيل: Wed Apr 2014
المشاركات: 143
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 1228
مؤشر المستوى: 43
ابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enoughابو عبدالله 77 will become famous soon enough
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
ابو عبدالله 77 غير متواجد حالياً
محتوى مادة تاريخ الاندلس الاسلامي

مادة تاريخ الاندلس الاسلامي
نظرة في جغرافية شنبه الجزيرة الأيبيرية
تقع شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) في الجنوب الغربي من القارة الأوربية, تفصلها من الشمال عن جنوب فرنسا جبال البرت
حيث تتصل الأندلس بالأرض الكبيرة, ويفصلها من الجنوب حدوداً القارة الأوربية, مضيق جبل طارق الذي يبلغ عرضه من الشرق إلى الغرب 13 – 73 كم2.
ولابد من إيضاح بعض المصطلحات قبل المضي في الحديث عن التاريخ الأندلسي
(مصطلح الأندلس ومدلوله)
الأندلس مأخوذ من الوندال والتي تعود قبائلهم إلى أصل جرماني, احتلت شبه الجزيرة الأيبيرية من القرن الثالث حتى الخامس الميلادي, وسميت باسمها (فاندلسيا) أي بلاد الوندال, ثم نطقت بالعربية (الأندلس).
أما مدلول هذا المصطلح
فقد أطلقه المؤرخون والجغرافيون الأندلسيون على كل شبه الجزيرة الأيبيرية (اسبانبا و البرتغال) .
وتطلق اليوم كلمة اندلثيا بالاسبانية على المنطقة الجنوبية من اسبانيا, وهو اصطلاح إداري لا يمثل المعنى التاريخي المبين لمصطلح الأندلس .
وبعض أسماء الأمكنة والمدن في شبه الجزيرة الأيبيرية ذات اصل أندلسي منقول إلى الاسبانية, أو انه اسباني نقل إلى العربية.
(الثغور الأندلسية) وجدت في الأندلس ثلاثة ثغور أندلسية تقع على حدود اسبانيا
النصرانية وهي:
1/ الثغر الأعلى أو (الثغر الأقصى) وعاصمتة سرقسطه. يواجه مملكة بناره .
2/ الثغر الأوسط وعاصمتة مدينة سالم ثم طليطلة , يواجه مملكتي قشتاله وليون.
3/ الثغر الأدنى . ويقع بين نهري دويره وتاجه . كانت عاصمتة أولا: طليطلة ثم حلت غيرها (قورية
الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية:
خضع الأسبان لسلطان الروم بادئ بدء, وساروا على نهج نظمهم, وأقبلوا عليها إقبالاً شديداً, وانتهى بهم الأمر إلى تعلمها, واصطبغوا من الوجهة الاجتماعية بالصبغة الرومانية .
ثم ضعفت الدولة الرومانية الغربية, واجتاحا قبائل جرمانية في موجات متتابعة حتى استقر بها القوط الغربيون في أواخر القرن الرابع الميلادي.
واتسع ملك القوط الغربية خاصة في عهد ثيودور (420 – 451م) فقد تحالفت مع الرومان وتكاتف معهم في صد هجوم قبائل الهون التي تدفقت على (غاله) سنة م450, ونجح ثيودور والرومان في هزيمتهم في موقعة شالون سيرمان سنة 451م.
وانحسر نفوذ القوط الغربيين عن أراضي غاله واقتصرت أملاكهم على اسبانيا بعد أن هزمهم كلوفيس زعيم الفرنجة في موقعة قويبة سنة 507م.
ولم يستمر احتفاظ القوط بإقليم سبتمانيا المتاخم لجبال البرت من الشمال عهداً طويلاً بعد أن طردهم الفرنجة منذ عام 531م, واقتصرت أملاك القوط على اسبانيا .
وكان قد سبق عصر الفتح الإسلامي بثلاثين عاما عصرا مظلما, ففي اسبانيا كثرت المشاكل من مؤامرات ومصادمات حول العرش, ولم يكن علاج هذه المشكلات متوفراً؛ لضعف الملوك وتجردهم من مظاهر القوة والسلطان, وضعف الروح الحربية عند القوط؛ بعد أن تخلوا عن خشونتهم القديمة التي جعلت منهم رجال حرب, واستغرقوا في حياة الترف, في الوقت الذي نمت فيه السلطات الكنسيه, وأصبح الأساقفة يسيرون الدولة ويستبدون بشؤونها .
وعندما تولى غيطشه عرش البلاد في نوفمبر 700م كانت أحوال البلاد قد بلغت غاية السوء, وحاول الإصلاح للبلاد, فطبق العدل في أحكامه وأفرج عن المسجونين وسمح للمنفيين بالعودة إلى بلادهم, وتعويضهم عن أملاكهم المصادرة, وسمح لليهود بالعودة إلى اسبانيا وممارسة شعائرهم الدينية دون تقييد
وتم خلع غيطشه من العرش على اثر ثورة قام بها (لذريق) ؛ لأن غيطشه ولى ابنه الطفل (وقله) على العرش من بعده, لكن أثار ذلك نقمة من انصار غيطشه وابنائه, وحاول (وقلة) أن يسترد عرشه واتجه ليستنصر من حاكم سبته (يليان). وكان مايزال على ولائه لغيطشه وأولاده , بينما استبقى لذريق ولدي غيطشه الآخرين (أرطباس والمند) إلى جواره؛ حتى يستوثق من اخلاصهما له
وساءت حال البلاد في عهد لذريق, لانه ارهق الشعب بالضرائب الفادحة لحاجته إلى المال لمواجهة اعدائه, واعتدى على ذخائر الكنائس القوطيه .
ونتيجة لذلك عمت الفوضى والاضطرابات, وأصاب المدن اضمحلال عام نتيجة لاضطراب الأمور في الدولة. وعدم الإحساس بالأمن .
وأخذت بعض مدن الأندلس الكبرى تضمحل وتتحول إلى مدن صغيرة, بل إن بعضها تحول إلى قرى وحصون, وهذا يعود إلى فساد المجتمع الاسباني وقيامة على الطبقات المتحاجزة فيما بينها
والواقع أن القوط – عندما فتحوا اسبانيا – لم يغيروا كثيرا من نظم المجتمع التي كانت سائدة في العصر الروماني . فقد ظلت طبقة النبلاء القديمة على ما كانت عليه من غنى ونفوذ, وظلت طبقة التجار والزراع وصغار الملاك تعيش تحت رحمة الأغنياء, واستمر العبيد والأرقاء يفلحون الأرض للأغنياء, ويدخلون في مجموع ما يقتنيه هؤلاء من ممتلكات.
وكانت اسبانيا القوطية تنقسم إلى عدة أقاليم , يحكم كل إقليم منها دوق, وكل إقليم يشتمل على عدد من المدن, يحكم كل مدنية منها قومس , وكان الملك يستبد بحكمه ويفعل في دولته مايشاء فيصدر القوانين وينفذها كما يريد .
على الرغم من وجود مجلس للنبلاء, وكان هذا المجلس يقوم باختيار الملك من بين طبقة النبلاء شريطة أن يكون شجاعا, والظافر بالعرش لابد أن يتولاه بحد السيف
وطبقة رجال الدين (رجال الكنيسة) وهؤلاء اصبح لهم شأن عظيم بعد أن تكثلك القوط, وكونا طبقة غنية وكبيرة؛ لأنها اصبحت تملك كثيرا من الاراضي المعفاة من الضرائب, كما كان للكنائس والأديرة أوقافاً تستغلها .
ثم طبقة التجار والزراع وصغار الملاك (طبقة الاحرار) , فقد سيطر القوط على اراضيهم واستقروا فيها واجبروا على زراعتها – ودفع الضرائب الباهضة .
أما طبقة العبيد فقد كان عددهم كبيرا للغاية, إذ كان الأغنياء والنبلاء يقتنون منهم الآلاف ويسيئون معاملتهم, فيئس هؤلاء العبيد من حالتهم, واخذوا يترقبون الفرصة المواتية للخروج مما هم فيه من الضيق.
وطبقة اليهود وهي طبقة كبيرة من حيث العدد – وكانوا يسيطرون على الحياة الاقتصادية, واتهموهم ملوك القوط بتآمرهم على سلامة الدولة, مما دعا هؤلاء إلى التفكير من التخلص من نير القوط واستعبادهم .
مقومات الفتح الإسلامي للأندلس
من أهم مقومات الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس انتشار الإسلام في المغرب على يد الفاتحين من القادة المسلمين وجاء ذلك على مراحل عدة من أهمها :
أ/ المرحلة الأولى : 20 – 28هـ . ولقد شرع المسلمون العرب في فتح المغرب في ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر, وذلك إتماما لفتح مصر, لأن برقة كانت جزءاً متمما لها, أو تأمينا لحدود مصر الغربية .. ولذلك بادر عمرو بن العاص بإرسال عقبة بن نافع الفهري على رأس حملة استطلاعية إلى برقة فبادر البربر بتقديم فروض الولاء والطاعة للجيش المسلم .. ثم شرع عمرو في فتح طرابلس تمهيداً لدخول افريقية .. ودخلوا أيضا بلاد سرت, ثم توقف عمرو عن إكمال الفتح بعد أن أمره الخليفة عمرو بن الخطاب بذلك, وقال ((قف ولا تواصل انها ليست افريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها ..))
ب/ المرحلة الثانية : 28 – 48هـ . وبعد أن انتهت الفتنة ضد عثمان رضي الله عنه واستقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان والي الشام في عهد عثمان استأنف عمرو غزواته السابقة على برقة وطرابلس . وغزاها كذلك معاوية بن حديج الكندي في جيش عدته عشرة آلاف مقاتلدخل المسلمون سوسة وجولولاء ثم وجه ابن حديج أسطولة في البحر المتوسط إلى صقلية
سنة 46هـ فأقام بها شهراً وغنم غنائم كثيرة – وفتحوا كذلك بنزرت وجزيرة جربة.
ج/ المرحلة الثالثة : 49 – 55هـ وكان عقبة بن نافع الفهري يرى ضرورة بناء القيروان
لتكون مركزاً ينطلق المسلمون الفاتحون منه إلى بقية افريقية . فبناها سنة 50هـ وفتح المسلمون بقيادة بسر بن أرطأة وشريك المرادي كل من : ودان وجرمه وفزان؛ حيث حيث افتتحت قصورها جميعا . ثم أسس عقبة بن نافع مدينة حربية وكان موضعها غابات تكثر فيها السباع والحيات, فدعا عقبة ومن معه الصحابة والتابعين أن ترحل هذه السباع
والحيات فرحلت – ثم اقاموا الناس بها وبنوا الدور والمساكن وبنوا الجامع المعروف بجامع القيروان .
د/ المرحلة الرابعة : 60 – 64هـ . وانطلق فيها عقبة للفتح الإسلامي التي وصل فيها إلى المحيط الأطلسي ومعه جموع بربر أوربه عليها كسيله البربري .. ودخل مدينتي باغايه وقرطاجنه فهزم الروم و البربر, ودخل الزاب وقاتل الروم وحلفاءهم واكتسح شمال افريقية حتى دخل المغرب الأقصى سنة 62هـ وسالمه (يليان) أمير طنجه وسار حتى وصل البحر ودخل فيه حتى بلغ الماء بطن فرسه ورفع يديه ألى السماء وقال (يارب لولا ان البحر منعني لمضيت في البلاد الى مسلك ذي القرنين مدافعا عن دينك مقاتلا من كفر بك )
هـ / المرحلة الخامسة : 69 – 71هـ وسار زهير بن قيس البلوي على رأس جيش من جنود الشام حتى باغت كسيلة البربري في حصنه وقتله وهزمت جيوشه البربر وطاردوهم حتى وادي ملويه واثناء عودته قطع الروم عليه الطريق ودارت بينه وبينهم معركة في درنه لقي فيها حتفه سنة 69هـ . ثم تقدم حسان بن النعمان الغساني بأربعين ألفا وحاول أن يتبع سياسة استمالة البربر إلى صفوفه ثم دخل قرطاجنة وصطفورة وبنزرت لكنه هزم أمام الكاهنة البربرية داهيا بنت ماتيا في معركة (نهر البلاء) وعاد المسلمون الى برقة .
و/ المرحلة السادسة : 81 – 85 هـ . وقاتل حسان بن النعمان الكاهنة وانتصر عليها.
ز/ المرحلة السابعة : 86 – 90هـ . وتولى فيها موسى بن النصير على افريقية بأمر من عبد العزيز بن مروان .
وكان الفتح الإسلامي بعد ذلك للأندلسي أمرا طبيعيا حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء فتوحاتهم وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم وذلك بالمضي في جهادهم إلى ما وراء تلك الحدود, لنشر العقيدة الإسلامية التي تقضي ان يستمر المد الإسلامي مادامت فيه القوة على الاستمرار .
أهمية المغاربة وانضمامهم إلى جيوش المسلمين خاصة بعد أن تمكنوا من فهم الإسلام وغاياته حيث تحمسوا لنشر الإسلام في خارج بلادهم ولذلك نلاحظ أن أكثرية جيش طارق بن زياد من المسلمين البربر , الذين تحمسوا لهذه العقيدة حبا لها وتضحية لاجلها لا طمعا في مغنم او حرصا على جاه وهذا هو هدف جميع الفتوحات الاسلامية التي يكفي الاطلاع عليها ومعرفة طبيعتها لرفض الادعاءات واسقاط المفترياتالتي تشير تلميحا وتصريحا – الى اعتبار الغنائم سببا في هذا الفتح .
إن الأندلس كانت تمر فترة الفتح الإسلامي بأسوأ حالاتها من جميع النواحي السياسة والاجتماعية والدينية, فالطبقة الحاكمة (القوط) مستبدة وتتمتع بكل المميزات, ويسود نظام الطبقات, حيث يقف الأمراء في أعلى الهرم, يليهم النبلاء ثم رجال الدين وهؤلاء يتمتعون بكل شيء, أما سواد الشعب فهم محرومون إلا مايسد رمقهم ويبقيهم أحياء لخدمة النبلاء, أمااليهود فكانوا في قاع المجتمع, وكانت العلاقات بينهم وبين مكان البلاد على أسوء مايكون وكانوا موضوع الاضطهاد. وكانت نفوس الجميع مشرأبة للدخول في مظلة حكم جديد يخلصهم من هذا الظلم والاستبداد والسيطرة القهرية.
انتشار الفوضى والاضطراب في الأسرة الحاكمة في الأندلس, فقد كانت هناك منافسة دموية
بين المرشحين للعرش, وثورات محلية كبيرة ودسائس يقوم بها النبلاء وكبار القساوسة الذين كانوا يسعون إلى زيادة التغلغل في الشئون السياسة للدولة أكثر مما كانوا يفعلونة من قبل. وهذا يشير بوضوح إلى أن البلاد الأيبيرية كانت تقدم نفسها فريسة سهلة لأي غاز سواء كان ذلك الغازي من الشمال أو الجنوب.
الصراع المحتدم بين أبناء غيطشه وبين الحاكم لذريق, مما دفع إلى تخطيط سري محكم بين أبناء غيطشه المظلومين وبين يليان حاكم سبته لفتح بلاد الأندلس, ويذكر المؤرخ الاسباني إدوارد أن (يليان) كان يمت بصلة القرابة والنسب إلى أسرة غيطشة .. ويبدو أن أقرباء غيطشة اتصلوا سراً بيليان, والتمسوا منه أن يتصل بالمسلمين العرب لفتح الأندلس .. وزعموا أن حادثاً عجل بالفتح وهو أنه كانت ليليان ابنة ذات جمال كان قد بعث بها والدها إلى بلاد الملك (بطليطلة) للتأدب بآداب الملوك, وقيل أن لذريق استكرهها على نفسها – فأبلغت الفتاة أباها سراً فغضب يليان .. وعزم على الانتقام منهم بتحريض المسلمين العرب على دخول بلادهم (الأندلس) – ولكننا لانرجح صحتها
وأغلب الظن أنها مختلقة من ابتكار القصاص والإخباريين, بدليل أن يليان لم يكن على علاقة طيبة بلذريق حتى يبعث إليه بابنته .. والذي لا شك فيه أن يليان هو الذي سعى عند طارق لفتح الأندلس, وأنه ذلل للمسلمين كل الصعوبات وضمن للمسلمين انضمام أنصار آل غيطشة إليهم .. ودبروا الغدر بلذريق ..
مراحل الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس
حملة طارق بن زياد ونتائجها (الحملات الاستطلاعية)
1/ حملة طريف بن مالك (ابي زرعة). أرسلها موسى بن نصير في رمضان سنة 91هـ مكونة من (500) جندي, وسارت بسفن يليان, ونزلت في جزيرة سميت باسمه فيما بعد (جزيرة طريف). وعادت هذه الحملة بالأخبار المطمئنة والمشجعة على الاستمرار في عملية الفتح .
2/ حملة طارق بن زياد, وأرسلها موسى بن نصير في شهر رجب من 92هـ على رأس جيش من سبعة آلاف جندي من المسلمين البربر, ومعهم عرب وتجمع المسلمون عند جبل طارق الذي عرف باسمه (مضيق جبل طارق) وهذه مكافأة دنيوية طيبة على عمل طارق وتخليد لبطولته .. ويعتبر ابن حزم في رسالته القيمة في فضل الأندلس التي حفظها لنا المقرى كاملة : فاتحي الاندلس هم ثانية الجماعتين اللتين اخبر عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه لنا أنس بن مالك رضي الله عنهفي فضل الجهاد في البحر :- حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الاسرة .
وبعد أن استكملت الجيوش استعداداتها على جبل طارق – اتجهوا جميعا إلى سبته, ثم وصلوا إلى الجزيرة الخضراء ودارت بينهم وبين القوط معركة انتصر المسلمون فيها بعد ثلاثة أيام ...
وكان لذريق منشغلا بقمع الثورات في الشمال, فعلم بهزيمة أصحابة وبدأ يتجهز للقاء المسلمين, فاستنجد طارق بن زياد بموسى بن نصير فأرسل إليه (5000) محارب بقيادة طريف بن مالك, فأصبح العدد (12000) مقاتل
جمع لذريق جيشا قرابة (100000) وقيل (40000) على حد كلام ابن خلدون, ومعهم الاستعدادات الكاملة لحمل الاسرى المسلمين ثقة منهم بالنصر (مقدما)؛ لأنه يفوق عددالمسلمين مرات وربما في التنظيم وربما في والتدريب, ويحارب في بلده . وقريب من مصدر الأمداد .
ولكنه لم يكن يعلم أن الجيش الإسلامي كان متفوقا عليه بالروح المعنوية. وبقوة العقيدة قبل كل شيء مستعدا للاستشهاد في سبيل الله .
ودارت الحرب بين الطرفين لمدة ثمانية أيام من 28 رمضان حتى 5 شوال سنة 92هـ وهزم الله المشركين, وشتت الجيش القوطي وقتل لذريق أو غرق, ثم تعقب طارق فلول الجيش القوطي التي لاذت بالفرار, وتسمى معركة وادي برباط وهي قرب مدينة شذونة واختلفت الروايات العربية في شأن مصير لذريق, فذكر فريق من المؤرخين بأنه قتل غريقا في وادي لكة, بينما أكد أكثرهم بأنه رمى نفسه في وادي لكة, وغاب شخصه فلم يعثر عليه .. لكن الحقيقة انه استطاع النجاة بنفسه بعد أن تجرد من ثيابه الدالة عليه.
ومر طارق بن زياد بمدينة شذونة وفتحها بعد حصار, ومضى إلى مورو وافتتحها ثم فتح قرمونة واشبيليه صلحا, ثم نازل أهل استجه وقاتلهم بشده وانتصر عليهمثم وجه طارق سرايا, فبعث جيشا بقيادة مغيث الرومي لفتح قرطبة في (700) فارس وفتحها دون مشقه .
وأما عن قصة مغيث لفتح قرطبة, يقال أنه (مغيث) كمنة بقرية شقندة في غيضة أرز, فبعث بعض أدلائه من الأسبان ليسألوا الناس عن سور المدينة, فوجدوا راعي غنم فجاءوا ابنه إلى (مغيث) فسأله عن قرطبة فقال له : انتقل عنها عظماء أهلها .. ولم يبق فيها إلا بطريق في 400 فارس مع ضعفاء أهلها وأخبره عن قوة سورها وعن وجود ثغرة يمكنه الدخول منها .. وبناءاً على ذلك آثر مغيث أن يدخلها ليلاً عنوة وتم له ذلك وانقضوا على حراس المدينة فقتلوهم وكسروا الباب
وأرسل جيشاً آخر إلى (مالقه) وغرناطة, وتدمير .. وحدثت معارك عدة في تلك المناطق انتصر فيها المسلمين .
ثم سار طارق إلى عاصمة القوط (طليطلة) فدخلها سنة 93هـ دون مقاومة تذكر, فوجد طارق المدينة خالية ليس فيها سوى اليهود في قوم قله وفر أميرها مع أصحابة, فترك طارق فرقة من جنوده في طليطلة, ومضى يطارد الفارين من أهلها.
اتجه طارق إلى وادي الحجارة, ودخل مدينة المائدة؛ لأنه وجد فيها المائدة المعروفة عند مؤرخي العرب بمائدة سليمان – وهي ليست مائدة .. وإنما مذبحاً لكنيسة طليطلة العظمى عند فرارهم من طليطلة خشية أن تقع في أيدي المسلمين لنفاستها وقداستها – ثم عاد إلى طليطلة .
أما عن خطبة طارق بن زياد . فيقال انه حين اقترب لذريق بجيشه القوطي الكثيف قام في أصحابه / فحمد الله سبحانه وتعالى واثنى عليه بما هو اهله ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم في الشهادة .. ثم قال : أيها الناس . أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم, وليس لكم والله إلا الصدق والصبر .. ) والمؤرخون يستبعدون هذه الخطبة لأسباب :
أ/ لم تكن هذه الخطبة وما فيها من السجع من أسلوب ذلك العصر (القرن الاول الهجري) وغير متوقع لقائد جيش أن يعتني بهذا النوع من الصياغة وخاصة في هذا الظرف الصعب . ب/ إن المعاني التي تناولتها الخطبة لا تتلاءم والروح الإسلامية العالية التي توفرت لدى الفاتحين , ومقدار حبهم للاسلام واعلاء كلمته ورغبتهم في الاستشهاد من اجل ذلك – فهي لا تشيد بدوافع الفتح وأهدافه. يقول الحق تبارك وتعالى (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) (الانفال:39)
جـ/ كان المتوقع أن تحتوي الخطبة على آيات من القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم . أو وصايا وأحداث ومعاني إسلامية أخرى تناسب المقام .
د/ ثم إن طارقاً وأكثر الجيش كانوا من البربر , مما يجعل من المناسب أن يخاطبهم بلغتهم , إذ من المتوقع ألا تكون لغتهم العربية قد وصلت إلى مستوى عال .
أما قضية حرق السفن التي عبر بها المضيق؛ كي يقطع على الجيش الإسلامي كل أمل في العودة, فيستميت في الدعاء فهو أمر لم تثبت صحته؛ فإن كانت السفن ليليان فليس من حق طارق التصرف بها , وان كانت للمسلمين فليس حرقها عملا عسكريا سليما أو مناسبا ما دام يحتاج إليها والى النجدة والاتصال الدائم بالمغرب لأي عرض ثم إن دوافع المعاني الإسلامية والهدف الذي جاء الجيش من اجله لأقوى في الاندفاع من أي سبب آخر, وما كان المسلمون يتخلفون عن خوض معركة أو تقديم أنفسهم لإعلاء كلمة الله, بل لذلك أتوا – والمصادر الاندلسية لا سيما الأولى – لا تشير إلى قصة حرق السفن التي لا تخلو من علاقة وارتباط بقصة الخطبة.
ومن نتائج حملة طارق بن زياد
- 1/ دخول عدد كبير من البربر والأسبان في الإسلام بعد هذه الانتصارات المتعددة , وعقد معاهدات كثيرة مع معظم سكان تلك البلاد المفتوحة
- 2/ التحاق اعداد كثيرة من سكان البلاد الاندلسية بالجيش الاسلامي بعد دخولهم في الاسلام, فأصبحوا قوة تعين المسلمين العرب في جميع حروبهم وقد اصبح بعضهم من خيرة المقاتلين .
- 3/ حصل المسلمون على غنائم عظيمة – خاصة بعد فتح طليطلة – فقد حصل فيها على الذهب والفضة والتحف والآثار النفيسة .
- 4/ نشر الإسلام في الأندلس وما جاورها من البلاد؛ حيث أقيمت المساجد الكثيرة , وارتفع التكبير فيها.
- - 5/ نشر العلوم الإسلامية في أرجاء تلك البلاد , واصبحت المساجد مدارس يعلم فيها القران والتفسير والحديث والفقه .. وتخرج منها علماء مسلمون من العرب وغيرهم ألفوا وبرعوا في تخصصات عديدة .
- 6/ - نشر اللغة العربية بين أوساط السكان في الأندلس, باعتبارها لغة القرآن الكريم .. لغة الإسلام . فغدت من اللغات المهمة بالنسبة لسكان تلك البلاد بجانب اللغات الأخرى
- 7/ ارتفاع شأن الإسلام والمسلمين في نفوس السكان حتى من غير المسلمين؛ حيث علموا أنه دين الحق والعزة والمنعة؛ بسبب الانتصارات المتكررة لأهله
حملة موسى بن نصير وأهم إنجازاته في الأندلس:
مقدمات الحملة
- حين وجه (موسى بن نصير) طارقاً لفتح الأندلس كان يراقب الأحداث منذ بدايتها, ويهيء المتطلبات لانجاز هذا الفتح الكبير, ويدعو الله تعالى ويتضرع بأن ينزل النصر على المسلمين.
- وحين استنجد طارق من موسى بن نصير. أصدر الأخير أمره بالتوقف فخرج من أفريقية إلى الأندلس في رجب سنة 93هـ, وعبر المضيق في جيش قوامه 18000 ومعه ابناه (عبدالعزيز وعبدالاعلى) وانتظر في الجزيرة الخضراء حتى عبر بقية الجيش واستكمل الترتبيات ودخل مع موسى من قريش والعرب نيفاً وعشرين راية.
- وكانت أول فتوحاته (شذونه) ثم توجه إلى قلعة رعواق فافتتحها, ثم سار الى قرمونة, وكان تحصينها شديدا .. فدخلها بحيلة حيث طرقهم بخيله ليلاً, ففتحوا لهم الباب, وقتلوا الحراس وفتحوها. كما حاصر اشبيلية (وهي أعظم مدائن الاندلس) فامتنعت اشهراً على موسى, ثم فتحها الله عليه.
- وتوجه بعدها إلى مدينة (ماردة) وافتتح في طريقه إليها لبله وباجة, وكانت ماردة قبل الفتح الاسلامي احدى قواعد الاندلس ومدائنه بناها الرومان سنة 25 قبل الميلاد, وكانت مدينة ينزلها الملوك الأوائل, فكثرت بها آثارهم والمياه المستجلبة إليها.
ولقد حاصر المسلمون (ماردة) فخرجت قواتها تحارب وآذوا المسلمين – فسار المسلمون على طريقه الكمائن وقاتلوهم حتى عادوا للتحصن في مدينتهم, ثم أحدثوا صخرة في السور .. وعادوا لحصار المدينة حتى رمضان سنة 94هـ .. وتفاوضوا على المصالحه و تبودلت في ذلك الوفود, وكان الصلح على أن تدفع أموال قتلى ماردة يوم الكمين, وأموال الفارين منها دية لشهداء السور, أما أموال الكنيسة فتبقى لها .. ثم فتحوا له المدينة يوم الفطر سنة 94هـ .
- وجه موسى جيشاً من ماردة – بقيادة ابنه – عبدالعزيز إلى اشبيليه؛ لأن فلول القوط من (لبله وباجة) قد اجتمعت فيها وقتلوا العديد من المسلمين؛ منتهزين فرصة انشغال موسى بحصار (ماردة) فأعاد (عبدالعزيز) فتحها.
- كما فتح (عبدالعزيز بن موسى) كورة تدمير, والبيرة, ومالقة . وكان فتح تدمير (صلحا)على إتاوة يؤديها, واعطي الامان لاهلها ولحاكمها, والتزم به المسلمون؛ لان ذلك عقيدتهم (واوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) (الاسراء:34
- وبعد سقوط (ماردة) تحصن لذريق وجنوده في شعاب جبال سيرادي. ينتظرون الفرصة لمباغتة الجيش الإسلامي, فاستدعى موسى طارقاً للحضور العاجل مع جيشه, فخرج طارق بجيوشه ملبياً النداء وسار حوالي 150كم, حتى لقيه وادي المعرض -- وقيل أن موسى وبخ طارقاً على مخالفته لرأيه وخروجه عليه, وهو ما أجمع عليه المؤرخون العرب , والارجح أنه : عاتبه برفق على تسرعة في اقتحام الاندلس من الوسط, فاعتذر اليه طارق وخضع له, وقال : إنما أنا مولاك وقائد من قوادك .. ما فتحته وأصبته فإنما هو منسوب إليك واستلطفه حتى رضي عنه.
- وفي شهر ذي القعدة سنة 94هـ خرج لذريق من المخبأ الذي يتحصن فيه وفاجأ الجيش الإسلامي عند (السواقى) ودارت بين الطرفين معركة بهذا الاسم. انقض فيها المسلمون على لذريق وجيشه, وقتل هو بيد (مروان بن موسى بن نصير) وحمل اتباع لذريق جثته ودفن في فيزو.
- - وفي ذي الحجة سنة 94هـ وصل موسى وطارق (طليطلة) ليرتبا أحوالها وينظموا شؤونها ويخططون لفتح شمال شبه الجزيرة الايبيرية .. وكتبوا للخليفة الوليد بن عبدالملك بأخبار الفتح, وضربت العملة الإسلامية لأول مرة في الأندلس, كما قاموا بتعليم الناس الإسلام وشرحه بعد أن رآه أهل البلاد عملياً في خلق الفاتحين
الرد على من قال بحسد موسى لطارق
- يقال أن سبب عبور موسى الأندلس . حسده لطارق لما أعطاه الله من الفتح الإسلامي وسبقه له بهذا الشرف؟ وليس لهذا الكلام واقع تاريخي ولا تسمح بقبوله مجريات الإحداث؛ لان موسى لم يكن أصلاً محروما من شرف الفتح وخدمة الإسلام .. ثم إن طارقاً – لم يخالف لموسى أمراً – ليس إلا احد الضباط تحت امرة موسى وهو الذي عينه . وكان بإمكانه أن يعزله لو أراد ودون الرجوع إلى الخليفة .. ثم إن عبور موسى كان بناءاً على استغاثة طارق له لمشاركته له في الجهاد والفتح .. ولو كان حاسداً لعبر البحر في ثله قليلة وفي اقصر وقت ولم يتأخر سنة كاملة ..
- ثم إن موسى لم يذهب مباشرة لمواجهة طارق بل سلك سبيلا آخرغير الذي سلكه طارق, ولو أراد مخاصمته لسار إليه مباشرة.
ولم يتخذ موسى أي إجراء آخر بعد العبور إلى الأندلس ضد طارق؛ بل واصل الفتح وبذل الجهد لحماية الجيش الإسلامي – وافتتاح مناطق جديدة لم يفتحها طارق – والذي حدث لا يعدو أن يكون مناقشة بعض القضايا وابداء الملاحظات تخوفاً من الاذى وعلى توغله بالمسلمين . وتغريره بهم؛ حيث سار بسرعة إلى قلب البلاد – فعاتبه موسى .. واعتذر إليه طارق بخطته العسكرية أمام الظروف المحيطة به, والضرورة الداعية لأسلوبه, والدليل على ذلك أنهما اتجها سويا, لإكمال الفتح وينشرون دين الله تعالى ويعلون كلمته ويبلغون للناس شريعته.
- - وفي جمادى الثاني سنة 95هـ - سار الجيش يتقدمه موسى وطارق نحو الشمال الشرقي لشبه الجزيرة الايبيرية – عند الثغر الاعلى – وافتتح الجيش – سرقسطه (المدينة البيضاء) دون قتال شديد, وانشأوا فيها مسجداً خططه مهندس المساجد في الغرب الاسلامي التابعي الجليل : حنش بن عبدالله الصنعاني, كما اشرف على بناء عدد من المساجد في افريقية, وشارك في تأسيس مسجد قرطبةكما فتح موسى وطارق مناطق عديدة عبر (البرت) في الارض الكبيرة ومنها قرقشقونة , أربونة , إبنيون , لودون.
- واتخذ الجيش الإسلامي بعد ذلك اتجاهين؛ لفتح الشمال الاسباني
1/ احدهما قادة طارق بن زياد . حيث سار من سرقسطة يساراً نحو الغرب والشمال الغربي – تجاه بلاد البشكنس .
2/ الثاني: قادة موسى بن نصير . تجاه اليمين – في الشمال الشرقي والشرق وفتح حصن بارو – في منطقة بلد الوليد , كما افتتح مناطق كثيرة من جليقية .
ثم اجتمع طارق وموسى وتقدما بالسرايا حتى وصلوا مرتفعات اشتوريش في قمم جبال قنتبريه, فبلغوا قمة وعرة سماها المؤرخون المسلمون (صخرة بلاي) قرب الساحل الشمالي لاسبانيا عند خليج بسكاي



عصر الولاة وفتوحات المسلمين
في فرنسا 95 – 138هـ

أهم الانجازات في الأندلس
في العلوم المتعددة الحقول قدمت التآليف الكثيرة والإنتاج الضخم كما أنشأت المدارس ومعاهد العلم الأخرى في كل ناحية وتوفرت الاختراعات .
وفي الصناعات ازدهرت أنواع كثيرة فبرزت الأندلس بدور صناعة السفن ثم الأنسجة وصناعة الورق والفخار المذهب العجيب .
كذلك برزت بالزراعة ووسائل الري والعناية بها .
ثم الجانب العمراني المتمثل في المباني المختلفة كالمساجد والقصور والدور والقناطر وقصر الحمراء الذي ما زال باقيا حتى الآن وكذلك المباني الحربية المتعددة .
وشمل الجانب الفكري في الإنتاج كافة الميادين فعرف أسماء كثيرة من الأعلام أمثال ابن بيطار (636هـ) وابن الرومية (637هـ) وابن الجياب (749هـ) وابن خاتمة (770هـ) وابن الخطيب (776هـ) كما كان عددا من ملوك بني الاحمر هم من العلماء والادباء.
نظرة في عصر الولاة
تم بعودة القائدين – موسى وطارق – بدأ عهد الولاة في الأندلس عهد الولاة 95 – 138هـ الذي استمر حتى وصول عبدالرحمن الداخل – ابن معاوية بن هشام – واستغرق عهد الولاة حوالي 42سنة, تولى حكم الأندلس خلالها بعد موسى وطارق – عشرون واليا . حكم اثنان منهم مرتين, هما عبدالرحمن الغافقي وعبدالملك بن قطن.
يمثل عهد الولاة في الأندلس التحول والانتقال إلى حياة جديدة خيرة فيها التنور والامتداد في الغروس الثابتة النيرة وهو هدف أصيل – ينتج ازدهار الشجرة الطيبة التي تؤتي اكلها يانعة.
وحين كانت الأندلس تتبع الشمال الأفريقي, يقوم الوالي الأفريقي بتعيين ولاة الأندلس مثل: الحر بن عبدالرحمن الثقفي (ذو الحجة97هـ - 100هـ) عنبسه بن سحيم الكلبي (صفر 103هـ - شعبان 107هـ)
اتبعت الأندلس منذ أيام واليها الحر بن عبدالرحمن, ثم عادت تابعة للخلافة أيام الخليفة عمر بن عبدالعزيز (صفر99 – رجب101هـ ) للاسراع في الانجاز والاشراف عليه, فعين عليه السمح بن مالك واليا عليها (رمضان 100هـ - ذو الحجة 102هـ) لكنها عادت تابعة لافريقية في ولاية عنبسه حتى استشهد في جنوب فرنسا (شعبان 107هـ) وفي ولايتي عقبة بن الحجاج السلولي (شوال 116-121هـ) وابي الخطار(رجب125-128هـ) كانت الأندلس تابعة لولاية الشمال الافريقي ...
وهكذا ترددت تبعية الأندلس بين الإشراف المباشر للخلافة عليها . وبواسطة الشمال الإفريقي – حسب حاجة الأندلس والأحوال في داخلها أو خارجها.
كانت الأندلس – أكثر مدة الولاة – تابعة لولاية افريقية. واتخذت اشبيلية في بداية هذا العهد قاعدة, ثم انتقلت إلى قرطبة.
واجهت عصر الولاة – تلو الفتح – مهمات ضخمة, وبجانب اتمام الفتح واقراره مواكبة التبدل الذي طرأ على الاندلس بانتشار الاسلام فيه فعلى الولاة وبقية المسؤولين وعموم المسلمين خدمة هذا الهدف الأصيل في داخل الاندلس اولاً. وتهيئة متطلباته بين الناس وفي الحياة من تعمير وتنظيم.
اضطلع ولاة الأندلس بواجب آخر : هو الاستمرار على رعاية المد الاسلامي والسير به عبر جبال البرت مجاهدين .. استشهد العديد منهم هناك لإعلاء كلمة الله تعالى .. لهذا السبب ما كان يطول حكم الوالي الأندلسي .. فأورث ذلك بعض الارتباك – وحدثت نزاعات بين القبائل حين كانت سلطة قبلية لزعامة ذي عروق جاهلية . أثارت هذه النزعة (وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ) (الانفال:26)
ولم يتوقف الجهاد في الجزيرة الأندلسية لإتمام ما كان على موسى إتمامه, وبذل لذلك الولاة – لاسيما عبدالعزيز – جهوداً واضحة, ثم ساروا بالمد إلى ماوراء البرت.
كان العهد للولاة بداية لنشأة العلوم الجديدة المتنوعة التي أنتجت ثمارها على مراحل. فوجد في هذا العهد إنتاج وأعلام في أكثر من ميدان.
مميزات عهد الولاة
ويتميز هذا العهد: أولاً/ بالاستقرار وتنظيم البلاد وإصلاحها وذلك بإشراف الشمال الإفريقي.
هاجر أعداد كبيرة من المسلمين إلى الأندلس بعد فتحها, وأكثرهم من مسلمي البربر واستقروا في كل ناحية, وخاصة في بعض النواحي الجبلية, وهذا يتناسب مع ما اعتادوا عليه في الشمال الإفريقي وهذا يأتي بالخيار وليس بالإجبار أو تمييز مكان على آخر. في حين سكن آخرون من المسلمين العرب السهول ومعهم البربر .
اهتم ولاة الأندلس بتنظيم البلاد وإدارتها وحسن السياسة للرعية والقيام بالإصلاحات اللازمة – وأمر عمر بن عبدالعزيز السمح بن مالك بأن يحمل الناس على طريق الحق.
وكان هناك تنظيم إداري خاص بالمسلمين وآخر لغيرهم, وكلما تقدم الزمن كان الناس يدخلون في الإسلام, وبذلك يصبح غالبية السكان في الأندلس يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية, ويحتكم غير المسلمين إلى قضائهم.
وفي حقل الزراعة – ذهب كلمة الرقيق في الارض – واصبح هؤلاء الزراع أحراراً لهم حقوقهم وواجباتهم .
عاش غير المسلمين أحراراً في عقائدهم, وبقيت الكنيسة تملك بعض الأراضي, واختلط كثير من النصارى واليهود بالمسلمين وتقبلوا لغتهم وعاداتهم.
أما التنظيم الإداري فقد تمتعت الأندلس باستقرار طيب وكانت تميل نحو الأقسام الإدارية الصغيرة تيسيرا لضبط الأمن وربط المال, فاعتمدوا على الكورة – يتبع كل كورة عدة مدن – ويتبع المدينة عدة اقاليم (قرى كبرى) ثم ( أجزاء مزارع أو أرياف)
وقامت بعض الأعمال العمرانية, منها إنشاء المساجد في المناطق المختلفة, وكذلك المدارس في المساجد.
انتشار الإسلام واعتناق الأسبان له
لم يكن فتح المسلمين لشبه الجزيرة الأندلسية حدثا عسكريا وسياسيا فحسب, بل الأهم من ذلك انه كان فتحا إنسانيا, وبداية لحدث حضاري فريد لاسبانيا وأوربا على سواء.
قضى الإسلام في اسبانيا على الأوضاع السيئة فيما قبل الفتح – فلم تعد هناك طبقة متحكمة كالاسرة الحاكمة والنبلاء, وزال سلطان الكنيسة ونفوذ رجالها, وانتهت عبودية الارض أو العبيد؛ حيث تحرر كل من دخل منهم الاسلام.
أصبح هم الفاتحين العمل على نشر الإسلام وشرحه للسكان وتوجيه الدعاة إليهم, وغدت القيم والتعاليم الإسلامية مثلا متحركة تشاهد عياناً يشاركهم في ذلك المتطوعون والتجار بين المسلمين والرحالة.
كل داخل في الإسلام هو داعية له – وهو نابع من طبيعة الاسلام قال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس , ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة: 143)
وقال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران: 110) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ويقول صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية).
يذكر المقري في نفح الطيب عن الحديث عن والي الأندلس (عقبة بن الحجاج السلولي شوال 116-121هـ) أنه كان إذا اسر الاسير لم يقتله حتى يعرض عليه الاسلام, ويبين له عيوب دينه, فأسلم علي يده ألفا رجل.
وكان من نتائج حسن المعاملة الإسلامية ازدياد الصلات والاختلاط مع غير المسلمين من الأسبان, بشكل قاد إلى بعض المصاهرات معهم, وقد تم زواج أول ولاة الأندلس – بعد الفتح – عبدالعزيز بن موسى بن نصير ( ذو الحجة95هـ - رجب97هـ) من أسله – أرملة لذريق آخر ملوك القوط, وتكنيها مصادرنا الاندلسية (أم عاصم)
ودخل سكان الجزيرة الأندلسية في دين الله أفواجا, عاشوا مع المسلمين العرب (إنما المؤمنون أخوة) (الحجرات: 10) – وممن دخل الاسلام انذاك : (أبو محمد عبدالله بن فروخ الفارسي) ( مهدي بن مسلم) وهو من قدماء قضاة قرطبة, ومن أبناء المسالمة وهم في التاريخ الاندلسي الذين دخلوا الاسلام من الاسبان, كما اطلق على اولادهم (المولدون) ( علي بن حسن) المعروف بابن شبرقة.
أما عن فتوحات المسلمين في فرنسا (خلف البرت) فقد بلغت قوة المد الاسلامي – خلال عهد الولاة – مبلغا عاليا, وقدم عدة من الولاة تضحيات كبيرة – ومنهم (السمح بن مالك الخولاني) فقد بذل نشاطا واسعا في جنوبي فرنسا, وانفق جهودا كبيرة في :
غالة , وطولوشة , حتى تكاثرت عليه جنود الفرنجة وأحاطت به وبالمسلمين فلم ينج احداٌ منهم وقتل يوم التروية سنة 102هـ
كما فتح المسلمون ولاية (سبتمانية) جنوبي شرقي فرنسا وغدت بعد ذلك منطقة اسلامية ضمن هذه الحكومة , التي اتخذت عاصمتها (أربونة) قاعدة الجهاد وراء البرت .
موقعة بلاط الشهداء ونتائجها
أسباب الموقعة واستعدادات ذات الطرفين
عين (عبيد الله ابن الحبحاب) والي افريقية – عبدالرحمن بن عبدالله الغافقي على الاندلس – فدخلها سنة 113هـ, وكان معروفا بحسن قيادته وقوة شكيمته , وقد أبلى بلاءً حسناً في (موقعة طولوشة) التي قتل فيها (السمح الخولاني) لذلك أراد أن ينتقم من الفرنجة, وكان معروفا بنزاهته وحياده لا يتحيز لفريق على آخر , ولا يتعصب لعنصر على عنصر آخر – فلا يميز بين مسيحي ولا مسلم – وعزل كثيرا من القواد والولاة الذين ثبتت مظالمهم للرعية في الاندلس , ولذلك قوبلت ولايته على الاندلس بالفرحة والاستبشار.
وبعد عام من ولايته اجتمع إلى صفوفه المتطوعين من البربر وعددهم مابين 70000و100000
وكان قد نشب خلاف بين الغافقي وبين احد قواد المسلمين (مونوسه البربري) وانتهى ذلك بقتل هذا القائد (مونوسه) فغضب (صهره) الدوق (اودو) – مما دفعه إلى التحالف مع (شارل مارتيل)
وخرج الغافقي سنة 114هـ على رأس جيوشه متجها إلى (دوقية اكيتانيا), ويبدو أنه أراد أن يؤمن نفسه من الوراء قبل مهاجمة اكيتانيا, فبعث فرقة من رجاله استرجعت مدينة آرل, والحقيقة أن حملة الغافقي على مدينة آرل ليست الا خدعة ؛ لصرف نظر الفرنجة عن الهدف الرئيس لحملته الاساسية وهي دوقية اكيتانيا ومملكة الفرنجة.
ثم واصلت جيوش الغافقي زحفها نحو الشمال في قلب اكتيانيا (برديل) فأسرع (دوق أودو) لصد هذا الهجوم ولكنه هزم مع جيوشه , فدخل المسلمون (برديل) عنوة وغنموا غنائم عظيمة , وجردوا الكنائس والاديرة من كنوزها وقتلوا من خصومهم أعدادا لا يعلمها الا الله تعالى.
ثم اتجه (الغافقي) مع جيوشه إلى (تور) المليئة بالنفائس والكنوز, فاستنجد (دوق أودو) بـ(قارلة) الذي رأى مصالحته مؤقتا لصد المسلمين – فجمع جيوشه من سائر انحاء (غاله) وجاء الجند الشماليون مع أسلحتهم المتفوقة , وكانوا جند أقوياء – لا يقلون عن العرب والبربر في الشجاعة والبطش.
لكن ظروف (الغافقي) لم تكن كظروف طارق بن زياد أثناء الفتح ؛ لانه اقتحم بلاداً تختلف عن بلاد الاندلس من حيث المناخ والسكان, كما انه لم يكن للمسلمين فيها قواعد ثابته يستمدوا منها نجداتهم , ثم ان جنود المسلمين كانوا قد أوغلوا في البلاد واثقلوا كاهلهم بالغنائم الكثيرة – حيث كانت عبئا ثقيلا عاقهم عن سرعة الفتح, ثم إن إمارة (غالة) قد تكتلت جميعا لصد المسلمين عن الجنوب, اضف الى ذلك أن ريح الاسلام قد ركدت في بلاد غالة , حيث انقسم المسلمون على انفسهم ؛ حيث فرقت العنصرية القبلية بين العرب اليمنيين والقيسيين
في جيش (الغافقي) , ثم ان البربر الذين يشكلون السواد الاعظم في جيش (الغافقي) كانوا يحقدون على العرب بعد أن قتلوا زعيمهم (مونوسة) وهذا كله يشكل خطرا على وحدة الصف الاسلامي .
وقائع المعركة
وبعدها تفاجأ المسلمون الذين خرجوا من (بواتيه) بوجود جيش يقوده (قارلة) فحدثت المعركة الكبرى ( بلاط الشهداء) في سهل يقع شمال بواتيه – وذلك في أواخر شعبان سنة 114هـ .
واستمرت المعركة ثمانية أيام, بدأ المسلمون فيها بالقتال , حدثت مناوشات بسيطة في اليومين الأولين , ثم تحول القتال الى صدام مروع, ورجحت كفة المسلمين ؛ لثباتهم واستبسالهم, لكنهم ما إن اخترقوا صفوف الفرنجة حتى فوجئوا بالاسوار المنيعة من الجيوش (من ألمان , وسواف وسكسكون).
ويبدو أن سياسة (أودو) في التفافه مع فرقة من جيشه خلف جيش المسلمين, ومهاجمته لمؤخرته ؛ للسيطرة على غنائمهم . دفع المسلمين أنفسهم والذين كانوا يحاربون في ميمنة الجيش الإسلامي وميسرته إلى التراجع إلى المعسكر؛ لاستخلاص الغنائم من أيدي الفرنجة
مما أخل ذلك بنظام الجيش , فحاول (الغافقي) معالجة ذلك فلم ينجح, وأصابه سهم منهم من العدو وأرداه قتيلا.
وترتب على قتل (الغافقي) اضطراب نفوس المسلمين وارتباك صفوفهم ؛ فأحاط الفرنجة بهم وحصدوهم حصداً , وصبر المسلمون حتى الليل ..
ورأوا أن البقاء في الميدان معناه (القضاء على البقية الباقيه من المسلمين) فأجمعوا على الرجوع الى ديار الاسلام ورجعوا في ظلام الليل , وتركوا خيامهم وغنائمهم . وعادوا إلى (أربونة) .
أما الفرنجة فقد باتوا ليلتهم على نية القضاء على بقية المسلمين في صباح اليوم التالي .. فوجدوا عسكر المسلمين خاليا من كل شيء ولم يحاول (قارلة) أن يتبع فلول المسلمين؛ خوفا من وجود كمين ينصبوه لجيشه , أو ربما أنه وجد صعوبة في قتال المسلمين .
والراجح أن عدد الجيش الإفرنجي كان يفوق كثيرا الجيش الإسلامي.
وسميت هذه المعركة ببلاط الشهداء ؛ لكثرة من استشهد فيها من المسلمين ؛ لكن ليس بالتهويل والمبالغة التي تشير إليه الرواية الأوربية – وتعتبر هذه المعركة من المواقع الفاصلة في التاريخ العام , وذلك لما ترتب عليها من نتائج هامة منها :
وضعت حداً للتوسع الإسلامي فيما وراء جبال ألبرت .
وأصبح قادة المسلمين في الأندلس يحسبون لقوة (قارلة) حسابا كبيرا.
كما أحدثت كارثة المسلمين في بلاط الشهداء دويا هائلا في افريقية والأندلس , فأسرع والي افريقية بتنصيب وال من قبله على الأندلس (عبدالملك بن قطن الفهري)
وحين فطن (عبدالملك) أول ولايته إلى الأثر السيء الذي احدثته هزيمته أهل المعركة في نفوس السكان من شمال الاندلس (البشكنس) وسكان سبتمانيا, وما يليها من بلاد غالة. (عندها) غزا أرض البشكنس سنة 115هـ فأوقع بهم وغنم , ثم عبر جبال البرت, وعمل على تحصين المدن والمعاقل التي كانت في ايدي المسلمين .
وأظهر عدد من الكتاب الغربيين – الذين أدركوا شيئا من روعة الاسلام وصدق عقيدته وسمو مبادئه وما جلبه لها من الحضارة والانسانية الكريمة واعتبروا نتيجة (بلاط الشهداء) نكبة كبيرة أصابت أوربا وضربة عنيفة حرمتها من الحضارة المنيرة وكرامة الانسان .. ؛ ذلك لما أصابها على يد جند الفرنجة بقيادة (شارل المطرقة) فأساء إلى أوربا ومستقبلها الحضاري وكرامة إنسانيتها.

سياسة المسلمين الداخلية في الأندلس
يغلب على سياسة المسلمين في الأندلس طابع النزاع بين العرب والبربر, وجاء ذلك على مراحل عدة منها:
1/ بدأ النزاع من ولاية يزيد بن أبي مسلم على افريقية في عهد (يزيد بن عبدالملك) سنة 101هـ وكان يزيد كاتبا للحجاج بن يوسف الثقفي المعروف بتعصبه للعرب على الموالي واستبداده بهم, فتشبه (يزيد بالحجاج) واستبد مع البربر , واشتد عليهم في جمع اموالهم , وسبي نساءهم , حتى أوغر عليه صدورهم , وكان يزيد ظلوما, وكان البربر يحرسون , فأراد أن يعمل بحراسة كما تصنع الروم بحراسها, فاتفقوا على قتله فقتلوه في مصلاه.
2/ وخلفه بشر بن صفوان وكان (كلبيا) فأقام عنبسه على الأندلس, وقتل (عبدالله بن موسى بن نصير) وعذب انصاره , ثم ولى (هشام بن عبدالملك) مكان (عبيدة بن عبدالرحمن السلمي) قيسياً . وكان هذا رغم حسن رأيه وحزمه شديدا في معاملته للبربر, فأسرف في غزو قبائلهم وسبى نسائهم , فاستعفي من منصبه.
3/ ولى الخليفة هشام مكان (عقبة بن قدامة) في شوال سنة 114هـ , ثم خلفه (عبيدالله بن الحبحاب) الذي قدم افريقية في ربيع الآخر سنة 116هـ , وكان قيسيا متعصبا لها ضد البربر وضد اليمينيين , وبلغ من استحقاقه من البربر ان جعلهم عبيدا للمسلمين
وفيئا لهم .. فأثار ذلك نفوس البربر في المغرب وجعلهم يتهيئون الفرصة للانتقام منه, في الوقت الذي انقسم فيه العرب في المغرب الى عصبتين (القيسيين واليمنيين) , ساعدهم على ذلك الخوارج الذين تسللوا الى المغرب وبثوا تعاليمهم بين البربر فأثروا عليهم , ونقضوا طاعتهم لعبيد الله بن الحبحاب , فاضطر الاخير الى الدخول في صراع مع ميسرة المدغري , وبعده خالد الزناتي الذي خاض معركة الاشراف التي هزم فيها المسلمون العرب وقتل فيها حماة العرب وابطالها.
وتأثر أهل الأندلس بثورة البربر في المغرب فوثبوا على أميرهم (عقبة بن الحجاج) فعزلوه وولوا مكانه (عبدالملك بن قطن) فاختلفت الأمور على (ابن الحبحاب) فعزله (الخليفة هشام) عن افريقية سنة 123هـ وقال في حق البربر (والله لاغضبن لهم غضبة عربية , ولابعثن لهم جيشا اولهم عندهم واخره عندي)وارسل اليهم بجيش ضخم بلغ عدده (30000) جعل على قيادته (كلثوم بن عياض القشيري) الذي تولى المغرب بدلا من (ابن الحبحاب)
ودارت الحرب بين الطرفين وانهزمت العرب , حتى انهم ذكروا ان البربر قتلوا ثلث الجيش واسروا ثلثه الثاني وطاردوه الثلث المنهزم , فأثار ذلك نفوس العرب في الاندلس , فأمدهم (عبدالرحمن بن زياد) بالمؤنة والطعام والشراب وانقذوهم من الهلاك . خاصة بعد أن لجأوا إليهم فارين.
ونتيجة لما تقدم ثار بربر الأندلس على عربها , فأخرجوا عرب (جليقية) وقتلوهم , كما اخرجوا عرب (استرقه والمدائن) كما وثبوا على عرب المناطق الشمالية والغربية ؛ لان البربر فيها يشكلون السواد الاعظم من سكانها (وهم بعيدون عن مراكز الامارة) , فاضطر الى التعاون مع عرب المغرب ؛ ليسمح لهم بالوصول الى الاندلس ويعينوهم على العدو المشترك واشترط عليهم المقام في الاندلس مدة سنة كاملة حتى يحققوا ماجاءوا من أجله . فعبر (10000) من عرب المغرب وهاجموا بمساعدة عرب الاندلس (بربر شذونة ) وأبادوهم وأصابوا أمتعتهم ودوابهم.
وأقبل البربر في حشود هائلة من جليقية واسترقة وماردة وقورية , متجهين نحو (قرطبة)والتقوا مع قوات المسلمين العرب (طليطلة) لكن المسلمين أحرزوا النصر عليهم ولم ينج من البربر إلا من فر بحياته.
وبنهاية القتال والنصر للمسلمين طلب (ابن قطن) من المغرب العودة إلى بلادهم , فلم يوافقوا على ذلك إلا بعد أن تهيأ لهم السفن للعبور عليها .. فاختلفوا مع بعضهم حتى قتل (ابن قطن) نتيجة لذلك .
الصراع بين القيسية واليمنية
أثار مقتل (عبدالملك بن قطن) على يد عرب الشام المقيمين في المغرب . موجة من الغضب في الأندلس , فاتحهم العرب البلديون (الذين جاءوا الى الاندلس مع الفتح الاسلامي لها) بقيادة (قطن, أمية) ابني عبدالملك مع البربر , الذين كانوا يتلهفون لنيل ثارهم من أهل الشام, وانضم اليهم (عبدالرحمن اللخمي) عامل عبدالملك بن قطن في (اربونة) وجيوشه الاسلامية المرابطة في سبتمانيا , التقى هذا الجيش مع جيش الشاميين في (برطورة) وانتهت الموقعة بهزيمة البلديين (من سكان الاندلس العرب).
وبناءاً على ذلك ولي (هشام بن عبدالملك) – (حنظلة الكلبي) على افريقية, وأمره أن يولي ابن عمه (أبا الخطار الكلبي) الاندلس؛ ليضع حداً للفتنة القائمة بين العرب (البلديين) والبربر وبين الشاميين , فجاءها رجب سنة 125هـ وقاتل الشاميون البلديون في (ماردة) فهزموهم وقتلوا وسبوا منهم ذراريهم, وجاء (أبو الخطار الكلبي) فأمر باطلاق الاسرى والسبي, ووحد صفوف عرب البلد (الاندلس وعرب الشام) ودانت له الاندلس , وأمن (ابني عبدالملك بن قطن) , وفرق جند الشام على كورا الاندلس ؛ وجند فلسطين بشذونة, وجند حمص باشبيليه, وجند قنسرين بجيان, وجند مصر بباجه وتدمير, ولم يمس غنائم البلديين من العرب والبربر بنقص, ومع ابنه كان طيبا إلا أنه كان متعصبا لليمنية.
واضطر (أبو الخطار الكلبي) إلى الانحراف عن الاصلاح؛ لأن أحد القيسيين قتل احد اصحابة (سعد بن جواس) فكانت الشرارة الاولى, واختلف احد المضريين مع احد اليمنيين , فشكاه اليمني إلى (ابي الخطار) فانحاز الاخير في حكمه إلى (اليمني) , فالتجأ المضري إلى (الصميل: ذي الجوشن) وكان زعيما للقيسية في الاندلس, فجاء الصميل؛ للتفاهم مع اب الخطار فسبه أمام الجند فزم على الثأر منه .
واستعان الصميل بالمنحرفين أبي الخطار من اليمنيين , واعانه قومه على ذلك ووقف معه (ثوابه الجذامي) من لخم وجذام – وهزم (أبا الخطار الكلبي) أمام هؤلاء ووقع في الأسر . وتولى (ثوابه الجذامي) إمارة الاندلس – ثم توفي بعد عام واحد سنة 129هـ .
وتولى بعد ذلك (يوسف بن عبدالرحمن الفهري) وكان كبيراً في السن ؛ مماسهل على (الصميل) تحريكه وفقاً لرغباته .. وتركت (كورة رية) ليحي الجذامي الذي خرج لمنافسته (يوسف الفهري) . واجتمعت قضاعة على رئاسة (عبدالرحمن الكلبي) فاتجه الأخير مع (200) رجل واخرجوا (أبا الخطار الكلبي) من أسره.
ولكن تحرير أبي الخطار الكلبي من الأسر . لم يغير شيئا في موضوع (ولاية يوسف الفهري) واجماع اليمنية والمضرية عليه , لكنه قام (يوسف الفهري) بالغدر بـ(يحي الجذامي) وعزله عن (ريه) فغضب هذا الاخير وتضامن مع (أبي الخطار الكلبي) على (الصميل, ذي الجوشن) و (يوسف الفهري, والصميل) وهنا اشتعلت نار الحرب بين العصبيتين اليمنية
والمضريه, وهي أول حرب كانت في الإسلام بهذه الدعوة.
اصطدم الفريقان في (شقنده) جنوبي قرطبة , واشتد القتال, والتفت الساق بالساق وانضمت الاعناق الى الاعناق , ولم يعهد حرب مثلها بعد الجمل وصفين .. واستعان (الصميل) بغوغائي قرطبة ومعهم (400) رجل فرجحت كفة المضريين , وانهزم (يحي الجذامي, وابن الخطار الكلبي) بمن معهما من اليمنية و ووقعا في الأسر وجيء بهما إلى كنيسة بقرطبة, فأصبح (الصميل) الوالي الفعلي للاندلس . والاسم (ليوسف الفهري)
واجتاحت الأندلس عقب هذه الفتنة مجاعة كبرى دامت خمس سنوات (131 – 136هـ) وتعرف هذه السنوات الخمس بسني برباط؛ بسبب هجرة كثير من المسلمين عن طريق وادي برباط الى المغرب . ولم تفلت من المجاعة في الأندلس سوى (سرقسطة) حيث مزارعها وخيراتها الوفيرة, وكان معظم سكانها من اليمنية الذين اعتزلوا الفتنة , فعمد (يوسف الفهري) الى اذلالهم بوالٍ قيسي مشهور بعصبيته ضد اليمنية , وعين (الصميل) على سرقسطة , ليبعده من (قرطبة) خاصة بعدما خشي جانبه؛ لكثرة تحكمه في أمور البلاد وازدياد سلطانة.
وحدث خلاف بين (عامر بن هاشم) وكان جنديا باسلاً , وبين يوسف الفهري, وكان (عامر) يعتمد على اليمنيين المقيمين في (اشبيليه وسرقسطة) وكتب (يوسف الفهري) فلم يجبه, فاستنجد بالقيسيين وسألهم نصرته , فأجابه منهم (عبيدالله الكلابي) وجماعة من محارب
وسليم ونصر وهوازن وكان الجميع لا يتجاوز (360) فارساً , وانظم إليهم موالي بني أمية في (30) فارساً , وهؤلاء كانوا يفكرون في تمهيد الطريق (لعبدالرحمن بن معاوية بن هشام) اكثر مما يفكرون في نصرة (الصميل) وخافوا أن يستسلم إذا يئس من وصول المدد , فأرسلوا إليه يبشرونه بقرب المدد .. فعلم المحاصرون بذلك ؛ فرفعوا الحصار عن سرقسطة.
سقوط الدولة الأموية
وما ترتب عليها من نتائج

1/ نهاية الدولة الأموية:
كثرت الفتنة والاضطرابات في عهد آخر خلفاء بني أميه (مروان بن محمد 127 – 132هـ) فخرج عليه بالكوفة عبدالله بن معاوية داعيا إلى نفسه ومعه الشيعة, وثار عليه أهل الأمصار الكبرى من حمص , والغوطة , وفلسطين كما ثار عليه سليمان بن هشام بن عبدالملك مع جموع من اهل الشام يطالب بالخلافة , وظهر مجموعة من الخوارج على رأسهم الضحاك بن قيس الشيباني في الكوفة .. ثم تلاه الخارجي سعيد الخيبري ثم شيبان اليشكري, جاء بعدهم صاحب الفتنة (المختار بن ابي عوف الازدي) المعروف بابي حمزة الذي سيطر على مكة والمدينة وكل هذه الفتن والمشاغل التي كانت بالشام والحجاز شغلت (مروان بن محمد) عن خراسان وما كان يجري فيها, مما ساعد أبي مسلم الخراساني على أخذ خراسان ومبايعة أهلها على (الرضا من بني العباس) ثم مدوا سلطانهم إلى العراق , فاستولوا عليها من عمال بني اميه .
وحين بويع ابو العباس السفاح بالخلافة سنة 132هـ . أرسل عمه (عبدالله بن علي) على رأس جيش لملاحقة مروان بن محمد, فالتقاه عند نهر الزاب جمادى الآخر سنة 132هـ وهناك دارت موقعة عظيمة هزم فيها مروان بن محمد , واخذ يتنقل من بلد إلى آخر حتى ترك الشام وذهب إلى مصر, فبعث إليه عبدالله بن علي . أخاه صالح بن علي, فتابعه حتى لقيه في كنيسة بقرية (بوصير)
وبعد قتال خفيف قتل (مروان بن محمد) وبقتله انتهت أيام الدولة الاموية (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)
2/ أسباب سقوط الدولة الأموية:
حاول عدد من الباحثين دراسة سقوط الدولة الأموية , ونظراً لكثرة الروايات التاريخية المتضاربة التي تزخر بها المصادر , فقد تنوعت الاسباب التي توصلوا اليها , وتباينت ردود فعلهم حيالها , ومن بين ما توصلوا إليه :
1/ تعصب خلفاء بني أميه للعرب والاهتمام بهم دون غيرهم, مما أغضب المسلمين من غير العرب (الموالي)في الاقاليم المفتوحة , ودفعهم لمناصرة أية حركة ضد الامويين – ولكن مثل هذه المقولة لم يعد يؤخذ بها بناء على الدراسات التي أوضحت ماكان يتمتع به بعض الموالي من مزايا في المجتمع الاموي.
2/ النزاع بين القبائل العربية (القيسية, المضرية أو العدنانية) والقبائل اليمينة, القحطانية, وميل خلفاء بني أمية إلى فئة دون اخرى – ولكن المدقق في مسيرة الاحداث في العصر الاموي يجد الدولة رغم كل ازماتها قد ظلت متماسكة حتى (عهد هشام بن عبدالملك) سنة 125هـ . ثم بدأت في الانحدار السريع.
3/ الحركات الدينية والسياسية التي تمثل مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية (انصار العلويين, والخوارج, وابن الزبير, والحركات الاخرى ومنها: حركة ابن الاشعث, وحركة يزيد بن المهلب) ولكن هذه الحركات وان كانت قد نجحت في اشغال الخلافة الاموية واضعافها , إلا انها لم تكن احد العوامل الرئيسية التي ادت الى سقوطها.
4/ الاضطراب المالي للدولة الأموية , نتيجة لسوء توزيع العطاء والقطائع , وتسرب الخلل الى ادارة جباية الخراج والجزية , وتدهور القيمة الفعلية للنقد الاسلامي, وخاصة في أواخر عهد الدولة الاموية.
5/ إلزام خلفاء بني أمية أنفسهم بتنفيذ نداء الجهاد , وسياسة التوسع العسكري , واصبحت هذه السياسة في بعض الاحيان فوق طاقتهم, وبخاصة في عهد هشام بن عبدالملك, حيث مني الجيش بهزائم متلاحقة في بلاد المغرب وجنوب فرنسا وفي بلاد السند , مما ساعد في عدم استطاعتهم ضبط الامور داخل ارضهم .
6/ ما قام به مروان بن محمد من نقل العاصمة إلى مدينة حران والابتعاد عن أهل الشام (أهل دمشق) الذين كانوا يعتبرون انفسهم عصب الحياة بالنسبة للخلفاء الأمويين , فما كان من أهل الشام إلا أن نقموا أو تراجع حماسهم عندما استعان بهم مروان بن محمد في أيامه الاخيرة .
7/ مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك على أيدي أبناء عمومته ؛ مما أدى إلى افتراق كلمتهم, فأخذوا يتنازعون فيما بينهم , وبدو وكانهم قد تعاونوا على قتل الاسرة الاموية .
8/ تعيين الأقرب نسبا للخليفة في ولاية العهد دون غيره من بني أمية , حتى وان كان ذلك الغير هو الافضل
ولعل ذلك جاء نتيجة لعاطفة الأبوة , ويتمثل هذا في رد معاوية على الذين تساءلوا عن فكرته حصر الخلافة في ولده يزيد بن معاوية وحرمان آخرين منها. إذ قال لهم: ((ابني احب الي من ابناؤهم))
9/ عدم الاستفادة من مقدرات أبناء الإماء , حتى وان كانوا اكفاء من غيرهم , فهذا مسلمة بن عبدالملك لم يكن لعبدالملك . ابن أسد منه رأيا . ولا اذكي عقلا ولا أشجع قلبا – ولكن لانة كان ابن امة , ولان بني امية كانوا يتطيرون من ترشيح ابناء الاماء الى منصب الخلافة خشية زوال ملكهم على يد ابن ام ولد.
10/ استمرارية التنافس بين أبناء البيت الأموي للفوز بمنصب الخلافة.
3/ النتائج المترتبة على سقوط الدولة الأموية:
لعل من أهم النتائج : -أن قام العباسيون عقب مقتل (مروان بن محمد) بمحاصرة آخر جيوب المقاومة الموالية للامويين, وذلك في مدينة واسط, والتي اعتصم فيها (يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري)آخر ولاة الامويين في العراق , وحاول مجابهة العباسيين وحشد المناصرين , ولكنه فشل في ذلك فاستسلم على امان من ابي جعفر المنصور , والذي قتله بعد ذلك غيلة وغداراً؛ ربما لشكه في نواياه , فقوي بذلك امر العباس واستقرت دولتهم.
صودرت ممتلكات أفراد البيت الأموي, وتعرضوا للمطاردة والتنكيل حيثما وجدوا , ولعل مذبحة نهر أبي فطرس (ويدعى اليوم نهر العوجا) والعوجا موضع قرب مدينة الرملة بفلسطين. كانت أبشعها , ومن ناحية أخرى . هرب جماعة منهم إلى بلاد النوبة والحبشة وتبالة (على بعد 46 كيلا متريا) من مدينة بيشة جنوب المملكة العربية السعودية . وبلاد المغرب ,وكان من بين هؤلاء (عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان) الذي فر معه بعض اعوانه الى المغرب ثم الاندلس ؛ حيث نجح في تأسيس إمارة أموية هناك في سنة 138هـ واشتهر بعبدالرحمن الداخل , وهو الذي اطلق عليه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لقب : صقر قريش؛ تقديراً منه لشجاعته وبطولته, وفي المغرب الاقصى (ادريس بن عبدالله بن الحسين بن علي بن ابي طالب)وهو اول المتغلبين من البيت الادريسي سنة 172هـ .
ارتفع شأن العباسيين في الأقاليم الإسلامية ؛ وأصبحت لهم السيطرة الفعلية, كما علا شأن الثورة العباسية وهي (ثورة ايرانية) انبعثت من ايران , ووجدت صدى ومنطلقاً في مدن ايران وريفها , وخرج المد الثوري منها إلى كافة الجهات الاسلامية , وكان العباسيون – بعد نجاح ثورتهم – احرص ما يكون على ايران وعلى ولاء اهلها , ولذلك نجدهم يلجأون الى الخراسانيين كلما احتاجوا الى سند من القوة , فقد لجأ المأمون مثلاً إلى الخراسانية في نزاعة مع الامين , ولجأ المعتصم إلى الاتراك حين احس بحاجة الدولة العباسية الى دم جديد
عصر الإمارة الأموية
وصل (عبدالرحمن بن هشام بن عبدالملك) تونس. وبقي بها فترة, واستأنف سيره نحو المغرب الأقصى – قرب طنجة – حيث نزل عند أخواله (قبيلة نفزاوه) , وفي سنة 136هـ بدأ يعد العدة لدخول الأندلس : وكانت السلطة في الاندلس عند رجلين (يوسف الفهري, ثم الصميل بن حاتم). فأرسل (ابن معاوية) معاونة (بدراً) وهو رومي الأصل إلى الأندلس؛ بكتاب يدعو إلى تأييده ؛ فاجتمع له مؤيدين – ثم بدأ ينظم اموره ويلم جمعه للوقوف في وجه معارضيه.
واصطدم (ابن معاوية) مع جموعه في قرطبة سنة 138هـ وبمعارضيه (يوسف الفهري, والصميل) فجرت بينهم معركة حاسمة سميت (بالمصارة) , تغلب فيها (ابن معاوية) على خصومه , وفر (يوسف الفهري) هاربا امامه , ودخل (ابن معاوية) قرطبة, وبويع فيها اميراً على الأندلس. وقام (يوسف الفهري, والصميل) بمحاولات يائسه انتهت بموتهما.
لقب (عبدالرحمن بن معاوية بن هشام) بالداخل؛ لانه أول من دخل الاندلس من بني أمية حاكماً , وبه يبدأ عهد آخر في الاندلس نسميه (عهد الامارة) ؛ فقد كان كل من حكامه يسمى أميراً , واستمر عهد الامارة حوالي قرن وثلاثة ارباع القرن , حتى اعلان الخلافة في الاندلس من قبل عبدالرحمن الناصر سنة 316هـ - وعرف عبدالرحمن بن معاوية بالأول ؛ لانة اول ثلاثة حكام من بني أمية في الاندلس حملوا هذا الاسم مع (عبدالرحمن الثاني. الأوسط 206 – 238هـ) و (عبدالرحمن الثالث الناصر لدين الله 300 – 350هـ) - وقد لقب ابو جعفر المنصور
(عبد الرحمن بن معاوية الأول) بصقر قريش ؛ لبراعته وقوة نفسه وتوليه الحكم في الاندلس بعد ان كان هاربا من بين ايدي العباسيين.
أما ابرز الأحداث في هذا العهد ؛ فقد وقعت عدة احداث في داخل الاندلس وخارجها: أما الاحداث الخارجية فتكمن في قضيتين : الاولى : هجوم شارلمان (ملك فرنسا) على الاندلس:
سعى بعض العصاة الأندلسيين (شمالي البلاد) للانفصال عن قرطبة ؛ بمقاومة السلطة المركزية الاندلسية والقضاء عليها بأي ثمن, فلجأوا إلى (شارلمان) امبراطور الدولة الافرنجية الى الاندلس؛ ليعاونهم في تحقيق هذا الهدف , ويكونوا له عليها وكلاء بهيئة أمراء(وياحبذا الامارة ولو على الحجارة).
فاستدعى (شارلمان) لمهاجمة الاندلس بعض العصاة فيها : (سليمان الاعرابي الكلبي) والي برشلونة و (الحسين بن يحي الانصاري) والي سرقسطة.
فأبتدأ (عبدالرحمن بن هشام) بمقاتلة العصاة سنة 158هـ . فأرسل جيشاً إلى (سرقسطة) بقيادة ثعلبة الجذامي فهزم الجيش, وأسر ثعلبة الجذامي, وأرسلوه مع وفد إلى شارلمان – عربونا ودليلا – لدعوته الى مهاجمة الاندلس والسيطرة عليها بمعاونتهم.
وبناء على ذلك سار (شارلمان) مع جيش كبير . قسمه إلى قسمين :
الأول: اجتاز جبال ألبرت من الشرق والآخر بقيادته من ممر (باب الشيزر) ليلتقي الجيشان عند (سرقسطة) وعند وصول شارلمان مع العصاة إلى (سرقسطة) فوجئوا بتحصن واليها (الحسين بن يحي الانصاري)وامتنع من تسليم بلاده الى شارلمان, وقاومت بلاده ذلك الحصار الشديد الذي فرضه (شارلمان) عليها – ولكن الأخير اضطر إلى العودة إلى بلاده مسرعاً بعد أن علم بثورة السكسونيين على فرنسا. وأخذ معه (سليمان الاعرابي) أسيراً ؛ لشكه في نواياه .
وحين علم ولدا الأعرابي (عيشون ومطروح) بمصير ابيهما لحقا بشارلمان ؛لانقاذه , واتفقا مع (البشكنس) سكان الشمال الذين أرادوا الاخذ بثأرهم من شارلمان , واستطاعوا جميعا مهاجمة مؤخرة جيش شارلمان وهو يعبر (جبال البرت)عائدا الى بلاده , فأبادت مؤخرة جيش شارلمان ؛ حيث كان فيها كبار ضباطه مع الغنائم والاسرى وذلك سنة 161هـ.
وكان من نتيجة هذه الحادثة : أن تغيرت سياسة دولة الفرنج نحو الاندلس, وبدأ شارلمان يبحث عن المسالمة والصلح ويروي المقري في نفح الطيب أنه قامت معاهدة سلم بين شارلمان و (ابن هشام) ودعوة للمصاهرة , فأجابه للسلم, ولم تتم المصاهرة.
الثانية : هجوم النورمان على الاندلس ذي الحجة سنة 229هـ
هاجم النورمان (سكان الدول الاسكندنافية) – السويد – والنرويج – والدنمارك . ولأول مرةسواحل الأندلس الغربية فجأة سنة 229هـ. (الهجوم الأول) أمام مدينة لشبونة في 54 مركبا
ومثلها قوارب, وانحدروا بعدها إلى اشبيلية , ثم هاجموا قرطبة براً على الخيل, ثم عادوا الى اشبيلية ثم لشبونة – ثم عادوا الى البحر وارتكبوا خلال ذلك فضائع وفضائح من القتل والسلب والنهب والتخريب, واستغرقت هذه العملية حوالي مائة يوم, وكان من نتائج هذا الهجوم :
1/ إرسال ملك الدانمرك (ريك) 240هـ الى الاندلس وفداً يطلب عقد معاهدة ؛ لإحلال السلم مكان العداء فوافقت السلطة الاندلسية , وارسل (عبدالرحمن الاوسط) سفارة جوابية برئاسة (الغزال) الشاعر الحكيم الاندلسي .
2/ بناء سور اشبيلية أيام (عبدالرحمن الأوسط) وخاصة بعد غلبة النورمان عليها , فبني بالحجر القوي, وبنوا جامعاً فيها, وهو من عجيب المباني وجليلها.
3/ نمو البحرية الأندلسية بسرعة كبيرة , بحيث ان النورمان لم يحققوا شيئا , وخسروا كثيرا في بداية هجومهم الثاني وذلك بعد خمسة عشر عاما من الاول, وقد ردوا عن سواحل الاندلس وتكبدوا الكثير , كما زادت دور صناعة السفن كثرة وقوة ومهارة , وغدا الاسطول الاندلسي مستعدا دوما وحارسا ؛ ليس لسواحل الاندلس فقط؛ بل يجول مياه الأطلسي حتى خليج بسكاي .
(الهجوم الثاني) سنة 245هـ بعد خمسة عشر عاما من الأول:
وأبحر الدانمركيون في هجومهم الثاني في ثمانية عشر مركبا وانحدروا جنوبا حتى الجزيرة الخضراء, واحرقوا مسجدها الجامع (الرايات) ثم دخلوا البحر المتوسط وهاجموا مدينة (تكور) في الشمال الافريقي سنة 244هـ وتغلبوا عليها وانتهبوها وسبوا من كان فيها إلا من لاذ بالفرار , وكان ممن سبوا 0أمة الرحمن, وضغولة. ابنتا واقف بن المعتصم بن صالح) ففداهن الإمام (محمد بن عبد الرحمن الأوسط) .
وعادوا بعدها إلى شواطئ الأندلس الشرقية, مصعدين في البحر المتوسط, فردهم المسلمون وطردوهم ووصلوا حتى افرنجه (جنوب شرق بلاد غالة) حيث اسروا ونهبوا , وشتوا في مدينة باسمهم, ثم عادوا إلى الساحل الاندلسي .. حتى وصلوا خليج بسكاي, وهاجموا (بنبلونة) وأسروا ملكها (غرسيه) ففدى نفسه منهم.
صد النورمان في هذا الهجوم ما يزيد عن أربعين من مراكبهم وكثرة من رجالهم , وردوا خائبين, ولم يستطع النورمانيون النيل من الاندلس مثل الهجوم الاول؛ لتحصينهم بعض المدن الساحلية , وانشاءهم سفنا حربية لحماية شواطئهم.
(الهجوم الثالث) سنة 247هـ
وبعد سنتين فقط من الهجوم السابق قام النورمانيون بهجومهم الثالث على الأندلس , فكتب إلى عمال الساحل بالاحتراس والاحتياط , فلم يكن للعدو هذه المرة نصيب طيب في الاندلس أو الاضرار بأهل السواحل كسابقته من الهجومين الاولين , ولم يجدوا في السواحل مطمعا , لشدة ضبطها , وتعطبت من مراكبهم اربعة عشر مركبا , واسرع الجيش الى العودة الى بلادهم يجرون اذيال الخيبة , ولم يكن لهم بعد ذلك رجعة.
وبعد هذا الهجوم الفاشل لم يقدم النورمانيون على مهاجمة الأندلس, وتوقفوا بنحو ما يزيد على قرن من الزمان حتى أوائل النصف الثاني من القرن الرابع الهجري.
الأحداث الداخلية ومن أهمها:
أولا: الدعوة للعباسيين :وبعد مرور عشر شهور على تولي (عبدالرحمن الداخل) امارة الاندلس قطع الخطبة للعباسيين , وبذلك قطعت الاندلس عن بقية العالم الاسلامي وخلافته ادرايا وسياسيا , لكن لم تنقطع عنه بكافة علاقاتها الحياتيه الاخرى ؛ لوجود رابطة العقيدة الاسلامية (والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ماالفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم)(الانفال: 63)
ولم تحدث مواجهات مباشرة بين الأندلس والخلافة في المشرق الإسلامي , ولم تتخذ الأندلس أي إجراء, سوى ما أشاعه (عبد الرحمن الداخل) سنة 163هـ رغبة للرحيل الى الشام لانتزاعها من بني العباس , لكنه اقلع عن هذا . أما الخلافة العباسية فلم تقم أو تشارك بعمل جاد لإعادة الأندلس إلى سلطان الخلافة منذ عهد الأمارة فيها إلا أنها لم تمانع من إظهار الرضى عمن يقوم في الأندلس داعيا إلى الدعوة العباسية. منهم : -
1/ قدم الأندلس من شمال افريقية (العلاء بن المغيث الجذامي سنة 146هـ) داعيا للخلافة العباسية , ونزل مدينة باجه ونشر بها الاسلام , والتف حوله من الناس, فقاتله (عبدالرحمن بن معاوية) في قرمونة قتل فيها (العلاء) وتفرق جمعه.
2/ دخل الأندلس سنة 116هـ (عبدالرحمن الفهري) المعروف بالصقلبي, ونزل بتدمير , وتراسل مع (سليمان الاعرابي) ولم يتفقا ودارت بينهما موقعة قضي فيها على (عبدالرحمن الفهري)
ثانيا : وقعة هيج الرمض:
وحدثت سنة 202هـ في الربض الجنوبي من قرطبة أيام الحكم الأول (180 – 206هـ) وقضى الحكم الربضي عليها بقسوة وعنف.
3/ حدث غريب . قام في عهد (عبدالرحمن الاوسط سنة 206 – 238هـ) وجماعه من النصارى بشتم الاسلام وسب رسول الله صلى الله عليه وسلم علنا وعمدا عند أبواب المساجد في أوقات الصلوات , وسمي هؤلاء (بالمنتحرين) فدعا (عبدالرحمن الاوسط) جماعة من النصارى؛ لعلاج هذه القضية. فعقدوا مؤتمراً سنة 238هـ. وقرروا فيه رفض هذه الأعمال ونبذها, ونصحوا رعاياهم بعدم الرضى عنهم والإقلاع عن فعلها.
4/ افتتاح الجزائر الشرقية (ميورقة , منورقة, اليابسة) يذكر ابن حيان في مقتبسه. أن الأمير عبد الرحمن الأوسط سنة 234هـ سير أسطولا من ثلاثة مائة مركب إلى أهل جزيرتي ميورقة ومنورقة ؛ لنقضهم العهد وإضرارهم بمن يمر إليهم من مراكب المسلمين, ففتح الله للمسلمين عليهم , واظفرهم بهم , فأصابوا سبايهم وفتحوا اكثر جزائرهم.
خصائص عهد الأمارة وانجازاته :
بدأت خصائص هذا العهد تظهر جلية بعد دخول الأندلس رحاب الإسلام , وهو ما شمل الجوانب الحضارية المتعددة والإنسانية كافة, وتمت التنظيمات .. ووجد منصب الحجابة والوزارة , كما ظهرت القوة الحربية البحرية, وتقدمت التنظيمات العسكرية, مع العناية بالثغور والاساطيل , وظهر في مختلف هذه الميادين التنظيمية رجالات اشتهروا بمقدرتهم.
تميز هذا العهد بالإنتاج في مختلف النواحي العلمية ونمت العلوم وازدهر الميدان الثقافي واتسع نطاق التعليم وزاد الاهتمام بالكتب والمكتبات في أنحاء الأندلس وشملت كلا الجنسين وغدت الأندلس احد مراكز الثقافة في العالم الإسلامي وكان العمران احد الجوانب الحضارية التي أولتها النهضة العامة في الأندلس عنايتها , وقام العمران على اسس هندسية وفنية في غاية الدقة , ولم يشمل هذه المنشآت العامة والطرق بل كثيرا من المنشآت الخاصة كالدور والقصور والحمامات وانشئت مدن واقيمت تحصينات ودور لصناعة السفن كما انشئت مرافق عامة داخل المدن وحدائق ومساجد .
انشأ (عبدالرحمن الداخل) في قرطبة داراً للسكة تضرب فيها النقود كما بنى (السمح الخولاني) على الوادي الكبير قنطرة قرطبة الشهيرة وكان جامع قرطبة الذي أنشأه (الداخل سنة 170هـ) من ابرز المنشآت العمرانية .
وقامت علاقات دبلوماسية بين الأندلس وعدد من الدول في أوربا وغيرها , خاصة بعد ان ظهرت هيبة الدولة في الاندلس وعلت قوتها ومكانتها كما حدث تبادل ثقافي في المؤلفات او في العلماء وبناءً على ذلك اتجه الكثير من العلماء المشارقة الى الاندلس كما حدث العكس كذلك .
وكان أهل الأندلس على مذهب الاوزاعي الفقيه (ابو عمرو عبدالرحمن الاوزاعي) وظهر عدة علماء على نهجه من الفقة منهم (ابو عبدالله صعصعة الاندلسي) ثم اخذ اهل الاندلس يتفقهون على مذهب الامام ابي عبدالله مالك بن انس (امام دار الهجرة وفقيه الامة)
كانت اللغة العربية لغة الثقافة والتفاهم عند المسلمين بصورة رئيسية حتى أصبحت لغة التدريس في معاهد النصارى واليهود , مما شجعهم على دخول الاسلام , وكانت السلطة الاندلسية تسير على سياسة رشيدة مع الرعية قائمة على اصول اسلامية من العدل والرفق بالرعية والانصاف مع غير المسلمين .
عصر الخلافة
والسياسة الخارجية للأمويين في الأندلس
316 – 400 هـ

بدأ عهد الخلافة بتولي (عبد الرحمن بن محمد بن عبدالله) الملقب (بعبدالرحمن الناصر) ذلك لان والده (محمد بن عبد الله) قتل من قبل أخيه (المطرف بن عبدالله) حسداً فحرص الجد على حفيده (عبدالرحمن بن محمد) وولاه العهد من بعده ليعوض عن ذلك فقدان ابنه المقتول وكان عمره يوم ولايته 23سنة وبايعه كل الناس ولم ينافسه احد لانه كان حازما وذكيا عادلا محبا للاصلاح وتاكيد لقوة الاندلس اعلن (عبدالرحمن الناصر) الخلافة الاندلسية واستمر حكمه نصف قرن من الزمان (300 – 350هـ) ويروي المقري في نفح الطيب انه وجد بخط الناصر – ايام السرور – التي صفت له دون تكدير فكانت اربعة عشر يوما فقط خلال فترة حكمه .
وحين توفي (عبدالرحمن الناصر) تولى الخلافة ابنه الحكم الثاني (المستنصر بالله 350 – 366هـ ) وكانت الاندلس مستقرة على اسس ثابته موحدة حدودها آمنة ومتمتعة بالتقدم والعمران اكمل مشاريعا كانت بدأت قبله وأنشأ غيرها في حياته , عرف بصفات كثيرة تحب العلم وزهت الاندلس في عهده بمجالس العلم والمكتبات والجامعات وكان ميالا للسلم مما جعل بعض حكام الشمال الاسباني يتصورنه ضعيفا فهاجموه ورد عليهم .
ثم تولى بعده ابنه الهشام بن الحكم (المؤيد بالله) لكنه لم يستطع هذا النهوض بأمر الامة الاندلسية وغير قادر على رعاية شؤون البلاد لصغر سنة , وكان يدير امور البلاد باسمه (محمد بن ابي عامر) المعروف (بالحاجب المنصور) ثم حكمه بعده ابنه عبدالملك المظفر
ثم ابنه الآخر (عبد الرحمن شنجول) وبمقتل الأخير تنتهي الخلافة في الأندلس.
الأحداث الداخلية :
1/ إعلان الخلافة . وتم إعلان الخلافة بعد مجيء (عبد الرحمن الناصر) إلى الحكم وإقراره للأوضاع ثم ضعف الخلافة العباسية وقيام الخلافة الفاطمية في الشمال الأفريقي التي أصبحت تهدد سلطة الأندلس .
2/ أحداث متنوعة . (أ) إخضاع العصاة , قام عدة عصاة بمواجهات أيام الأمير (عبدالله) أو قبله, استمر بعضها حتى أيام الناصر, الذي استطاع القضاء عليها بحكمته ومن هؤلاء العصاة (عمر بن حفصون) الذي اتخذ مركزه قرب مدينة مالقه في جنوبي الأندلس – لكن الناصر استطاع القضاء عليه نهائيا . (ب) وقوع المجاعة, أصاب الأندلس سنة 302هـ قحط شديد وتصدى لهذه المحنة (الناصر) فخفف من آثارها على الناس , وبعد خمسين سنة (353هـ)حلت بقرطبة مجاعة عظيمة . ساهم (الحكم) ورجال الدولة في التخفيف من آثارها حتى تم التغلب عليها. (ج) قرطبة مركز التوجيه: منذ عهد الأمارة بدأت الأندلس تنمو وتظهر قوة سياسية وحضارية, ورأوا حكام الدول الأوربية إنهم بحاجة ماسة إليها, أو تسعى لكسب ودها وصداقتها, كما يجد طالبوا العلم والمعرفة أنفسهم مشدودين إليها – حتى ان (الفنسو الثالث) ملك اشتوريش المخلوع سنة 297هـ لم يجد الا ان يعهد بتربية ابنه
إلى مربين قرطبيين, وأصبحت قرطبة منتجعا لطلاب العلم والمعرفة قصدها عددا من علماء الشرق الإسلامي . كابي علي القالي صاحب كتاب الأماني . الذي ترك بغداد إلى الأندلس سنة 330هـ . أيام الخليفة الناصر .(د) انشاءات عمرانية : تمت في عهد الخلافة انشاءات عمرانية منها:-
-مسجد قرطبة الجامع ابتناه (عبد الرحمن الداخل) سنة 170هـ , وتتابع الامراء والخلفاء في العناية به وتوسعته وكان الناصر والمستنصر وابن ابي عامر ممن اسهموا في هذا الامر.
-مدينة الزهراء بدأ الناصر أبتناء الزهراء (المدينة الخليفية) سنة 325هـ - على بعد خمسة اميال الى الشمال الغربي من قرطبة , واكتمل نموها خلال اربعين سنة , واعيد ترميمها بعد التنقيب عنها والعثور عليها.
-مدينة الزاهرة . أنشأها محمد بن أبي عامر (الحاجب المنصور) في شرقي قرطبة سنة 368هـ على الوادي الكبير, تم بناؤها في عامين, واحتوت على دوواين الدولة وبعض مرافقها الاخرى.
-مدينة سالم: شمال شرقي مدريد 135كلم , ابتنيت سنة 335هـ , ايام الخليفة عبدالرحمن الناصر.
مدينة المريه: بناها الخليفة الناصر سنة 344هـ , وغدت فيما بعد قاعدة الاسطول الاندلسي في جنوبيه الشرقي على البحر المتوسط , كما اصبحت مدينة تجارية صناعية مهمة.
وأقيمت عدة حصون منها (حصن مجريط) وله اهمية الحربية والسكانية , وله اسهام ثقافي ونشاط علمي ظاهر وحصن طلمنكه وحصن بنة فراطه وحصن استيرش .
(هـ)الحاجب المنصور : وهو الذي سبق الحديث عنه والذي كان وصيا عن الخليفة الصغير (هشام المؤيد بالله) وغدا الحاكم الحقيقي للاندلس (ولو انه لم يحمل لقب الخلافة)وورث الحكم اولاده من بعده, فيعتبر البعض ان زعامة (الحاجب المنصور) بداية لعهد جديد . وتشيد المصادر بقوته الإدارية والعسكرية وان هيبة الأندلس وقوتها بدت أكثر ظهورا في عهده.
الأحداث الخارجية:- الهجوم الرابع. وصلت قرطبة أيام الخليفة المستنصر بالله (350 – 366هـ) سفن النورمان فتصدى لهم المسلمون بقيادة امير البحر (عبد الرحمن بن رماحس) فردوهم واعطبوا بعض مراكبهم وكانوا يقودونهم النورمان في 28 مركبا وقتل منهم المسلمون في وادي شلب مقتله عظيمة واستشهد من المسلمين عدد لا بأس به.
الهجوم الخامس. وفي بداية رمضان سنة 360هـ ظهرت طلائع النورمان مرة أخرى على ساحل الأندلس العربي؛ فبعثوا (عبد الرحمن بن رماحس) قائد اسطول المرية في مياه البحر المتوسط ؛ ليبحر باسطولها نحو اشبيلية والى امراء البحر الاخرين لرد عدوان النورمان , ونجح المسلمون في ردهم وهزموهم وانصرفوا خائبين .
الهجوم السادس : وفي بداية سنة 361هـ عاد النورمان بقواتهم البحرية مرة اخرى . فردهم الأسطول الأندلسي بقيادة أمير البحر (غالب بنت عبدالرحمن الناصري) الذي عاد منتصرا الى قرطبة من مدافعته لهم – ويظهر انهم هاجموا جهة جليقية فخيبهم الله تعالى.
كانت هناك مواجهات برية بين الأندلس واسبانيا النصرانية ؛ لاسيما ايام المنصور بن ابي عامر وصل بها إلى مناطق بعيدة في جليقية, واخضع مدينة برشلونة . ويقصد بها هنا (معركة الخندق) عند مدينة شنت شمال نهر دويرة 11 شوال سنة 327هـ ؛ فخسر الاندلسيون هذه المعركة التي قادها الناصر بنفسه , بيد انه نجا من القتل بجهد كبير , وكان الخائن (اميه ابن اسحاق) الى جانب (ردمير) ملك ليون, يحارب معه ويدله على عورات المسلمين , واستشهد فيه بعض العلماء.
السياسة الخارجية في عهد الخلافة : (1) مع العالم الاسلامي
كانت العلاقات مع العالم الإسلامي – عموما – علاقات عادية مع الجهات الرسمية فلا يقبل بسهولة قيام معاهدة بين الاندلس ايام الناصر – وبين – ملك ايطاليا؛ لمقاومة النفوذ الفاطمي – وذلك بعد مهاجمة الفاطميين لميناء جنوة سنة 334هـ ؛ وذلك لانعدام الادلة الكافية على قيام مثل هذه المعاهدة – وهذا يعني ان العلاقة عموما كانت حسنة وودية مع الشمال الإفريقي – لكن حين ظهر الخطر الفاطمي على الأندلس , وضع الاندلس بعض مناطق الشمال الافريقي تحت نفوذه مثل ثغر (سبته)
كانت العلاقة مع بقية العالم الإسلامي في الشرق – من الناحية العامة . علاقة ود ومحبة . الناس في الأندلس والمشرق على صلة دائمة للحج والسياحة والتلقي والدراسة ولم يحدث مصادمات ولا غرابة في ذلك فالعقيدة تجمع بين هذه الأطراف.
(2)مع العالم الغير إسلامي: قامت السياسة الخارجية على عدم الاعتداء عموما والاستعداد لعروض الصداقة لا سيما في عهد الناصر , فقد وردت سفارات ودية خطبت تلك الدول الخارجية ود وصداقة قرطبة , وارسلت اليها بالمثل سفارات وهدايا .
وتوسطت بعض الدول كألمانيا لدى الأندلس , لتعاونها في حل بعض المشاكل كتلك السفارة الالمانية التي ارسلها (اوتو الاول) الى الناصر لكبح جماح الاندلسيين في دولة جبل القلال جنوبي فرنسا كما طلب البعض الآخر كدول اسبانيا الشمالية من السلطة الاندلسية التدخل في قضاياها الخاصة بها وارتضت الاحتكام اليها فيما يعترضها من مشاكل.
وأنشئت علاقات ودية مع العديد من الدول الأوربية وبيزنطة ورحبت الأندلس بالسفراء القادمين إليها أجمل ترحيب واستجابت لكثير من مطالبهم ولقد تم استقبالهم في قرطبة في قصرها الخليفي في دار الملك في (مدينة الزهراء) والبهو الذي يستقبل فيه الخليفة القادمين ( المجلس المؤنس ) الذي يطل على حديقة غناء وخصص المجلس الزاهر بهواً خاصاً بالاحتفالات في قصر قرطبة ناهيك عن الاكرام بأنواعه وتقديم الهديا لكافة الوافدين .
ومن هذه الوفود (أم حاكم اسبانيا الشمالية) فقد جاءت الى بلاط قرطبة ايام الحكم المستنصر سنة 365هـ فأكرمهم الحكم غاية الاكرام وفي نفس السنة جاءت (أم لذريق بن بلاكش) (حاكم جليقية) فاحتفل الحكم المستنصر بقدومها واكرمها ودفع اليها اموالا كثيرة لتوزعها على الوفد الذي جاء معها وحملت على بغلة فارهة بسرج ولجام مثقلين بالذهب وملحفة بالديباج
عصر ملوك الطوائف
400 – 484 هـ

أولاً: دول الطوائف والصراع مع اسبانيا النصرانية
سادت الأندلس – بعد سقوط الخلافة – حالة من الارتباك و الحيرة , تبينت خيوطها السوداء بقيام دول متعددة فيها , عرفت بدول الطوائف (دويلات أو ملوك أو أمراء الطوائف , كان بعضها يتربص ليحوز مابيد غيره من الأمراء, مثلما كانت سلطات اسبانيا النصرانية تتربص بهم جميعا ؛ لا تميز حتى من كانت له معها صداقة أو عهد .
1/ إسبانيا النصرانية الشمالية كان لفرد لند (ملك قشتالة وليون) دور في مهاجمة الأراضي الأندلسية في هذه الفترة , استولى على بعض المناطق في قاصية الأندلس من الشمال الغربي سنة 449 هـ , وحاصر مدينة (بازو) ثبت أهلها المسلمون ودافعوا عنها دفاعا قويا , لكن (فردلند) زاد من استعداداته , واقتحمت المدينة بصورة عنيفة , كان من بين الأسرى ذلك الرامي الماهر , الذي أصاب الفونش (الخامس) , فأمر (فردلند) بسمل عينيه وقطع يديه ورجليه وعذب حتى الوفاة .
وفي سنة 454هـ عاث (فردلند) في الأنحاء الشمالية لمملكة طليطلة , وحكامها بنو ذي النون, وفي بعض مناطق اشبيليه , حيث بنو عباد . وفي سنة 456هـ سقطت بيده مدينة قلمريه , لكن فردلند (ملك قشتالة وليون) توفي في 458هـ بعد أن قسم الملك بين أولاده الثلاثة (شانجة – على قشتالة) و (الفونش – بليون) و (غرسيه – بجليقيه والبرتغال) ودار صراع بين الأخوة الثلاثة , انتصر فيها (شانجة) الذي قبض على (الفونش) الذي هرب ولجأ إلى طليطلة عند ملكها (يحي بن اسماعيل المأمون) وبقي فيها تسعة أشهر ؛ تنفيذا لاستيلائه عليها, واتجه بعدها ليتولى الحكم بدلا من أخيه (شانجه)
سقوط طليطلة لما توفي المأمون (يحي بن اسماعيل) حاكم طليطلة سنة 468هـ خلفه حفيده الملقب (بيحي القادر) الذي حكم طليطلة 467 – 478هـ . لكن أخذ (الفونش) يعمل لاسقاط طليطلة , فاغار عليها وسفك الدماء وخرب مزارعها واراضيها حتى سقطت على يده (478هـ) فكان لجوئه إلى ملكها وبقائه فيها تسعة أشهر سببا في معرفة مسالكها وطرقها والانتصار على ملكها, والعجيب أن بعض ملوك الطوائف لم يقدموا أية مساعدة لطليطلة بل ان عددا منهم كان يعرض المساعدة والتعاون للغازي (الفونش) وهذا العمل انانية وعصبية.
قام حاكم (بطليوس – عمر الملقب بالمتوكل على الله) ببعض واجبه اتجاه طليطلة في محنتها (وكان شهما وشجاعا) لكن طاقته كانت (فردية) لم يعينه احدا من ملوك الطوائف ؛ لرد قوة (الفونش) والقضاء عليه , فحوصرت المدينة (طليطلة) وضيق عليها الخناق حتى سقطت , وارتكبت خلال ذلك بها القسوة والشدة والافاعيل.
دخل (الفونش) طليطلة بعد ان اعطى اهلها الامان بضمان حرياتهم واحترام شعائر دينهم وحقوقهم وحرمة مساجدهم , لكن بعد شهرين فقط نقض هذه العهود وحول مسجد مدينةطليطلة الجامع إلى كنيسة بقوة السلاح , وحطم المحراب ؛ ليقام الهيكل مكانه
واعتقد (الفونش) بعد سقوط طليطلة على يده أن أمراء الطوائف كافة أصبحوا رهن اشارته , وانه سيقضي عليهم الواحد تلو الآخر ؛ لذلك علت مكانته بين ملوك النصرانية , وتسمى بالامبراطور – أو بالامبراطور ذي الملتين (الاسلامية والنصرانية) وبدأ يسعى لأخذ ماتحت أيديهم بكل وسيلة – لكن الأمور لم تجر على هواه ؛ لوجود القوة الكبيرة في المغرب والتي
حرمته من تحقيق ذلك .
ثانيا : الدعوة الى التوحد ارتفعت في الاندلس – في هذا الوقت الحاسم – دعوة الى التوحد وجمع الشمل وكان على رأس من دعا إليها :
1/ابو الوليد الباجي (سنة 403 – 474هـ) وكان اهل طليطلة قد ثاروا سنة 402هـ ضد حاكمها الضعيف (القادر) وخلعوه , وبقيت المدينة دون امير فاستدعي (المتوكل على الله) صاحب بطليوس ليتولى حكمها فدخل طليطلة واقام عندهم عشرة اشهر فأرسل (الفونش) الى (المتوكل على الله) حاكم بطليوس طالبا تسليم بعض قلاعه وحصونه وتقديم اموال معينة ويتوعده ان لم يفعل , لكن المتوكل على الله لم يأبه بذلك ورد على ملك قشتالة برسالة قوية تدل على الشجاعة والاباء كما ارسل (ابوالوليد الباجي) الى حواضر الاندلسداعيا إلى توحيد الصفوف ويفهم من بعض النصوص أن الباجي هو الذي دعا من تلقاء نفسه إلى توحيد الصفوف لملوك الطوائف
فبعد عودة الباجي من المشرق الإسلامي الذي استقر فيه حوالي 13 عاما (426 – 440هـ) حيث اخذ بحظ وافر من العلم العظيم وبدأ ينتشر علمه في ربوع الأندلس وينادي بالاحتساب فوجد ملوك الطوائف احزاب متفرقة فمشى بينهم بالصلح الا انهم كانوا يجلونه في الظاهر ويستثقلونه في الباطن .
ومن الممالك التي زارها الباجي في غرب الأندلس مملكة بطليوس المدينة التي ولد فيها وكان المتوكل على الله قد رأى أن يولي الباجي مهمة القضاء ودعمه في جهوده وكلفه بذلك ودعاه إلى الجهاد .
كما زار الباجي في شرق الاندلس ما بين سرقسطة وبلنسيه ومرسيه ودانيين زار جزيرة ميورقة ومع ذلك لم تتوفر لدينا معرفة كل المدن التي زارها الباجي وتاريخ ومدة تلك الزيارة او نوع نشاطه واتصالاته او أسلوب دعوته ولعل الباجي تولى الدعوة إلى التوحد بعد توليه مهمة القضاء في أكثر من مدينة واشتغل بالتدريس وعرف مكانه وذاع صيته العلمي ولا نشك انه خلال توليه كان مهتما بالأحداث وخاصة حادثة (بربشتر 456هـ) التي حركت مشاعر الباجي وجعلته يشاوكان الباجي خلال دعوته إلى التوحد زار مدينة بلنسيه 468هـ ودرس صحيح البخاري وبقية العلوم الأخرى وخاصة العلوم الشرعية باعتمادها على القران الكريم والسنة النبوية .
2/ دعاة آخرون :
لم يكن الباجي هو الوحيد الذي دعا إلى لم الشعث بل أن عددا من العلماء المسلمين والحكام المسئولين قاموا بذلك على تفاوت منهم في همتهم وجهدهم بين رسالة موجهة للشعب الأندلسي أو الحزن عليهم أو الشكوى منهم أو الدعوة لجمع الصف ونبذ التفرق لطرد العدو من أراضيهم .
ومن هؤلاء العلماء أبو الحزم جهور بن محمد (422 – 435هـ) وسعى للدعوه وتولى رئاسة حكومة قرطبة وكذلك ابناءه من بعده .
وبذل ابن حزم الأندلسي (456 هـ) العالم الفقيه محاولات عديده لم تسفر عن نتيجة كما وجه النقد اللاذع لملوك الطوائف لهذه الحال كما فعل مثله ابن حيان في تحليلاته حين تحدث عن الطوائف وعن نكبة بربشتر التي بكاها بشعره الشاعر الفقيه الزاهد أبو محمد عبدالله بن العسال الطليطلي سنة 487هـ.
شارك ابن العسال بشعره في الحث للإنقاذ واستثارة الهمم للالتأم وإصلاح النفس وأخذها بتقوى الله وطاعته والجهاد في سبيله والشاعر الغرناطي ابو اسحاق ابراهيم
رك في اعادة هذه المدينة في السنة التي تلتها 457هـابن مسعود الألبيري 460هـ .
وساعد على ذلك أبا بكر محمد بن احمد 450هـ وهو من أهل قرطبة بأن تطوع في إزالة خلافات بين ملوك الطوائف وحاول جمع كلمتهم حتى نال مكانة عظيمة عندهم وكان من تلاميذه أبي بكر هذا الذي سلك سبيله في الوعظ والتذكير (ابو عبدالله محمد الواعظ) من اهل بلنسيه .
لكن مع هذه الدعوات التي تنادي بتوحيد صفوف ملوك الطوائف إلا إنهم بقوا في غيهم سادرين ففوتوا فرصة الالتأم فأحلت بهم مصيبة و اوقعت الكارثة فسقطت طليطلة احدى قواعد الأندلس ومراكز القوة فيها .
ولم تسقط طليطلة وحدها في هذه الأحداث بل أيضا عدد من المدن والحصون حولها بلغت فيما يذكر ثمانين منبرا بين مدن وقرى كان لسقوطها وقع اليم في الأندلس وسائر أنحاء العالم الإسلامي كما أنها أظهرت بوضوح تقصير ملوك الطوائف ومسئوليتهم عنها نتيجة لسياستهم المنحرفة .
وكان ممن استجاب لدعوة توحيد ملوك الطوائف المعتمد بن عباد أمير اشبيلية الذي كان له الفضل في حركة استدعاء المرابطين للوصول إلى الأندلس بهدف الوقوف معهم ضد النصارى.
ثالثا: ذكر أهم دول الطوائف والحديث عن بعضها .
قامت في هذه الفترة في الأندلس عدة دويلات تفاوتت في المساحة والقوة والعمر اقتسمت الأندلس وحكم كل منها في الأغلب أسرة ما يتوارثها أبناؤها ويستعينون بغيرهم أحيانا ولكل حاكم وزراؤه وكتابه وقضاته وقواده ورجال مملكته وعصبته ولم تقم هذه الدويلات في وقت واحد وان نهايات التي استمر منها على يد المرابطين كانت متفاوتة وان تقاربت ومن أهم هذه الدويلات :
اولا/ مملكة سرقسطة وكانت من أعظم ممالك الطوائف من حيث سعة رقعتها وموقعها بين دول اسبانيا النصرانية في الشمال وعرفت بولاية الثغر الأعلى وعاصمتها مدينة سرقسطة حكمت بقية أسرة بني تجيب هذه المملكة ثم أسرة بني هود و أولهم أبو أيوب سليمان بن محمد الملقب بالمستعين بالله (431 – 438هـ) . قسم المستعين بالله هذه المملكة قبل وفاته بين أبناءه الخمسة وكان أشدهم طموحا (المقتدر بالله) الذي حكم 35 سنة والذي وقعت ايامه مأساة بربشتر سنة 456هـ .
وتبدأ مأساة بربشتر بمهاجمة النورمانيين لبربشتر وهي شمال شرقي سرقسطة ويقدر أفراد الحملة بأربعين ألف واستمر الحصار أربعين يوما ثم اقتحم العدو المدينة ثم قطعوا المياه عنهم واشتد البلاء بهم ودخلوا المدينة عنوة واستباحوها وقدر عدد القتلى والأسرى بينأربعين ألفا و مائة ألف وارتكبوا أبشع الجرائم قتلا وهتكا للأعراض ولكن شاء الله تعالى أن يكون تيار الدعوة إلى توحيد ملوك الطوائف فلبى النداء بالجهاد عدد كبير واستطاع المسلمون أن ينزلوا بالنورمانيين الهزيمة الساحقة .
ثانيا / مملكة اشبيليه وتأتي في مقدمة ملوك الطوائف من حيث سعتها وتفوقها السياسي وحكم اسرة بني عباد هذه البلاد حتى انتزعها المرابطون وشغل افراد من هذه الاسرة مناصب للحكم المستنصر وابنه هشام المؤيد والمنصور ابن ابي عامر .
جرت أحداث بين اشبيلية وغيرها من دول الطوائف المجاورة حتى وفاة القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد سنة 433هـ ويعتبر هذا القاضي مؤسسا لملك بني عباد بقوته وحزمه وكانت اشبيلية مملكة قوية بين ملوك الطوائف .
ولم تكن فكرة استدعاء المرابطين للأندلس وليدة عصرها بل كان لها جذور سابقة فبعد سقوط طليطلة عقد في قرطبة اجتماع حضره الزعماء والفقهاء وكثير من الناس من المعتمد بن عباد واتخذ فيه قرار الموافقة على استدعاء المرابطين إلى الأندلس للنصرة وأشير – خلاله الى التخوف من نتائج ذلك فأجاب المعتمد بكلمته السائرة مثلا – (رعي الجمال خير من رعي الخنازير)
وبناء على ذلك دعا المعتمد ملوك الطوائف إلى هذا الأمر ودعوا أمير المسلمين في المغرب يوسف بن تاشفين الذي استجاب عقيدة في الله واستجابة في سبيله وإنقاذا لإخوة الدين وبدأت عبور المرابطين مضيق جبل طارق وسار حوالي سبعة آلاف سنة 479هـ وسهل الله تعالى عبور سفنهم بدعوة من ابن تاشفين .
وحين اقترب ابن تاشفين والمرابطين في اشبيليه خرج المعتمد بن عباد وجماعته لتلقيه ثم توجهوا نحو بطليوس وسار معهم ملكهم المتوكل على الله ومعهم معظم ملوك الطوائف .
وبعد ان علم (الفونش) انباء هذا الجيش فك حصار سرقسطة وبدأ يستعد للقاء جيوش جيليقية واشتوريش وبنارة وقشتالة وجماعة من متطوعي فرنسا وايطاليا وكان عددهم خمسين الف .
وبعث ابن تاشفين إلى الفونش يعرض عليه الإسلام أو الجزية أو الحرب عملا بأحكام السنة فأبى ذلك وأراد الفونش خديعة المسلمين بأن تكون الحرب يوم الاثنين لكن ابن تاشفين انتبه لهذه الحركة فبات الناس ليلتهم مستعدين وبعد مضي جزء من الليل رأى الفقيه الناسك أبو العباس احمد القرطبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يبشره بالفتح.
ودارت الحرب بين الجانبين في 12 رجب 479هـ و أبلى المسلمون فيها بلاء حسنا وقاتل المرابطون في صفوف متراصة ثابتة فاضطر الفونش إلى الانسحاب حفظا لحياة الباقينومعه خمسمائة فارس مثخنيين جراحا متجهين إلى طليطلة حيث توفي أكثرهم في الطريق ولم يدخل معه طليطلة الى مائة فارس وسميت هذه الوقعة بالزلاقة واستمرت يوما واحدا .
ولا يعني انتصار المسلمين في الزلاقة رد جيش الفونش خاسرا فحسب, بل أعانت هذه النتيجة على مد عمر إسلامية شبه الجزيرة الأندلسية بأربعة قرون أخرى .
عصر المرابطين ودورهم في الجهاد
في الأندلس

أصل المرابطين قام المرابطون في المغرب الأقصى يدعون إلى التمسك بالإسلام واتخاذه دستورا كاملا يحكم حياة الإنسان في كل أحوالها وقام بتأسيس دولة المرابطين (قبيلة لمتونة) احدى بطون صنهاجة من البرانس واحدة كبرى قبليتين (البرانس والبتر) اللتين يتكون منهما البربر واتخذت قبيلة لمتونة اللثام شعارا لها فسموا بالملثمين .
تعود بدايتها إلى يحي الجدالي (أمير جدالة) حيث توجه إلى الحج مع جماعة له وأثناء عودته مروا بالقيروان ليتلقوا العلم على يد علمائها واتصلوا بأبي عمران (شيخ المذهب المالكي) وطلبوا منه ان يبعث معهم عالما لوجودهم في عمق الصحراء فأرسل معهم (عبدالله بن ياسين الجزولي سنة 451هـ) واخذ يفقههم في الدين ويعلمهم الشريعة الاسلامية .
اتخذ بن ياسين رباطا في بلادهم واجتمع حوله ألف رجل أطلق عليهم المرابطون وكان ممن التف حوله يحي بن عمر (زعيم قبيلة لمتونة) وحين بدأت العقبات في وجه هذه الدعوة دافعوا عنها وانطلق من رباط ابن ياسين تيارا قويا ولما حدث خلاف بين بعض قبائل صنهاجة سنة 463هـ دعي (ابوبكر عمر) للتوجه من اجل حسم الخلاف واوكل ادارة الدولة خلال غيابة ابن عمه يوسف ابن تاشفين فأدارها بمقدرة ومهارة مما اكسبه مكانة عالية بجانبه شهرته العسكرية القوية وحين عاد ابوبكر وعمر من مهمته وراى حال الدولة وما يتمتع به ابن تاشفين بمكانة عالية تنازل لابن تاشفين الذي استمر حكمه حتى وفاته سنة 500هـ واصبح عاصمة دولة المرابطين أغمات على بعد 35 كم جنوب شرق مدينة مراكش .
جهادة في الاندلس وحين سقطت طليطلة لبى ابن تاشفين نداء ملوك الطوائف واتجه بجيشه نحو الأندلس للجهاد في سبيل الله تعالى وكانت معركة الزلاقة في رجب 479هـ الذي هزم فيها الجيش القشتالي وانتصر المرابطون مع ملوك الطوائف وقبل عودة ابن تاشفين والمرابطين إلى المغرب جمع رؤساء الأندلس من دول الطوائف فنصحهم و وعظهم ولقب ابن تاشفين بأمير المسلمين بعد الزلاقة في شعبان 479هـ .
وبعد استيلاء الفونش السادس على طليطلة أرسل قوات للإغارة على بعض مناطق شرق الأندلس ثم ابتنى قرب مرسيه حصنا ليكون قاعدة للاغارة على تلك المناطق وشحنه بثلاثة عشرة ألف مقاتل فرأى المعتمد بن عباد ضرورة الاستنجاد بابن تاشفين وعبر إلى المغرب لهذا الغرض ووعده خيرا فدخل ابن تاشفين إلى الأندلس للمرة الثانية سنة 481هـ وساعدهم ملوك الطوائف وحاصروا الحصن لكن لم يتمكنوا من فتحه وآثر ابن تاشفين الانسحاب حين علم بقدوم الفونش السادس الذي قام بإخلاء الحصن وهدمه وعاد ابن تاشفين إلى المغرب .
ودخل ابن تاشفين الأندلس للمرة الثالثة سنة 483هـ من اجل إنقاذها من الخلافات التي حلت بها بسبب ملوك الطوائف وسار هذه المرة إلى طليطلة عاصمة قشتالة وفيها الفونش السادس وحين شاهد مناعتها وتحصينها تركها وعاد إلى غرناطة حيث استسلم له أميرها عبدالله بن بلقين .
لما علم الفونش السادس باتجاه المرابطين صوب اشبيلية بعد إخضاع قرطبة سنة 484هـ وقتل حاكمها أرسل إليهم حملة بقيادة البرهانش مكونة من عدة آلاف وانتصر المرابطين في هذه المعركة وخضعت اشبيلية لقوة المرابطين بعد مقاومة شديد من المعتمد الذي اسر ونفي إلى اغمات في المغرب.
وفي سنة 484هـ دخل المرابطون مملكة بطليوس في غرب الأندلس التي كان يحكمها بنو الأفطس وأرسلوا حملة إلى لشبونة واستطاع المرابطون إخضاعها .
وفي سنة 490هـ دخل ابن تاشفين إلى الأندلس للمرة الرابعة وأرسل جيشا صوب طليطلة لأنها أصبت عاصمة قشتالة واصطدم مع القشتاليين بقيادة الفونش السادس قرب كنشرة فانهزم الجيش القشتالي وتكبد خسائر فادحة .
توجه ابن تاشفين إلى قرطبة سنة 495هـ ليبايع ابنه علي وكان معه ابنه تميم ويشترط عليه تكوين جيش مرابطي في الأندلس بغرض الدفاع عن هذه البلاد وبعدها عاد ابن تاشفين إلى مراكش وتوفي فيها سنة 500هـ يرحمه الله تعالى .
وقعة اقليش اتفق علي بن تاشفين مع أخيه تميم في أوائل سنة 501هـ على مواصلة الجهاد واتجهوا صوب اقليش شرق طليطلة ففتحوها وهرب الجيش القشتالي وتحصن في قلعة اقليش المنيعة وامدهم الفونش السادس بقيادة ابنه الوحيد (شانجة) وعمره 11 سنة بعشرة آلاف وسميت بمعركة الاقماط السبعة (أي الامراء السبعة الذين رافقوا شانجة) وجرت هذه الوقعة في 16 شوال 501هـ وهزم الجيش القشتالي وقتل شانجة .
مواجهات اخرى وفي سنة 503هـ دخل علي بن تاشفين الأندلس للمرة الثانية بهدف نصرة الاسلام فدخل طليطلة وفتح عدة حصون منها طلبيرة وكان ممن اشترك في فتحها قاضي الجزيرة الخضراء عبدالله بن علي اللواتي كما فتحوا مدريد ووادي الحجارة .
جهادهم في الجزائر الشرقية للمرابطين مأثرة أخرى في هذا الجهاد هو استردادهم للجزائر الشرقية في البحر المتوسط (ميورقة . منورقة . واليابسة) سنة 509هـ بعدما يزيد على سنة لغزوها من قبل قوات الحلف الثلاثي المكون من (بيزه . جنوة . برشلونة) .
سقوط سرقسطة وفي سنة 511هـ عبر علي بن تاشفين للمرة الثالثة وفتح قلمرية عاصمة البرتغال يومها ثم استولى ملك أرغون على سرقسطة سنة 512هـ بعد حصار شديد دام شهور سار في حملة صليبية بلغت خمسين ألف راكب إفرنجية في اسبانيا وفرنسا واتجهوا شمال الأندلس وحاصرت سرقسطة في صفر 512هـ تسعة اشهر ذاق أهلها ألوان الصعاب وفنيت الأقوات وهلك الناس جوعا فاضطرت المدينة للاستسلام ودخلوها صلحا وعاثوا فيها .
وقعة قتنده جرت هذه الوقعة ربيع الأول سنة 514هـ بقيادة إبراهيم بن تاشفين وهي من أعمال سرقسطة وكانت شديدة على المسلمين واستشهد فيها الآلاف منهم الفقهاء والعلماء وفي مقدمتهم القاضي أبو علي الصدفي (452هـ - 514هـ) من اهل سرقسطة وكان حين توجه الصدفي الى معركة قتنده كلف صهره بإمامة الناس في الصلاة والقيام بشئون اهله وهذا يفيد ان العلماء قدوة في كل امر يعلمون الناس ويتقدمونهم في الصفوف الاولى في الجهاد.
المعاهدون وجاز علي بن تاشفين سنة 515هـ إلى الأندلس للمرة الرابعة والأخيرة وذلك اثر أحداث جرت في قرطبة واستطاع تهدئة الحال واستدعى النصارى المعاهدين في غرناطة (الفونش الاول المحارب) ملك ارغون للاستيلاء على غرناطة يتعهدون له بكل مساعدة وكذلك برجالهم المسلحين كان هؤلاء ينعمون بحسن المعاملة وسياسة العدل والانصاف التي تمتعوا بها خلال قرون في المجتمع الاسلامي وفي ظل حكمه .
استجاب الفونش الأول لهذا الاعتداء فجهز جيشا قوامه خمسين ألف بعد انضمام آلاف النصارى المعهدين إليه وتحرك من سرقسطة نحو الأندلس سنة 519هـ واتجه نحو الجنوب وعاث الفساد وخرب الطريق وحاصر غرناطة مدة سنة 520هـ لكنة فشل في النيل منها واستمر في سيره حتى وصل بلش قرب مالقة .
كتب المعاهدون والنصارى إلى الفونش الأول لمهاجمة الاندلس وبرغبتهم للتعاون معهم بالمال والسلاح والرجال والمعلومات فعلوا ذلك رغم عيشهم فيه وتوفر كل ما يرغبون من امن وحرية ناقضين للعهود المبرمة معهم فما كان من قاضي الجماعة (الفقيه محمد بن رشد ) الى ان اخبر علي بن تاشفين بعد ان عبر اليه المغرب لما حدث في الاندلس فأفتى بتغريب النصارى المعاهدين وعزل اخيه تميم بن تاشفين عن ولاية الاندلس وتعيين تاشفين بن علي بن تاشفين .
وقعة افراغة دارت وقعة بين ادفونش المحارب وبين المرابطين وأهل الأندلس من جهة أخرى ويقودهم الأمير أبي زكريا يحي بن غانيه والي بلنسية وكان المسلمون اقل من عدوهم فهزم الله العدو بعد قتال شديد وقتل ادفونش المحارب وذلك في رمضان 528هـ وسارت أنباء هذه الأخبار في الأندلس والمغرب لتبعث الأمل والسرور في نفوس المسلمين .
نهاية المرابطين وفي سنة 539هـ ضعف سلطان المرابطين في الأندلس بسبب الأحداث التي توالت عليها ومنها هزيمة المسلمين بموقع يسمى (اللج) في شعبان 540هـ وتلقت الاندلس كذلك عدة هجومات منها سقوط المرية ثغر الاندلس الشرقي على يد جيوش اسبانيا الشمالية والتي تقدمت كلها نحو المرية وحاصرتها برا وبحرا لثلاثة شهور حتى نفذ الطعام وشح الزاد فسقطت في بأيديهم ودخلوها واستشهد جمع من المسلمين منهم عالم المرية الرشاطي الامام
كما اسروا حوالي 14 ألف .
وفي شوال 543هـ سقطت طرطوشة بيد قومس برشلونة وحلفائه بعد حصارها البري والبحري لمدة ربعين يوما .
وفي رجب 567هـ سقطت (لاردة) وغيرها بخيانة محمد بن سعد المتغلب على بلنسيه ومرسيه.
ولما توفي الأمير تاشفين بن يوسف تولى من بعده ابنه إبراهيم وبعد عامين قتل وأسدل الستار على حكم المرابطين ليرثهم الموحدون في المغرب والأندلس سواء .

عصر الموحدين
540 – 620 هـ

نشأة الدولة الموحدية : يعتبر الزعيم الأول لدولة الموحدين (ابو عبدالله محمد بن تومرت) (485 – 524هـ) الذي ينتسب إلى البرانس التي تسكن السوس قد رحل في طلب العلم الى الاندلس قبل تمام القرن الخامس الهجري وظل هناك خمسة عشرة عاما ثم رحل الى المشرق الاسلامي بداية القرن السادس الهجري والتقى بالعلماء والفقهاء ودرس على ايديهم وبعدها عاد الى الشمال الافريقي وبدأ يدعو الناس الى التمسك بالدين الاسلامي ونبذ كل فهم لا يرتضية الاسلام فسارت معه جماعة كثيرة تدعو الى ذلك الفهم واطلقت على نفسها (الموحدون)
ثم وقعت المصادمات بين الموحدين والمرابطين وحين توفي محمد بن تومرت سنة 524هـ كان أوصى بالأمر من بعده ابنة عبدالمؤمن الذي انفق سنوات في حرب المرابطين .
جهادهم في الأندلس :حين تدهورت أحوال المرابطين في الأندلس أقبلت الوفود الأندلسية إلى المغرب تدعو (عبدالمؤمن) للجهاد في الاندلس وانقاذه من ايدي الاعداء وكان ممن جاءهم القاضي ابو بكر ابن العربي محمد الاشبيلي من 468 – 543هـ ومعه مجموعة من كبار علماء اشبيليه لتقديم بيعتها للموحدين سنة 542هـ .
كان أول جيش بعث به الموحدون إلى الأندلس سنة 541هـ لإزالة ما بقي فيها للمرابطين من سلطان وكان قد عزم العبور إليها ليشارك بنفسه في ترتيب أمورها وكتب إلى أهل الأندلس قبل ذلك ليبتنوا مدينة طارق فاستجابوا لذلك وسخروا لها العمال والمهندسين وظل العمل فيها
شهورا وكان عبور عبدالمؤمن يوما مشهودا ثم عاد عبدالمؤمن إلى المغرب بعد أن أمضى فترة يراعي فيها أحوال الناس وينظم شؤونها وكان قد وفر قوة دفاعية مكونة من الموحدين والأندلسيين لحماية الأندلس جعلت منها غرناطة مركزا دفاعيا قويا بعد أن حشدت لها الإمكانيات كما نقلت العاصمة من اشبيليا إلى قرطبة سنة 557هـ والتي اعتبرت مستقرا للجيوش الموحدية ثم بدأ عبدالمؤمن يتجهز للرد على عدوان اسبانيا الشمالية على الأندلس.
سار عبدالمؤمن بجيشه إلى الرباط لكن مرض وتوفي جمادى الأخره سنة 558هـ بعد حكم أكثر من 33 سنة وبويع لابنه أبي يعقوب يوسف وهو في مدينة سلا قرب الرباط فأصدر أمره للجيوش بالانصراف إلى بلادهم ليتخذ قرارا جديدا فعادوا جميعا إلى مراكش .
وفي سنة 560هـ عبرت حملة عسكرية للأندلس لتعزيز دفاعات بعض المناطق الأندلسية ضد اسبانيا الشمالية, كما حدث صدام مع (محمد بن سعد ومركزه مرسيه) الذي كان له صلات موده مع عدد من ملوك اسبانيا الشمالية – حيث بلغ عدد المرتزقة في جيشه – اثناء لقاءه مع الموحدين (13000مقاتل) . حارب الموحدون بعد أن تعاهدوا على الثبات والاستشهاد في سبيل الله , وتم النصر للموحدين في هذه المعركة التي عرفت بـ (فحص الجلاّب) وتوفي فيها (محمد بن سعد) .
كما اعتدى ملك البرتغال (صاحب قلنبره) على (لشبونة) بعد ان استنجد بالصليبيين وحاصرها
حصارا طويلا وذلك في سنة 542هـ واستولى على (شنترين) كما سقط امامه (قصر الفتح)
وقامت اتصالات بين الموحدين وبعض حكام اسبانيا الشمالية أدت إلى عقد معاهدة صلح مع (ملك ليون: فرانده) الذي خرق المعاهدة وهاجم الاراضي الاندلسية سنة (570هـ) . فقامت قوات الأندلس (الموحدية والاندلسية) بمهاجمة احدى القواعد العسكرية (لفرانده) وهي (مدينة لذريق : السبطاط).
وفي سنة 578هـ شن عدد من ملوك اسبانيا النصرانية حملات على المسلمين في الأندلس , فرد عليهم الموحدون بطردهم , كما خاضوا معارك قرب (طلبيره) مع القشتاليين وملكهم (الفونش الثامن) .
وفي سنة 580هـ عبر الخليفة (ابويعقوب) بجيش موحدي اتجه صوب مدينة (شنترين) شمال شرق لشبونة, ونازلها في عدة معارك؛ لكن الخليفة امر بالانسحاب قبل افتتاحها , واصيب في المعركة ومات في شهر ربيع الآخر وخلفه من بعده احد ابنائه (ابويوسف يعقوب(المنصور) .
وجاء (شانجه) خلفا لوالده (ملك البرتغال) بعد وفاته , فشن غاراته على الاندلس منذ سنة 585هـ ؛ ساعده على ذلك انشغال (المنصور) الموحدي بإقرار الأمور في المغرب؛ فضلا
عن الإمدادات الصليبية المتجهة إلى الشرق لنجدة الجيوش الصليبية ؛ حيث خسرت مواقعها وكان سقوط دولتها باسترداد بيت المقدس من قبل المجاهدين بقيادة صلاح الدين الأيوبي سنة 583هـ.
استطاع (شانجة) ملك البرتغال احتلال مدينة (شلب) الاندلسية بمساعدة السفن الصليبية التي تحمل آلاف المقاتلين , وكانت المدينة قد ثبتت بقوة , لكن المهاجمين قطعوا الماء عن المدينة ؛ فاضطرت الى التسليم (لشانجة) ورفض حلفاؤة الصليبيون ذلك الا بقتل اهلها جميعا واقنعهم بالاكتفاء بأسلاب المدينة بعد ان يتركها لهم بكل ما فيها . وذلك بعد حصار ثلاثة اشهر سنة 585هـ .
حاول (المنصور) سنة 586هـ مع الموحدين بعد عبورهم الى الاندلس استرداد (شلب) فلم يستطيعوا , وعادوا الى اشبيلية لتنظيم شؤون البلاد واعادة الكرة على (شلب) لكن لم يستطع وعاد بعدها الى (مراكش) .
وحين حكم (الفونش الثامن) قشتالة عقد معاهدة مع الموحدين سنة 586هـ ومدتها (خمس سنين) , وبعد انتهاء مدة المعاهدة سنة 590هـ (هاجم الفونش الثامن) ملك قشتالة الاندلس وعاث فيها الفساد , فرد على الموحدين وقاتلوه في معركة (الأرك) الذي سيأتي الحديث عنها , وعاد الموحدون الى مراكش 594هـ
وحين توفي الخليفة الناصر جاء بعده ابنه (الناصر لدين الله) الذي التقى (بالفونش الثامن) ملك قشتالة في حصن العقاب سنة 609هـ وجاء معه جيوش صليبية مع عدد من دول اوربا فهزم الناصر لدين الله وتفرقت قوات الموحدين ثم عادوا الى مراكش مرة اخرى وهناك توفي الناصر لدين الله سنة 610هـ .
وخلفه ابنه (المستنصربالله) وعقد معه صلح مع (الفونش الثامن) حاكم قشتالة لكن خسرت الاندلس اهم القواعد (قصر ابي دانس) امام ضغط اسطول الصليبيين الالمان وسمح لاهلها بأن يخرجوا احياء ً فقط دون ان يحملوا معهم شيئاً ومع ذلك دخل النصارى ذلك القصر وقتلوا كل من كان فيه من المسلمين وقد استشهد من العلماء (ابو بكر محمد بن عبدالنور) من اهل اشبيلية وكان حافظاً لكتاب الله تعالى وعالما بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
وجاء بعد وفاة المستنصر بالله عدة خلفاء آخرهم (ابي محمد الملقب بالرشيد سنة 640هـ)
سقوط الجزائر الشرقية : وفي صفر 627هـ سقطت جزيرة ميورقة كبرى الجزائر الشرقية بيد جيوش متحدة من الملك آرغون ومن فرنسا وايطاليا حيث سفكوا دماء أهلها ورفضوا المصالحة والاستسلام وسمى المؤرخون سقوط ميورقة بالحادثة الشنعاء على اهل ميورقة وكان ممن استشهد في هذه الحادثة ابو مروان عبدالملك بن ابراهيم العبدري الذي كان مقرئا مجودا مشاركا في العربية تصدر لإقراء القرآن وتدريس النحو وخطب بجامع بلده نحو عشرين سنة .
وسقطت جزيرة اليابسة صغرى الجزائر الشرقية الثلاث بعد أختها الكبرى بسنوات قليله لكن جزيرة منورفة لم تسقط إلا بعد حوالي ستين سنة 686هـ حيث دخلها الجيش الأرغوني وأجلوا المسلمين عنها .
وهناك أمر آخر للأندلس لم يكن مثله في الشمال الأفريقي وهو خطر اسبانيا الشمالية ففي المدة مابين ضعف الدولة الموحدية وقيام غرناطة نحو سنة 635هـ احتلت من جزيرة الأندلس عدد من قواعدها الكبرى بعد أن سقطت على جيوش اسبانيا الشمالية . سقطت قرطبة 23 شوال سنة 663هـ بواسطة جيوش ملك قشتالة (فراندة) الذي اضطرها إلى التسليم بعد أن أصر بعض الغلاة والحاقدون من النصارى ضرورة اقتحام المدينة وقتل كل من فيها في حين رأى ملك قشتالة فراندة أن هذا الإجراء قد يدفع أهل المدينة إلى اليأس وتخريب المدينة مع مسجدها الجامع وتحطيم سائر ثرواتها وذخائرها ثم كان تحويل مسجد قرطبة الجامع الى كنيسة .
وفي صفر سنة 636هـ سقطت بلنسية إحدى المدن المجاهدة وكبرى قواعد شرق الأندلس وثغوره وكانت مركزا للعلوم والآداب والفضل والخير استغرقت عملية الاستيلاء على بلنسية عدة سنوات وأصدر البابا جريجوري التاسع مرسومه بإسباغ الصفة الصليبية على حروب إسقاط بلنسية التي بدأت سنة 631هـ .
وقعت معركة أنيسة عام 634هـ وهو حصن يقع شمال بلنسية هاجمه الملك الأرغوني وهدمه
وابتنى حصناً منيعاً يكون مركزا لأعماله الحربية ضد بلنسية وحين أراد
أبو جميل زيان انتزاع هذا الحصن سار بقوة عسكرية اشترك فيها كثير من علماء بلنسية وفي مقدمتهم سليمان الكلاعي وكان جنديا جريئا ولم يزل هذا الجندي يرغب أتباعه المسلمين على التقدم في الصفوف وينادي فيهم (اعنِ الجنة تفرون) حتى قتل صابرا محتسبا .
تجهز ملك ارغون لإسقاط بلنسية حيث حاصرها في رمضان سنة 635هـ وشاركه من المتطوعين الفرنسيين وجنوة وحينما شددوا الحصار عليها صمم سكان بلنسية على الدفاع عنها حتى الرمق الأخير وأرسل أمير بلنسية سفرائه إلى بعض المدن الأندلسية طالبا النجدة فوافته الإمدادات من الأندلس والمغرب واستمر الحصار ستة اشهر وكان ممن اجابه للنداء الأمير الحفصي حيث جهز اسطوله بالمؤن والسلاح من 18 سفينة كبيرة وصغيرة وصحبه في ذلك الحين ابن الآبار وبقية الوفد الأندلسي لكن فشلت هذه الإمدادات لشدة الحصار على بلنسية واضطرت لإفراغ المؤن في جنوب بلنسية .
وضاق الحال بأهل بلنسية وداهمهم الجوع لقلة الأقوات في حين أن معسكر العدو في سعة من أمره اقواتا وعدة وسلاحا حيث شدد على سكان بلنسية ورماها بالمنجنيق فنفذت أقوات المسلمين واستولى الجوع وضعفت القوى وأكلت الجلود فاضطروا إلى الاستسلام وعقد الصلح على دانية وقلبيره وذلك بعد خمس سنوات من المعارك سنة 636هـ ورحل عنها خمسين الف وحولت مساجدها الى كنائس .
أما اشبيلية فسقطت بيد ملك قشتالة فراندة وذلك بعد أعمال حربية لعد سنوات وحصار طويل استمر حوالي سنة ونصف ابتداء من شهر ربيع الأول سنة 645هـ حتى أول شعبان سنة 646هـ واضطرت المدينة بعدها للتسليم بالشروط وكان منها رحيل أهلها المسلمين عنها حيث غادرها ما يقارب أربعمائة ألف انتشروا في المدن الأندلسية .
لكن حافظ المسلمون على بعض المناطق في جنوب الجزيرة الأندلسية حيث قامت مملكة غرناطة.
توحيد الاندلس واهم الاحداث : (وقعة الارك سنة 591هـ)
وحدثت هذه الوقعة بين الجيش الإسلامي مكون من الموحدين الاندلسيين وبين جيش قشتالة بقيادة ملكها الفونش الثامن وتقع الأرك شرق السهل الذي جرت فيه الزلاقة وكانت قد عقدت هدنة سنة 586هـ مع الفونش الثامن ملك قشتالة لمدة خمس سنين حتى ما انتهى اجلها سنة 590هـ أرسل لتجديد الهدنة وهو يضمر كيداً لمهاجمة الأندلس وأرسل إلى جميع الثغور المجاورة لينذرهم ويحذرهم وقاد الجيش الاسلامي الخليفة الموحدي (أبي يوسف يعقوب المنصور) وحين علم الفونش الثامن ملك قشتالة بذلك طلب العون من ملكي ليون و بنارة واتجه إلى الأرك بين قشتالة والأندلس .
مرت عدة أيام لم يحدث فيها صدام إلا على مستوى قليل فأصدر الخليفة أبي يوسف يعقوب
المنصور أمره ببدء الاشتباك من قبل الجيوش الأندلسية والموحدين ويبقى الخليفة المنصور مع فريق من جيش الموحدين في كمين فإن كان النصر للمسلمين فذاك وإلا فيبادر الخليفة المنصور للهجوم على العدو ويحمي ظهور المسلمين في الوقت الذي يكون العدو فيه قد أنهكت قواه .
وكان الفونش الثامن ملك قشتالة يسير معه خمسه وعشرين ألف فارس ومعهم تجار اليهود لشراء أسرى المسلمين وأسلابهم فهزمهم الله تعالى وأذلهم وفي التاسع من شعبان سنة 591هـ بدأت المعركة والتحم الفريقان فكانت بينهم وقعة عظيمة استشهد فيها جمع كبير من المسلمين . ولكن صبر المسلمون واخذوا يتنادون بالجهاد في سبيل الله فتضاعف إقدامهم فكثر القتل في القشتاليين وتقهقروا وفر ملك قشتالة (الفونش الثامن) صوب طليطلة واستمرت المعركة يوما واحدا , وافتتح المسلمون (حصن الارك) ويسمي بعض المؤرخين هذه المعركة (بالاركه) .
وقعة العقاب : بعد هزيمة القشتاليين وملكهم في (الأرك) أخذ يعد العدة للانتقام وكانت عقدت معاهدة بين الجانبين لمدة عشر سنوات منذ 594هـ لكن الفونش الثامن سنة 606هـ وقبل انتهاء مدة الهدنة بدأ يهاجم الاراضي الاندلسية ويعاونه في ذلك ملك أرغون فاستنجد اهل الاندلس بالخليفة الناصر فكتب هذا الرجل الى الجهات في المغرب في الاندلس يأمرهم بالتأهب ثم عبروا الى الاندلس واتجهوا نحو قلعة شلبطرة سنة 608هـ واقتحموها ثم
عادوا إلى اشبيلية للاستعداد من جديد .
مضى الفونش الثامن ملك قشتالة ومعه بقية ملوك اسبانيا النصرانية ومعه البابويه وعليهم (انوهان الثالث) الذي بعث الى الاساقفة في جنوب فرنسا يبلغهم ان كل من شارك في القتال ضد المسلمين سيمنحه الغفران التام فاستجابوا له جماعات كثيرة حتى من كان قد عقد معاهدة صلح مع المسلمين ومنهم ملك نبارة (شانجة) ويذكر ان عدد الجيوش الوافدة الى العدو بلغ 100000 مقاتل بين فارس وراجل بينما وصل عدد المسلمين 200000 مقاتل.
تم اللقاء بين الطرفين في صفر 609هـ في سهل يقع جنوب غربي حصن العقاب الذي عرفت المعركة باسمه (وقعة العقاب) وكان الخليفة الناصر يرى ان النصر حليفه لما رأى من تفوق اعداد الجيش الاسلامي ولكن انتهى القتال بين الطرفين بهزيمة المسلمين الذين كثر فيهم القتل وكانت الخسائر عظيمة .
وكان ممن استشهد فيها من المسلمين 1: أبو عمر احمد النفزي (542 – 609هـ) من أهل شاطبة صاحب التآليف الذي كان احد الحفاظ للحديث يسرد المتون والاسانيد ظاهرا , موصوفاً بالدراية الرواية يغلب عليه الورع والزهد وله تآليف دالة على سعة حفظة مع النظم والنثر 2: القاضي الفقيه ابو ابراهيم اسحاق المجابري من سكان فاس الذي تولى قضاء سبته ثم بلنسية .
استولت جيوش الفونش الثامن ملك قشتالة على الغنائم الكثيرة منها أشياء كثيرة كالعلم الموحدي الذي مازال محفوظا في اسبانيا وكان لهذه الهزيمة اثر سيئ في كل الأندلس والمغرب على الرغم من أن الموحدين قاموا بنشاط عسكري في الأندلس بعد وقعة العقاب إلا أنها مثلت بداية النهاية للدولة الموحدية وكذلك ضياع قواعد أندلسية كثيرة .
مملكة بني الأحمر في غرناطة
ونهاية الحكم الإسلامي في الأندلس
635 – 897هـ


استمرت الدولة الموحدية في المغرب تواجه القوى الناهضة حتى سنة 668هـ اختتمت حياتها لترثها دولة بني مرين التي ستضطلع بمهمة الموحدين والمرابطين من قبلهم .
(ابن هود) : أول شخصية اندلسية ظهرت في الميدان كانت من أسرة بني هود (اصحاب سرقسطة) ابو عبدالله محمد بن يوسف بن هود الجذامي الذي لقب بأمير المؤمنين سيف الدولة والمتوكل على الله . بدأ نشاطه سنة 625هـ من مرسيه وخضع له قرطبة و اشبيلية وغرناطة و مالقة والمرية وغيرها.
اصطدم مع ملك قشتالة فرانده ووالده ملك ليون الفونش ووقف في وجه الأخطار الاسبانية النصرانية إلا انه لم يستطع الاحتفاظ بما سيطر عليه في الأندلس لشدة استعجاله في الأمور وطلبه في لقاء العدو من غير استعداد وهزم في عدد من المعارك ضد اسبانيا الشمالية النصرانية حتى سقطت بعض القواعد الأندلسية وأهمها قرطبة وتوفي ابن هود في مدينة المرية أوائل سنة 635هـ وهو يستعد لإنقاذ بلنسية مع أميرها أبي جميل زيان .
(ابن الأحمر) : هو ابو عبدالله محمد بن يوسف المعروف بابن الاحمر الملقب بالشيخ بدأ هذا القائد بتكوين قوة احتفظت ببعض المناطق في جنوب الاندلس وتأسيس مملكة غرناطة (الاندلس الصغرى) .
ولد هذا القمدن كثيرة لا سيما في وسط الأندلس سنة 630هـ ثم كانت بيعته اميرا لغرناطة سنة 635هـ وبوفاة ابن هود زال اكبر منافس لابن الأحمر ودخلت غرناطة في طاعته ثم استدعي إليها فادخلها في أواخر رمضان 635هـ .
ضمت غرناطة أيام بني الأحمر الطرف الجنوبي من الجزيرة الأندلسية جنوب نهر الوادي الكبير إلى البحر المتوسط حيث الجزيرة الخضراء وجبل طارق ومن لورقة في ولاية مرسية شرقا إلى البحر المتوسط ومن الشمال حتى قلعة يحصب في ولاية جيان إلى شذونة في ولاية قادس غربا شملت ثلاثة ولايات كبيرة ولاية غرناطة في الوسط وفيها العاصمة غرناطة . وولاية المرية في الشرق. وولاية مالقة في الجنوب والغرب .
ولقد اعتبر من الغرائب استمرار مملكة غرناطة رغم صغرها وقلة عدد سكانها محافظة على ما بقي للمسلمين من سلطان سياسي ووجود حضاري معطاء ولكن لا بد لهذا الثبات من أسباب.
1/ إن قوة العدو وتفوقه ووجود عوامل في داخل الأندلس مكنته من اغتنام الظروف لتنفيذ مشاريعه باقتطاع أجزاء من الأندلس كانت المناطق والحصون ثم القواعد الأندلسية الأقرب إليه هي اول ما يلقى هذا المصير خلال تقدمه . إن ما ضمته مملكة غرناطة كان ابعد مكانا عن الوقوع في يد عدو الأندلس فهي ابعد عن تناوله مع مناعة في الموقع بجانب قربها ائد في ارجونه احد حصون قرطبة سنة 591هـ وهو عامل الأرك دخلت في طاعته
من عدوة المغرب وعدم وجود خط معادي أمام مسلمي غرناطة يقف حائلا دون الاستعانة بأخوتهم في المغرب وبقية الشمال الأفريقي .
2/ إن موقع مملكة غرناطة في الزاوية الجنوبية لشبه الجزيرة الأندلسية التي تبدو منقطعة حيث البحر من الجنوب والعدو من الشمال لم يدعها تعيش طوال سنيها بل كان الإخوة في المغرب لا يتأخرون عن عون إخوانهم الأندلسيين طالما جاهدوا صفا واحدا لدرء الخطر .
3/ بعد الذي جرى للأندلس من سقوط عديد من قواعده في المدة بقيت في بعضها أعداد من المسلمين تحت الحكم النصراني سمي هؤلاء (المدجنون) احتملت مدن اخرى نفس المصير لكن البعض القليل نصرت بحملات عديدة ضد المسلمين وكان كثيرا من المسلمين يهجرون مدينتهم حين تسقط ليلتحقوا بمدينة مازالت الكلمة فيها من سلطان المسلمين ولما قامت مملكة غرناطة وبعد ان لاح لمسلمي الاندلس شبح الفناء اعتبروها ملاذا به يحتمون اليه يلجأون فامتلأت غرناطة بأهل المهارات والكفايات من النساء والرجال والذين برعوا في كل ميدان حربيا كان او مدنيا ومن هؤلاء رجال الحرب والدفاع الاشداء الذي صمموا على الوقوف والاستعداد والتضحية في حين انه كان في داخل غرناطة طاقات بشرية من هذا اللون المبدعين في كل المجالات
4/ ولعل السبب الحقيقي في الإبقاء على غرناطة القوية وحية طوال هذه الفترة الزمنية التزامها بالإسلام وهو الذي جمع هذه الطاقات ودفعها للوقوف مجتمعة والاستعداد للبذل ورفع الهمم .
مجريات الأحداث التالية في شبه الجزيرة الأندلسية :
1/ ظهور الوباء الكبير سنة 749هـ وهذا المرض الكبير انتشر في الأندلس ومناطق أخرى في العالم الإسلامي وحول البحر المتوسط وكان قد بدأ ظهوره في ايطاليا وقد كتب عنه ابن الخطيب في مؤلفه مقنعة السائل عن المرض الهائل كما ألف عنه شاعر المرية احمد الأنصاري مؤلفه تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد .
تجهز ملك قشتالة الفونش الحادي عشر سنة 750هـ للاستيلاء على جبل طارق وحاصرهم إلا أن المرض المذكور فشا في هذا الجيش وكان الفونش من ضحاياه قال الله تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فكان لابد من فك الحصار وانقذ الله جبل طارق من شرهم .
واستمرت قشتالة على سياستها من العبث في الأراضي الأندلسية ناقضة للعهود لكن صلحا عقد بين الأندلس وبين ملك أرغون بطرة بن شانجة فساد السلام والأمن في ربوع غرناطة وازدهرت نهضة عامة خلال سنوات أبي الحجاج يوسف الأول وخلفه ابنه محمد الخامس
الغني بالله .
عقد صلح بين غرناطة وبين أرغون قشتالة خلال حكم الغني بالله ثم ابنه محمد السادس الذي تولى الحكم سنة 797هـ ثم جرت صدامات بين غرناطة وقشتالة خسرت فيها غرناطة بعض القواعد والثغور واستولت عليها قشتالة بالحرب وسقط جبل طارق بيد القشتاليين سنة 867هـ وهذا يعتبر ضربة عنيفة لمسلمي غرناطة مما يحول دون وصول الإمداد من عدوة المغرب للأندلس .
فتح المسلمون العثمانيون القسطنطينية سنة 857هـ بقيادة السلطان محمد الفاتح فكان له اثر في زيادة نشاط اسبانيا النصرانية لمهاجمة الأندلس ساعد على ذلك سوء الأحوال الداخلية التي كانت تجتازها غرناطة وكان لابد ان تسير الاندلس الى نهايتها التي وصلتها فعلا في موعد لا يتأخر كثيرا إن كان عن الذي تم فيه يوم غربت شمس الأندلس وزال سلطان المسلمين السياسي وتلاه وترتب عليه زوال وجودهم الحضاري والبشري .
تم اتحاد قشتالة وأرغون سنة 884هـ بزعامة الملكية الكاثوليكية وكان قد تم الزواج بينهما قبل ذلك بعشر سنين . حوالي هذا الوقت بدأت مفاوضات مع غرناطة حيث طلب إلى سلطانها أبي الحسن شروط ثقيلة . انذر السفير القشتالي الذي جاء إلى غرناطة لهذا الغرض لكن لم يكن ليستعد الاستعداد المناسب ويسلك السلوك المطلوب .
وفي محرم سنة 887هـ هاجم فراندة زوج ازابيلا ملكة قشتالة غرناطة واستولت جيوشه بعد مقاومة باسلة على مدينة الحمه جنوب غرب غرناطة فأمعنوا في أهلها قتلا .
ثم زحف ملك قشتالة على مدينة لوشة وحاصرها لكن حاميتها الإسلامية دافعت عنها دفاعا مجيدا بقياد الشيخ علي العطار وكان في الثمانين من عمره .
وفي سنة 888هـ خاض حاكم غرناطة محمد الحادي عشر بن علي معركة ضد جيوش قشتالة انتصر فيها المسلمون ثم قاد جيشا اتجه به نحو قرطبة وانتصر في بعض المعارك لكنه اسر في معركة عند قلعة اللسانة جنوب شرق قرطبة .
وفي سنة 891هـ هاجم جند قشتالة مدينة لوشة ولم تصمد أمامه فاستسلمت بشروط لصالح قشتالة وبناء على ذلك اخذ ملك قشتالة يشدد الضربات على المدن الأندلسية ويرهقها حصارا وحربا وكان مما حدث في بلنسيه أن كان العدو يخرب ما حول غرناطة من المحاصيل و الزروع وكان البقية الباسلة المتفانية من فرسان الأندلس وجندها في كل ذلك يبذلون أرواحهم .
سقوط غرناطة
جرت أحداث تتضمن كثيرا من التفصيلات وقامت مفاوضات لجأ العدو خلال ذلك إلى التحريش و التضريب بين المسلمين وإذكاء الفتنة وبعد حصار شديد بمدينة غرناطة انتهى الحال بتسليمهاوتم توقيع معاهدة التسليم بين حاكم غرناطة المتخاذل وبين ملك قشتالة 21 محرم سنة 897هـ وفي الثاني من ربيع الأول من سنة 897هـ استولى النصارى على قصر الحمراء بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو 500 من الأعيان رهناً و خوفاً من الغدر وكانت الشروط (سبعة وستين) منها تأمين الصغير والكبير من النفس والأهل والمال , وابقاء الناس في اماكنهم ودورهم وعقارهم , ومنها اقامة شريعتهم على ماكانت ولا يحكم احدا عليهم الا بشريعتهم , وان تبقى المساجد كما كانت وكذلك الاوقاف وان لايدخل النصارى دار مسلم ولا يغصبوا احدا , والا يولى على المسلمين الا مسلم او يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم , والا يؤخذ احدٌ على ذنب غيره وان لا يقهر من اسلم على الرجوع للنصارى ودينهم , وان من تنصر من المسلمين يوقف اياما حتى يظهر حاله ويحضر له حاكم من المسلمين وآخر من النصارى ,فإن ابى الرجوع الى الاسلام تمادى على مااراد ولا يعاتب على من قتل نصرانيا ايام الحرب , ولايؤخذ منه ما سلب من النصارى ايام العداوة ,ويسير المسلم في بلاد النصارى آمنا في نفسه وماله ,ولا يمنع مؤذن ولا مصلي ولا صائم ولا غيره من امور دينه ,ومن ضحك منه يعاقب ... إلخ
لكن ختام هذه المأساة الأندلسية لم يكن بهذا الشكل السريع بل كانت دونه دماء ودموع وحسرات وأحداث وتضحيات من كل لون قدمها المسلمون الأندلسيون دفاعا عن عقيدتهم الإسلامية التي هي أغلى من كل شيء أما الطغيان الأعمى الذي استعمل كل وسيلة في حرب
لا مبرر لها ضد من أحسنوا إليه معاملة ووفروا له حضارة وأثاروا الأرض خيرا وعمروا المكان إنسانية بعقيدة الإسلام القويمة وشريعته الربانية السمحاء وتعاليمها النقية فما تعلموا منها بل رفضوا خيرها .
تلت ذلك محن أخرى قاساها مسلمو الأندلس حتى قضي على الحكم الإسلامي في الأندلس بل قضي على وجودهم البشري وعلى عقيدتهم وكل ما يتصل بهم اللهم إلا بقايا رماد تفلتت من المخالب وهي عنيدة أما من الناس – ان وجد – فتلك اخرى عجيبة ان تبقى تسكن القلب عقيدة قال الله تعالى ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير ) والله اعلم .