أحست ميرفت بطفلها وقد مات فصرخت مخنوقة مات وائل لتأتي صرخاته كلسان الحياة في صمت القبور ... إذن فهو حي يرزق.
سيبقى حيا أيضا
وكما حرمت الرعاية الطبية والصحية في حملها عانت ميرفت الأمرين بعد ميلاد طفلها وتهدد الخطر حياتها وحياته معا، فقد أعيدت إلى غرفتها بعد عدة ساعات من الولادة دون ان تبقى تحت الرقابة الطبية الفترة الكافية والتي تمتد لـ24 ساعة على الاقل وكان يزيد آلامها الخوف على طفلها الذي تركته بأيديهم بعد ان ابلغوها انهم سيحضروه لها في اليوم التالي.
شيء خفي وعاطفة مجهولة كانت وراء رفض ميرفت لقرار الإدارة ، أصرت مع رفيقتها على ان تحضره بنفسها من الغرفة، كانت تقول:" من يضمن لي ان لا يقوموا بتبديله؟؟" وأخيرا نجحت بذلك وأقنعت الضابط أن تحضره بنفسها.
((طلّة بهية))
سادت أجواء الفرح في غرف سجن الرملة، هناك طفل قادم لينشر بهجة الحياة بين صمت الجدران، إحدى الأسيرات وقفت على النافذة لتكون الدليل والرائد الذي يزف البشرى، وانطلقت الزغاريد ، ها قد اطل وائل أخيرا ألقت الأسيرات قطعا من الحلوى في ممر السجن فيما حملت أسيرة أخرى تقوم بتوزيع الغداء لبقية الأسيرات في الغرف الأخرى الحلوى وقدمتها إليهن.
ام وائل حملت طفلها وطافت به على الغرف، سمح للاسيرات بالنظر الى الطفل عند الابواب , كانت مرهقة ، لقد أعادت لها فرحتها بطفلها الأول ذكرياتها في الحياة خارج مدافن الأحياء.
تمالكت ميرفت نفسها للحظات ثم أجهشت بالبكاء قبل أن تنتهي لحظات الاحتفال ثم أعيدت مع مرافقتها وطفلها إلى غرفتهن لتعود الحياة الاعتقالية إلى سوداويتها من جديد.
تقول ابو حجلة:" منذ اليوم الاول لولادة وائل لم يحصل على أي خصوصية كطفل رضيع حديث الولادة".
وتشرح ذلك فتضيف الخضار واللحوم وكل المواد جيدة القيمة الغذائية ممنوعة، توقعنا ان يسمحوا بإدخالها لأم الرضيع فلم يفعلوا حتى وان كانت على حسابنا كأسيرات، وتضيف أبو حجلة :" حتى أننا طالبنا فقط بتغيير الحليب الموجود بالكانتين واستبداله بحليب اكثر دسما فرفضوا.
أزمة حليب
وتتضاعف المخاوف على وائل مع رفض والدته شرب الحليب، إذ تزامن ميلاد الطفل مع أزمة أثيرت في فلسطين المحتلة حول انتشار حليب فاسد، فخافت الأسيرة ميرفت أن تتناوله أو تسقيه لطفلها ، إذ أن عددا من الأطفال اليهود قد توفوا نتيجة شربهم الحليب رغم العناية الصحية والمستشفيات فكيف إذا تناول الحليب رضيع يعيش مع والدته في السجن.
فرح ودموع
وبدأ وائل يكبر، كان السجن يزيده ذكاء وحياة المعاناة تنبئ انه سينضج قبل أوانه ، اخترق صوته وهو يبكي حدود الزنزانة التي يقيم فيها لاول مرة مع موعد الفجر، كان المشهد يوحي برمزية رهيبة ، فصمت الطفل ينتهي مع زوال الظلام، واختلطت المشاعر على الأسيرات وهن يسمعن صوته لأول مرة كن فرحات لأنه بخير ويشكين الحزن لكونه في الأسر.
وتضيف أبو حجلة قائلة:" نفذت الفوط الصحية التي خصصت لوائل من المستشفى فطالبنا ببديل لها، احضروا لنا كمية بعد مماطلة ، فتحناها فاذا بها متعفنة، ابلغنا ادارة السجن بذلك، فصدمونا بالجواب :" دبروا حالكم الى الصباح.
تقول ابو حجلة :" كيف يمكننا ان نطلب من رضيع في أول أيام حياته أن يتدبر أمره، هم يدركون أن ذلك مستحيل لكنهم يتفننون في تعذيبنا.
وتضيف ابو حجلة عن مراحل الحياة الصعبة التي عاشها وائل أول أيام ولادته قائلة:" تخيلنا أن يعامل بلطف، أن ينظروا إليه كطفل بريء لكن عندهم بمجرد انك فلسطيني أنت مذنب وحياتك وحدها جريمة يجب ان تعاقب عليها وهكذا حدث مع وائل.
وتقول ابلغوا ام وائل عن موعد الطعم الأول قبل يوم واحد ولم يحضروا وان كانوا قد منحوه الطعم في اليوم التالي وكذلك ماطلوا في الطعام الثاني واعتقد أن احد الطعوم قد انقضى موعده دون ان يحصل عليه وائل.
الكل ممنوع
وتواصل أبو حجلة :" بدأ وائل يكبر واقترب الشتاء طالبنا بمدفأة صغيرة له رفضوا طالبنا بت "بانيو" صغير لتغسله والدته داخله رفضوا ايضا، كانت الام تغسله وتنظف ثيابه في نفس المغسلة، طالبناهم بالسماح بدخول ثياب جديدة رفضوا ايضا وكانوا يماطلون بادخالها وهنا يجب أن يكون مفهوما أننا طالبنا بتلك الأشياء على نفقتنا نحن لا نريد منهم أي منّة أو فضل تضيف أبو حجلة.
وكبر وائل وأصبح يلعب ويميز الأشياء انه لا يتوقف نهائيا عن الركض لا تراه جالسا ابدا وكأنه يريد ان يعوض عن ضيق المكان بكثرة الحركة.
×?°الشهداء والأسرى×?°[/size]