قالت لي أغمض عينيك ..
ولا اعلم لماذا أصرت على ذلك ..
فأغمضت عيني ..
وفوجئت بها تقبلني ثم تجري راكضة ..
وتختفي داخل الغرفة الخشبية ..
وفي الغد حصل لي ظرف طارئ
استوجب سفري خارج المدينة لأسبوعين متواصلين ..
لم استطع أن أودعها ..
فرحلت وكنت اعلم إنها تنتظرني كل ليلة
.. وعند عودتي ..
لم اشتاق لشيء في مدينتي ..
أكثر من شوقي لأسماء ..
في تلك الليلة خرجت مسرعا
وقبل الموعد وصلت المكان
وكان عمود الإنارة الذي نجلس تحته لا يضيء..
كان الشارع هادئا ..
أحسست بشي غريب ..
انتظرت كثيرا فلم تحضر ..
فعدت أدراجي ..
وهكذا لمدة خمسة أيام ..
كنت احضر كل ليلة فلا أجدها ..
عندها صممت على زيارة أمها لسؤالها عنها ..
فقد تكون مريضة ..
استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية
طرقت الباب على استحياء..
فخرج أخاها خالد ..
ثم خرجت أمه من بعده ..
وقالت عندما شاهدتني ..
يا إلهي .. لقد حضر ..
وقد وصفتك كما أنت تماما ..
ثم أجهشت في البكاء ..
علمت حينها أن شيئا قد حصل ..
ولكني لا اعلم ما هو ؟!
عندما هدأت ألام
سألتها ماذا حصل؟؟
أجيبيني أرجوك ..
قالت لي : لقد ماتت أسماء ..
وقبل وفاتها ..
قالت لي سيحضر أحدهم للسؤال عني فأعطيه هذا
وعندما سألتها من يكون ..
قالت اعلم انه سيأتي .. سيأتي لا محالة ليسأل عني؟؟
أعطيه هذه القطعة ..
فسالت أمها ماذا حصل؟؟
فقالت لي توفيت أسماء ..
في إحدى الليالي أحست ابنتي بحرارة وإعياء شديدين ..
فخرجت بها إلى أحد المستوصفات الخاصة القريبة ..
فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا أملكه ..
فتركتهم وذهبت إلى أحد المستشفيات العامة ..
وكانت حالتها تزداد سوءا.
فرفضوا إدخالها بحجة عدم وجود ملف لها بالمستشفى ..
فعدت إلى المنزل ..
لكي أضع لها الكمادات ..
ولكنها كانت تحتضر .. بين يدي ..
ثم أجهشت في بكاء مرير ..
لقد ماتت .. ماتت أسماء ..
لا اعلم لماذا خانتني دموعي ..
نعم لقد خانتني ..
لأني لم استطع البكاء ..
لم استطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها ..
لا اعلم كيف اصف شعوري ..
لا أتستطيع وصفه لا أستطيع ..
خرجت مسرعا ولا أعلم لماذا لم اعد إلى مسكني ...
بل أخذت اذرع الشارع ..
فجأة تذكرت الشيء الذي أعطتني إياه أم أسماء ..
فتحته ... فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة ..
وقد نقش عليها بشكل رائع كلمة أحبك ..
وامتزجت بقطرات دم متخثرة ...
يا الهي ..
لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة ..
وعرفت الآن لماذا كانت تخفي يديها في آخر لقاء ..
كانت أصابعها تعاني من وخز الإبرة التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز ..
كانت اصدق كلمة حب في حياتي ..
لقد كتبتها بدمها .. بجروحها .. بألمها ..
كانت تلك الليلة هي آخر ليلة لي في ذلك الشارع ..
فلم ارغب في العودة إليه مرة أخرى..
فهو كما يحمل ذكريات جميلة ..
يحمل ذكرى ألم وحزن ..