المحاضرة الثامنة
الفنون الشعرية الحديثة
( الشعر المسرحي أو التمثيلي- قصيدة النثر)
عناصر المحاضرة:
أولاً- الشعر المسرحي:
- تعريف الشعر المسرحي.
- أعلامه ونشأته.
-المسرح الشعري عند شوقي.
- نموذج تحليلي لأبيات من مسرحية شوقي.
- ثانياً- قصيدة النثر:
تعريفها- نشأتها- أعلامها- إشكالياتها- مميزاتها- خصائصها.
تعريف الشعر المسرحي:
هو الفن الذي يتبنى الشعر سواء كان عمودياً أو غير عمودي، لكتابة الحوار المسرحي ويطلق
عليه أحياناً: المسرح الشعري، الدراما الشعرية، المسرحية الشعرية، الشعر الدرامي ، ودلالة هذه
المصطلحات جميعاً متقاربة وذلك في مقابل توظيف النثر فيما يعرف بالمسرح النثري..
أعلامه:
وقد عرف الأدب العربي هذا اللون في العصر الحديث، ويعد أحمد شوقي رائده، سار على دربه
عزيز أباظة وآخرون،تطور تطوراً آخر على أيدي الجيل التالي،من أمثال :صلاح عبد
الصبور،وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم.
نشأته:
أول من نظم المسرحية الشعرية في العربية هو خليل اليازجي، وسبق لمارون النقاش أن وضع
مسرحيات زاوَج فيها بين الشعر والنثر، ثم ظهرت مسرحيات شعرية عديدة استمدت موضوعها
من التاريخ والأساطير أو من الشؤون العصرية.
جاء شوقي ووضع أول عمل مسرحي في شعره. فقد بدأ يتفاعل في خاطره حتى سنة ١٩٢٧ حين
بويع أميرا للشعراء، فرأى أن تكون الإمارة حافزاً له لإتمام ما بدأ به عمله المسرحي وسرعان ما
أخرج مسرحية مصرع كليوباترا سنة ١٩٢٧ ثم مسرحية مجنون ليلى ١٩٣٢ وكذلك في السنة
نفسها قمبيز وفي سنة ١٩٣٢ أخرج إلى النور مسرحية عنترة ثم عمد إلى إدخال بعض التعديلات
على مسرحية علي بك الكبير وأخرجها في السنة ذاتها، مع مسرحية أميرة الأندلس وهي
مسرحية نثرية.
المسرح الشعري عند شوقي (مسرحياته)
يبدو أن المدارس الشعرية الحديثة وتقلبات العصر و ظروفه ،و محاولة البحث عن شيء جديد
جعلت شوقي يتجه لتكملة مشروعه القديم " المسرح الشعري " ، فقام خلال فترة مرضه (
١٩٣٠ م ) بتأليف عدد من المسرحيات : " مجنون ليلى "و" قمبيز "و " الست هدى "و "
البخيلة " ، كما أتم مسرحيته " علي بك الكبير " التي بدأها قبل ذلك بسنوات.
و بالإضافة لهذه المسرحيات الشعرية ، كتب " مصرع كليوباترا "و " عنترة " ،و أيضا " أميرة
الأندلس "و هي المسرحية النثرية الوحيدة التي كتبها شوقي، وعلى ما يبدو أنه بدأها منذ مرحلة
سابقة عندما كان منفياً إلى الأندلس.
(تأثره بالمسرح الفرنسي):
في كل هذه النصوص المسرحية التي ألفها شوقي ، يتضح تأثره كما أسلفنا بالمسرح الفرنسي
الكلاسيكي ، و ذلك باستثناء نصي " الست هدى " و " البخيلة " ، حيث استمد أحداث مسرحياته
من وقائع تاريخية و تراثية.
(ما يميز مسرحياته):
و لعل أهم ما يميز مسرحيات شوقي ، أنها لم تأت لتروي أحداثاً تاريخية صرفة ، فقد توخي
شوقي في مسرحياته البنية الدرامية من ترتيب منطقي للأحداث وقواعد درامية كالتشويق و
العقدة و الحل مما جعله يبتعد عن الحقيقة التاريخية المؤكدة لتلك الشخوص ، كما فعل في
مسرحيته " مصرع كليوباترا " ، و من المميزات الأخرى التي تميز مسرحيات شوقي ، تلك
العاطفة " الحب " الكبيرة التي شحن بها قلوب أبطاله ، مما جعل من مسرحه يقترب من المدرسة
الرومانسية كثيراً.
مآخذ على المسرح الشعري عند شوقي:
١- فشل شوقي بعدم إجادته رسم الشخصيات الدرامية وتصوير ملامحها ، كما هو الحال مع
الرومانسيين.وهذا مأخذ يتخذه النقاد المسرحيون على شوقي .
٢- كما أن هناك مآخذ أخرى اتخذت عليه ، كتغييره الأحداث التاريخية و اتخاذه الفترات الضعيفة
من تاريخ الأمم.
٣- معاكسته للعادات العربية التي كانت موجودة، عندما جعل ليلى ، في مجنون ليلى، تقدم قيس
لإحدى زميلاتها.
خصائص مسرحيات شوقي الشعرية:
١- أصبحت الغنائية محور ارتكاز لفنه المسرحي .
٢- ألتزم شوقي في شعره المسرحي بوحدة البيت فكان الحوار يبتا أو أكثر ينطق به المتحاورون.
وأحيانا تقاسم البيت ذا الروي المحدد متحاوران أو ثلاثة .
٣- استلهم شوقي التاريخ في ست مسرحيات من مسرحياته.
وقد علل بعض الباحثين رجوع شوقي إلى التاريخ بانعدام التراث المسرحي في الأدب العربي.
دراسة تحليلية لبعض نصوصه المسرحية:
الأبيات :
" حوار بين الملكة ووصيفتها "
شرميون (وصيفة الملكة):
الجماهيرُ يا مليكَةُ بالشطِّ *** يموجونَ في حبورٍ و بِشْرٍ
سَرَّهُمْ ما لَقِيتِ في أكْتيُومَا *** من ظهورٍ على العدوِّ ونَصْرٍ
لا يقولونَ أو يعيدونَ إلا *** نبأً باتَ في المدينةِ يسري
اللغويات :
- الشط : الشاطئ
- يموجون : يتدافعون كالموج
- حبور : سرور
- البشر : البشاشة وطلاقة الوجه
- سرهم : أسعدهم
- ظهور : تغلب على العدو ، نصر
- نبأ : خبرًا
- بات : ظل - يسري : ينتشر
الشرح :
ترد شرميون على تساؤل الملكة فتقول: أن الجماهير قد احتشدوا وتجمعوا لإعلان فرحتهم
بالنصر ، فقد أسعدهم ما حققت من انتصار على العدو في معركة أكتيوم ، وليس على ألسنتهم إلا
نبأ النصر الذي انتشر في المدينة بسرعة .
التذوق:
[الجماهير بالشط يموجون ] : استعارة مكنية ، تصور الجماهير المتدفقة بحراً هائجاً يموج وسر
جمالها توضيح الفكرة برسم صورة لها ، وتوحي بالحماسة وقوة العواطف [الجماهير يموجون ]
: كناية عن كثرة الجماهير الفرحة بالانتصار المزعوم
[بالشط] : مجاز مرسل عن المدينة ، علاقته : الجزئية .
[يامليكة] : أسلوب إنشائي / نداء ، غرضه : التعظيم ويؤخذ على الشاعر أنه جعل الخادمة
تخاطب الملكة خطاب الند للند ، وكان المفروض أن تقول: " يا مليكتي " ، كما يؤخذ عليه أن
بلاغة الأسلوب في " يموجون في حبور وبشر" أرفع من مستوى أساليب الخدم.
[سرهم ما لقيت من ظهور ونصر ] : استعارة مكنية ، تصور الظهور والنصر شيئاً ماديا تلقاه
الملكة .
[ظهور ونصر] : عطف " نصر" على " ظهور" أضاف جديداً للمعنى؛ لأن النصر نتيجة للظهور
والغلبة.
[نبأ يسرى ] : استعارة مكنية ، تصور النبأ إنساناً يسير في المدينة ليلاً.
[لا يقولون أو يعيدون إلا نبأ] : أسلوب قصر بالنفي والاستثناء للتوكيد.
قصيدة النثر:
تعريفها:
قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة. ولقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها
الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة.
وقيل هي جنس فني يستكشف ما في لغة النثر من قيم شعرية، ويستغلها لخلق مناخ يعبر عن
تجربة ومعاناة، من خلال صور شعرية عريضة تتوافر فيها الشفافية والكثافة في آن واحد،
وتعوض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثل والتناظر معتمدة على
الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تحسُّ ولا تُقاس.
نشأتها:
ترى الأديبة نازك الملائكة أن ظهور هذا النمط الذي يُسمّي قصيدة النثر كان على أيدي طائفةٍ من
أدباء لبنان الذين تبنتهم مجلة( شعر).
غير أنّ الأستاذ أنيس المقدسي يرى أنّ ظهور هذا النوع ( قصيدة النثر ) كان في الربع الثاني من
القرن العشرين ، كما في مجموعة " عرش الحب والجمال " لمنير الحسامي.
ويُعدّ " أدونيس " و " أنسي الحاج " أبرز منظري قصيدة النثر.
:(١٩٨٤- أعلام قصيدة النثر:( ١٩٥٤
جبرا إبراهيم جبرا،توفيق صايغ ،أدونيس ،محمد الماغوط،أنسي الحاج ، شوقي أبي شقرا،
سرجون بولص، عزالدين المناصرة ،عبد القادر الجنابي ، بول شاؤول ، سليم بركات. بسام حجار
،عباس بيضون ... هؤلاء هم رواد قصيدة النثر حتى مطلع الثمانينات.
إشكاليات قصيدة النثر:
١- إنَّ إشكاليات قصيدة النثر العربية تبدأ من المصطلح، إذ أنَّ كثيراً من النقاد والباحثين لا
يميزون بينها وبين (الشعر الحر)، حتى إنَّ بعضهم أخذ يتحدث عن ريادة نازك الملائكة لها في
حين أنَّ الشاعرة والناقدة المذكورة كانت من أشد خصوم هذه القصيدة.
٢- أما علاقة قصيدة النثر بأنموذج الشعر المنثور الذي ظهر في الربع الأول من القرن العشرين،
فهو محل إشكالية أخرى. إذ يذهب قسم من النقاد إلى أنَّ الاثنين لا يعدوان أن يكونا تسميتين لنمط
كتابي واحد، في حين يرى آخرون أنهما جنسان مختلفان كل الاختلاف، لأنَّ لكل منهما خصائصه.
ويجدر بالذكر أن الشعر المنثور ، يخالف بكل شكل من الأشكال ما يدونه البعض من الخواطر
المكتوبة ، فالشعر المنثور نص عالي الشاعرية ، يدور حول رؤية جديدة أساسها الوجدان المتقد
والجمال النصي ، أما الخاطرة فهي نثرية الطابع ، تعتمد على وصف لحظة نفسية ما ، عبر جمل
وتراكيب تمتاز بالإسهاب وتخلو من الشعرية في اللفظ ، وقد تغرق في الوصف البصري لما هو
مادي.
٣- ويعد الإيقاع إشكالية أخرى من إشكاليات هذه القصيدة، إذ يزعم دعاتها أنَّ لها إيقاعا خاصا
يفوق إيقاع القصيدة التقليدية القائم على الوزن، بينما ينكر الخصوم هذا الإيقاع جملة وتفصيلاً.
مميزات قصيدة النثر:
هذا الشكل الأدبي يجمع جماليات شكل القصيدة الممثلة في: الصورة والتخييل والرمز والرؤية
المكثفة وتوهج اللفظة وعمق الرؤيا وشفافيتها. وجماليات النثر الممثلة في : التحرر من أسر
الوزن الشعري ، والانطلاق في آفاق التحرر اللفظي والتركيبي ؛ فالنثر فيه الكثير من الحرية
الرؤيوية واللفظية.
خصائص قصيدة النثر:
١-لا وزن فيها ولا قافية.
٢ لا ديكورات فيها ولا توظف أياً من المحسنات البديعية.
٣ أواخر الجمل والسطور والمقاطع جميعاً ساكنة من غير استثناء.
٤ الكثير من مفردات القصيدة الداخلية قابلة للقراءة من غير حركات.
٥ القصيدة غامضة المرامي ومعتمة بشكل مطلق، لذا فإنها عصية علي الفهم والتفسير، حتى
على شاعرها نفسه.
٦- الاعتماد على اللغة المجازية والتخييل ، والتحشيد العاطفي.