2010- 6- 17
|
#24
|
أكـاديـمـي مـشـارك
|
رد: تكفون الي عنده مادة العقيده
ال 7 :
" منهج القرآن العظيم في تقرير العقيدة "
منهج القرآن في معالجة قضايا التوحيد:
أولاً : منهج الْقُرْآن في تقرير التوحيد على وجه الإجمال :
قَالَ ابن القيم :
1- إنَّ الْقُرْآن إِمَّا خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، فهو التَّوْحِيْد العلمي الخبري.
2- وَإِمَّا دعوةٌ إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه، فهو التَّوْحِيْد الإرادي الطلبي.
3- وَإِمَّا أمرٌ ونهيٌ، وإلزامٌ بطاعته وأمره ونهيه، فهو حقوق التَّوْحِيْد ومكملاته
4- وَإِمَّا خبرٌ عن إكرام أهل التَّوْحِيْد وما فعل به في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء تَوْحِيْدِهِ.
5- وَإِمَّا خبرٌ عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَّكَالِ وما يَحُلُّ بهم في العقبى من العذاب، فهو جزاء من خرج عن حكم التَّوْحِيْد.
فالقرآن كله في التَّوْحِيْد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشِّرْكِ وأهله، وجزائهم.
ثانياً : منهج الْقُرْآن في تقرير التوحيد على وجه التفصيل :
إنَّ للقرآن الكريم منهجه الخَّاص في تقرير عَقِيْدَة التَّوْحِيْد؛ وذلك لأنَّه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وَقَد سَلَكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيْمُ في بيان حقيقة هذا التَّوْحِيْد ومقتضياته مسالكَ شتى:
1- الاستدلال على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية :
إذا نظرنا في الآياتِ القرآنيةِ نَرَىَ أنَّها تُنَبِّهُ إلى دليل الخلق والإبداع، وهذا الدَّلِيْلُ مبنيٌ على أصلين :
أنَّ الموجودات مخلوقة.
كُلُّ مخلوق لابد له من خالق.
وَيَعْتَمِدُ هذا الدَّلِيْلُ على إثارة الفكر للتَّعَرُّفِ على خالق الموجودات جميعها، والاستدلال بذلك على وحدانيته تَعَاْلَى، وهو أَوَّلُ دليلٍ تُلْفِتُ الآياتُ النَّظَرَ إليه؛ كقوله تَعَاْلَى:
{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. [سورة البقرة:116-117]
ومُلَخَّصُ هذا الدليل: أنَّ كُلَّ ما في الكون مخلوقٌ، والمخلوق لابدَّ له من خالق؛ لأنَّه يستحيل أنْ يكون خلق من غير خالق، وقد كان المشركون يؤمنون بهذا الدَّلِيْل من حَيْثُ دلالته على تَوْحِيْد الرُّبُوْبِيَّة، ولا يؤمنون بدلالته على تَوْحِيْد الأُلُوْهِيَّة، قَالَ تَعَاْلَى عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.[سورة العنكبوت:61]
وقد أقام الْقُرْآن الحجة عليهم بتوحيد الرُّبُوْبِيَّة ليكون مُوْصِلاً لهم لِتَوْحِيْدِ الأُلُوْهِيَّة؛ حَيْثُ يقول تَعَاْلَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. [سورة البقرة:21]
والمعنى: كما أنَّ المتفرد بخلقكم وخلق الَّذِيْنَ من قبلكم، والمتفرد بِرُبُوْبِيَّة السموات والأرض، وليس لذلك رَبٌ سِواهُ، فكذلك ينبغي ألاَّ يتخذ إلهٌ سواه
2- تسفيه آلهة المشركين، والتشنيع على عابديها:
كقوله تَعَاْلَى: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}. [سورة الأنبياء:67]
وقوله: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. [سورة الأنبياء:54]
3- تصوير ما سيكون يوم القيامة بين العابدين والمعبودين:
ذكر الْقُرْآن ما سيكون بين العابدين والمعبودين، والأتباع والمتبوعين من التبرؤ والمعادة؛ للتَّنفير من الشرك وبيان سوء عاقبة أهله؛ كقوله تَعَاْلَى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}. [سورة البقرة:166]
4- بيان أنَّ المعبودين من دون الله كالمسيح وأمه والعزير دينهم التوحيد:
ذكر الْقُرْآنُ الْكَرِيْمُ أنَّ المعبودين من الأنبياء دِيْنُهُمْ تَوْحِيْدُ الله ولا يرضون بهذا الشِّرك؛ كقوله تَعَاْلَى: {أُولَائِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}. [سورة الإسراء:57]، فالعابد لهم طلب منهم شيئاً لا يستطيعونه، ولا يرضونه، ولا يُقِرُّوْنَهُ.
5- رده سبحانه على المشركين باتخاذهم شفعاء بأنَّه لا يشفع أحدٌ إِلاَّ بإذنه:
رَدَّ اللهُ تَعَاْلَى على المشركين الَّذِيْنَ اتخذوا من دون الله وسطاء وشفعاء؛ ليشفعوا لهم عند الله، وبيَّن أنَّهم لا ينفعونهم، وأنَّ الشفاعة لله جميعاً، وأنَّه لا يشفع أحدٌ إِلاَّ بإذنه، ولا يشفع عنده إِلاَّ لمن ارتضى؛ كقوله تَعَاْلَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. [سورة الزمر:43]
6- تقرير الْقُرْآن للتوحيد بضرب الأمثال:
لقد ضرب الله للناس في هذا الْقُرْآن من كُلِّ مثل؛ لأَنَّ ضرب الأمثال فيه فوائد كثيرة؛ كالتذكير، والوعظ، والحثُّ، والزَّجر، والتَّقرير، وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس، وتشبيه الخفي بالجلي، حتى يرى المُتَخَيَّلُ في صورة المُتَحَقَّق، والمُتَوَهِّم في معرض المُتَيَقَّن، والغائب كأنَّهُ مُشَاهَد.
وقد امتن الله على عباده بأنْ ضرب لهم الأمثال قَالَ اللهُ تَعَاْلَى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}. [سورة الإسراء:89]
وقَالَ تَعَاْلَى: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}. [سورة إبراهيم:45]
أ- الأمثال المضروبة لله ولما يعبد من دونه:
ضرب اللهُ تَعَاْلَى مثلاً لنفسه ولما يعبد من دونه بعدم قبول المشركين إشراك عبيدهم في ما يخصهم، فكيف يقبلون ذلك للهِ تَعَاْلَى؟.
قَالَ تَعَاْلَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [سورة الروم:28]
وهذا المثل هو قصةُ عَبْدٍ في ملك غيره عاجزٍ عن التَّصَرُّفِ، وَحُرٌ غَنِيٌ مُتَصَرَّفٌ فيما آتاه الله، فإذا كان هذان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنسٍ واحدٍ مشتركين في الإنسانية، فكيف تشركون بالله وتسوُّون به من هو مخلوقٌ لهُ، مقهورٌ بقدرته من آدميٍ وغيره مع تباين الصفات ؟!! وأنَّ اللهَ لا يمكن أنْ يُشْبِهَهُ شيءٌ من خلقه.
ب- أمثلة عجز آلهة المشركين:
ضرب لله مثلاً لعجز آلهة المشركين عن سماع الدُّعَاءِ وعن إجابته كذلك: فقَالَ تَعَاْلَى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ }. [سورة الرعد:14]
فقد شَبَّهَ المشركين في دعائهم لأصنامهم، وأنَّها لا تستجيب لهم، بالعطشان الذي جلس على شفير بئر، وبسط كفيه إلى الماء، وأخذ يدعوه إلى فيه من بعيد مشيراً إليه بيده ليبل غلته، فلا هو نزل إلى البئر فشرب، ولا الماء يرتفع إليه؛ لأنَّهُ جمادٌ لا يحس بعطشه، ولا يسمع دعاءه، وهكذا الأوثان لا تحسُّ بدعاء عابديها لها، ولا تستجيب لهم؛ لأنَّهَا جماداتٌ منحوتةٌ على هيئة الأحياء.
7- تقرير الْقُرْآن للتوحيد بالأدلة العقلية :
خلق الله الإنسان وركب فيه العقل، وأَمَرَه أنْ يستخدم هذا العقل في طاعة اللهِ تَعَاْلَى، وأنْ يُفَكِّرَ في مخلوقاته، ومن أمثلة ذلك : خلق الإنسان حَيْثُ خاطب الله فيه العقل فقَالَ تَعَاْلَى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ}. [سورة الطور:35-36]؛ لأَنَّ البشر لم يخرجوا عن أحد احتمالاتٍ ثلاثة:
إمَّا أنْ يكونوا مخلوقين من غير خالق.
وإمَّا أنْ يكونوا خلقوا السموات والأرض، وخلقوا أنفسهم.
وإمَّا أنْ يكونوا مخلوقين لخالقٍ واحدٍ.
والاحتمالين الأوَّل والثَّاني باطلان أشدَّ البطلان؛ إذ يستحيل أنْ يكون الخلق جاء من غير خالق؛ لاستحالة صدور أثرٍ بلا مُؤَثَّر، وفعلٍ بلا فاعل، وخلقٍ بلا خالق؛ كما يستحيل أنْ يكونوا هم الَّذِيْنَ خلقوا أنفسهم؛ إذ يلزم منه اجتماع الضدين في الوقت نفسه: الوجود والعدم، فيكونوا خالقين مخلوقين.
وعليه فلم يبق إِلاَّ الاحتمال الثَّالث : وهو كونهم مخلوقين لخالقٍ واحد هو الله رب العالمين، فيجب إذاً إفراده بالأُلُوْهِيَّة، وإخلاص العِبَادَةِ له؛ ولذلك يقول في نهاية سورة الطور {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. [سورة الطور:43]
|
|
|
|