2015- 12- 11
|
#9
|
Banned
|
رد: حلقة تعاونية لمادة الشعر العباسي
المحاضرة الثامنة
من أعلام الشعر العباسي بشار بن برد
بشار بن برد“.
• بشار بن برد( مولده ونشأته):
بشار بن برد: ولد بشار بن برد بن يرجوخ في البصرة سنة95هـ وقيل سنة96هـ ، وفيها نشأ.
فارسي الأب ، رومي الأم ، أخذ يتلون في انتسابه ، مرة ينتسب إلى قيس غيلان ، ومرة ينتسب إلى بني عامر.
كان أبوه طياناً يعيش من ضرب اللبن ، وله أخوان: بشر وبشير كانا قصابين، وكان أحدهما أعرج والآخر أبتر.
ولد بشار أعمى، فلم ينظر إلى الدنيا قط، وعبَّر عن عماه مبكراً قائلاً:
عمِيتُ جَنِينا والذكاءُ من العَمَى فجئتُ عجيبَ الظن للعِلم مَعْقِلا 
يعد بشار أشهر الشعراء المخضرمين للدولتين الأموية والعباسية ، ورأس الشعراء المحدثين وأحد البلغاء المكفوفين وإمام الشعراء المولدين.
لقد حددت آفة بشار حياته منذ نعومة أظفاره ، فاتجه إلى المساجد وإلى مربد البصرة ينهل من حلقات العلم والشعر ، وأعانته نشأته في بني عُقيل على أن يتمثل السليقة العربية .
ولم يكد يبلغ العاشرة حتى أخذ ينبوع الشعر يسيل على لسانه.
وكان الهجاء حينئذ يضطرم في موطنه اضطراماً لا بين جرير والفرزدق فقط ، بل بين جميع الشعراء ، فكان من الطبيعي أن الهجاء أول الموضوعات التي نظم فيها بشار شعره.
كما اشتد بـ ”بشار“ طموحه إلى إتقان اللغة العربية ، فاتجه نحو البادية ، فقام فيها فترة مكنت له من عربية لسانه وفقهه الدقيق في اللغة وشؤون البادية ، وعاد إلى البصرة يُكثر من الاختلاف إلى حلقات المتكلمين ومجالسهم .
وجعل بشار يتابع بنهم كتب الأدب القديمة ، حتى اشتهر بشعره ، وعد من مشاهير شعراء عصره ، وكان في مقدمة الذين نبغوا في أوائل العصر العباسي الأول ، وهو مقدم عليهم بإجماع الرواة ورئيسهم بلا خلاف .
ذكر“ الجاحظ ”: ” المطبعون من الشعراء : بشار،والسيد الحميري ، وأبو العتاهية، وابن عيينة، ولكن بشار أطبعهم“.
ويقال أيضاً: ”إن أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشار وأبو العتاهية والسيد الحميري“.
العوامل المؤثرة في حياته وشاعريته:
1- أصله الفارسي:
فقد كان فارسي الأصل ، فورث عن الفرس حدة المزاج ، والتعصب لأصله.
2- عماه:
فكان يحس بالمرارة من عماه والحقد على المبصرين.
3- فقره وأسرته:
لقد ضاعف في نفسه وزاد من حقده فقر أسرته وتخلفها في المجتمع.
4- تربيته في بني عقيل وذهابه إلى البادية ؛ مما جعله يتقن العربية ويتمثل سليقتها بكل مقوماتها.
5- تردده على حلقات المتكلمين بالمساجد يستمع إلى محاورات لأصحاب الملل والنحل والأهواء المختلفة.
6- اطلاعه على ما نقله ابن المقفع إلى العربية من الآداب الفارسية وغير الفارسية ، ومن الآراء المختلفة ، وكان ذلك كله سبباً في أن يحدث تشويشاً في فكره وأن تمتلئ نفسه بالشك والحيرة ، فتحول شعوبياً يبغض العرب والعروبة.
7- بيئته:
كانت بيئة بشار تكتظ بالجواري والقيان ، فاختلط بهن وتغزل فيهن، وساعده على ذلك فقد بصره ؛ حيث مال إلى التجسيد والتشخيص.
هذه العوامل وغيرها أثرت في طبيعة بشار وفي شعره؛ فجاءت طبيعته شديدة التعقيد ، وجاء شعره لاذع الهجاء، حسي الغزل.
شاعريته :
لـ ”بشار“ شاعرية خصبة أصيلة أتيح لها أن تتجاوب مع روح العصر وتعبر عن خوالج النفس ، فالغزل والهجاء والمدح والوصف والرثاء والحكمة كلها فنون كان فيها بشار قوي الحس ، مرهف الشعور ، سريع الانفعال.
ولـ“ بشار“ قدرة فائقة على التوفيق بين اللفظ والمعنى وبين الصورة والموضوع ، فهو شاعر مطبوع ولم يكن متكلفاً .
وهذا الشاعر الأعمى وهبه الله طبعاً قاسياً وذكاءً حاداً، فقد قال في شعره : ” لي اثنا عشر ألف بيت عين ” .
أغراضه الشعرية
( الغزل والنسيب).
باب الغزل عند بشار من الأبواب الشعرية التي احتلت جانباً مهماً في ديوانه ؛ فهو يصف مجالس حبه ، ويتحدث عن حبيباته إلى غير ذلك.
يقول عنه الجاحظ:“ إنه هو والأعشى وهما أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الأمر ما لا يبلغه البصير ولـ ”بشار“ خاصة في هذا الباب ما ليس لأحد“.
وقال الأصفهاني: ” عهدي بالبصرة وليس فيها غزل ولا غزلة إلا ويروى من شعر بشار ”.
ويتضح في غزل بشار أنه يتمثل لكل ما نظم في هذا الفن قديماً من التشبيب والنسيب وبكاء الديار ، ومن الغزل المادي عند عمر بن أبي ربيعة وأقرانه ، ومن الغزل العذري عند جميل وأمثاله . وقد مضى في كل ذلك يستلهم الرقي العقلي الحديث والحضارة العباسية.
ومن شعره في محبوبته ” عبده ”:
أَبِيتُ أَرمَدَ مَا لمْ أَكْتحِلْ بِكُمُ وَفِي اكْتِحالٍ بِكُمْ شافٍ مْن الرَّمَدِ
وَكُلُّ حِبٍّ سَيَسْتشْفِي بِحِبَّتِهِ سَاقتْ إلى الغيِّ أَوْ سَاقتْ إِلى الرَّشدِ
وكثيراً ما كان يردد في أشعاره أن السمع يحل محل العين في تقدير الجمال، قائلاً:
يا قوْمِ أذْنِي لِبعْضِ الحيِّ عاشِقةٌ
والأُذن تَعْشَقُ قبْل العَيْن أحْيانَا
قالوا بِمَن لا تَرى تَهْذِي فقُلْتُ لَهُمْ
الأُذنُ كالعَيْن تُؤْتِي القَلْبَ ما كَانَا يالجمالها
فقد أثبت بشار براعته في صياغة الشعر الغزلي الرفيع وأجاد فيه.
المديح:
يعد المديح أهم غرض وصلَّ بشاراً بالتراث، فقد حافظ فيه على نهج القدماء ، سواء من حيث جزالة الألفاظ ورصانتها ومتانتها، أو من حيث المنهج الذي سار عليه القدماء حيث كانوا يبداؤن قصائد المديح بالغزل والنسيب ثم الوصف ثم المدح ثم الحكمة، وكل ذلك احتذاه بشار في كثير من مدائحه ، بل احتذى نفس المعاني والأخيلة.
وأخذ يخلع على ممدوحيه من الخلفاء والولاة نفس الشيم الرفيعة التي طالما خلعها الجاهليون والإسلاميون من الكرم والمروءة والشجاعة ، ... والصفات الدينية التي خلعها الإسلاميون
على ممدوحيهم من الخلفاء والوزراء. يمدح أحد الوزراء، قائلاً:
إِذَا جِئتَهُ للْحَمْدِ أشْرَقَ وَجْهُهُ إِلَيْكَ وأعْطَاكَ الكرَامةَ بالحَمد
ويلاحظ أنه يُدخل في خيوط قصيدته خيوطاً جديدة ويمكن تبين ذلك في استلهامه كلام ابن المقفع في الأدب الكبير،من ذلك قوله:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
الرثاء:
عرفنا أن بشاراً كان منغمساً في اللهو ، ولم تكن نفسه مفطورة على الأسى والحزن ، لذا لم نجد له مراثي كثيرة ، ومع ذلك رثي ابنه محمداً في قصيدة تصور لنا عاطفة الأب المفجوع، قائلاً:
أُصيبَ بُنَيَّ حينَ أورقَ غصنُهُ وألقى عليَّ الـهمَّ كلُّ قريبِ
الهجاء والفخر:
توجد عدة عوامل جعلت بشاراً يسرف في الهجاء والفخر، منها:
1- كان يريد أن يشتهر كما اشتهر جرير والفرزدق في هذين الفنين.
2- فقد بصره ولَّد عنده مرارة وحقداً
3- كان مولى والموالي كان يُنظر إليهم نظرة احتقار، فولَّد ذلك عنده كره للمجتمع.
4- فقره وبؤسه وبؤس عائلته، جعله ناقماً على من حوله.
أما فخره فكان يفتخر بأنه قيسي حيث كان والي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة كان يتعصب لأصوله من قيس ، وكان بشار يعيش في كنفه ، هذا في العصر الأموي.
أما في العصر العباسي لما كثر العنصر الفارسي وحقق انتصارات عديدة تحول بشار شعوبياً متعصباً لأصله الفارسي، يقول:
إِذَا ما غَضِبْنَا غَضْبَةً مُضَرِيّةً هَتَكْنَا حِجَابَ الشَّمْسِ أوْ تُمطِر الدِّمَا
إِذَا ما أَعَرْنا سَيِّداً من قَبِيلَةٍ ذُرَى مِنْبَرٍ صَلَّى علَينا وسَلَّما
مما سبق يتبين أن بشاراً تمسك بالتراث وواءم بينه وبين عصر
المحاضرة التاسعة
من أعلام الشعر العباسي أبو نواس
• :مولده ونشأته ووفاته وأصله
أبو نواس:هو الحسن بن هانئ، ويعد أهم شاعر يصور الفساد الخلقي من جميع نواحيه.
ولد في الأهواز - من بلاد خوزستان – سنة145هـ على التقريب.
نشأ بالبصرة، ورحل إلى بغداد واتصل فيها بخلفاء بني العباس، وخرج إلى دمشق، ومنها إلى مصر، وعاد إلى بغداد فأقام بها إلى أن توفي سنة198ه.
أصله: فارسي الأم والأب ، وكني بكنية يمنية هي: أبو نواس، وكان يسعى إلى إلحاق نسبه بالعرب.
حياته:
نشأ أبو نواس يتيماً، حيث قدمت به أمه إلى البصرة بعد سنتين من مولده، وترعرع في بيئة سادها التهافت على اللهو، فلم تعبأ أمه بحاله، فأسلمته إلى عطار بالبصرة ، فمكث عنده ؛ ليتعلم العربية والشعر، إلى أن صادفه عند العطار ”والبة بن الحباب“ الشاعر الماجن ، وأعجب كل منهما بالآخر ، وأخرجه والبة معه إلى الكوفة- وربما كان من دوافع خروجه إلى الكوفة مع والبة بن الحباب ، سيرة أمه في البصرة التي كانت تلاحقه وتؤذيه- وبقي معه ومع ندمائه ، وخرج عليهم بالشعر ، وفاقهم جميعاً.
وقدم بغداد فبلغ خبره الرشيد فأذن له بمدحه فمدحه بقصائد طنانة، ثم انقطع على مدح محمد الأمين الخليفة العباسي، وثبت عنده بعض ما يوجب تعزيزه فسجنه، ولم يلبث بعد خروجه من السجن أن توفي عام198ه، ودفن بمقبرة الصالحين بالجانب الغربي من بغداد.
ثقافته:
يقول الدكتور/أحمد زكي عنه:“ أبو نواس شاعر ، ولكنه لم يعدم الاتصال بأصحاب الحديث وعلماء الأخبار واللغة، واتصل بالأعراب ورحل إلى البادية ، وقرأ ما خلفه الفرس، وأحاط بما شاع من آثار اليونان، فكان نمطاً بصرياً ، يجمع بين رقة الفنان ودقة العالم“.
أخذ يفد إلى المربد، كما أخذ ينهل من دروس اللغويين ومحاضراتهم ، خاصة خلف الحمر.
وقرأ كتب الحديث على بضعة من أئمة البصرة . وقرأ شعر ذي الرُّمة على الراوية محمد بن حبيب الناشئ، وتخرج في الشعر ومعانيه على يد خلف الأحمر.
وتفرغ أبو نواس للنوادر والمُلح والميل إلى الهزل والعبث.
ولما تقدمت به السن وعلته الشيخوخة ، أخذ ينيب إلى ربه، وينظم أبياتاً مختلفة في الزهد والتنسك.
العوامل المؤثرة في طبعه وشاعريته:
1- أصله الفارسي، الذي ورَّث فيه حدة المزاج العصبي.
2- ثقافته وثقافة عصره: تثقف أبو نواس بكل الثقافات التي عاصرها من عربية وإسلامية ، ومن هندية وفارسية ويونانية ، ومن مجوسية ويهودية ونصرانية، كما غرف من حضارة عصره المادية في آثامها وخطاياها.
3- سيرة أمه المنحرفة: حيث جعلته يتخذ من المجون والفسق أداة،بل ملجأ للهروب من أزمته ومن هموم الحياة وأحزانها، وأحياناً يعلن تمرداً وإلحاداً في الدين، ولكنه إلحاد عابر،لا إلحاد عقيدة .
4- ميله إلى الهزل والعبث، ولعل ذلك هو الذي جرَّه إلى صياح كثير في وجه الدين الحنيف، وكان إذا تلوَّمه بعض معاصريه قال:“ والله ما أدين غير الإسلام ولكن ربما نزا بي المجون حتى أتناول العظائم“.
5- كان يحظى بملكات شعرية بديعة، وهي ملكات صقلها بالدرس الطويل للشعر القديم واللغة العربية الأصيلة، حتى قال الجاحظـ :“ ما رأيت أحداً أعلم باللغة من أبي نواس، وأضاف إلى هذا العلم علماً جديداً بقوالب الشعر الجاهلي والإسلامي وما صارت إليه عند بشار وأقرانه من أوائل العباسيين ”.
ومن خلال هذه القوالب جميعها أخذت شخصيته تنمو في اتجاهين:
أ- اتجاه يحافظ فيه على التقاليد الموضوعة دون أن يشتط في التجديد.
ب- اتجاه يجدد فيه تجديداً واسعاً ، يجدد في معانيه وألفاظه .
ويمكن أن نسلك في الاتجاه الأول مدائحه وأراجيزه ومراثيه، وبينما نسلك في الاتجاه الثاني أهاجيه وغزلياته وخمرياته وكل ما يتصل بعبثه ولهوه.
شاعريته:
يمثل أبو نواس عصره المضطرب أصدق تمثيل ، كما اشتهر بتنقيح الشعر، وهو من الشعراء المطبوعين ، استطاع أن يفرض شخصيته على شعره وأوجد فنوناً جديدة كالغزل المذكر ، وأوسع بعض الأغراض القديمة فجعل منها فنوناً مستقلة كالخمريات.
ويشهد المؤرخون أن شعره عذب يسير على الألسن ويعلق بالذاكرة ؛فيقول الدكتور /زكي المحاسني:“ لقد جدد أبو نواس في الشعر العربي فجاد بفنون ما عرفها العرب في شعرهم من قبل ، فإذا ذكر المجون في شعر العرب عُد أباه وأمه ولا تثريب على أبي نواس أن تكون لغته في المجون والخمر رهوة خالية من الغريب نقية صافية .
أغراضه الشعرية:
نظم أبو نواس شعره في جميع الأغراض الشعرية ، ونقف عند جانب من هذه الأغراض:
المدح:
كان كثيراً في مدائحه ما يحتفظ بالمقدمات القديمة، وله في ذلك:
يا دارُ! ما فعَلَتْ بكِ الأيّامُ، ضامتكِ، والأيّامُ ليسَ تُضامُ
ويلاحظ أنه لم يكن يطيل في وصف رحلته بالصحراء ، وإن كان يطيل التعمق أكثر في المبالغة حين يمدح الخلفاء، كقوله في الرشيد:
وَأخَفْتَ أهْلَ الشّرْكِ، حتى إنّهُ لَتخافُكَ النُّطَفُ التي لم تُخلَقِ
وجانب آخر في بعض مدائحه يمتاز به عن بشار ،حيث كان يعمد كثيراً إلى الألفاظ العذبة الرشيقة التي تموج بالنعومة والخفة فيؤلف منه مدائحه ، كقوله في الأمين:
مَلِكٌ ، إذا عَلِقَتْ يداكَ بحَبْلِهِ لا يَعترِيكَ البُؤسُ والإعْدامُ
أراجيزه:
وأبو نواس في أراجيزه ووصفه للصيد وأدواته وجوارحه أكثر تمسكاً بالقوالب القديمة، يقول:
كأنّ نسراً ما توكّلْنا بهِ يعفو على ما جَرَّ من ثِيابهِ
توكلنا به:اعتمدنا عليه.
يعفو:يمحو.
الرثاء:
كان أبو نواس يتخير لمراثيه أسلوباً جزلاً مصقولاً، وقد يكثر فيه من الغريب، خاصة إذا كان من يبكيه من اللغويين مثل خلف الأحمر، وفي مراثيه يمتاز بحرارة اللهجة وصدق العاطفة ، ومن مراثيه في الأمين، قوله:
طوَى الموتُ ما بيْني وبينَ محمّدٍ، وليسَ لَما تطْوي المنيّةُ ناشِرُ
لئن عمَرَتْ دُورٌ بمنْ لا أودّهُ، فقد عَمَرَتْ ممّنْ أُحِبُّ المقابرُ
الغزل:
لأبي نواس أشعار غزلية رقيقة في الغزل، فهام بـ“جنان“ وبغيرها من النساء، وتغزل فيهن، وجاء شعره في الغزل سهل الأسلوب، صريح العبارة ، متأثراً بعمر بن أبي ربيعة في غزلياته:
يقول في جنان محبوبته:
وقائلةٍ لي: كيْفَ كنتَ تُريدُ؟ فقلتُ لـها: أن لا يكونَ حسودُ
لقد عاجلتْ قلبي جِنانُ بهجرِها، وقد كان يكفيني بذاكَ وَعِيدُ
رَأيتُ دنوّ الدّارِ ليسَ بنافعٍ، إذا كانَ ما بينَ القلوبِ بعيدُ
خمريات أبي نواس:
إن أبا نواس مصور ماهر، يصف ما تراه العين بألفاظ يغمرها البيان ،ومعان تبلغ السمو والروعة، راحت تشغله أقداح الراح ومجاهرته بالدعوة إلى الخمر والثورة على الأخلاق والتقاليد، وكم يعجبك صدق صورته وصدق تشبيهه فهو يشبه لطف الخمر في كأسها، فيقول:
كأنّ يدَ النديمِ تديرُ منها شعاعاً لا تحيطُ عليه كاسُ
ويدعو إلى وصف الخمر وما يتعلق بها بدلاً من وصف الأطلال، قائلاً:
لا تَبْكِ ليلى، ولا تطْرَبْ إلى هندِ، واشْرَبْ على الوَرْدِ مِنْ حَمْراءَ كالوَرْدِ
كأساً إذا انْحَدَرَتْ في حلْقِ شاربها، أجْدَتْهُ حُمْرَتَها في العينِ والخدّ
واسمعه كيف يبدع في وصف الخمرة وصفائها، قائلاً:
معتَقةٌ ، حمراءُ، وَقْدَتُها جَمرُ، ونَكْهتُها مسْكٌ، وطَلْعتُها تِبرُ
ويقول:
ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
وهكذا يمضي الشاعر في خمرياته بصور فنية رائعة تحفل بالمادة القديمة والحديثة.
الزهد:
تشير دلائل كثيرة إلى أن أبا نواس لم يكن زنديقاً ولا كافراً ،بل كان ماجناً عامر القلب بالإيمان؛فحين بلغ السن بأبي نواس مبلغه وخطه الشيب أخذ يفيق أحياناً من سكر،مفكراً في الحياة وعواقبها وفي البعث والنشور والموت والفناء، وكان من حين لآخر ينيب إلى ربه، مما جعله يردد أنغاماً مختلفة في الزهد والدعوة إلى الانصراف عن الشهوات والاستعداد للآخرة،بالتقى والعمل الصالح، كقوله:
يا طالب الدنيا ليجمعها جمعت بك الآمال فاقتصد
واعمل لدار أنت جاعلها دار المقامة آخر الأبد
|
التعديل الأخير تم بواسطة UMJOOD_2 ; 2015- 12- 11 الساعة 06:10 AM
|
|
|