المحاضرةالثالثة عشر
أثار العولمة في حياتنا
”العولمة والمخاطر“
أثار العولمة في حياتنا :
تتغلغل أثار العولمة بقوة في حياتنا الخاصة ، فالعولمة ليست عملية تجري في كوكب أخر بعيد عنا ولا صلة لنا به . وقد دخلت سياق حياتنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية من خلال مصادر غير رسمية في كثير من الأحيان مثل وسائل الإعلام والثقافة الشعبية والتواصل الفردي مع أشخاص آخرين من ثقافات وبلدان أخري .ومن أبرز أثار العولمة في حياتنا ما يلي :
بزوغ النزعة الفردية : لقد أصبح الأفراد في عصرنا هذا أكثر قدرة علي تغيير مسارات وخيارات حياتهم . لقد كانت العادات والتقاليد في الماضي تمارس تأثيرا قويا علي مسالك الناس وأساليب حياتهم ، غير أننا في ظروف العولمة الراهنة نشهد تصاعد النزعة الفردية التي تتيح للناس الإسهام بدور أكبر في تكوين أنفسهم وبناء هوياتهم الخاصة . وقد أخذت وطأة التقاليد والقيم الراسخة بالانحسار بعد تزايد التفاعل بين الجماعات في إطار نظام عالمي جديد . كما تناقص وزن ” الرموز الاجتماعية ” التي كانت تحدد الملامح الرئيسية لخيارات الناس وأنشطتهم .
أنماط العمل : لقد أطلقت العولمة تحولات عميقة في عالم العمل . فقد تركت أنماط التجارة العالمية وأساليب الانتقال الي اقتصاد المعرفة أثارا بالغة علي أنماط الاستخدام والعمالة . إن كثيرا من الصناعات التقليدية قد تقادمت بعد التطورات التقنية . وقد أثرت التجارة العالمية وأشكال التقانة الجديدة في تجمعات التصنيع التقليدية حيث لحقت البطالة بالعمال الصناعيين الذين لا يمتلكون المهارات الجديدة التي تؤهلهم لدخول عالم الاقتصاد القائم علي المعرفة . وقد أدت العولمة الاقتصادية في كثير من بقاع العالم الي تزايد البطالة وارتفاع معدلات الجريمة والانحراف .
وفيما كان العديد من الناس في الماضي يقضون حياتهم العملية مع مستخدم أو صاحب عمل واحد خلال عقود من حياتهم فيما يسمي أحيانا ”مهنة العمر“ فقد تصاعدت هذه الأيام نسبة الأفراد الذين يختارون ويبدلون خياراتهم العملية ، وربما تضمن ذلك تغيير المهنة أو اكتساب مهارات وقدرات جديدة ، كما تفككت أنماط العمل المتفرغة النموذجية وتحولت الي ترتيبات أكثر مرونة من بينها : العمل في المنزل باستخدام تقنيات المعلومات المستجدة ، والمشاركة في أداء العمل في مهنة ما ، ومشروعات الاستثمار القصيرة الأمد وإتباع نظام ”الوقت المرن“ في العمل وما الي ذلك ..ودخلت النساء سوق العمل بأعداد كبيرة مما أحدث تغيرات بالغة في حياة الناس من كل من الجنسين. كما إن اتساع الفرص المهنية والتعليمية أمام النساء قد دعا أعداد كبيرة منهن الي إرجاء الزواج وإنجاب الأطفال الي ما بعد استقرارهن علي مسار علمي أو مهني .
الثقافة الشعبية : أصبحت الآثار الثقافية للعولمة في الآونة الأخيرة مدعاة للاهتمام والدراسة
لقد أخذت الصور والأفكار والسلع والأساليب الجديدة تنتشر في أنحاء العالم بصورة أسرع من ذي قبل . وأسهمت عمليات التبادل التجاري وتقانات المعلومات الجديدة ووسائل الاتصال والإعلام العالمية في انتقال الثقافات عبر الحدود الوطنية للدول والشعوب.
ويتحدث بعض الباحثين في هذه الآونة عما يسمونه ” الامبريالية“ التي بدأت فيها القيم والأساليب والآراء في العالم الغربي تغزو الثقافات الوطنية والشخصية القائمة لدي الشعوب الاخري وتتغلغل فيها وربما تهيمن علي عناصر أساسية فيها .
العولمة والمخاطر :
تؤدي العولمة الي نتائج بعيدة المدى وتترك أثارها علي جوانب الحياة الاجتماعية تقريبا
انتشار المخاطر المصنعة : يواجه البشر في العادة أنواعا من المخاطر ، غير أن ما يواجههم اليوم يختلف نوعيا عما صادفوه في الماضي . لقد تعرضت المجتمعات الإنسانية الي عهد قريب الي المخاطر الخارجية مثل : الجدب والزلازل والمجاعات والعواصف ... وكلها ناجمة عن العوامل الطبيعية ،غير إننا نواجه اليوم أنواعا جديدة ومتزايدة من المخاطر المصنعة – أي مصادر الخطر الناجمة عما لدينا من معرفة وتقانة وأثر الجمع بين هذين العنصرين علي عالم الطبيعة حولنا . وتعتبر أكثر المخاطر البيئية والصحية التي تتعرض لها المجتمعات المعاصرة من أبرز الأمثلة علي المخاطر المصنعة الناجمة عن تدخل البشر في الطبيعة .
المخاطر البيئية : وهي تتجلي في المخاطر التي تطرحها البيئة الطبيعية . فقد كان من نتائج التسارع في التنمية الصناعية والتقنية أن تزايد التدخل البشري في الطبيعة ،ولم تبق سوي جوانب قليلة من الطبيعة لم يمسها التدخل البشري الذي أشتمل حتى الآن علي مجالات النمو الحضري والإنتاج والتلوث الصناعي والمشروعات الزراعية الضخمة وبناء السدود وبرامج تطوير الطاقة النووية .
إن المخاطر الايكولوجية البيئية تواجهنا في عالمنا المعاصر بصور مختلفة ، ونظرا للغموض الذي يحيط بأسبابها فأنه لم تتضح حتى الآن أفضل السبل لمعالجتها ، ولم تتحدد المسؤولية للقيام بإجراء واضح لتحاشيها أو الحد منها .
المخاطر الصحية : هناك أمثلة علي المخاطر الصحية منها ما يشير الي إن تعرض الجلد لأشعة الشمس المستمرة قد يرتبط بأنواع معينة من السرطان، وتأثرت وسائل الزراعة وأساليب إنتاج الأغذية الحديثة تأثرا كبيرا بالتقدم الذي حققه العلم والتقانة وأدي ذلك الي تزايد استعمال المواد الكيميائية المبيدة للحشرات وللأعشاب الضارة في الإنتاج الزراعي التجاري وفي مجال تربية الحيوانات التي أصبحت بدورها تحقن بالهرمونات والمضادات الحيوية . ويري البعض أن أساليب الزراعة هذه قد تلحق الضرر بسلامة الأغذية وتترك أثارا سيئة علي صحة البشر .
مجتمع المخاطرة العالمي
إن ظاهرة الاحتباس الحراري وانتشار أمراض من نوع جنون البقر والجدل القائم الآن حول الزراعة المعدلة جينيا قد بدأت تطرح كلها مجموعة من الخيارات والتحديات الجديدة أمام الناس . وبدأ الأفراد والجماعات والمؤسسات المتعددة الجنسية تتخذ سلسلة من المبادرات والحملات الفردية والجماعية لمواجهة مثل هذه المخاطر المحتملة .
ويعتقد عالم الاجتماع الألماني ”أولريخ بك“ الذي كتب كثيرا عن المخاطر والعولمة ، أن هذه الأخطار جميعها قد أسهمت في إقامة ما يسميه ” مجتمع المخاطرة العالمي“ . إن التغير التقاني في تقدمه المتسارع يجلب معه أنواعا جديدة من المخاطر التي ينبغي علي الإنسان أن يواجهها أو يتكيف معها . ولا يقتصر مجتمع المخاطرة في رأيه علي الجانبين البيئي والصحي فحسب بل يشتمل كذلك علي سلسلة من التغيرات المترابطة المتداخلة في حياتنا الاجتماعية المعاصرة .