عرض مشاركة واحدة
قديم 2011- 1- 1   #4
ابوصالح
أكـاديـمـي نــشـط
 
الصورة الرمزية ابوصالح
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 66476
تاريخ التسجيل: Tue Dec 2010
المشاركات: 129
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 252
مؤشر المستوى: 55
ابوصالح is a jewel in the roughابوصالح is a jewel in the roughابوصالح is a jewel in the rough
بيانات الطالب:
الكلية: كلية الأداب
الدراسة: انتساب
التخصص: علم اجتماع
المستوى: المستوى الثاني
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
ابوصالح غير متواجد حالياً
رد: ممكن مخلص للعقيدة الاسلامية؟؟

المحاضرة الأولى
مقدمة

الحمدُ لله ذي العز المجيد، والبطش الشَّديد، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنَّار بعد الإنذار بها والوعيد، المُكَرَّم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كُلِّ خير مزيد، فسبحان من قسم خلقه قسمين، وجعلهم فريقين فمنهم شقيٌ وسعيد، من عمل صالحاً فلنفسهِ ومن أَساءَ فعليها وما رَبُّكَ بظلاَّمٍ للعبيد، أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتَّمْجيد، وأشكره ونعمه بالشُّكر تدوم وتزيد، وأَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شريك له ولا كُفْوَ ولا عدل ولا ضد ولا نديد، وأَشْهَدُ أنَّ محمداً عبده وَرَسُوْلُهُ الداعي إلى التَّوْحِيْد، السَّاعي بالنصح للقريب والبعيد، المبشِّر للمؤمنين بدارٍ لا ينفد نعيمها ولا يبيد، المحذر لمن خالف أمره مِنْ نَارٍ تلظَّى بدوام الوقيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة لا تزال على كَرِّ الجديدين في تجديد ، وسلَّم تسليماً أَمَّا بعد :
فإنَّ اللهَ خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، ويخافوه ويوحدوه، فمن تَأَمَّلَ الكتاب الكريم، وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السُّنَّة الصحيحة التي هي مفسرة ومبينة لمعاني الكتاب، وكذلك سِيَر السَّلَف الصَّالِح أهل العلم والإيمان، من الصًّحَابَة والتَّابِعِيْن لهم بإحسان، من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الحرص على تَوْحِيْد الله في رُبُوْبِيَّتِهِ وَأُلُوْهِيَّتِهِ والأَسْمَاءِ وَالصِّفَات، وأنَّ ذلك هو الذي رقَّاهم إلى تلك الأحوال الشَّريفَة والمقامات السَّنِيَّات، ومن أراد السَّيْر على منوالهم، والاقتداء بأفعالهم، فلينهج نهجهم في حرصهم على الْعَقِيْدَة، وليعزم على تعلمها عزيمةً أكيدة، فإنَّه ظافرٌ بالسَّعادة، وحائزٌ على العزة والرِّيادة، ومن أجل تحقيق ذلك فهذه ورقات في بيان عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، الفرقة النَّاجية المنصورة إلى قيام السَّاعة، جريتُ فيها على الاختصار، سائلاً المولى الرَّحيم الغفَّار، أنْ يُنَجِيْنِي بها من النَّار، ويجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنَّه هو البر الرحيم، وصلى اللهُ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مبادئ علم العقيدة
مبادئ علم الْعَقِيْدَة:
إنَّ لكل علمٍ مبادئ ، نَظَمَهَا بعضُهُم في هذه الأبيات:

إنَّ مبادي كُلَّ فـنٍ عـشـرة الحَـدُّ والموضوعُ ثُمَّ الثَّمَرة
وفـضلُه ونسبةٌ والـواضعُ والاسْمُ الاستمدادُ حكمُ الشَّارع
مسائلٌ والبعضُ بالبعضِ اكتفى ومَنْ دَرَى الجميعَ حَازَ الشَّرَفَا
تعريف العقيدة في اللغة:

الْعَقِيْدَة لغةً: فعيلة بمعنى مفعولة؛ كقتيلة بمعنى مقتولة.
وعقد واعتقد بمعنى اشتد، وصلب، واستحكم، وَمَدَارُ الكلمة على الُّلزوم، والتَّأكُد ، والاستيثاق.
ويطلق على العهد وتأكيد اليمين (عَقْدٌ).
وما عقد الإنسان عليه قلبه فهو (عَقِيْدَةٌ).
وأصلها من العقد: وهو بمعنى الربط والشد بقوةٍ وإحكام، ومنه الإِبرام، والتَّماسك، والمُراصَّة، والتَّوثيق، والتَّأكيد، والجزم، كلها تُسَمَّى عَقْدَاً، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ في التَّصميم والاعتقاد الجازم.

تعريف العقيدة اصطلاحاً:
التَعْرِيْفُ الاصطلاحي للعَقِيْدَة له مفهومان: عام، وخاص، فالمفهوم العام: هو معنى الْعَقِيْدَة بقطع النَّظر عن كونها صحيحة أو فاسدة، أمَّا بالمفهوم الخاص: فهو تَعْرِيْفُ الْعَقِيْدَة الصحيحة.
الْعَقِيْدَة بالمفهوم العام: هي الإيمان الجازم، والحكم القاطع، الذي لا يتطرَّق إليه شَكٌ لدى المُعْتَقِد.
الْعَقِيْدَة بالمفهوم الخاص (وهي الْعَقِيْدَة الإِسْلامية): هي الإيمان الجازم بالله I، وما يجب له في رُبُوْبِيَّتِهِ، وَأُلُوْهِيَّتِهِ، وأسمائه وصفاته، والإيمان الجازم بقضايا الغيب ومنها: الملائكة، والْكُتُبُ، والرُّسُل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النَّصوص من قضايا الاعتقاد، وما أَجْمَعَ عليه السَّلَفُ، والتَّسْلِيم لله في الحكم والأمر والشَّرْعِ، ولرسوله r بالطاعة والتَّحكيم والاتِّبَاع.

تعريف التوحيد:
التَّوْحِيْدُ لغةً: مشتق من وَحَّدَ الشيء إذا جعله واحداً، فهو مصدر وَحَّدَ يُوَحِّدُ، أي جعل الشيء وَاحِدَاً.
لا يتحقق التَّوْحِيْد إِلاَّ بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموَحَّد، وإثباته له وحده؛ فمثلاً نقول إنَّه لا يتم التَّوْحِيْد حتى يشهد أنْ لا إله إِلاَّ اللهُ، فينفي الأُلُوْهِيَّة عمَّا سوى الله عز وجل، ويثبتها لله وحده، وذلك أنَّ النفي المحض تعطيلٌ محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم.
فلو قلتِ مثلاً: فلانة قائمة، فهنا أثبتِ له القيام، لكنَّكِ لم توحديه به؛ لأنَّه من الجائز أنْ يشاركها غيرها في هذا القيام، ولو قلت لا قائمة، فقد نفيتِ نفياً محضاً ولم تثبتِ القيام لأحد، فإذا قلتِ لا قائم إِلاَّ هند، فحينئذٍ تكون وحدتِ هنداً بالقيام حَيْثُ نفيتِ القيام عمَّن سواها وهذا هو تحقيق التَّوْحِيْد.
واصطلاحاً: إفراد الله I بما يختص به من الرُّبُوْبِيَّة، والأُلُوْهِيَّة، والأَسْمَاء وَالصِّفَات.

موضوع الْعَقِيْدَة:
إنَّ موضوع الْعَقِيْدَة من حَيْثُ كونها علماً هو معرفة الله بإثبات ما لله من صفات كماله، ونعوت جلاله، وتنـزيهه عن كُلِّ نقصٍ وعيب، وتنـزيهه عن مشابهة المخلوقات، وتقرير التَّوْحِيْد والإيمان، والغيبيات، والنبوات، والقدر، وسائر أصول الاعتقاد، بأدلتها من الكتاب والسُّنَّة وإجماع السَّلَف، ودفع ما يعارض هذه الأصول، والرد على المبتدعة المعارضين، وذم الغافلين المعرضين، ومدح أهل السُّنَّة القائمين بهذه الْعَقِيْدَة علماً وعملاً وحالاً ودعوةً، وبيان ما لهم عند ربهم من الكرامة. وهذه الموضوعات الجليلة هي أصل العلوم كلها. .

ثمرة العقيدة:
إنَّ ثمرة علم الْعَقِيْدَة هي أغلى ثمرة يبحث عنها الإنسان؛ ألا وهي الفوز بسعادة الدارين.
فالبشر كلهم عبيدٌ الله، ووظيفةُ الأمة وقيمتها أنْ تقوم بالعبادة، فالتي لا تقوم بالعبادة، ولا تؤدي وظيفتها فقد ثارتْ على فطرتها، وفقدتْ قيمتَها، وقوام العبودية تصحيح الْعَقِيْدَة والإيمان، فمن تطرَّق إلى عقيدتها خلل، أو تعرض إيمانها لفساد لم تقبل منها عبادة، ولم يصحَّ لها عملٌ، وَمَنْ صَحَّتْ عقيدتها، واستقام إيمانها كان القليل من عملها كثيراً، ومن هنا وجب على كُلِّ مسلمة أنْ لا تدخر وسعاً في تصحيح إيمانها، وأنْ يكون الحصول عليه والاستيثاق منه غاية أملها، ونهاية سؤلها لا تعدل به شيئاً، ولا تتأخر فيه دقيقة.

فضل علم الْعَقِيْدَة:
إنَّ علم الْعَقِيْدَة أشرف العلوم، وأفضلها، وأفرضها، وأنفعها، وأجلها؛ لأَنَّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو اللهُ تبارك وتَعَاْلَى.
نسبة علم الْعَقِيْدَة إلى بقية العلوم:
* أمَّا عن نسبة علم الْعَقِيْدَة إلى بقية العلوم فهو أصل العلوم؛ إذ العلوم كلها مبنيَّة على الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وهذه هي أصول الإيمان وأركانه، وغير ذلك من الأسس - التي لابد منها في سائر العلوم - هي موضوعات يتناولها علم الْعَقِيْدَة
واضع علم الْعَقِيْدَة:
* إنَّ واضع علم الْعَقِيْدَة هو الله تبارك وتَعَاْلَى بواسطة رسله عليهم الصلاة والسلام، وهذا مما يدل على عظيم منزلة هذا العلم، وعلو قدره.

أسماء علم الْعَقِيْدَة:
· يُعرف هذا العلم عند أهل السُّنَّة بعدة أسماء، تصدق عليه وهي كالتَّالي:
1-الْعَقِيْدَة: (والاعتقاد والعقائد): فيقال عَقِيْدَةُ السَّلَف، وعَقِيْدَةُ أهل السُّنَّة، وعَقِيْدَةُ أهل الأَثَر ونحوه، ومن ذلك:
· شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة للإمام اللالكائي.
2-التَّوْحِيْد: وهو وإنْ كان موضوعاً من موضوعات الْعَقِيْدَة، لكنْ لأنَّه من أشرف موضوعات الْعَقِيْدَة وأهمها أُطلق على الْعَقِيْدَة؛ لأَنَّ إطلاق الجزء على الكل دليل على أهميته، ومن ذلك:
· كتاب التَّوْحِيْد وإثبات صفات الرب، لابن خزيمة.
· كتاب التَّوْحِيْد، لابن مندة.
· كتاب التَّوْحِيْد، لشيخ الإِسْلام محمد بن عبد الوهاب.
أقل الجمع:
3- السُنَّة: وأطلق السَّلَفُ اسْمَ السُّنَّة على الْعَقِيْدَة؛ لأَنَّ السُّنَّة تشمل كُلَّ ما أُثِرَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقاد أولاً، والعلم ثانياً، والعمل ثالثاً؛ ولأنَّ السُّنَّة في اللغة الطريقة، فأُطلق على عَقِيْدَة السَّلَف السُّنَّة لاتباعهم طريقة الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، وهذا الإطلاق هو أشهر إطلاقات الْعَقِيْدَة في القرون الثَّلاثة المفضَّلة، ومن ذلك:
· السُّنَّة، للإمام أحمد.
· السُّنَّة، للإمام عبد الله بن الإمام أحمد.
· السُّنَّة، للخلال.

دخول النبي r في خطاب أمته
هل يدخل النبي r في عموم الخطابات القرآنية، مثل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} {يَا عِبَادِيَ}؟
قال الجمهور بالإيجاب.
وقال البعض بالنفي.
والراجح قول الجمهور ؛ لأنَّ هذه الصيغ عامة لكل إنسان ولكل مؤمن، وهو صلى الله عليه وسلم سيد الناس وسيد المؤمنين، فلا يخرج منها إلا بدليل.

تخصيص العام:
قلنا : إن العام يستغرق جميع أفراد مفهومه ، وإن الحكم المتعلق به يثبت لكل أفراده ولكن قد يقوم الدليل على أن مراد الشارع من العام ابتداءً ليس له العموم أي ليس هو استغراق جميع أفراد مفهومه ، ولا ثبوت الحكم لجميع أفراده ، وإنما مراده ابتداء بعض أفراد العام، وثبوت الحكم لهذا البعض وهذا هو المقصود بتخصيص العام.
فالتخصيص إذن هو قصر العام على بعض مسمياته، أي أفراده، والدليل الذي دل عليه يسمى (المُخَصِّص).
وقد اشترط البعض كالحنفية في المُخَصِّص أنْ يكون مقارناً للعام، ومستقلاً عن الكلام الذي ورد فيه ، فإن لم يكن مقارنا للعام كان ناسخا لا مخصصا، وكذلك إن لم يكن مستقلا عن لفظ العام ، كالاستثناء ، لا يسمى : مخصصا ، وإنما يسمى : صرف العموم به عن عمومه ، وقصره على بعض أفراده قصرا وهو دليل القصر.
ولكن الجمهور، لم يشترطوا في المُخَصِّص ما اشترطه الحنفيه فيه، فعندهم قد يكون التخصيص بدليل مستقل أو غير مستقل ، مقارن للنص العام أو غير مقارن له ، ولكن بشرط أنْ لا يتأخر وروده عن وقت العمل به ، وإلا عد ناسخا لا مخصصا.
ونذكر فيما بدليل التخصيص على قول الجمهور :
التخصيص: دليل
أدلة تخصيص العام نوعان: متصل ومنفصل.
أمَّا المتصل: فهو مالا يستقل بنفسه، بل يكون مذكوراً مع العام، ويتعلق معناه باللفظ الذي قبله، ويكون جزءاً من الكلام الذي اشتمل على اللفظ العام.
أمَّا المنفصل: فهو ما يستقل بنفسه ولا يكون جزءاً من الكلام الذي اشتمل على اللفظ العام.
المخصص المنفصل، أي المستقل :
وهو أربعة أنواع :
الأول: الكلام المستقل المتصل بالعام.
الثاني: الكلام المستقل المنفصل عن العام.
الثالث: العقل.
الرابع : العرف.

أولا : الكلام المستقل المتصل بالعام :
ومعنى (مستقل) أي تام بنفسه. ومعنى متصل بالعام أي مذكور معه بأن يأتي عقبه.
ومثاله: قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة :185] فالعموم الوارد فيه يشمل كل من حضر شهر الصوم، فيجب عليه صيامه، ولكن خص هذا العموم بمن عدا المرض والمسافر بدليل ما جاء بعده من كلام مستقل متصل به ، وهو قول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فالمريض والمسافر غير مشمولين بعموم النص القاضي بوجوب الصيام على من شهد الشهر.

ثانيا : الكلام المستقل المنفصل :
وهو الكلام التام بنفسه، ولكنه غير موصول بالنص الوارد فيه اللفظ العام.
ومثاله: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} [البقرة :228]، فلفظ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} عام يشمل كل مطلقة، مدخول بها أو غير مدخول بها، فتجب عليها العدة بما ذكر من القروء، ولكن هذا العموم خص بالمطلقات المدخول بهن. أي أنَّ النص ينصرف إلى المدخول بهن دون غيرهن، بقوله تعالى – وهو المخصص هنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب : 49].
ومثله قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}.[المائدة : 3] عام في كل ميته فيكون حكمها التحريم ولكن خص بغير ميته البحر، لقول النبي r عن البحر: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).
ومثاله أيضا : قوله تعالى في القذف وعقوبته : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [النور:5،4]، أفاد هذا النص عموم القاذفين؛ لأنَّ لفظ {الَّذِينَ} عام، فيدخل فيه الأزواج وغيرهم إذا قذفوا، كما يدخل في عموم لفظ {الْمُحْصَنَاتِ} زوجات القاذفين وزوجات غيرهم، فيجب حد كل قاذف زوجا كان أو غير زوج.
ولكن هذا العموم المستفاد من هذا النص خص بغير الزوج، بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور6-9] ، فهذا النص خصص عموم النص الأول، وجعله قاصرا على غير الأزواج إذا قذفوا، أما الأزواج إذا قذفوا زوجاتهم فيشملهم ما جاء بالنص المخصص. وهذا رأي الجمهور، لأنهم لا يشترطون في المخصص أن يكون مقارناً للعام. أما الحنفية فلا يعتبرون هذا تخصيصا بل يعتبرونه نسخاً جزئيا، أي إن النص الثاني نسخ من حكم العام ما يتعلق بالأزواج وقذفهم لزوجاتهم، فأبطل حكم العام عنهم، وخصهم بحكم دون غيرهم.

ثالثاً: العقل:
وهو يصلح أنْ يكون دليلا على تخصيص جميع النصوص المشتملة على تكليفات شرعية، يقصرها على من أهلٌ للتكليف دون غيرهم من صغار ومجانين، وقد أيد الشرع دليل العقل، فجعل مناط التكليف البلوغ مع العقل، كما ذكرنا من قبل.
ومثال التخصيص بالعقل، قوله تعالى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ونحو ذلك من النصوص العامة في التكليفات الشرعية ، كلها خصت بغير الصغار والمجانين، والمخصص هو العقل، والشرع دل على ما دل عليه العقل.

رابعاً: العرف:
وهو يصلح أنْ يكون مخصصا للفظ العام ، وهذا مذهب المالكية ، قال القرافي: وعندنا العوائد مخصصة للعموم.
مثاله: قول الله تعالى عن الريح التي دمرت بعض الأمم الظالمة ، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف :25] أي تدمر كل شئ جرت العادة بتدميره بمثل هذه الريح ، بدليل ما ذكره الله تعالى بعد هذه العبارة ، وهو قوله تعالى {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ}.
ومنه أيضا ما قاله تعالى عن مكلة سبأ : {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل : 23] أي أوتيت من كل شئ مما يحوزه أمثالها من ذوي الحكم والسلطان.

المخصص المتصل ، أي غير المستقل :
وهو، كما قلنا: ما كان جزء من عبارة النص التي اشتملت على اللفظ العام. فهو إذن كلام غير تام بنفسه وهو أنواع:
أولاً: الاستثناء:
الاستثناء: هو عبارة عن لفظ متصل بجملة، وهذا اللفظ لا يستقل بنفسه، بل بحرف (إلا) أو أخواتها، على أن مدلوله غير مراد مما اتصل به، وهو ليس بشرط ولا صفة ولا غاية.
ومن صيغ الاستثناء: (إلا) وهي المشهورة، وغير، وعدا، وما عدا، وما خلا، وليس ونحوهما.
ويشترط لصحة الاستثناء: أنْ يكون متصلاً بالمستثنى منه من غير تخلل فاصل بينهما، أو ما هو في حكم المتصل. وقيل بصحة الاستثناء المنفصل وإن طال الزمان شهرا، وهذا قول مرجوح ، والراجح ما ذكرناه وعليه جمهور الفقهاء.
ومثاله أيضا : قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ} [النحل :106] الاستثناء هنا قصر { مَنْ كَفَرَ} وهو لفظ عام، على من كفر باختياره ورضاه، أما من كفر مكرهاً فلا يكون كافراً.
هذا ومن المفيد بيانه أنَّ الاستثناء إذا ورد بعد جمل متعاطفة فإنَّه يعود إلى الجميع ما لم يخصه دليل: وذهب البعض إلى أنَّ الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة ، إلا أن يقوم الدليل على التعميم.


ومثاله قوله تعالى: في القتل الخطأ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء : 92]، فالاستثناء راجع إلى الدية دون الإعتاق، لأن الدية هي الجملة الأخيرة فقط؛ أو لأن الدليل دل على تخصيص الاستثناء بالدية فقط على رأي القائلين برجوع الاستثناء إلى الجمل المتعاطفة.

ثانياً: الصفة:
والمقصود بها هنا كما قال الشوكاني: الصفة المعنوية لا مجرد النعت المذكور في علم النحو، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فتحريم الربائب مقصور على بنات الزوجات المدخول بهن. هذا وإذا وردت الصفة بعد جمل، كالكلام في رجوع الاستثناء، الذي تكلمنا عنه قبل قليل.

ثالثاً: الشرط:
وهو مالا يوجد المشروط دونه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده ، وصيغه كثيرة منها: إن الشرطية، وإذا، ومن، ومهما، وحيثما، وأينما، مثل قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 233] فنفي الجناح – وهو عام لأنه نكرة في سياق النفي – مشروط بالشرط المذكور في الآية، أي إنَّ نفي الجناح مقصور على هذه الحالة.
ومثله قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:12] فميراث النصف والربع مقصور على حالة عدم وجود الولد للمورث الميت.

رابعاً: الغاية:
وهي نهاية الشئ المقتضية لثبوت الحكم لما قبلها وانتفائه عما بعدها.
وصيغها: إلى ، وحتى ، ولا بد أن يكون حكم ما بعدها مخالف لما قبلها. وهي لا تخلو أيضا إما أن تكون مذكورة عقب جملة واحدة أو جمل متعددة، فإن كانت عقب جملة واحدة كان ذلك دالا على إخراج ما بعد الغاية من عموم اللفظ، واختصاص ما قبلها بالحكم مثل قولنا:( أنفق على طالبات الكلية إلى أن يتخرجوا )
وإن كانت الغاية متعددة وهي عقب جملة واحدة، ينظر فإن كانت الغاية على الجمع، أي ورودها بواو العطف، فالحكم مختص بما قبلها، وإن كانت على البدل، أي ورودها بحرف التخيير، فالحكم مختص بما قبل إحدى هاتين الغايتين مثل:
(أنفق على طالبات الكلية إلى أن يتخرجن ، ويسافرن إلى بلادهن) فالحكم مختص ومقصور على الطالبات قبل تخرجهن وسفرهن، ولا يكفي تخرجهن دون سفرهن لإيقاف الإنفاق، وهذا بخلاف قولنا ( أنفق على طالبات الكلية إلى أن يتخرجن ، أو يسافرن إلى بلادهن ) فإن الإنفاق
مقصور على الطالبات قبل تخرجهن أو قبل سفرهن ، فالإنفاق يقف عند تحقق إحدى الغايتين.



هذا وإن العلماء اختلفوا في الغاية نفسها هل تدخل في المغيا ، فقال بعضهم إنها تدخل فيما قبلها ، وقال غيرهم : لا تدخل ، ومثاله قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}. فهل تدخل المرافق في الغسل؟ على قول البعض لا تدخل ، وعلى قول غيرهم تدخل ، والاحتياط يقضي بدخولها ..

أنواع العام:
الأول: عام دلالته على العموم قطعية، بأن يقوم الدليل على انتفاء احتمال إرادة الخصوص به، مثل قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا.[هود :6]
الثاني: عام يراد به الخصوص قطعاً لقيام الدليل على أنَّ المراد بهذا العام بعض أفراده لا كلهم، مثل قوله تعالى مخبرا عن النار: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة : 24]، فالمراد بالناس بعضهم لا كلهم بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [الأنبياء :101]
الثالث: عام مخصوص، وهوالعام المطلق الذي لم تصحبه قرينه تنفي احتمال تخصيصه، ولا قرينه تنفي دلالته على العموم، مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}. [البقرة 228]


العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
إشتهر على ألسنة الأصوليين والفقهاء قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويريدون بهذه العبارة أنَّ العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة فالعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام، وليست العبرة بالأسباب التي دعت إلى مجيء هذه النصوص. فإذا جاء النص بصيغة عامة لزم العمل بعمومه، دون التفات إلى السبب الذي جاء النص العام من أجله، سؤالا كان هذا السبب أو واقعة حدثت؛ لأنَّ مجيء النص بصيغة العموم يعني أنَّ الشارع أراد أنْ يكون حكمه عاماً لا خاصاً بسببه. وهذا مذهب الحنابلة والحنفية وغيرهم.
مثاله: جاء رجل إلى النبي r فقال: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال r: ((هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته)). فقوله: ((الطهور ماؤه)) عام حال السعة والاضطرار، ولا عبرة بخصوص السؤال وهو السؤال عن التوضئ به لحاجة السائل إلى الماء الذي يحمله، كما أنَّ الحكم لا يختص بالسائل، بل يعم الجميع.
وهكذا فكل عام ورد لسبب خاص من سؤال أو حادثة ، فإنه يعمل بعمومه ولا عبرة بخصوص سببه ،لأنه كما قال الإمام الشافعي: السبب لا يصنع شيئا إنما تصنع الألفاظ ، وهكذا كان يفعل فقهاء المسلمين في عصر النبيrوفي العصور التي تلته دون إنكار فكان إجماعا.
ومن الجدير بالتنويه : أن أكثر عمومات القرآن والسنة جاءت بسبب أسئلة يتقدم بها الناس، أو وقائع تحدث. ومع هذا فقد عمل بعمومها الفقهاء دون إنكار لما قلنا.







المشترك ودلالته
تعريفه:
المشترك عند الأصوليين: لفظ يتناول أفراداً مختلفة الحدود على سبيل البدل.
أو بتعبير آخر المشترك: لفظ وضع لمعنيين أو أكثر بأوضاع متعددة.
فهو إذن لم يوضع لمجموع ما يدل عليه بوضع واحد، بل بأوضاع متعددة، أي وضع لكل معنى من معانيه بوضع على حده، كأن يوضع لهذا المعنى ثم يوضع مرة ثانية لمعنى آخر، وهكذا.
أمثلة المشترك:
فمن المشترك الموضوع لمعنيين فقط "القرء" فقد وضع للطهر والحيض.
ومن المشترك الموضوع لأكثر من معنيين لفظ "العين " فقد وضع لعدة معان، منها العين الباصرة، وعين الماء، والجاسوس، والسلعة. ووضع هذا اللفظ لهذه المعاني، كان وضعا متعدداً، أي وضع لكل معنى من هذه المعاني بوضع على حده.
حكم المشترك:
إذا ورد لفظ مشترك في نص شرعي من الكتاب والسنة، ينظر: فإن كان مشتركاً بين معنى لغوي ومعنى اصطلاحي شرعي، وجب حمله على الشرعي. وإن كان مشتركاً بين معنيين أو أكثر لغة، وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يدل على هذا الحمل.

الأمـــــــــــــــــــــثلة:
أولاً: في قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} يحمل الطلاق على معناه الاصطلاحي الشرعي، وهو حل الرابطة الزوجية الصحيحة، ولا يحمل على معناه اللغوي وهو حل القيد مطلقاً.
وقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} يراد لفظ "الصلاة" المعنى الشرعي الاصطلاحي وهو العبادة المعروفة بهيآتها وأركانها، لا المعنى اللغوي وهو الدعاء.
والسبب في حمل المشترك على معناه الاصطلاحي لا اللغوي، هو أن الشارع لما نقل هذا اللفظ عن معناه اللغوي إلى معناه الاصطلاحي الشرعي الذي استعمله فيه. كان اللفظ في عرف الشارع له ، فيجب المصير إليه.
عموم المشترك:
ومعناه: أن يطلق اللفظ المشترك ويراد به جميع معانيه التي وضع لها. وقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: المنع من إرادة العموم، فلا يجوز استعمال المشترك إلا في معنى واحد، فلا يجوز أن يراد به كل معانيه التي وضع لها باستعمال واحد. وهذا ما ذهب إليه جمهور الأصوليين.
والحجة لهذا القول: أن المشترك لم يوضع لجميع ما يدل عليه بوضع واحد، بل بأوضاع متعددة، أي وضع لكل معنى من معانيه بوضع على حده، فإرادة جميع معانيه بإطلاق واحد يخالف أصل وضعه، وهذا لا يجوز؛ يوضحه أن المشترك يدل على معانيه على سبيل البدل لا الشمول، أي يدل على هذا المعنى أو ذاك، ولا يدل عليهما جميعا دفعة واحدة؛ لأن وضعه لها كان وضعاً متعدداً، وهذا هو الفرق بينه وبين العام، إذ أنَّ العام يدل على جميع ما يشتمل عليه لفظه من أفراد على سبيل الشمول والاستغراق، لا على سبيل البدل.
القول الثاني:الجواز؛ فالمشترك، وإن كان الأصل فيه إطلاقه على معنى واحد، إلا أنَّه يجوز أنْ يراد به كل معانيه دفعة واحدة. فيكون كالعام في شموله على ما يدل عليه. والحجة لهذا القول، وروده في القرآن بهذا الشمول، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج :18] فالسجود يعني: وضع الجبهة على الأرض، وهذا في حق الناس، ويعني الخضوع والانقياد الجبري وهذا في حق غير الإنسان، فهما معنيان مختلفان مرادان من لفظ {يَسْجُدُ}الواردة في النص. وفي هذا دليل على جواز استعمال المشترك وإرادة جميع معانيه في هذا الاستعمال.
إلا أن أصحاب القول الأول يردون على هذا الاستدلال بأن السجود في الآية معناه: غاية الخضوع والانقياد، بغض النظر عن كونه اختيارياً أو قهرياً، وهذا المعنى يتحقق في الإنسان وغيره، فهو من قبيل المشترك المعنوي لا اللفظي. أما ذكر {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} ففيه إشارة إلى الخضوع الإخيتاري .
القول الثالث: الجواز بتفصيل؛ فيجوز أن يراد به العموم في النفي دون الإثبات، كما لو حلف ألا يكلم موالي فلان، فإنه يحنث إذا كلم المولى الأعلى والأسفل.
وإذا أوصى بثلث ماله لمواليه أو لمولاه بطلت الوصية، لجهالة الموصى له؛ لأن اسم المولى مشترك بين المعتق والعتيق، ولا عموم للمشترك في الإثبات.
والراجح هو قول الجمهور، فلا يراد بالمشترك إلا أحد معانيه ، ويعرف المعنى المطلوب بالقرينة المعتبرة.
التأويل ..
التأويل في اللغة مأخوذ من: آل يؤول أي رجع ، ومنه قوله تعالى: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] أي ما يؤول إليه أي ما يرجع إليه .
وفي الاصطلاح الشرعي: التأويل من حيث هو تأويل: هو حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه مع احتماله له.
وأما التأويل الصحيح فهو حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه مع احتماله بدليل يعضده. وعرف صاحب (التلويح) بأنَّه صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح يحتمله لدليل دل على ذلك.
وقد قلنا: إن كلاً من الظاهر والنص يحتمل التأويل فيصرف عن معناه الظاهر المتبادر إلى معنى آخر لدليل يقتضي هذا التأويل. والأصل عدم صرف اللفظ عن ظاهره، ومعنى ذلك أن حمله على غير ظاهره، أي تأويله لا بد أن يستند إلى دليل مقبول، ولهذا كان التأويل قسمين: صحيح مقبول، وفاسد مرفوض، فالصحيح ما توافرت فيه شروط التأويل وهي :
أولا: أن يكون اللفظ قابلا للتأويل وهو الظاهر والنص. أما المفسر والمحكم فلا يقبل واحد منهما التأويل.
ثانيا: أن يكون اللفظ محتملا للتأويل، أي يحتمل المعنى الذي يصرف إليه اللفظ ولو احتمالا مرجوحاً، أما إذا لم يحتمله أصلاً فلا يكون التأويل صحيحاً.
ثالثاً: أن يكون التأويل مبنياً على دليلٍ معقول من نصٍ أو قياسٍ أو إجماعٍ، فإذا لم يستند التأويل إلى دليلٍ مقبول كان تأويلاً غير مقبول.
رابعاً: أن لا يعارض التأويل نصاً صريحاً.
والتأويل بعد هذا، قد يكون تأويلا قريبا إلى الفهم يكفي في إثباته أدنى دليل .
وقد يكون تأويلا بعيدا عن الفهم فلا يكفي فيه أي دليل، بل لا بد فيه من دليل قوي يجعله تأويلا سائغا مقبولا، وإلا كان بمنزلة التأويل غير المقبول فيرفض .
فمن التأويل الصحيح :
تخصيص عموم البيع المستفاد من قوله تعالى: {وأحل الله البيع} بالسنة التي نهت عن بيوع معينة كبيع الإنسان ما ليس عنده.
وقد يكون التأويل بعيدا لا يستند إلى دليل مقبول ، فلا يكون تأويلا سائغا فلا يقبل.
مثاله: جاء في الحديث الشريف أن فيروزا الديلمي ودليل تأويل الحنفية القياس على المسلم إذا تزوج أختين في عقد واحد أو في عقديين متتاليين . وهذا دليل ضعيف فيكون تأويلهم بعيدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل فيروز عن كيفيه زواجه ، وهل جرى في عقد واحد أو في عقدين ، ولو كان المراد من الحديث ما قاله الأحناف ، لسأله هذا السؤال أو لبين له الحكم ابتداءلأنه حديث عهد بأحكام الإسلام فينبغي تعريفه بها، وحيث لم يحدث شئ من هذا فإن تأويل الأحناف يبدو ضعيفا مرجوحا فلا يقبل.
أسلم على أختين ، أي أنه أسلم وعنده زوجتان هما أختان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمسك أيهما شئت، وفارق الأخرى)) المعنى الظاهر المتبادر إلى الفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لفيروز أن يفارق أيتهما شاء ويمسك الأخرى.
إلا أن الحنيفة أو لوا هذا الحديث فقالوا: إن معناه إمساك الزوجة الأولى ومفارقة الأخرى إذا كان الزواج بهما جرى في عقد واحد.
تمهيد:
تكلمنا في المبحث الثالث على تقسيمات اللفظ من حيث وضوح دلالته على المعنى أو خفائها. ونتكلم في هذا المبحث على طرق دلالة اللفظ على المعنى. واللفظ بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام: دال بعبارة النص، أو بإشارته، أو بدلالته، أو باقتضائه.
ووجه هذا التقسيم أنَّ المعنى قد يفهم من اللفظ عن طريق عبارة النص، أو إشارته، أو دلالته، أو اقتضائه، وهذه هي أقسام دلالة اللفظ على المعنى، وزاد الجمهور غير الحنفية، دلالة خاصة هي مفهوم المخالفة. ونتكلم فيما يلي عن كل نوع من أنواع هذه الدلالات على حدة.
تعريف: عبارة النص: وهي دلالة اللفظ على المعنى المتبادر فهمه من نفس صيغته، سواء كان هذا المعنى هو المقصود من سياقه أصالةً أو تبعاً. فكل معنى يفهم من ذات اللفظ، واللفظ مسوق لإفادة هذا المعنى أصالةً أو تبعاً يعتبر من دلالة العبارة. ويطلق عليه المعنى الحرفي للنص، أي المعنى المستفاد من مفردات الكلام وجمله.
مثاله: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} دلت هذه الآية بعبارتها، أي بنفس ألفاظها على حرمة قتل النفس. ومثله قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} دلت الآية بعبارتها على فريضة الصلاة والزكاة، وهذا المعنى هو المقصود أصالة من سوق الآية.
وقد يكون سوق الكلام لإفادة معنين أو ثلاثة أصالة وتبعاً، مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} يفهم منه بدلالة العبارة معنيان:
المعنى الأول: نفي المماثلة بين البيع والربا، وهذا المعنى هو المقصود الأصلي الذي سيقت الآية من أجله رداً على قول المشركين :{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} .
والمعنى الثاني: هو حل البيع وتحريم الربا، وهذا المعنى هو المقصود التبعي من الآية أي أنَّ سوق الكلام ما كان لبيان هذا المعنى أصالةً بل تبعاً، بدليل أنه كان من الممكن النص على نفي المماثلة من غير بيان حل البيع أو حرمة الربا، فلما ذكر هذا المعنى دل ذلك على أنه مقصود تبعا من سوق الآية ليتوصل به إلى إفادة المعنى المقصود الأصلي من الآية.
ومثله أيضاً: قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} دلت الآية بعبارتها على ثلاثة معان:
الأول: إباحة النكاح.
الثاني: قصر عدد الزوجات على أربع كحد أقصى للتعدد.
الثالث: الاقتصار على واحدة عند خوف الجور.
وهذه المعاني الثلاثة تفهم من عبارة النص وألفاظه، وكلها مقصودة من سياقه، إلا أن المعنى الأول هو المقصود التبعي من سياق الآية، لأن الآية سيقت أصلاً للدلالة على المعنيين الأخيرين.
ومثله أيضاً: قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} دلت الآية بعبارتها على ثلاثة معان:
الأول: إباحة النكاح.
الثاني: قصر عدد الزوجات على أربع كحد أقصى للتعدد.
الثالث: الاقتصار على واحدة عند خوف الجور.
وهذه المعاني الثلاثة تفهم من عبارة النص وألفاظه، وكلها مقصودة من سياقه، إلا أن المعنى الأول هو المقصود التبعي من سياق الآية، لأن الآية سيقت أصلاً للدلالة على المعنيين الأخيرين.
ثانياً: إشارة النص
تعريفه: هي دلالة اللفظ على معنى غير مقصود من سياقه لا أصالةً ولا تبعاًً، ولكنَّه لازم للمعنى الذي سيق الكلام من أجله. فالنص لا يدل على هذا المعنى بنفس صيغته وعبارته، وإنما يشير ويومئ إلى هذا المعنى بطريق الإلتزام، أي أنَّ المعنى الذي يدل عليه النص بعبارته يستلزم هذا المعنى الذي يشير إليه، فكانت دلالة اللفظ عليه بطريق الإشارة لا العبارة، ولهذا قد يعبرون عن هذه الدلالة بأنَّها دلالة اللفظ على المعنى الذي لم يقصد من السياق دلالة التزامية.
تنبيه: هذا ومن الجدير بالذكر أنَّ دلالة الإشارة قد تكون خفية تحتاج إلى تعمق في النظر والتأمل. كما يجب التأكد من وجود تلازم حقيقي بين المعنى الذي يدل عليه النص بعبارته وبين المعنى الذي يدل عليه بإشارته، بل لا بد أن يكون التلازم بينهما لا انفكاك له ومن اللوازم الحقيقية.
مثاله:
أولاً: قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}.
دلت هذه الآية بعباراتها على أنَّ نفقة الوالدات المرضعات وكسوتهن على الوالد، وعلى أن نسب الولد إلى الأب دون الأم؛ لأنَّ الآية الكريمة أضافت الولد لوالده بحرف الاختصاص وهو اللام في قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} ومن لوازم هذا المعنى الأخير معان أخرى تفهم بإشارة النص، ومنها:
أن الأب ينفرد في وجوب النفقة عليه لولده، فكما لا يشاركه أحد في نسبة الولد إليه لا يشاركه أحد في النفقة عليه.
ب-للأب أن يأخذ من مال ولده ما يسد به حاجته؛ لأن الولد نسب إلى الأب بلام الملك في قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} وتملك ذات الولد لا يمكن لكونه حراً، ولكن تملك ماله يمكن، فيجوز عند الحاجة إليه.
ثانياً: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. يفهم من عبارة النص إباحة مخالطة الزوجة إلى آخر جزء من الليل، ولما كانت هذه الإباحة وامتدادها إلى هذا الوقت تستلزم أن الصائم قد يصبح جنباً، فيجتمع في حقه وصفان الجنابة والصيام، واجتماعهما يستلزم عدم تنافيهما وعدم فساد الصوم بالجنابة نظراً لإباحة أسبابها ومقدمتها.
فالآية إذن دلت بعبارتها على إباحة قربان الزوجة إلى آخر لحظة من الليل، ودلت بإشارتها إلى جواز أن يصبح الصائم جنباً، وهذا غير مقصود من سياق الآية، لكنه لازم للمعنى الذي دلت عليه بعباراتها.
ثالثاً: قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاء المهاجرين الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن ديارهم وأموالهم يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله ورضوانا}. سيقت هذه الآية للدلالة على أنَّ المهاجرين يستحقون نصيباً من الفيء، ويفهم منها بدلالة الإشارة أنَّ هؤلاء المهاجرين قد زال ملكهم عن أموالهم في مكة؛ لأنَّ الآية الكريمة عبَّرت عنهم بلفظ {لِلْفُقَرَاء} فزوال ملكهم عن أموالهم معنى غير مقصود من سياق الآية لا أصالة ولا تبعاً، ولكنه لازم للفظ ورد في الآية وهو {لِلْفُقَرَاء}.
ثالثا : دلالة النص:
وهي دلالة اللفظ على أن حكم المنطوق، أي المذكور في النص، ثابت لمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم التي تفهم بمجرد فهم اللغة، أي يعرفها كل عارف باللغة دون حاجة إلى اجتهاد ونظر. وحيث أن الحكم المستفاد عن طريق دلالة النص يؤخذ من معنى النص لا من لفظه، سماها بعضهم "دلالة الدلالة"، وسماها آخرون بـ"فحوى الخطاب"، لأن فحوى الكلام هو معناه.
وسماها الشافعية (مفهوم الموافقة) لأن مدلول اللفظ في محل السكوت موافق لمدلوله في محل النطق، فيكون المسكوت عنه موافقا في الحكم للمنطوق به. كما يسمي البعض هذه الدلالة بالقياس الجلي ودلالة الأولى، لأن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ، لظهور العلة فيه على نحو أقوى من المنطوق به.
فإذا دل النص بعبارته على حكم في واقعة معينة ووجدت واقعة أخرى تساوي الأولى في العلة أو هي أولى منها، وكانت هذه المساواة أو الأولوية تفهم بمجرد فهم اللغة وبأدنى نظر وبدون اجتهاد وتأمل، فإنه يتبادر إلى الفهم أن النص يتناول الواقعتين، وأن الحكم المنصوص عليه يثبت للمسكوت عنه، أي يثبت للواقعة الثانية.
أمثلة:
أولا : قوله تعالى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء :23] ، النص دل بعبارته على حرمة التأفيف للوالدين من الولد، لما في هذه الكلمة من إيذاء لهما، فيتبادر إلى الفهم أن النص يتناول حرمة ضربهما وشتمهما لما في الضرب والشتم من إيذاء وإيلام أشد مما في كلمة {أُفٍّ} فيكون الضرب والشتم أولى بالتحريم من التأفيف، فيكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، وهذا المعنى واضح لا يحتاج إلى اجتهاد أو تأمل .
ثانيا : قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء : 10]، فهذه الآية الكريمة أفادت بعبارتها تحريم أكل أموال اليتامى ظلما ويفهم منها بدلالة النص تحريم إحراقها أو تبديدها أو إتلافها بأي نوع من أنواع الإتلاف؛ لأن هذه الأمور تساوي أكل أموالهما ظلما بجامع الاعتداء على مال اليتم القاصر العاجز عن دفع الاعتداء عنه، فيكون النص حرم بعبارته أكل أموال اليتامى ظلما ، وحرم إحراقها وإتلافها بطريق الدلالة. والمسكوت عنه في هذا المثال مساو للمنطوق به في علة الحكم.
ثالثا : قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} يفهم من الآية بدلالة العبارة وجوب العدة على المطلقة للتأكد من براءة الرحم، وهذه العلة يفهمها أهل اللغة، وهي موجودة في المفسوخ زواجها بسبب من أسباب فسخ النكاح كالردة مثلا، فتجب عليها العدة بدلالة النص، والعلة هنا في المسكوت عنه مساوية للعلة في المنطوق.
ومن هذا يتضح أن الفرق بين دلالة النص وبين القياس هو أن مساواة المفهوم الموافق، أي المسكوت عنه، للمنطوق به في العلة تفهم بمجرد فهم اللغة بلا حاجة إلى اجتهاد وتأويل،أما مساواة المقيس للمقيس عليه في العلة فلا تفهم إلا بالتأمل، والنظر والاجتهاد ، ولا يكفي فيها مجرد فهم اللغة .
رابعا : اقتضاء النص
الاقتضاء معناه في اللغة: الطلب.
وفي الاصطلاح: ”دلالة اللفظ على مسكوت عنه يتوقف صدق الكلام وصحته واستقامته على ذلك المسكوت، أي على تقديره في الكلام“.
الأمثــــــــــــــــــلة:
أولا: قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} ... تقدير معنى النص: حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم ...إلخ وهذا المعنى دل عليه اللفظ عن طريق الاقتضاء لأن التحريم لا ينص على الذوات، وإنما على الفعل المتعلق بها، وهو هنا النكاح .
ثانياً: قوله تعالى: {حرمت عليكم الميته والدم ولحم الخنزير} أي أكلها والانتفاع بها، وهذا المعنى استفيد بدلالة اللفظ اقتضاء؛ لأن التحريم لا يتعلق بالذات كما قلنا، وإنما يتعلق بفعل المكلف فيقدر المقتضى في كل نص بما يناسبه.
ثالثاً : قول النبي r : (( إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) فظاهر الكلام يدل على رفع الفعل الواقع خطأ أو نسياناً أو إكراهاً، أو أن الخطأ والنسيان والإكراه لا يوجد ولا يقع في الأمة. وكلا المعنين غير صحيح؛ لأن ما يقع لا يمكن رفعه، ولأن هذه الأمور موجودة فعلاً في الأمة فيقتضي صدق الكلام وصحته تقدير محذوف هو كلمة "حكم" أو كلمة "إثم" فيكون معنى الحديث: رفع عن أمتى حكم هذه الأشياء عمن صدرت عنه . فيكون الإثم مسكوتاً عنه، وقد توقف صدق الكلام على تقديره فيعتبر من مدلول الحديث بدلاله الاقتضاء.
رابعاً: قول الإنسان لآخر يملك شاة: تصدق بها على الفقراء عني بعشرة دنانير فهذا الكلام يدل اقتضاء على شراء الشاة من مالكها بعشرة دنانير، لأن مالك الشاه لا ينوب عنه في التصدق بها على الفقراء، إلا بعد أن يمتلكها الآمر بالشراء، فالشراء ثابت بدلالة اقتضاء النص.
الخلاصة في الدلالات:
وخلاصة ما قلناه في دلالة العبارة والإشارة والدلالة والاقتضاء، أن دلالة العبارة هي دلالة النص بصيغته وألفاظه على الحكم مع سوق الكلام له، ويقال لهذا الحكم: إنه ثابت بعبارة النص.
وإن دلالة الإشارة هي دلالة النص بصيغته وألفاظه على الحكم من غير أن يكون الكلام مسوقا له، ويقال للحكم: إنه ثابت بإشارة النص.
وإن دلالة النص هي دلالته على الحكم لا بصيغة النص وألفاظه بل بروحه ومعقوله، ويقال للحكم: إنه ثابت بدلالة النص.
وإن دلالة الاقتضاء هي دلالة النص لا بصيغته وألفاظه ولا بمعناه، ولكن بأمر زائد اقتضى تقديره في الكلام ضرورة صحة واستقامة الكلام وصدقه.
ومن هذه الخلاصة في الدلالات التي مرت يظهر لنا أن كل معنى يفهم من النص بطريق من هذه الدلالات يعتبر من مدلولات النص وثابتا به، والنص دليلا وحجة عليه، ولهذا تعتبر هذه الدلالات الأربع دلالة منطوق، أي منطوق النص وهي تقابل دلالة المفهوم أي مفهوم المخالفة الذي سنتكلم عنه في الفقرة التالية.
خامساً: مفهوم المخالفة.
قلنا إن دلالة اللفظ على مساواة المسكوت عنه للمنطوق في الحكم هو من الدلالات اللفظية، ويسمى: دلالة النص أو مفهوم الموافقة.
أما دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه، أي أن يكون المسكوت عنه مخالفاً للمنطوق به في الحكم، فهذا يسمى مفهوم المخالفة. والحكم الأول يسمى: منطوق النص، والحكم الثاني الثابت للمسكوت عنه يسمى: مفهوم المخالفة أو دليل الخطاب.
أنــــــــــــــــواعه:
ومفهوم المخالفة عند القائلين به أنواع، أهمها وأشهرها ما يأتي:
أولاً: مفهوم الصفة:
وهو دلاله اللفظ المقيد بوصف على نقيض حكمه عند انتفاء ذلك الوصف. والمقصود بالوصف هنا مطلق القيد غير الشرط والغاية والعدد. فالوصف هنا يراد به ما هو أعم من النعت، أي سواء كان نعتا نحوياً: مثل: في الغنم السائمة زكاة، أو مضافاً نحو: سائمة الغنم، أو مضافاً إليه: نحو: مطل الغني ظلم، أو ظرف زمان كقوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} أو ظرف مكان، نحو: بع في بغداد.
مثاله: قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25]، دلت الآية الكريمة على إباحة نكاح الإماء المؤمنات عند العجز عن نكاح الحرائر، ودلت الآية بمفهوم المخالفة على النهي عن نكاح الإماء غير المؤمنات.
ومثاله: قوله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء: 23] أفادت هذه الآية بمفهوم المخالفة حل حلائل الأبناء الذين ليسوا من الأصلاب.
ومثاله: أيضا قول النبي r: ((في السائمة زكاة)) المفهوم المخالف: عدم وجوب الزكاة في غير السائمة.
وقوله r: ((فمن باع نخلة مؤبرة فثمرتها للبائع)) المفهوم المخالف: أن ثمرة النخلة غير المؤبرة لا تكون للبائع.
ومثاله: أيضا قول جابر: ((قضى رسول الله r بالشفعة في كل شركة لم تقسم)). والمفهوم المخالف عدم مشروعية الشفعة فيما قسم.
ومثاله أيضاً الحديث النبوي الشريف: ((لي الواجد يحل عرضه وعقوبته))، يدل بمفهومه المخالف أن لي – أي مطل – المدين الفقير لا يحل عرضه وعقوبته.

ثانيا : مفهوم الشرط
هو دلالة اللفظ المفيد لحكم معلق بشرط على ثبوت نقيضه عند انتفاء الشرط، أي إن التعليق بالشرط يوجب وجود الحكم عند وجود الشرط، ويوجب عدم الحكم عند عدم الشرط ...

الأمثلة
أ. قوله تعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} المفهوم المخالف : عدم إباحة نكاح الإماء المؤمنات عند القدرة على نكاح الحرائر .
ب. قوله تعالى:{وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} [الطلاق : 6]
أفادت هذه الآية الكريمة بدلالة العبارة: وجوب النفقة للمطلة طلاقا بائنا إذا كانت حاملا، ودلت بمفهوم المخالفة على انتفاء هذه الحكم عند عدم الحمل.
جـ. قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء :4]، أفادت الآية الكريمة : أن للزوج أن يأخذ من مهر زوجته ما تطيب به نفسها برضاها . وأفادت بمفهوم المخالفة : حرمة أخذ شئ من المهر إذا لم ترض الزوجة.
د.قول النبي r ((الواهب أحق بهبته إذا لم يثب عنها)).
أفاد الحديث أن للواهب حق الرجوع في هيبته إذا لم يكن قد أخذ عوضا عنها.
والمفهوم المخالف : ليس للواهب الرجوع عن هبته إذا أخذ عوضا عنها.




ثالثاً: مفهوم الغاية:
هو دلالة اللفظ الذي قيد الحكم فيه بغاية على نقيض ذلك الحكم بعد الغاية.
مثاله: قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة : 230] دل هذا على عدم حل المطلقة ثلاثا، وهذا الحكم مقيد بغاية هي زواجها بغير مطلقها، فيدل مفهوم المخالف على حل زواجها بمطلقها بعد هذه الغاية، أي بعد فرقتها من زوجها الثاني وانتهاء عدتها منه.
ومثله أيضا: قوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}. [البقرة :187]
أفاد النص: إباحة الأكل والشرب في ليالي الصيام إلى طلوع الفجر . وأفاد بمفهومه المخالف : حرمة الأكل والشرب بعد هذه الغاية ،أي بعد طلوع الفجر.
ومثله أيضاً: قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فٍأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة :222] مفهومها المخالف : إباحة قربانهن بعد التطهر.
ومثاله أيضا : قوله تعالى {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } [الحجرات : 9] ،دل بمفهومه المخالف على نفي القتال إذا فاءت الفئة الباغية إلى أمر الله ..
رابعا : مفهوم العدد:
وهودلالة اللفظ الذي قيد الحكم فيه بعدد نقيض ذلك فيما عدا ذلك العدد ، أي إن تعليق الحكم بعد مخصوص يدل على انتفاء الحكم فيما ذلك العدد زائدا كان أو ناقصا ..
مثاله : قوله تعالى :{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} مفهومه المخالف : عدم جواز الجلد أقل أ, أكثر من هذا العدد .
ومثاله أيضا ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) مفهوم المخالفة : عدم إجزاء الصيام بغير هذا العدد من الأيام ..
ومثاله أيضا ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ) يدل بمفهوم المخالفة على عدم جواز الجلد في حد الزنى أقل أو أكثر من هذا العدد .
خامسا : مفهوم اللقب ..
هو دلالة اللفظ الذي علق الحكم فيه بالاسم العلم على نفي ذلك الحكم عن غيره ، والمراد بالاسم العلم عنا : اللفظ الدال على الذات دون الصفة ، سواء كان علما نحو: قام زيد ، أو اسم نوع مثل : في الغنم زكاة
مثاله قوله تعالى ( محمد رسول الله) : الفتح : 29 مفهومه المخالف غير محمد ليس رسول الله .
مثاله : أيضا ( حرمت عليكن أمهاتكم )مفهوم المخالفة : عدم تحريم غير المذكورات في الآية.
ومثاله أيضا : قول النبي r : " في البر صدقة " مفهومه المخالف : غير البر ليس فيه صدقة



شروط العمل بمفهوم المخالفة :
مفهوم المخالفة بجميع أقسامه يدل على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت ، سواء أكان حكم المنطوق إثباتا أو نفيا . ويشترط للعمل به عند القائلين به:
ألا يكون للقيد الذي قيد به الحكم فائدة أخرى سوى نفي حكم المنطوق للمسكوت، أي ينفي الحكم عند نفي القيد ، فإن كان له فائدة أخرى غير ذلك فإنه لا يكون حجة، ولا يصلح للعمل به ، كأن يكون القيد أكثريا ، أي إن القيد خرج مخرج الغالب في أمور النساء كما في قوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} [النساء:23] فقيد {في حجوركم} ليس قيدا احترازيا ، وإنما هو قيد أكثري بناء على أن عادة الناس جرت أن المرأة إذا تزوجت برجل وكان لها بنت من زوج سابق أنها تأخذها معها إلى بيت زوجها الجديد تربيها فيه ، فلا يعمل بمفهومه المخالف، بمعنى أن الربيبة تحرم على الزوج بدخوله بأمها ، سواء أكانت في حجره ورعايته أم لم تكن.
ومثاله أيضا : {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران : 130] لا يعمل بمفهومه المخالف وهو جواز أكل الربا إذا لم يكن أضعافا مضاعفة؛ لأن هذا القيد خرج مخرج الغالب في أمر التعامل بالربا، وهو ابتداؤه بقدر قليل ثم صيرورته مضاعفا بمرور الزمن، أو إن هذا القيد ذكر لبيان الواقع، فالقيد إذن ليس قيدا احترازيا ، فلا يفيد العمل بمفهومه المخالفة.
وكذلك لا يعمل بمفهومه المخالفة إذا كان القصد من القيد إفادة التكثير والمبالغة كقوله تعالى {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة :80] . فذكر السبعين ليس بقيد احترازي، وإنما أريد به المبالغة في الاستغفار، وأنه مهما أكثر المستغفر فلا ينتفع به المستغفر له، فلا يدل بمفهومه المخالف على أن الاستغفار الزائد على هذا العدد ينتفع به المستغفر له.
حجية مفهوم المخالفة :
ذهب جمهور العلماء إلى عدم العمل بمفهوم المخالفة في مفهوم اللقب، وهو الصحيح ، لأنه لا يفهم منه نفي الحكم عما سوى الاسم الذي أسند إليه الحكم فقول الرسول r" في الغنم زكاة " لا يفهم منه عدم وجوب الزكاة في الإبل والبقر. فقول النبي r: ((في البر صدقة)) لا يفهم منه عدم وجوب الزكاة في الشعير والذرة.

حجية مفهوم المخالفة :
ذهب جمهور العلماء إلى عدم العمل بمفهوم المخالفة في مفهوم اللقب، وهو الصحيح ، لأنه لا يفهم منه نفي الحكم عما سوى الاسم الذي أسند إليه الحكم فقول الرسول r" في الغنم زكاة " لا يفهم منه عدم وجوب الزكاة في الإبل والبقر. فقول النبي r: ((في البر صدقة)) لا يفهم منه عدم وجوب الزكاة في الشعير والذرة.
واختلف الأصوليون في الاحتجاج بمفهوم الوصف والشرط والغاية والعدد في النصوص الشرعية خاصة.
فذهب جمهورهم إلى الاحتجاج به.
وذهب الأحناف إلى عدم الاحتجاج به.


وعلى هذا إذا ورد النص الشرعي دالا على حكم في واقعة، وكان مقيدا بوصف أو شرط أو حدد بغاية أو عدد فإنه يدل على نقيض حكمه في الواقعة التي عريت من هذه القيود، على رأي الجمهور.
وعند الأحناف لا يكون النص حجة إلا على حكمه في واقعته التي ذكر فيها بهذه القيود، وأما الواقعة التي انتفت عنها هذه القيود فإن النص لا يدل بمفهومه المخالف على حكمها مسكوتا عنه ويبحث عنه بأي دليل شرعي، فإذا لم يوجد دليل أخذ بدليل الاستصحاب، وهو الأصل في الأشياء الإباحة.
وحجة الأحناف : أن القيود التي ترد في النصوص الشرعية لها فوائد كثيرة ، فإذا لم تظهر لنا هذه الفائد لا نستطيع أن نجزم أن الفائدة لتلك القيود هي تخصيص الحكم بما وجد فيه القيد ونفيه عما سواه.
والسبب في ذلك: أن مقاصد الشارع كثيرة لا يمكن الإحاطة بها. بخلاف مقاصد البشر إذ يمكن حصرها، ولهذا كان مفهوم المخالفة حجة في أقوالهم وليس بحجة في أقوال الشارع.
واحتجوا أيضا: بأنه ليس من المطرد في أساليب اللغة العربية ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه، يدل على أن من قال لغيره: إذا جاءك فلان صباحا فأكرمه، لا يفهم من ذلك : إذا جاءه مساء لا يكرمه ، ولهذا يصح منه السؤال: وإذا جاءني مساء ألا أكرمه ؟؟ وإذا كانت دلالة المنطوق على المسكوت ليست قطعية ، فلا يمكن أن يكون النص الشرعي حجة عليه بمجرد احتمال هذه الدلالة لأن الشأن في الاحتجاج بالنصوص الشرعية الاحتياط ، والاحتياط يقضي بعدم الأخذ بمفهوم المخالفة .
واحتجوا أيضا بأن كثيرا من النصوص الشرعية التي دلت على الحكم في الوقائع المقيدة ثبت نفس الحكم في الوقائع التي انتفى عنها القيد كقصر الصلاة بشرط الخوف ، فإن القصر ثبت مع انتفائه مما يدل على عدم قطعية الأخذ بمفهوم المخالفة.
وأيضا : فالملاحظ أن الشارع إذا أراد الأخذ بمفهوم المخالفة فإنه ينص عليه صراحة ،كما في قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله).
وحجة الجمهور: أن القيود التي ترد في النصوص الشرعية لم ترد عبثا ، وإنما جاءت لفائدة، فإذا لم تكن لها فائدة سوى تخصيص الحكم بما وجد فيه القيد فإنه يجب نفي الحكم عما لا يوجد فيه القيد ، أي الأخذ بمفهوم المخالفة ، لئلا يكون ذكر القيد عبثا ينزه عنه كلام الشارع ..
كما احتجوا: أن المألوف في أساليب اللغة العربية أن تقيد الحكم بقيد يدل على انتفائه ، حيث ينتفي القيد ، وهذا هو المتبادر إلى الفهم ، فمن سمع قول رسول الله r : (( مطل الغني ظلم )) ، يفهم : أن مطل الفقير ليس ظلما..
وقول الجمهور هو ما نميل إليه ميلا خفيفا ، لأن مقاصد الشريعة وإن كانت كثيرة لا يحاط بها، إلا إذا لم تظهر للمجتهد فائدة للقيد سوى ما يظهر له من تخصيص الحكم بما وجد فيه القيد فإنه يغلب على ظنه أن ورود القيد إنما كان لهذه الفائدة فينتفي الحكم عما لا يوجد فيه هذا القيد . ويكفي الظن الغالب في العمل بدلالة مفهوم المخالفة، لأن دلالة هذا المفهوم ظنية لا قطعية باتفاق القائلين به.



ثمــــرة الخـــــلاف:
ثمرة الخلاف تظهر عند ورود نص مقيد بقيد ، فالقائلون بمفهوم المخالفة يثبتون الحكم لمنطوقه بهذا القيد ، وينفونه حيث ينتفي القيد.
أما من لم يؤخذ بمفهوم المخالفة فإنَّه يثبت الحكم لمنطوقه في المحل الذي ورد فيه، ولا يثبت نقيض الحكم حيث ينتفي القيد، وإنما يبحث عن حكمه في ضوء الأدلة الأخرى.

الدليل الأول: القرآن.
تعريفه وحجيته:
تعريفه: "القرآن هو كلام الله المنزل على رسول الله r، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا عنه نقلاً متوتراً بلا شبهة.
ولا خلاف بين المسلمين أن القرآن حجة على الجميع، وأنه المصدر الأول للتشريع، بل حجة على جميع البشر.
والبرهان على حجيته: أنه من عند الله.
والبرهان على أنه من عند الله : إعجازه وإذا ثبت كونه من عند الله ، بدليل إعجازه ، وجب إتباعه من قبل الجميع .

خواص القرآن:
أولاً: أنه كلام الله المنزل على رسولهr محمد بن عبد الله، وعلى هذا لا تعتبر من القرآن الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل لأنها لم تنزل على محمد r.
ثانياً: القرآن هو مجموع اللفظ والمعنى، وإن لفظه نزل باللسان العربي قال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} [الزخرف : 3]
فليس القرآن الكريم لفظ غير عربي، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (جميع كتاب الله نزل بلسان العرب. وقال أيضا: ليس من كتاب الله شئ إلا بلسان العرب. وعلى هذا لا تعتبر الأحاديث النبوية من القرآن، لأن ألفاظها ليست من الله، وإن كان معناها موحى بها من الله، وكذا لا يعتبر من القرآن تفسيره، ولو كان باللغة العربية، وكذا ترجمته إلى غير العربية، لا تعتبر من القرآن.
ثالثاً: أنه نقل إلينا بالتواتر، أي أن القرآن نقله قوم لا يتوهم اجتماعهم وتواطئهم على الكذب، لكثرة عددهم وتباين أمكنتهم، عن قوم مثلهم، وهكذا إلى أن يتصل النقل برسول الله r فيكون أول النقل كآخره، وأوسطه كطرفيه. وعلى هذا فما نقل من القراءات عن غير طريق التواتر لا يعتبر من القرآن مثل ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} [البقرة : 196، المائدة: 89]
بزيادة كلمة ”متتابعات“ فهذه القراءة محمولة على أنها تفسير للثلاثة الأيام، بكونها متتابعات على رأي ابن مسعود.


المحاضرة الثانية
مبادئ علم العقيدة

الموضوع الأول: مقدمة في علم العقيدة.
الموضوع الثاني: مبادئ علم العقيدة.
تعريف علم العقيدة.
موضوع علم العقيدة.
ثمرة علم العقيدة.
فضل علم العقيدة.
نسبة علم العقيدة إلى غيره من العلوم.
أسماء علم العقيدة.
مصادر علم العقيدة.
واضع علم العقيدة.
حكم تعلم علم العقيدة.
مسائل علم العقيدة.

المقدمة:-

الحمدُ لله ذي العز المجيد، والبطش الشَّديد، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنَّار بعد الإنذار بها والوعيد، المُكَرَّم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كُلِّ خير مزيد، فسبحان من قسم خلقه قسمين، وجعلهم فريقين فمنهم شقيٌ وسعيد، من عمل صالحاً فلنفسهِ ومن أَساءَ فعليها وما رَبُّكَ بظلاَّمٍ للعبيد، أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتَّمْجيد، وأشكره ونعمه بالشُّكر تدوم وتزيد، وأَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شريك له ولا كُفْوَ ولا عدل ولا ضد ولا نديد، وأَشْهَدُ أنَّ محمداً عبده وَرَسُوْلُهُ الداعي إلى التَّوْحِيْد، السَّاعي بالنصح للقريب والبعيد، المبشِّر للمؤمنين بدارٍ لا ينفد نعيمها ولا
يبيد، المحذر لمن خالف أمره مِنْ نَارٍ تلظَّى بدوام الوقيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة لا تزال على كَرِّ الجديدين في تجديد ، وسلَّم تسليماً أَمَّا بعد ..
فإنَّ اللهَ خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، ويخافوه ويوحدوه، فمن تَأَمَّلَ الكتاب الكريم، وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السُّنَّة الصحيحة التي هي مفسرة ومبينة لمعاني الكتاب، وكذلك سِيَر السَّلَف الصَّالِح أهل العلم والإيمان، من الصًّحَابَة والتَّابِعِيْن لهم بإحسان، من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الحرص على تَوْحِيْد الله في رُبُوْبِيَّتِهِ وَأُلُوْهِيَّتِهِ والأَسْمَاءِ وَالصِّفَات،
وأنَّ ذلك هو الذي رقَّاهم إلى تلك الأحوال الشَّريفَة والمقامات السَّنِيَّات، ومن أراد السَّيْر على منوالهم، والاقتداء بأفعالهم، فلينهج نهجهم في حرصهم على الْعَقِيْدَة، وليعزم على تعلمها عزيمةً أكيدة، فإنَّه ظافرٌ بالسَّعادة، وحائزٌ على العزة والرِّيادة، ومن أجل تحقيق ذلك فهذه ورقات في بيان عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، الفرقة النَّاجية المنصورة إلى قيام السَّاعة، جريتُ فيها على الاختصار، سائلاً المولى الرَّحيم الغفَّار، أنْ يُنَجِيْنِي بها من النَّار، ويجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنَّه هو البر الرحيم، وصلى اللهُ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن أجل تحقيق ذلك فهذه ورقات في بيان عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، الفرقة النَّاجية المنصورة إلى قيام السَّاعة ، جريتُ فيها على الاختصار، سائلاً المولى الرَّحيم الغفَّار، أنْ يُنَجِيْنِي بها من النَّار، ويجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنَّه هو البر الرحيم، وصلى اللهُ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مبادئ علم الْعَقِيْدَة
إنَّ لكل علمٍ مبادئ ، نَظَمَهَا بعضُهُم في هذه الأبيات:
إنَّ مبادي كُلَّ فـــنٍ عشــــــرة الحَـــدُّ والـموضوعُ ثُـمَّ الثَّمَــرة
وفـضلُه ونسبــــةٌ والــواضــعُ والاسْمُ الاستمـدادُ حكمُ الشَّارع
مسائلٌ والبعضُ بالبعضِ اكتفى ومَنْ دَرَى الجميعَ حَازَ الــشَّرَفَا
تعريف العقيدة في اللغة:
الْعَقِيْدَة لغةً: فعيلة بمعنى مفعولة؛ كقتيلة بمعنى مقتولة.
وعقد واعتقد بمعنى اشتد، وصلب، واستحكم، وَمَدَارُ الكلمة على الُّلزوم، والتَّأكُد ، والاستيثاق.
ويطلق على العهد وتأكيد اليمين (عَقْدٌ).
وما عقد الإنسان عليه قلبه فهو (عَقِيْدَةٌ).
وأصلها من العقد: وهو بمعنى الربط والشد بقوةٍ وإحكام، ومنه الإِبرام، والتَّماسك، والمُراصَّة، والتَّوثيق، والتَّأكيد، والجزم، كلها تُسَمَّى عَقْدَاً، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ في التَّصميم والاعتقاد الجازم.

تعريف العقيدة في الاصطلاح:
التَعْرِيْفُ الاصطلاحي للعَقِيْدَة له مفهومان: عام، وخاص، فالمفهوم العام: هو معنى الْعَقِيْدَة بقطع النَّظر عن كونها صحيحة أو فاسدة، أمَّا بالمفهوم الخاص: فهو تَعْرِيْفُ الْعَقِيْدَة الصحيحة.
الْعَقِيْدَة بالمفهوم العام: هي الإيمان الجازم، والحكم القاطع، الذي لا يتطرَّق إليه شَكٌ لدى المُعْتَقِد.

الْعَقِيْدَة بالمفهوم الخاص (وهي الْعَقِيْدَة الإِسْلامية):

هي الإيمان الجازم بالله I، وما يجب له في رُبُوْبِيَّتِهِ، وَأُلُوْهِيَّتِهِ، وأسمائه وصفاته، والإيمان الجازم بقضايا الغيب ومنها: الملائكة، والْكُتُبُ، والرُّسُل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النَّصوص من قضايا الاعتقاد، وما أَجْمَعَ عليه السَّلَفُ، والتَّسْلِيم لله في الحكم والأمر والشَّرْعِ، ولرسوله r بالطاعة والتَّحكيم والاتِّبَاع.



تعريف التوحيد لغةً واصطلاحاً:

التَّوْحِيْدُ لغةً: مشتق من وَحَّدَ الشيء إذا جعله واحداً، فهو مصدر وَحَّدَ يُوَحِّدُ، أي جعل الشيء وَاحِدَاً.
لا يتحقق التَّوْحِيْد إِلاَّ بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموَحَّد، وإثباته له وحده؛ فمثلاً نقول إنَّه لا يتم التَّوْحِيْد حتى يشهد أنْ لا إله إِلاَّ اللهُ، فينفي الأُلُوْهِيَّة عمَّا سوى الله عز وجل، ويثبتها لله وحده، وذلك أنَّ النفي المحض تعطيلٌ محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم.
واصطلاحاً: إفراد الله I بما يختص به من الرُّبُوْبِيَّة، والأُلُوْهِيَّة، والأَسْمَاء وَالصِّفَات.

موضوع علم العقيدة

إنَّ موضوع الْعَقِيْدَة من حَيْثُ كونها علماً هو معرفة الله بإثبات ما لله من صفات كماله، ونعوت جلاله، وتنـزيهه عن كُلِّ نقصٍ وعيب، وتنـزيهه عن مشابهة المخلوقات، وتقرير التَّوْحِيْد والإيمان، والغيبيات، والنبوات، والقدر، وسائر أصول الاعتقاد، بأدلتها من الكتاب والسُّنَّة وإجماع السَّلَف، ودفع ما يعارض هذه الأصول، والرد على المبتدعة المعارضين، وذم الغافلين المعرضين، ومدح أهل السُّنَّة القائمين بهذه الْعَقِيْدَة علماً وعملاً وحالاً ودعوةً، وبيان ما لهم عند ربهم من الكرامة. وهذه الموضوعات الجليلة هي أصل العلوم كلها.

ثمرة علم العقيدة
إنَّ ثمرة علم الْعَقِيْدَة هي أغلى ثمرة يبحث عنها الإنسان؛ ألا وهي الفوز بسعادة الدارين.
فالبشر كلهم عبيدٌ الله، ووظيفةُ المسلم وقيمته أنْ يقوم بالعبادة، فالذي لا يقوم بالعبادة، ولا يؤدي وظيفته فقد ثار على فطرته، وفقدتْ قيمتَه، وقوام العبودية تصحيح الْعَقِيْدَة والإيمان، فمن تطرَّق إلى عقيدته خلل، أو تعرض إيمانه لفساد لم تقبل منه عبادة، ولم يصحَّ له عملٌ، وَمَنْ صَحَّتْ عقيدته، واستقام إيمانه كان القليل من عمله كثيراً، ومن هنا وجب على كُلِّ مسلم أنْ لا يدخر وسعاً في تصحيح إيمانه، وأنْ يكون الحصول عليه والاستيثاق منه غاية أمله، ونهاية سؤله لا يعدل به شيئاً، ولا يتأخر فيه لحظة.

فضل علم العقيدة
إنَّ علم الْعَقِيْدَة أشرف العلوم، وأفضلها، وأفرضها، وأنفعها، وأجلها؛ لأَنَّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو اللهُ تبارك وتَعَاْلَى.

نسبة علم العقيدة إلى بقية العلوم
أمَّا عن نسبة علم الْعَقِيْدَة إلى بقية العلوم فهو أصل العلوم؛ إذ العلوم كلها مبنيَّة على الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وهذه هي أصول الإيمان وأركانه، وغير ذلك من الأسس - التي لابد منها في سائر العلوم - هي موضوعات يتناولها علم الْعَقِيْدَة.
واضع علم العقيدة
إنَّ واضع علم الْعَقِيْدَة هو الله تبارك وتَعَاْلَى بواسطة رسله عليهم الصلاة والسلام، وهذا مما يدل على عظيم منزلة هذا العلم، وعلو قدره.




أسماء علم العقيدة:
يُعرف هذا العلم عند أهل السُّنَّة بعدة أسماء، تصدق عليه وهي كالتَّالي:

1-الْعَقِيْدَة: (والاعتقاد والعقائد): فيقال عَقِيْدَةُ السَّلَف، وعَقِيْدَةُ أهل السُّنَّة، وعَقِيْدَةُ أهل الأَثَر ونحوه، ومن ذلك:
شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة للإمام اللالكائي.

أسماء علم العقيدة
2-التَّوْحِيْد: وهو وإنْ كان موضوعاً من موضوعات الْعَقِيْدَة، لكنْ لأنَّه من أشرف موضوعات الْعَقِيْدَة وأهمها أُطلق على الْعَقِيْدَة؛ لأَنَّ إطلاق الجزء على الكل دليل على أهميته، ومن ذلك:
كتاب التَّوْحِيْد وإثبات صفات الرب، لابن خزيمة.
كتاب التَّوْحِيْد، لابن مندة.
كتاب التَّوْحِيْد، لشيخ الإِسْلام محمد بن عبد الوهاب.
3- السُنَّة: وأطلق السَّلَفُ اسْمَ السُّنَّة على الْعَقِيْدَة؛ لأَنَّ السُّنَّة تشمل كُلَّ ما أُثِرَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقاد أولاً، والعلم ثانياً، والعمل ثالثاً؛ ولأنَّ السُّنَّة في اللغة الطريقة، فأُطلق على عَقِيْدَة السَّلَف السُّنَّة لاتباعهم طريقة الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، وهذا الإطلاق هو أشهر إطلاقات الْعَقِيْدَة في القرون الثَّلاثة المفضَّلة، ومن ذلك:
أ- السُّنَّة، للإمام أحمد.
ب- السُّنَّة، للإمام عبد الله بن الإمام أحمد.
ج السُّنَّة، لأبي بكر الخلال.

4-أصول الدِّيْنِ (أصول الديانة): والأصول هي أَرْكَانُ الإيمان، وأَرْكَانُ الإِسْلام، والمسائل القطعيَّة، وما أجمع عليه المسلمون، ومن ذلك:
الإبانة عن أصول الديانة، لابن بطة.
الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري.

5- الفقه الأكبر: وهو يرادف أصول الدِّيْنِ، مقابل الفقه الأصغر وهو الاجتهادية، ومن ذلك:
أ‌- الفقه الأحكام الأكبر المنسوب لأبي حنيفة.
6-الشَّريعة: أي ما شرعه الله وَرَسُوْلُهُ من سنن الهدى، وأعظمها أصول الدِّيْنِ، ومنه قوله تَعَاْلَى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْك}، ومن ذلك:
الشَّريعة، للإمام الآجري.



اصطلاحات تطلقها الفرق الضالة على علم العقيدة:
وهناك اصطلاحاتٌ أخرى تُطْلِقُهَا الفِرَقُ الضَّالَة على هذا العلم، ومن أشهر تلك المصطلحات ما يلي:

1-عِلْمُ الكلاَمِ: وهذا الإطلاق يعرف عند سائر الفِرَقِ المُتَكَلِّمَة؛ كالمعتزلة والأشاعرة، وهو لا يجوز؛ لأَنَّ علم الكلام مُبْتَدَعٌ، ويقوم على التَّقَوُّل على اللهِ بغير علم، ويخالف منهج السَّلَف في تقرير العقائد.

2-الفَلْسَفَة: عند الفَلاَسِفَةِ ومن سلك سَبِيْلَهم، وهو إطلاق لا يجوز في الْعَقِيْدَة؛ لأَنَّ الفلسفة مبناها على الأوهام، والعقليات الخياليَّة، والتَّصًورات الخُرَافِيَّة عن أمور الغيب المَحْجُوْبَة.

3-التَّصَوُّف: عند المُتَصَوِّفَة والفَلاَسِفَةِ والمُسْتَشْرِقِيْنَ ومن نحا نحوهم، وهو إطلاق مُبْتَدَعٌ؛ لأنَّه ينبني على اعتبار شَطَحَات المُتَصَوِّفَة ومزاعمهم وخرافاتهم في الْعَقِيْدَة.

4-الإلِهِيَّات: عند أهل الكلام، والفَلاَسِفَةِ والمُسْتَشْرِقِيْنَ وأتباعهم، وهو خطأ؛ لأَنَّ المقصود به عندهم فلسفات الفلاسفة، وكلام المتكلمين والملاحدة فيما يتعلق بالله تَعَاْلَى.

استمداد علم العقيدة:

لها مصدران أساسيان هما:

كتاب الله تَعَاْلَى (الْقُرْآن الْكَرِيْم).
السُّنَّة الثَّابِتَة الصَّحِيْحَةُ. فالرَّسُوْلُ r، لا ينطق عن الهوى إنْ هو إِلاَّ وحيٌ يوحى.
وإجماع السَّلَف الصَّالِحِ مصدرٌ مبناه على الكِتَابِ والسُّنَّة.
أمَّا العقل السَّلِيْم، والفطرة المستقيمة فيوافقان الأدلة المذكورة، ويدركان ضرورة النُّبُوَات، وإرسال الرُّسُل، وضرورة البعث والجزاء على الأعمال على الإجمال لا على التَّفْصِيْل.
أمَّا أمور الغيب فلا سَبِيْلَ لإدراك شيءٍ منها على التَّفْصِيْل إِلاَّ عن طريق الكِتَابِ والسُّنَّة.

حكم تعلم العقيدة:
يجب تعلم الْعَقِيْدَة وجوباً عينياً؛ أي أنَّه يجب على كُلِّ مسلمة تعلم الْعَقِيْدَة من حَيْثُ الإجمال، أمَّا مسائلُهُ الدَّقِيْقَةُ، والرَّدُ عل أهل الْبِدَع، فهذا واجبٌ كفائي، إذا قام به البعضُ سقط الإثمُ عن الباقين، وسيأتي مزيد بيان في الكلام عن وجوب التَّمَسُّك بعَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة.

مسائل علم العقيدة:
مسائل الْعَقِيْدَة: هي القضايا المبحوث عنها فيه، وهي أصول الإيمان السِّتَة، وأسماء الله وصفاته، وعدالة الصًّحَابَة، ونحوها من مسائل الْعَقِيْدَة، وأحياناً تُذْكرُ بعضُ المسائل الفقهية؛ لاتِّفَاقِ أهل السُّنَّة عليها ومخالفة أَهْلِ الْبِدَع لهم في ذلك؛ كالمسح على الخُفَّيْن.



المحاضرة الأولى
أهمية دراسة علم العقيدة ومصادرها
أهمية دراسة العقيدة:

إن أهمية دراسة العقيدة السلفيَّة تنبع من أهمية العقيدة نفسها، وضرورة العمل الجاد الدّؤوب لإعادة الناس إليها، وذلك لأمور:
أولاً: لقد كانت عناية القرآن بتوحيد الله عظيمة فهو القضية الكبرى، ومهمة الرسل الأولى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين} [سورة النحل:36] {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُون}. [سورة الزخرف:45]
فالقرآن كله حديثٌ عن التوحيد، وبيان حقيقته والدعوة إليه، وتعليق النجاة والسعادة في الدارين عليه. حديثٌ عن جزاء أهل التوحيد وكرامتهم على ربِّهم، كما أنه حديثٌ عن ضدِّه من الشرك بالله وبيان حال أهله وسوء منقلبهم في الدنيا، وعذاب الهون في الأخرى {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق}. [سورة الحج:31] {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}. [سورة النساء:48] والأوامر والنواهي ولزوم الطاعات وترك المحرمات هي حقوق التوحيد ومكملاته.
إنَّ بعثة رسول الله rورسالته وسيرته من أولها إلى آخرها، مكيِّها ومدنيِّها، حضرها وسفرها، سِلمها وحربها كلها في التوحيد منذ أن أُمر بالإنذار المطلق في سورة المدثر{وَالرُّجْزَ فَاهْجُر} [سورة المدثر:5]
إلى الأمر بإنذار العشيرة {فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِين} [سورة الشعراء:213-214]
إلى الأمر بالصدع بالدعوة {فَا صْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين}. ثم من بعده الأمر بالهجرة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}. [سورة التوبة:40]
والإذن بالقتال والجهاد {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}. [سورة الحج:40]
إلى فتح مكة حين كسرت الأصنام{وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. [سورة الإسراء:81]
إلى الإعلام بدنو الموت {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر:3] وقال بأبي هو أميr وهو في مرض موته: ((لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)).
لم تخلُ فترةٌ من هذه الفترات البتة من إعلان التوحيد وشواهده ومحاربة الشرك وظواهره، ويكاد ينحصر عرضُ البعثة كلِّها في ذلك، فما ترك r تقريرَ التوحيد وهو وحيدٌ، ولا ذهل عنه وهو محصورٌ في الشعب، ولا انصرف عنه وهو في مسالك الهجرة والعدو مشتد في طلبه، ولا قطع الحديث عنه وأمره ظاهر في المدينة بين أنصاره وأعوانه، ولا أغلق باب الخوض فيه بعد فتح مكة الفتح المبين، ولا اكتفى بطلب البيعة على القتال عن تكرار عرض البيعة على التوحيد ونبذ الشرك، فهذه سيرته المدونة وأحاديثه الصحيحة، والقرآن من وراء ذلك كله.
من أجل هذا كان التوحيد أولاً ولا بد أن يكون أولاً في كل عصر وفي كل مصر، أما أركان الإسلام الخمسة الكبرى ومعالمه العظمى فشرعت لتعلن التوحيد وتجسده وتقرره وتؤكده تذكيراً وتطبيقاً، وإقراراً وعملاً.
فالشهادتان إثبات للوحدانية، نفيٌ للتعدد وحصرٌ للتشريع والمتابعة في شخص المرسَل المبلِّغ محمد r.
والصلاة مفتتحةٌ بالتكبير المنبئ عن طرح كل من سوى الله عز شأنه واستصغار كل من دون الله عز وجل. ناهيك بقرآن الصلاة وأذكارها في منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين}. [سورة الفاتحة:5]
أمَّا الزكاة فهي قرينة الصلاة في التعبد والاعتراف للرب الجليل وإخراجها خالصة لله طيبة بها النفس براءةً من عبادة الدرهم والدينار{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين}. [سورة فصلت:6-7]
أمَّا الصيام الحق فهو الذي يدعُ الصائمُ فيه طعامه وشرابه وشهوته من أجل ربه ومولاه.
أمَّا الحج فشعار الأمة كلها في بطاح مكة فهو التلبية بالتوحيد ونفي الشرك.
ثانياً: ما كانت هذه الأدلة المتكاثرة، والحجج المتضافرة، والبراهين المتوافرة في شأن التوحيد، إلا لعظم الأمر، وخطر شأن القضية، وشدة الخوف على الناس من الانحراف والقلوب من الزيغ.
ولماذا لا يُخاف عليهم والشياطين ما فتئت تترصد لبني آدم تجتالهم وتُغويهم؟ وفي الحديث القدسي: قال r: ((إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، وَإِنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)).
كيف لا يكون الخوف والرسول r خاطب أصحابه الصفوة المختارة من الأمة: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يُقَالُ لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا جَاءَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فَاطْلُبُوا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ)).
ولماذا لا يُخاف الخلل في التوحيد والنقص في صدق التعبد والتعلق؟ لماذا لا يُحذر من الشرك وأنواعه وأسبابه والله يقول في محكم تنـزيله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون}. [سورة يوسف:106]
ثالثاً: التوحيد هو أول الدين وآخره، وظاهره وباطنه، وقطب رحاه، وذروة سنامه، قامت عليه الأدلة، ونادت عليه الشواهد، وأوضحته الآيات، وأثبتته البراهين، نصبت عليه القبلة، وأُسست عليه الملة، ووجبت به الذمة، وعُصمت به الأنفس، وانفصلت به دار الكفر عن دار الإسلام، وانقسم به الناس إلى سعيدٍ وشقيٍّ ومهتدٍ وغوي، وجاءت نصوص القرآن والسنة آمرةٌ بأخذ الدين وتعلمه، وتعلم الدين أول ما يتناول مسائل العقيدة، ولهذا سماه أهل العلم الفقه الأكبر، وقال النبيr : ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) وأول ما يدخل في ذلك واولاه علم التوحيد والعقيدة.
رابعاً: إنها أصل في أعمال الجوارح, بمعنى أنَّ صلاح العقيدة يورث صلاح العمل والعكس بالعكس, وقد ضرب الله مثلا لذلك بأهل الكتاب حين قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُون}. [سورة آل عمران:23-24] وما لم يتحقق التوحيد وإخلاص العبادة وتمام الخضوع والانقياد والتسليم فلا تقبل صلاة ولا زكاة ولا يصح صوم ولا حج، ولا يزكوا أي عمل يتقرب به إلى الله {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [(88) سورة الأنعام]

إذا لم يتحقق التوحيد ويصدق الإخلاص فلا تنفع شفاعة الشافعين، ولا دعاء الصالحين حتى ولو كان الداعي سيد الأنبياء والمرسلين محمدr اقرءوا إن شئتم {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة]

خامساً: أنَّ العقيدة السلفية تجعل المسلم يعظِّم نصوص الكتاب والسنة، وتعْصِمُه من ردِّ معانيها، أو التّلاعب في تفسيرها بما يوافق الهوى.

سادساًً: أنها تربط المسلم بالسَّلف من الصحابة ومَن تبعهم، فتزيده عزَّة وإيمانًا وافتخارًا، فهم سادةُ الأولياء، وأئمَّة الأتقياء، والأمر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((إنَّ الله نظرَ في قلوب العباد، فوجَد قلبَ محمّدٍ e خيرَ قلوب العباد، فاصطفاهُ لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد e، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتِلون على دينه، فما رَأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسنٌ، وما رأوْهُ سيِّئًا فهو عند الله سيئ)).

سابعاً: بالعقيدة الإسلامية تتوحَّد صفوف المسلمين:
لا يوحد صفوف المسلمين والدُّعاة إلا الاجتماع على عقيدة السلف الصالح، فعليها تجتمع كلمتهم، وبدونها تتفكَّك؛ ذلك أنها عقيدة الكتاب والسنة والجيل الأول من الصحابة، وكل تجمُّع على غيرها مصيره الفشل والتفكُّك.
ثامناً: ليس للقلوب سرور وليس للصدور انشراح إلا بالتوحيد:
إنَّ انشراح الصدور لا يكون إلا بالتوحيد والعقيدة الصحيحة، ففيه يكون الولاء والبراء، والحب والبغض، والمودة والعداء. يضعف كل رباط إلا رباط العقيدة، وتضمحل كل وشيجة إلا وشائج الحب في الله. رابطة الإيمان يتهاوى دونها كل صلة بعرق أو تراب أو لون. للإيمان طعم يفوق كل الطعوم، وله مذاق يعلو على كل مذاق، ونشوة دونها كل نشوة. حلاوة الإيمان حلاوة داخلية في نفس رضية وسكينة قلبية تسري سريان الماء في العود، وتجري جريان الدماء في العروق. لا أرقَ ولا قلق، ولا ضيق ولا تضييق، بل سعة ورحمة، ورضاً ونعمة {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا} [(70) سورة النساء].
تاسعاً: الْعَقِيْدَة الصحيحة ضرورية للإنسان:
إنَّ الْعَقِيْدَةَ الصَّحِيْحَةَ ضرورية للإنسان ضرورة الماء والهواء، بل أَشَدُّ من ذلك، وبدونها يُصْبِحُ الإنسان ميتاً، وإنْ كان يتحرَّك بين ظهراني النَّاس.
عاشراً: هي أساس بناء المجتمع الإنساني:
فإنْ كانت عَقِيْدَة المجتمع سليمة انضبط ذلك المجتمع وترابط وارتقى إلى ذروة الكمال الإنساني، وإنْ كانت عقيدته منحرفةً تَفَكَّكَ وَتَشَتَّتَ ذلك المجتمع، وهبط إلى الحَضِيْضِ الدَّانِي، وقد دَلَّت التَّجاربُ على أَنَّ صلاح سلوك الفرد يتناسب مع صلاح عقيدته، وفساد سلوك الفرد يتناسب مع مدى فساد عقيدته.




المحاضرة الثالثة
خصائص العقيدة الإسلامية

1- سلامة المصدر
وذلك باعتمادها على الكِتَابِ والسُّنَّة وإجماع السَّلَف وأقوالهم فَحَسْب:
وهذه الخاصيَّة لا تُوْجَد في مذاهب أهل الكلام، والمبتدعة، والصُّوفيَّة، الَّذِيْنَ يعتمدون على العقل والنَّظر، أو على الكَشْفِ والحَدْسِ والإِلْهَام والوَجْد، وغير ذلك من المصادر البَشَريَّة النَّاقِصَة التي يحكَّمونها أو يعتمدونها في أمور الغيب، والعَقِيْدَة كُلُّها غَيْبٌ.
أمَّا أهل السُّنَّة فهم بحمد الله معتصمون بكِتَابِ اللهِ تعالى، وسُنَّةُ رَسُوْلِهِ e، وإجماع السَّلَف الصَّالِحِ وأقوالهم، وأَيُّ مُعْتَقَد يُسْتَمَد من غير هذه المصادر إنَّما هو ضلالٌ وَبِدْعَةٌ.
فالَّذِيْنَ يزعمون أنَّهم يَسْتَمِدُّوْنَ شيئاً من الدِّيْنِ عن طريق العقل والنَّظر، أو علم الكلام والفلسفة، أو الإِلْهَام والكَشْفِ والوَجْد، أو الرؤى والأحلام، أو عن طريق أشخاص - غير الأنبياء - يزعمون لهم العِصْمَة أو الإحاطة بعلم الغيب، من أَئِمَّةٍ، أو رؤساء، أو أولياء، أو أَقْطَاب أو نحوهم، أو يزعمون أنَّهم يسعهم العمل بأنظمة البشر، من زعم ذلك فقد أعظم على اللهِ الفِرْيَة، ونقول لمن زعم ذلك كما قَالَ اللهُ تَعَاْلَى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. وأنَّى له أنْ يأتي إِلاَّ بِشُبَهِ الشَّيطان. وهذه الخَصِيْصَةُ وهي الاعتماد على الكِتَابِ والسُّنَّة، ومنهج السَّلَف الصَّالِحِ سِمَةٌ من سمات أهل السُّنَّة لا تتخلَّف في كُلِّ مكانٍ وزمان، والحمد لله الكريم المنان.

2- أنَّها تقوم على التسليم لله تَعَاْلَى، ولرسوله e
وذلك لأَنَّ الْعَقِيْدَة غيب، والغيب يقوم ويَعْتَمِد على التَّسليم والتَّصديق المطلق للهِ تَعَاْلَى، ولِرَسُوْلِهِ e، فَالتَّسْلِيْمُ للغيب من صفات المؤمنين التي مدحهم اللهُ بها، قَالَ تَعَاْلَى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. [سورة البقرة:1-3]. والغيب لا تدركه العقول ولا تُحِيْطُ به، ومن هنا فأهلُ السُّنَّة يَقِفُوْنَ في أمر الْعَقِيْدَة على ما جاء عن الله وعن رسوله e، بخلاف أهل الْبِدَع فهم يخوضون في ذلك رجماً بالغيب، فلا هم أراحوا عقولهم بالتَّسليم، ولا عقائدهم وذممهم بالاتِّبَاع، ولا تركوا عامَّة أتباعهم على الفطرة التي فطرهم الله عليها.

3- موافقتها للفطرة القويمة، والعقل السليم
لأَنَّ عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة تقوم على الاتِّبَاع والاقتداء والاهتداء بهدي الله تَعَاْلَى، وهدي رسوله e، وما عليه سَلَف الأُمَّة فهي تَسْتَقِي من مَشْرَب الفطرة، والعقل السَّليم، والهدي القَوِيم، وما أعذبه من مشرب. بل هي عَقِيْدَةٌ تشبع الجَوْعَةَ التي لا تشبعها النُّظُم الفلسفيَّة، ولا المذاهب الوثنية، ولا السلطان السياسي، ولا الثراء المالي: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}. أمَّا المعتقدات الأخرى فما هي إِلاَّ أوهامٌ، وتخرُّصَات، تُعْمِي الفطرة، وتُحيِّر العقول.
4- اتصال سندها بالرَّسُوْلِ e، والصًّحَابَة والتَّابِعِيْن وأئمة الهدى قولاً وعملاً واعتقاداً:
فلا يوجد - بحمد الله - أصلٌ من أصول عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة ليس له سند متصل بالرسول e، وقدوة من الصًّحَابَة والتَّابِعِيْن، وأئمة الدين إلى اليوم، بخلاف عقائد المبتدعة التي خالفوا فيها السَّلَف، فهي مُحْدَثَة ولا سند لها من كتابٍ أو سنةٍ أو أثرٍ عن الصًّحَابَة والتَّابِعِيْن، وما لم يكنْ كذلك فهو بِدْعَة، وكل بِدْعَة ضلالة.

5- الوضوح والبيان
تمتاز عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة بالوضوح والبيان ، وَخُلوها من الغموض والخفاء ، ونقائها من الفلسفة والتَّعقيد في ألفاظها ومعانيها ؛ لأنَّها مستمدة من كتاب الله المبين ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن كلام رسوله الأمين عليه أزكى صلاة وأتم تسليم الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إِلاَّ وحيٌ يوحى، وتنجي المتمسِّك بها من هَلَكةِ الخوض في ذات الله، وردِّ نصوص كتاب الله وسنَّة نبيِّه e.
ومن ثَمَّ تكسب صاحبها الرِّضا والاطمئنان لقدر الله، وتقدير عِظَمِ الله، ولا تكلِّف العقل التَّفكير فيما لا طاقة له به من الغيبيَّات؛ فالعقيدة السلفيَّة سهلةٌ ميسَّرة، بعيدة عن التّعقيد والتّعجيز. بينما المعتقدات الأخرى هي من تخليط البشر أو تأويلهم وتحريفهم ، وشتَّان بين المشربين ، لا سِيَّمَا والعَقِيْدَة تُوْقِيفيَّة غيبية لا مجال للاجتهاد فيها كما هو معلوم .

6- سلامتها من الاضطراب والتناقض
فإنَّ الْعَقِيْدَة الإِسْلامية الصَّافية لا اضطراب فيها ولا تناقض ولا التباس، وذلك لاعتمادها على الوحي، وقوة صلة أتباعها بالله، وتحقيق العبودية له وحده لا شريك له، والتَّوكل عليه وحده، وقوَّةُ يقينهم بما معهم من الحق، وسلامتهم من الحَيْرَةِ في الدِّيْن، ومن القلق والشَّك والشُّبهات، بخلاف أهل الْبِدَع فلا تخلو أهدافهم من علةٍ من هذه العلل.
أصدق دليلٍ على ذلك ما حصل لكثيرٍ من أَئِمَّةِ علم الكلام والفلسفة والتَّصوُّف من اضطراب وتَقَلُّب ونَدَم بسبب ما حصل منهم من مجانبة عَقِيْدَة السَّلَف، خَاصَّةً عند التَّقَدُمِ في السِّنِ، أو عند الموت؛ كما حصل للإمام أبي الحسن الأشعري، حَيْثُ رجع إلى عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة بعد الاعتزال، وكذا الباقلاني، وأبو محمد الجويني، والشهرستاني، والرازي، وغيرهم كثير.

7- أنَّها سبب الظهور والنصر والفلاح في الدارين
من أبرز خصائص الْعَقِيْدَة الإِسْلامية أنَّها من أسباب النجاح، والنَّصر والتَّمَكُن لمن قام بها ودعا إليها بصدقٍ وعزمٍ وصبر، فالطَّائِفَةُ التي تتمسَّك بهذه الْعَقِيْدَة السَّلَفِيَّة، هي الطَّائِفَةُ الظَّاهرة والمنصورة التي لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلى يوم القيامة؛ كما أخبرنا بذلك الرَّسُوْلُ e: ((لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِيْنَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُم حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)).

8- عَقِيْدَة الجماعة والاجتماع
ذلك أنَّها الطَّريقة المثلى لجمع شمل المسلمين على الحق، ووحدة صفوفهم، وإصلاح ما فسد من شؤون دينهم ودنياهم؛ لأنَّها تردُّهم إلى الكتاب والسُّنَّة وسَبِيْلُ المؤمنين، وهذه الخاصيَّة لا يمكن أنْ تتحقَّق على يد فرقةٍ أو أنظمةٍ لا تقوم على هذه الْعَقِيْدَة أبداً، والتأريخ شاهدٌ على ذلك فالدُّول التي قامت على السُّنَّة هي التي جمعتْ شمل المسلمين وقام بها الجهاد والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وَعَزَّ بها الإِسْلام قديماً وحديثاً.




9- البقاء والثبات والاستقرار
من أهم خصائص عَقِيْدَة أهل السُّنَّة: البقاء والثَّبات والاستقرار والاتِّفَاق، فعقيدتهم في أصول الدين ثابتة طيلة هذه القرون، وإلى أنْ تقوم السَّاعة، بمعنى أنَّها مُتَّفِقَة ومستقرة ومحفوظة، في ألفاظها ومعانيها، تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، لم يتطرَّق إليها التَّحريف ولا التَّبديل، ولا التَّلفيق ولا الالتباس، ولا الزِّيادة ولا النَّقْص.
وذلك لأنَّها مُسْتَمَدَةٌ من كتاب الله الَّذِي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ e، وقد تلقاه الصًّحَابَة ثُمَّ التَّابِعُوْن، وأَئِمَّةُ الهدى المتمسِّكون بهديه e إلى اليوم تلقيناً وكتابةً.
بخلاف فرق الضلال، فهم مضطربون في كُلِّ ما خالفوا فيه السَّلَف مما أَوَّلُوه أو ابتدعوه، ويكثر في عقائدهم التَّلفيق والالتباس والاضطراب، والتَّوقف فيما جاء عن الله وعن رسوله e، وابتداع الألفاظ والمعاني التي لم ترد عن الله ولا عن رسوله e.

10- وسطية أهل السنة والجماعة
الوسطية تعني الاعتدال والتوازن بين أمرين أو طرفين فيهما إفراطٌ وتفريط، وهذه الوَسَطِيَّة هي العدل والطَّريق الذي تجتمع فيه الفضيلة، فأهلُ السُّنَّة وَسَطٌ بين الفرق الأخرى في جميع جوانب الدين، فهم وَسَطٌ في أسماء الله تَعَاْلَى وصفاته، وَسَطٌ في الوعد والوعيد، وَسَطٌ في مواقف الصًّحَابَة، وهكذا في سائر أبواب الاعتقاد؛ لأَنَّ عَقِيْدَة السَّلَف مُسْتَمَدَةٌ من الكتاب، والسُّنَّة، وما كان كذلك فهو خيارٌ وسط في كل شيئ

11- إنَّها تعصم الدم والمال، وتصحح جميع الأعمال
أمَّا الْعَقِيْدَة الفاسدة فإنَّها تهدر الدم والمال، وتُحْبِطُ جميع الأعمال، وقد دَلَّ على ذلك الكِتَابُ والسُّنَّة الصَّحِيْحَةُ ومن ذلك ما يلي:
قوله تَعَاْلَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
قوله تَعَاْلَى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَـانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَـسِرِينَ}.
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ e: ((لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّي رَسُوْلً اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَث: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ باِلَّنْفسِ، وَالتَّارِكُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ للِّجَمَاعَةِ)).

12- 1أنَّها تجيب على جميع التساؤلات التي تشغل الفكر الإنساني
مثل مِنْ أين جئنا؟ ومِنْ أين جاء هذا الكون؟ ومِنْ الموجد له؟ وما هي أسماؤه وصفاته؟ ولماذا أوجدنا؟ وما دورنا في هذه الحياة؟ وما علاقتنا بالخالق؟ وهل هناك عوالم غير منظورة؟ وهل بعد هذه الحياة حياةٌ نَصِيْرُ إليها؟ وكيف تكون تلك الحياة؟ كُلُّ هذه الأسئلة لا تُوْجَد عَقِيْدَةٌ لديها إجابةٌ صادقةٌ كافيةٌ شافيةٌ عليها إِلاَّ في الْعَقِيْدَةِ الإِسْلامية الصَّحِيْحَةِ.





المحاضرة الرابعة
قواعد العقيدة الإسلامية

أولاً : القواعد العامة
13- مصادر عَقِيْدَة أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة:

نظراً لأَنَّ عَقِيْدَة أهل السُّنَّة تُوْقِيفيَّة، فهي تقوم على التَّسْليم بما جاء عن اللهِ وعن رَسُوْلِهِ e، دون تحريفٍ، ولا تأويلٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تمثيلٍ.
ولها مصدران أسَاسِيَّان هما:
1- كتاب الله تَعَاْلَى (الْقُرْآن الْكَرِيْم).
2- السُّنَّة الثَّابِتَة الصَّحِيْحَةُ.
فالرَّسُوْلُ e، لا ينطق عن الهوى إنْ هو إِلاَّ وحيٌ يُوْحَى.
وإجماع السَّلَف الصَّالِحِ مصدرٌ مبناه على الكتاب والسُّنَّة.

والفطرة المستقيمة والعقل السَّليم: رَافِدَانِ مُؤَيِّدَانِ لا يستقلان بتقرير تفصيلات الْعَقِيْدَة، فهما يوافقان الكتاب والسُّنَّة ولا يعارضانهما.
وإذا ورد ما يوهم التَّعارض بين النَّقْل والعقل، اتَّهَمْنَا عُقُوْلَنَا، فإنَّ النَّقلَ الثَّابتَ مُقَدَّمٌ وَمُحَكَّمٌ في الدَّيْن، فتقديم عقول النَّاس وآرائهم الفاسدة على كلام الله تَعَاْلَى وكلام رَسُوْلِهِ e ضلالٌ وشقاء.

14- خبر الآحاد الثابت عن رَسُوْلِ اللهِ e:
فإنَّ الحديث إذا صَحَّ عن النَّبِيِّ e، وإنْ كان من خبر الآحاد وجب قبوله، فهو حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ.

15- ما اختلف فيه في أمور الدين فمرده إلى الله وَرَسُوْلِهِ e:
فأيُّ أَمْرٍ من أمور الدَّين يقع فيه التنازع فيجب رَدُّهُ إلى كِتَابِ اللهِ تَعَاْلَى، وسُنَّة رسوله e؛ كما فهمهما الصًّحَابَة والتَّابِعُوْن، والسَّلَف الصَّالِحون؛ إذ المرجع في فَهْمِ نصوص الكِتَابِ والسُّنَّة هُم الصًّحَابَة والتَّابِعُوْن، ومن اقتفى أثرَهم من أَئِمَّةِ الهدى والدَّيْن، ولا عبرة بمن خالفهم؛ لأنَّه مُتَّبِعٌ غير سَبِيْلُ المؤمنين. فيجبُ التَّسْليم للأحاديث الصَّحِيْحَةِ، وآثار السَّلَف الصَّالِحِ، من غير كَيْفَ ولا لِمَ؛ لأَنَّ ذلك بِدْعَة.

16- أصول الدين والعَقِيْدَة تُوْقِيفيَّة:
فهي عَقِيْدَةٌ يُوْقَفُ بها عند الحدود التي حدَّدها وبيَّنها، وبلَّغها النَّبِيُّ e، فلا مجالَ فيها لزيادةٍ أو نقصان، ولا تعديلَ ولا تبديل؛ وذلك لأَنَّ الْعَقِيْدَة ربَّانِيَّةُ المصدر، موحىً بها من عند الله تَعَاْلَى.
فإنَّ كُلَّ محدثةٍ في الدين بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة؛ كما صحَّ ذلك عن رَسُوْلِ اللهِ e.



فليس لأحدٍ أنْ يُحْدِثَ أمراً من أمور الدَّيْن، زاعماً أنَّه يجب التزامه أو اعتقاده، فإنَّ الله تَعَاْلَى أكمل الدَّيْن، وانقطع الوحي، وخُتِمَتْ النُّبُوَّة؛ لقوله تَعَاْلَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} .
وقوله e: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَاْ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُو رَدٌّ)).
وهذا الحديث قَاعدةٌ من قواعد الدَّيْن وأَصلٌ من أصول الْعَقِيْدَة.
ومن اعتقد أنَّه يسعه الخروج عمَّا جاء به النَّبِيُّ e من الدَّيْن، فقد خلع رِبْقَةَ الإِسْلام من عُنُقِهِ.

17- يجب التزام الألفاظ الواردة في الكتاب والسُّنَّة في الْعَقِيْدَة :
يجب الالتزام بالألفاظ الواردة في الكِتَابِ والسُّنَّة في الْعَقِيْدَة، واجتناب الألفاظ المُحْدَثَة التي ابتدعها المتكلِّمون والفلاسفة وأشباههم من أهل الْبِدَع؛ لأَنَّ الْعَقِيْدَة تُوْقِيفيَّة، فهي مما لا يعلمه إِلاَّ الله U.

18- أمور الْعَقِيْدَة غيبٌ :
أمور الْعَقِيْدَة غيبٌ ومبناها على التَّسليم بما جاء عن الله، وعن رسوله e، ظاهراً وباطناً، ما عقلناه منها وما لم نعقله، فمن لم يُسَلِّمْ فيها لله تَعَاْلَى، ولرسوله e، لم يَسْلَم دينُهُ.

19- لا يجوز الخوض والجدل والمراء في الْعَقِيْدَة ونصوصها :
لا يجوز الخوض في نصوص الْعَقِيْدَة؛ والمنَّاظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم؛ لأنَّها غيبٌ، إِلاَّ بقدر البيان وإقامة الحُجَّة، مع التزام منهج السَّلَف في ذلك. قَالَ الأوزاعي: "إذا أراد الله بقومٍ شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل".

20- لا يجوز تأويل نصوص الْعَقِيْدَة :
لا يجوز تأويل نصوص الْعَقِيْدَة، ولا يجوز صرفها عن ظاهرها بغير دليلٍ شرعيٍّ ثابتٍ عن المعصوم e، ولهذا لما سلَّط المحرفون التأويلات الباطلة على نصوص الشَّرع فسد الدَّيْن فساداً لولا أنَّ الله I تكفل بحفظه، وأقام له حرساً وكَّلَهُم بحمايته من تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، ومن رحمة الله بهذه الأُمَّةِ أنَّهُ يَبْعَثُ لها عند دُرَوْسِ السُّنَّة، وظُهُوْرِ الْبِدْعَةِ من يجدِّدُ لها دينها، ولا يزال يَغْرِسُ في دينه غَرْسَاً يستعملهم فيه علماً وعملاً.

21- من لوازم الْعَقِيْدَة العمل بالشريعة :
فالحكم بغير ما أَنْزَلَ الله تَعَاْلَى ينافي التَّوْحِيْد والتَّسْليم لله تَعَاْلَى، ولرسوله e، فتجويز الحكم بغير شرع اللهِ كفرٌ أكبر، أمَّا العدول عن شرع اللهِ في واقعةٍ معيَّنَةٍ لهوىً في النَّفْسِ، أو إكراهٍ مع الالتزام بشرع اللهِ فهو كفرٌ أصغر ، أو ظلمٌ ، أو فُسُوْق .!!






المحاضرة الخامسة
القواعد التفصيلية

ثانياً: القواعد التفصيلية

1- يتلخَّصُ اعتقاد أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة في الجملة فيما يلي:

1- عقيدتهم في أسماء الله وصفاته :
إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله e، ونفي ما نفاه الله عن نفسه وما نفاه عنه رسوله e من غير تمثيلٍ ولا تكييف، ولا تشبيهٍ ولا تحريفٍ، ولا تأويلٍ ولا تعطيلٍ؛ كما قَالَ تَعَاْلَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}. والله تَعَاْلَى وصف نفسه، ووصفه رسوله e بأنَّه: سميعٌ، بصيرٌ، عالمٌ، متكلمٌ، حيٌ، قدير، وأنَّه مستوٍ على عرشه، فوق عباده، وأنَّه تَعَاْلَى يرضى ويسخط، ويغضب ويحب، كما يليق بجلاله وعظمته، مع الجزم بنفي الشبيه والمثيل.
2- عقيدتهم في مسائل الإيمان وسائر المغيبات:
أ- من أصول أهل السُّنَّة أنَّ الإيمان قولٌ وعمل:
يزيد وينقص، ويشمل الإيمان بكل ما أخبر اللهُ به، أو أخبر عنه رسوله e، من أمور الغيب والشَّهادة، جملةً وتفصيلاً، ومن ذلك:

1- الإيمان بالله تَعَاْلَى وتوحيده بالرُّبُوْبِيَّة، والأُلُوْهِيَّة، والأَسْمَاء وَالصِّفَات.

2- الإيمان بالملائكة، وأنَّهم عبادٌ مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنَّهم مُوَكَّلُوْنَ بعبادة الله تَعَاْلَى، ومنهم من له وظائف وأعمالٌ أخرى، كاختصاص جبريل u بإنزال الوحي، ومَلَكُ الموت بقبض الأرواح، ومالك بخزانة النَّار، ومنهم من وُكِّلَ بكتابة الأعمال، والمقادير، وَتَسْيِّير السَّحاب، وإنزال المطر، ومنهم حَمَلَةُ العرش ...

3- الإيمان بالْكُتُبِ، المُنَزَّلَة من الله تَعَاْلَى إلى رُسُلِهِ هِدَايَةً للعباد، ومنها: الزَّبُور، والتَّوْرَاة، والإِنْجِيُل، والقُرْآن، وهو أكملها وناسخها.

4- الإيمان بالأنبياء والمرسلين جميعاً، ومن جاء ذكره منهم في الْقُرْآن الْكَرِيْم، وصحيح السُّنَّة، وجب الإيمان به على وجه الخصوص، وأنَّهم كلهم بلَّغوا رسالاتِ الله، وَدَعَواْ إلى تَوْحِيْدِهِ وحذَّروا من الشِّرك. {أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوت}.
وأنَّ محمداً e هو أفضلُ الخلق وخَاتَمُ النَّبِيِّين، بعثه اللهُ إلى النَّاس جميعاً، وبموته e انقطع الوحي، وَأَكَمَلَ اللهُ الدِّيْن.

5- الإيمان باليوم الآخر، وأنَّ الموت حقٌ، والإيمان بنعيم القبر وعذابه، والبعث، والنَّفخ في الصُّوْرِ، والنَّشور، والعرض، والحساب والجزاء، والصُّحف، والميزان، والصِّراط، والحوض، والجنَّة ونعيمها، والنَّار وعذابها ...
ويؤمنون بالساعة وأشراطها، ومنها: خروج الدجَّال، ونزول عيسى u، وخروج المهدي، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابَّة، وغير ذلك مما ثبت في الأحاديث.

6- الإيمان بالقدر، خيره وشره، حلوه ومُرِّه من الله تَعَاْلَى، وأنَّ الله علم كُلَّ شيءٍ قبل أنْ يكون، وكتب ذلك في اللَّوح المحفوظ، وأنَّه تَعَاْلَى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكنْ، وأنَّه تَعَاْلَى خالق كُلِّ شيءٍ، وأنَّه قدَّر الأرزاق، والآجال، والسَّعادة والشَّقاء، والهداية والضَّلال، وأنَّه تَعَاْلَى فعَّالٌ لما يريد، وأنَّه تَعَاْلَى أخذ الميثاق على بني آدم، وأَشْهَدَهُم على أنفسهم أنَّه ربهم.
أ_ الْقُرْآن :
من أصول أهل السُّنَّة أنَّ الْقُرْآن الْكَرِيْم كلام الله منزلٌ غير مخلوق، وأنَّ من زعم أنَّه مخلوقٌ فقد كفر.
ب- الرؤية :
وذلك أنَّ المؤمنين يرون ربَّهم يوم القيامة بأبصارهم، من غير كيفٍ ولا إِحاطة.
ج- الشفاعة :
فالمؤمنون يؤمنون بسائر الشَّفَاعات التي ثبتت في الْقُرْآن والسُّنَّة بشروطها يوم القيامة، وأعظمها: شَفَاعَةُ النَّبِيِّ e العظمى للخلائق يوم القيامة، وشَفَاعَتُهُ e لأهل الكبائر من أُمَّتِهِ، وغير ذلك من الشَّفَاعات له e، ولغيره من الملائكة والنَّبِيِّين والمؤمنين وغيرهم؛ كما جاءت بذلك الآثارُ الصَّحِيْحَةُ.
هـ- الإسراء والمعراج :
الإسراء إلى بيت المقدس، والمعراج إلى السماء السَّابِعَة، وسدرة المنتهى ثابتٌ للنَّبِيِّ e؛ كما جاءت بذلك الآيات والأحاديث الثَّابِتَةُ عن النَّبِيِّ e.

المحاضرة السادسة
عقيدة أهل السنة في بقية الأصول والأحكام الاعتقادية
ثالثاً: عقيدة أهل السنة والجماعة في بقية الأحكام

1- من أصول الدين عند أهل السُّنَّة: حب الرَّسُوْلِ r:
محبةُ الرَّسُوْلِ r واجبةٌ؛ حتَّى يكون الرَّسُوْلُ r أحبَّ للمرء من نفسه وولده، والنَّاس أجمعين؛ فقد قَالَ r : ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلِيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ))، ثُمَّ حبُّ أصحابِ رَسُوْلِ اللهِ r ، وزوجاته أُمَّهَاتُ المؤمنين، والتَّرَضِي عنهم، وأنَّهم أفضلُ الأُمَّةِ، والكَفُّ عمَّا شَجَرَ بينهم، وأنْ بغضهم أو الطَّعْنَ في أحدٍ منهم ضلالٌ ونِفِاقٌ.
وأفضلهم: أبو بكر، ثُمَّ عمر، ثُمَّ عثمان، ثُمَّ علي، والعشرة المبشرون بالجنَّة.
كما يدين أهل السُّنَّة بحب آل بيت رَسُوْلِ اللهِ r ، ويستوصون بهم خيراً، ويرعون لهم حقوقهم؛ كما أمر رَسُوْلِ اللهِ r ، من غير غلوٍ ولا جفاء، لا إفراطٍ ولا تفريط.

2- مجانبة أهل الْبِدَع والنفاق والأهواء، وأهل الكلام:
مجانبة أهل الْبِدَع وبغضهم، والتَّحْذير منهم؛ الجَهْمِيَّةِ، والمُعْنَزِلَةِ، وَالخَوَارِجِ، وَالقَدَرِيَّةِ، وَغُلاَةُ المُرْجِئَةِ، والأشاعرة، وَغُلاَةُ الصُّوْفِّيَّةِ، وَالفَلاَسِفَةِ، وَسَائِرِ الفِرَقِ والطَّوائِف، التي جانبتْ السُّنَّة وَالْجَمَاعَة.

3- لزوم الجماعة :
يجب الاجتماع والاعتصام بحبل الله، الْقُرْآن والسُّنَّة، فإنَّ الفُرْقَةَ عن أهل الحق شذوذٌ وهَلَكَةٌ وضلالٌ.
قَالَ تَعَاْلَى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}.
4- وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف :
يجب السَّمْع والطَّاعة لولاة الأمر بالمعروف، والتَّدَيُّن بطاعتهم في طاعة الله ما لم يؤمروا بمعصية، ولا يجوز الخروج عليهم، وإنْ جاروا، إِلاَّ أنْ يُرَى منهم كُفْرٌ بواحٌ عليه من الله برهان.

5- وجوب النصيحة لله ولرسوله r ثُمَّ للأئمة المسلمين وعامتهم:
أَئِمَّةُ المسلمين هم ولاة الأمور من الأمراء والعلماء، فيجب تقديم النَّصيحة لهم، ولعامَّة المسلمين.
أمَّا النَّصِيْحَة لأَئِمَّةِ المسلمين فحبُّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم، واجتماع الأُمَّة عليهم، وكراهية افتراق الأُمَّةِ عليهم، والبغض لمن أراد الخروج عليهم.
6- الجهاد مع الإمام براً كان أو فاجراً:
الجهاد من شعائر الدين، وذروة سنام الإِسْلام، وأنَّه قائمٌ إلى يوم القيامة.
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إنَّ الأمر بالمعروف والنَّهيَ عن المنكر أصلٌ من أصول الدين، ومن أعظم شعائر الإِسْلام، وهو واجبٌ على الاستطاعة.
8- أحكام المسلمين وحقوقهم:
أ- من شهد أنْ لا إله إِلاَّ الله وأنَّ محمداً رَسُوْلُ اللهِ r ، وصلى صلاتنا:
فمن استقبل قبلتنا، وأظهر شعائر الإِسْلام، فهو مسلمٌ له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، حرامُ الدم والمال والعِرْض، وحسابُهُ على الله، وإساءةُ الظنَّ به، أو التَّوَقُفَ في إسلامه بِدْعَةٌ وتنطعٌ في الدين.
ب- لا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة بذنبٍ يرتكبه:
لا نُكَفِّر أحداً من أهل القبلة بذنبٍ يرتكبه، إِلاَّ من جاء تكفيره في الكتاب والسُّنَّة وقامت عليه الحُجَّة، وانتفت في حقه عَوَارِضُ الإكراه، أو الجهل، أو التَّأويل؛ كما لا يجوز الشَّكُ في كفر من حكم الله وَرَسُوْلِهِ r بكفره من المشركين، واليهود، والنصارى وغيرهم.
ج- لا نجزم لأحدٍ بجنة أو نار:
لا نَشْهَدُ لأَحَدٍ بجنَّةٍ ولا بِنَار، إِلاَّ من شهد له رَسُوْلُ اللهِr.
د- ومرتكب الكبيرة في الدنيا فاسقٌ وعاصي:
حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا أنَّه فاسقٌ وعاصي، وفي الآخرة تحت مشيئةِ اللهِ إنْ شاء عذَّبَه، وإنْ شاء غفر له، ولا يُخَلَّد في النَّار، ونرجو للمُحْسِنِ، ونخاف على المُسِيء.
هـ الصَّلاَةُ خَلْفَ أَئِمَّةِ المسلمين (ولاة أمورهم):
نُصَلَّي خَلْفَ أَئِمَّةِ المسلمين بَرِّهِم وفَا جِرِهِم، والجهاد معهم.
و- وجوب الحب في الله والبغض في الله:
الحُبُّ في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، ومن ذلك الولاء للمؤمنين الصَّالِحين، والبراءة من المشركين والكافرين والمنافقين، وكُلُّ مسلمٍ له من الولاية بِقَدْرِ ما لديه من الإيمان والاتِّبَاع للرسول r، ومن البراءة بِقَدْرِ ما فيه من فِسْقٍ وَمَعْصِيَّة.
ز- كَرَامَاتُ الأَولِيَاءِ حَقٌ:
وليس كُلَّ كَرَامةٍ دليلٌ على التَّوْفِيْقِ والصَّلاح، إِلاَّ لمنْ كان على هدي رسول الله r ، ظاهراً وباطناً.
وقد تكون الكرامةُ ابتلاء، وليس كُلَّ خارقٍ للعادة يكون كَرَامةً.
المحاضرة السابعة
منهج القرآن العظيم في تقرير العقيدة

منهج القرآن في معالجة قضايا التوحيد

أولاً : منهج الْقُرْآن في تقرير التوحيد على وجه الإجمال :
- قَالَ ابن القيم :
1- إنَّ الْقُرْآن إِمَّا خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، فهو التَّوْحِيْد العلمي الخبري.
2- وَإِمَّا دعوةٌ إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه، فهو التَّوْحِيْد الإرادي الطلبي.
3- وَإِمَّا أمرٌ ونهيٌ، وإلزامٌ بطاعته وأمره ونهيه، فهو حقوق التَّوْحِيْد ومكملاته.
4- وَإِمَّا خبرٌ عن إكرام أهل التَّوْحِيْد وما فعل به في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء تَوْحِيْدِهِ.
5- وَإِمَّا خبرٌ عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَّكَالِ وما يَحُلُّ بهم في العقبى من العذاب، فهو جزاء من خرج عن حكم التَّوْحِيْد.
فالقرآن كله في التَّوْحِيْد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشِّرْكِ وأهله، وجزائهم.

ثانياً : منهج الْقُرْآن في تقرير التوحيد على وجه التفصيل :
إنَّ للقرآن الكريم منهجه الخَّاص في تقرير عَقِيْدَة التَّوْحِيْد؛ وذلك لأنَّه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وَقَد سَلَكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيْمُ في بيان حقيقة هذا التَّوْحِيْد ومقتضياته مسالكَ شتى:
1- الاستدلال على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية :
إذا نظرنا في الآياتِ القرآنيةِ نَرَىَ أنَّها تُنَبِّهُ إلى دليل الخلق والإبداع، وهذا الدَّلِيْلُ مبنيٌ على أصلين :
أنَّ الموجودات مخلوقة.
كُلُّ مخلوق لابد له من خالق.
وَيَعْتَمِدُ هذا الدَّلِيْلُ على إثارة الفكر للتَّعَرُّفِ على خالق الموجودات جميعها، والاستدلال بذلك على وحدانيته تَعَاْلَى، وهو أَوَّلُ دليلٍ تُلْفِتُ الآياتُ النَّظَرَ إليه؛ كقوله تَعَاْلَى:
{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. [سورة البقرة:116-117]
ومُلَخَّصُ هذا الدليل: أنَّ كُلَّ ما في الكون مخلوقٌ، والمخلوق لابدَّ له من خالق؛ لأنَّه يستحيل أنْ يكون خلق من غير خالق، وقد كان المشركون يؤمنون بهذا الدَّلِيْل من حَيْثُ دلالته على تَوْحِيْد الرُّبُوْبِيَّة، ولا يؤمنون بدلالته على تَوْحِيْد الأُلُوْهِيَّة، قَالَ تَعَاْلَى عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.[سورة العنكبوت:61]
وقد أقام الْقُرْآن الحجة عليهم بتوحيد الرُّبُوْبِيَّة ليكون مُوْصِلاً لهم لِتَوْحِيْدِ الأُلُوْهِيَّة؛ حَيْثُ يقول تَعَاْلَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. [سورة البقرة:21]
والمعنى: كما أنَّ المتفرد بخلقكم وخلق الَّذِيْنَ من قبلكم، والمتفرد بِرُبُوْبِيَّة السموات والأرض، وليس لذلك رَبٌ سِواهُ، فكذلك ينبغي ألاَّ يتخذ إلهٌ سواه I.

2- تسفيه آلهة المشركين، والتشنيع على عابديها:
كقوله تَعَاْلَى: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}. [سورة الأنبياء:67]
وقوله: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. [سورة الأنبياء:54]


3- تصوير ما سيكون يوم القيامة بين العابدين والمعبودين:
ذكر الْقُرْآن ما سيكون بين العابدين والمعبودين، والأتباع والمتبوعين من التبرؤ والمعادة؛ للتَّنفير من الشرك وبيان سوء عاقبة أهله؛ كقوله تَعَاْلَى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}. [سورة البقرة:166]

4- بيان أنَّ المعبودين من دون الله كالمسيح وأمه والعزير دينهم التوحيد:
ذكر الْقُرْآنُ الْكَرِيْمُ أنَّ المعبودين من الأنبياء دِيْنُهُمْ تَوْحِيْدُ الله ولا يرضون بهذا الشِّرك؛ كقوله تَعَاْلَى: {أُولَائِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}. [سورة الإسراء:57]، فالعابد لهم طلب منهم شيئاً لا يستطيعونه، ولا يرضونه، ولا يُقِرُّوْنَهُ.

5- رده سبحانه على المشركين باتخاذهم شفعاء بأنَّه لا يشفع أحدٌ إِلاَّ بإذنه:
رَدَّ اللهُ تَعَاْلَى على المشركين الَّذِيْنَ اتخذوا من دون الله وسطاء وشفعاء؛ ليشفعوا لهم عند الله، وبيَّن أنَّهم لا ينفعونهم، وأنَّ الشفاعة لله جميعاً، وأنَّه لا يشفع أحدٌ إِلاَّ بإذنه، ولا يشفع عنده إِلاَّ لمن ارتضى؛ كقوله تَعَاْلَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. [سورة الزمر:43]

6- تقرير الْقُرْآن للتوحيد بضرب الأمثال:
لقد ضرب الله Iللناس في هذا الْقُرْآن من كُلِّ مثل؛ لأَنَّ ضرب الأمثال فيه فوائد كثيرة؛ كالتذكير، والوعظ، والحثُّ، والزَّجر، والتَّقرير، وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس، وتشبيه الخفي بالجلي، حتى يرى المُتَخَيَّلُ في صورة المُتَحَقَّق، والمُتَوَهِّم في معرض المُتَيَقَّن، والغائب كأنَّهُ مُشَاهَد.
وقد امتن الله I على عباده بأنْ ضرب لهم الأمثال قَالَ اللهُ تَعَاْلَى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}. [سورة الإسراء:89]
وقَالَ تَعَاْلَى: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}. [سورة إبراهيم:45]

أ- الأمثال المضروبة لله ولما يعبد من دونه:
ضرب اللهُ تَعَاْلَى مثلاً لنفسه ولما يعبد من دونه بعدم قبول المشركين إشراك عبيدهم في ما يخصهم، فكيف يقبلون ذلك للهِ تَعَاْلَى؟.
قَالَ تَعَاْلَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [سورة الروم:28]


وهذا المثل هو قصةُ عَبْدٍ في ملك غيره عاجزٍ عن التَّصَرُّفِ، وَحُرٌ غَنِيٌ مُتَصَرَّفٌ فيما آتاه الله، فإذا كان هذان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنسٍ واحدٍ مشتركين في الإنسانية، فكيف تشركون بالله وتسوُّون به من هو مخلوقٌ لهُ، مقهورٌ بقدرته من آدميٍ وغيره مع تباين الصفات ؟!! وأنَّ اللهَ لا يمكن أنْ يُشْبِهَهُ شيءٌ من خلقه.

ب- أمثلة عجز آلهة المشركين:
ضرب لله مثلاً لعجز آلهة المشركين عن سماع الدُّعَاءِ وعن إجابته كذلك: فقَالَ تَعَاْلَى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ }. [سورة الرعد:14]
فقد شَبَّهَ I المشركين في دعائهم لأصنامهم، وأنَّها لا تستجيب لهم، بالعطشان الذي جلس على شفير بئر، وبسط كفيه إلى الماء، وأخذ يدعوه إلى فيه من بعيد مشيراً إليه بيده ليبل غلته، فلا هو نزل إلى البئر فشرب، ولا الماء يرتفع إليه؛ لأنَّهُ جمادٌ لا يحس بعطشه، ولا يسمع دعاءه، وهكذا الأوثان لا تحسُّ بدعاء عابديها لها، ولا تستجيب لهم؛ لأنَّهَا جماداتٌ منحوتةٌ على هيئة الأحياء.

7- تقرير الْقُرْآن للتوحيد بالأدلة العقلية :
خلق الله الإنسان وركب فيه العقل، وأَمَرَه أنْ يستخدم هذا العقل في طاعة اللهِ تَعَاْلَى، وأنْ يُفَكِّرَ في مخلوقاته، ومن أمثلة ذلك : خلق الإنسان حَيْثُ خاطب الله فيه العقل فقَالَ تَعَاْلَى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ}. [سورة الطور:35-36]؛ لأَنَّ البشر لم يخرجوا عن أحد احتمالاتٍ ثلاثة:
إمَّا أنْ يكونوا مخلوقين من غير خالق.
وإمَّا أنْ يكونوا خلقوا السموات والأرض، وخلقوا أنفسهم.
وإمَّا أنْ يكونوا مخلوقين لخالقٍ واحدٍ.
والاحتمالين الأوَّل والثَّاني باطلان أشدَّ البطلان؛ إذ يستحيل أنْ يكون الخلق جاء من غير خالق؛ لاستحالة صدور أثرٍ بلا مُؤَثَّر، وفعلٍ بلا فاعل، وخلقٍ بلا خالق؛ كما يستحيل أنْ يكونوا هم الَّذِيْنَ خلقوا أنفسهم؛ إذ يلزم منه اجتماع الضدين في الوقت نفسه: الوجود والعدم، فيكونوا خالقين مخلوقين.
وعليه فلم يبق إِلاَّ الاحتمال الثَّالث : وهو كونهم مخلوقين لخالقٍ واحد هو الله رب العالمين، فيجب إذاً إفراده بالأُلُوْهِيَّة، وإخلاص العِبَادَةِ له؛ ولذلك يقول في نهاية سورة الطور {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. [سورة الطور:43]

المحاضرة (الثامنة)
منهج أهل السنة في الاستدلالوطريقة الفِرَق

المطلب الثاني: منهج الاستدلال علىالعقيدة عن السلف:
تعريف منهجالاستدلال:
منهج الاستدلال هو: الأصول والقواعد، والطريقة التي يتمبهاتلقي الدين وتقرير العقيدة، واستنباط الأحكام منالنصوص الشرعية وقواعدالشرعالمبنيةعليها.
تَعْرِيْفُ السَّلَف:
السَّلَفُفي اللغة:هم القومالمُتَقَدِّمُوْنَ في السَّير، ولزيدٍ سَلَفٌ كريمٌ، أي آباء متقدمون، وجمعهأسلاف.
واصطلاحاً: همالصًّحَابَة والتَّابِعُوْن وتابعوهم بإحسان إلىيوم الدين، ممن أجمعت الأمة على عدالتهم وتزكيتهم، ولم يرموا بِبِدْعَةٍمُكَفِّرَةٍ أو مُفَسّقَةٍ.
وهم بهذا المعنى تعبير عنشخصيةٍ اعتبارية، ومنهجٍ مُتَّبَع، الأصل فيه الصًّحَابَة والتَّابِعُوْن وتابعوهم،وهي العُصُوْرُ المُفَضَّلَةُ،قَالَ الله جل شأنه عنهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِوَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُوَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَاأَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. [سورةالتوبة:100]، وبذلك يُعْلَم أنَّمذهب السَّلَف يشمل جانبين: جانب القدوة، والمنهج المتبع،فالقدوة: همأصحاب العُصُوْر الثَّلاثة،والمنهج: هو الطريقةالمُتَّبَعَة في هذه العُصُوْر، في الفَهْمِ العقدي، والاستدلال، والتَّقرير،والعلم، والإيمان.
وبهذا يُعْلَمُ أنَّالوصف بالسَّلَفِيَّةِ مَدْحٌ وثناءٌ على كُلِّ من اتخذها قدوةًومنهجاً.
إنَّ الذي لم يختلف فيهالمسلمون قديماً وحديثاًهوأنَّ الطريق الذي ارتضاه لنا رُبُّنَا هو طريق الكتابوالسُّنَّة؛ذلك لأَنَّ اللهضمن الاستقامة لمتبع الكتاب فقَالَ على لسان مؤمني الجن: {قَالُواْياقَوْمَنَآإِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاًلِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِيَهْدِىإِلَىالْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورةالأحقاف:30]؛كما ضمنها لمتبع الرَّسُوْلِ r الذي قَالَ له ربه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْأَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُوَلَاكِنجَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِىبِهِمَننَّشَآءُمِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَلَتَهْدِىإِلَىصِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. [سورةالشورى:52]، لكنَّ الذي جعلالْفِرَقَ الإِسْلاميةَ تنحرف عن الصراطهو إغفالها ركناً ثالثاً جاء التنويهبهفيالوحيينجميعاً،أَلاَ وهو فهم السَّلَف الصَّالِح للكتابوالسُّنَّة.
وقد اشتملت سُوْرَةُالفاتحة على هذه الأركان الثَّلاثة في أكمل بيان: فقوله تَعَاْلَى: {اهْدِنَاالصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}اشتمل على ركنيالكتاب والسُّنَّة،وقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَعَلَيْهِم}اشتمل على فهم السَّلَف لهذاالصراط،مع أنَّه لا يشك أحدٌ فيأنَّ من التزم بالكتاب والسُّنَّة فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم، إِلاَّ أنَّهلمَّا كان فهم النَّاس للكتاب والسُّنَّة منه الصحيح ومنه السقيم، اقتضى الأمرركناً ثالثاً لرفع الخلاف،ألاوهوتقييد فهمالأخلافبفهم الأسلاف.
وهذا يَدُلُّ على أنَّأفضل من أنعم الله عليه بالعلم والعمل هم أصحابُ رَسُوْلِ اللهِ r؛لأنَّهم شهدوا التنزيل، وشاهدوا من هدي الرَّسُوْلِالْكَرِيْم r ما فهموابهالتأويل السليم؛كما قَالَ ابن مسعودt : ((من كانمنكم مستناً فليستن بمن قد مات، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عليه الفتنة، أولئكأصحابُ محمدٍr، كانوا أفضلَهذه الأمة، وأبَرَّها قلوباً، وأعمَقَها علماً، وأقلَّها تكلفاً، قومٌ اختارهم اللهلصحبة نبيه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتَّبِعُوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم منأخلاقهم ودينهم، فإنَّهم كانوا على الهدى المستقيم.((
تحديد زمن السَّلَف
وقد جاء تحديد زمن السَّلَف الَّذِيْنَ لا تجوز مخالفتهمبإحداثِ فَهْمٍ لم يفهموه، في حديث ابن مسعودٍ t قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ r: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ الَّذِيْنَيَلُوْنَهُم، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِيْنُهُ،ويَمِيْنُهُ شَهَادَتهُ)).
ولهذا الأصل أدلةٍ منها: قول الله تَعَاْلَى: {وَمَنيُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْمَصِيراً} [النساء:115] والشاهد هنا في ضم مجانبة سَبِيْلِ المؤمنين إلى مُشَاقَّةَالرَّسُوْلِ لاستحقاق هذا الوعيد الشَّديد، مع أنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُوْلِ r وحدَهُ كفيلةٌ بذلك؛ كما قَالَ الله تَعَاْلَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْوَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَآقُّواْ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَلَهُمُ الْهُدَى لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُأَعْمَالَهُمْ}.[محمد:32]
ومنهج الاستدلال عند أهل السنة والجماعة يقوم على القواعدالتالية
•1-
حصر الاستدلال في الدليل الشرعي (الكتابوالسنة) في أمور العقيدة والشريعة.
•2-
مراعاة قواعدالاستدلال، فلا يضربون الأدلة الشرعية بعضها ببعض، بل يردون المتشابه إلى المحكم،والمجمل إلى المبين، ويجمعون بين نصوص الوعد والوعيد والنفي والإثبات، والعموموالخصوص، ويقولون بالنسخ في الأحكام ونحو ذلك.
•3-
يعتمدون تفسير القرآن بالقرآن، والقرآن بالسنة والعكس، ويعتمدون معاني لغة العربولسانهم؛لأنها لغة القرآنوالسنة، ويردون ما يخالف ذلك.
• •4-
يعتمدون تفسير الصحابة، وفهمهم للنصوصوأقوالهم وأعمالهم وآثارهم؛لأنَّهم أصحاب رسول الله r وهم أفضل الأمةوأزكاها، وعاشوا وقت تنزل الوحي وأعلم باللغة ومقاصدالشرع.
•5-
ما بلغهم وعلموه منالدين عملوابه، وما اشتبهعليهم علمه، أو علم كيفيته، (كبعضنصوص الغيبيات والقدر) يسلمونبهويردون علمه إلى الله سبحانه وتعالى ولا يخوضونفيه.
•6-
يتجنبون الألفاظالبدعيةفي العقيدة (كالجوهر والعرضوالجسم)لاحتمالها للخطأوالصواب؛ ولأن في ألفاظالشرعغنىوكمالاً.
•7-
ينفون التعارض بين العقل السليم والفطرة وبيننصوصالشرع، وبين الحقيقة والشريعة وبين القدروالشرع، ومايتوهمهأهلالأهواء من التعارض بين العقل والنقل فهو من عجز عقولهموقصورها.
•8-
يعنون بالإسناد وثقة الرواة وعدالتهم لحفظالدين.
أما منهج الاستدلال عند أهل الأهواء والبدع والافتراق إجمالاً فإنهيقوم على الأسس التالية :
•1-
عدم حصر الاستدلالعلى الدليل الشرعي، حتى في العقائد، (وهيتوقيفية)،فإنهم يستدلونبالظنياتوالأوهام ، والفلسفات ، ويسمونها (العقليات)،كما يستدلون بالحكاياتوالأساطير وما لا أصل له وبالأحاديث الموضوعة والآثار المكذوبة، وآراء الرجال فيالدين، وما يسمونه الكشف والذوق والأحلام ونحوذلك.

2-
لا يراعونقواعد الاستدلال، فيتبعون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}(آل عمران: من الآية7)،ويضربون الأدلة بعضها ببعض، ويزعمون التعارض بينها، ويستدلون بالمجملولا يردونه إلى المبين، ولا يجمعون بين نصوص الوعد والوعيد، ولا النفي والإثبات،ولا العموم والخصوص.
3-
يضعونلأنفسهم أصولاً يبتدعونها بأهوائهم، وينتزعون لها أدلة من القرآن والسنة، على غيرالمنهج الشرعي في الاستدلال، وما لا يوافق أصولهم وأهواءهم من نصوصالشرع، يردونه، أويؤولونه.
4-
يفسرون نصوصالشرعبأهوائهم، فلايعتمدون تفسير بعضها ببعض، ولا يعتمدون معاني اللغة، وبعضهم قد يستدل ببعض وجوهاللغة بمعزل عن فهم السلف، وعن الدلالات الأخرى.
•5-
لا يعتمدون تفسير الصحابة والسلف الصالح، ولا فهمهم للنصوص، ولاآثارهم وعملهم وهديهم، بليجانوبنهم، ويتبعونغير سبيل المؤمنين.
•6-
يخوضون فيما نهى اللهعنه من نصوص القدر والصفات والسمعيات ونحوها {ابْتِغَاءَالْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّااللَّهُ}. [آل عمران: من الآية7]
•7-
يعتمدون الألفاظالبدعيةفي الصفات وسائر العقيدة (كالجسم والعرض والجوهر) .
7-
يقوم منهجهم على المراء والخصومات والجدال بالباطل.
8-
يتوهمونالتعارض بين العقل والشرع ، وبين الحقيقة والشريعة وبين القدر والشرع ، وبين أصولهموالشرع ثم يحكمون أهواءهم وأصولهم وعقلياتهم الفاسدة ويقدمونها على الشرع .
9-
ويعتمدون التأويل في العقيدة ، ويقولون على الله بغير علم {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِوَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}. [آل عمران: من الآية7]
•10-
ليس لهم عناية بالإسناد ؛لتعويلهم على الأهواء وآراء الرجال، والوضع وما لاأصل له،ولذلك يعتمدون الأحاديثالموضوعة والضعيفة، وما لا أصل له، وبالمقابل قد يردون الأحاديث الصحيحة إذا خالفتأهواءهم.
المحاضرة (9)
*أركاااّن الإيمااااااّن..ستة هي..
1_
الإيماااااّن بااااّلله..
2_
الإيمااااّنبااااّلملائكة..
3_
الإيمااااّنباااااّلكتب..
4_
الإيمااااّنبااااّلرسل...
5_
الإيماااااّن بااااّليومالاخر..
6_
الإيماااااّن باااّلقدر خيرهوشره..
*
أدلة أركاااّن الإيماااّن من الكتاااّبوالسنة....
*
قااااّل تعااااّلى(أمن الرسول بما أنزلإليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
قاااّل تعاااّلى(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر منأمن بالله واليوم
الاخر والملائكة والكتابوالنبيين)..
_
جعل الله سبحااااّنه وتعاااّلى الايمان هوالايمان بهذه الجملة وسمى من أمن بالمؤمنين كما
جعلالكافرين من كفر بهذه الجملة بقوووله تعالى(من يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسلهواليوم
الاخر فقد ضلضلالاًبعيداً.)
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديثالمتفق على صحته حديث جبرائيل وسؤاله للنبي
صلى اللهعليه وسلم عن الإيمان فقال(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخروتؤمن
بالقدر خيره وشره)..
فهذه الاصول التي اتفقت عليها الانبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه ولميؤمن بها
حقيقة الايمان بل إتباعالرسل..
*
الإيمان بالله:
يتضمن الإيمان بالله 4 أمور..
1_
الإيمان بوجودالله تعالى وقد دل على وجوده تعالى الفطرة والعقل والشرع والحس ..
أ_دلالة الفطرة على وجوده سبحانه فإن كل مخلوق قدفٌطر على الإيمان بخالقه من غير سبق
تفكير او تعليمولاينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه مايصرفه عنهالقول
النبي صلى الله عليه وسلم .(مامن مولود إلا يولدعلى الفطره فأبواه يهودانه وينصرانه و
يمجسانه كما تنتجالبهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء.).
ب_دلالةالعقل على وجود الله تعالى لان هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها منخالق
أوجدها إذ لايمكن أن توجد نفسها بنفسها ولايمكن أنتوجد صدفه..
لايمكن أن توجد نفسها بنفسها لان الشيلايخلق نفسه لانه قبل وجوده معدوم فكيف يكون
خالقاً..
لايمكن أن توجد صدفة لان كل حادث لابدله من محدث ولان وجودها على هذا النظام البديع
والتناسقالمتالف والارتباط الملتحم بين الاسباب ومسبباتها وبين الكائنات بعضها معبعض
يمنع منعاً باتناً أن يكون وجودها صدفه إذ الموجودصدفه ليس على نظام في اصل وجوده
فكيف يكون منتظماً حالبقائه وتطوره..
واذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقاتنفسها بنفسها ولا أن توجد صدفه تعين ان يكون لها
موجدهو الله رب العالمين..
وقد ذكر الله تعالى الدليلالعقلي والبرهان القطعي حيث قال.(أم خٌلقوا من غير شي أم هم
الخالقون *أم خلقوا السموات والآرض بل لايوقنون *أم عندهم خزائن ربك أم همالمُصيطرون.)
يعني أنهم لم يٌخلقوا من غير خالق ولاهمالذين خلقوا أنفسهم فيجب ان يكون خالقهم هو
الله تباركوتعالى ولهذا لما سمع جبير بن مطعم رسول الله صى الله عليه وسلم يقرأ سورة
الطور فبلغ هذه الايات وكان جبير يومئذ مشركاً قال(كادقلبي أن يطير وذلك أول ماوقر الإيمان
فيقلبي)...
ج_دلالة الشرع على وجود الله تعالى فلان الكتبالسماوية كلها تنطق بذلك وماجاءت به من
الأحكامالعادلة المتضمنه لمصالح الخلق دليل أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقهوماجاءت
به من الاخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقهادليل انها من رب قادر على إيجاد ماأخبر به ..
د_دلالةالحس على وجود الله فهي من وجهين ..
1_
أننا نسمع ونشاهدمن إجابة الداعين وغوث المكروبين مايدل دلالة قاطعة على وجوده
تعالى قال تعالى(ونوحاً إذا نادى من قبل فاستجبنا له)
وقال تعالى (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم )
وفيصحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن أعرابياً دخل يوم الجمعهوالنبي
صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يارسول الله هلكالمال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه
ودعا فثارالسحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيتهوفي
الجمعة الثانية قام ذلك الاعرابي أو غيرهقال:يارسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا
فرفع يديه وقال(اللهم حوالينا ولاعلينا فما يشير إلى ناحية إلا أنفرجت )..
ومازالت إجابة الداعين أمراً مشهوداً إلى يومنا هذالمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى
بشرائط الاجابة ...
2_
أن أيات الانبياء التي تسمى المعجزات ويشاهدهاالناس أو يسمعون بها برهان قاطع على
وجود مرسلهم وهوالله تعالى لانها امور خارجه عن نطاق البشر يجريها الله سبحانهوتعالى
تاييداً لرسله ونصراً لهم ..
مثال أول ذلك أية موسى حين أمره الله تعالى أن يضرببعصاه البحر فضربه فانفلق اثنى عشر
طريقاً يابساًوالماء بينهما كالجبال قال تعالى(فاوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر
فانفلق فكان كل فرق كالطودالعظيم)..
مثال ثاني اية نبي الله عيسى صلى الله عليموسلم حيث كان يحي الموتى يخرجهم من
قيورهم بإذن اللهقال تعالى (وأحيي الموتى بإذن الله)..وقال(وإذ تخرج الموتىبإذني)..
مثال ثالث للنبي محمد صلى الله عليه وسلمحين طلبت منه قريش ايه فاشار إلى القمر
فانفلق فرقتينفراه الناس وفي ذلك قوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا أية
يعرضوا ويقولوا سحر مستمر )..
فهذه الايات تاييداً من الله تعالى لرسله ونصراً لهم وتدل دلالة قطعية علىوجود الله تعالى..
الامر الثاني مما يتضمنه الايمانبالله الايمان بربوبيته اي انه وحده الرب لاشريك له ولامعين.
والرب من له الخلق والملك والامر فلاخالق الا الله ولا مالك الا هو ولاامرالا له قال تعالى(ألا له
الخلق والامر).. وقال(ذلكمالله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه مايملكون من قطمير).
ولم يعلم أن احداً من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه إلا ان يكون مكابراًغير معتقد بما يقول
كما حصل من فرعون حين قال لقومه (أنا ربكم الأعلى)وقال(ياأيها الملا ماعلمت لكم من إله
غيري)..لكن ذلك ليس عن عقيده قال الله تعالى (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهمظلماً وعلوا)
وقال موسى لفرعون فيما حكى الله عنه (لقدعلمت ماأنزل هؤلاء إلا رب السموات والارض
بصائر وإنيلأظنك يافرعون مثبورا)..
ولهذا كان المشركون يقرونبربوبية الله تعالى مع إشراكهم به في الالوهيه قال تعالى(قل لمن
الارض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون الله قل أفلاتذكرون قل من رب السموات السبع
ورب العرش العظيمسيقولون الله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شي وهو يجيرولايجار
عليه إن كنتم تعلمون سيقولون الله قل فانىتسحرون)
وقال تعالى(ولئن سالتهم من خلق السموات والارضليقولن الله خلقهن العزيز العليم)..
الامر الثالث ممايتضمنه الايمان بالله بااألوهيته اي انه وحده الاله
الحق لاشريك له والاله بمعنى المألوه اي المعبود حباًوتعظيماً..
قال تعالى(وإلهكم إله واحد لاإله الا هوالرحمن الرحيم)..
وقال(شهد الله أنه لاإله هو والملائكةوأولوا العلم قائماً بالقسط لاإله
إلا هو العزيز الحكيم ).
وكل من أتخذ إلهاً مع الله يعبد من دونه فألوهيتهباطله ..
قال تعالى(ذلك بأن الله هو الحق وأن مايدعونمن دونه هو الباطل
وأن الله هو العليالكبير)..
وتسميتها ألهه لايعطيها حق الالوهيه قالتعالى في اللات والعزى
ومناة)..(إن هي إلا أسماءسميتموها أنتم وأباؤكم مانزل الله بها من
سلطان)..
وقال عن يوسف عليه االسلام انه قاللصاحبي السجن (أرباب
متفرقون خير أم الله الواحد القهارماتعبدون من دونه إلا أسماء
سميتموها أنتم وأباؤكمماأنزل الله بها من سلطان)
لهذا كانت الرسل عليهمالصلاة والسلام يقولون لاأقوامهم
(
أعبدوا الله مالكم منإله غيره )ولكن أبى المشركون واتخذوا من
دون الله الههيعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى ويستنصرون بهم و
يستغيثون ..
وقد أبطل الله تعالى أتخاذ المشركينهذه الالهه ببرهانيين عقليين:
الاول:أنه ليس في هذهالالهة التي اتخذوها شي من خصائص
الالوهيه فهي مخلوقةلاتخلق ولاتجلب نفعاً لعابديها ولاتدفع عنهم
ضرراولاتملك لهم حياة ولاموتاً ولايملكون شيئاً من السموات ولا
يشاركون فيه ..
قال تعالى (واتخذوا من دونه الههلايخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا
يملكون لانفسهم ضراُولانفعاً ولايملكون موتاً ولاحياة ولانشورا)..
اذا كانتهذه حال تلك الالهه فان اتخاذها الهة من اسفه السفه
وابطل الباطل..
والثاني أن هؤلاء المشركين كانوايقرون بان الله تعالى وحده الرب
الخالق الذي بيده ملكوتالسموات والارض وكل شي وهو يجير
ولايجار عليه وهذايستلزم ان يوحدوه بالالوهية كما وحدوه بالربوبية
كماقال تعالى(ياأيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من
قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الارض فراشاً والسماء بناءوانزل
من السماء ماء فااخرج به من الثمرات رزقاً لكمفلا تجعلوا لله انداداً
وأنتمتعلمون)..
وقال(ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله فانىيؤفكون)..

اسئلة مهمه في العقيده وردت في المحاضره التوضيحيه من النموذج الذيشرحه الدكتور و هي على ماعتقد اسئله الاختبار. الرجاء التاكد منالاجابات
1. من هو واضع علم العقيده- الله
2. حكم تعلمالعقيده-واجب عيني
3. تعريف التوحيد-افراد الله بما يختص به من الربوبيهوالاولوهيه و الاسماء والصفات
4. الفقه الاكبر يرادف الشريعه
5. من موضوعات علمالعقيده-النبوات
6. الابانه عن اصول الديانه من تاليف ابنبطه
7. من مصطلحات اهل البدع عن العقيده - الالهيات
8. من خصائصالعقيده-الوضوح والبيان
9. خبر الاحاد حجته –قطعيه
10. من القواعد العامهعند اهل السنه –امور العقيده غيب
11. حكم محبهالرسول-واجب
12. حكم الخروجعلى ولاه الامر وان جارو-لايجوز
13. التوقف في اسلام منضن اسلامه-بدعه ونطع في الدين
14. سؤال الميت في القبر –فتنهالقبر
15. نصلي خلف البر والفاجر من الامه
16. مرتكب اللكبيره فيالدنيا عند اهل السنه-عاصي
17. الحب في الله والبغضفيه-واجب
18. تعتمد مذاهب اهل الكلام في الاستدلال على ....................
19. حكم صرف النصوص عن ضاهرها او تاويلها بغير دليل شرعي ثابتعن الرسول –حرام لا يجوز
20. من عقيده اهل السنه ان الايمان- يزيد وينقص
21. تسفيه اله المشركين في العقيده منهج من مناهج - القران
22. اختر من الاعمده: ...........................................ما يناسبه منالعمود المقابل ناقصه(بعضها يحتاج الى حل)
أ‌- الاستدلال على توحيد الالوهيه بتوحيدالربوبيه..........................................
ب‌- تصوير ما سيكون يوم القيامه بين العابدين والمعبودين.................................
ت‌- تقرير القران للتوحيد بضربالامثال........................................... ...
ث‌- تقرير القران للتوحيدبالادلهالعقليه...........................................
ج‌- مثال لوصف حاله المشرك وحالالموحد......................................
ح‌- من منهج الاستدلال عند السل.............يعنون بالاسنادوثقه الرواه وعدلهم لحفض الدين.
خ‌- دليلحرمه مخالفه السلف.....................
د‌- من منهج الاستدلال عند اهل البدع.................يستدلونبالضنيات
ذ‌- المعطله ............................................الذين انكرو الاسماء والصفات اوبعضها
ر‌- المشبهه.....................................الذين اثبتو الاسماء و الصفاتمع تشبيه الله بخلقه
ز‌- من ثمراتالايمان بالملائكه .................العلم بعضمه اللهوقوته
س‌- من ثمرات الايمانبالقدر.....................الاعتماد على الله عند فعلالاسباب
ش‌- لا يمنح الايمان بالقدرالعبد حجه على ما ترك من الواجبات.........
ص‌- الرد علىالجبريه................
ض‌- الرد علىالقدريه........................

صح اوخطاء
1. الفطره المستقيمه و العقل السليم رافدان يستقلان بتقرير تفاصيلالعقيده....x
2. الايمان بان كل حادث لابد له من محدث من ادله الايمان بوجود الله. صح
3. فطر كل مخلوق على الايمان بالله من غير سبق تفكير او تعليم و لا تتاثرهذهالفطره بالتنشئه و التربيه لانها فطره.x
4. من كفر برساله واحده من الرسل فقد كفر . صح
5. يكفي الاقرار بان الله وحده الرب الخالق دون توحيد الالوهيه ويكون سببا فيدخول الجنه.x
6. نسخت جميع الكتب السماويه بالقران.صح
7. يجوز العمل بما صحمن الكتب السماويه السابقه اسوه بالقرانx
8. الايمان بالرسل يكون عن من علم اسمه منهم كاولي العزم ومن ذكر اسمه فيالقران فقط.x
9. الجحود المطلق هو ان يجحد فرضا من فروضالاسلام
10. العقيده الفاسده تهدر الدم و المال وتحبط جميعالاعمال.صح
11. يؤثر السحر بدن في المسحور و عقله دون قلبهx
12. كل من دان بمله غير الاسلام فهو مشرك. صح
13. مولاه المشركين و نصرتهم ضاهرا على المسلمين يعد نفاقااعتقاديا.x
14. الجهل ببعض الامور العقديه لا يكفر حتى لو وقع في مضهر منمضاهر الشرك او الكفر.صح
الرد على اهل البدع واجب كفائى. صح