|
رد: الثقافة والعولمة / د. زين العابدين مخلوف
المحاضرة السابعة
مصادر الثقافة وإشكالية القيم والتراث الشعبي
مقدمة
من أين تأتي الثقافة ؟ من المجتمع ، أم من التاريخ ، أم من الدين، أم من عمليات التفاعل بين الأفراد وبينهم وبين البيئة ؟ هل يكتسب الإنسان القيم والعادات أم ينتجها ؟ هل يكتفي باكتسابها أم يضيف عليها ويعدلها ؟ هل تأتي الثقافة من القيم والعادات أم ان القيم والعادات تأتي من الثقافة ؟
في الحقيقة تأتي الثقافة من كل الاتجاهات وتشرب من أكثر من نبع . وبقدر تفاعل الأفراد مع بيئاتهم واستجابتهم للحاجات المستجدة تنمو الثقافة ويتكون المجتمع . فتحت هذه العناوين : الثقافة والمجتمع والتاريخ تتدرج عملية التكوين ، فحيث لا ثقافة ، لا مجتمع .وعندما توجد الثقافة لابد من مجتمع ، ذلك أنه في الوقت الذي يصنع فيه الإنسان ثقافته يصنع بل يبني فيه مجتمعه .
وسوف نتناول عبر تلك المحاضرة والمحاضرة القادمة أبرز مصادر الثقافة كالدين والقيم والعادات والأعراف والتقاليد والشعائر والطقوس والتراث الشعبي .
أولا – الثقافة والدين
يمثل الدين ثقافة كاملة لشعب أو أمة أو حضارة ، ليس في كونه مجموعة نصوص وتعاليم وقيم فحسب ، بل بما هو كيان مجسد اجتماعيا ومبلور بالممارسة في أنماط وتقاليد وأفعال . فالدين ثقافة كاملة فهو يعبر عن رؤية للعالم وللطبيعة والوجود والإنسان وهو كذلك أيضا لأنه يقدم تصور لبناء الاجتماع الإنساني علي نحو يغطي أحيانا أدق تفاصيل هذا الاجتماع اقتصادا وسياسة وأخلاقا وأحوال شخصية ...الخ
وبقدر ما يقوم الدين بتشكيل الثقافة وتعبئتها يقوم أيضا بشحنها بالرموز والمضامين والقيم بل يسهم في تشكيل حقلها الخاص داخل الاجتماع المدني . إذا ثمة حالتان يمثل الدين في الأولي نسقا كاملا يمد المؤمنين بأنماط متكاملة فيما يتعلق بالقيم وإدراك الوجود ويمثل في الثانية عنصرا فاعلا وقدرة دينامية داخل نسق أشمل يتمثل في الاجتماع المدني بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية والإنسانية .
ثانيا – القيم الثقافية
يعتبر مفهوم القيم من أكثر مفاهيم العلوم الاجتماعية غموضا وارتباطا بعدد كبير من المفاهيم الأخرى كالاتجاهات والمعتقدات والدوافع والرغبات .... وقد صاغ ميلتون روكيش عددا من الافتراضات التي ينبغي أن يبدأ منها تحليل طبيعة القيم الإنسانية منها :
1 - إن المجموع الكلي للقيم التي يتبناه الفرد قليل نسبيا .
2– إن الأشخاص في أي مكان يتبنون بدرجات متباينة مجموعة من القيم العامة .
3- إن القيم منتظمة داخل أنساق للقيمة .
4 – يمكن تتبع منابع القيم الإنسانية في الثقافة والمجتمع والشخصية .
5 – نتائج أو آثار القيم الإنسانية تتبدي واضحة في كل الظواهر التي يجد المتخصصون في العلوم الاجتماعية أنها جديرة بالبحث .
إشكالية التعريف : هناك محاولات عديدة لوضع تعريف واحد للقيم ، لكنها لم تسفر إلا عن تعدد وتباين واضح في الرأي بين المشتغلين في العلوم الاجتماعية وفيما يلي أبرز التعريفات في هذا المجال :
- روبرت بارك وبرجس يريان ” إن أي شيء يحظي بالتقدير والرغبة هو قيمة ” .
- جورج لندبرج يري” إن شيئا ما يصبح هو في ذاته قيمة حينما يسلك الناس إزاءه سلوكا يستهدف تحقيقه أو تملكه ”.
- هوارد بيكر يري أن ” القيم هي موضوعات تعبر عن حاجات ” .
- ميلتون روكيش يري ” أن القيمة هي معتقد يحظي بالدوام ويعبر عن تفضيل شخصي أو اجتماعي لغاية من غايات الوجود ”.
لا شك في أن هذه التعريفات وغيرها تعكس التباين في وجهات النظر تبعا للمدارس والاتجاهات المختلفة للباحثين ، غير أن هناك مجموعة من النقاط تمثل مؤشرات إجرائية عند تعريف مفهوم القيم ، يمكن حصرها فيما يلي :
1- القيم هي محك نحكم بمقتضاه ونحدد علي أساسه ما هو مرغوب فيه في موقف توجد فيه عدة بدائل .
2- تتحدد من خلالها أهداف معينة أو غايات ووسائل .
3- يمكن من خلالها الحكم سلبا أو إيجابا علي مظاهر معينة من الخبرة في ضوء عملية التقييم التي يقوم
بها الفرد .
4 – التعبير عن هذه المظاهر يتم في ظل بدائل متعددة أمام الفرد.
5- تأخذ هذه البدائل أحد أشكال التعبير الو جوبي مثل ” يجب أن ...“ حيث يكشف ذلك عن خاصية الوجوب والإلزام التي تتسم بها القيم .
6 – يختلف وزن القيمة من فرد لأخر بقدر احتكام هؤلاء الأفراد الي هذه القيمة في المواقف المختلفة .
7 – تمثل القيم ذات الأهمية بالنسبة الي الفرد وزنا نسبيا أكبر في نسق القيم وتمثل القيمة الأقل أهمية وزنا نسبيا أقل في هذا النسق .
ولمزيد من التحديد في توضيح مفهوم القيم ينبغي التمييز بينه وبين عدد من المفاهيم التي عادة ما تختلط بها وذلك علي النحو التالي :
أ – القيمة ومفهوم الاتجاه : علي المستوي الوصفي فان الفرق بين الاتجاهات والقيم كالفرق بين العام والخاص ، حيث تقف القيم كمحددات لاتجاهات الفرد ، فهي عبارة عن تجريدات وتعميمات عامة تتضح من خلال تعبيرات الأفراد عن اتجاهاتهم حيال موضوعات محددة ويمكن النظر الي الاتجاهات والقيم في ضوء مستويات مختلفة تمتد من الخصوصية الي العمومية . فالمستوي الأول يتمثل في المعتقدات والثاني في الاتجاهات ثم المستوي الثالث حيث توجد القيم ثم المستوي الرابع ويتمثل في الشخصية . فالقيمة بناء أكثر عمومية من الاتجاه ، فهي عبارة عن مجموعة من الاتجاهات المرتبطة فيما بينها .
ب – القيم والمعايير الاجتماعية : ثمة ثلاثة جوانب تختلف فيها القيم عن المعايير الاجتماعية ، فالقيمة تشير الي نمط مقفل للسلوك أو غاية من غايات الوجود بينما يشير المعيار الاجتماعي الي نمط سلوكي واحد . القيم تتسامي علي المواقف الخاصة بينما المعيار هو تحديد لسلوك أو منع لسلوك أخر في موقف معين . والقيم أيضا هي أكثر شخصية وداخلية بينما المعايير اتفاقية وخارجية .
ويعني هذا أن المعايير هي قواعد للسلوك ، فهي تحدد ما يجب وما لا يجب من أنماط سلوكية في ظروف محددة ، بينما القيم هي مستويات للتفضيل مستقلة الي حد ما عن المواقف الخاصة .فمثلا من القيم السائدة في المجتمعات عموما العدالة والحرية والتهذيب واللياقة ، وفي المجتمعات العربية الكرم والتسامح . ومن أمثلة المعايير نزاهة المدرس وعدالته وعدم تحيزه داخل قاعة الدرس .
ج – القيمة والمعتقد : تنقسم المعتقدات الي ثلاثة أنواع :
1 – وصفية : وهي التي توصف بالصحة والزيف
2 - تقييميه : أي التي يوصف علي أساسها موضوع الاعتقاد بالحسن أو القبح .
3- آمرة وناهية : حيث يحكم الفرد بمقتضاها علي بعض الوسائل أو الغايات بجدارة الرغبة أو عدم الجدارة .
لذلك يري ميلتون روكيش أن القيمة أشبه بمعتقد من النوع الثالث ، ثابت نسبيا يحمل في فحواه تفضيلا شخصيا أو اجتماعيا لغاية من غايات الوجود أو لشكل من أشكال السلوك الموصلة الي هذه الغاية . وفي المقابل يفرق بعض الباحثين بين القيم والمعتقدات علي أساس أن القيم تشير الي الحسن مقابل السيئ أما المعتقدات فتشير الي الحقيقة مقابل الزيف .
د – القيمة والسلوك : القيمة هي أكثر تجريدا من السلوك ، فهي ليست مجرد سلوك انتقائي بل تتضمن المعايير التي يحدث التفضيل علي أساسها .
- مفهوم نسق القيم : تؤلف مجموع القيم المكتسبة نسقا متماسكا حيث تحتل كل قيمة في هذا النسق أولوية خاصة بالقياس الي القيم الأخرى . ويتضمن نسق القيم نوعين رئيسين من القيم : القيم الغائية – وتمثل غايات الوجود الإنساني ، والقيم الوسيطة وهي أساليب السلوك المفضلة لتحقيق الغايات المرغوبة . ومن الأهمية التمييز بين مدرج القيم ونسق القيم فالأول يعني ترتيب الشخص للقيم من أكثرها أهمية الي أقلها أهمية بينما يشير الثاني الي التنظيم العام لقيم الفرد والذي من خلاله تتحدد أهمية كل قيمة من هذه القيم وكيف تنتظم وما هي علاقة كل منها بالأخرى .
تصنيف القيم : قدم نيكولاس ريتشر محاولة قيمة لعرض مختلف أسس تصنيف القيم علي النحو التالي :
- التصنيف علي أساس محتضني القيمة : حيث ينصب الاهتمام في هذا التصنيف علي أولئك الذين يحتضنون قيمة من القيم مثل القيم الشخصية وقيم العمل ...
- التصنيف في ضوء موضوعات القيم : وفيه ينصب الاهتمام علي موضوعات محددة تكتسب خاصية قيمية ، فيتم مثلا تقييم الرجال علي أساس نسبة الذكاء والأمم في ضوء عدالة النظم السائدة فيها .
- التصنيف علي أساس الفائدة أو المنفعة : ترتبط القيم بفائدة أو منفعة يحققها أولئك الذين يؤمنون بها سواء كانت المنفعة تتعلق بإشباع حاجة أم اهتمام أم مصلحة.
- التصنيف علي أساس الأغراض والأهداف : أي تصنيف القيم وفقا للغرض المحدد أو الهدف الخاص الذي يتحقق بوجودها ، مثل القيمة الغذائية للطعام والقيمة التبادلية لبعض
السلع والقيمة التعليمية لبعض البرامج .
- التصنيف علي أساس العلاقة بين محتضن القيمة والفائدة : يقصد بهذا التصنيف ملاحظة أن الشخص يحتضن قيمة معينة لأنه يري في وجودها فائدة بالنسبة إليه أو بالنسبة الي الآخرين مثل القيم الأسرية أو المهنية والقومية ...
- التصنيف علي أساس العلاقة بين القيم ذاتها : ويعتمد هذا التصنيف علي مدي ارتباط القيم بعضها ببعض ، فقيمة الكرم نفسها مثلا تحقق قيمة أعلي هي سعادة الآخرين . في هذه الحالة تعتبر القيمة الأولي قيمة وسيطة أو وسيليه ، وهناك قيم أخري لذاتها مثل الولاء ، الأمانة ، تلك هي القيم الغائية .
:تتميز القيم إذا بالخصائص التالية
1 – إنها معتقدات مصدرها الثقافة والتفاعل الاجتماعي وهي تنطوي علي ثلاثة عناصر
هي : العنصر المعرفي والعنصر العاطفي والعنصر السلوكي .
2 – إن القيم تفصح عن نفسها في أنماط التفضيل والاختيار بين البدائل المتاحة .
3 – القيم تتسم أيضا بالاستمرار النسبي وتخضع في الوقت نفسه للتغير .
4 – القيم ذات أهمية نسبية تتحدد داخل ما يعرف باسم تدرج أو سلم القيم .
5 – تسهم القيم في إعطاء نوع من التماسك لمجموع القواعد والنماذج الثقافية في مجتمع معين .
.
.
عليك أن تصدق أن أهدافك قابلة للتحقق.. فعندما تؤمن بذلك؛ فإن عقلك يبحث عن وسائل تجعلها تتحقق
فلا تجعل التردد يهزمك 
.
.
|