عرض مشاركة واحدة
قديم 2010- 12- 24   #4
أمل النور
أكـاديـمـي ذهـبـي
 
الصورة الرمزية أمل النور
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 40172
تاريخ التسجيل: Mon Nov 2009
المشاركات: 688
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 107
مؤشر المستوى: 65
أمل النور will become famous soon enoughأمل النور will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: انجليزي انتساب مطور
الدراسة: انتساب
التخصص: اللغة الانجليزية
المستوى: خريج جامعي
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
أمل النور غير متواجد حالياً
رد: الاخلاق الاسلامية واداب المهنة

المحاضرة الرابعة
وسائل اكتساب الأخلاق
المقدمة
ذكرنا فيما تقدم أن هناك أخلاقاً فطرية, بمعنى أن بعض الناس تشمله العناية الإلهية فيولد سليم الفطرة, كامل العقل, حسن الخُلق, عالِماً مؤدَّباً بغير معلِّمٍ أو مؤدِّبٍ كما هو الحال في الأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام الذين اصطفاهم الله واختارهم, وجعلهم بفضله قدوات صالحة تمثل قمة الكمال البشري. وهناك من يمُنُّ الله عليه ببعض الصفات الخلقية الحميدة كما في حديث أشج عبد القيس حين أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله, الحلم والأناة". وحين سأله أهما من كسبه أم جبله الله عليهما؟ قال: "بل الله جبلك عليهما".() فإذا ما استثنينا هذه الحالات فإن الصفات الخلقية الحميدة تحتاج إلى وسائل لاكتسابها والاتصاف بها, ومن أهم هذه الوسائل:
التدريب العملي والرياضة النفسية:
وذلك من خلال مجاهدة النفس, وحملها على الأعمال التي يقتضيها الخُلق المطلوب. فمن أراد مثلاً أن يُحَصِّلَ لنفسه خُلُق الجود, فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد, وهو بذل المال, فلا يزال يطالب نفسه, ويواظب عليه تكلفاً, مجاهداً نفسه فيه حتى يصير ذلك طبعاً له, ويتيسر عليه, فيصير به جواداً. وكذا من أراد أن يُحَصِّلَ لنفسه خُلُق التواضع وقد غلب عليه الكِبْر, فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة, وهو فيها مجاهد نفسه, ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقاً له وطبعاً, فيتيسر عليه.
وجميع الأخلاق المحمودة شرعاً تحصل بهذا الطريق, وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذاً. فالسخي: هو الذي يَسْتلِّذ بذلَ المال الذي يبذله, دون الذي يبذله عن كراهة. و المتواضع: هو الذي يَسْتلِّذ التواضع. وفي هذا المعنى جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة), ويجب أن يكون هذا الاستلذاذ للطاعة واستكراه المعصية على الدوام وفي جملة العمر, وكلما كان العمر أطول, كانت الفضيلة أرسخ وأكمل, ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: (من طال عمره, وحسن عمله), وهو ما كان يجعل الأنبياء والصالحين من العباد يكرهون الموت, فإن الدنيا مزرعة الآخرة, وكلما كانت العبادات أكثر بطول العمر, كان الثواب أجزل, والنفس أزكى وأطهر, والأخلاق أقوى وأرسخ.
فإذن يمكن اكتساب الأخلاق الجميلة بالرياضة, بتكلف الأفعال الصادرة عنها ابتداءً لتصير طبعاً انتهاءً, وهذا من أثر العلاقة بين القلب والجوارح. أي النفس والبدن. فإن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها, وكل فعل يجري على الجوارح فإنه قد يرتفع منه أثر إلى القلب, والأمر فيه دور. ويعرف ذلك بمثال؛ وهو: أن من أراد أن يصير حاذقاً في الكتابة (خطاطاً) فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب الحاذق, ويواظب عليه مدة طويلة, يحاكي الخط الحسن, فإن فعل الكاتب هو الخط الحسن, فيتشبه بالكاتب تكلفاً ثم لا يزال يواظب عليه, حتى يصير صفة راسخة في نفسه, فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعاً, كما كان يصدر منه في الابتداء تكلفاً. وكذلك من أراد أن يصير فقيه النفس, فلا طريق له إلا أن يتعاطى أفعال الفقهاء, وهو التكرار للفقه, حتى تنعطف منه على قلبه صفة الفقه, فيصير فقيه النفس. وكذلك من أراد أن يصير سخياً عفيف النفس حليماً متواضعاً فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفاً حتى يصير ذلك طبعاً له فلا علاج له إلا ذلك.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة فقال: (مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ،وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ). أي أن من درب نفسه وحملها على ما يريد, وجد الاستجابة له بإذن الله. فالبداية من العبد, ثم يأتيه التوفيق من الله تعالى. فكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً, وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء, فكذلك النفس تخلق ناقصة, قابلة للكمال. وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق, والتغذية بالعلم.
البيئة الصالحة والجليس الصالح:
وذلك بمشاهدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم, وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح, إذ الطبع يسرق من الطبع الشرَّ والخيرَ جميعاً. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً). رواه البخاري ومسلم. قال النووي: "في الحديث تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فُجْرُه وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة".
وقال الشيخ ناصر السعدي رحمه الله: "اشتمل هذا الحديث على الحث على اختيار الأصحاب الصالحين، والتحذير من ضدهم, ومثل النبي صلى الله عليه وسلم بهذين المثالين، مبيناً أن الجليس الصالح: جميع أحوالك معه, وأنت في مغنم وخير، كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك: إما بهبة، أو بعوض. وأقل ذلك: مدة جلوسك معه، وأنت قرير النفس برائحة المسك فالخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذفر، فإنه إما أن يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك، أو يهدي لك نصيحة، أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك. فيحثك على طاعة الله, وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويبصرك بعيوب نفسك، ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله. فإن الإنسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه، والطباع والأرواح جنود مجندة، يقود بعضها بعضاً إلى الخير، أو إلى ضده.
وأما مصاحبة الأشرار: فإنها بضد جميع ما ذكرنا، وهم مضرة من جميع الوجوه على من صَاحَبَهُمْ، وشر على من خالطهم. فكم هلك بسببهم أقوام. وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون. ولهذا كان من أعظم نعم الله على العبد المؤمن: أن يوفقه لصحبة الأخيار. ومن عقوبته لعبده: أن يبتليه بصحبة الأشرار. صحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين. صحبة الأخيار توجب له العلوم النافعة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة. وصحبة الأشرار: تحرمه ذلك أجمع: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا , يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا , لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }
إن أقل ما تستفيده من الجليس الصالح - وهي فائدة لا يستهان بها - أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي، رعاية للصحبة، ومنافسة في الخير، وترفعاً عن الشر، وأن يحفظك في حضرتك ومغيبك، وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك، وأن يدافع عنك بسبب اتصاله بك، ومحبته لك. وتلك أمور لا تباشر أنت مدافعتها، كما أنه قد يصلك بأشخاص وأعمال ينفعك اتصالك بهم. وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى. وحسب المرء أن يعتبر بقرينه، وأن يكون على دين خليله.
وفي حديث آخر بين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثر البيئة الفاسدة والبيئة الصالحة على المرء, فقَالَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ. فَقَالَ: لا. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ. فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ: مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ: مَلائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَط. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَه. ُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ) قال النووي: "قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدى بهم وينتفَع بصحبتهم" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ)
القدوة الحسنة:
الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد, وهذا أمر واقعٌ مشاهد في دنيا الناس, فإذا نظرت إلى كثير من الكافرين وجدت أن كفرهم كان تقليداً لآبائهم وكبرائهم, [وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ] {البقرة:170}. وإذا كان هذا الأمر مشاهداً ومسلَّماً في حياة الناس, إذاً فليتخذ الإنسان العاقل من أكمل الخَلْق إيماناً وأخلاقاً القدوة في حياته, وهو رسول الله الذي ارتضاه الله لنا قدوة, وأمرنا بالتأسي به, فقال تعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21}. فهو خير قدوة يقتدي بها الأفراد ، وخصوصاً الطامحون لبلوغ الكمال الإنساني في السلوك. ولئن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه فإن الله قد حفظ لنا سنته، وبقيت سيرته خالدة شاهدة على سمو روحه وكمال نفسه ورفعة أخلاقه ، فما على من أراد التأسي به إلا مطالعتها والعمل بما كان عليه صلى الله عليه وسلم.
إن المسلم إذا أُبرزت أمامه القدوات الطيبة, والنماذج الراقية, فإنه يسارع إلى تقليدها والتأسي بها. وإنه مطالب بالتأسي بالنماذج الطيبة المرضية عند الله تعالى، وقد وجدنا القرآن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تحدث عن بعض الأنبياء والمرسلين. [أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ] {الأنعام:90}
وهذه القدوة الصالحة لها تأثير عجيب في اكتساب الفضائل لأسباب متعددة.. منها:
كون هذه القدوة محل تقدير وإعجاب كبير من الناس، مما يولد في الفرد المحروم من أسباب هذا المجد حوافز قوية تدفعه إلى تقليد هذه القدوة الصالحة ومحاكاتها في أخلاقها وسلوكها، مما يحولها مع الوقت إلى خلق مكتسب.
وجود القدوات الصالحة والنماذج الحسنة يعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل أمر ممكن فيدفع إلى محاولة التخلق بمثل أخلاقه.
أن النفس البشرية تتأثر بالأمور العملية أكثر بكثير من تأثرها بالأمور النظرية ؛ولهذا وجدنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها تشير على النبي أن يبدأ بحلق رأسه بعد صلح الحديبية في وقت امتنع فيه كثير من المسلمين عن الحلق فلما رأوا رسول الله حلق تسابقوا إلى الحلق تأسيا به صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أيضا أثر عن بعض السلف قوله:إن فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل.
إن من واجب المصلحين والدعاة المربين : أن يبرزوا للناس وخصوصاً للشباب والنشء النماذج الصالحة أسلافنا, من صحابة رسول الله وتابعيهم بإحسان, فيبرزوا سير العلماء الربانيين, والزهاد الأتقياء العابدين, والقادة الأفذاذ الفاتحين, والمربين الناجحين المؤثرين لتتحرك الهمم نحو التأسي بهم, والسير على نهجهم.
الضغط الاجتماعي:
ونعني بذلك المجتمع المسلم, بما يشكله من رقابة على سلوك الأفراد, وإلزامهم بفضائل الأخلاق.
وذلك أن الفرد يعيش مع الناس داخل هذا المجتمع, يحتاجهم في شؤون حياته, ولا يستغني عنهم, ويحتاج منهم التقدير والاحترام, فإذا ما أقدم على تصرف سيء فسيجد من يحاسبه على سلوكه ذاك, وسيشعره بأنه أقدم على سلوك غير مقبول, ومن ثم فإن عليه أن لا يعاوده. ويوماً بعد يوم, ومع هذه الرقابة من المجتمع والضغط الذي يشكله على سلوكه, فإنه سيهجر هذا التصرف السيئ وسيبدله بتصرف آخر مقبولاً ويجلب له الرضا والاحترام والتقدير ممن حوله. والفرق بين هذا وبين ما سبق من تأثير البيئة الصالحة, هو أن البيئة: هي تلك المجموعة من الناس الذين يعيش معهم بشكل مباشر كل يوم, وبصورة مستمرة.
هنا فالضغط الاجتماعي: يعني ما هو أعم. إنه المجتمع بكل طبقاته وأطيافه وفئاته. فهناك رقابة من المجتمع على وسائل الإعلام المختلفة من جرائد ومجلات وكتب وإذاعات وخطب ومقالات ومواعظ وحوارات, فيقوم مستمعوه وقراؤه, بمحاسبته على أقواله وتصرفاته المخالفة للفضائل الخلقية. فالمسؤولية اجتماعية, وفي بيان ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ثُمَّ قَالَ كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا) رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما.
ويؤيد الحديث الآخر: (مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَصَارَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، وَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعاً، وَإنْ أخَذُوا عَلَى أيدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوْا جَميعاً) رواه البخاري. ومعنى (القَائِم في حُدُودِ اللهِ تَعَالَى): المنكر للوقوع فيها، والقائم في دفعِها وإزالتِها، وَالمُرادُ بالحُدُودِ: مَا نَهَى الله عَنْهُ. ومعنى: اسْتَهَمُوا: اقْتَرَعُوا
سلطان الدولة:
ونعني بها السلطة الحاكمة بما تملكه من قوة ردع, وأجهزة رقابة, وفي بيان أثر هذه الرقابة من الدولة يقول الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). أي أن الله يدفع بالسلطان أناساً عن اقتراف المنكر, وذلك خوفاً من عقوبته, لأن القرآن الكريم لا يدفعهم ولا يؤثر فيهم, فقلوبهم ميتة, وإيمانهم ضعيف, وعقولهم معطلة, وما يردعهم هو خوف العقوبة فقط.