المحاضرة التاسعة
ديناميات التغير الثقافي
أولا – مفهوم التغير الاجتماعي والثقافي
يعتبر مصطلح التغير الاجتماعي مصطلحا حديثا نسبيا وغالبا ما يختلط مع مصطلحات أخري مثل التطور والتقدم والنمو والتنمية ... وسوف نحاول بيان الفارق بين هذه المصطلحات ومفهوم التغير الاجتماعي والثقافي .
التغير والتطور : كثيرا ما استخدم مفهوم التغير الاجتماعي ومفهوم التطور الاجتماعي كما لو كانا يدلان علي المعني نفسه والواقع إن مفهوم التطور يشير الي الحالة التي تنتقل من طور لأخر كانتقال المجتمعات من طور البداوة الي طور التحضر ، ولقد شهد هذا المفهوم انتشارا واسعا مع ظهور نظرية داروين في منتصف القرن التاسع عشر . أما مفهوم التغير فهو يشير الي تلك التحولات والتبدلات التي تحدث في البناء الاجتماعي .
التغير والتقدم : يعبر مفهوم التقدم عن عملية ديناميكية تتحرك بالمجتمع نحو غاية معينة والواقع أن مفهوم التقدم يختلف عن مفهوم التغير ذلك أن مفهوم التقدم يختلف من مجتمع لأخر بحسب ثقافة المجتمع ،كما أن فكرة التقدم نفسها قد تتغير بتبدل الظروف والأمكنة.
فالتقدم في مجتمع ما قد يكون تخلفا في مفهوم مجتمع أخر . والواقع إن استخدام مفهوم التقدم يواجه صعوبات منهجية حيث يحمل معني خط سير المجتمع نحو الأمام ، أي أنه يسير في خط صاعد ، في حين إن مفهوم التغير يتضمن إمكانية التقدم أو التخلف .
التغير والنمو : النمو عملية تلقائية وهو يقترب من مفهوم التطور نظريا ، إلا أنه لا يتطابق معه . والنمو الاجتماعي أكثر تعقيدا من النمو العضوي . ومفهوم النمو يشير الي الزيادة الثابتة نسبيا والمستمرة في جانب واحد من جوانب الحياة ، أما التغير فيشير الي التحول في البناء الاجتماعي والأدوار الاجتماعية ، وقد يكون هذا التحول ايجابيا وقد يكون سلبيا كما قد يكون النمو بطيئا في العادة ، أما التغير الاجتماعي فيكون في الغالب سريعا ويغلب علي الأول التغير الكمي أما الثاني فيغلب عليه التغير الكيفي .
التغير والتنمية : تعني التنمية مجمل الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم لتحقيق التعبئة المثلي لجهود الأفراد ، والتنسيق المتكامل بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معين ، بقصد تحقيق أكبر قدر ممكن من الرفاهية الاجتماعية بأسرع وقت وبما يتجاوز معدل النمو الطبيعي . فالتنمية عملية إرادية مخططة ومفهومها أقرب الي مفهوم التغير إذا ما قورن بمفاهيم التقدم والنمو والتطور وهو يختلف عنه في المحصلة النهائية التي تتضمن بعدا ايجابيا بشكل دائم في حين إن التغير الاجتماعي قد يكون تغيرا ايجابيا وقد يكون نكوصا سلبيا .
بقي أن نطرح سؤالا عن علاقة التغير الثقافي بالتغير الاجتماعي ؟
وللإجابة عن ذلك التساؤل لابد أن نعرف كلا المفهومين :
فالتغير الثقافي هو ما يطرأ من تبدل في جانبي الثقافة سواء أكان ماديا أم معنويا . أنه تغير يحدث في جميع نواحي المجتمع ”اللغة ، الفن، العادات والتقاليد،التكنولوجيا... ” .
أما التغير الاجتماعي فيشير الي تلك التبدلات والتحولات التي تحدث في بناء المجتمع ووظائف هذا البناء المتعددة .
وفي ضوء ما سبق يتبين إن التغير الاجتماعي جزء من التغير الثقافي ، فكل تغير اجتماعي يعد تغيرا ثقافيا وليست جميع التغيرات الثقافية تقع في دائرة التغير الاجتماعي
ثانيا : العوامل المؤثرة في حدوث التغير :
هناك العديد من العوامل المساعدة أو المسببة للتغير الاجتماعي والثقافي منها ما يلي :
1- العوامل الايكولوجية والطبيعية : تتمثل بمكونات البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان وتتضمن الموقع الجغرافي والتضاريس والتربة والمناخ والمواد الأولية . وعلي الرغم من إن التغيرات في البيئة الطبيعة نادرة الحدوث ، إلا أن تأثيرها عندما تحدث يكون عظيما في حياة المجتمع .
وقد أهتم ابن خلدون في مقدمته ببيان أثر البيئة في العمران البشري ، وأكد تأثير المناخ في طبيعة الظواهر الاجتماعية والنفسية للسكان .كما رأي مونتسكيو في كتابه روح القوانين أن محرك التاريخ ومصدر الشرائع يتحدد في المناخ والامتداد الجغرافي .
وقدم ديمولان إسهاما كبيرا في دعم الاتجاه الحتمي الجغرافي ، بين فيه تأثير العناصر الطبيعية في حياة البشر .
والتغيرات البيئية قد تكون طبيعية لا دخل للإنسان فيها مثل حدوث زلزال أو بركان أو فيضانات ... وقد تكون من فعل الإنسان مثل شق قناة أو بناء سد أو إزالة غابة بأكملها .
وجدير بالذكر إن الإنسان في الوقت المعاصر لا يخضع للعوامل الطبيعية خضوعا تاما بحيث تتحكم في حياته ومصيره ، فقد استطاع بالعلم أن يطوع البيئة ويستخدم معطياتها لصالحه، ولم تعد علاقته بهذه البيئة ذات طابع حتمي .
العوامل السكانية : يعتبر حجم السكان وتوزيعهم وتركيبهم من العوامل المهمة في إحداث التغير الاجتماعي ، فالعوامل السكانية تلعب دورا ملحوظا في حياة المجتمعات وفي تغيرها كذلك ، فالمجتمع الذي يعاني من ضغط سكاني غير المجتمع الذي يعاني من نقص في عدد سكانه ، والمجتمع الذي تتناسب موارده مع احتياجات سكانه أو تزيد غير المجتمع الذي لا تستطيع موارده أن تفي بالاحتياجات الأساسية لسكانه .
ومن العلماء الذين بالغوا في الاتجاه السكاني وتأثيره مالتوس الذي أعتبر الزيادة السكانية معرقلة لتقدم المجتمعات .
3- العوامل الإيديولوجية والثقافية : تعتبرالإيديولوجية قوة فكرية تعمل علي تطوير النماذج الاجتماعية الواقعية وفقا لسياسة متكاملة تتخذ أساليب ووسائل هادفة وتساندها عادة تبريرات اجتماعية أو نظريات فلسفية أو أحكام عقائدية أو أفكار تقليدية . فهي حركة فكرية هادفة لها فاعلية ايجابية في البيئة الاجتماعية وفي العلاقات الاجتماعية وتنعكس روحها علي التنشئة الاجتماعية بما يحدث تغييرا في القيم والعمليات الاجتماعية المختلفة والعوامل الإيديولوجية غير مقتصرة علي النواحي السياسية ،بل تتعدي ذلك الي النواحي الدينية والعسكرية والاجتماعية والفكرية .. وهذه كلها تتأثر من جراء التغير .
وهناك كثير من الأفكار التي تلعب دورا هاما في إحداث التغير والتي تتعلق بالحرية والإنسان وحقه في الحياة ، وهذه بانتشارها تلاقي قبولا ويكون لها الأثر في إحداث التغير الثقافي والاجتماعي .
وقد استقطبت الايدولوجيا ودورها في التغير الاجتماعي كتابات كثيرة منها ما كتبه كارل مانهايم مطلع الخمسينيات ، وما كتبه ماكس فيبر حيث كان يري أن هناك فترات تحول تمر بالمجتمعات بفضل وجود عباقرة وأبطال ،أو انبثاق فئة من الحكماء والأنبياء والمرشدين أو العلماء ..
4 –العوامل التكنولوجية : ويقصد بها كافة العوامل التي تكون من ابتكار الإنسان بهدف إشباع حاجاته المختلفة ، فاختراع أو اكتشاف أية وسيلة من وسائل الإشباع الجديدة لها أثرها الكبير علي التغير الثقافي والاجتماعي . فقد أدي اكتشاف البخار والكهرباء مثلا الي انتقال الصناعة من المجال اليدوي الي المجال الآلي وما صاحب ذلك من حدوث تغيرات اجتماعية كثيرة بالنسبة لقوانين العمل والعلاقات الاجتماعية .
وقد شهدت الإنسانية في العصور الحديثة تغيرات تكنولوجية بعيدة المدى تتمثل في المخترعات التي أحدثت تغيرات جذرية في ميادين الفلك والطبيعة والكيمياء والطب ... وانعكست هذه المخترعات في تطوير الوسائل المستخدمة في الحياة بجوانبها المختلفة مما كان له أكبر الأثر في السير بالتغير الاجتماعي الي أبعد مدي وأوسع نطاق .
5 – العوامل الاقتصادية : كانت النظرية الماركسية أشهر النظريات التي فسرت التغير في المجتمع بردها الي عوامل اقتصادية . إن التفسير الاقتصادي للتغير الاجتماعي يعتبر القوي الاقتصادية“ كالفقر والبطالة والدورة الاقتصادية وفترات الرخاء والكساد وعدالة التوزيع أو عدمها ... ” هي المسئولة الي حد كبير عن التطورات والإحداث التاريخية التي يمر بها المجتمع الإنساني .
في الخلاصة لا يمكن القول إن عوامل التغير الاجتماعي والثقافي يمكن تعليلها بعامل واحد فالواقع يؤكد تساند وتفاعل عدة عوامل لإحداث التغير .