كيف أصبح بيير اوميديار (Pierre Omidyar) مبتكراً، وكيف استطاع أن ينشئ شركةً عملاقة كـ إي بي (eBay)؟ وكيف استطاع ستيف جوبز (Steve Jobs) أن يحلِّق بأبل
(Apple) وأن يصبح أسطورةَ زمانه في الأفكار الخلاَّقة؟
ومثلهم، مايكل ديل Michael Dell)).. كيفَ أنشأ شركته ديل (Dell) التي تهافت الناس وما زالوا يتهافتون على أجهزتها بتنافسٍ محموم؟
كيفَ أصبحوا كذلك؟ هل المسألة وراثية وجينية بحتة؟ هل باستطاعتنا أن نكونَ مثلهم؟ هل حقاً نستطيع أن نكون مبتكرين، وأن نجعل من منظماتنا حاضنات ابتكارية؟
جميعنا نتساءل ونطرح مثل هذه الأسئلة وربما أكثر، وجميعنا يعتقد أن هناك سراً، لا بد أن يُكشَفَ النقاب عنه، وأن هناك خلطة ما لا بد من تحليلها والإفصاح عن مكوناتها!
الحمض النووي (DNA ) للابتكار، واقع أم وهم!
لسنا وحدنا من يتساءل ويطرح مثل هذه الأسئلة، بل الباحثون أنفسهم أعيتهم الإجابة عنها، وأرهقتهم بحثاً ودراسةً وتحليلاً ومراقبة. فما الذي يجعل منظمةً ما ابتكاريه والأخرى لا؟ وما الذي يجعل شخصاً ما مفكراً مبتكراً وأخيه لا؟ لقد ظل هذا التساؤل لغزا حتى استطاعت مجموعة من الباحثين وبعد ستةِ أعوامٍ من الجهد والدراسة اكتشاف ما يسمى بالخلطة السرية للابتكار داخل المنظمات، أو الحمض النووي (DNA ) للابتكار!
ومثلما يُمَيز الحمض النووي أو الـDNA كل فردٍ بشري عن أخيه وأمهِ وبقية البشر، فإن العلماء قد وجدوا بأن لكل مبتكرDNA خاص به، هو عبارة عن خليط من خمس مهارات تميز كل مبتكر عن الآخر، وهذه المهارات هي: الربط، والتساؤل والملاحظة، والتجربة، والعلاقات.
أولاً: اربط بين المتناقضات
عقولنا ليست كقواميس اللغة:
خلافاً لقواميس اللغة التي تُصفَّف فيها الكلمات وفقاً لأبجديتها، فإن عقولنا تصنف الأفكار ليس وفق حروفها الأبجدية، وإنما لعلاقات أخرى متشعبة، ومختلفة بعضها منطقي والآخر غير ذلك. فقد تربط عقولنا بينَ فكرةٍ وأخرى نظراً لارتباطهما برائحة معينة، أو وقتٍ معين أو شعور معين، لذا فكلما توسعت تجاربنا وتشعبت خبراتنا كان على عقولنا عقد المزيد من عمليات الربط بين هذه التجارب والأحداث والمواقف. وعليه فكل مدخل جديد سواء كان معلومة أو فكرة يُعَد مُحَفِّزا بطريقةٍ أو بأخرى لعملية ربط جديدة. وبمحاكاة أسلوب العقل في الربط وتطبيقه سيكون بإمكاننا خلق أفكار جديدة، ورؤى جديدة ومنتجات جديدة.
ثانياً: تساءل دوماً

قد تعد مهارة التساؤل أهم مهارة تحتاج إلى تدريب، إذ هي تحفز بقية المهارات، لذا درِّب نفسك دائماَ على أن تسال لماذا نعم؟ ولماذا لا؟ اسأل أسئلة تفرض قيوداً وتستبعد أخرى، فهذا يساعدك بأن ترى المشكلة أو الفرصة من زاويا مختلفة. وأيضاً، حاول أن تقضي ما بين 15 إلى 30 دقيقة يومياَ وأنت تكتب أسئلة جديدة لتغير الوضع الحالي في منظمتك.
ثالثا: لاحِظ

يكن لكثيرِ من المبتكرين أن يبتكروا إلا بفضل الله ثم متابعتهم لأدق تفاصيل الحياة التي أراها أنا وأنت والناس جميعاً مجرد تفاصيلَ عادية. إنها الحقيقة!
ولِنسألَ أنفسنا كمثال.
كيف استطاع راتان تاتا أن ينتج أرخص سيارة في العالم؟ وكيف استطاع هاني سندي أن يبتكر المسجد الذكي؟
والإجابة ببساطة هي: أن راتان تاتا كان يراقب معاناة عائلة مكونة من أربعةِ أفراد تزاحموا جميعهم في دراجة بخارية، وبين مراقبته ومعاناتهم أطلقت مجموعة تاتا عام 2009 سيارة نانو كأرخص سيارة في العالم حيث بلغت تكلفتها 2500 دولاراَ فحسب، مما جعلها تكتسح الأسواق الهندية اكتساحاً مبهراَ.
ومثله؛ استطاع هاني سندي –كأنموذج عربي- أن يبتكر نظام المسجد الذكي، الذي يوفر 70% من الطاقة الكهربائية المستخدمة في المساجد، وذلك بعد أن لاحظ عدم استثمار الطاقة الاستيعابية الكاملة للمساجد إلا خلال صلاة الجمعة، في حين يتم استهلاك كافة الإمكانات الكهربائية المتاحة في معظم الأوقات يومياً، بدءاً من استخدام جميع الأجهزة الكهربائية، وانتهاء باستمرارية عملها لساعات متواصلة دون الاكتراث بحجم الخسائر الناجمة جراء هذا الإهمال.
ومثلَهم؛ إن كنتَ تريد الخروج بفكرةٍ مبتكرةٍ ناجحة، راقِب تفاصيل الحياة اليومية، وادرس ما يحب المستهلك وما لا يحب، راقبه وهو يستخدم المنتج، وتابع كيف يستخدمه؟ ومتى؟ وأين؟، حاول أن لا تصدر أحكاماً، اطلع على التجارب الجديدة، والمنتجات الجديدة، والإعلانات الجديدة. اجعل من عاداتك حمل مفكرة تسجل فيها كل ما تلاحظه وباستمرار، والتقط صوراً لكل ما تراه غريباً، كن فطناَ نبيهاَ، لا تدع شيئاَ يمر على عينك مرور الكرام، بل لاحظه، فما الملاحظة إلا محاولة لرؤية العالم بألوان مختلفة.
رابعاً: جرِّب ثم جرِّب ثم جرِّب
ارتبطت التجربة في كتبنا التعليمية وفي الأفلام التعليمية حين كنا صغاراَ بالمعاطف البيضاء!
فمن جرب ويختبر لا بد أن يكون عالماً في مختبر أو طبيباً مع مريض!
لا ننكر صحة هذه الصورة النمطية ولو في جزء منها، لكننا بالتأكيد لا نستطيع أن نتجاهل أن القائد بحاجة إلى أن يختبر نظامه القيادي الجديد، والريادي بحاجة إلى أن يختبر منتجه الحديث، والمصمم بحاجة إلى أن يقيس نجاح أعماله! الكل يحتاج إلى أن يختبر، حتى الطاهية لا بد أن تتذوق ما تطهوه، والعامل في المزرعة لا بد أن يفحص ما قام بغرسه. فبالاختبار والقياس والتجربة يدرك أحدنا موقعه على خريطة الحياة، هل تقدَّم كما يجب؟ هل حقق ما يطمح؟ وكم هو قريب من هدفه؟
وإن كنا بصدد إنتاجٍ ابتكاري ما، فلا بد أن نجرب ونقيم ونطرح مزيداً من الأسئلة آنفة الذكر، وعلى ضوء التجربة يمكننا أن نقدم النماذج الأولية لصورة المنتج، و”ما العالم إلا معمل أيضاً” كما قال إديسون.
خامساً: وسِّع دائرة علاقاتك
ببساطة، وكما قال جوبز، لتبتكر، اخرج من إطار مهامك اليومية، وتخصصك، وأصدقائك المعتادين، ولتصادق خبيراً في مجالٍ آخر، أو فناناً أو حتى عاملا في مقهى.
وأيضاً، سافر بعيداً حيثُ ثقافاتٍ أخرى، تعرف على رؤى مختلفة، واكتشف أساليب أخرى للحياة، وأوضاعاً معيشية غير وضعك. تعرف على مرضى وأصحاء، فقراء وأغنياء، أوروبيين وصينيين، واحضر مؤتمراً سياسياً وآخر تقنيا، أو تربويا، أو حتى متخصصاً بالتصميم. تعرف إلى مشاكل الناس وتطلعاتهم، أسلوب نقاشهم وأطروحاتهم وأفكارهم وميولهم ومشاريعهم، إنك حتماً، ستجد نفسك أكبر خبرة ودراية وعلماً لا عمرا، والأهم أن تصبح ذا تفكيرِ ابتكاريِ نشط.
لمبتكرين لغتهم الخاصة أيضاً!
لقد كشف الباحثون أن المبتكرين يتميزون عن غيرهم –علاوةً على المهارات المذكورة أعلاه- بلغةٍ خاصة، تحمل في طياتها رؤى خاصة، تحمل في طياتها رؤى وطموحات عالية الهمةَ، فجيف بيزوس على سبيل المثال، أراد أن “يصنع تاريخاً”، وستيف جوبز أراد أن ” يصنع ناقوساً للعالم”، وبمثل هذه اللغة استطاعوا إبهار العالم بمنجزاتهم
بس عجبني