وهذي المحاضرة الأخيرة وبالتوفيق من الله للجميع ............
المحاضرة الحادية عشر :
5 - السراج المنير للخطيب الشربينى
التعريف بمؤلف هذا التفسير:
هو الإمام العلاَّمة شمس الدين، محمد بن محمد الشربيني، الشافعي الخطيب.
تلقى العلم عن كثير من مشايخ عصره ، و كان - رحمه الله - على جانب عظيم من الصلاح والورع، وقد أجمع أهل مصر على ذلك، ووصفوه بالعلم والعمل، والزهد والورع، وكثرة التنسك والعبادة.
توفى سنة 977هـ .
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
نجد أن تفسيره هو سهل المأخذ، ممتع العبارة. ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل، نقل فيه صاحبه بعض التفسيرات المأثورة عن السَلَف، كما أنه يذكر أحياناً أقوال من سبقه من المفسِّرين كالزمخشري، والبيضاوي، والبغوي، وقد يُوّجِّه ما يذكره من هذه الأقوال ويرتضيها، وقد يناقشها ويرد عليها.
ثم بعد ذلك يبين معاني الآيات بأسلوب بديع، ولم يُقحم نفسه فيما لا يعنى المفسِّر من ذكر الأعاريب التي لا تَمُتُّ إلى التفسير بسبب.
ولم يذكر فيه إلا حديثاً صحيحاً أو حسناً، ولهذا نراه يتعقب الزمخشري والبيضاوي فيما ذكراه من الأحاديث الموضوعة في فضائل القرآن سورة سورة، كما يُنَبِّه على الأحاديث الضعيفة إن روى شيئاً منها في تفسيره.
كما أننا نلاحظ عليه أنه يستطرد إلى ذكر الأحكام الفقهية. ومذاهب العلماء وأدلتهم .
كما لم يخل تفسير الخطيب، من ذكر بعض القصص الإسرائيلي الغريب، وذلك بدون أن يتعقبه بالتصحيح أو التضعيف.
هذا ولا يفوتنا أن الخطيب الشربيني، كثيراً ما يعتمد على التفسير الكبير للفخر الرازي، والذي يقرأ في تفسيره هذا، يجد أنه يكثر من النقول عنه. والكتاب متداول بين أهل العلم، لما فيه من السهولة والجمع لخلاصة التفاسير التي سبقته مع الدقة والإيجاز.
6 - روح المعاني فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى (للآلوسي).
التعريف بمؤلف هذا التفسير:
هو أبو الثناء، شهاب الدين، السيد محمود أفندي الآلوسي البغدادي .
كان رحمه الله شيخ العلماء في العراق اشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاث عشرة سنة .
وقد تتلمذ له وأخذ عنه خلق كثير من قاصي البلاد ودانيها، وتخرَّج عليه جماعات من الفضلاء من بلاد مختلفة كثيرة .
ثم سافر إلى القسطنطينية فعرض تفسيره على السلطان علي المجيد خان، فنال إعجابه ورضاه .
وكان - رحمه الله - عالماً باختلاف المذاهب، مطلعاً على الملل والنحل، سَلَفى الاعتقاد، شافعى المذهب، وكان فى آخر أمره يميل إلى الاجتهاد. ولقد خَلَّف - رحمه الله - للناس ثروة علمية كبيرة ونافعة، فمن ذلك تفسيره لكتاب الله ، وحاشيته على القطر ، وبعد وفاته أتمها ابنه السيد نعمان الألوسى
وقد توفى رحمه الله سنة 1270 هـ .
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
هذا التفسير قد أفرغ فيه مؤلفه وسعه، وبذل مجهوده حتى أخرجه للناس كتاباً جامعاً لآراء السلف رواية ودارية، مشتملاً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية، فهو جامع لخلاصة كل ما سبقه من التفاسير، فتراه ينقل لك عن تفسير ابن عطية، وتفسير أبى حيان، وتفسير الكشاف، وتفسير أبى السعود، وتفسير البيضاوي، وتفسير الفخر الرازي، وغيرها من كتب التفسير المعتبرة.
والألوسي سَلَفي المذهب سنِّي العقيدة، ولهذا نراه كثيراً ما يفنِّد آراء المعتزلة والشيعة، وغيرهم من أصحاب المذاهب المخالفة لمذهبه.
ومما نلاحظه على الألوسي في تفسيره، أنه يستطرد إلى الكلام في الأُمور الكونية. ويذكر كلام أهل الهيئة وأهل الحكمة، ويقر منه ما يرتضيه، ويُفنَّد ما لا يرتضيه
كذلك يستطرد إلى الكلام في الصناعة النحوية، ويتوسع في ذلك أحياناً إلى حد يكاد يخرج به عن وصف كونه مفسِّراً .
كذلك نجده إذا تكلم عن آيات الأحكام فإنه لا يمر عليها إلا إذا استوفى مذاهب الفقهاء وأدلتهم مع عدم تعصب منه لمذهب بعينه.
ومما نلاحظه أيضاً أنه شديد النقد للإسرائيليات والأخبار المكذوبة التي حشا بها كثير من المفسِّرين تفاسيرهم وظنوها صحيحة، مع سخرية منه أحياناً.
ثم إن الألوسي يعرض لذكر القراءات ولكنه لا يتقيد بالمتواتر منها، كما أنه يعنى بإظهار وجه المناسبات بين السور كما يعنى بذكر المناسبات بين الآيات ويذكر أسباب النزول للآيات التي أنزلت على سبب، وهو كثير الاستشهاد بأشعار العرب على ما يذهب إليه من المعاني اللغوية.
ولم يفت الألوسي أن يتكلم عن التفسير الإشاري بعد أن يفرغ من الكلام عن كل ما يتعلق بظاهر الآيات .
ومن هنا عَدَّ بعض العلماء تفسيره هذا في ضمن كتب التفسير الإشاري، كما عَدَّ تفسير النيسابوري في ضمنها كذلك، ولكنها جعلت في عداد كتب التفسير بالرأي المحمود، نظراً إلى أنه لم يكن مقصودهما الأهم هو التفسير الإشاري، بل كان ذلك تابعاً - كما يبدو - لغيره من التفسير الظاهر .
( تفسير الفقهاء )
تطور التفسير الفقهي
1ـ التفسير الفقهى من عهد النبوة إلى مبدأ قيام المذاهب الفقهية:
نزل القرآن الكريم مشتملاً على آيات تتضمن الأحكام الفقهية التي تتعلق بمصالح العباد في دنياهم وأُخراهم، وكان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفهمون ما تحمله هذه الآيات من الأحكام الفقهية بمقتضى سليقتهم العربية، وما أشكل عليهم من ذلك رجعوا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم جدَّت للصحابة من بعده حوادث تتطلب من المسلمين أن يحكموا عليها حكماً شرعياً صحيحاً، فكان أولى شيء يفزعون إليه لاستنباط هذه الأحكام الشرعية هو القرآن الكريم، ينظرون في آياته، ويعرضونها على عقولهم وقلوبهم، فإن أمكن لهم أن يُنزلوها على الحوادث التي جدَّت فيها ونعمت، وإلا لجئوا إلى سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوا فيها حكماً اجتهدوا وأعملوا رأيهم على ضوء القواعد الكلية للكتاب والسُّنَّة، ثم خرجوا بحكم فيما يحتاجون إلى الحكم عليه .
غير أن الصحابة في نظرهم لآيات الأحكام كانوا يتفقون أحياناً على الحكم المستنبَط، وأحياناً يختلفون في فهم الآية، فتختلف أحكامهم في المسألة التي يبحثون عن حكمها .
كالخلاف الذي وقع بين عمر بن الخطاب وعلىّ ابن أبى طالب (انظر الكتاب)
مثل هذا الخلاف كان يقع مع الصحابة حسبما يفهمه كل منهم في النص القرآني، وما يحيط به من أدلة خارجية، ومع هذا الاختلاف فقد كان كل واحد من المختلفين يطلب الحق وحده، فإن ظهر له أنه من جانب مَن خالفه رجع إلى رأيه وأخذ به.
2ـ التفسير الفقهي في مبدأ قيام المذاهب الفقهية :
ظل الأمر على هذا إلى عهد ظهور أئمة المذاهب - الأربعة وغيرها - وفيه جدَّت حوادث كثيرة للمسلمين لم يسبق لمن تقدمهم حكم عليها، لأنها لم تكن على عهدهم، فأخذ كل إمام ينظر إلى هذه الحوادث تحت ضوء القرآن والسُّنَّة، وغيرهما من مصادر التشريع، ثم يحكم عليها بالحكم الذى ينقدح فى ذهنه، ويعتقد أنه هو الحق الذى يقوم على الأدلة والبراهين، وكانوا يتفقون فيما يحكمون به أحياناً، وأحياناً يختلفون حسبما يتجه لكل منهم من الأدلة. غير أنهم مع كثرة اختلافهم في الأحكام لم تظهر منهم بادرة للتعصب للمذهب، بل كانوا جميعاً ينشدون الحق ويطلبون الحكم الصحيح .
3ـ التفسير الفقهي بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبي
ثم خَلَفَ من بعد هؤلاء الأئمة خَلْفٌ سرت فيهم روح التقليد لهؤلاء الأئمة .. التقليد الذي يقوم على التعصب المذهبي، ولا يعرف التسامح، ولا يطلب الحق لذاته ولا ينشده تحت ضوء البحث الحر، والنقد البريء.
ولقد بلغ الأمر ببعض هؤلاء المقلِّدة إلى أن نظروا إلى أقوال أئمتهم كما ينظرون إلى نص الشارع، فوقفوا جهدهم العلمي على نُصْرة مذهب إمامهم وترويجه، وبذلوا كل ما في وسعهم لإبطال مذهب المخالفة وتفنيده، وكان من أثر ذلك أن نظر هذا البعض إلى آيات الأحكام فأوَّلها حسبتما يشهد لمذهبه إن أمكنه التأويل .
أهم كتب التفسير الفقهي
1 - أحكام القرآن - لابن العربى (المالكى)
ترجمة المؤلف:
هو القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد الأندلسي، الإشبيلي، الإمام، ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحُفَّاظها .. كان أبوه من فقهاء أشبيلية ورؤسائها.
وكان يأخذ عن علماء كل بلد يرحل إليه حتى أتقن الفقه، والأُصول، وقيد الحديث، واتسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف والكلام، وتبحَّر في التفسير، وبرع في الأدب والشعر.. وأخيراً عاد إلى بلده أشبيلية بعلم كثير. وقد ألّف رحمه الله - تصانيف كثيرة مفيدة، منها "أحكام القرآن” وكانت وفاته - رحمه الله - سنة 543 هـ
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
يتعرض هذا الكتاب لسور القرآن كلها، ولكنه لا يتعرض إلا لما فيها من آيات الأحكام فقط، وطريقته في ذلك أن يذكر السورة ثم يذكر عدد ما فيها من آيات الأحكام، ثم يأخذ في شرحها آية آية .. قائلاً: الآية الأولى وفيها خمس مسائل (مثلاً)، الآية الثانية وفيها سبع مسائل (مثلاً) .... وهكذا، حتى يفرغ من آيات الأحكام الموجودة في السورة.
2 - الجامع لأحكام القرآن - لأبى عبد الله القرطبى (المالكى)
ترجمة المؤلف:
هو الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر الأنصارى، الخزرجى، الأندلسى، القرطبى المفسِّر.
كان - رحمه الله - من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين، الزاهدين فى الدنيا، مصنفاته: كتابه فى التفسير المسمى بـ "الجامع لأحكام القرآن"، وكتاب التذكار فى أفضل الأذكار .
توفي سنة 671 هـ
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
وصف العلامة ابن فرحون هذا التفسير فقال: "هو من أجَلِّ التفاسير وأعظمها نفعاً، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ".
والذي يقرأ في هذا التفسير يجد أن القرطبي - رحمه الله - قد وفَّى بما شرط على نفسه فى هذا التفسير، فهو يعرض لذكر أسباب النزول، والقراءات، والإعراب، ويبين الغريب من ألفاظ القرآن، ويحتكم كثيراً إلى اللُّغة، ويُكثر من الاستشهاد بأشعار العرب، ويرد على المعتزلة، والقدرية، والروافض، والفلاسفة، وغلاة المتصوفة، ولم يسقط القصص بالمرة، كما تفيده عبارة ابن فرحون، بل أضرب عن كثير منها ، كما ذكر في مقدمة تفسيره، ولهذا نلاحظ عليه أنه يروى أحياناً ما جاء من غرائب القصص الإسرائيلي.
هذا .. وإن المؤلف - رحمه الله - ينقل عن السَلَف كثيراً مما أُثِر عنهم فى التفسير والأحكام، مع نسبة كل قول إلى قائله وفاءً بشرطه، كما ينقل عمن تقدمه فى التفسير، خصوصاً مَن أَلَّف منهم فى كتب الأحكام، مع تعقيبه على ما ينقل منها. وممن ينقل عنهم كثيراً: ابن جرير الطبري، وابن عطية، وابن العربي، والكيا الهراسى، وأبو بكر الجصَّاص.
وأما من ناحية الأحكام، فإنَّا نلاحظ عليه أنه يفيض فى ذكر مسائل الخلاف ما تعلق منها بالآيات عن قُرْب، وما تعلق بها عن بُعْد، مع بيان أدلة كل قول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين