[FONT='Times New Roman','serif']النساء.. نقطة ضعفي[/FONT]
· ثنائي الحلقة سهام/سالم:
تر كتها مسجاة كجثة محنطة تستقبل شبح الموت باستسلام وديع وكأنها قديسة في حضرة معبد يجسد احتفالية مهيبة استطرق الردهات وأنا في طريقي خارج المستشفى يتنازعني الخوف والذعر, اختفت كل المرئيات عن ناظريّ وغابت عن أعماقي كل أحاسيس الحياة, أنماط من الناس تغدو وتروح, حشود تدخل وأخرى تخرج وأنا بينهم كائن معدم لفته دوامة الحزن في غياب، تجمدت الرؤيا وتوقف الزمن والمكان على صورتها وحدها، مشهد احتضارها المؤلم مصلوبة في وجداني كقدر لا يمكن الفرار منه.
قتلتها ببطء وأنا غير مدرك أبعاد هذه الأنّات الدفينة، حصاد عذابها في سنين الزواج، حزنها الصامت اختزلته مرضاً شرساً اغتال فرحتي بغتة ودون سابق إنذار.
هاهي الآن منطفئة، شقت طريق الآخرة بصبرها الكبير وجلدها العظيم، تركتني في برد الوحشة وحيداً أكابد غربة كئيبة تطالعني في كل حين بوجهها الشاحب ونظرتها اللائمة.
إنها تدبر في انعطاف قاهر نحو نهاية أبدية تذعن لمصيرها المحتوم بصلابة وشموخ قد برأت نفسها من أدراني وأخطاء جنوني، واغتسلت بطهارة الموت حتى تجردت من آثامي وهي تدنس جسدها الزاكي، شمسها الوهاجة في حياتي ستغرب وإذا بشهقتها الأخيرة تنخر فيّ الحزن حتى الرمق.
وكان البيت حينما عدت موحشاً أشبه بمقبرة يسكنها الخوف والعدم وسوط الذكريات حينما يحول يومياتنا العادية إلى ماضٍ له طعم الحزن المرير ونكهة النار الخابية حتى العتمة الكئيبة.
جلس سالم على حافة السرير مطرقاً، مستعبراً، تنازعه اللوعة وتشتته في وله وحيرة، كيف يحيا دون سهام وهي له الروح الساكنة في جوفه، كانت حينما تلمس الأشياء ينهمر فيها ذلك الدفق المريح، أنفاسها العبقة تشعل المكان ضجيجاً من ذلك النوع المحبب إلى النفس، خلا منها البيت فتحول إلى أنقاض من الحسرة والغربة، والسرير المخضب بالحياة قد أخرسه الغياب، الجدران الصامتة أخالها تبكي حداداً وتدينني بقسوة فأنت جلادها الأوحد.
لا أدري كيف أمارس طقوس حياتي وقد تداعت أركانها بعد إنهيار عمودها، بعدها انفرط عقد الحياة وتبددت مني البهجة.
مالي أرى بيتي وقد تحول إلى سرادق عزاء.
نهض سالم من مكانه ليفتح الدولاب الخشبي العتيق وقدضم حاجاتها، جزئياتها الحيوية واستخرج البوم الصور وراح يقلب أحداث حياته متأملاً صورتها بطرف حزين فاستبد به حنين جارف، عاد إلى ملاحتها الهادئة وشرود عينيها الطيبتين عندما جاءت قبل خمس سنوات موظفة جديدة التحقت في دائرته الخاصة، حينها لم يدرك كم من الوقت يحتاج ليفهم تكوينها الخاص، هو كان عابثاً منعماً بوسامة تجتذب النساء إليه، جاذب ومنجذب كهواية يستلذ بها حتى تأصلت فيه كعادة، لا يتورع عن مغازلة هذه وتلك إن أعجبته بحسنها الأخاذ ودلالها الرائق، كلهن في عينيه محض جسد منسق جميل ووجه ينضح إثارة، يتشامخ بغروره فما استعصت عليه أنثى، يتهافتن عليه كالفراشات حول الضوء، ألحت عليه والدته أن يتزوج فقد قارب على الثلاثين ويفترض أن يختار بمقتضى خبرته الواسعة في النساء، كان أغلى مطمع يحاولن استمالته إلى الزواج بشتى الأساليب، حتى التقى سهام لم تكن جميلة بالمقاييس المألوفة، فقد عرف الفاتنات، المثيرات، الطاغيات الحسن، هي أشبه بقنديل النور المريح وسط لهيب جمال صارخ يفتك حتى التوتر، يقتربن نحوه بحممهن الحارقة ويطوقن مقاومته، الثروة التي ورثها عن والده، بددها على الهدايا والولائم الفخمة، لكنه فور انقضاء متعته يتقلص ببرود فلا يجد له فيهن رغبة، أسرته سهام بسكونها المريح، أناقتها المحتشمة، شعرها الأسود الناعم، ووجها المستدير الصافي الخالي من المساحيق، أطرافها النظيفة الناعمة، عينيها العطوفتين، تكوينها الكامل كان استدراجاً فطرياً لرجولته العابثة التي تورعت عن إقتحام دائرتها المحصنة، كانت عروساً لائقة حتى صوتا المتماوج بنبرة رقيقة تدفع حدته لأن تكسر ي فضاء حنانها.
دخلت حياته ملعونة من نسائه، مبغوضة في حسد قد تحول إلى مؤامرات لدس الفتنة في زواجهما لكنها صمدت وأصمّت أذنيها مقاتلة في سبيل سعادتها.
[FONT='Arial','sans-serif']هذا كان جزءاً من قصة (النساء.. نقطة ضعفي).. [/FONT]