2010- 6- 7
|
#3
|
أكـاديـمـي
|
رد: غادة السمان
عاشقة تكتب على سطر الأفق :
من زمان، استيقظت ضجرة في دمشق...
رسمت مركباً، وقفزت إليه
فأبحر بي إلى حيث لا أدري...
كان البحر هائجاً، فحاولت أن أرسم مرفأً
وأمواجاً هادئة، والمركب يزلزلني ويعلو ويهبط بي..
ولكن الأوان كان قد فات،
أو هكذا ادعى قدري!
من زمان، استيقظت ضجرة في دمشق
ذهبت إلى المحبرة لأستحمّ وأستجمّ
وسبحت طويلاً حتى غرقت...
وحين جاء حبيبي رامياً إليّ بطوق نجاة
هجرته، لأن الأوان كان قد فات
( أو هكذا ادّعى قدري!)
ومن يومها وأنا أطفو وأغرق... قلبي حقيبة سفر مملوءة بالمنافي
وضجيج القطارات، والفجر الرمادي في المطارات، ووجوه الغرباء
المتشابهة في قاعات "الترانزيت" والحب "الترانزيت" والعمر العابر
ككل شيء آخر.. قلبي حقيبة سفر لحياة مصرّة على أن تظل
كالريح تصهل صدقها، قدماي خشبتا تزلج على ثلوج الغربة، وشفاه
التشرد المزرقة تقبلني كل فجر في عنقي، وأنا أتزلج على الذكريات،
ولكن لساني لن يعقد صلحاً مع الببغاوات.
عاشقة تمطر الياسمين :
* أيتها المرأة، هل تكذبين؟
- عذبة هي أكاذيب العشاق، وبريئة
تهز بذيلها مثل كلب صغير يلاحقك،
حائراً كيف يغتصب الحنان ولمسات الرقة.
* أيتها المرأة، هل أنت حزينة؟
- ثمة مأساة صغيرة في حياتي
اسمها التفتيش عن يد شاسعة كوطن
دافئة كحضن جدتي الدمشقية اللامنسية
جدتي "خيرية" التي تتعرق عطراً
ويتساقط الياسمين من ماكينة خياطتها العتيقة!...
لست حزينة، أنا حزن العالم
ففي صدري وطن يبكي..
* أيتها المرأة،اطرحي على نفسك سؤالاً.
خل كنتُ حقاً ذات يوم طفلة عذبة..
أم ولدت كما أنا الآن، شرسة جارحة ومجروحة؟
هل كنت ذات يوم عاشقة مجنونة الطيش
هل ركضت خلف رائحتك في الليل،
كالكلاب البوليسية، وتلصصت على سيارتك وهواتفك ونسائك،
ورصدت أنفاسك كمؤسسة مخابرات محنّكة تصيرها العاشقة؟..
وهل سأقدر على أن أظل أسبح بهدوء
داخل محبرتي، وأتأملك، وأكتبك بالمحبة والسلام
أم سأستيقظ فأجد نفسي راكبة حصان الجنون،
راكضة إليك في سباق الحواجز من جديد؟...
عاشقة الرجل المستحيل :
لا أريد تلك الألفة الكسولة بيننا
كالألفة بين اليد وفرشاة الأسنان..
تعانقها كل يوم.. ولا تذكر لونها!..
لا أريد أن تخطو إلى غابات ليلي،
كما ترتاد السكين قلب خسة طازجة،
وتركض فيها دون أن يثير ذلك التفاتاً..
أريد أن يظل حبنا غريباً..
كمشهد صبية تحمّص بشرتها تحت الشمس،
وقد تمددت عارية فوق قبر رخامي وقور...
أريد أن أحدّق في ابتسامتك،
كما في وردة نبتت من رغيف..
أريد أن يظل لقاؤنا مدهشاً ومثيراً،
كزرافة جالسة في دارٍ للسينما..
أو عصفور يقرأ صحيفته في المقهى
ويدخن لفافته.. ويصبغ حذاءه!...
أتمنى أن تنتظرني لأنني لن أحضر..
وتحبني لأنني لا أشبهك،
ولا أشبه فتاة أحلامك
ولا أذكِّرك بأحد غير الموت...
ولأنك حين تراني، تبصرني أيضاً.
وتضم إليك جسد ظلي،
وتحب ثرائي لأنني فقيرة... وسطوتي لأنني وحيدة ومشردة
ولأنني الكذب الذي لا يرقى إليه الشك..
أريد أن نغادر المشاعر الجاهزة
ونتنصل من كل ما قيل عن الحب،
لنعود روحين في ملعب الزمان
لا يربطهما غير فراقهما..
أحبك لأنك تسقيني عطشي فأرتوي. وأشكرك،
وأزدهر كوردة صبّار الصحارى..
أحب كلماتك التي يلغي بعضها بعضاً،
مرهفة لابتسامتك وهي ترسم دمعتها
كالخيط الأخير للنهار وهو يرسم أفق المدينة..
أحب ضجيجك لحظة الصمت، وثرثرة سكوتك
وأجد في زالزالك استقراري،
وأنتمي إلى زئبقك الهارب خارج الأوعية المألوفة..
ولأن الفراق هو اللقاء اليومي لنا
حضورك مفاجأة دائمة
كما لو أنك وصلت للتو من كوكب آخر..
أحبك لأنك الغريق الذي يخشى البلل
والنار المتأججة التي تخشى الدفء..
أحبك لأنني ألتقي بك لحظة أغادرك..
أحبك نك بسيط كالأسرار
واضح كالغموض.. ولأنني أجد سورياليتك منطقية!
أحبك لأنك لست الأبيض ولا الأسود..
كلحظة التقاء الأشياء
التي تتعانق لأنها لا تمتزج..
أحبك لأنك لا تدعو للاطمئنان،
بوسعي أن ألمحك كومضة برق،
ويستحيل امتلاكك كفراشة مثبتة تحت دبوس..
أحبك لأنك مذهل وآسر،
كعبارة صباح الخير لحظة الاحتضار!..
وحين أكتب عنك،
أتلاشى مع السطر الأخير..
كأنني أسيل في أنابيب السطور..
حتى لا يتبقى مني شيء.. ب.ع.د.ك...
أتمنى أن تحبني لأنني طرت قارّتين كي أراك
ثم أخلفتُ موعدي معك!
أتمنى أن تحبني لأن رفضي
دعوة ورجاء...
ودربي رحيل بلا وصول...
وقلم وعودي ممحاة..
أحب أن تناديني لحظة إقلاع طائرتي بعيداً..
وأن تأمرني بالكف عن الثرثرة حين أصمت..
أتمنى أن تخلو حياتنا من فراق اللقاء
وموت الحب تحت سنابك العناق.
وسأظل أمشي في حقول ألغامك،
وأنا أحمل بيدي عكازي الأبيض كالعميان
لأرى غموضك بوضوح..
وسأظل أحبك،
لأنك الماء المستحيل،
وإذا انكسرتُ داخلك
صرت قوس قزح أبجديته الألوان..
وسأظل أحبك،
دون أن تقصّ جناحيك لي كهدية!
كي تظل شاعراً... وأظل عاشقة..
ويبقى الموضوع مفتُوح لكل من أراد الإضافة
ولِي عودَة قريبًا بالمزِيد عن غادَة

|
|
|
|