الموضوع: الدراسات الاسلامية محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011- 4- 27   #6
عيون النداوي
متميزة في منتدى كلية الاداب الدمـآم
 
الصورة الرمزية عيون النداوي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 68455
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 375
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 196
مؤشر المستوى: 64
عيون النداوي will become famous soon enoughعيون النداوي will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: كلية الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى الثامن
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
عيون النداوي غير متواجد حالياً
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة

المحاضرة السابعة
الإسرائيليات وأثرها في التفسير
بيان المراد بالإسرائيليات ومدى الصلة بينها وبين القرآن: انظر : الكتاب
مبدأ دخول الإسرائيليات فى التفسير وتطوره: انظر : الكتاب
أثر الإسرائيليات في التفسير
لقد كان لهذه الإسرائيليات التي أخذها المفسِّرون عن أهل الكتاب وشرحوا بها كتاب الله تعالى أثر سيء في التفسير، ذلك لأن الأمر لم يقف على ما كان عليه في عهد الصحابة، بل زادوا على ذلك فرووا كل ما قيل لهم إن صدقاً وإن كذباً، بل ودخل هذا النوع من التفسير كثير من القصص الخيالي المخترَع، مما جعل الناظر في كتب التفسير التي هذا شأنها يكاد لا يقبل شيئاً مما جاء فيها، لاعتقاده أنَّ الكل من واد واحد.
كما أن نسبة هذه الإسرائيليات التي لا يكاد يصح شيء منها إلى بعض من آمن مِنْ أهل الكتاب، جعلت بعض الناس ينظر إليهم بعين الاتهام والريبة.
قيمة ما يُروى من الإسرائيليات:
تنقسم الأخبار الإسرائيلية إلى أقسام ثلاثة، وهى ما يأتي:
القسم الأول: ما يُعلم صحته بأن نُقِل عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحاً، وذلك كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بأنه الخضر، فقد جاء هذا الاسم صريحاً على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري أو كان له شاهد من الشرع يؤيده. وهذا القسم صحيح مقبول.
القسم الثاني: ما يُعلم كذبه بأن يناقض ما عرفناه من شرعنا، أو كان لا يتفق مع العقل، وهذا القسم لا يصح قبوله ولا روايته.
القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا هو من قبيل الأول، ولا هو من قبيل الثاني، وهذا القسم نتوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نُكذِّبه، وتجوز حكايته، لما تقدَّم من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم"، وقولوا آمنا بالله وما أُنِزلَ إلينا..." الآية.
وهذا القسم غالبه مما ليس فيه فائدة تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا اختلافاً كثيراً، ويأتي عن المفسِّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين بعض البقرة الذي ضُرِب به قتيل بني إسرائيل، ونوع الشجرة التي كلِّم الله منها موسى.. إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن ولا فائدة في تعيينه تعود على المكلَّفين في ديناهم أو دينهم.
ثم إذا جاء شيء من هذا القبيل - أعنى ما سكت عنه الشرع ولم يكن فيه ما يؤيده أو يفنده - عن أحد من الصحابة بطريق صحيح، فإن كان قد جزم به فهو كالقسم الأول، يُقبل ولا يُرد، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب بعد ما علم من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم.
وإن كان لم يجزم به فالنفس أسكن إلى قبوله، لأن احتمال أن يكون الصحابي قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو ممن سمعه منه، أقوى من احتمال السماع من أهل الكتاب، ولا سيما بعد ما تقرر من أن أخذ الصحابة عن أهل الكتاب كان قليلاً بالنسبة لغيرهم من التابعين ومَن يليهم.
أما إن جاء شيء من هذا عن بعض التابعين، فهو مما يُتوقف فيه ولا يُحكم عليه بصدق ولا يكذب، وذلك لقوة احتمال السماع من أهل الكتاب، لما عُرفوا به من كثرة الأخذ عنهم، وبُعد احتمال كونه مما سُمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا لم يتفق أهل الرواية من علماء التفسير على ذلك، أما إن اتفقوا عليه. فإنه يكون أبعد من أن يكون مسموعاً من أهل الكتاب، وحينئذ تسكن النفس إلى قبوله والأخذ به.

موقف المفسِّر إزاء هذه الإسرائيليات:
أن كثرة النقل عن أهل الكتاب بدون تفرقة بين الصحيح والعليل دسيسة دخلت في ديننا واستفحل خطرها،
وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم" فهي قاعدة مقرَّرة لا يصح العدول عنها بأي حال من الأحوال،
يجب على المفسِّر أن يكون يقظاً إلى أبعد حدود اليقظة، ناقداً إلى نهاية ما يصل إليه النقاد من دقة وروية حتى يستطيع أن يستخلص من هذا الهشيم المركوم من الإسرائيليات ما يناسب روح القرآن، ويتفق مع العقل والنقل .
كذلك يجب على المفسِّر أن يلحظ أن الضروري يتقدَّر بقدر الحاجة، فلا يذكر في تفسيره شيئاً من ذلك إلا بقدر ما يقتضيه بيان الإجمال، ليحصل التصديق بشهادة القرآن فيكف اللسان عن الزيادة.
نعم... إذا اختلف المتقدمون في شيء من هذا القبيل وكثرت أقوالهم ونقولهم، فلا مانع من نقل المفسِّر لهذه الأقوال جميعاً، على أن ينبه على الصحيح منها، ويبطُل الباطل.
وليس له أن يحكى الخلاف ويُطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، لأن مثل هذا العمل يُعَد ناقصاً لا فائدة فيه ما دام قد خلط الصحيح بالعليل، ووضع أمام القارئ من الأقوال المختلفة ما يسبب له الحيرة والاضطراب.
قول ابن تيمية في آية الكهف (انظر الكتاب)
أقطاب الروايات الإسرائيلية:
نلاحظ أن غالب ما يروى في كتب التفسير بالمأثور من إسرائيليات، يكاد يدور على أربعة أشخاص، هم: عبد الله ابن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبِّه، وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج.. وهؤلاء الأربعة اختلفت أنظار الناس في الحكم عليهم والثقة بهم، فمنهم من ارتفع بهم عن حد التهمة، ومنهم من رماهم بالكذب وعدم التثبت في الرواية .
1 - عبد الله بن سلام
ترجمته:
هو أبو يوسف، عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي الأنصاري، حليف بن عوف من الخرزج، وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام. أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
حديث البخاري عن قصة إسلامه (الكتاب)
قيل: وكان اسمه الحصين، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: "عبد الله"، وشهد له بالجنة. ونجد البخاري رضي الله عن - عند الكلام عن مناقب الأنصار - يُفرد لعبد الله بن سلام باباً مستقلاً في مناقبه، فروى فيما روى من ذلك بإسناده إلى سعد بن أبى وقاص أنه قال: ما سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشى على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وقال: فيه نزلت هذه الآية: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }... الآية:
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وعوف بن مالك، وأبو هريرة، وأبو بردة بن أبى موسى، وعطاء بن يسار، وغيرهم. وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس والجابية. ومات بالمدينة سنة 43 هـ ، وقيل غير ذلك. وقد عَدَّه بعضهم في البدريين .
مبلغه من العلم والعدالة
أما مبلغه من العلم، فيكفى ما جاء في الحديث البخاري السابق من إخباره عن نفسه: أنه أعلم اليهود وابن أعلمهم، وإقرار اليهود بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
والحق أنه اشتهر بين الصحابة بالعلم، حتى لقد روي أنه لَّما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، فقال: أجلسوني... قال: إن العلم والإيمان عند أربعة رهط: عند عويمر أبى الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله ابن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة".
وليس عجيباً أن يكون عبد الله بن سلام في هذه المكانة العالية من العلم بعد أن اجتمع لديه علم التوراة وعلم القرآن، وبعد أن امتزجت فيه الثقافتان اليهودية والإسلامية، ولقد نقل عنه المسلمون كثيراً مما يدل على علمه بالتوراة وما حولها، ونجد ابن جرير الطبري ينسب إليه في تاريخه كثيراً من الأقوال في المسائل التاريخية الدينية، كما نجده يتجمع حول اسمه كثير من المسائل الإسرائيلية، يرويها كثير من المفسِّرين في كتبهم.
2 - كعب الأحبار
ترجمته:
هو أبو إسحاق، كعب بن ماتع الحميرى، المعروف بكعب الأحبار، وأصله من يهود اليمن، ويقال: إنه أدرك الجاهلية وأسلم في خلافة أبى بكر، وقيل: في خلافة عمر، وقيل: إنه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت هجرته .
وقال ابن حجر في الفتح: إن إسلامه في خلافة عمر أشهر، وبعد إسلامه انتقل إلى المدينة، وغزا الروم في خلافة عمر، ثم تحوَّل في خلافة عثمان إلى الشام فسكنها إلى أن مات بحمص سنة 32 هـ على أرجح الأقوال في ذلك. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وعن عمر، وصهيب، وعائشة، وروى عنه معاوية، وأبو هريرة، وابن عباس، وعطاء بن أبى رباح وغيرهم.
مبلغة من العلم:
كان كعب بن ماتع على مبلغ عظيم من العلم، ولهذا كان يقال له: "كعب الحَبْر" و "وكعب الأحبار"، ولقد نُقل عنه في التفسير وغيره ما يدل على علمه الواسع بالثقافة اليهودية والثقافة الإسلامية، ولم يؤثر عنه أنه ألَّفَ كما ألَّف وهب بن منبِّه، بل كانت تعاليمه كلها - على ما يظهر لنا وما وصل إلينا - شفوية تناقلها عنه أصحابه ومَن أخذوا عنه.
ثقته وعدالته:
أما ثقته وعدالته فهذا أمر نقول به، ولا نستطيع أن نطعن عليه كما طعن بعض الناس، فابن عباس على جلاله قدره، وأبو هريرة على مبلغ علمه، وغيرهما من الصحابة كانوا يأخذون عنه ويروون له، ونرى الإمام مسلماً يُخرِّج له في صحيحه، فقد وقعت الرواية عنه في مواضع من صحيحه في أواخر كتاب الإيمان، كما نرى أبا داود والترمذي والنسائي يُخرِّجون له، وهذا دليل على أن كعباً كان ثقة عند هؤلاء جميعاً، وتلك شهادة كافية لرد كل تهمة بهذا الحَبْر الجليل.
3 - وهب بن مُنَبِّه
ترجمته:
هو أبو عبد الله، وهب بن منبَّه بن سيج بن ذي كناز، اليماني الصنعانى، صاحب القصص، من خيار علماء التابعين. قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل عن أبيه: كان من أبناء فارس، وأصل والده "منبِه" من خراسان من أهل هراة، أخرجه كسرى منها إلى اليمن فأسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان وهب بن منبِّه يختلف إلى هراة ويتفقد أمرها، وقيل: إنه تولى قضاء صنعاء. قال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن الهروى: ولد سنة 34 هـ في خلافة عثمان، وقال ابن سعد وجماعة: مات سنة 110 هـ وقيل غير ذلك.
روى عن أبى هريرة، وأبى سعيد الخدرى، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وجابر، وأنس، وغيرهم، وروى عنه ابناه: عبد الله وعبد الرحمن، وعمر بن دينار، وغيرهم. وأخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو داود.
مبلغه من العلم والعدالة:
كان وهب بن منبِّه واسع العلم، كثير الإطلاع على الكتب القديمة، محيطاً بأخبار كثيرة وقصص يتعلق بأخبار الأُوَل ومبدأ العالم، ومما يؤثر عنه أنه ألَّف كتاباً في المغازى، ويحدِّثنا ابن خلكان: أنه رأى لوهب بن منبِّه تصنيفاً ترجمه بذكر الملوك المتوَّجة من حِميَر، وأخبارهم، وقصصهم، وقبورهم وأشعارهم، في مجلد واحد، قال: وهو من الكتب المفيدة.
وقال حماد بن سلمة عن أبى سنان: سمعت وهب بن منبِّه يقول: كنت أقول بالقَدَر حتى قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء فى كلها: "مَن جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر" فتركت قولي. وقال الجوزجانى: كان وهب كتب كتاباً في القَدَر ثم حدث أنه ندم عليه.
فأنت ترى من بين هذه الأخبار أن وهباً كان على ناحية عظيمة من المعرفة بالكتب الإلهية القديمة، كما ترى أنه لم يثبت على رأيه وعقيدته في القَدَر، بل تركها بعد ما تبين له الحق، وندم على ما كان منه بعد أن ظهر له الصواب، وبعد رجوعه عن رأيه لا يصح أن نطعن عليه من هذه الناحية، ولقد كان وهب يرى في نفسه أنه قد جمع علم ابن سلام وعلم كعب، ويحدِّث هو بذلك عن نفسه فيقول: يقولون: عبد الله بن سلام أعلم أهل زمانه، وكعب أعلم أهل زمانه، أفرأيتَ من جمع علمهما؟ - يريد نفسه.
4 - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
ترجمته:
هو أبو خالد - أو أبو الوليد - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الأموي مولاهم - أصله رومي نصراني. كان من علماء مكة ومحدِّثيهم، وهو مِن أول مَنْ صنَّف الكتب بالحجاز، وهو قطب الإسرائيليات في عهد التابعين، ولو أنَّا رجعنا إلى تفسير ابن جرير الطبري، وتتعبنا الآيات التي وردت في النصارى، لوجدنا كثيراً مما يرويه ابن جرير في تفسير هذه الآيات يدور على عبد الملك، الذي يُعَبِّر عنه دائماً بـ "ابن جريج".
روى عن أبيه، وعطاء بن أبى رباح، وزيد بن أسلم، والزهري، وغيرهم. وروى عنه ابناه: عبد العزيز ومحمد، والأوزاعى، والليث، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحماد بن زيد، وغيرهم. قال أبو سعد: ولد سنة 80 هـ (ثمانين)، وأما وفاته فمختلف فيها، فمنهم مَن قال: سنة 150 هـ (خمسين ومائة)، ومنهم مَن قال: سنة 159 هـ (تسع وخمسين ومائة)، وقيل غير ذلك.
مبلغه من العلم والعدالة:
ابن جريج - كما قيل - هو أول مَن صنَّف الكتب بالحجاز، ويعدونه من طبقة مالك بن أنس وغيره ممن جمعوا الحديث ودَوَّنوه. قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل: قلت لأبى: مَنْ أول مَنْ صنَّف الكتب؟ قال: ابن جريج وابن أبى عروبة. وقال ابن عيينة: سمعت أخي عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج يقول: ما دوَّن العلم تدويني أحد.
قد عُرف عن ابن جريج أنه كان رحَّالة في طلب العلم، فقد وُلِدَ بمكة ثم طوَّف في كثير من البلاد، فرحل إلى البصرة واليمن وبغداد
وقد رويت عن ابن جريج أجزاء كثيرة في التفسير عن ابن عباس، منها الصحيح، ومنها ما ليس بصحيح، وذلك لأنه لم يقصد الصحة فيما جمع، بل روى ما ذُكِرَ في كل آية من الصحيح والسقيم.
أما منزلته من ناحية العدالة، فإنه لم يظفر بإجماع العلماء على توثيقه وتثبته فيما يرويه، وإنما اختلفت أنظارهم فيه، فمنهم مَن وثَّقه، ومنهم مَن ضعَّفه. قال فيه العجلى: مكي ثقة. وقال سليمان بن النضر بن مخلد بن يزيد: ما رأيت أصدق لهجة من ابن جريج. وعن يحيى بن سعيد قال: كنا نسمى كتب ابن جريج كتب الأمانة، وإن لم يحدثك بها ابن جريج من كتابه لم يُنتفع به. وقال ابن معين: ثقة في كل ما رُوِى عنه من الكتاب.
وعن يحيى ابن سعيد قال: كان ابن جريج صدوقاً فإذا قال: "حدثني"، فهو سماع. وإذا قال: "أخبرني" فهو قراءة، وإذا قال: "قال"، فهو شبه الريح. وقال الدراقطنى: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يُدَلِّس إلا فيما سمعه من مجروح. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من فقهاء أهل الحجاز وقرَّائهم ومتقنيهم وكان يُدَلِّس.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبى: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالى من أين يأخذها، يعنى قوله: أُخْبِرت وحُدِثت عن فلان. وذكر الخزرجى في "خلاصته" أنه مجمع عليه من أصحاب الكتب الستة.
هذه هي نظرة العلماء إليه وحكمهم عليه، ونرى أن كثيراً منهم يحكم عليه بالتدليس وعدم الثقة ببعض مروياته، ومع هذا فقد قال فيه الإمام أحمد: إنه من أوعية العلم، ونحن معه في ذلك، ولكنه وعاء لعلم امتزج صحيحه بعليله، ولا نظن إلا أن الإمام أحمد يعنى ذلك، بدليل ما تقدم عنه من قوله: "بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، وكان ابن جريج لا يبالى من أين أخذها". وكان الإمام مالك رضي الله عنه يرى فيه أنه لا يبالى من أين يأخذ، فقد روى عنه أنه قال: كان ابن جريج حاطب ليل.

ثالثاً: حذف الإسناد
حذف الإسناد هو السبب الثالث والأخير الذي يرجع إليه ضعف التفسير المأثور، وسبق أن أشرنا إلى مبدأ اختصار الأسانيد، ونعود إليه فنقول:
إنَّ الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - كانوا يتحرون الصحة فيما يتحملون، وكان الواحد منهم لا يروى حديثاً إلا وهو متثبت مما يقول، ولكن لم يُعرف عن الصحابة أنهم كانوا يسألون عن الإسناد، لما عُرفوا به جميعاً من العدالة والأمانة.
وإذا كان الأمر قد وصل ببعضهم إلى أنه كان لا يقبل الحديث إلا بعد أن تثبت عنده صحته بالشهادة أو اليمين كما دلَّت على ذلك الآثار الكثيرة، فإن الغرض من ذلك هو زيادة التأكد والتثبت، لا عدم الثقة بمن يروون عنه منهم
ثم جاء عصر التابعين، وفيه ظهر الوضع وفشا الكذب، فكانوا لا يقبلون حديثاً إلا إذا جاء بسنده، وتثبتت لهم عدالة رواته، أما إن حُذِف السند، أو ذُكِر وكان في رواته مَنْ لا يُوثق بحديثه، فإنهم كانوا لا يقبلون الحديث الذي هذا شأنه، فقد روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين أنه قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم".
ظل الأمر في عهد التابعين على هذا، فكان ما يروونه من التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة، لا يروونه إلا بإسناده، ثم جاء بعد عصر التابعين مَن جمَّعَ التفسير، ودَوَّن ما تجمَّع لديه من ذلك، فأُلِّفت تفاسير تجمع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فى التفسير، وأقوال الصحابة والتابعين، مع ذكر الأسانيد، كتفسير سفيان بن عيينة، و وكيع بن الجراح، وغيرهما ممن تقدَّم ذكرهم.
ثم جاء بعد هؤلاء أقوام ألَّفوا في التفسير، فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال غير معزوَّة لقائليها، ولم يتحروا الصحة فيما يروون، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل.
ثم صار كل مَنْ يسنح له قول يورده، ومَنْ يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه مَنْ يجئ بعده، ظاناً أنَّ له أصلاً، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السَلَف.
وفى الحق أن هذا السبب يكاد يكون أخطر الأسباب جميعاً، لأن حذف الأسانيد جعل مَنْ ينظر في هذه الكتب يظن صحة كل ما جاء فيها، وجعل كثيرا من المفسِّرين ينقلون عنها ما فيها من الإسرائيليات والقصص المخترع على أنه صحيح كله، مع أن فيها ما يخالف النقل ولا يتفق مع العقل.
وإذا كان للوضع خطره، وللإسرائيليات خطرها، فإن هذا الخطر كان من الممكن تلافيه لو ذُكِرت لنا هذه الأقوال بأسانيدها، ولكن حذفها - وللأسف - عمَّى علينا كل شيء، وليت هؤلاء الذين حذفوا الأسانيد وعنوا بجمع شتات الأقوال فعلوا كما فعل ابن جرير من رواية كل قول بإسناده، فهو وإن كان لم يتحر الصحة فيما يرويه، إلا أن عذره في ذلك، أنه ذكر لنا السند مع كل رواية يرويها، وكانوا يرون أنهم متى ذكروا السند فقد خرجوا عن العهدة، فإن أحوال الرجال كانت معروفة في العهد الأول، وبذلك تعرف قيمة ما يروونه من ضعف وصحة.
  رد مع اقتباس