
2015- 3- 3
|
 |
:: المراقب العام :: الساحة العامة
|
|
|
|
الصدفة والعشوائية || إذا عُرِفَ السبب بَطُلَ العجب ||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدأ كلامي عن الصدفة والعشوائية بهذا المثال وأمثلة أخرى لتبسيط الفكرة
عندما أطلب منك أن تعطيني رقما أو لونا أو اسما أو أي شيء عشوائيا ستركز قليلا ثم ستختار من ذاكرتك
حسب مزاجك وإرادتك
هناك بعض البرامج نطلب منها أن تعطينا رقما أو لونا أو شكلا عشوائيا فتعطينا ذلك أيضا
فكيف يحصل ذلك؟!
عندما أطلب من البرنامج أن يعطيني حاصل عملية حسابية فسوف يفعل ذلك لأن المبرمج وضع فيه الخطوات المطلوبة للحصول على الناتج
لكن ماذا سيقول المبرمج للجهاز ليتمكن من إعطاء قيمة عشوائية
هل لدى الجهاز إرادة مستقلة بذاتها ومقدرة على الاختيار ليفكر ويعطيني قيمة عشوائية؟
التفسير هو أن هناك أمر برمجي يستخدم لهذا الغرض اسمه rnd أو random أو randomize حسب لغة البرمجة
فماذا يفعل هذا الأمر؟ وكيف يعطينا رقما عشوائيا وبشكل غير متوقع؟
في الحقيقة أن هذا الأمر البرمجي يُجري عمليات رياضية على الوقت والتاريخ فينتج رقما مختلفا في كل مرة وبشكل يصعب توقعه فيبدو عشوائيا, لكنه محسوب بدقة وليس عشوائيا ولا فوضويا
إذن كل ما في الأمر أننا "نجهل" النتيجة المتوقعة, أو "نجهل" كيف يتم حساب القيمة فيبدو لنا الأمر عشوائيا
فهي جهل من جانبنا وليست عشوائية. إنها عملية حسابية دقيقة!
ولو كنا نفكر بسرعة عالية جدا كالكمبيوتر وعرفنا العملية التي سيجريها لعرفنا النتيجة فور طلبنا للقيمة العشوائية ولما عادت عشوائية
إذن العشوائية والصدفة هي فكرة مرادفة للجهل من جانبنا
,,,,,
عندما نلقي حجر النرد فإننا نتوقع قيمة عشوائية من 1 إلى 6, وأي رقم سيظهر سنعتبره عشوائيا وصدفة
لكن – ولو أن ذلك صعب جدا جدا - لو كان لنا دراية بالزاوية والقوة التي رمي بها النرد وحركة الهواء والزاوية التي سيلامس بها السطح عند سقوطه ومعلومات فيزيائية وكيمائية عن السطح لتمكنا من معرفة النتيجة ولما عادت عشوائية أيضا.
,,,,,
في الماضي كانت الناس تنجب أطفالا أحيانا أصحاء وأحيانا مرضى بأمراض وراثية, وكانوا يعتبرون حصول ذلك صدفة, فصدفة يأتي الطفل صحيحا وصدفة يأتي مصابا بمرض ما.
فأتى العالم "مِنْدِل" ليضع قوانين الوراثة وليبين للناس أن الأمراض الوراثية التي تصيب أبناءهم ليست صدفة بل هي نتيجة طبيعية لتفاعل جيناتهم الوراثية
فتحول الموضوع من صدفة محضة (جهل كامل) إلى صدقة جزئية أو احتمال (جهل جزئي), ولو توصل الإنسان لفك كل رموز الشفرة الوراثية وطريقة تفاعلها أثناء تكون الجنين لاستطاع أن يعرف بالضبط إن كان الجنين سيرث المرض أم لا
فنستنتج أيضا من هذا المثال أن الصدفة والعشوائية هي مرادف للجهل
,,,,,
هناك مصطلح يسمى "أثر الفراشة"
يقصد به أن حركة الفراشة التي لا يكاد يكون لها تأثير قد يكون لها توابع تؤدي بالنتيجة لتغييرات جذرية في الطقس مثل تغيير اتجاه إعصار مثلا, لأن الحسابات الدقيقة تأخذ في الاعتبار أتفه التوافه كحركة الفراشة مثلا.
فالطقس وظروفه ليست أمورا عشوائية بل تتطلب حسابات في منتهى الدقة, لكن لأننا نجهل تلك الحسابات فتظهر لنا حركة الغيوم والأعاصير وأمواج البحر أمورا عشوائية أو شبه عشوائية على حسب مقدار علمنا بها.
,,,,,
عندما ألتقي بأحد أصدقائي في أحد المحال التجارية بدون تخطيط مسبق من كلينا فإننا سنقول أننا التقينا صدفة
نحن نقول ذلك لأننا نجهل الأشياء التي دفعتنا لنلتقي هنا وفي هذا الوقت
أما لو كان هناك شخص ثالث مثلا يعرف أن جدول مشاويري في هذا اليوم سيتضمن تواجدي في هذا المحل في هذا الوقت وأيضا جدول صاحبي بنفس الطريقة لما بدى له الأمر صدفة ولرآه آمرا طبيعيا, لأنه "يعلم" ولا "يجهل"
,,,,,
ومثال آخر شخصي يحصل لي:
عندما أقود سيارتي أحيانا أتوقف للسيارة التي تريد أن تدخل أمامي وأحيانا لا أفعل
لاحظت أنني حينما أسمح للسيارة الأخرى بالمرور لا تكون هناك سيارات خلفي ولو أني واصلت فسيعبر هو دون تفضل مني, وعندما لا أسمح له ألاحظ أن خلفي سيارات كثيرة
كنت أعزو ذلك للصدفة
لكنني استنتجت أن الأمر ليس بصدفة, لأن عقلي الباطن يحرضني على عدم الوقوف خشية من غضب سائقي السيارات خلفي, أما لو كنت لوحدي فإني أتصرف بأريحية أكثر
,,,,,
إذن ما هي الصدفة
وما هو الأمر العشوائي
في الحقيقة ليس هناك وجود للصدفة ولا للعشوائية في هذا الكون برمته
إنها فكرة في أدمغتنا فقط, نعبر فيها عن جهلنا بالشيء وليس عن عدم وجوده
فحيث يوجد العلم فلا وجود للصدفة
وبالمقابل حيث يوجد الجهل فسيظهر كل شيء عشوائيا وصدفة
في أي بحث علمي, في أي مجال, ليس هناك مؤسسة علمية في العالم, لا في الدول المتدينة ولا الدول الوثنية ولا الملحدة, ستقبل بالصدفة كتبرير علمي وخلاصة لأي بحث وستعتبر ذلك جهلا من الباحث
فلو بحث طبيب مثلا عن سبب حدوث مرض ما في المجتمع وقال في خلاصة البحث أن الأمر صدفة فسيُرمى ببحثه في سلة القمامة ولن يتم مساواته باستنتاج "مندل", لأن حقيقة الأمر أن الباحث لم يتوصل إلى نتيجة ولم يقدم شيئا للعلم ولا للبشرية ولا يساوي بحثه قيمة الحبر الذي كتب به.
ولو قبلت البشرية بالصدفة مبررا علميا لما زال الإنسان يعيش الكهوف لأنه قبل بالجهل بدل العلم
تأملات بقلمي
|