عرض مشاركة واحدة
قديم 2011- 1- 26   #8
دمعة المآس
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 65129
تاريخ التسجيل: Wed Nov 2010
العمر: 32
المشاركات: 36
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 50
مؤشر المستوى: 0
دمعة المآس will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: كلية العلوم
الدراسة: انتظام
التخصص: فيزياء
المستوى: المستوى الثالث
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
دمعة المآس غير متواجد حالياً
رد: محاضرات الأخلاق الإسلامية وآداب المهنة


المحاضرة الثامنة
أخلاقيات الوظيفة العامة في المملكة العربية السعودية

مقدمــة :
يعتبر السلوك الوظيفي اللاأخلاقي للموظف العام وإهماله وتسيبه من المشكلات الهامة التي تعوق التنمية السريعة في الدول النامية، بل إنه من أهم الأسباب التي ولدت لدى المستفيدين من الخدمات العامة مشاعر عدم الرضا وعدم الثقة تجاه الأجهزة الحكومية في هذه الدول، ومن الملاحظ أن هذا النمط السلوكي اللاأخلاقي يظهر في غالبية الدول النامية رغم تعدد الإجراءات والمحاولات المختلفة التي تقوم بها هذه الدول للحد من هذه الظاهرة، وتتمثل هذه الإجراءات في:
· الاهتمام بتقنين العقوبات التأديبية التي توقع على الموظف العام باعتبارها وسيلة رئيسة لتقويم هذا السلوك والحد منه.
· وضع أصول وقواعد دقيقة تحكم المخالفات التأديبية، أهمها عدم خضوعها لقاعدة "لا جريمة إلا بنص"حتى يمكن مساءلة الموظف عن كل سلوك يخل بمظهر وكرامة وظيفته أو يتنافى مع مقتضياتها.
· كما حرصت الدول على النص في نظام الخدمة المدنية فيها على عدد من الواجبات والمحظورات السلوكية بما يتناسب مع ظروفها وبيئتها الخاصة، حيث استهدفت هذه النصوص التنبيه على الموظف العام بضرورة التمسك بهذه الواجبات السلوكية، فرغم هذه المحاولات والإجراءات ما زالت الشكوى مستمرة من تفشي الإهمال والرشوة والإنحراف بالسلطة بين موظفي الدولة.

المبحث الأول: أخلاقيات الوظيفة العامة في الخدمة المدنية:
من المسلم به أن جودة الخدمات العامة التي تقدمها أجهزة الخدمة المدنية في مختلف الدول، تتأثر بمدى تمسك الموظف العام بمجموعة من الأخلاقيات والسلوكيات الوظيفية، ويمكن القول إن هذه الأخلاقيات ترتبط بطبيعة نشاط ومهام أجهزة الخدمة المدينة، حيث لا تلعب هذا الدور الهام بالنسبة للأنشطة الاقتصادية أو التجارية التي يقوم بها قطاع الأعمال. وعلى ذلك فإن هذه المجموعة من الأخلاقيات يطلق عليها مجازاً "أخلاقيات الوظيفة العامة". فما هي هذه الأخلاقيات التي ارتبطت بالوظيفة العامة؟ وما أسباب هذه الإرتباط؟ للإجابة عن هذين السؤالين سنتناول فيما يلي تحديد الخصائص التي تميز طبيعة نشاط أجهزة الخدمة المدنية، وما يرتبط بها من أخلاقيات وظيفية:
1- الخدمة المدنية هي نظام إداري سياسي، بمعنى أنه لا يقتصر نشاطها على الجانب الفني والإداري إنما يمتزج به جانب سياسي، فرغم أنه قد ساد الفكر الإداري في مرحلة تاريخية سابقة، الاعتقاد بضرورة الفصل التام بين نشاط الخدمة المدنية والسياسية فإن هذا الفصل الحاد أصبح أمراً يتنافى مع الواقع، حيث إن الخدمة المدنية تقوم بدور سياسي قد يختلف حجمه من دولة إلى أخرى، كما يختلف هذا الدور من حيث قوته أو ضعفه وفقاً لنوع النشاط والموقع التنظيمي، ويظهر هذا الدور السياسي فيما تقوم به أجهزة الخدمة المدنية من تحديد لتفصيلات السياسة العامة وبرامج تنفيذها، فعادة ما يخرج النظام السياسي سياسته العامة في شكل قواعد وخطوط عامة يقوم الموظف العام بوضع التخطيط اللازم لتنفيذها. وغني عن القول أن التخطيط يعني التحديد الدقيق للأهداف الفرعية ووضع برامج العمل المحققة لها، أي أن الموظف العام له دور مؤثر في التحديد الدقيق للأهداف الفرعية للسياسة العامة وتحديد مسار تحقيقها.
ومن الطبيعي أن يفرض هذا الدور ضرورة استيعاب الموظف العام للإطار الفلسفي للسياسة العامة والتزامه بالولاء له؛ حتى لا تخرج الأهداف الفرعية للسياسة العامة مناقضة لهذا الإطار. ومن هذا المنطلق نجد أن غالبية نظم الخدمة المدنية تنص صراحة على التزام الموظف العام بالولاء للنظام السياسي القائم في الدولة، ومن الأمثلة على ذلك: نظام الخدمة المدنية في جمهورية ألمانيا الاتحادية حيث ينص على التزام الموظف بولائه للنظام الديمقراطي الحر والعمل على المحافظة عليه.

2- تكفل النظم والقوانين تمتع الموظفين بالخدمة المدنية بسلطة تقديرية تسمح لهم بالمرونة في تطبيق وتنفيذ السياسة العامة بما يتلاءم مع الظروف البيئية المتغيرة، ولا يحدهم في ذلك سوى أن يكون التصرف للمصلحة العامة وفي حدود القانون، وهذه السلطة التقديرية تخفى في الحقيقة في طياتها نشاطاً سياسياً يتجلى في مفهوم المصلحة العامة باعتباره المعيار الذي يستهدف به الموظف العام في اتخاذ قراراته.
ويشير بحق (د .أحمد رشيد): "أن المصلحة العامة التي تعبر عنها سياسة العامة تختلف في طبيعتها باختلاف النظام السياسي"، أي أن مفهوم المصلحة العامة له إطار فلسفي عام ومرن يتأثر بتغير ظروف المجتمع، فما يعتبر مصلحة عامة في ظروف معينة، قد لا يعتبر كذلك في ظروف أخرى. وهكذا لا بد وأن يمتزج النشاط الفني الإداري للموظف العام بحاسة سياسية تمكنه من التعامل مع المنظور السياسي السائد للمصلحة العامة والعمل على مساندته، ومن ثم فإنه من غير المقبول أن يسمح للموظف العام بانتقاد السياسات العامة المنفذة أو معارضتها، إذ إن ذلك يعبر عن عدم توحده مع مفهومها للمصلحة العامة التي يستهدي بها في قراراته.

3- يعمل النظام السياسي كغيره من النظم الاجتماعية الأخرى على المحافظة على كيانه واستقراره من خلال إخراج سياسة عامة تلقى المساندة والاحترام من أفراد المجتمع، وتعبر عن آمال ورغبات الأغلبية منهم. ولكن المساندة والإحترام المأمولين لا يتأثران فقط بجودة السياسة العامة، وإنما يلعب أيضاً أسلوب التنفيذ والوسائل المختارة لتحقيقها دوراً هاماً في التأثير في درجتها. فإذا أخفق القائمون على الجهاز الإداري في إدارة العملية التنفيذية أو قصروا في واجباتهم ولم يحسنوا التعامل مع متلقي الخدمة العامة، فإنه من المنتظر أن تنخفض درجة المساندة والاحترام المتوقعة من السياسة العامة رغم جودتها، بل وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة في سياسة النظام السياسي، وربما يتعدى أثره إلى زعزعة ثقة الدول الأخرى قيما تنادي به الدول وما تتبناه من سياسات.
ومن هنا فإنه من الطبيعي أن يفرض النظام السياسي رقابة سياسية على الجهاز الإداري في الدولة سواء من خلال الوزراء أو بشكل مباشر، وذلك لضمان حسن تنفيذ السياسة العامة. ويشير كل من ( د.ليلي تكلا...ود. عبد الكريم درويش) إلى أن الموظف العام هو بمثابة سفير للحكومة (بمفهوم النظام السياسي) وأنه بهذه الصفة يجب أن يحرص على أن يكون خير ممثل قادر على توثيق الروابط وتعزيز الثقة وتحقيق التعاون بين الحكومة والجماهير. وكل ذلك يؤكد التئام سياسية التنفيذ مع السياسة العامة؛ ويفرض التزام الموظف بعدم الخروج على ما تقتضيه الوظيفة من احترام وثقة والتزام بقيم المجتمع السائدة.

4- ومن الخصائص التي تنفرد بها الخدمة المدنية أيضا" أن لها الحق في أن تظهر في تصرفاتها كسلطة عامة، بمعنى أنها تملك استخدام السلطة لتحقيق المصلحة العامة، وتتمثل هذه السلطة في الحق في إصدار قرارات ملزمة للتنفيذ المباشر ودون أن يتوقف ذلك على قبول الأفراد لها، كأن تصدر أوامر بنزع الملكية للمنفعة العامة، أو تنهى العقد الإداري إذا رأت حسب مقتضيات المصلحة العامة أن تنفيذه أصبح غير ضروري للصالح العام. وقد تتسع هذه السلطة في بعض الحالات فيجوز لها استخدام القوة الجبرية لتنفيذ قراراتها.
وتتجلى خطورة هذه السلطات فيما يتمتع به القائمون على المنظمات الحكومية من سلطة تقديرية خلال ممارسة أنشطتهم الوظيفية فقد فرضت مقتضيات العمل وضرورات الحياة الإدارية تمكنهم من مواجهة كل حالة وفقاً لظروفها الخاصة ومواجهة الظروف المتغيرة، وذلك بترك قدر من الحرية لهم في التصرف يستعملونه وفقاً للظروف دون معقب. وتظهر هذه الحرية التقديرية في مجالات كثيرة. ولخطورة هذه السلطات فإنه من المنطقي أن يهتم نظم الخدمة المدنية بسلوك الموظف العام وتحذره من إساءة استخدام السلطة الوظيفية، أو استغلالها لتحقيق منفعته الشخصية أو الحزبية، وإلا تعرض للجزاء التأديبي.

5- يحتكر الجهاز الإداري في الدولة تقديم عدد من الخدمات الجوهرية التي لا غنى للجماعة عنها، ولا مفر لأفراد المجتمع من أن يقبلوا الخدمة كما تقدم لهم. وحتى نتجنب احتمالات التقصير في تقديم هذه الخدمات الحيوية أو توقف تقديمها، الأمر الذي سيؤدي إلى اضطراب حياة الأفراد وحدوث فوضى جماعية؛ كان لزاماً أن يخضع الجهاز الإداري لنظام قانوني خاص، وأن يهتم المشرع بسلوك الموظف العام حتى يضمن إستمرار تقديم الخدمة وعدم توقفها. ومن هنا كان طبيعياً أن يفرض نظام الخدمة المدنية عدداً من الواجبات والمحظورات للموظف العام ترتبط بهذه الطبيعة الاحتكارية لأنشطة المنظمات الحكومية، مثل: إلتزامه بأداء العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وكذلك أجازت بعض القوانين تكليفه بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، وعليه إطاعة رؤسائه، وعدم الانشغال بأعمال أخرى تؤثر في مستوى أدائه في تقديم الخدمة العامة.

6- وتعتبر قاعدة العدل والمساواة بين المنتفعين بالخدمات العامة أكثر القواعد رسوخاً بالنسبة للجهاز الحكومي فيلتزم هذا الجهاز بأن يراعي العدل في توزيع الخدمات العامة التي يقدمها للمواطنين، وأن يؤدي هذه الخدمات بنفس الشروط بحيث لا يكون هناك تميز لا مبرر له بين المنتفعين. ويشدد الإسلام على احترام قاعدة العدل والمساواة بين المواطنين أمام الخدمات العامة، ويعبر عن ذلك عمر بن الخطاب بقوله المأثور: "ويحك يا ابن الخطاب لو عثرت دابة على شاطئ الفرات لسألك الله عنها: " لمْ تمهد لها الطريق " ؟ أي يجب أن تؤدي الخدمات العامة لكل المواطنين فكل مكان في الدولة دون تمييز منطقة عن غيرها أو تمييز طائفة عن غيرها.
ونلفت النظر هنا إلى أنه لا يعني وجوب إعمال قاعدة العدل والمساواة بين المنتفعين بالخدمات العامة، التزام الموظف العام بتقديم الخدمات العامة لجميع الأفراد دون قيد أو شرط، فلا يتنافى مع هذه القاعدة أن توضع شروط عامة للانتفاع بخدمات عامة معينة، ما دام القصد من تلك الشروط حق لهم انتفاعهم بالخدمة العامة دون تفرقة أو تمييز.
وما يجب التأكيد عليه هنا أن تقدير مدى نجاح الوظيفة في إعمال هذه القاعدة لا يجب أن يتم على أساس عدالة الغاية والنتيجة فحسب، إنما أيضاً على أساس مدى سلامة وعدالة المراحل والإجراءات التي اتبعت للوصول إلى النتيجة، ونقصد من ذلك أنه يجب أن يراعي احترام هذه القاعدة في أسلوب العامل، أو سير الإجراءات؛ فالغاية والوسيلة كلتاهما تدخلان في مجال ضمان إعمال العدل والمساواة. ومن هذا المنطلق فإن القاعدة تفرض على الموظف العام عدم التحيز ومراعاة هذه القاعدة في كل تصرفاته وقراراته تجاه المواطنين، ويلتزم بحسن التعامل معهم، وهذا ما أكدته قوانين الخدمة العامة كما سنرى بعد.


الواجبات والأعمال المحظورة على الموظف العام في المملكة العربية السعودية:
أوضحنا في المبحث الأول كيف أن أخلاقيات الوظيفة العامة تعد نمطاً من السلوك الوظيفي فرضته طبيعة النشاط الحكومي، وأن تمسك الموظف العام بهذا النمط السلوكي من العوامل الرئيسة لنجاح الجهاز الإداري في الدولة في تحقيق رسالته. وهذه النتيجة تفسر لنا الاهتمام البالغ الذي أولته الدول المختلفة لأخلاقيات الوظيفة العامة، حتى أن كل دولة قد حرصت على إبراز عدد من الواجبات والمحظورات السلوكية وذلك بالنص عليها في نظام الخدمة المدنية فيها مراعية في ذلك ظروفها وبيئتها الخاصة. فهذه النصوص جاءت لتؤكد على أهمية تمسك الموظف العام بهذه الواجبات. ومن الطبيعي أن نتساءل في هذا المبحث عن موقف المملكة من أخلاقيات الوظيفة العامة، وما هي الواجبات والمحظورات التي اهتم نظام الخدمة المدينة أو ديوان المظالم فيها ؟

أورد نظام الخدمة المدنية في مادته رقم (11) عدداً من السلوكيات الواجبة على الموظف العام، كما أضافت اللائحة التنفيذية عدداً آخر منها، وأهم هذه السلوكيات هي: الترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة ومراعاة آداب اللياقة، وإطاعة الأوامر، والامتناع عن إساءة استعمال السلطة الوظيفية واستغلال النفوذ، وقبول الرشوة والهدايا والإكراميات، كما يحظر على الموظف توجيه النقد أو اللوم إلى الحكومة، وسوف نتناول هذه الواجبات والمحظورات بشيء من التفصيل فيما بعد.
ويهمنا هنا أن نشير أن هناك تقارباً بين الدول العربية في تحديد ما تضمنته أخلاقيات الوظيفة العامة من واجبات ومحظورات، وإن كانت بعض الدول قد أضافت بعضاً آخر من الواجبات والمحظورات، فنجد أن مصر قد أضافت المحافظة على ممتلكات وأموال الوحدة الإدارية، والتعاون مع الزملاء، والامتناع عن الإهمال أو التقصير الذي يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة، كذلك يحظر على الموظف أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر إلا إذا كان مصرحاً له بذلك.
  رد مع اقتباس