رد: الثقافة والعولمة / د. زين العابدين مخلوف
المحاضرة الثامنة
تابع مصادر الثقافة وإشكالية القيم والتراث الشعبي
تناولنا في المحاضرة السابقة بعض مصادر الثقافة كالدين والقيم وفي هذه المحاضرة نستكمل باقي العناصر كالعادات والأعراف والتقاليد والشعائر والطقوس والتراث الشعبي
ثالثا – العادات والأعراف:
من بين العناصر الثقافية تبدو العادات الأكثر عمومية ، فهي بطبيعتها استجابة لحاجات ثابتة نسبيا ومتغيرة تبعا لذلك ، لأنها تستجيب في الزمان والمكان لحاجة اجتماعية . فإذا كان الطعام حاجة اجتماعية ثابتة ، فان عادة تحضير الطعام وكيفية صنعه وطريقة تقديمه وتناوله خاضعة جميعها لمقولة الزمان والمكان . فالحاجة هنا ثابتة ، أما عادة إشباع هذه الحاجة فهي متغيرة .
تنقسم العادات التي يكتسبها الفرد إلي عادات فردية وأخري جماعية :
- العادات الفردية : وهي ظاهرة شخصية يمكن أن تتكون وتمارس في حالات العزلة عن المجتمع . ويكاد يكون الإنسان مجموع عادات تمشي علي الأرض ، بل إن قيمته تعتمد في بعض الأحيان علي عاداته فطريقة لبسه ونظافته وكلامه ومشيه وأكله وشربه....الخ
كلها عادات فردية تسهم في نجاح المرء وانسجامه في الحياة . والعادات الفردية لا تستمر إلا لأنها تقوم بوظيفة فهي تسهل العمل المعتاد وتجعل تكراره سهلا ، وهي أيضا تؤدي إلي قيام الإنسان بأعماله في زمن أقل وبتركيز أقل .
- العادات الجماعية : إذا نشأت عادة تبعا لظروف مشتركة في مجتمع معين ومارسها عدد كبير ، فمن الممكن أن تصبح عادة جماعية . أنها مجموعة من الأفعال والأعمال وألوان السلوك التي تنشأ في قلب الجماعة بصفة تلقائية لتحقيق أغراض تتعلق بمظاهر سلوكها وأوضاعها ، وتمثل ضرورة اجتماعية وتستمد قوتها من هذه الضرورة .
بعض العادات مفيد للحياة الاجتماعية ويؤدي إلي تعزيز وحدة المجتمع وتقوية الروابط بين أفراده ، مثل آداب السلوك العام وآداب الحديث والمائدة وصلات ذوي القربى . وبعضها سلبي وقد يشيع الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد مثل العادات الخرافية وتعاطي الخمور والمخدرات .
تميل العادات الجماعية إلي الجمود وتقف حائلا أمام التجديد ويعتبر البعض هذه الخاصية من عوامل الاستقرار الاجتماعي ، ومع ذلك فالعادات الجماعية قابلة للتطور والخروج عن قوالبها الجامدة والقديمة. فقد انتقلت الأشكال الاجتماعية من البساطة إلي التعقيد مما أدي إلي اختفاءالعادات الجماعية القديمة ونشوء عادات فردية بديلة عنها .
الأعراف :يعرف ”سمنر“ الأعراف بأنها تلك السنن الاجتماعية التي تدل علي المعني الشائع للعادات والتقاليد والمعتقدات والأفكار والقوانين وما شابه وبخاصة عندما تحوي حكما . إنها تحوي جانبا كبيرا لما يطلق عليه ” الصواب“ أو ” الخطأ“ . فالأعراف يمكن النظر إليها بأنها قوانين اجتماعية غير مكتوبة لكن متعارف عليها . ويتكون العرف أساسا في ضمير الجماعة بطريقة لا شعورية وتدريجية .
الفرق بين العادة الجمعية والعرف هو فرق تكويني فلكي يتكون العرف لا بد من توافر عاملين : الأول مادي يتمثل بعادة قديمة وغير مخالفة للنظام العام . والثاني معنوي ويتمثل بأن يشعر الناس بضرورة احترام هذا العرف وبأنه يوجد جزاء يقع عليهم إذا خالفوها.
أما العادة فلا يلزم لنشوئها إلا توفر العامل المادي وهم يحترمونها بالتعود. وهكذا فالعادة عرف ناقص إذ يعوزها لتصبح عرفا أن يشعر الناس بضرورة احترامها ، كذلك تختلف العادة عن العرف في إن الأخير قانون يطبق علي الناس سواء رغبوا أم لم يرغبوا ، أما العادة فهي ليست قانون وهي تلزم الناس بذاتها وإنما تطبق عليهم إذا قصدوا إتباع حكمها وبذلك يكون كل عرف عادة ولكن ليس كل عادة عرفا .
رابعا التقاليد والشعائر والطقوس : تعرف التقاليد بأنها عبارة عن مجموعة من قواعد السلوك الخاصة بطبقة معينة أو طائفة أو بيئة محلية محدودة النطاق ، وهي تنشأ من الرضي والاتفاق الجمعي علي إجراءات وأوضاع معينة خاصة بالمجتمع المحدود الذي تنشأ فيه . أما المظهر الغالب للشعائر والطقوس ، أنها من طبيعة دينية وهي تنطوي في جانب منها علي مجموعة من المحرمات المقدسة المعروفة باسم ” التابو“ وهي تشير الي مجموعة من الأمور والأفعال والمواقف التي يجب علي الأفراد القيام بها وبخاصة أنها تستند الي الجزاء الديني والردع الخلقي .
ويقصد بالشعائر والطقوس الدينية مجموعة الأفعال المرعية والممارسات التي تنظمها قواعد نظامية من طبيعة مقدسة أو موقرة ذات سلطة قهرية ملزمة ضابطة لتتابع بعض الحركات الموجهة لتحقيق غايات ذات وظيفة محددة . هي إذن قواعد ضابطة للمناسبات لا تهدف الي تحقيق منفعة وإنما هي أدوات تنظيمية من طبيعة الحياة الاجتماعية تعمل علي تثبيت قواعد الحياة الجمعية لأنها تتكرر بصفة منتظمة .
خامسا التراث الشعبي : يتجلي التراث الشعبي في عناصر كثيرة منها الفولكلور والموروث الثقافي والمعتقدات الشائعة من خرافات وأساطير . ولفظ ”تراث“ يعني بشكل عام العناصر الثقافية التي تلقاها جيل عن جيل .
- الفولكلور : معني كلمة فولكلور حرفيا هو معارف الناس أو حكمة الشعب ، وهو استخدام ليدل علي العادات والمعتقدات والآثار الشعبية القديمة المأثورة . وقد اختلفت مدارس الفولكلور حول تحديد موضوعه فمنها من قصره علي الأدب الشعبي وبعضها حدده في الحكايات الخرافية والأساطير وبعضها الأخر ضم إليه طرائق الحياة الشعبية .
ويمكن القول إن المتخصصين بالفولكلور قد حدد ميدانه أخيرا في تلك الفنون التي تمتاز بعراقتها وانتقالها عن طريق التقليد والمحاكاة أو النقل الشفهي وهي غالبا ما تكون مجهولة المؤلف.
يتضمن التراث الشعبي اعتقادات متنوعة منها ما يلي :
- الاعتقاد بالكائنات العلوية والسفلية كالجن والعفاريت وأرواح الموتى .
- الاعتقادات الخاصة بالتشاؤم أو بالتفاؤل من أشياء أو أفعال أو التوقي مما يجلب النحس ” الأحجبة“ .
- ماله علاقة باستقراء الغيب والكشف عن المستقبل بقراءة الكف وما يطلق عليه ” ضرب الودع ”.
- ما يتضمن الاعتقاد في السحر والتعزيم .
- الاعتقاد بالأولياء والوسطاء والإيمان بالهبات والقرابين .
- العادات المرتبطة بدورة الحياة والتي تدور حول الولادة والسبوع والختان والخطبة والمرض والموت.
- منها ما يتعلق بالحكايات والأدب الشعبي كالسير الشعرية والنثرية والقصص والأسطورة والموال والأغاني
- ومنها ما يتعلق بالمواسم الزراعية أو الزمنية أو الأعياد والموالد .
خصائص الثقافة الشعبية : يمكن أن نوجز أهم الخصائص التي تتسم بها الثقافة الشعبية فيما يلي
الإلزام : مما لاشك فيه أن نفوذ الثقافة الشفهية كبير وهو يصل الي حد الإلزام . وقد أشار اميل دوركايم الي خاصية القهر والإلزام فيما أسماه بالعقل أو ” الضمير الجمعي“ الذي جعل منه ” فكرة قاهرة“ متحققة في ذاتها وخارجة عن إرادة الأفراد .
التلقائية : وهي في أساسها تلقائية غير واعية لأن أساسها المحاولة العشوائية في سد الحاجات الطبيعية الضرورية وإشباعها والتي تتحول مع الوقت الي عادات فردية وجماعية . غير مدونة : فالمجتمع لا يتصدي لبناء ثقافته الشعبية وعاداته وتقاليده بعمل شعوري واع لذلك هو لا يدونها بين أخبار تاريخه ، وإذا أردنا الوقوف عليها فهي في الذاكرة الجماعية محفوظة ويتم تناقلها بدقة متناهية .
الاستمرار والثبات : تبدو هذه الخاصية واضحة بانتقال تلك الثقافة من جيل الي جيل دون تغيير أو تحريف في الأسلوب العام ، مع قابلية نسبية للتعديل تبعا لظروف جديدة .
الجاذبية : تبقي الثقافة الشعبية مقبولة ومرغوبة علي الرغم مما فيها من إلزام وقهر ، فهي تنطوي علي ما تواضع عليه أفراد الجماعة من أفعال سلوكية .
وأخيرا يمكننا القول إن للثقافة الشعبية وظائف متعددة منها الوظيفة الاقتصادية والتوجيهية والجمالية والتنبؤية ، لكن أهمها بلا شك وظيفة الضبط الاجتماعي .
.
.
خُذ من مرح الأطفال .. وَخُذ من هدوء المسنين .. وخُذ من تواضع العظماء .. وَخذ من أحلام الفقراء ..
وَستعرف معنى الحياة 
.
.
|