رد: حلقة تعاونية لمادة الشعر العباسي
المحاضرة الحادية عشرة(المتنبي)
مولده:
ولد الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي في محلة كندة بالكوفة. وقد أجمع الرواة أن تاريخ مولده هو سنة303هـ.
أصله نشأته:
عربي الأصل، نشأ في أسرة فقيرة، ويعرف أبوه بعبدان السقا، كان عمله سقاية الماء في محلة كندة.
وفاته: قتل المتنبي هو وابنه وغلامه في رمضان سنة354ه.
حياته:
تردد في أقطار الشام يمدح أمراءها وأشرافها حتى اتصل بالأمير سيف الدولة الحمداني ، فحسن موقعه عنده وأحبه وقربه وأجازه الجوائز ، وكان يجري عليه كل سنة ثلاثة آلاف دينار خلا الإقطاعات والهدايا المتفرقة .
ثم وقعت وحشة بينه وبين سيف الدولة ففارقه وقدم مصر ومدح كافوراً الإخشيدي فأجزل صلته وخلع عليه ووعده أن يبلغه كل ما في نفسه .
وكان أبو الطيب قد سمت نفسه إلى تولي عمل من أعمال مصر فلما لم يرضه هجاه وفارقه وسار إلى بغداد. وتنقل بين البلدان يمدح الأمراء والوزراء، فمدح ابن العميد ، ومدح عضد الدولة.
وفي بغداد سنة أربع وخمسين وثلاث مئة تعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه ، فقتل المتنبي ومن معه.
العوامل المؤثرة في ثقافته وفي شعره:
1- مدارس العلويين:
أرسله والده إلى مدارس العلويين في الكوفة ليتعلم فيها القراءة والكتابة مع فريق من أشراف العلويين.
2- دكاكين الوراقة ومقابلته للعلماء والباحثين:
أخذ يختلف على دكاكين الوراقين لمطالعة بعض الكتب والكراريس.
وكانت هذه الحوانيت منتدى للأدب، يقصدها العلماء والأدباء والباحثون ، فلابد أنه كان يلقى كثيراً منهم ويتصل بهم. وطبيعي أن تلك الحوانيت هي التي مهدت للمتنبي ثقافته الأولى.
3- ذكاؤه الحاد.
ساعده ذكاؤه الحاد أن ينهل من كل تلك العلوم والمعارف ، فيروى أنه كان قوي الذاكرة ، سريع الحفظ.
4- ذهابه إلى البادية لتيقن اللغة العربية.
ذهب للبادية وأقام فيها سنتين لتقويم لسانه وتعلم اللغة.
5- تأثره بفلسفة أبي الفضل.
رحل إلى الكوفة وفيها تأثر بأبي الفضل الذي تفقه في الفلسفة اليونانية.
ادعاء المتنبي للنبوة:
ذهبت بعض الروايات إلى ادعاء المتنبي للنبوة، والذي يمكن ملاحظته على تلك الروايات أن الذين يرونها أشخاص مجهولون، وأن رواياتهم قد تناقلتها الأفواه، فزادت فيها ونقصت، ولكننا نجد أن الرواة المعلومين ممن اتصلوا بالمتنبي وشرحوا شعره، أو ممن جاءوا بعده، وعنوا عناية كبيرة بشعره، لا يذكرون لنا شيئاً عن هذه النبوة كابن جني وأبي العلاء المعري.
كما أن المتنبي قد أنكر بطرق عدة ادعاءه النبوة، وأن ابن جني صديق المتنبي يذكر أنه إنِّما لُقِّب بالمتنبي لقوله:
أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّـ ـهُ غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ
مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّ كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ
شاعريته:
لعب المتنبي دوراً كبيراً في الشعر العربي، فقد طرق أبواب الفنون الشعرية المعروفة، ولم يكن في وقته من يساويه في فنونه التي جمع فيها من الأدب فنوناً، وذلك أنه ضرب في كل شيء منه بسهم وافر. وكان يتخذ شعره صناعة، فلا يقوله ارتجالاً، ولا يندفع مع سجيته، وقد أجاد وأبدع في شعره سواء من ناحية الخيال والأسلوب.
ويظهر أن ذكاءه الحاد ونفسيته العالية ساعداه كثيراً على التحليق في شعره بين كثير من الشعراء الذين عاصروه.
والمتصفح لديوانه يجد أن شعره يتصف برقة وصدق لهجة وبراعة تركيب وروعة معان.
فهو شاعر متقد العاطفة، مرهف الحس، تطالعنا في شعره صور مغرية جذابة تأخذ بمعاقل القلب.
وكان المتنبي من أبعد الشعراء صيتاً في هذه الحقبة الزمنية.
فنونه الشعرية:
تفوق المتنبي في أغراض معينة منها: المدح والفخر، والهجاء والحكمة والرثاء والوصف .
وكان أبو الطيب كثير المبالغة في شعره. وكان فخوراً بشعره، لا يرى في الشعراء من يوازيه، وقد ساءه من سيف الدولة أن يساويه بغيره وهو الشاعر الكبير الذي يحب سيف الدولة حباً صادقاً، فعاتبه على ذلك، ودعاه إلى التمييز بين الشحم والورم، والنور
والظلمة، وأن يقدر مكانه الرفيع بين الأدب والشعر، قائلاً:
وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي
إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا
وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني
أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
وربما كان المتنبي وحده الشاعر الذي حضر الحروب في هذه الحقبة، وحارب في جيش سيف الدولة، وذاق لذة النصر ومرارة الهزيمة، وقال أحسن الشعر العربي الذي قيل في وصف الحرب من قبل ومن بعد، ويكفيه أنه استطاع أن ينشد بمجلس سيف الدولة على رؤوس حساده:
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
ألخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
ويذهب الدكتور عبد الوهاب عزام إلى أن قصائد المتنبي في وصف حروب سيف الدولة الداخلية والخارجية تفوق الملاحم اليونانية واللاتينية والهندية والفارسية؛ فهو الشاعر الذي وصف وقائع ذلك العصر وحوادثه الجسام وجلائل الحروب والأعمال وصفاً دقيقاً في قصائد حماسية رائعة.فمن أقواله في السيف:
إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا
تعقيب:
فالمتنبي بحر متلاطم الأمواج لا زال شاغل الناس ومالئ الدنيا ومدد الشعراء وتنازُع الباحثين على مدارج العصور
المحاضرة الثانية عشرة( أبو العلاء المعري) ( رهين المحبسين).
• مولده ونشأته:
هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي.
الشاعر الفيلسوف.
ولد في معرة النعمان سنة 363هـ. والمعرة بلدة قريبة من حلب، وإليها نسب.
نشأ في بيت علم معروف. فأبوه من العلماء، وجده وأبو جده وجد جده كلهم تولوا قضاة المعرة.
أصيب بالجدري وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، فكف بصره.
بقي المعري نحواً من سبعة وثلاثين عاماً يشارك في الحياة وينظم الشعر ويؤلف ويعلم حتى استفاضت شهرته.
ثقافته:
وقد كان ذكياً شديد الذكاء، فلم تمنعه عاهته عن الدرس، فدرس العلوم التي تدرس في عصره من فقه ونحو وأدب، وجعل يتابع بنهم كتب الأدب القديمة من أدبية وتاريخية.
درس على أبيه وعلى بعض المشايخ من علماء المعرة، وقد ساعده مركز عائلته على هذا الدرس.
ثم تثقف كثيراً من العلوم والآداب بصورة خاصة، وأخذ يقول شعراً جيداً، ولما اشتد ساعده رحل إلى أنطاكية واللاذقية وطرابلس لطلب العلم ومنها إلى بلاد الشام، واتصل بالرهبان.ويقال إن اتصاله بالرهبان هيأ له أن يدرس الفلسفة اليونانية.
المعري في بغداد:
بلغ أبو العلاء المعري السادسة والثلاثين من عمره، وقد يمم بغداد حاضرة الخلافة العباسية وقبلة الطامحين، ففتن بها ومال إليها، كما يقول:
كَلِفْنا بالعِراق، ونحنُ شَرْخٌ، فلم نُلْمِمْ به، إلاّ كُهولا
ونتيجة لأن المعري كان كثير الاعتداد بشخصيته، لم يتملق للرؤساء، ولم يمدح أحداً منهم، ولذلك لم يجد منهم التفاتاً، وأدى هذه إلى تبرمه في إقامته في بغداد، وبينما هو على هذه الحالة، إذ أتاه كتاب من أهله يخبره بمرض أمه، فوجم أبو العلاء،
اضطرم باله وساءت حالته، فلم يبق أمامه إلا أن عزم على الرحيل
وهنا اندفع أبو العلاء يودع بغداد وداعاً يفيض وفاءً ويتدفق حزناً ولوعةً،وفي ذلك يقول:
إذا نأتِ، العِراقَ، بنا المَطايا ، فلا كُنّا، ولا كان المَطِيّ
على الدّنيا السلامُ، فما حياةٌ، إذا فارَقْتُكمْ إلاّ نَعِيُّ
لقد غادر شاعرنا بغداد، بعد إقامة دامت سنة وأربعة أشهر، ولكنه وصل المعرة وقد توفيت والدته، ولدى وصوله المعرة، اعتزل الناس وجلس في بيته لا يغادره وسمى نفسه (رهين المحبسين).
أسباب عزلة أبي العلاء المعري:
1- الاضطراب الذي أصاب عصره:
الانقلاب السياسي الذي كان يسود الشام في عصر أبي العلاء قد بلغ درجة أثرت على أخلاق الناس عامة، وجعلت الناس لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم. وقد ساعد هذا الاضطراب التزام أبي العلاء الاعتزال عن الناس.
2- عاهته:
كانت عاهة أبي العلاء المعري سبباً في كرهه الحياة والناس، فالأعمى عادة يسيء الظن بالناس، ودائماً ما يفسر سلوك الناس تفسيراً يبَّغض إليه الناس.
3- اطلاعه على نظريات الفلاسفة:
لعل اطلاعه على نظريات الفلاسفة وحيرتهم في تفسير غاية الحياة، جعله يكره الحياة والناس ويعتزلهم.
كل هذه العوامل وغيرها مجتمعة جعلته يعتزل الناس نيفاً وأربعين سنة.
ولكن انعزاله لا يعني انقطاعه عن العمل، بل كان منزله مقصد طلاب العلم والمعرفة من كل الآفاق. فقضى هذه السنين بالدرس والتدريس.
شاعريته:
بدأ أبو العلاء يقرض الشعر وهو في الحادية عشرة من عمره، وقد نيف على الثمانين وما ترك القريض وما أعرض عنه.
ولأبي العلاء ثلاثة دواوين فقط وهي: سقط الزند والدرعيات واللزوميات .
وهو في الشعراء والحكماء والمفكرين والمؤلفين واللغويين من كبارهم، مارس أكثر المعارف التي اشتمل عليها عصره.
شعره:
حين نعرض لشعر أبي العلاء نستطيع أن نقسمه إلى قسمين: الشعر الذي قاله في شبابه قبل أن يعتزل الناس، وهو شعر قاله في فترة تبلغ نحواً من خمس وعشرين سنة، وقد جُمع في ديوان خاص يسمى ( سقط الزند) وقد طبع هذا الديوان غير مرة.
ثم شعره في الفترة التي اعتزل فيها الناس، وقد جُمع في ديوان خاص يعرف بـ ( اللزوميات)أو( لزوم ما لا يلزم).
ولم يكن إنتاج أبي العلاء يقتصر على الشعر، بل ولج باب النثر، وله في ذلك تصانيف كثيرة.
خصائص شعر المعري في الفترة الأولى:
وهو شعر يسوده التقليد في الطريقة والأسلوب، ولهذا نراه ينحو منحى القدماء فهو يبدأ بالغزل أو بذكر النوق والمطايا التي تحمله إلى ممدوحيه إذا شاء المدح، وفي مدحه أيضاً لا يعدو أن يذكر الصفات التي اعتاد الشعراء أن يسبغوها على ممدوحيهم من شدة بأس وشكيمة إلى غير ذلك .
وغزله فيها غزل متكلف ظاهر الصنعة، فهو يحذو حذو أبي تمام في اصطناع البديع، وحذو المتنبي في التزام المقابلة والمبالغة. يقول:
ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعلُ: عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِلُ
تُعَدّ ذُنوبي، عندَ قَوْمٍ، كثِيرَةً، ولا ذَنْبَ لي إلا العُلى والفواضِل
خصائص شعره في الفترة الثانية من حياته:
ويغلب على شعره في هذه الفترة سيطرة العقل وسعة الخيال .
يمثل الشعر في هذه الفترة شعر اللزوميات أو لزوم ما لا يلزم، ويختلف عن شعره في الطور الأول بانصرافه عن الأسلوب الشعري التقليدي وعن مواضيع الشعر التي يطرقها الشعراء عادة، فليس في شعره مديح ورثاء وغزل كما نراه في شعره في طور الشباب، وإنما كان يدور هذا الشعر حول التأملات في الحياة والموت والأديان، وهذه التأملات أشبه ما تكون بخواطر الفلاسفة منها بخواطر الشعراء، وكان ينظمها أبو العلاء في شعره.
وعندما تقرأ شعر اللزوميات تجده ناقماً ثائراً على كل معتقد، ويتحدى كل تقليد في الحياة، ترى جواً صاخباً مشوناً بالثورة الجامحة والتشاؤم المقيت، فهو بمعظمه لا يثير العواطف ولا يحرك الخيال بقدر ما يخاطب العقل ويدعو إلى التفكير وإطالة النظر فيه.
وقد أحاط أبو العلاء هذه التأملات بإطار من الألفاظ العربية والتعابير المعقدة، وقيد قوافيها بقيود التزمها لا يُلزم الشاعر لزومها.
خصائص شعره في الفترة الثانية من حياته:
ويغلب على شعره في هذه الفترة سيطرة العقل وسعة الخيال .
يمثل الشعر في هذه الفترة شعر اللزوميات أو لزوم ما لا يلزم، ويختلف عن شعره في الطور الأول بانصرافه عن الأسلوب الشعري التقليدي وعن مواضيع الشعر التي يطرقها الشعراء عادة، فليس في شعره مديح ورثاء وغزل كما نراه في شعره في طور الشباب، وإنما كان يدور هذا الشعر حول التأملات في الحياة والموت والأديان، وهذه التأملات أشبه ما تكون بخواطر الفلاسفة منها بخواطر الشعراء، وكان ينظمها أبو العلاء في شعره.
وعندما تقرأ شعر اللزوميات تجده ناقماً ثائراً على كل معتقد، ويتحدى كل تقليد في الحياة، ترى جواً صاخباً مشوناً بالثورة الجامحة والتشاؤم المقيت، فهو بمعظمه لا يثير العواطف ولا يحرك الخيال بقدر ما يخاطب العقل ويدعو إلى التفكير وإطالة النظر فيه.
وقد أحاط أبو العلاء هذه التأملات بإطار من الألفاظ العربية والتعابير المعقدة، وقيد قوافيها بقيود التزمها لا يُلزم الشاعر لزومها.
كما أن للفلسفة والعلوم الطبيعية تأثير كبير في الشعر العربي، وقد وجدنا لأبي العلاء الكثير من النفثات الفلسفية وهي موزعة في قصائده.
وفاته:
اعتل رهين المحبسين في أوائل شهر ربيع الأول سنة441هـ ومات في اليوم الثالث من علته، تاركاً وصيته أن يكتبوا على قبره: ”هذا جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد“.
ويروى أنه عندما مات وقف على قبره أربعة وثمانون شاعراً يرثونه، ولمدى سبعة أيام أقام مقرئو المعرة على قبره يتلون القرآن حتى أتموه مائة ختمة.
|