في العين.. وبالتحديد في بيت عبدالله بن خليفة، كان عبدالله توه راد من المقهى وراح البيت عشان يخبر أمه انه احمد وعياله وصلوا من لندن لأنها كانت تحاتيهم..
عبدالله ريال طويل وعريض.. وسيم جدا وابتسامته تحبب خلق الله كلهم فيه.. ورغم انه عمره 43 سنة.. بس ملامحه تخلي اللي يشوفه يتحراه بعده في الثلاثين.. ريال ناجح يملك اكبر شركات المقاولات في الدولة بكبرها.. توفى ابوه يوم كان عبدالله صغير وترك له هو وأخوه أحمد ثروة كبيرة عرف عبدالله كيف يستغلها ويستثمرها.. واستقل بنفسه وأسس له شركة مقاولات بروحه لأنه أخوه ما يحب عوار الراس وصدعة المقاولين والعمال والمهندسين..
بس رغم البيزات اللي عنده.. يظل عبدالله الريال المتواضع الرائع اللي كل حد يحبه.. حتى العمال اللي يشتغلون عنده في العزبة عمره ما فكر انه يتكبر عليهم.. مبدأه في الحياة واضح.. الناس كلهم عنده سواسية وما في فرق من بينهم.. معروف عنه في الأوساط التجارية انه أي شي تلمسه أصابعه يتحول لذهب.. من كثر ما كان حظه حلو في الحياة وفي التجارة .. الكل وده يتعامل وياه وكل الشباب يطالعونه بتقدير واحترام وودهم يكونون شراته..
بس محد قدر يوصل له ومحد قدر يكسر حاجز الصمت والعزلة اللي يعيشها عبدالله.. محد قدر يكسب حبه ويشغل باله غير العزبة وشغله.. وخصوصا عزبته اللي يعشقها بجنون .. ويحس انه بينه وبينها ترابط روحي كبير جدا.. هالارض ترمز لاشيا وايده في حياته.. ترمز لأحلامه اللي ماتت وذكرياته اللي ضاعت .. هالارض.. يحبها عبدالله اكثر من روحه حتى..
عبدالله من العين.. وعاش حياته كلها يتنقل بين العين وليوا .. من زود حبه لهالعزبة كان يسير لها قد ما يقدر واذا عنده شغل ياخذه وياه ويخلصه في ليوا عشان يقدر يشرف على المزرعة من هناك.. وكل ما سافر او ابتعد عن ليوا.. كان يدفعه لها شوق غريب وماله حدود يخليه اول ما يرد يروح لها قبل حتى لا يروح العين ويرتاح..
" عبدالله؟"
ابتسم عبدالله وهو يسمع صوت امه من داخل الصالة .. من عشرين سنة وامه ساكنة هني وياه في البيت.. بالتحديد .. من يوم ما ماتت مرته نورة باللوكيما.. يات امه وعاشت عنده عشان تطلعه او تنقذه من الكآبة اللي كان غرقان فيها..
عبدالله: السلام عليكم ..
ام احمد: وعليكم السلام والرحمة.. شو موقفنك عند الباب تعال ايلس في الصالة..
عبدالله: احمد اتصل وقال انهم وصلوا البلاد..
ام احمد (تبتسم): ماشالله وصلو؟ الحمدلله .. والله اني كنت احاتيهم.. هالطيايير ما منهن امان..
عبدالله: الله يهديج يا ام احمد انتي شو ما تحاتين؟
ام احمد: وليش ما احاتيه ؟؟ ماشالله بيته متروس يهال ..
عبدالله (يبتسم): اها.. ردينا لهالسالفة..
ام احمد (بنبرة حادة): ليش احنا خلصنا منها اصلا؟؟ متى بتودر عنادك هذا وبتعرس؟؟
ابتسم عبدالله بحزن.. تذكر نورة.. يوم ماتت.. لأول مرة في حياته.. حس عبدالله انه منحوس... وحزن على موتها حزن فظيع أكبر من حزن الام اللي تفقد طفلها.. كانت نورة صغيرة.. يا دوب كملت 17 سنة.. كانت امله في الحياة ما درى انه بيفقدها بهالسهولة..
ظل عبدالله فترة طويلة حبيس هالبيت.. ما يعرف أي شي عن العالم الخارجي.. ما يتذكر ياكل ولا يحب يتعامل ويا أي حد.. دفن كل احلامه معاها .. كره البيت وكان ما يطلع من غرفته.. ما يقدر يتجول في الغرف اللي هي بنفسها اختارت اثاثها.. ما يقدر يتخيل كيف ممكن تكون حياته لو انها بعدها عايشة وتحبه وتهتم فيه.. وبعد فترة يت امه وطلعته من الحزن اللي معيش عمره فيه.. لأنها حست انه يحتاجها..
وعقب ما ماتت نورة.. انقطع عبدالله عن عمه تماما.. ما كان يقدر يشوفه.. كل ما يشوف عيونه .. يتذكر الحزن ويتذكر نورة.. ويستعيد كل ذكرياته.. كان شي صعب بالنسبة له وقرر يبتعد عنهم .. وحتى عقب فترة يوم زاره عمه وقال له انه بيزوجه بنته الصغيرة اخت نورة.. رفض عبدالله هالشي نهائيا وقال له مستحيل اتزوج عقب نورة.. خل هالشي في بالك..
بعد فترة.. تعود عبدالله على حياته ومرت السنوات بسرعة وعبدالله يبني شركته ويكبرها واندمج في مشاريعه لدرجه خلته مدمن على الشغل ما يهمه شي في الدنيا غير انه يشتغل ويكبر شركته ويرضي امه وبس.. محد يتدخل في حياته.. حتى اخوه احمد ماله سلطة عليه وكل اللي يسأله ليش ما عرس يطنشه عبدالله وما يرد عليه..
الحقيقة انه ولا بنت قدرت تجذب اهتمامه وتخليه يحبها.. مهما كانوا البنات اللي عرفهن حلوات وبنات عرب وناس.. بس محد وصل لمكانة نورة ولا وحدة منهن قدرت تمحي ذكراها من باله.. لين الحين يذكر ضحكتها وصوتها وهي تشهق يوم كان يراويها الاثاث اليديد اللي اختارته عقب ما ركبوه في الغرف .. البيت بناه حقها .. كان رمز لحبه لها وعقب ما ماتت.. خلاص ما عاد يعني له أي شي.. عبدالله كان يحس انها بعدها مرته وانه يخونها يوم يفكر بغيرها.. احساس غريب خلاه يعتزل الحريم ويتم عايش في وحدته.. المرأة الوحيدة اللي في حياته هي أمه وبس..
وكانت أمه يوميا تكلمه عشان يعرس.. وهو يحاول يتهرب بكل الطرق..
ام أحمد: عبدالله؟.؟!! ويديييه.. جم مرة بزقرك عشان ترد عليه..
عبدالله: هههههه اسمحي لي الوالدة .. والله سرحت بفكري شوي..
ام احمد: مب جذه عادة .. زقرتك اكثر عن مرة..
عبدالله: تراني شيبت احينه خلاص ما اسمع..
ام أحمد: شيبت وبعدك ما عرست ..
عبدالله: انا شيبة.. منو هاي اللي بترضى بي.. ؟
ام أحمد: مية الف وحدة تتمناك انت بس اشر وانا بخطب لك اللي تبغاها..
عبدالله: بس انا مابا اعرس.. مب محتاي لحرمة..
ام أحمد: والله انك رفعت لي الضغط ويبت لي القلب والسكري بعنادك هذا..
عبدالله: هههه بسم الله عليج يام احمد.. لا تفاولين على عمرج جي هب زين..
ام احمد: يا ولدي انته مب صغير.. يبالك حرمة تييب لك عيال يورثونك من بعد عمر طويل ان شالله..
عبدالله: عيال أحمد هم اللي بيورثوني..
ام أحمد (بنبرة حادة): محد بيورثك غير عيالك يا عبدالله طيع الشور وخل عنك العناد..
سكت عبدالله عنها.. أمه ما كانت تعرف انه خايف.. خايف اذا رد يحب أي وحدة كثر ما حب نورة.. تبتعد عنه او تموت.. فرحته كانت بحساب عشان جذي كان خايف.. يخاف يفرح ويخاف انه يطمن لمستقبله.. ما يبا يخسر أي حد مرة ثانية خلاص.. عبدالله ما صدق يتخلص من الم موت زوجته... مستحيل اييب لعمره الم ثاني يديد ويفتح لعمره جرح كبير ثاني..
عبدالله: يا امي انا تعودت على هالعيشة خلاص عشت عمر بروحي.. ما بسير اييب لي حرمة تخرب عليه عيشتي.. عندي الشركة والعزبة وعندي احمد وعياله وعندي امي الله يخلي لي اياها.. شو ابا من الدنيا بعد؟
ام احمد: تبا حرمة وعيال.. محد ما يبا هالشي
ضحك عبدالله وهو يطالع امه اللي كانت تمثل انها معصبة بس هو يعرف انها ما تروم تزعل منه .. عبدالله يموت في امه رغم انها كل يوم تهزبه وتعامله على انه بعده صغير.. بس ويهها الحين يبين انها كانت صج تحاتيه..
ام أحمد: عيل باجر ان شالله بنسير نشوف احمد وعياله..
عبدالله: هى انا قلت له انه عشاهم علينا نحن ..
ام أحمد: زين سويت.. بسير اخبر تاميني وماريا عشان يسيرن باجر الصبح ينظفن البيت..
عبدالله: زين امايه.. وانا بتصل في المحامي.. عندي صفقة مهمة ابا اخذ رايه فيها..
ام احمد: زين ابويه..
قامت ام احمد عشان تشوف البشاكير وابتسم عبدالله بحنان وهو يطالع خطوات امه البطيئة والثجيلة بسبب كبر سنها.. وتنهد وهو يفكر بالمشروع اللي شاغل باله من اكثر من اسبوع وقرر يرمس المحامي سهيل عنه اخيرا.. واتصل به بعد تردد كبير..
.........................
عبدالله: السلام عليكم ورحمة الله
سهيل: وعليكم السلام والرحمة .. شحالك يا عبدالله؟
عبدالله: الحمدلله بخير وسهالة انته شحالك وشحال اهلك؟
سهيل: الحمدلله ربي يعافيك..
عبدالله: يا سهيل اريدك تتأكد لي من مشروع يديد داش فيه..
سهيل: منو صاحب المشروع ووين بيكون..؟
عبدالله: اتصل بي تاجر من دبي اسمه علي بن يمعة .. تعرفه؟
سهيل: لا والله ما اعرفه.. بس بسأل عنه وبخبرك باللي اعرفه..
عبدالله: زين تسوي.. تراه اتصل بي وقال انه يباني اشرف ع الفندق اللي بيبنيه..
سهيل: شي طيب والله مبروك يا عبدالله تستاهل..
عبدالله: الله يبارك فيك بس انا بعدني ما رديت عليه..
سهيل: ليش عاد؟
عبدالله: اليوم في المقهى سمعت مبارك بن هادف يرمس ويقول انه يبا يشرف ع المشروع.. وكا نيرمس بصوت عالي جنه يبا يوصل لي الرمسة..
سهيل: وانته شعليك منه؟؟ تعرفه هذا توه صغير وما يفهم في الشغل.. ومسوي عمره يبا ينافسك وهو ما يروم ع شركتك ..
عبدالله: مب هذا اللي شاغل لي بالي.. الريال يوم دق لي قال انه انا اول واحد يعرض عليه المشروع.. عيل مبارك شدراه؟
سهيل: وانته تبا تظيع المشروع من ايدك عشان مبارك درى بالسالفة؟
عبدالله: مدري مب مطمن لعلي بن يمعة.. اسلوبه ويايه كان دفش شوي..
سهيل: هههههههه .. انزين ما عليك بنطلع هالدفاشة من عيونه بأسعارنا.. ولا يهمك..
عبدالله (بارتياح بسيط): خلاص.. رد عليه باجر وبكون فكرت في الموضوع وبخليك تتصل به وتتفاهم وياه..
سهيل: ان شالله ..
عبدالله: في امان الله
سهيل: مع السلامة..
عبدالله كان يكره مبارك بن هادف.. كان عدوه الوحيد في هالدنيا.. لكنه في نفس الوقت كان يحترمه.. مبارك ابتدى وهو مهندس صغير تخرج من الجامعة من دون أي امكانات مادية.. وبدا شغله كمهندس واسس عقب شركته الخاصة فيه.. يعني كافح كفاح فظيع عشان يوصل لمكانته ويجمع كل هالثروة.. ومع انه مبارك عمره بس ستة وعشرين سنة.. بس عبدالله يخاف منه اكثر من أي مهندس ثاني في الدولة كلها.. وكان يظارب ظرابة عشان ياخذ المشاريع قبل لا يستحوذ عليها مبارك..
كان معروف عن مبارك انه لسانه وصخ وعصبي لدرجة فظيعة وانه مسوي رعب لكل العمال اللي يبنون مشاريع زباينه .. ويشغلهم ساعات طويلة وينهكهم لأبعد الحدود..
بس بعد ربع عبدالله يقولون انه قلبه طيب والاهم عند عبدالله انه محترم وعمره ما تعامل بالغش.. وعشان جذي عبدالله يحترمه..
تذكر عبدالله الموقف اللي استوى له ويا مبارك في المقهى قبل اسبوع.. كان مبارك يالس ويا ربعه وعبدالله يالس ويا سهيل المحامي وويا ربيعه بونايع.. وسمع مبارك يرمس عن مشروع النادي الرياضي اللي شركته مسئولة عنه ..
مبارك: نحن تعاقدنا ويا مجموعة الصقر وهم بيتكفلون بالحديد والاسمنت وباجي المعدات..
عبدالله كان يسمعهم وساكت عنهم بس يوم طرى مبارك هالمجموعة بالذات.. ما قدر يسكت وبما انه طاولته كانت جريبة من طاولتهم التفت وقال له: اسمح لي يا مبارك انا سمعت اللي قلته عن مجموعة الصقر..
مبارك (وهو عاقد حياته): هى بلاهم؟؟
عبدالله: يا ولدي ما انصحك تتعامل وياهم .. هاذيلا لعوزونا في مشروع المركز التجاري السنة اللي طافت وايد يتأخرون في شغلهم..
اعتفس ويه مبارك.. كان في رايه انه عبدالله شايف عمره احسن عن الكل وما تحمل يسمع منه هالنصيحة: شوف يا استاذ عبدالله.. انا اعرف لشغلي زين واعرف اتعامل ويا منو..
عبدالله انصدم .. وسهيل كان بيرد على مبارك بس بونايع منعه..
عبدالله: انا ما قلت انك ما تعرف بس حرام اسمع ترمس وتقول انك بتتعاقد معاهم واسكت وانا اعرف انه شغلهم مب شي..
مبارك: مابا منك نصيحة ولا اباك تتدخل في شغلي.. ممكن؟
عبدالله (اللي احمر ويهه من القهر): على هواك .. واسمح لي..
مبارك (من دون نفس): مسموح.. ولا تحاول تتقرب مني.. انا احسن عنك وشركتي احسن عن شركتك وبخليك عقب سنتين بس من اليوم تبند شركتك وكل حد بيطلبني انا عشان انفذ مشاريعهم..
عبدالله ابتسم يوم سمع هالرمسة.. وقال : ليش عاد؟ ما يستوي نكون انا وياك في نفس المكان؟
مبارك: لا ما يستوي.. لازم وحدة من الشركتين تخسر..
عبدالله: خلاص انت اللي طلبت هالشي..
تنهد عبدالله وهو يتذكر هالموقف .. وقرر انه ياخذ مشروع الفندق لو على خسارته بس عشان يرد الحركة لمبارك.. ترى وايد شايف عمره على غيره.. وعقب دقايق وقف عبدالله وسار يشوف امه وين.. عشان يسولف وياها شوي قبل لا يسير يرقد..
------------------