نتابع عند نقطة توقفنا وهي الاجتماع الذي حصل في بيت شيخنا التائب لقد متعه الله بلسان عذب يأسر القلوب فيجعلك في قمة التركيز والمتابعة وفي ختام الجلسه عرض علينا أن يقوم بأصطحابنا في أحد رحلاته لبعض القرى والمدن الصغيرة والتي يعيش فيها أقوام مسلمين الهدف منها توعيتهم بدينهم وحثهم على العبادة وتنويرهم في عقيدتهم فوافق جميع الحضور دون تردد وكنا قوام عشرة شباب أبهرهتهم الفكرة لكشف المجهول والتعرف على الشعوب وخصوصاً المسلمة منها وأتفقنا على موعد السفر وكان بالقطار متوجهين الى مدينه تبعد عن مديتنا أرض الثعابين سفر 6 ساعات وتسمى بوبال وذلك في ربيع عام 1985 للميلادية وتم ما كنا قد أتفقنا عليه وبدات رحلتنا الممتعة بأهازيج الشباب وأناشيدهم الجميلة حتى لفظت الرحلة أنفاسها ووصلنا محطة الركاب الرئيسية في مدينة بوبال فوجدنا شيخ في الستين من عمره من سكان تلك المدينة يستعد لأستقبالنا وكان في قمة السعادة باسماً المحيا على وجهه مسحة أيمان مهللاً ومرحبا فينا وتعرفنا على أسمه وكان الشيخ أسلم يتحرك بحيوية الشباب
وقام بنقلنا بباص يتسع لعشرة ركاب متوجها بنا الى الحي اللذي يقع فيه المسجد الرئيس وكانت أكبر مفاجأة لنا تجمهر أغلب سكان الحي من شيوخ وشباب وأطفال لأستقبالنا وكأننا في مهرجان أو حفل كبير وسلموا علينا بحرارة وبدا الشيخ أسلم الكلام مع جماعته معرفا أياهم بأننا عرب مسلمون وكنت أنا في طليعة الصف وجاء شيخ كبير عرفت فيما بعد أنه المؤذن ليصافحني بحرارة وكانت الصدمة أنه أنحنى ليقبل يدي فسحبتها بسرعة دون أن أمكنه من فعل ذلك ، مندهشا وخجلاً من نفسي كيف يقبل
رجل كبير في السن يدي وأنا شاب صغير لم أتجاوز العشرين من عمري فأقترب مني شيخنا المهتدي وهمس بأذني معللاً سبب ما حصل بأنهم يعتبروننا من نسل صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأننا مكرمون لأن لغتنا الأم هي اللغة العربية وعندها لم أستطع منع دمعه أن تذرف من عيني الخجلة شفقه على حالنا وكيف كان صحابة رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام وكيف نحن الآن ولأن الوقت كان قريب من العصر فوجدناهم قد أعدوا لنا وليمة من الرز البرياني اللذيذ محاطاً بجبال من لحم الضأن المتبل ببهرات الهند المميزة وكان من ضمن المجموعة أخ لنا أسمه فايز من مدينة خليل الرحمن يحب الطعام كثيراً ولم يكن مرتاحاً لأنه يأكل بتحفظ خجلاً من المضيفين وكان يتكلم مع بعضهم باللغة العربية الفصحى لأنهم يعرفونها دراسة وتفقه بالدين مما أثار أعجابنا أكثر بمضيفينا الكرماء وفجأه وجدنا أخانا فايز الخليلي يشمر عن ذراعيه ويمسك بقطعة لحم كبيرة ويقول أتدري يا شيخ أن العرب يحبون الطعام كثيرا وأبتلعها بلمح البصر مما جعل الجميع ينفجر ضاحكاً ..
وبعد أن أنهينا طعامنا وجدنا جيشاً من الشباب يعمل على خدمتنا فمنهم من يحضر الماء ومنهم من يقوم بالتنظيف ومنهم من حمل أمتعتنا الى غرف الضيافة الكثيرة التي يعج بها المكان فأتفقنا أن نصلي العصر ونرتاح قليلاً من عناء السفر على أن نلتقي في صلاة المغرب ونجتمع ثانيه للتخطيط لبرنامج الغد .. وعند سماعنا صوت المؤذن يؤذن لصلاة المغرب توجهنا للمسجد القريب جداً من السكن وبعد الوضئ دخلنا باحة المسجد للصلاة وكم كانت المفاجأه أننا وجدنا المسجد يعج بالمصليين وكأنها صلاة الجمعة وبدأ امامنا الشيخ أسلم يتلوا القرآن وكنا جميعاً العشرة رفقاء في صف واحد لا أدري كيف أصف لكم ما حدث فكل المصلين الهنود كانوا يبكون بغزاره من شدة الخشوع ألا نحن وكم تمنيت في تلك اللحظه أن أختفي من هذا المكان خجلاً من نفسي وكان هذا حال جميع رفقائي ..
وبعد أن سلم الأمام وأنهى الصلاة وجدنا أنفسنا ننظر لبعضنا البعض من هيبة الموقف وشدة الخجل لما نحن فيه ولسان حالنا يقول كيف خشع هؤلاء العجم من كلمات القرآن ونحن أهل لغة القرآن لم نفعل وبينما كان كل من فينا يفكر في أمره جاء رفيقنا الشيخ المهتدي وقال أنه سيكون هناك درس بعد الصلاة من قبل الداعية الشيخ أسلم وأنه سيقوم أحدنا أيضا بالكلام باللغة العربية ويقوم الشيخ أسلم بالترجمة الى اللغة الأردية لسان الهنود المسلمين فجعلنا كلاً ينظر للآخر فبادرت بالكلام وكيف ذلك
يا شيخنا فهل نحن علماء بالدين لنفعل ذلك فقال الشيخ المهتدي لا عليكم أنا سأقوم بذلك وتوجه رفيقنا وجلس بجوار الشيخ أسلم وبدأ الدرس باللغة الأردية والتي كنا نفهمها نوعا ما ومن ثم سكت الشيخ اسلم وبدأ الشيخ المهتدي بالكلام باللغة العربية وفجأه أظلم المكان كله واستولت العتمة على كل المكان فقلت في نفسي يبدوا أن التيار الكهربائي قد أنقطع وما هي لحظات حتى أنار المكان كله ولكن حدث شيء غريب لاحظته بسرعة حين نظرت الى وجه الشيخ أسلم وكان متهللاً فرح يتمتم بحمد الله ونقلت نظري الى وجه شيخنا المهتدي فكان يجفف دمعة سالت على وجنتيه وأزددت حيرة من أمري ما الذي حدث ووجدتني أقف على قدمي وأتوجه الى باب المسجد فماذا رأيت؟ وجدت المكان من حول المسجد يسبح في عتمة شديده وظلام دامس ولا يوجد حتى ضوء شارد هنا أو هناك ... يا للغرابه ما الذي حدث ؟؟
هذا ما سنعرفه لاحقاً